نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولو لم يجد الجنب الماء إلا في المسجد غير المسجدين ، جاز الدخول والأخذ من الماء والاغتسال خارجا. ولو كان كثيرا ، جاز أن يغتسل فيه.

ولو تيمم المجنب بدلا عن الجنابة ، ثم أحدث ما يوجب الوضوء ، أعاد تيممه بدلا من الغسل لا الوضوء على الأصح ، لعدم ارتفاع حدثه بالتيمم.

٢٢١
٢٢٢

المقصد الثاني

( في المياه )

وفيه فصول‌

٢٢٣
٢٢٤

الفصل الأول

( في المطلق )

وهو الباقي على أوصاف خلقته ، أو الممتزج بما لا يسلبه الإطلاق. وبالجملة ما يصدق عليه إطلاق اسم الماء من غير إضافة ، ولا يمكن سلبه عنه ، وهو المطهر خاصة من الحدث خاصة إجماعا ، لقوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (١) ولو كان غيره مطهرا لم يحسن تخصيص الامتياز ، ولقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (٢) ولو لا اختصاص الوضوء بالماء لما نقل إلى التراب إلا بعد. ومن الخبث على الأصح ، لورود الغسل بالماء.

ولا فرق بين المياه المطلقة الطاهرة في ذلك ، سواء نزل من السماء ، أو نبع من الأرض ، أو كان بحرا. قال عليه‌السلام : البحر هو الطهور ماؤه (٣). وتوضأ عليه من بئر بضاعة.

وإذا مازج المطلق طاهر ولم يسلبه الإطلاق فهو باق على حكمه ، وإن كان خليطا مستغنى عنه ، كالممتزج بقليل الزعفران والدقيق ونحوها. وكذا لو تغير أحد أوصافه بما يجاوره ولا يخالطه ، كالعود ونحوه من الدهن والشمع وما أشبهه في عدم الممازجة. وكذا ما لا يمكن صون الماء عنه ، كالطين والطحلب (٤)

__________________

(١) سورة الأنفال : ١١.

(٢) سورة النساء : ٤٣ وسورة المائدة : ٦.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ ـ ١٠٨١ الرقم ٣٢٤٦.

(٤) طحلب الماء : علاه الطحلب ، وطحلب الأرض : اخضرت بالنبات.

٢٢٥

والكبريت والنورة ، والمتغير بطول المكث ، وتوضأ عليه‌السلام من بئر بضاعة وكان ماؤها نقاعة (١).

وذلك التغير ليس بالنجاسة ، فإن كان بنفسه فالمطلوب ، وإن كان بغيره فبنفسه أولى.

والمسخن باق على طهوريته لبقاء الإطلاق ، ولأنهم تطهروا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ولم ينكر. نعم يكره استعماله في تغسيل الأموات ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا تعجل له النار (٢). فإن احتاج الغاسل إليه لشدة البرد ، زالت الكراهة.

والمشمس باق على الطهورية ، لكن تكره الطهارة به ، لأنه يورث البرص ، فإن عللناه بذلك احتمل اشتراط أمرين : كون المشمس في الأواني المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس ، لأن الشمس إذا أثرت فيها استخرجت منها زهومة تعلوا الماء ، ومنها يتولد المحذور عدا الذهب والفضة لصفاء جوهرهما. واتفاقه في البلاد المفرطة الحارة دون الباردة والمعتدلة ، لضعف تأثير الشمس فيها.

ولا فرق بين أن يقع ذلك قصدا أو اتفاقا ، لعدم اختلاف المحذور.

ويحتمل عموم الكراهية في الأواني المنطبعة وغيرها كالخزفية ، وفي البلاد الحارة وغيرها ، لعدم توقف الكراهية على خوف المحذور ، عملا بإطلاق النهي ، والتعرض للمحذور إشارة إلى حكمته ، ولا يشترط حصولها في كل صورة.

ولا يكره في الحياض والبرك والأنهار والأدوية إجماعا.

ولا يخرج الممتزج عن حكمه وإن زالت صفاته الثلاثة التي هي مدار الطهورية ، وهي اللون والطعم والرائحة ، مع بقاء إطلاق اسم الماء.

وما طرح فيه التراب قصدا لا يخرج عن الطهورية ، إلا مع سلب‌

__________________

(١) جامع الأصول ٨ ـ ١١.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٩٣ ح ٣ ب ١٠.

٢٢٦

الإطلاق ، وإن تفاحش تغيره. وكذا ما طرح فيه الملح المائي والجبلي. ولو سلبه إطلاق الاسم استويا في رفع الطهورية عنه ، فإن المائي أصله الأرض أيضا ، لأن المياه تنزل من السماء عذبة ، ثم تختلط بها أجزاء السبخة فتنعقد ملحا ، ولهذا لا يذوب في الشمس ، ولو كان منعقدا من الماء لذاب كالجمد.

ولو تناثرت الأوراق في الماء وتروح بها ، فهو باق على حكمه ما دام الإطلاق ، سواء تعفن أو لا ، سواء الربيعي والخريفي.

ولو اختلط الماء بمائع يوافقه في الصفات ، كماء الورد المنقطع الرائحة وماء الشجر ، احتمل اعتبار الأجزاء ، لتعذر اعتبار الصفات ، فإن كان الماء غالبا فهو طهور وإلا فلا. واعتبار بقاء الاسم أو عدمه على تقدير المخالفة ، فإن كان تغير الاسم لو خالفه خرج عن الطهورية ، وإلا فلا ، لأن الإخراج عن الاسم سالب للطهورية ، وهذا الممازج لا يخرج عن الاسم بسبب الموافقة في الأوصاف ، فيعتبر تغيره ليحصل ما طلبناه ، كما تفعل ذلك في حكومات الخراج.

وإن حكم ببقاء الطهورية ، إما لقلة الممازجة (١) على التقدير الأول ، أو لتفاقده (٢) عن الإخراج على الثاني مع تقدير المخالفة ، جاز استعمال جميعه ، لاستهلاك الممازج فيه وإطلاق الاسم عليه.

فلو قصر المطلق عن الطهارة من الحدث أو الخبث ومعه مضاف لو كمل لكفاه مع بقاء الاسم ، وجب ولم يسغ له التيمم ، والماء على أصل خلقته طاهر كغيره من الأعيان بالإجماع. فإن وقع فيه نجاسة انفعل إن كان قليلا أو تغير بها ، وإلا فلا.

__________________

(١) في « ق » الممازج.

(٢) كذا في « س » وفي « ر » لتقاعده ، وفي « ق » لتباعده.

٢٢٧

الفصل الثاني

( في الجاري )

كل المياه في أصلها على الطهارة كما تقدم ، فإن تغيرت بالنجاسة نجس ، أي ماء كان لقهر النجاسة إياه ، لقوله عليه‌السلام : خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (١). ولقول الصادق عليه‌السلام : فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب (٢).

وإن لم يتغير ، فالجاري لا ينفعل عنها ولا شي‌ء من أجزائه ، سواء كان كثيرا أو نهرا صغيرا ، إذا زاد على الكر ، وسواء قلت النجاسة أو كثرت ، وسواء كانت جامدة أو مائعة ، وسواء جرت مع الماء أو جرى عليها وهي واقفة.

ولا فرق بين ما فوقها وهو الذي لا يصل إلى النجاسة وما تحتها ، وهو الذي لم تصل إليه النجاسة ، وما جرى عليها [ الماء ] (٣) وما على جنبيها أو في سمتها ، وسواء قل الجاري عليها أو لا ، وسواء اغترف من القريب منها بل الملاصق أو البعيد عنها ، فإن الجريان (٤) المارة على النجاسة الواقفة طاهرة لاتحادها ، وإن قلت عن الكر مع التواصل ، لعموم الأدلة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ ـ ١٠١ ح ٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٠٢ ح ١.

(٣) الزيادة من « س ».

(٤) كذا في « ر » وفي « ق » و « س » الجريات.

٢٢٨

ولو تغير الجاري كله ، نجس أجمع. وإن تغير بعضه ، اختص المتغير بالتنجيس دون ما قبله و [ ما ] (١) بعده.

ولو وافقت النجاسة الجاري في صفاته ، اعتبر بالمخالف ، فإن كان تغيره نجس وإلا فلا ، ويعتبر ما هو الأحوط ، ولا يعتبر هنا كثرة الأجزاء. وكذا الواقف الكثير ، بخلاف المضاف الطاهر لو مازجه ، لغلظ أمر النجاسة.

ولو قل الجاري عن الكر ، نجس ، لعموم نجاسة القليل ، سواء ورد على النجاسة أو وردت عليه. ولو كان القليل يجري على أرض منحدرة ، كان ما فوق النجاسة طاهرا.

والماء الواقف في جانب النهر المتصل بالجاري ، حكمه حكم الجاري ، لاتحاده بالاتصال ، فإن تغير بعضه اختص المتغير بالتنجيس.

وماء المطر حال تقاطره كالجاري لا ينجس إلا بالتغير وإن قل ، لقول الصادق عليه‌السلام في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر ، فاختلطا فأصاب ثوب رجل : لم يضره ذلك (٢). ولا يشترط الجريان من الميزاب ، بل التقاطر من السماء كاف.

ولو انقطع التقاطر واستقر على وجه الأرض ثم لاقته نجاسة ، اعتبر فيه ما يعتبر (٣) في الواقف ، لانتفاء غلبة الجريان.

وماء الحمام في حياضه الصغار كالجاري حال إجراء المادة عليه ، لقول الصادق عليه‌السلام : هو بمنزلة الجاري (٤) ، وللضرر بالاحتراز عنه ، لكثرة الحاجة إليه ، ولأنه بجريانه عن المادة يشبه الجاري ، وشرطنا المادة لقول الباقر عليه‌السلام : ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة (٥). ولأنه بوجودها يقهر النجاسة ، فلا تساوي حال عدمها.

__________________

(١) الزيادة من « س ».

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٠٩ ح ٤.

(٣) في « س » اعتبر.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ١١١ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ١١١ ح ٤.

٢٢٩

ويشترط في المادة الكرية ، لأن الناقص مساو له فلا يفيد حكما ليس له. ولو كان الحوض الصغير في غير الحمام وله مادة ، فالأقرب إلحاقه بالحمام ، لمساواته في المعنى والحكمة (١) وهي الحاجة.

وإذا نجس الحوض الصغير من الحمام ، لم يطهر بإجراء المادة إليه ، ما لم يغلب عليه بحيث يستولي عليه ، لأن الصادق عليه‌السلام جعله كالجاري (٢).

ولو نجس الجاري ، لم يطهر إلا بالاستيلاء.

__________________

(١) في « س » الحكم.

(٢) في قوله عليه‌السلام : هو بمنزلة الجاري. المتقدم.

٢٣٠

الفصل الثالث

( في الراكد )

وهو قسمان : ماء بئر وغير ماء بئر ، وغير ماء البئر قسمان : قليل وكثير ، فهنا مطالب :

المطلب الأول

( في القليل )

وهو ما نقص عن الكر ، وهو على أصل الطهارة ، فإن لاقته نجاسة نجس ، سواء تغير بالنجاسة أو لا على الأصح ، لقول الرضا عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة يكفي الإناء (١). وقول الصادق عليه‌السلام : إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء (٢). ولأن النجاسة امتزجت بالماء وشاعت أجزاؤها في أجزائه ، ويجب الاحتراز عن أجزاء النجاسة ، ولا يمكن إلا بالاحتراز عن الجميع. ولا ينتقض بالكثير لقهره إياها.

ولا فرق بين النجاسة القليلة والكثيرة ، وإن كانت دما لا يدركه الطرف للعموم ، خلافا للشيخ (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ١١٤ قال في القاموس : كفأه كمنعه ، كبه وقلبه ، كأكفاه. والمراد إراقة مائه ، وهو كناية عن التنجيس.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ١١٧.

(٣) قال الشيخ في المبسوط [ ١ ـ ٧ ] : وذلك ـ أي القليل ـ ينجس بكل نجاسة تحصل فيها ، إلا ما

٢٣١

ولا فرق بين الثوب والبدن والماء ، ولا بين الدم وغيره ، كنقطة الخمر والبول التي لا تبصر ، والذبابة تقع على النجاسة ، لأن الظواهر المقتضية للاجتناب عامة ، يتناول ما يدركه الطرف وما لا يدركه.

ولو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا ، واعتبرت الكرية فيهما مع الساقية جميعا. ولو كان أحدهما أقل من كر ولاقته نجاسة ، فوصل بغدير بالغ كرا ، قيل : لا يطهر ، لامتيازه عن الطاهر والوجه الطهارة.

ولو شك في بلوغ الكرية فالوجه التنجيس ، لأصالة القلة ، وأصالة عدم الانفعال معارضة بالاحتياط. ولا فرق بين ماء الغدير والقليب (١) والآنية والحوض وغيرها.

المطلب الثاني

( في الكثير )

الكثير ما بلغ كرا فصاعدا ، ولا ينجس إلا بالتغير في أحد أوصافه الثلاثة تحقيقا أو تقديرا ، وإلا لزم الحرج ، لعدم انفكاك الماء من ملاقاة النجاسة ، وللأصل ، ولقوله عليه‌السلام : إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء (٢). وفي رواية : لم يحمل خبثا (٣). وقول الصادق عليه‌السلام مثله (٤).

وله حد مساحة ووزن ، فالمساحة ما كان كل واحد من أبعاده الثلاثة ثلاث أشبار ونصف على الأشهر ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذاك الكر من‌

__________________

لا يمكن التحرز منه ، مثل رءوس الإبر من الدم وغيره ، فإنه معفو عنه ، لأنه لا يمكن التحرز منه انتهى.

(١) القليب : البئر ، وقيل : العادية القديمة منها ، مطوية كانت أم غير مطوية ، سميت به لأنها قليب الأرض بالحفر.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ١١٧ و ١١٨.

(٣) جامع الأصول : ٨ ـ ١٢.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ١١٧.

٢٣٢

الماء (١). وفي رواية : لا بأس بها (٢) حذف النصف. فعلى الأول حده تكسير اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر ، وعلى الثاني سبعة وعشرون.

والوزن ألف ومائتا رطل بالعراقي على الأقوى ، لقول الصادق عليه‌السلام : الكر من الماء الذي لا ينجسه شي‌ء ألف ومائتا رطل (٣). وحمل على العراقي الذي وزنه مائة وثلاثون درهما ، لأن السائل من العراق فأجابه عليه بما يعهده. وقيل : بالمدني ، وقدره مائة وخمسة وتسعون درهما ، حوالة على موضع السؤال.

والاعتبار في الأشبار (٤) بالغالب دون النادر. والتقدير تحقيق لا تقريب ، لأنه تقدير شرعي تعلق به حكم شرعي فيناط به.

فروع :

الأول : لو تغير بعض الزائد على الكر ، فإن كان الباقي كرا فصاعدا ، اختص المتغير بالتنجيس ، لوجود المقتضي فيه دون غيره ، لأصالة الطهارة السالمة عن وجود مقتضى التنجيس. وإن كان أقل من كر ، عم التنجيس الجميع ، لأنه ماء أقل من كر لاقى نجسا فلحقه حكمه.

الثاني : لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميزة ، كان المأخوذ طاهرا ، لأنه جزء من الطاهر ، والباقي نجسا ، لأنه أقل من كر فيه نجاسة.

ولو أخذت النجاسة مع المغترف انعكس الحال. ولو لم تكن متميزة كان الباقي طاهرا أيضا. ويجوز استعمال جميع ذلك الماء ، سواء بقي قدر النجاسة أو لا.

الثالث : لو وقع في الكثير من النجاسة ما يوافقه في الصفات ، فالأولى الحوالة على التقدير ، فينجس لو تغيرت إحدى الصفات على تقدير المخالفة كما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٢٢ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ١١٨ ح ٧.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٢٣ ح ١.

(٤) كذا في « ر » وفي « ق » و « س » بالأشبار.

٢٣٣

تقدم ، لأن التغير إنما أثر لغلبة النجاسة على الماء وقهرها لا لذاته ، فإذا وجد لا معه أثر.

الرابع : النجاسة إذا جاورت الماء ولم تتصل به ، فتغير بالمجاورة ، لم يلحقه حكم التنجيس ، لأصالة الطهارة السالمة عن ملاقاة النجاسة.

الخامس : لو وجد نجاسة في الكر ، وشك في وقوعها قبل بلوغ الكرية أو بعدها ، رجع إلى أصالة الطهارة المتيقنة ، مع سلامتها عن ظن المزيل فضلا عن تيقنه. أما لو شك في بلوغ الكرية ، فإنه ينجس (١) ، لأصالة عدم البلوغ.

السادس : لو بلغ الجامد كرا ، فالأقرب انفعاله بالنجاسة الملاقية وإن لم تغير أحد أوصافه ، لاعتضاد بعض أجزاء المائع ببعض واتصاله به عند التصادم.

السابع : يجوز استعمال جميع الماء الكثير مع ملاقاته للنجاسة المتميزة. ولا يجب التباعد حد الكثرة ، فإن اغترف النجاسة بالآنية كان باطنها وما فيه نجسين ، والماء وظاهر الآنية طاهران إن دخلت النجاسة في الآنية مع أول جزء من الماء. وإن دخلت أخيرا ، فالجميع نجس.

ولو لم يدخل النجاسة في الآنية ، فالماء الذي فيها وباطنها طاهران [ وظاهرا ] (٢) وباقي الماء نجسان إن حصلت الآنية تحت الماء ، وإلا فالجميع نجس ، لأن الماء يدخل الآنية شيئا فشيئا ، والذي يدخل فيها أخيرا نجس ويصير ما في الآنية نجسا.

الثامن : لو بال في الراكد الكثير ، لم ينجس ، وجاز الوضوء به له ولغيره.

__________________

(١) في « س » نجس.

(٢) الزيادة من « س ».

٢٣٤

المطلب الثالث

( في ماء البئر )

وهو على أصل الطهارة كغيره من المياه ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، فإن وقعت فيه وغيرت أحد أوصافه الثلاثة نجس إجماعا ، لانقهار قوته المطهرة بقوة النجاسة المغيرة.

وإن لم يتغير شي‌ء من أوصافه فخلاف ، وأقربه البقاء على أصالة الطهارة ، ولقول الرضا عليه‌السلام : ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء ، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه (١). ولأنها لو نجست لما طهرت ، إذ طريقه النزح إجماعا ، ولا بد وأن يتساقط من المنزوح شي‌ء ، فيعود التنجيس.

ولا تكره الطهارة بماء البئر ، ويستوي في ذلك ماء زمزم وغيرها للأصل.

ويستحب التباعد بين البئر والبالوعة بقدر خمس أذرع إن كانت الأرض صلبة ، أو كانت البئر فوق البالوعة ، وإلا فسبع حذرا من وصول مائها إليها ، وللرواية (٢).

ولا يحكم بنجاسة البئر مع التقارب ، إلا مع علم وصول ماء البالوعة إليها ، مع التغير عندنا ، ومطلقا عند آخرين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٢٦ ح ٦.

(٢) هي رواية قدامة بن أبي زيد الجماز عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ، قال : سألته كم أدنى ما يكون بين البئر : بئر الماء والبالوعة؟ فقال : إن كان سهلا فسبع أذرع ، وإن كان جبلا فخمس أذرع الحديث وسائل الشيعة : ١ ـ ١٤٥ ح ٢.

٢٣٥

الفصل الرابع

( في المضاف )

وهو كل ما يفتقر صدق الماء عليه إلى قيد ، ويصح سلبه عنه ، سواء اعتصر من جسم ، أو استخرج منه ، أو مزج به مزجا يسلبه إطلاق الاسم ، كماء الورد والمرق.

وهو على أصل الطهارة كغيره من الأجسام الطاهرة للأصل. ولا يرفع حدثا إجماعا وإن كان نبيذ التمر ، سواء الحدث الأكبر والأصغر. ولا يزيل الخبث على الأصح ، لعموم الأمر بالغسل بالماء ، وإنما ينصرف الإطلاق إلى المطلق.

وينجس بكل ما يلاقيه من النجاسات ، قلت أو كثرت ، غيرت أحد أوصافه أو لا ، قل أو كثر ، لأنه عليه‌السلام سئل عن فأرة وقعت في سمن؟ فقال عليه‌السلام : إن كان مائعا فلا تقربوه (١). وترك الاستفصال يدل على العموم في القليل والكثير ، ولأنه قاصر عن دفع النجاسة ، فإنه لا يطهر غيره ، فلا يدفعها عن نفسه كالقليل.

فإن مزج طاهره بالمطلق اعتبر إطلاق الاسم ، فإن كان باقيا فهو مطلق ، وإلا فمضاف.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٤٩ ح ١ مع تفاوت في الألفاظ.

٢٣٦

ولو تغير المطلق بطول مكثه وخرج عن صدق إطلاق اسم الماء عليه ، فهو مضاف.

ولو نجس المضاف ثم امتزج بالمطلق الكثير ، فغير أحد أوصافه ، فالمطلق على طهارته لأن التغير ليس بالنجاسة ، بل بالنجس ، وبينهما فرق. خلافا للشيخ (١).

ولو وافقت النجاسة صفات المضاف ، ثم امتزج بالمطلق فغير صفته ، اعتبر التغير التقديري.

ولو مزج المضاف النجس بالمطلق ، فسلبه إطلاق الاسم ، خرج عن كونه مطهرا ، وفي الخروج عن كونه طاهرا إشكال ، أقربه ذلك.

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ٥.

٢٣٧

الفصل الخامس

( في الأسئار )

الأسئار : بقية ما يشرب منه الحيوان ، وهي تابعة له في الطهارة والنجاسة ، فسؤر كل حيوان طاهر طاهر ، وسؤر النجس نجس ، فالآدمي إن كان مسلما أو بحكمه فسؤره طاهر ، وإن كان كافرا أو بحكمه فسؤره نجس ، والغلاة ومن يظهر العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام أنجاس.

وغير الآدمي كالآدمي ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن سؤر اليهودي والنصراني؟ قال : لا (١). وسئل عن الكلب يشرب من الإناء؟ قال : اغسل الإناء (٢). وتعجب الصحابة من إصغاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإناء للهرة فقال : إنها ليست بنجسة إنها من الطوافة عليكم (٣). جعل طهارة العين علة لطهارة السؤر.

وسئل الصادق عليه‌السلام عن السنور؟ قال : لا بأس أن يتوضأ من فضلها ، إنما هي من السباع (٤).

وسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحياض في الفلوات وما ينوبها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٦٥ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٦٢ ح ٣.

(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ١٣١ الرقم ٣٦٧.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٦٤ ح ٣.

٢٣٨

من السباع؟ فقال : لها ما حملت في بطونها وما أبقت فهو لنا شراب وطهور (١). وقال الباقر عليه‌السلام : لا بأس بسؤر الفأرة (٢).

فروع :

الأول : منع بعض علمائنا من سؤر ولد الزنا ، والوجه الكراهية ، لأصالة الطهارة ووقوع الخلاف.

الثاني : حكم الشيخ بنجاسة المجبرة والمجسمة (٣). وابن إدريس بنجاسة غير المؤمن (٤). والوجه عندي الطهارة.

الثالث : لو تنجس فم الهرة بسبب ، كأكل فأرة وشبهه ، ثم ولغت في ماء قليل ، ونحن نتيقن نجاسة فمها ، فالأقوى النجاسة ، لأنه ماء قليل لاقى نجاسة ، والاحتراز يعسر عن مطلق الولوغ ، لا عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم.

ولو غابت عن العين واحتمل ولوغها في ماء كثير وجار لم ينجس ، لأن الإناء معلوم الطهارة ، فلا يحكم بنجاسته بالشك.

الرابع : يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير ، إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة ، للأصل ، ولأن الأحاديث عامة في استعمال سؤر الطيور والسباع ، وهي لا تنفك عن تناول ذلك عادة ، فلو كان مانعا لوجب التنصيص عليه.

الخامس : يكره سؤر الحائض المتهمة ، عملا بأصالة الطهارة ، وصرف النهي إلى الكراهة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ ـ ١٦٤ ما يدل على ذلك.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٧٣ ح ٨.

(٣) المبسوط : ١ ـ ١٤.

(٤) السرائر ص ١٣.

٢٣٩

السادس : منع الشيخ (١) من سؤر الطيور الجلالة. وليس بجيد ، لأصالة الطهارة. وحيوان الحضر منع الشيخ (٢) من استعمال سؤره إلا ما لا يمكن التحرز منه ، كالفأرة والهرة والحية.

وليس بجيد لما تقدم ، ولأن الصادق عليه‌السلام سئل عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم يترك السائل شيئا إلا سأله عنه ، فقال : لا بأس ، حتى انتهى إلى الكلب فقال : رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (٣).

السابع : سؤر مكروه اللحم مكروه ، كالبغال والحمير والدواب ، لأن فضلات الفم الذي لا تنفك عنها تابع للحم.

وكذا يكره سؤر الدجاج ، لعدم انفكاك منقارها غالبا من النجاسة. وكذا يكره سؤر الفأرة والحية.

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٠.

(٢) نفس المصدر.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٦٣ ح ٤.

٢٤٠