نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

يخرج عن حد القيام إلا بذلك.

ولو لم ينحن بل انخنس وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب ، لم يكن ذلك ركوعا ، ولو صار بحيث لو مد يده لنالت راحتاه ركبتيه ، لأن النيل لم يكن بالانحناء ، ولو مزج الانحناء بهذه الهيئة وكان التمكن من وضع الراحتين على الركبتين بهما جميعا ، لم يعتد بما فعله ركوعا.

والعاجز عن كمال الانحناء يأتي بالممكن للضرورة. ولو تعذر مطلقا أومأ ، لأنه القدر الممكن فيقتصر عليه.

وطويل اليدين وقصيرهما ينحنيان كما ينحني مستوى الخلقة ، فلا يكفي الأول ما نقص عن الأقل ، ولا يجب على الثاني الزيادة عليه.

الثاني : الطمأنينة بعد انتهاء الانحناء ، وهو السكون بحيث تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع ، وينفصل هويه عن ارتفاعه منه ، لأن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع فصلى ثم جاء وقال له مثل ذلك ، فقال : علمني يا رسول الله ، فقال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا (١).

ولا تقوم زيادة الهوي مقام الطمأنينة ، فلو جاوز حد أقل الركوع وزاد في الهوي ، ثم ارتفع والحركات متصلة فلا طمأنينة.

والطمأنينة ليست ركنا في الصلاة ، لعموم « رفع عن أمتي » وقدرها قدر الذكر الواجب ، لوجوب الذكر فيه ، فلا بد من السكون بقدر أدائه.

الثالث : يجب أن لا يقصد بهويه غير الركوع ، فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد ، ثم بلغ حد الراكعين ، فأراد أن يجعله ركوعا لم يجز ، بل يعود إلى القيام ثم يركع ، لأن الركوع الانحناء ولم يقصده.

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ٢٢٦.

٤٨١

ولا فرق بين العامد والساهي على إشكال. وكذا لو نسي الركوع في قيامه فهوي ليسجد ، فلما بلغ حد الراكعين ذكر.

ولو عجز عن الركوع إلا بما يعتمد عليه وجب. ولو عجز وتمكن من الانحناء على أحد جانبيه وجب. ولو عجز عن الطمأنينة سقطت ، وكذا الرفع منه.

ولو لم يضع راحتيه على ركبتيه ، فشك بعد القيام هل بلغ حد الركوع المجزي؟ فالأقرب عدم الالتفات للانتقال.

الرابع : يجب في الركوع بعد كمال الانحناء الذكر ، لقوله عليه‌السلام : لما نزل « ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) » ضعوها في ركوعكم (١). والأمر للوجوب ، ولقول الصادق عليه‌السلام يقول في الركوع : « سبحان ربي العظيم » وفي السجود « سبحان ربي الأعلى » الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث والأفضل السبع (٢). ولأنه هيئة في كون ، فيجب فيه الذكر كالقيام.

وهل يتعين التسبيح؟ الأقوى المنع ، لقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله هشام بن الحكم وهشام بن سالم يجزي أن نقول مكان التسبيح في الركوع والسجود « لا إله إلا الله والله أكبر »؟ فقال : نعم ، كل هذا ذكر (٣). علل عليه‌السلام بالذكر. وبعض علمائنا أوجب التسبيح وهو « سبحان ربي العظيم وبحمده » ثلاثا ، وبعضهم مرة ، أو ثلاث مرات « سبحان الله ».

ويجب أن يأتي بالذكر حال الطمأنينة ، فلو شرع فيه حال قبل انتهائه إلى الهوي الواجب ، أو شرع في الرفع قبل إكماله عمدا ، بطلت صلاته.

الخامس : الرفع من الركوع بعد انتهاء الذكر في الطمأنينة ، والاعتدال في القيام والطمأنينة فيه ، فلو انحط إلى سجوده من ركوعه عامدا ، بطلت صلاته ، لقوله عليه‌السلام للمسي‌ء في صلاته : ثم ارفع حتى تعتدل قائما (٤).

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ٢٣٠.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٢٣ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٢٩ ح ١ و ٢.

(٤) سنن أبي داود ١ ـ ٢٢٦.

٤٨٢

وقول الصادق عليه‌السلام : إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك ، فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه (١). ولأنه ركن هو خفض فالرفع منه فرض كالسجود.

والمصلي قاعدا يعود بعد الركوع إلى القعود. والحاصل بالواجب عوده بعد الركوع إلى الهيئة التي كان عليها قبله مطمئنا. فلو ركع عن قيام وسقط في ركوعه ، فإن لم يطمئن في الركوع ، فعليه أن يعود إليه ويعتدل منه ، وإن اطمأن اعتدل قائما وسجد.

ولو رفع الراكع رأسه ثم سجد وشك في أنه هل تم اعتداله ، لم يلتفت.

ولو عجز عن الانتصاب لعلة فسجد ، وزالت العلة قبل بلوغ جبهته الأرض ، فإنه يرفع وينتصب ويسجد ، لزوال العلة قبل الركن. ولو زالت بعد الوضع سقط ، لشروعه في السجود.

ولو ترك الاعتدال عن الركوع والسجود في صلاة النفل عمدا ، لم تبطل صلاته ، لأنه ليس ركنا في الفرض ، فكذا في النفل.

البحث الثالث

( في مسنوناته )

وهي عشرة :

الأول : التكبير له قائما ، لأنه عليه‌السلام كان يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود (٢). وإيقاعه حالة القيام قبل الهوي ، لأن الصادق عليه‌السلام رفع يديه حيال وجهه وقال : « الله أكبر » وهو قائم ثم ركع (٣). ولأنه شروع في ركن فيقدم (٤) التكبير كالافتتاح.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٣٩ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٢١ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٥ ح ٢.

(٤) كذا في « ق » وفي « ر » و « س » فيتقدمه.

٤٨٣

ولا يمد التكبير ، لقوله عليه‌السلام : التكبير جزم (١). ولأنه لو حاوله لم يؤمن جعله في غير موضعه ، فيغير المعنى. بأن يجعله على الهمزة فيصير استفهاما.

الثاني : رفع اليدين بالتكبير اتباعا له عليه‌السلام. وليس التكبير ولا الرفع واجبا ، خلافا لبعض علمائنا فيهما ، للأصل ولأن الصادق عليه‌السلام سئل عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة؟ قال : تكبيرة واحدة (٢). ولو صلى قاعدا أو مضطجعا ، رفع يديه ، وينتهي إلى حيال وجهه. وفي رواية : إلى أذنيه (٣).

ويبتدي بالرفع عند ابتداء التكبير ، وينتهي عند انتهائه ، ثم يرسلهما بعد ذلك ، إذ لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلا كذلك.

الثالث : وضع يديه على عيني ركبتيه وأخذهما بهما ، ويفرج أصابعه حينئذ ، لأنه عليه‌السلام كان يمسك راحتيه على ركبتيه في الركوع كالقابض عليهما ويفرج أصابعه (٤). وكذا فعل الصادق عليه‌السلام (٥).

ولو تعذر وضع إحداهما لقطع أو علة وضع الأخرى ، ولو لم يتمكن من وضعهما أرسلهما.

ويجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه ، لأنه عليه‌السلام فعله (٦). بخلاف المرأة لأنه أستر لها ، والخنثى كالمرأة.

الرابع : تسوية الظهر ، ولا يتباذخ به فيخرج صدره ، ويطأ من ظهره فيكون كالسرج. ولا يحدودب فيعلي ظهره. لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٩ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٣ ح ٩.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٥ ح ١.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٢٤٤.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

(٦) جامع الأصول ٦ ـ ٢٥٣.

٤٨٤

إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك. ويمد ظهره وعنقه كالصفحة الواحدة ، لأنه عليه‌السلام كان يستوي في الركوع بحيث لو صب الماء على ظهره لاستمسك (١).

الخامس : رد ركبتيه إلى خلفه ، ولا ينصبهما ، لأن الصادق عليه‌السلام رد ركبتيه إلى خلفه (٢).

السادس : الدعاء أمام التسبيح ، قال عليه‌السلام : أما الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فتمن أن يستجاب لكم (٣).

وقال الباقر عليه‌السلام : وقل : « رب لك ركعت ولك أسلمت ولك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي وعصبي وما أقلت قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر ثم تسبح (٤).

السابع : الزيادة في التسبيح على المرة الواحدة ، فيستحب الثلاث ، والأفضل الخمس والسبع فما زاد أكمل. قال أبان بن تغلب دخلت على الصادق عليه‌السلام وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة (٥).

وينبغي للإمام التخفيف بعدم الزيادة على الثلاث إذا لم يرض القوم بالتطويل ، فإن رضوا به جاز استيفاء أتم الكمال.

ويكره قراءة القرآن في الركوع والسجود ، لأن عليا قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ألا إني قد نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا ، أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء ، فإنه تمن أن تستجاب لكم (٦).

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٥٣ ، وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٣٠ ح ٢ وفيه : فإنه تمن أن يستجاب لكم.

(٤) النهاية ص ٨١.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٢٦ ح ١.

(٦) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٣٠ ح ٢.

٤٨٥

الثامن : إبراز يديه أو جعلهما في الكم ، لأنه أنسب بالخشوع. ولو جعلهما تحت ثيابه ، لم تبطل صلاته.

التاسع : قول « سمع الله لمن حمده » بعد رفعه من الركوع إماما كان أو مأموما أو منفردا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعله (١). وقال الباقر عليه‌السلام : ثم قل « سمع الله لمن حمده » وأنت منتصب (٢). ولو قال : « من حمد الله سمع له » لم يأت بالمستحب ، لأنه خلاف المنقول. وهو مستحب لا واجب ، لأنه عليه‌السلام لم يعلمه المسي‌ء في صلاته (٣).

العاشر : الدعاء بعد ذلك فيقول : الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت. إماما كان أو مأموما أو منفردا ، لأنه عليه‌السلام كان يقوله. ولأن قوله « سمع الله لمن حمده » إذكار (٤) بالحمد وجبت عليه فيستحب. ولو قال : « ربنا ولك الحمد » جاز. لكن الأفضل ما روي عن أهل البيت عليهم‌السلام ، لأنهم أعرف.

ولو عطس فقال : « الحمد لله رب العالمين » ونوى المستحب بعد الرفع جاز ، إذ لا يتغير شي‌ء من المقصود بضم هذه النية. ولا يستحب رفع اليدين عند الرفع من الركوع ، بل عند التكبير للسجود.

المطلب السادس

( في السجود )

وفيه مباحث :

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ٢٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٢٠ ح ١.

(٣) سنن أبي داود ١ ـ ٢٢٦.

(٤) في « ق » إذا كان.

٤٨٦

البحث الأول

( الماهية )

وهو لغة : الانحناء. وشرعا : وضع الجبهة على الأرض وشبهها. وهو واجب بالنص والإجماع.

ومحله : بعد الرفع من الركوع. ويجب تعدده في كل ركعة سجدتان.

هما معا ركن ، تبطل الصلاة بالإخلال بهما معا ، عمدا أو سهوا إجماعا ، أما الواحدة فإنها واجبة وليست ركنا ، فلو أخل بها عمدا بطلت صلاته ، لا سهوا ، والجهل عمد.

ولا يجوز أن يقصد بهويه غير السجود ، فلو سقط لا له لم يجزيه ، والأقرب البطلان ، لأنه تغيير لهيئة الصلاة. ولو أراد السجود من غير قصد أجزأه إرادته السابقة ، لعدم وجوب تجديد القصود والدواعي للأفعال عند إيقاعها. ولو لم تسبق نية السجود ، أجزأه أيضا.

ولو هوى ليسجد فسقط على بعض جسده ، ثم انقلب على وجهه فماست جبهته الأرض ، فالأقوى الإجزاء.

البحث الثاني

( في واجباته )

وهي عشرة :

الأول : يجب وضع الجبهة على مكان السجود مع القدرة ، فلا يجزي الأنف عنها ، لقوله عليه‌السلام : إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا ينقر نقرا (١). ولقول الصادق عليه‌السلام : سبع منها فرض وعد الجبهة (٢).

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٤٩ ، سنن أبي داود ١ ـ ٢٢٧.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٤ ح ١ وح ٨.

٤٨٧

ولا يجب استيعاب الجبهة بالوضع ، بل يكفي المسمى مع التمكن ، لأنه عليه‌السلام سجد بأعلى جبهته. وقال الصادق عليه‌السلام : ما بين قصاص شعرك إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك (١). واشترط بعض علمائنا قدر الدرهم. وكذا باقي المساجد يكفي الملاقاة ببعضها ، والأفضل الاستيعاب.

ولا يجزي وضع الجبينين عن وضع الجبهة ، وهما جانبا الجبهة.

الثاني : يجب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين على مكان السجود عند علمائنا أجمع ، لقوله عليه‌السلام : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم :

الجبهة ، والركبتين ، وإبهامي الرجلين ، وأطراف القدمين (٢). وسجد الصادق عليه‌السلام على ثمانية أعظم : الكفين ، والركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف قال : سبع منها فرض ، ووضع الأنف على الأرض سنة (٣).

فلو أخل بواحد منها عمدا بطلت صلاته وإن كان جاهلا ، والساهي لا يعيد ، لعدم وجوبه حينئذ. والاعتبار في اليدين بباطن الكفين ، وفي الرجلين بأطراف الأصابع.

الثالث : يجب وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، وهو الأرض وما ينبت منها مما لا يؤكل أو يلبس وقد تقدم ، دون باقي الأعضاء ، لكن يستحب في اليدين ، ويسقط مع الضرورة كالحر وشبهه.

الرابع : يجب تساوي الأعالي والأسافل ، أو انخفاض الأعالي. فلو كان موضع جبهته أعلى من مرفقه بالمعتد عمدا مع القدرة ، لم تصح صلاته ، لأن اسم السجود لا يقع على هذه الهيئة ، وسأل ابن سنان الصادق عليه‌السلام عن موضع جبهة الساجد تكون أرفع من مقامه؟ فقال : لا ، ولكن يكون مستويا (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٦٢ ح ٢.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٢٥٦.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٦٣ ح ١.

٤٨٨

ويجوز بغير المعتد ، وهو مقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها ، لأنه لا يعد علوا ، ولعدم التمكن من الاحتراز عنه ، لغلبة علو ذلك ، ولقول الصادق عليه‌السلام : إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع يديك قدر لبنة فلا بأس (١).

ولو عجز عن التنكس إلى أن يستعلي الأسافل على أعاليه لمرض أو غيره ، وجب وضع وسادة ونحوها ليقع الجبهة عليها. ولا يكفي إنهاء الرأس إلى الحد الممكن من غير وضع الجبهة على شي‌ء ، لوجوب هيئة التنكس ووضع الجبهة ، فإذا تعذر أحدهما وجب الثاني محافظة على الواجب بقدر الإمكان.

ولو عجز عن وضع الجبهة على الأرض ، وقدر على وضعها على وسادة مع رعاية هيئة التنكس ، وجب عليه ذلك إجماعا.

ولو عجز عن الانحناء أشار بالرأس ثم بالطرف.

وهل يجب رفع الوسادة ، أو الخمرة ، أو شبهها إليه ليضع جبهته عليها؟ الأقرب ذلك ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد (٢).

الخامس : يجب الاعتماد على موضع السجود ، فلا يتحامل عنه بنقل رأسه وعنقه. ولو كان يسجد على قطن أو حشيش نقل عليه حتى ينكس ويمكن جبهته عليه.

والأقرب الاكتفاء بإرخاء رأسه ، وأن لا يقله من غير حاجة إلى التحامل ، لأن الغرض أبدا هيئة التواضع ، وهو لا يحصل بمجرد الإمساك ، فإنه ما دام يقل رأسه كالضنين بوضعه ، فإذا أرخى حصل الغرض ، بل هو أقرب إلى هيئة التواضع من تكلف التحامل ، ولهذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سجوده كالخرقة البالية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٦٤ ح ١ وفيه : بدنك مكان يديك.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٧٦ ح ١.

٤٨٩

السادس : يجب أن يجافي بطنه على الأرض ، فلو أكب على وجهه ومد يديه ورجليه وموضع جبهته على الأرض منبطحا لم يجزيه ، لأنه لا يسمى سجودا. ولو لم يتمكن إلا على هذا الوجه أجزأه.

وهل يجب أن يلقي الأرض ببطون راحتيه ، أو يجزيه إلقاء زنديه؟ ظاهر كلام علمائنا الأول ، إلا المرتضى فإن ظاهر كلامه الثاني.

ولو ضم أصابعه إلى كفه وسجد عليها ففي الإجزاء إشكال ، أقربه المنع ، لأنه عليه‌السلام جعل يديه مبسوطتين حالة السجود. ولو قلب كفيه وسجد على ظهر راحتيه لم يجزيه ، لمنافاته فعله عليه‌السلام. والأقرب إجزاء وضع الأصابع دون الكف وبالعكس.

السابع : تجب الطمأنينة في كل واحد من السجدتين ، لقوله عليه‌السلام للمسي‌ء في صلاته : ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا (١).

ولو عجز عن الطمأنينة لم يسقط وجوب وضع الجبهة. ولو تمكن من أحدهما ، وجب الوضع.

الثامن : يجب في كل منهما الذكر ، لقوله عليه‌السلام لما نزل « سبح اسم ربك الأعلى » اجعلوها في سجودكم (٢). وقال الصادق عليه‌السلام يقول في السجود : « سبحان ربي الأعلى » (٣) والفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنة ثلاث ، والفضل في سبع.

وهي يتعين التسبيح؟ قيل : نعم عملا بهذه الرواية. والأقوى إجزاء مطلق الذكر ، لما تقدم في الركوع.

التاسع : تجب الطمأنينة بقدر الذكر في كل واحد منهما ، وإيقاع الذكر مطمئنا ، فلو شرع فيه قبل وصول الجبهة للأرض ، أو رفع قبل انتهائه بطل سجوده.

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ٢٢٦.

(٢) سنن أبي داود ١ ـ ٢٣٠.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٥.

٤٩٠

العاشر : رفع الرأس منه بعد إكمال الذكر في السجدة الأولى ، والطمأنينة في الجلوس بين السجدتين ، لقوله عليه‌السلام للأعرابي : ثم ارفع رأسك حتى تطمئن (١). ولأن الصادق عليه‌السلام فعله (٢). ولأنه أحد الرفعين فيجب إلى الاعتدال كالرفع من الثانية.

ولو أخل بالطمأنينة عمدا ، بطلت صلاته ، فإذا اطمأن في جلوسه ، سجد الثانية وفعل فيها كالأولى ، ثم رفع رأسه إما للقيام أو للتشهد.

البحث الثالث

( في مسنوناته )

وهي ستة عشر :

الأول : يستحب إذا أراد السجود الأول أن يكبر له ، لأنه عليه‌السلام كان يكبر حين يسجد (٣). وقال الباقر عليه‌السلام : إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا (٤). ولأنه انتقال إلى ركن فشرع فيه التكبير.

وقال بعض علمائنا بوجوبه. وهو ممنوع بالأصل.

الثاني : رفع اليدين بالتكبير إلى حيال وجهه ، لقول الباقر عليه‌السلام : إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير (٥). وليس واجبا للأصل ، خلافا للمرتضى.

ويستحب التكبير قائما ، فإذا فرغ منه أهوى إلى السجود ، لأن الصادق عليه‌السلام كذا فعل ، ويأتي به جزما.

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ٢٢٦.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٢١.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٦ ح ٧.

٤٩١

الثالث : يلقى الأرض بيديه قبل ركبتيه عند علمائنا ، لقوله عليه‌السلام : إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه (١). وقول الباقر عليه‌السلام : وابدأ بيديك فضعهما قبل ركبتيك (٢) :

الرابع : الاتكاء على اليدين عند النهوض ، ورفع ركبتيه أولا للرواية (٣). ولأن اليدين كما تقدم وضعهما تأخر رفعهما.

الخامس : مساواة موضع الجبهة للموقف ، لأنه أنسب بالاعتدال المطلوب في السجود ، وأمكن للمساجد ، ولقول الصادق عليه‌السلام : إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي (٤). فإذا كان أخفض فكذلك.

وإن كان أرفع بقدر لبنة ، جاز لكن يستحب جر الجبهة إلى المعتدل ، وليس له الدفع حينئذ ، لئلا يزيد سجدة. ولو كان أزيد من لبنة جاز الرفع ولم يكن زيادة ، لأن الوضع الأول ليس بسجود وكذا التفصيل لو سجد على ما يكره السجود عليه أو يحرم.

السادس : الدعاء أمام التسبيح إجماعا ، قال الصادق عليه‌السلام : إذا سجدت فكبر وقل : اللهم لك سجدت ، ولك آمنت ، وعليك توكلت ، وأنت ربي ، سجد وجهي للذي خلقه ، وشق سمعه وبصره ، والحمد لله رب العالمين ، تبارك الله أحسن الخالقين ، ثم قل : « سبحان ربي الأعلى » ثلاث مرات (٥).

السابع : التسبيح في كل واحدة من السجدتين ثلاثا أو خمسا أو سبعا فما زاد ، كما في الركوع.

الثامن : التخوية ، وهي إلقاء الخوا بين الأعضاء ، بأن يفرق بين فخذيه‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٥٤.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٠ و ٩٨٣ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥١.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٦٤ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥١ ح ١.

٤٩٢

وساقيه ، وبين بطنه وفخذيه ، وبين جنبيه وعضديه ، وبين عضديه وساعديه ، وبين ركبتيه ومرفقيه ، وبين رجليه للرجل خاصة ، اتباعا لفعله عليه‌السلام. أما المرأة فلا يستحب في حقها ، بل تضم بعض الأعضاء إلى بعض.

التاسع : الاعتدال في السجود ، لقوله عليه‌السلام : اعتدلوا في السجود (١).

العاشر : التورك في الجلوس ، بأن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه معا ، ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، ويفضي بمقعدته إلى الأرض لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجلس كذلك (٢) ، وكذا الصادق عليه‌السلام. وقال الصادق عليه‌السلام : إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك واجلس على يسارك (٣).

الحادي عشر : التكبير إذا استوى جالسا عقيب الأولى للرفع منها ، ثم يكبر للثانية قاعدا ، ثم يسجد ، ثم يكبر بعد جلوسه من الثانية ، لأن الصادق عليه‌السلام لما استوى جالسا قال : « الله أكبر » ثم قعد على فخذه الأيسر ووضع قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : أستغفر الله ربي وأتوب إليه ، ثم كبر وهو جالس وسجد ثانية وقال كما قال في الأولى (٤).

الثاني عشر : الدعاء حال جلوسه بين السجدتين ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني وارزقني واهدني السبيل الأقوم وعافني (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام : إذا رفعت رأسك بين السجدتين فقل :

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٤٤ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٢٨٨.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٢٦٩.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٦ ح ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

(٥) سنن أبي داود ١ ـ ٢٢٤.

٤٩٣

« اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني وعافني ، إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، تبارك الله رب العالمين » (١) ولأنها حالة لبث في الصلاة فلا تخلو من ذكر.

الثالث عشر : جلسة الاستراحة مستحبة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الله أكبر » ثم ثنى رجليه وقعد واعتدل ثم نهض (٢). وقال الصادق عليه‌السلام : إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثم قم (٣). وقال عليه‌السلام : إن هذا من توفير الصلاة (٤).

وليست واجبة ، خلافا للمرتضى ، لأن الباقر والصادق عليهما‌السلام قاما إلى الثانية بغير جلوس (٥).

الرابع عشر : يستحب الاعتماد على يديه سابقا برفع ركبتيه عند القيام من السجدة الثانية ، أو من جلسة الاستراحة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى واستوى قاعدا قام واعتمد على الأرض (٦). وكذا الصادق عليه‌السلام (٧). ولأنه أشبه بالتواضع وأعون للمصلي.

الخامس عشر : رفع اليدين بالتكبير الذي للسجود الأول والثاني ، والرفع منهما ، وقد تقدم.

السادس عشر : ترك الإقعاء في الجلوس ، لأن الإقعاء مكروه ، ولقوله عليه‌السلام : لا تقع بين السجدتين (٨). وكذا قال الصادق عليه‌السلام (٩).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥١ ح ١.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٢٤٨ ما يشبه ذلك.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٦ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٦ ح ٥.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٦ ح ٢.

(٦) سنن أبي داود ١ ـ ٢٣١.

(٧) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٠ ح ١.

(٨) جامع الأصول ٦ ـ ٢٥٤.

(٩) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٧ ح ١.

٤٩٤

وليس محرما ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين (١).

البحث الرابع

( العجز )

وإذا عجز عن الانحناء إلى حد وضع الجبهة ، انحنى إلى حد ما يقدر عليه ، ثم يرفع ما يسجد عليه ويضع جبهته عليه.

ولو كانت في جبهته دمل لا يتمكن من وضعها على الأرض ، حفر حفيرة ليقع الدمل فيها ويقع السليم على الأرض وجوبا مع القدرة ، تحصيلا للواجب. وسجد مصادف على جانب فقال له الصادق عليه‌السلام : ما هذا؟ قلت : لا أستطيع أن أسجد لمكان الدمل ، فقال : احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تضع جبهتك على الأرض (٢).

فإن استوعب الجبهة ، أو تعذرت الحفيرة ، سجد على أحد الجبينين ، لأنه أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء ، والإيماء سجود مع التعذر على الجبهة ، فهذا أولى.

فإن تعذر سجد على ذقنه ، وهو مجمع اللحيين ، لقوله تعالى ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (٣) وصدق اسم السجود عليه يستلزم الإجزاء في حال الضرورة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : يضع ذقنه على الأرض (٤).

فإن تعذر ذلك كله أومأ. ولو عجز في إحدى السجدتين لم تسقط الأخرى. والمريض إذا صلى قاعدا ، وبالجملة كل من يومي لركوعه وسجوده ، يجب أن يزيد في السجود مزيد انخفاض في الإيماء عن الركوع ، ليقع الفصل بينهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٧ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٦٥ ح ١.

(٣) سورة الإسراء : ١٠٧.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٦٥ ح ٢.

٤٩٥

البحث الخامس

( في السجدات الخارجة عن الصلاة )

وهي ثلاثة : الأول سجدة التلاوة. الثاني سجدة الشكر. الثالث سجدة السهو ، وستأتي في بابه. فهنا مقامان :

المقام الأول

( في سجود التلاوة )

وهي في خمسة عشر موطنا : الأعراف ، الرعد ، النحل ، بني إسرائيل ، مريم ، الحج في موضعين منه ، الفرقان ، النمل ، سجدة لقمان وهي الم تنزيل ، ص ، حم السجدة ، النجم ، الانشقاق ، اقرأ باسم ربك.

ثلاث منها في المفصل ، وهي النجم والانشقاق واقرأ ، لأن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أقرأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة عشر سجدة : ثلاث في المفصل ، وسجدتان في الحج (١).

وموضع السجود في حم عند قوله تعالى ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) (٢).

ويجب هذا السجود في أربعة مواضع منها وهي : العزائم الأربع عند علمائنا أجمع على القارئ والمستمع ، وفي السامع خلاف. وباقي السجدات مستحب ، لقول علي عليه‌السلام : عزائم السجود أربع (٣).

وهذا السجود ليس جزءا من الصلاة ، فلا يشترط فيه ما يشترط فيها من الطهارة والاستقبال وستر العورة وغيرها ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وإن كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار (٤).

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٦١.

(٢) سورة فصلت : ٣٧.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨٨١.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨٨٠ ح ٢.

٤٩٦

ولا تفتقر إلى التكبير ، ولا بد من النية ، لاشتراكها مع غيرها فلا بد من المائز. ويستحب التكبير عند الرفع منها ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك (١).

وليس فيها ذكر ، لأصالة البراءة ، لكن يستحب. ولا تشهد فيها ولا تسليم عند علمائنا ، لأن أمر السجود لا يتناول غيره ، والأقرب وجوب وضع الجبهة ، وفي الباقي إشكال. ولا يقوم الركوع مقامه ، لأنه أقل من الواجب ، فلا يكون مجزيا.

وإذا وجد السبب في الأوقات المكروهة ، وجب أو استحب ، لإطلاق الأمر بالسجود ، فيتناول جميع الأوقات بإطلاقه. ولا يشترط في سجود المستمع سوى الاستماع للعموم ، سواء كان التالي مما يصلح أن يكون إماما للمستمع أو لا.

فلو تلت المرأة فاستمع وجب ، وكذا الأمي للقارئ والصبي. ولو كان الإمام مرضيا وقرأ العزيمة ناسيا ، أومأ بالسجود عند آيته ، وكذا المأموم. وإن كان في نافلة يجوز فيها الجماعة ، سجد هو والمأموم.

ولو كان ممن لا يقتدى وقرأ العزيمة في فرضه لم يتابعه فيه في السجود لو فعله بل يومي. ولو كان التالي في غير الصلاة والمستمع فيها ، فالأقرب تحريم الاستماع ، ثم إن كانت فريضة أومأ ، ويحتمل الصبر حتى يتم ويسجد.

ولو قرأ السجدة ماشيا ، سجد ، فإن لم يتمكن أومأ. وإن كان راكبا سجد على دابته إن تمكن ، والأوجب النزول والسجود ، فإن تعذر أومأ ، وقيل : يكره احتضار السجود ، فقيل : هو أن ينتزع آيات السجدات فيتلوها ويسجد فيها ، وقيل : هو أن يسقطها من قراءته.

ولو فاتت قال الشيخ في المبسوط : يجب قضاؤها (٢). ويحتمل أداؤها دائما لعدم التوقيت ، نعم يجب على الفور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨٨٠ ح ٣.

(٢) المبسوط ١ ـ ١١٤.

٤٩٧

ولو كرر السجدة في مجلس واحد ولم يسجد للأولى ، احتمل الاكتفاء بالواحدة ، ووجوب التكرار وهو الأقوى.

المقام الثاني

( في سجدة الشكر )

وهي مستحبة عقيب الفرائض ، وعند تجدد النعم ودفع النقم ، لأنه عليه‌السلام كان إذا جاءه شي‌ء يسره خر ساجدا (١). وسجد عليه‌السلام يوما فأطال فسئل فقال : أتاني جبرئيل عليه‌السلام فقال : من صلى عليك مرة ، صلى الله عليه عشرا ، فخرت شكرا لله (٢). وسجد علي عليه‌السلام شكرا يوم النهروان لما وجدوا ذا الثدية (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : سجدة الشكر واجبة على كل مسلم ، يتم بها صلاتك ، وترضي بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين الملائكة وبين العبد (٤).

ويستحب فيها التعفير ، لأنها وضعت للتذلل والخضوع ، والتعفير أبلغ فيه ، قال محمد بن سنان : رأيت موسى بن جعفر عليهما‌السلام يفعل ذلك في الحجر في جوف الليل (٥).

ويستحب الدعاء بالمنقول وأن يقول : « شكرا شكرا » مائة مرة. ويجوز أن يقول : « عفوا عفوا ».

ويستحب السجود عند تذكر النعمة وإن لم يكن متجددة ، لأن دوام النعمة نعمة متجددة.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٦٧.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٧٠ ما يشبه ذلك.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ ـ ٢٠٥ ط القاهرة.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٧١ ح ٥.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٧٥ ح ٢.

٤٩٨

وليس فيها تكبير افتتاح ولا تشهد ولا تسليم. ويستحب التكبير للرفع منه. ولو تجددت النعمة في الصلاة ، سجد بعد فراغه منها لا فيها. وإذا رأى مبتلى ببلية أو بمعصية ، سجد شكرا لله ، ويظهره للفاسق دون المبتلي لئلا يتأذى به ، ولئلا يتخاصما.

ويجوز التقرب بسجدة ابتداء من غير سبب ، وكذا بالركوع على إشكال.

المطلب السابع

( في التشهد )

ومباحثه ثلاثة (١) :

البحث الأول

( الماهية )

وهي الشهادة بالتوحيد والرسالة والصلاة على النبي وآله ، فيقول : « أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم صل على محمد وآل محمد » هذا هو الواجب. لا تصح الصلاة بترك شي‌ء منه ، لأنه عليه‌السلام فعل ذلك وداوم عليه ، وكذا الأئمة عليهم‌السلام ، ولقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل ما يجزي من التشهد في الأخيرتين؟ قال : الشهادتان (٢).

والإجزاء إنما تصح في الواجب ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة علي (٣). وقال عليه‌السلام : من صلى صلاة ولم يقل فيها « علي وعلى أهل بيتي » لم يقبل منه (٤).

__________________

(١) كذا في النسخ الثلاثة ، وهي أربعة.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٩٢ ح ١.

(٣) سنن ابن ماجة ج ١ ح ٢٧١ ـ ٢٧٤.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٩٩ ما يدل على ذلك.

٤٩٩

وهل يجب قول « وحده لا شريك له » عقيب « أشهد أن لا إله إلا الله »؟ إشكال ، ينشأ : من أصالة البراءة ، ومن قول الصادق عليه‌السلام : إذا استويت جالسا فقل : « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله » (١).

ولو أسقط الواو في الثاني ، أو اكتفى به ، أو أضاف الآل إلى المضمر ، فالوجه الإجزاء. ولو حذف لفظ الشهادة ثانيا والواو لم يجزيه. ولا بد من الإتيان بلفظ الشهادة ، فلو قال : أعلم ، أو أخبر عن علم لم يجز. وكذا لو قال : أشهد أن الله واحد.

ولو أتى عوض حرف الاستثناء بغيره مما يدل عليه كغير وسوى ، فالوجه المنع ، اقتصارا على صورة المنقول.

ولو قال : « صلى الله على محمد وآله » أو قال : « صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أو « صلى الله على رسوله وآله » فالأقرب الإجزاء ، لحصول المعنى.

البحث الثاني

( المحل )

الصلاة الواجبة إما ثنائية ، أو زائدة عليها ، ففي الأول يجب تشهد واحد في آخر الصلاة ، وفي الثانية يجب تشهدان : أحدهما بعد الثانية ، والثاني آخر الصلاة. إما الثالثة أو الرابعة ، عند علمائنا أجمع ، لأنه عليه‌السلام داوم على ذلك ، فلو لا وجوبه لأخل به في بعض الأوقات ليعرف ندبته وقال ابن مسعود : علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التشهد في وسط الصلاة وآخرها (٢). وعنهم عليهم‌السلام التشهد تشهدان في الثالثة والرابعة.

ولا فرق بين التشهد الأول والثاني في الوجوب والهيئة الواجبة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٩٢ ح ٤.

(٢) سنن أبي داود ١ ـ ٢٥٦.

٥٠٠