نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

الرابع : لو كان أقطع اليدين فإن تبرع غيره بأن يوضيه ، وإلا وجب عليه بذل الأجرة ، وإن زادت عن أجرة المثل مع التمكن والعجز عن المباشرة ، تحصيلا للامتثال.

ولو عجز عن الأجرة ، أو فقد الأجير مع عجزه عن المباشرة ، فكفاقد الماء.

الخامس : الوسخ تحت الظفر المانع من إيصال الماء إلى ما تحته يجب إزالته ، مع عدم المشقة لا معها ، لوجوب الاستيعاب ونفي الحرج.

السادس : لو قطعت يده من دون المرفق بعد الطهارة ، لم يجب غسل ما ظهر منها ، لأن الطهارة لم تتعلق بموضع القطع ، بل بما كان ظاهرا وقد غسله.

السابع : لو طالت أظفاره حتى خرجت عن سمت يده ، احتمل وجوب غسلها ، لأنه كالجزء. وعدمه كاللحية.

الثامن : ذو الرأسين واليدين يغسل أعضاءه مطلقا ، سواء علمت الزيادة أو لا ، وسواء حكم الشارع بوحدته أو كثرته ، لحصول الفرض فيهما.

التاسع : لو شك هل غسل يده مرة أو مرتين ، احتمل استحباب الثانية ، عملا بأصالة العدم. وعدمه حذرا من أن تكون ثالثة ، فيرتكب بدعة ، وترك المسنون أولى من ارتكاب البدعة.

المطلب الرابع

( مسح الرأس )

وهو واجب بالنص (١) والإجماع ، ولا يجزي الغسل عنه ، لأنه غير المأمور ، فيبقى في عهدة التكليف ، لعدم الإتيان به ، فإن الغسل ليس بمسح.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٤.

٤١

ولو بل رأسه ولم يمد اليد عليه بل وضعها رطبة عليه ، أو قطر على رأسه قطرة من رطوبة الغسل ، لم يجزيه ، لأنه لا يسمى مسحا.

ولا يجب الاستيعاب ، ولا الأكثر ، ولا الربع ، بل أقل ما يحصل به مسماه.

ويختص المسح بمقدمه ، فلو مسح وسطه ، أو أحد جانبيه ، أو خلفه لم يصح ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على ناصيته (١). وقال الصادق عليه‌السلام : مسح الرأس على مقدمه (٢).

ويجوز أن يمسح على بشرة المقدم ، لأنه حقيقة الرأس ، وعلى شعره المختص به ، لانتقال الاسم إليه وللضرورة. ولا يجب إيصال الرطوبة إلى البشرة حينئذ.

وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حد الرأس ، فلو كان مسترسلا خارجا عن حده ، أو كان جعدا كائنا في حد الرأس ، لكنه بحيث لو مد لخرج عن حده ، لم يجز المسح عليه ، لأن الماسح عليه غير الماسح على الرأس. ولو جمع على المقدم من شعر غيره ومسح عليه ، لم يجز ، لأنه ليس ماسح على المقدم ، ولا على شعره.

ولا يجوز المسح على حائل كالعمامة ، سواء لبسها على طهارة أو لا ، وسواء كانت تحت الحنك أو لا ، لأن الآية (٣) أوجبت إلصاق المسح بالرأس ، فلا يخرج عن العهدة بدونه ، ولقول الصادق عليه‌السلام « ليدخل إصبعه » (٤) ولا فرق بين أن يكون الحائل ثخينا يمنع وصول الرطوبة إلى الرأس ، أو رقيقا ينفذ الماء منه.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ١٥٠ ، جامع الأصول ٨ ـ ١٣٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٨٩ ح ٢.

(٣) وهي قوله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) سورة المائدة : ٦.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٨٩ ح ٣ و ٢٩٣ ح ٢.

٤٢

ولا يجوز المسح على الجبهة ، ولا على خضاب ، أو طين ساترين. ولو كان على رأسه جمة (١) فأدخل يده تحتها ومسح ، أجزأه ، لحصول الامتثال.

ويجب أن يكون المسح ببقية نداوة الوضوء ، فلا يجوز استيناف ماء جديد عند علمائنا أجمع كافة ، لوصف الباقر عليه‌السلام لوضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : ثم مسح ببقية ما بقي في يديه رأسه ورجليه ولم يعدهما في الإناء (٢).

ويجوز المسح مقبلا ومدبرا على الأصح ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس أن يمسح الوضوء مقبلا ومدبرا (٣).

ويستحب أن يكون بثلاث أصابع ، ولا يجب على الأصح ، لحصول الامتثال ، ولقول الباقر عليه‌السلام : فإذا مسح بشي‌ء من رأسه ، أو بشي‌ء من قدميه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه (٤).

ويستحب للمرأة وضع قناعها خصوصا الغداة والمغرب للرواية (٥).

ولو ذكر أنه لم يمسح ، مسح ببقية النداوة. فإن لم يبق في يديه رطوبة ، أخذ من لحيته الكائنة في محل الفرض ، وأشفار عينيه وحاجبيه ومسح. ولو لم يبق أعاد ، وكذا في مسح الرجلين.

ولو أتى بأقل مسمى الغسل ، لقلة الماء حالة الهواء أو الحر المفرطين ، بحيث لا يبقى رطوبة على اليد وغيرها ، فالأقرب المسح ، إذ لا ينفك عن أقل رطوبة وإن لم يؤثر ، ولا يستأنف ولا يتمم.

وهل يشترط حالة الرفاهية تأثير المحل؟ الأقرب ذلك.

__________________

(١) الجمة من الإنسان مجتمع شعر ناصيته.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٧٤ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٨٦.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٢ ح ٤.

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٢ ح ٥.

٤٣

ولو مسح بخرقة مبلولة ، فإن كانت الأصابع مشدودة ، فالأقرب عدم الإجزاء ، لأن ماء الوضوء هو المتصل بالأصابع لا ما على الحاوي. أما لو كان المسح على الخرقة في اليد لضرورة الجرح وشبهه فمسح به ، فالأقرب الجواز لو كانت اليد الأخرى كذلك ، ولو كانت سليمة ، فإشكال.

ولو كان رأسه مبتلا أو رجلاه ، ففي جواز المسح عليه إشكال.

والمسح على الأذنين والعنق بدعة ، لعدم المشروعية ، وقول الباقر عليه‌السلام : عن الأذنين ليس عليهما غسل ولا مسح (١).

ولا تكرار في مسح الرأس ولا الرجلين ، للامتثال بالمرة ، وعدم دليل الزيادة ، ولأنه عليه‌السلام مسح مرة في البيان ، وقال الصادق عليه‌السلام : مسح الرأس واحدة (٢).

المطلب الخامس

( مسح الرجلين )

وهو واجب بالنص (٣) ، ولا يجزي الغسل عند علمائنا أجمع ، لقراءة الجر (٤) ، ولا يعارضها قراءة النصب للعطف على الموضع ، لعدم ورود الجر بالمجاورة في القرآن ، ولا مع العطف ، ولقبح الانتقال من الجملة قبل الإكمال ، خصوصا مع اشتباه الحال ، ووصف علي والباقر وابن عباس عليهم‌السلام وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسح على قدميه ونعليه (٥).

ويجب المسح على بشرة ظهر قدم الرجلين. وحدها من رءوس الأصابع إلى الكعبين ، وهما مجمع الساق والقدم للخبر (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٨٥ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٢ ح ٧.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٤.

(٤) في قوله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ).

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٥ ح ٥.

(٦) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٧٥ ح ٩.

٤٤

ولا يجوز على حائل من خف وجورب وغيرهما اختيارا عند علمائنا أجمع ، وقول علي عليه‌السلام وعائشة : ما أبالي مسحت على الخف أو على ظهر [ لغير جماد الوحش ] (١) عير بالفلاة (١). وسئل الصادق عليه‌السلام عن المسح عليهما فقال : لا تمسح (٢). ولأنه أحد أعضاء الطهارة ، فلا يجوز على حائل كغيره.

ويجوز عند الضرورة كالبرد والتقية المسح عليهما ، للمشقة ، ولا يتقدر إلا بها سفرا وحضرا ، سواء لبسهما على طهارة أو لا ، وكيف كان الخف والجورب ، أو بنعلين ، أو بسرح ، أو بإصدارها.

وفي استيناف الطهارة مع زوال العذر إشكال ، ينشأ من ارتفاع الحدث ، ومن زوال علة الضرورة المسقطة للمباشرة فيزول وكذا الضرورة في العمامة والقناع لو مسح للتقية ، أو عجزه عن النزغ أو البرد.

ويجب المسح ببقية نداوة الوضوء ، فإن لم يبق نداوة ، أخذ من لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه ، فإن لم يبق نداوة ، استأنف ، والحكم كما تقدم في الرأس.

ولو كان في الماء ، فالأقرب عدم جواز المسح ما لم يخرج رجليه ويزيل الرطوبة ثم يمسح عليهما.

ويجوز المسح مقبلا ومدبرا ، لقول الباقر عليه‌السلام : لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا (٣).

ويسقط فرض مسح القدم بقطعها. ولو بقي شي‌ء بين يدي الكعب [ أو الكعب ] مسح عليه ، إذ لا يسقط بعض الواجب بتعذر غيره.

ولو غسل عوض المسح للتقية ، أجزأه ، فإن زالت ، ففي الإعادة إشكال.

__________________

(١) الزيادة من « ر ».

(٢) راجع المنتهى ١ ـ ٦٥.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٢٥ ح ١٩.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٨٦ ح ٣.

٤٥

ولو أراد التنظيف قدم غسلهما على الوضوء أو أخره.

ويجوز المسح على النعل العربي وإن لم يدخل يده تحت الشراك ، لقول الباقر عليه‌السلام : تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك (١).

وهل يسقط مسح ما تحت الشراك؟ إشكال ، فإن قلنا به ففي إلحاق غير النعل مما يشتمل على مثل الشراك إشكال.

والمسح في الرأس والرجلين يحصل بإمرار اليد على الممسوح ، أو بجر الممسوح على اليد الثابتة على إشكال.

وكذا يحصل الغسل بالماء بإجراء الماء على الوجه واليدين ، سواء أجرى يده عليه أو لا ، وبوضع وجهه أو يديه في الماء ، وإن لم يدلكهما بيده.

المطلب السادس

( في باقي أركانه )

وهي ثلاثة :

الأول ( الترتيب )

فيجب أن يبدأ بغسل وجهه ، ثم بيده اليمنى ، ثم اليسرى ، ثم يمسح رأسه ، ثم يمسح رجليه ، لقوله عليه‌السلام : « لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ، فيغسل وجهه ، ثم يغسل يديه ، ثم يمسح رأسه ثم رجليه » (٢) ولأن العامل في العطف واحد بتقوية الحرف ، وقد جعل تعالى نهاية الغسل الرفقين ، والمسح الكعبين ، ولأن الباقر عليه‌السلام وصفه مرتبا (٣).

فلو نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب ، إن كان البلل باقيا ، للمخالفة ، ولقول الصادق عليه‌السلام في الرجل يتوضأ ، فيبدأ بالشمال قبل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٢ ح ٤.

(٢) جامع الأصول ٨ ـ ٧٨ ما يدل على ذلك.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٧٢ ح ٢.

٤٦

اليمين قال : يغسل اليمين ويعيد اليسار (١). ولو كان قد جف ، استأنف.

ولو استعان بخمسة للضرورة ، فأوقعوا الأفعال دفعة لم يجز ، لمنافاة المعية الترتيب. وكذا لو أوقع أعضاه المغسولة في الماء دفعة.

ولا ترتيب في الرجلين على الأقوى ، لأصالة البراءة.

ولو بدأ بغسل الوجه وخالف باقي الأعضاء ، أعاد عليها دون الوجه إن بقيت الرطوبة عليه ، وكفاه استصحاب النية حكما. ولو قدم غيره ثم غسله ، صح غسله خاصة إن استصحب ذكر النية ، ولا يكفيه استصحاب حكمها ، وقول الصادق عليه‌السلام : إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك ، فأعد غسل وجهك (٢). يقتضي عدم الاكتفاء بالغسل الأول ولو نوى عند غسل الكفين أو المضمضة ، ثم استصحب حكمها ، فالأولى (١) الاكتفاء به عند غسل الوجه.

ولو اغتسل المحدث بدل الوضوء ، لم يجزيه عندنا ، سواء كان مما يتأتى فيه الترتيب في لحظات متعاقبة ، بأن يمكث في الماء مرتمسا أو لا ، نعم يحصل بغسل الوجه إن قارنته النية. ولو ترك الترتيب ناسيا ، فكالعامد.

ولو اشتبه هل الخارج مني أو بول ، أو تيقن وجوب إحدى الطهارتين ونسي تعينها ، احتمل وجوب الوضوء ، لأن وجوب غسل الزائد على أعضاء الوضوء مشكوك فيه ، وهذا القدر متيقن.

فلو عدل إلى الغسل ، فإن قلنا بإجزاء الغسل الندب (٢) عن الوضوء أجزأ هنا ، إذ الاحتياط يقتضي استحبابه ، وإلا فلا. ويجب غسل ما أصابه ذلك البلل قطعا ، لنجاسته على التقديرين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣١٧ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣١٨ ح ٨.

(٣) في « ر » فالأقوى.

(٤) في « ر » المندوب.

٤٧

ويحتمل وجوب الغسل ، لأن العلم حاصل بشغل ذمته بإحدى الطهارتين ، وصلاته موقوفة على الطهارة التي لزمته ، فعليه الإتيان بما يحصل معه يقين البراءة.

ويحتمل التخيير بين الغسل أخذا بأنه مني ، والوضوء أخذا بأنه بول ، لأن كلا منهما محتمل ، فإذا فعل موجب أحدهما صحت صلاته ، لأن لزوم الآخر مشكوك فيه والأصل عدمه ، فعلى هذا لو توضأ وجب أن يرتب.

ويحتمل ضعيفا إجزاء إيقاع غسل الأعضاء دفعة ، لأنه شاك في أن الواجب الكبرى أو الصغرى ، والترتيب من خواص الصغرى ، فلا يجب بالشك ، كما لا يجب ما يختص بالكبرى بل المشترك بينهما ، لكنه ضعيف ، لأنه إما مني فموجبة للغسل أو غيره فموجبة للوضوء بأركانه ، فإذا لم يرتب فقد صلى مع إحدى الحدثين يقينا ، والأقوى وجوب الطهارتين ، لأن كلا الحدثين محتمل.

وهذه الاحتمالات آتية في الخنثى المشكل لو أولج في دبر رجل ، فهما بتقدير ذكورية الخنثى جنبان ، وإلا فمحدثان إن خرج شي‌ء من الغائط وقلنا بنقض مس فرج غيره ، وعدم لحوق الجنابة بالموطوء والجنابة محتملة ، فإذا توضئا فالوجه المحافظة على الترتيب.

الثاني ( الموالاة )

وهي واجبة عند علمائنا كلهم ، لأنه عليه‌السلام توضأ على سبيل الموالاة وقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به (١). وقال الصادق عليه‌السلام : إذا توضأت بعض وضوئك ، فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك ، فإن الوضوء لا يبعض (٢). ولأنه عبادة ينقضها الحدث ، فيعتبر فيها الموالاة كالصلاة.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ١٤٥.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣١٤ ح ٢.

٤٨

والمراد بها متابعة الأفعال ، بحيث يجب عليه عقيب الفراغ من غسل العضو السابق أو مستحبة الاشتغال بفرض اللاحق على الأصح ، لقول الصادق عليه‌السلام : أتبع وضوءك بعضه بعضا (١). وقيل : أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدمه.

فإن أخل به عامدا مختارا ، فعل محرما ، واستأنف إن جف السابق وإلا فلا ، لقول الصادق عليه‌السلام : حتى يبس وضوؤك فأعد (٢).

ولو جف السابق على ما وقع الفعل عقيبه دون اللاحق لم يبطل ، وكذا العكس ، لأن ناسي المسح يأخذ من شعر لحيته إذا لم يبق في يديه نداوة.

ولو فرق ولم يجف ، فعل حراما ولا يبطل وضوؤه ، ولو كان لعذر ـ كفاقد الماء فيذهب لطلبه ، أو خوف شي‌ء فهرب منه ـ سقط الإثم. ثم إن بقيت الرطوبة بنى ، وإلا استأنف ، تحصيلا للمأمور به على وجهه ، والنسيان عذر. ولو قل الماء فغسل ، كالدهن في الهواء المفرط الحرارة ، أو كان محموما أجزأه ، وإن جف (١) ما تقدم إذا والى.

وكل موضع يجب فيه الاستيناف يجب تجديد النية ، وما لا يجب إن كان مستديما للنية فعلا أجزأه الإتمام. وهل يجزي الاستدامة حكما؟ الوجه ذلك وإن طال الفصل.

ولو فرق الأعضاء بواجب في الطهارة أو مسنون ، فإن كان فعلهما لا يحصل بدونه ، لم يكن تفريقا ، وإلا فتفريق ، ولو كان لوسوسة فهو تفريق ، لأنه اشتغال بما ليس بواجب ولا مسنون.

الثالث ( المباشرة )

فلا يجوز أن يوضيه غيره عند علمائنا أجمع ، لأن الأمر إنما هو بفعل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣١٤ ح ١.

(٢) المصدر.

(٣) في « ق » لما تتقدم.

٤٩

الغسل والقبول غيره ، ولأنه عليه‌السلام باشر في البيان. نعم يجوز عند الضرورة دفعا للمشقة.

ويكره الاستعانة اختيارا بصب الماء ، لما في تركها من زيادة المشقة في تحصيل أمر شرعي ، فتحصل زيادة الثواب. وأراد الحسن بن علي الوشاء أن يصب الماء على الرضا عليه‌السلام فنهاه وقال عليه‌السلام : أنا لا أستعين على وضوئي بأحد (١). ويزول الكراهة حال الضرورة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٣٥ ح ١.

٥٠

الفصل الثاني

( في سننه )

وهي تسعة أشياء :

الأول ( السواك )

وليس واجبا إجماعا ، بل مستحب (١) في جميع الأوقات ، وللصائم بعد الزوال. وأشدها في مواضع :

الأول : عند الوضوء ، لقوله عليه‌السلام : يا علي عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة (١).

الثاني : عند الصلاة وإن كان متطهرا ، لقوله عليه‌السلام : لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة (٢).

الثالث : عند صلاة الليل ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا قمت بالليل فاستك ، فإن الملك يأتيك فيضع فاه على فيك ، فليس من حرف تتلوه وتنطق به إلا صعد به إلى السماء ، فليكن فوك طيب الريح (٣).

__________________

(١) في « ر » : يستحب.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٣ ح ٢ ب ٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٥ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٧ ح ٣.

٥١

الرابع : عند قراءة القرآن ، لقول علي عليه‌السلام : إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك (١).

الخامس : عند تغير النكهة ، وذلك قد يكون للنوم ، فيستحب عند الاستيقاظ ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستاك إذا استيقظ (٢).

وقد يكون لطول السكوت ، أو لترك الأكل ، أو لأكل ما له رائحة كريهة.

والأقرب أنه من سنن الوضوء ، لأنه نوع نظافة يؤمر به المتوضي. ويحتمل أن يكون من سنة مقصودة في نفسه ، لأنه يؤمر به غير المتطهر كالحائض ، فلو نذر سنته دخل على الأول ، وهو أحد الحنيفية العشرة ، وهي خمس في الرأس : المضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وقص الشارب والفرق. وخمس في البدن : الاستنجاء ، والختان وهما واجبان ، وحلق العانة ، وقص الأظفار ، ونتف الإبطين.

وفيه اثنتا عشرة فائدة : هو من السنة ، ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ، ويرضي الرحمن ، ويبيض الأسنان ، ويذهب بالحفر ، ويشد اللثة ، ويشهي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، ويفرح به الملائكة.

ويستحب أن لا يترك أكثر من ثلاثة أيام ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا تدعه في كل ثلاثة أيام (٣).

ويجوز السواك للمحرم والصائم بالرطب واليابس.

ويكره في الخلاء ، لقول الكاظم عليه‌السلام : أنه يورث البخر ، وفي الحمام لأنه يورث وباء الأسنان (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٨ ح ٣ ب ٧.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٦ ح ١ ب ٦.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٣ ح ١ ب ٢.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٩ ب ١١.

٥٢

ويستحب أن يكون آلة السواك عودا لينا ينقي الفم ، ولا يجرحه ، ولا يضره ، ولا يتفتت منه كالأراك.

ويجوز بخرقة خشنة ونحوها ، وأن يستاك بيده ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : التسويك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك (١).

ويستحب أن يستاك عرضا ، لقوله عليه‌السلام : استاكوا عرضا (٢). ولو مر السواك على طول الأسنان جاز ، ويبدأ بجانبه الأيمن ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب التيامن في كل شي‌ء.

الثاني

[ كيفية وضع الإناء والاغتراف منها ]

وضع الإناء التي يغترف منها ماء الوضوء على اليمين والاغتراف بها وإدارته إلى اليسار ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب التيامن في كل شي‌ء بنعله ورجله وطهوره وفي شأنه كله (٣). ودعا الباقر عليه‌السلام بقدح ماء فأدخل يده اليمنى (٤).

ولو كان الإناء مما يصب به ، وضع على الشمال ، لأنه أمكن في الاستعمال ، ثم صب الماء منه على اليمين.

الثالث

( غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء )

من النوم والبول مرة ، ومن الغائط مرتين ، ومن الجنابة ثلاثا إلى الكوعين ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعله في وضوئه (٥) ، ولقول الصادق عليه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٩ ح ٤ ب ٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٨ ح ١ ب ٨.

(٣) صحيح مسلم ١ ـ ٢٢٦ باب التيمن في الطهور وغيره.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٧٥ ح ١٠.

(٥) سنن أبي داود : ١ ـ ٢٦.

٥٣

السلام : واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة (١).

وقال عليه‌السلام : لا يدخل النائم يده في وضوئه حتى يغسلها ، لأنه لا يدري أي جنب كانت يده (٢). وليس واجبا في نوم الليل ، للأصل.

ولو غمسها في الماء القليل قبل غسلها ، لم يؤثر في طهوريته إجماعا. ولا فرق في كراهة المنع بين غمس البعض أو الجميع ، ولا بين غمسها قبل كمال العدد وقبله ، ولا بين كون يد النائم مشدودة أو مطلقة ، أو كون النائم مسدولا أو لا للعموم.

ولأن المتعلق (٣) على المظنة لا يعتبر فيه الحقيقة ، كاستبراء الرحم في العدة للصغيرة واليائسة ، وهذا الحكم معلق بالمسلم البالغ العاقل ، لأن المراد تطهيرها حكما.

ولا يفتقر هذا الغسل إلى نية ، لأنه معلل بوهم النجاسة ، ومع تحققها لا يجب ، وإن قلنا إنه من سنن الوضوء مطلقا ، افتقر.

ولو تعددت الأحداث تداخل ، اتحد الجنس أو اختلف.

وهل التعبد مختص بالماء القليل؟ إن قلنا العلة وهم النجاسة اختص ، وإلا فلا. وكذا في الأواني التي لا تدخل اليد فيها ، والأقرب أنه تعبد محض ، فلو تيقن طهارة يده ، استحب غسلها ، ولو لم يرد الطهارة ، استحب على الأول.

الرابع

( التسمية )

قال الصادق عليه‌السلام : إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله ، وإذا لم تسم لم يطهر عن جسدك إلا ما مر عليه الماء (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٠١ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٠١ ح ٣ ، جامع الأصول ٨ ـ ٩٦.

(٣) في « ر » المعلق.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٨ ح ٥.

٥٤

وليست واجبة للأصل ، ولأن وجوبها ينافي طهارة المغسول مع تركها.

وكيفيتها : ما قال الباقر عليه‌السلام : إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، والحمد لله رب العالمين (١).

وعن علي عليه‌السلام : بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، والحمد لله رب العالمين (٣).

ولو نسي التسمية في الابتداء فعلها في الأثناء ، كما لو نسيها في ابتداء الأكل يأتي بها في أثنائه. ولو تركها عمدا ، ففي مشروعية التدارك في الأثناء احتمال.

الخامس

( المضمضة والاستنشاق )

وهما مستحبان من سنن الوضوء ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلهما. وليسا واجبين ، لأنه تعالى عقب القيام بغسل الوجه (٤) ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عشر من الفطرة وعدهما منها (٥). والفطرة السنة. وقال الباقر عليه‌السلام ليسا من الوضوء (٦). أي ليسا من فرائضه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٨ ح ٢ وفيه ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله رب العالمين.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٨٢ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٩٨ ح ١.

(٤) في قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) سورة المائدة : ٦.

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٥٠ والرواية عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ذكر الرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنتهى ١ ـ ٥٠.

(٦) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٠٣ ح ٥.

٥٥

والمضمضة : إدارة الماء في جميع الفم. والاستنشاق : اجتذابها بالأنف في جميعه ، استظهارا في التنظيف.

ولو ابتلعه بعد الإدارة امتثل ، ويفعلهما بيمناه كل واحدة ثلاثا ، والأفضل الفصل بينهما ، لأن عليا عليه‌السلام رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وهو أبلغ في التنظيف.

وكيفيته : أن يتمضمض ثلاثا بثلاث غرفات ، ثم يستنشق كذلك. ولو تمضمض بغرفة ثلاث مرات ، ثم استنشق بواحدة ثلاثا أجزأه. ولو وصل أجزأه ، بأن يأخذ غرفة يتمضمض منها ، ثم يستنشق ، ثم يأخذ ثانية وثالثة يفعل بهما كذلك.

ولو أخذ غرفة واحدة تمضمض منها ثلاثا واستنشق كذلك ، جاز ، ولكن الأفضل تقديم المضمضة.

ولو خلط بينهما ، بأن تمضمض مرة واستنشق ، ثم فعل كذلك مرتين بالغرفة الواحدة ، أجزأه ، والأفضل ما تقدم أولا ، لأن عليا عليه‌السلام قال : تمضمض ثم استنشق (٢) ، و « ثم » للترتيب.

ويستحب المبالغة فيهما ، بإبلاغ الماء إلى أقصى الحنك وجنبي الأسنان واللثات مع إمرار الإصبع عليها ، ويصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم ، مع إدخال الإصبع وإزالة الأذى. ولا يبالغ الصائم ، حذرا من الوصول إلى البطن أو الدماغ.

ويستحب الدعاء فيهما ، لأن عليا عليه‌السلام قال في المضمضة : اللهم لقني حجتي يوم ألقاك ، وأطلق لساني بذكراك. وفي الاستنشاق : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة ، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها (٣).

__________________

(١) جامع الأصول ٨ ـ ٩٩ و ٧١.

(٢) جامع الأصول ٨ ـ ٧٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٨٢.

٥٦

السادس

( الدعاء عند غسل الأعضاء ومسحها )

لأن عليا عليه‌السلام قال في غسل وجهه : اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه ، ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.

وفي غسل اليمين : اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري ، وحاسبني حسابا يسيرا.

وفي غسل اليسرى : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ، وأعوذ بك من مقطعات النيران.

وفي مسح رأسه : اللهم غشني برحمتك وبركاتك.

وفي مسح رجليه : اللهم ثبت قدمي على الصراط [ المستقيم ] يوم تزل فيه الأقدام ، واجعل سعيي فيما يرضيك عني (١).

السابع

[ كيفية بدأة الرجل والمرأة بغسل اليدين ]

يبدأ الرجل في غسل ذراعيه بظاهرهما ، وفي الثانية بالعكس. والمرأة بالعكس فيهما عند علمائنا ، لقول الرضا عليه‌السلام : فرض الله على النساء في الوضوء أن يبتدأن بباطن ذراعهن ، وفي الرجال بظاهر الذراع (٢).

والمراد بالفرض التقرب لا الوجوب ، لأصالة البراءة ، ولعدم إجماعنا.

الثامن

( التوضي بمد )

وليس واجبا ، بل الواجب أقل ما يطلق عليه اسم الغسل ، وقال الباقر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٢٨ ح ١.

٥٧

عليه‌السلام : إنما الوضوء حد من حدود الله ، ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، وأن المؤمن لا ينجسه شي‌ء إنما يكفيه اليسير (١).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الوضوء بمد ، والغسل بصاع ، وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك ، فأولئك على خلاف سنتي ، والثابت معي على سنتي معي في حظيرة القدس (٢).

والأحسن تخليل اللحية الكثيفة ، لما فيه من الاستظهار ، ورواه الجمهور عنه عليه‌السلام. وروى عنه عليه‌السلام : أمتي يوم القيامة غر يحجلون من آثار الوضوء (٣).

فقيل : تطويل العزة غسل مقدمات الرأس مع الوجه والتحجيل غسل بعض العضد ، والأصل رعاية الاستيعاب.

التاسع

( ترك التمندل )

لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا ينشف أعضاءه ، وقال الصادق عليه‌السلام : من توضأ وتمندل كتبت له حسنة ، ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كتبت له ثلاثون حسنة (٤).

وعلماؤنا على الكراهة ، لأنه إزالة لأثر العبادة ، ومفوت لتضاعف الحسنات.

وليس محرما إجماعا ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن المسح بالمنديل قبل أن يجف؟ قال : لا بأس (٥). ولأصالة الجواز.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٤٠ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٣٩ ح ٦.

(٣) جامع الأصول : ٨ ـ ١٠١ والحديث فيه كذا : إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٣٤ ح ٥.

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٣٣ ح ١.

٥٨

الفصل الثالث

( في الشك )

من القواعد التي يبنى عليها أكثر الأحكام استصحاب اليقين والإعراض عن الشك.

وأصله قوله عليه‌السلام : إن الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه ويقول : أحدثت أحدثت ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (١). وقال الباقر عليه‌السلام : لا ينقض اليقين أبدا بالشك.

فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على الطهارة. وإن كان خارج الصلاة. وكذا لو مس الخنثى فرجه مرتين وقلنا إن المس ناقض ، وشك في أن الممسوس ثانيا هو الأول أو غيره.

وكذا لو تيقن الحدث وشك في الطهارة ، فإنه يعمل بيقين الحدث ويتطهر إجماعا.

ولو تيقن أحدهما وظن الآخر عمل على اليقين. ولا فرق بين الحدث الأكبر والأصغر في ذلك.

هذا إذا عرف سبق الطهارة ، أما إذا لم يعرف بأن تيقن أنه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث وشك في السابق ، وجب عليه الطهارة ، لأنه حينئذ غير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ١٧٥.

٥٩

متيقن للطهارة ولا ظان ، فلا يصح له الدخول في الصلاة. ويحتمل اعتبار ما قبل الطلوع ، فإن كان محدثا فهو الآن متطهر ، لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في تأخر الحدث المعلوم بعد الطلوع عن تلك الطهارة.

وإن كان متطهرا ، فهو الآن محدث ، لأنه تيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك في تأخر الطهارة عن الحدث ، ويجوز سبقها وتوالي الطهارتين ، هذا إن كان يعتاد التجديد ، وإلا فالظاهر أن طهارته بعد الحدث ، فيكون متطهرا.

ولو لم يذكر شيئا ، تطهر قطعا ، لتعارض الاحتمالين ، ولا تصح الصلاة مع تردد الطهارة. ويحتمل أنه إن ذكر الحدث قبل الطلوع فهو الآن محدث ، وإن ذكر الطهارة فهو الآن متطهر ، لأنه ما يذكره من قبل معلوم فيستصحب ، ويتعارض الظنان الطاريان بعده ، لتقابل الاحتمالين ، والأقرب ما قلناه أولا ، لأنه الأحوط.

أما لو تيقن أنه بعد الطلوع ، نقض طهارته (١) وتوضأ عن حدث ، وشك في السابق منهما ، الوجه استصحاب السابق عليه ، لأنه إن كان متطهرا فقد تيقن نقض تلك الطهارة ثم توضأ ، إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض هذه مشكوك. وإن كان محدثا فقد تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها ، والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها.

ولو شك في يوم هل تطهر فيه أو أحدث؟ نظر إلى ما قبل ذلك الزمان وعمل عليه.

ولو شك في شي‌ء من أفعال الطهارة ، كغسل يد أو وجه أو مسح ، فإن كان على حال الطهارة لم يفرغ ، أعاد على ما شك فيه وعلى ما بعده دون السابق إن حصلت الموالاة ، عملا بأصالة العدم ، ولقول الباقر عليه‌السلام : إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو لم تمسحه مما سماه الله ما دمت في حال الوضوء ،

__________________

(١) في « ر » الطهارة.

٦٠