نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

نجسة ، لم تبطل صلاته. ولو كان قميصه طويلا ونجس ذيله ، فإن ارتفع بقيامه لم تصح الصلاة فيه ، وإلا جاز.

ولو قبض طرف حبل أو ثوب وطرفه الآخر على نجاسة أو نجس ، أو مشدود في كلب ، صحت صلاته وإن تحرك بحركته.

الرابع : البدن يجب تطهيره من النجاسات كالثوب.

ومن جبر عظمه بعظم نجس ، فإن احتاج إليه ولم يجد عظما طاهرا فهو معذور للضرورة ، ثم إن تمكن من نزعه من غير ضرر وجب ، فإن لم يفعل جبره السلطان عليه ، فلا تصح صلاته ، لأنه حامل نجاسة يمكن إزالتها وقد تعدى بحملها. ولو لحقه يسير ألم لم يعذره. ولا فرق بين أن يكسي اللحم أو لا.

ولو خاف من نزعه هلاكا ، أو إتلاف عضو ، أو مرضا ، أو شيئا ، لم يجب نزعه ، سواء فرط بجعله أو لا.

ولو مات قبل النزع لم يجب نزعه ، لما فيه من المثلة وهتك حرمة الميت ، ولأن غاية النزع تحصيل شرائط الصلاة ، وهي منتفية هنا.

الخامس : لو داوى الجرح بالدواء النجس ، أو خاطه بخيط نجس ، فكما لو جبر بعظم نجس. وكذا لو شق موضعا من بدنه وجعل فيه دما.

أما لو وسم يده أو بعض جوارحه بالعظم وشبهه ، فالأقرب الطهارة وإن نجس عند الغرز.

السادس : الشعر النجس ـ وهو شعر الكلب والخنزير ـ لا يجوز وصله بالشعر ، لئلا يستصحب النجس في الصلاة. وكذا الادهان بالدهن النجس إلا بعد غسله.

ويجوز الامتشاط بمشط العاج ، لأن العظم لا تحله الحياة ، فلا ينجس بالموت.

٣٨١

أما الشعر الطاهر فالأقرب كراهة وصله ، إلا مع الغش فيحرم ، والأقرب عدم تحريم النظر إليه وإلى العضو المبان من الأجنبية ، لأنه ليس محل الشهوة.

ويجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر غير الآدمي ، سواء كانت شابة أو شيخة ذات زوج أو لا على كراهية. وتحمير الوجه إن اشتمل على غش حرم ، وإلا فلا.

ويجوز الخضاب بالسواد وتطريف الأصابع ، والخضاب بالحناء مطلقا ، وتسوية الأصداغ (١) ، وحف الشعر.

وأما النجاسة المخففة فسيأتي البحث عنها.

النظر الثالث

( في الإخفاء )

يجب أن يكون الساتر حائلا بين الناظر ولون البشرة ، فلو حكى الثوب ما تحته من لون ، كسواد البشرة أو بياضها ، لم تجز. وكذا لو كان غليظا ذا فرج تظهر العورة من فرجه ، لانتفاء المقصود من الستر.

ولا يجب إخفاء الحجم ، فلو ستر اللون ووصف الحجم فلا بأس ، كما لو لبس ثوبا صفيقا ووقف في الشمس وكان حجم الأعضاء يبدو من ورائه.

ولو وقف في ماء صاف لم تصح صلاته ، لأنه لا يحول بين الناظر ولون البشرة ، إلا مع الإخفاء بغلبة الخضرة لتراكم الماء ، بأن خاض فيه إلى عنقه ومنعت الخضرة من رؤية اللون.

ولو كان الماء راكدا يمنع من المشاهدة ، فالأقوى عدم الإجزاء ، لأنه لا يعد ساترا. ويحتمل الإجزاء لأنه يمنع المشاهدة ، فأشبه ورق الشجر ، فيصح لو قدر على الركوع والسجود على الأرض ، أو كان في صلاة الجنازة وشرطنا الستر فيها.

__________________

(١) الصدغ جمع أصداغ : ما بين العين والأذن ، وهما صدغان : الشعر المتدلي على هذا الموضع.

٣٨٢

ولو طين عورته واستتر اللون أجزأه وإن قدر على الثوب على إشكال ، ولو فقده وجب.

المطلب الثالث

( في حكم الصلاة في الثوب النجس )

تجب إزالة النجاسة المغلظة (١) عن الثوب ، إلا ما لا يتم الصلاة فيه منفردا. والبدن ، وموضع الجبهة. فإن صلى وعلى ثوبه أو بدنه أو مسجده نجاسة مغلظة عالما مختارا ، بطلت صلاته ووجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه إجماعا ، لأنه لم يفعل المأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف.

ولو لم يعلم بالنجاسة لا حال الصلاة ولا قبلها ، فقولان : أقربهما الإعادة في الوقت لا خارجه ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيجب عليه الإعادة. وأما القضاء فإنما يجب بأمر جديد ولم يحصل.

وقيل : لا تجب الإعادة ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم (٢). ولأنه عليه‌السلام خلع نعله في الصلاة ، فخلع الناس نعالهم ، فلما قضى صلاته قال : ما حملكم على صنيعكم؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا ، فقال : إن جبرئيل عليه‌السلام أتاني فأخبرني أن فيها قذرا (٣). ولم يستأنف ، ولا حجة فيه عندنا.

ولا يعذر جاهل الحكم ، ويعذر المضطر كالمكره على الصلاة فيه ، وخائف البرد إذا لم يجد غيره ، وغير المتمكن من نزعه. ولا إعادة في الجميع للامتثال.

أما لو سبقه العلم قبل الصلاة ونسي حال الصلاة فصلى فيه ، فالأقوى الإعادة في الوقت وخارجه ، لتفريطه بالنسيان. وقيل : تجب الإعادة لا‌

__________________

(١) في « ق » الغليظة.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٥٤.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٢٩٦.

٣٨٣

القضاء. وقيل : لا تجبان ، لأن ما عذر فيه بالجهل عذر بالنسيان ، بل هو أولى لورود النص فيه بالعفو.

وإذا أوجبنا الإعادة أعاد كل صلاة تيقن أنه صلاها مع تلك النجاسة. ولو احتمل تجديدها بعد الصلاة لم تجب إعادتها.

والأصل في الخلاف أن خطاب الشرع انقسم إلى خطاب تكليف بالأمر أو النهي والنسيان يؤثر فيه ، فإن الناسي لا يأثم بترك المأمور به ، ولا يفعل المنهي لانتفاء التكليف عنه والتحاقه بالمجنون. وإلى خطاب إخبار ، وهو ربط الأحكام بالأسباب ، وجعل الشي‌ء شرطا أو مانعا ، ويسمى « خطاب الوضع ».

فإذا قال : إذا لم يوجد كذا في كذا فهو غير معتد به كان شرطا ، والنسيان لا يؤثر فيه. ولهذا يجب (١) الضمان على من أتلف مال غيره ناسيا لقوله « من أتلف ضمن » (٢).

فإن جعلنا استصحاب النجاسة من قبيل المناهي في الصلاة ، كان النسيان عذرا ، ولا يعيد مقصرا ولا مخالفا ، فلا تجب الإعادة. وإن جعلنا الطهارة من قبيل الشروط فلا يؤثر النسيان ، كما في طهارة الحدث ، وقد ورد النهي في قوله تعالى ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (٣) وقوله عليه‌السلام : تنزهوا عن البول (٤). والشرط لقوله عليه‌السلام : تعاد الصلاة من قدر الدرهم (٥).

ولا يصح أن يصلي في الثوب النجس ، سواء كان هو الساتر أو غيره ، لأن علة تشريف المساجد جعلها وقفا على الصلاة ، وقد أمر بتنزيه المسجد عن النجاسة ، فالعلة أولى.

__________________

(١) في « ق » ولقد استحسن الضمان.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ ـ ٢٣٩.

(٣) سورة المدثر : ٥.

(٤) جامع الأصول ٨ ـ ٤٧ ما يدل على ذلك.

(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٢٦.

٣٨٤

وكذا لا يصح أن يصلي وهو حامل للنجاسة وإن كانت مستورة ، كالقارورة المضمومة المشتملة على نجاسة ، وإن كانت مضمومة بالرصاص.

ولو حمل حيوانا حيا طاهرا صحت صلاته وإن لم يكن مأكول اللحم. والنجاسة الباطنة فيه معفو عنها لأنها في معدتها كالمصلي. وقد صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسن والحسين عليهما‌السلام يركبانه.

ولو كان مذبوحا وقد غسل موضع الدم منه ، فإن كان مأكول اللحم صحت صلاته ، وإلا فلا. لأن باطن الحيوان الحي لا حكم له ، أما الميت فحكمه حكم القارورة.

ولو شاهد النجاسة على ثوبه في أثناء الصلاة ، رماها عنه وأتم صلاته ، لعدم العلم بالسبق. فإن تعذر إلا بنزع الثوب نزعه ، فإن لم يكن عليه غيره واحتاج إلى فعل كثير في لبس غيره ، أو في نزعه ، استأنف الصلاة في ثوب طاهر ، تحصيلا للشرط.

ولو وقعت عليه نجاسة وهو في الصلاة ، ثم زالت عنه وهو لا يعلم ثم علم ، استمر على حاله أو استأنف على الخلاف.

ولو أخبره الغير بنجاسة ثوبه بعد الصلاة لم يعد ، للأصل ، ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ، ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلى فيه ، قال : لا يعيد شيئا من صلاته (١).

ولو حمل المصلي من استجمر صحت صلاته ، لأن محل الاستجمار عندنا طاهر للرواية ، وإن قلنا إنه نجس معفو عنه ، فالأقرب أنه كذلك ، كما يعفى عن الحامل. ويحتمل المنع ، لأن العفو للحاجة ، فاختصت به لا بالغير ، إذ لا حاجة به إلى حمله. وكذا لو حمل من على ثوبه نجاسة معفو عنها. وكذا لو عرق وتلوث بمحل النجو. لكن الأقوى هنا العفو ، لعدم الاحتراز إن قلنا بالنجاسة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٦٩ ح ٤.

٣٨٥

ولو حمل بيضة صار حشوها دما لم تصح صلاته كالقارورة ، بخلاف الحيوان ، لأن للحياة أثر في دفع النجاسات ، فإنها لو زالت نجس جميع الأجزاء. وكذا تبطل لو حمل عنقودا استحال باطن حباته خمرا. وكذا كل استتار خلقي.

تتمة :

طين الطريق إن علم اختلاطه بالنجاسة ، وجب اجتنابه ولا يعفى عنه ، سواء قل أو كثر. وكذا لو غلب على الظن ذلك.

ولو اشتبه بني على أصل الطهارة ، عملا بالاستصحاب السالم عن معارضة ظن النجاسة ويقينها. لكن يستحب إزالته بعد ثلاثة أيام ، لعدم انفكاكها عن ملاقاة نجاسة فيها غالبا.

ويجوز أن يصلي في ثوب عمله المشرك إذا لم يعلم مباشرته له برطوبة ، عملا بالاستصحاب ، ولقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بالصلاة في الثياب التي تعملها المجوس والنصارى واليهود (١). وللشيخ قول بالمنع (٢). حسن لغلبة الظن بالمباشرة مع الرطوبة. وفي رواية : يستحب رشه (٣). ولو علم مباشرتهم بالرطوبة وجب غسله ، وإلا استحب. وتجوز الصلاة في ثياب الصبيان ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل أمامة بنت أبي العاص في الصلاة. وكذا يجوز في ثوب الحائض ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعائشة : ليس حيضك في ثوبك (٤). وفي ثوب يجامع فيه ما لم يعلم أو يظن ملاقاة النجاسة له.

ويستحب غسل ما أعاره من ثيابه لمن لا يتقي النجاسة ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا تصل فيه حتى تغسله (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٩٣ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ ـ ٨٤.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٩٣ ح ٣.

(٤) جامع الأصول ٨ ـ ٢١٩.

(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٩٥ ح ٢.

٣٨٦

وعفي عن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا وإن كانت النجاسة مغلظة. وعما نقص عن الدرهم البغلي من الدم في الثوب والبدن ، عدا الدماء الثلاثة ودم نجس العين. وعفي عن نجاسة ثوب المربية للصبي ببوله ورجيعه إذا غسلته في اليوم مرة واحدة ، وقد تقدم ذلك كله.

المطلب الرابع

( في ما تكره الصلاة فيه )

وهي أربعة عشرة :

الأول : تكره الصلاة في الثياب السود ، ما عدا العمامة والخف ، لقوله عليه‌السلام : البسوا ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم (١). واختصاص الأمر به يشعر باختصاصه بالفضيلة ، فيكون أشد الألوان معاندة له مكروها. وقال الصادق عليه‌السلام : يكره السواد إلا العمامة والخف والكساء (٢).

الثاني : يكره للرجل المعصفر والمزعفر ، لقوله عليه‌السلام لابن عمر وكان عليه ثوبان معصفران : هذه من ثياب الكفار (٣). وقال الصادق عليه‌السلام : يكره الصلاة في المشبع بالعصفر والمضرج بالزعفران (٤).

الثالث : الثوب الأحمر المشبع بالصبغ ، لقول الصادق عليه‌السلام : تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم (٥) والمفدم ـ بسكون الفاء ـ المصبوغ بالحمرة.

الرابع : اشتمال الصماء إجماعا ، لقول الباقر عليه‌السلام لزرارة : إياك والتحاف الصماء ، قلت : وما التحاف الصماء؟ قال : أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٥٥.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٧٨.

(٣) جامع الأصول ١١ ـ ٢٨١ الرقم ٨٢٨٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٣٣٦ ح ٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٣٣٦ ح ٢.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٩٠ ح ١.

٣٨٧

الخامس : قيل : يكره السدل ، وهو أن يلقي طرفي الرداء من الجانبين ، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر ولا يضم طرفيه بيده.

السادس : يكره أن يأتزر فوق القميص ، لأن فيه تشبيها بأهل الكتاب ، وقد نهى عليه‌السلام عنه (١). وقال الصادق عليه‌السلام : لا ينبغي أن يتوشح بإزار فوق القميص إذا صليت ، فإنه من زي الجاهلية (٢).

السابع : يكره أن يؤم بغير رداء ، وهو الثوب الذي يجعل على المنكبين ، لأن الصادق عليه‌السلام قال لما سئل عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء : لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء ، أو عمامة يرتدي بها (٣).

الثامن : استصحاب الحديد ظاهرا ، ولا يكره مع الستر للرواية (٤). وكذا يكره في خاتم حديد ، لقوله عليه‌السلام : لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد (٥).

التاسع : تكره الصلاة في ثوب يتهم صاحبه فيه ، إما بعدم التوقي من النجاسة ، أو الغصب. وليس محرما ، للأصل.

العاشر : يكره في ثوب فيه تماثيل أو صور ، لقوله عليه‌السلام : إن جبرئيل أتاني فقال : إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تمثال جسد (٦). ونفور الملائكة يدل على الكراهية.

الحادي عشر : يكره التصليب في الثوب ، لأنه عليه‌السلام كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قضبه (٧) يعني قطعه. ولأن فيه تشبيها بالنصارى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٨٧ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٨٧ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٢٩ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٠٣.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٠٣ ح ١.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٦٤ ح ١.

(٧) نهاية ابن الأثير ٤ ـ ٧٦.

٣٨٨

الثاني عشر : الصلاة في خاتم فيه صورة ، لقول الصادق عليه‌السلام في الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك ، لا تجوز الصلاة فيه (١).

الثالث عشر : صلاة المرأة في خلخال له صوت ، لاشتغالها فيه ، وفي التعدية إلى الجلجل وكل ما فيه تصويت إشكال.

الرابع عشر : الصلاة في القباء المشدود في غير الحرب ، لمنافاته هيئة الخشوع.

خاتمة :

لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم ، كالشمشك والنعل السندي وغيره مما ليس له ساق ، لأن النبي عليه‌السلام لم يفعله. ولا بأس بما له ساق إجماعا كالخف والجرموق ، لقول الصادق عليه‌السلام : وصل فيها (٢).

وتستحب في النعل العربية ، اقتداء بالرسول وأهل بيته عليه‌السلام ، قال معاوية بن عمار : رأيت الصادق عليه‌السلام يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط (٣).

ولا يجوز أن يصلي الرجل وعليه لثام يمنعه من القراءة أو سماعها. وكذا النقاب للمرأة إن منعها ذلك ، لما فيه من ترك الواجب.

ولو كان بين يديه وسادة عليها تمثال ، طرح عليها ثوبا وصلى ، للرواية (٤).

والأقرب أنه لا يجب إعلام المصلي الجاهل بنجاسة ثوبه.

ويجوز أن يصلي وعليه البرطلة ، للرواية (٥) المعتضدة بالأصل وعدم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٢٢ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣١٠ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٠٨ ح ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٦١ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣١٥ ب ٤٣.

٣٨٩

المعارض. وأن يصلي في الثوب المشتمل على تمثال إذا غيرت (١) الصورة ، أو وضعه تحت رجليه. وأن يصلي في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة ، للأصل والرواية (٢).

وأن يلبس الخز لأن زين العابدين عليه‌السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء ، فإذا جاء الصيف باعه وتصدق بثمنه ، وكان يقول : إني لأستحيي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه (٣). وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تصلي المرأة عطلى (٤).

ويجوز أن يصلي الرجل والمرأة وهما مختضبان ، أو عليهما خرقة الخضاب مع الطهارة للأصل ، وسئل الكاظم عليه‌السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود والقراءة أيصلي في حنائه؟ قال : نعم إذا كانت خرقته طاهرة (٥).

ويجوز أن يصلي الرجل ويده تحت ثيابه ، وإن أخرجها كان أفضل للرواية (٦) ولا ينبغي أن يصلي الرجل وهو محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار ، لئلا تبدو عورته ، وللرواية (٧).

__________________

(١) في « س » غيب.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٣٢٥ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٦٥ ح ١٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٣٣٥ ح ١ ب ٥٨.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣١٢ ح ٢.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣١٣ ح ١.

(٧) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٨٥ ح ٣.

٣٩٠

الفصل الخامس

( في القبلة )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( الماهية )

القبلة كانت أولا بيت المقدس ، وكان عليه‌السلام يحب التوجه إلى الكعبة ، لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه‌السلام فكان عليه‌السلام بمكة يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، فيتوجه إليهما. فلما انتقل إلى المدينة تعذر ذلك ، فبقي سبعة عشر شهرا يصلي إلى بيت المقدس ، فدعا الله تعالى أن يحول قبلته إلى الكعبة ، فكان يقلب وجهه إلى السماء ينتظر الوحي ، فأنزل الله تعالى ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) الآية. وكان الناس بناحية قبا في صلاة الصبح ، فأتاهم من أخبرهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة (١).

والقبلة : هي الكعبة مع المشاهدة إجماعا ، كقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٢) ولأنه عليه‌السلام صلى قبل الكعبة وقال : هذه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢١٨ ح ١٢.

(٢) سورة البقرة : ١٤٩.

٣٩١

القبلة (١). ومن كان في حكم المشاهد يجري مجراه ، فمن كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل فهو كالمشاهد ، لتمكنه من العلم ، وكذا الأعمى.

وأما من بعد فالواجب عليه الاستقبال إلى جهتها ، لقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٢) والمراد هنا ما يظن به الكعبة ، حتى لو ظن خروجه عنها لم يصح.

وقال الشيخ رحمه‌الله : الكعبة قبلة من كان في المسجد الحرام ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الدنيا ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن الله جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا (٣).

والمصلي : إما أن يقف في جوف الكعبة ، فله أن يستقبل أي جدرانها شاء ، وتصح صلاته فرضا ونفلا ، لأنه متوجه إلى بعض أجزاء الكعبة ، فتصح كالنافلة ، وكما لو توجه إليها من خارج ، لكنه مكروه ، لما فيه من الاستدبار.

ويجوز أن يستقبل الباب ، سواء كان مردودا أو مفتوحا ، وسواء كانت له عتبة مرتفعة قدر مؤخر الرجل وهو ثلاث ذراع إلى ذراع تقريبا ، ليكون في سجوده يسامت بمعظم بدنه الشاخص أو أقل ، أو لا يكون له عتبة أصلا.

ولو انهدمت الكعبة ـ والعياذ بالله ـ فإن وقف خارج العرصة وصلى إليها جاز ، لأن التوجه إلى هواء البيت ، فأشبه من صلى على جبل أبي قبيس. وإن صلى فيها صح إذا أبرز بين يديه شيئا من العرصة ، سواء كان بين يديه شاخص يستقبله أو لا ، وكذا لو صلى على سطحها.

وإما أن يقف خارجها في المسجد الحرام ، فله أن يستقبل أي جدرانها شاء ، لأنها كلها قبلة. ويجوز أن يستقبل الحجر ، لأنه عندنا من الكعبة.

ويجب أن يستقبلها بجميع بدنه ، فلو وقف على بعض الأركان واستقبله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢١٥ ح ٣.

(٢) سورة البقرة : ١٥٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٢٠ ح ١.

٣٩٢

ببعض بدنه والباقي خارج ، لم تصح صلاته ، لصدق عدم الاستقبال ، وأنه إنما استقبلها ببعضه.

ولو خرج بعض الصف عن المحاذاة ، بطلت صلاة الخارج خاصة. ولو تراخى الصف الطويل ووقف في آخر باب المسجد فكذلك ، وتحتمل صحة صلاة الجميع ، لأن الواجب اسم الاستقبال ، وهو يختلف بالقرب والبعد ، ولهذا يزول اسم المستقبل عن القريب بالانحراف اليسير ، ولا يزول عن البعيد بمثله ، والأصل فيه أن الجرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازدادوا له محاذاة.

وإما أن يقف خارج المسجد بمكة ، فإن كان يعاين الكعبة ، كمن يصلي على جبل أبي قبيس ، صلى إليها بالمعاينة ، وإذا وضع محرابه بناء على المعاينة ، صلى إليه دائما ، لأنه يتيقن الإصابة ، ولا يحتاج في كل صلاة إلى معاينة الكعبة ، وكذا حكم من نشأ بمكة وعلم إصابة الكعبة ، وإن لم يشاهدها حين يصلي.

ولو لم يعاين الكعبة ولا تيقن الإصابة ، فلا يجوز له الاعتماد على الاجتهاد ، مع تمكنه من العيان ، بل يجب عليه الترقي إلى سطح الدار لو احتاج إليه إذا أمكنه العيان.

وإما أن يقف بمدينة الرسول عليه‌السلام فإنه ينزل محراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه منزلة الكعبة. ولا يجوز له الاجتهاد في التيامن والتياسر ، لأنه لا يقر أحد على الخطإ ، فهو صواب قطعا ، فمن يعاينه يستقبله ويسوي محرابه عليه. وكذا جميع البقاع التي صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا عرف المحراب.

وكذا المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين ، وفي الطريق التي هي جادتهم يتوجه إليها. ولا يجب عليه الاجتهاد فيها ، ما لم يعلم أنها بنيت على الخطإ. ولو اجتهد فأداه اجتهاده إلى خلافها ، فإن كانت قد بنيت على القطع ، لم يجز العدول إلى اجتهاده ، وإلا جاز.

٣٩٣

وكذا القرية الصغيرة التي نشأ فيها قرون متعاقبة من المسلمين ، ولا عبرة بالعلائم المنصوبة في القرية الخربة. وقبلة الكوفة صواب قطعا ، لأن عليا عليه‌السلام نصبها وفعله حق. أما قبلة البصرة فقيل : نصبها عقبة بن غزوان ، فيجوز فيها الاجتهاد.

المطلب الثاني

( في الأمارات )

قد سبق أنه لا يجوز الاجتهاد للقادر على اليقين ، وإنما يسوغ لو لم يتمكن ، فحينئذ يجب عليه الاجتهاد في إصابة القبلة. وقد وضع الشارع لكل قوم من البلاد النائية ركنا يستقبلونه ويتوجهون إليه.

فالركن العراقي لأهل العراق ومن والاهم. والشامي لأهل الشام ومن والاهم. والغربي لأهل الغرب ومن والاهم. واليماني لأهل اليمن ومن والاهم.

ولا تحصل القدرة على الاجتهاد إلا بمعرفة أدلة القبلة ، وهي كثيرة ، وقد صنفوا لها كتبا مفردة. وأضعفها الرياح ، لأنها تختلف. وأقواها القطب ، وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين. والجدي إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى ، كان مستقبلا للقبلة بناحية العراق وما والاها.

وعلامة العراق : جعل الجدي خلف منكبه الأيمن ، والفجر موازيا لمنكبه الأيسر ، والشفق لمنكبه الأيمن ، وعين الشمس عند الزوال على طرف حاجبه الأيمن مما يلي الأنف.

وعلامة الشام : جعل بنات نعش حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى ، والجدي وقت طلوعه خلف الكتف اليسرى ، ومغيب سهيل على العين اليمنى ، وطلوعه بين العينين ، والصبا على الخد الأيسر ، والشمال على الكتف الأيمن.

وعلامة المغرب : جعل الثريا على اليمنى ، والعيوق على اليسار ، والجدي على صفحة الخد الأيسر.

٣٩٤

وعلامة اليمن : جعل الجدي وقت طلوعه بين العينين ، وسهيل وقت غيبوبته بين الكتفين ، والجنوب على مرجع الكتف اليمنى.

وآكد العلامات النجوم ، لإمكان ضبطه. وآكده القطب الشمالي ، وهو النجم الصغير الذي تقدم حوله أنجم دائرة في أحد طرفيها الفرقدان وفي الآخر الجدي ، وبين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل ، تدور حول القطب في كل يوم وليلة دورة واحدة ، فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها ، وحولها مما يلي الفرقدين بنات نعش تدور حولها.

والقطب لا يتغير عن مكانه إلا شيئا لا يبين للحس ، وهو نجم خفي يراه حديد النظر ، إذا استدبر في أرض الشام كان مستقبلا للقبلة ، وينحرف في دمشق وما قاربها إلى المشرق قليلا ، وكلما قرب إلى الغرب كان انحرافه أكثر ، وإن كان نجران وما قاربها اعتدل ، وجعل القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف. وفي العراق بجعله بحذاء ظهر أذنه اليمنى على علوها ، فيكون مستقبلا باب الكعبة إلى المقام.

والشمس تطلع في المشرق ، وتغرب في المغرب ، وتختلف مطالعها ومغاربها على حسب اختلاف منازلها ، والسر فيه عناية الله تعالى بالعالم الإنسي ، وتربية الحيوان والنبات ، حيث اقتضت حكمته تركبها من العناصر ، واحتياجها إلى حر وبرد معتدلين ، فلو دام الحر حصل الاحتراق وفسد المزاج ، وكذا لو دام البرد.

فاقتضت الحكمة الإلهية جعل الشمس دائرة حول مركز خارج عن مركز العالم في فلك خاص بها ، يسمى الفلك الخارج « المركز » يحصل بسببه القرب والبعد والمسامتة والانحراف ، ليحصل بهما الحر والبرد على اعتدال لائق بالأمزجة ، جلت حكمته وتعالت عظمته ، فتكون في الشتاء حال توسطها في قبلة المصلي ، وفي الصيف محاذية لقبلته.

وأما القمر ، فإنه يبدو أول ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمين المصلي ، ثم يتأخر كل ليلة نحو المشرق منزلا ، حتى يكون ليلة السابع وقت‌

٣٩٥

المغرب في قبلة المصلي ، أو مائلا عنها يسيرا ، ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا تاما ، وليلة إحدى وعشرين يكون في قبلة المصلي أو قريبا منها وقت الفجر.

وقد روي أنه يستحب لأهل العراق التياسر قليلا إلى يسار المصلي (١) ، وهو بناء على أن التوجه إلى الحرم ، لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال : لأن الكعبة ستة حدود : أربعة منها على يسارك ، واثنان منها على يمينك ، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار (٢).

ومسألة المفضل بن عمر عن السبب في تحريف أصحابنا ذات اليسار؟ فقال : إن الحجر الأسود لما أنزل من الجنة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال ، كله اثنا عشر ميلا ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة ، لقلة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة (٣).

المطلب الثالث

( في الاجتهاد )

القادر على معرفة القبلة لا يجوز له البناء على الظن والاجتهاد ، لإمكان الخطإ ، ففي استقبال الحجر لمشاهد الكعبة إشكال ، ينشأ : من كونه من الكعبة بالاجتهاد لا بالنص ، والأقرب الجواز لأنه منها.

وإن عجز عن اليقين ، وجب الرجوع إلى الاجتهاد إن كان من أهله ، ويأخذ بأمارات القبلة السابقة. ولا يجوز له التقليد مع قدرته على الاجتهاد وتمكنه من الاستدلال بمواقع النجوم وغيرها ، سواء قلد من يخبره عن علم أو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٢١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٢١ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٢٢ ح ٢ ب ٤.

٣٩٦

اجتهاد. وكذا الذي لا يعرف أدلة القبلة ، لكنه إذا عرف عرف ، لتمكنه من العلم. بخلاف العامي حيث لم يوجب عليه تعليم الفقه ، لما فيه من المشقة وطول الزمان. بخلاف أدلة القبلة.

وإن كان عاجزا عن الاجتهاد والتعليم ، فهو والأعمى سواء ، يجوز له التقليد والرجوع إلى قول الغير ، لتعذر العلم والظن عن اجتهاد ، فوجب التقليد كغيره من الأحكام الشرعية.

وللشيخ قول بالمنع (١) ، والرجوع إلى الصلاة المتعددة والأصل البراءة.

ويحتمل الرجوع إلى العدل إذا أخبره عن علم ، كما إذا روى خبرا فإنه يؤخذ به ، وهو الأقوى عندي ، لأنه من باب الرواية ، وليس من التقليد في شي‌ء. ويشترط في المخبر أن يكون عدلا ، ويستوي فيه الرجل والمرأة والحر والعبد ، ولا يقبل خبر الفاسق ، ولا الصبي وإن كان مميزا ، ولا الكافر.

والأخبار إما صريح ، أو دلالة ، كنصب المحاريب في المواضع التي تعتمد عليها. ولا فرق بين المجتهد وغيره ، فللأعمى الاعتماد على المحراب إذا عرفه باللمس ، وكذا البصير في الظلمة.

ولو اشتبه عليه صبر حتى يخبره العدل ، أو يصلي إلى أربع جهات. ولو صبر فضاق الوقت وجب عليه أن يصلي ، لئلا يفوته الوقت. وهل يجوز الصبر إلى أن يضيق الوقت إلا عن واحدة؟ إشكال ، أقربه المنع ، بل تجب المبادرة إذا تضيق الوقت إلا عن أربع صلوات إلى أربع جهات ، فيصلي إلى أربع جهات.

ولو صبر حتى ضاق الوقت إلا عن واحدة ، صلى إلى أي جهة شاء. وهل تجب الإعادة؟ يحتمل ذلك مطلقا ، سواء تبين الخطأ أو لا. وإذا أوجبنا الإعادة قبل تبين الخطإ ، صلى إلى الجهات الثلاث الباقية. ويحتمل وجوبها مع تبين الخطإ. وعدمها مطلقا ، بناء على جواز الصبر.

ولو لم يجد من يخبره عن علم بل عن اجتهاد ، فإن كان مجتهدا وتمكن‌

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ٨٠.

٣٩٧

منه ، وجب الرجوع إلى الاجتهاد دون التقليد كالأحكام الشرعية. فإن فعل لزمه القضاء ، إلا أن يخاف فوات الوقت بالاجتهاد ، فإن الأقوى الرجوع إلى اجتهاد الغير. ويحتمل إذا تضيق الوقت أن يصلي كيف اتفق ثم يجتهد ، وإن لم يكن مجتهدا احتمل الرجوع إلى الغير.

ولو لم يجد الغير ، أو كان مجتهدا وخفيت الأمارات : إما لتغيم اليوم ، أو لكونه محبوسا في ظلمة ، أو لتعارض الدلائل عنده ، صلى كل فريضة أربع مرات إلى أربع جهات. فإن ضاق الوقت إلا عن ثلاث أو واحدة ، تخير في الساقطة والمفعولة ولا قضاء. ولو كان بتفريطه ، فالأقوى وجوب القضاء إلى البواقي إن استمر الاشتباه ، وإلا صلى واحدة إلى ما علم أنه القبلة أو ظنه ، إن لم يكن شي‌ء من المفعول أولا إليها.

والعاجز عن الاجتهاد إن لم يتمكن من تعلم الأدلة كالأعمى ، يجوز له التقليد على الأقوى على ما تقدم كالعامي في الأحكام ، وإنما يجوز له تقليد المسلم العدل العارف بأدلة القبلة. ولا فرق بين الرجل والمرأة والحر والعبد.

والتقليد هو قبول قوله المستند إلى الاجتهاد ، فلو أخبره بصير بمحل القطب (١) منه وهو عالم بدلالته ، أو قال : رأيت الخلق الكثير من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة ، كان الأخذ بمقتضاه قبول خبر لا تقليد.

ولو وجد مجتهدين واختلف اجتهادهما ، قلد من شاء منهما على التساوي. ويحتمل وجوب الأربع ووجوب اثنتين. ولو تفاوتوا تعين قبول الأفضل الأعدل.

وإن تمكن من التعلم لم يجز الإهمال ، لأنه من فروض الأعيان ، كأركان الصلاة وشرائطها. فإن أهمل التعليم وصلى ، وجب القضاء ، سواء كان مستقبلا أولا ، لأنه صلى صلاة يعتقد فسادها ، فيبقى في عهدة التكليف.

ولو ضاق الوقت عن التعليم ، فإن اتسع لأربع صلوات وجبت ، ويحتمل التقليد ، وإن لم يسع فالتقليد.

__________________

(١) في « ق » القبلة.

٣٩٨

المطلب الرابع

( في خلل الاجتهاد )

المصلي بالاجتهاد إن تبين الإصابة أو جهلها واستمر حاله ، صحت صلاته ، لأنه فعل المأمور به ، فيخرج عن العهدة ، وإن ظهر له الخطأ في اجتهاده ، فإن كان قبل شروعه في الصلاة ، فإن تيقن الخطأ في اجتهاده أعرض عن مقتضاه وتوجه إلى الجهة التي يعلمها أو يظنها جهة الكعبة.

وإن ظن الخطأ في اجتهاده ، فإن ظن الصواب في أخرى ، وكان دليل الاجتهاد الثاني أوضح من الأول ، أعرض عن الأول. وإن كان دليل الأول أوضح ، اعتمد على مقتضاه. وإن تساويا احتمل إلحاقه بغير المجتهد ، فيصلي كل صلاة أربع مرات إلى الجهات المتعددة ، وإلزامه بصلاتين إلى الجهتين لا غير ، لدلالة الاجتهادين على انتفاء القبلة في الباقيتين.

ولو ظن خطأ الأول ولم يحصل له ظن الصواب ، احتمل إلحاقه بغير المجتهد ، فيصلي أربع مرات ، وإلزامه بثلاث إلى ثلاث جهات ، إذ لا فرق بالعمل في الاجتهادين بين الفعل والترك والصواب والخطإ. فإن كان بعد فراغه من الصلاة ـ فإن ظهر الخطأ يقينا ـ فإن كان قد استدبر ، أعاد الصلاة في الوقت وخارجه على الأقوى ، لأنه قد تيقن الخطأ فوجب القضاء ، كالحاكم إذا وجد النص بخلاف حكمه.

وقيل : يعيد في الوقت لا خارجه ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة فأعد ، وإن فاتك فلا تعد (١). والإطلاق يتناول الاستدبار ولأصالة البراءة ، ولأن القضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت ، والأصل أنه أن كلف بالاجتهاد خاصة لم يجب القضاء ، وإن كلف بالاستقبال وجب. فإن كان بين المشرق والمغرب فلا إعادة ، لقوله عليه‌السلام : ما بين المشرق والمغرب قبلة (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٢٩ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٢٧ ح ٢.

٣٩٩

وإن كان إليهما احتمل الإعادة في الوقت وخارجه كالاستدبار ، وفي الوقت خاصة ، لأصالة البراءة ، ولقول الصادق عليه‌السلام لما سئل عن الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم ، فيصلي إلى غير القبلة كيف يصنع؟ إن كان في وقت فليعد صلاته ، فإن مضى الوقت فحسبه اجتهاده (١).

هذا إذا تيقن الصواب مع تيقن الخطإ ، وأما إذا تيقن الخطأ ولم يتيقن الصواب فكذلك أيضا من غير فرق ، لظهور بطلان ما فعله. وإن ظهر الخطأ ظنا ، لم يجب القضاء ، لأنه صلى عن اجتهاد ، فلا ينقضه بمثله ، كما لا ينقض الحاكم الاجتهاد بمثله.

فلو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات ، لم يجب عليه قضاء واحدة ، لأن كل واحدة قد صليت باجتهاد لم يتيقن فيه الخطأ ، ويحتمل قضاء الجميع ، لأن الخطأ متيقن في ثلاث صلوات منها ، وإن لم يتعين ، فأشبه ما لو فسدت صلاة من صلوات ، وقضا ما سوى الأخيرة. ويجعل الاجتهاد الأخير ناسخا لما قبله.

وكذا لو صلى صلاتين أو ثلاثا باجتهادات متعددة إلى الجهات ، يحتمل قضاء الكل وما عدا الأخيرة. وعدم قضاء شي‌ء.

وإن كان في الأثناء : فإن ظهر له الصواب مقترنا بظهور الخطإ ، فإن كان الانحراف يسيرا ، حول وجهه إلى ما ظهر له الصواب فيه ، احتسابا بما مضى من صلاته ، كما يحتسب بجميع صلاته لو تيقن الخطأ بعد الفراغ. ولو كان الخطأ بالاجتهاد انحرف وبنى ، لأن الاستيناف نقض لما أدى من الصلاة بالاجتهاد ، والاجتهاد لما ينقض بمثله.

فلو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات لم يعد. ولو لم يظهر له الصواب مع ظهور الخطإ ، فإن عجز عن إدراك الصواب بالاجتهاد على القرب ، بطلت صلاته ، إذ لا سبيل إلى الاستمرار على الخطإ ، ولا يتمكن من درك (٢) الصواب لينحرف.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٣١ ح ٦.

(٢) في « س » : إدراك.

٤٠٠