نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولا فرق بين غصبية رقبة الأرض بأخذها ، أو دعوى (١) ملكيتها. وبين غصب المنافع بادعاء الإجارة ظلما ، أو وضع يده عليها ، أو يخرج روشنا أو ساباطا في موضع لا يحل له ، أو يغصب راحلة ويصلي عليها ، أو سفينة أو لوحا فيجعله في سفينة ويصلي عليه.

ولا فرق بين الجمعة وغيرها ، وكذا العيد والجنازة.

ولا فرق بين الغاصب وغيره في بطلان الصلاة ، سواء أذن له الغاصب أو لا. ويصح للمالك الصلاة فيه.

ولو أذن المالك اختص المأذون وإن كان الغاصب. ولو أطلق للإذن انصرف إلى غير الغاصب عرفا.

ولو أذن له في الدخول إلى داره والتصرف ، جاز أن يصلي ، وكذا لو علم بشاهد الحال.

وتجوز الصلاة في البساتين والصحاري وإن لم يحصل الإذن ، ما لم يكره المالك للعادة. ولو كانت مغصوبة لم تصح إلا مع صريح الإذن.

وجاهل الحكم غير معذور ، أما الناسي فيحتمل إلحاقه به لتفريطه بالنسيان. وعدمه ، لرفع القلم عنه. ويعذر جاهل الغصب ، إذ الظاهر صحة تصرفات المسلم.

ولو أمره بالخروج بعد إذن الكون وجبت المبادرة ، فإن صلى قاطنا حينئذ بطلت صلاته ، سواء كان الوقت متسعا أو ضيقا. ولو صلى خارجا صح إن كان الوقت ضيقا يخاف فوته مع الخروج ، وإلا فلا. ويجب عليه مع التضييق الجمع بين الخروج والصلاة ، وإن كان إلى غير القبلة للضرورة. فإن تمكن من القهقرى وجب. وكذا الغاصب.

ولو أمره بالكون فصلى جاز. فإن أمره بالخروج في الأثناء ، فإن كان‌

__________________

(١) في « ر » و « س » دعواه.

٣٤١

الوقت ضيقا خرج مصليا ، فإن أتم قاطنا فالأقرب البطلان ، ويحتمل الصحة لمشروعية الدخول. ولو كان الوقت متسعا احتمل الإتمام لذلك. والقطع لأنه غير مأذون له في الصلاة صريحا ، وقد وجد المنع صريحا. والخروج مصليا كالتضيق ، للمنع من قطع عبادة مشروعة ، فأشبهت المضيق.

أما لو أذن له في الصلاة ، فشرع فيها ، ثم أمره بالخروج ، فالأقرب الإتمام. ويحتمل الأخيرين مع السعة ، والخروج مصليا مع التضييق. ولا فرق بين الفرائض والنوافل في ذلك كله.

أما الصوم في المكان المغصوب فإنه سائغ ، إذ ليس الكون في المكان جزءا منه ولا لازما.

ولو نذر قراءة القرآن ، لم يجز في المكان المغصوب. وكذا أداء الزكاة. ويجزي أداء الدين. والطهارة كالصلاة في المنع.

والمشتبه بالمغصوب حكمه حكمه.

البحث الثاني

( الطهارة )

ويشترط طهارة المكان من النجاسات المتعدية إليه غير المعفو عنها إجماعا ، لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (١). وأما ما لا يتعدى إليه كاليابسة ، فلا يشترط إلا طهارة موضع الجبهة دون غيرها من مساقط أعضاء السجود على الأصح ، وغيرها عملا بالأصل ، ولقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس ، لما سئل عن الشاذكونة يصلى عليها وقد أصابتها الجنابة (٢).

ولا يشترط طهارة السقف وإن كان يحتك به ، ولا الجدار الملتصق به. ولو صلى على بساط وتحته نجاسة ، أو على طرف منه آخر نجاسة ، أو على سرير قوائمه على النجاسة ، صح ، سواء تحرك بحركته أو لا.

__________________

(١) سورة المدثر : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٦٩ ح ٣.

٣٤٢

ولو كان على رأسه عمامة وطرفها يسقط على نجاسة ، صحت صلاته. ولو كان ثوبه يمس شيئا نجسا ، كثوب من إلى جانبه صحت.

ولا يشترط طهارة موضع الجبهة بكمالها على الأقوى ، بل لو كان القدر المجزي طاهرا والباقي نجسا صح. ولو كان بين جبهته وبين النجاسة حائل صحت صلاته ، بخلاف المغصوب. وهل يكون مكروها؟ إشكال.

ولو اشتبه المكان النجس بالطاهر ، فإن كان الموضع محصورا كالبيت والبيتين ، لم تجز الصلاة عليه ، وإلا جاز دفعا للمشقة. ولا يجوز التحري عندنا. ولو اضطر إلى الصلاة في المشتبه ، وجب عليه التكرير والزيادة بصلاة واحدة على ما وقع الاشتباه فيه.

فلو نجس بيت واشتبه بآخر ، وجبت صلاتان. ولو نجس بيتان واشتبه بثالث ، وجبت ثالثة. وهكذا كالثياب. ولو ضاق الوقت ، احتمل التخيير والتحري ، فيجتهد سواء اتحد البيت أو تعدد.

المطلب الثاني

( في الأمكنة المكروهة )

نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة في سبعة مواطن (١) : المزبلة ، والمجزرة ، وقارعة الطريق ، وبطن الوادي ، والحمام ، وفوق ظهر بيت الله تعالى ، وأعطان الإبل (٢). وقد روى علماؤنا أزيد من ذلك.

ويشتمل على مسائل :

الأول : النهي عن المزبلة والمجزرة ، لعدم انفكاكهما عن النجاسات. فلو وضع تحت جبهته شيئا طاهرا وصلى ، صحت صلاته على كراهية.

الثاني : قارعة الطريق ، وهي التي تقرعها الأقدام ، ففاعل بمعنى مفعول ،

__________________

(١) في « س » مواضع.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٣١٢.

٣٤٣

لغلبة النجاسة في الطريق ، ولأن مرور الناس يشغله عن الصلاة ، ولأنه يمنع المارة من السلوك ، ولقول الصادق عليه‌السلام : فأما على الجواد فلا (١).

ولا فرق بين البراري وغيرها ، ولا بأس بالصلاة على الظواهر التي بين الجواد ، للأصل ، ولقول الصادق عليه‌السلام : ولا بأس أن تصلي في الظواهر التي بين الجواد (٢). ولا فرق بين أن يكون في الطريق سالك أو لم يكن.

وتكره الصلاة في الشوارع لوجود المقتضي.

الثالث : بطن الوادي يخاف فيه السيل فيسلب الخشوع ، فلهذا كرهت الصلاة فيه. فإن أمن السيل ، احتمل بقاء الكراهة ، اتباعا لظاهر النهي. وعدمها لزوال موجبها. وتكره الصلاة في مجرى الماء لذلك أيضا.

الرابع : الحمام تكره الصلاة فيه إن علمت طهارته أو جهلت ، لقول الصادق عليه‌السلام : عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين ، والماء ، والحمام ، والقبور ، ومارة (٣) الطرق ، وقرى النمل ، ومعاطن الإبل ، ومجرى الماء ، والسبخ ، والثلج (٤). ولكثرة النجاسات والأشياء المستقذرة فيه ، ولأنه مأوى الشيطان.

فإن جعلنا العلة النجاسة ، لم يكره في المسلخ. وإن قلنا إنه مأوى الشيطان لكشف العورة فيه كره ، وهو أقرب ، لأن دخول الناس يشغله.

وتصح الصلاة فيه وفي باطن الحمام.

الخامس : تكره الصلاة فوق الكعبة للرواية (٥) ، فإن فعل صح ، بشرط أن يبرز بين يديه شيئا من السطح ، لئلا يجعل القبلة خلفه ، فيكون مستدبرا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٤٥ ح ٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) وفي « س » ومسان الطرق ، كما في الوسائل.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٤١ ح ٦ و ٧.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٤٨ ب ١٩ ح ١.

٣٤٤

ولا يشترط نصب سترة بين يديه ، كما لو صلى خارج العرصة إليها متوجها إلى هواء البيت. ويصلي قائما يستقبل أي جهة شاء ، مع إبراز بعض السطح.

وقد روي : أنه يستلقي على قفاه ويصلي بالإيماء متوجها إلى البيت المعمور (١). فإن قلنا بالرواية شرطنا الضرورة.

وتكره الفريضة خاصة جوف الكعبة. ويستحب النافلة ، لأنه بالصلاة فيها ربما يتعذر عليه الجماعة ، ولأنه باستقبال أي قبلة أراد يستدبر أخرى. ولقول أحدهما عليهما‌السلام : لا تصل المكتوبة في الكعبة (٢).

ولو صلى فيها صحت صلاته ، ويستقبل أي جدرانها شاء ، وإن كان إلى بابها المفتوح ، وليس له عتبة مرتفعة.

السادس : تكره [ الصلاة ] في معاطن الإبل وهي مباركها ، سواء خلت عن أبوالها أو لا ، لأنها طاهرة عندنا ، لقوله عليه‌السلام : إذا أدركتك الصلاة وأنت في معاطن الإبل ، فاخرج منها وصل ، فإنها جن من جن خلقت ، ألا ترى إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها (٣). والصلاة تكره في مأوى الجن والشياطين. ولهذا قال عليه‌السلام : اخرجوا من هذا الوادي فإنه فيه شيطانا (٤). ولأنه قد يخاف من نفارها ، وهو يبطل الخشوع.

ولا تكره في مرابض الغنم للأصل ، ولقوله عليه‌السلام : إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في مراح الغنم ، فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة (٥).

السابع : المقابر تكره الصلاة فيها ، لقوله عليه‌السلام : الأرض كلها مسجدا إلا المقبرة والحمام (٦). فإن صلى صحت كغيرها ، سواء استقبل القبر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٤٨ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٤٥ ح ١.

(٣) كنز العمال ٤ ـ ٧٤ ح ١٤٨٤.

(٤) مستدرك الوسائل أبواب مكان المصلي ح ٢ ب ١٢ ما يشبه ذلك.

(٥) جامع الأصول ٦ ـ ٣١١.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٥٤ ح ٧.

٣٤٥

أو لا على كراهية. فإن جعل بينه وبينه حائلا ولو عنزة ، أو بعد عشرة أذرع عن يمينه ويساره وقدامه ، زالت الكراهة. وروي جواز الصلاة إلى قبور الأئمة عليهم‌السلام في النوافل خاصة (١).

قال الشيخ : والأحوط الكراهة (٢). ويكره أن يصلى على القبر ، سواء تكرر الدفن فيه ونبش أو لا ، إلا أن يمازجه نجاسة متعدية.

الثامن : بيوت الغائط تكره الصلاة فيها ، لعدم انفكاكها من النجاسة غالبا ، فإن صلى صحت ما لم تتعدى نجاستها إليه ، ويصح على سطحها.

التاسع : تكره الصلاة في بيوت النيران ، حذرا من التشبيه بعبادها.

العاشر : بيوت المجوس تكره فيها الصلاة ، لعدم انفكاكها عن النجاسة ، فإن رش الأرض زالت الكراهة ، لأن الصادق عليه‌السلام قال : رش وصل ، لما سئل عن الصلاة في بيوت المجوس (٣).

ولا بأس بالبيع والكنائس مع الطهارة ، لعموم « أينما أدركتني الصلاة صليت » (٤) ولقول الصادق عليه‌السلام : صل فيها (٥). وإن كان في الكنائس صور كرهت الصلاة فيها.

الحادي عشر : بيوت الخمور ، لعدم انفكاكها من النجاسة ، وقول الصادق عليه‌السلام : لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر (٦).

الثاني عشر : قرى النمل ، لعدم انفكاكه من أذاها ، أو قتل بعضها.

الثالث عشر : مرابط الخيل والبغال والحمير ، لعدم انفكاكها من أبوالها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٥٤ ح ١ و ٢.

(٢) المبسوط ١ ـ ٨٥.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٣٨ ح ٢.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٣١٩.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٣٨ ح ٣.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٤٩ ح ١ ب ٢١.

٣٤٦

وأرواثها وهي مكروهة ، وقول الصادق عليه‌السلام : فأما مرابط الخيل والبغال فلا (١).

الرابع عشر : الأرض السبخة ، لعدم تمكين الجبهة من الأرض ، وقد أشار الصادق عليه‌السلام إلى هذه العلة في قوله : لأن الجبهة لا تقع مستوية. ولو كان فيها أرض مستوية فلا بأس (٢).

الخامس عشر : أرض الثلج ، لعدم التمكين أيضا ، ولا يجوز السجود عليه ، لقول الكاظم عليه‌السلام : إن أمكنك ألا تسجد عليه فلا تسجد عليه ، وإن لم يمكنك فسوه واسجد عليه (٣).

السادس عشر : أرض الخسف ، كالبيداء وذات الصلاصل وضجنان وغيرها من المواضع التي سخط عليها الرب تعالى ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه يوم مر بالحجر : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم (٤). وعبر علي عليه‌السلام من أرض بابل إلى موضع ردت له الشمس فيه وصلى (٥).

السابع عشر : وادي الشقرة ، بفتح الشين وكسر القاف ، واحد الشقر ، وهو شقائق النعمان. وقيل : موضع مخصوص خسف به. وقيل : ما فيه شقائق النعمان. لئلا يشتغل النظر فيه. قال الصادق عليه‌السلام : لا تصل في وادي الشقرة (٦).

الثامن عشر : يكره أن يصلي وفي قبلته نار مضرمة ، لئلا يتشبه بعباد النار. قال الكاظم عليه‌السلام : لا يصلح أن يستقبل المصلي النار (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٤٣ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٤٨ ح ٧.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٥٧ ح ٣.

(٤) سنن البيهقي ٢ ـ ٤٥١ مع اختلاف يسير.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٦٨ ح ١ و ٢ ، جامع الأصول ٦ ـ ٣١٤.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٥٢ ح ٢.

(٧) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٥٩ ح ١.

٣٤٧

التاسع عشر : يكره أن يصلي إلى التماثيل والصور ، لما فيه من شغل النظر ، وزوال الخشوع. قال محمد بن مسلم قلت : أصلي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها؟ فقال : لا ، اطرح عليها ثوبا (١).

العشرون : يكره أن يصلي إلى باب مفتوح ، أو إنسان مواجه ، لاستحباب السترة بينه وبين ممر الطريق. وكذا يكره أن يصلي وفي قبلته مصحف مفتوح ، لئلا يشتغل بالنظر عن الإقبال على العبادة وللرواية (٢). والأقرب تعدي الحكم إلى كل شاغل من كتاب ونقش وغيره.

الحادي والعشرون : يكره أن يكون في حائط ينز من بالوعة يبال فيها ، لما فيه من التعظيم لشعائر الله ، وقول الصادق عليه‌السلام : إن كان ينز من بالوعة فلا تصل فيه ، وإن كان من غير ذلك فلا بأس (٣). وفي التعدي إلى الماء النجس والخمر وشبههما إشكال.

الثاني والعشرون : يكره في أرض الرمل المنهال ، لعدم تمكنه من السجود الكامل. وكذا أرض الوحل وحوض الماء إذا تمكن من استيفاء الواجبات ، ومع عدمه يحرم إلا مع الضرورة.

الثالث والعشرون : يكره أن يصلي إلى سيف مشهور ، أو غيره من السلاح ، ولا يحرم على الأصح ، للأصل. وقال الصادق عليه‌السلام : لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد (٤).

خاتمة :

تشتمل على بحثين :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٦١ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٥٦ ب ٢٧.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٤٤ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٥٩ ح ٢.

٣٤٨

( البحث الأول )

موقف المرأة والرجل في الصلاة‌

الأقرب في المذهب كراهية أن يصلي الرجل وإلى جانبه أو قدامه امرأة تصلي من غير بطلان على الأقوى ، للأصل ، ولأنها لو كانت غير مصلية لم تبطل وإن لم تكن مستورة ، فكذا لو كانت مصلية.

وقيل : تبطل صلاتهما معا ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن الرجل والمرأة يصليان جميعا في بيت المرأة (١) عن يمين الرجل بحذاه؟ قال : لا ، حتى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه (٢). ولا دلالة فيه.

ولا فرق بين المحرم والأجنبية ، ولا بين المنفردة والمصلية بصلاته. وعلى البطلان لو صلت في ضيق ، بطلت صلاة من على جانبها ومن يحاذيها من خلفها. ولو صلت عن جانب الإمام ، بطلت صلاته وصلاة المأمومين في الصف الأول.

قال الشيخ رحمه‌الله : دون المأمومين الذين هم وراء الصف الأول (٣).

ولو كانت بين يديه أو إلى جانبه قاعدة لا تصلي ، أو نائمة مستورة ، أو غير مستورة ، أو من خلفه وإن كانت تصلي ، لم تبطل صلاة واحد منهما.

ولو اجتمعا في محمل ، صلى الرجل أو لا. ولو كان بينهما ساترا أو بعد عشرة أذرع ، صحت صلاتهما وإن كانت متقدمة.

والأقرب اشتراط صحة صلاة المرأة لولاه في بطلان الصلاتين ، فلو كانت حائضا أو محدثة وإن كان نسيانا ، لم تبطل صلاته ، وفي الرجوع إليها حينئذ إشكال.

وليس المقتضي للتحريم أو الكراهة النظر ، لجواز الصلاة وإن كانت‌

__________________

(١) في الوسائل : في بيت واحد.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٢٧ ح ٣.

(٣) المبسوط ١ ـ ٨٦.

٣٤٩

قدامه عارية ، ولمنع الأعمى ومن غمض عينيه. ولو صلت خلف الرجل صحت صلاتها معه.

البحث الثاني

( السترة )

ويستحب أن يصلي إلى سترة ، فإن كان في مسجد أو بيت ، صلى إلى حائطه أو سارية. وإن صلى في فضاء أو طريق ، صلى إلى شي‌ء شاخص بين يديه ، أو ينصب بين يديه عصا أو غيره ، أو رحلا ، أو بعيرا معقولا إجماعا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يترك له الحربة ويصلي إليها ، ويعقل (١) البعير فيصلي إليه ، وركز له العنزة فصلى الظهر ركعتين ، ويمر بين يديه (٢) الحمار والكلب ولا يمنع (٣).

والأولى أن يكون قدر الذراع فما زاد. ولا حد لها في الغلظة والرقة ، فيجوز بالسهم والخشبة والحائط ، والأعرض أولى. ويجوز أن يستر بالبعير والحيوان والدابة.

ولو لم يجد سترة خط على الأرض خطا وصلى إليه ، إذ القصد بالسترة إظهار حريم لصلاته ، ليضطرب فيه في حركاته وانتقالاته ، ولا يزاحمه غيره ، ولا يشغله عن صلاته. ولو كان معه عصاء لا يمكنه نصبها ألقاها بين يديه عرضا.

ويستحب أن يدنو من سترته ، لأنه أصون لصلاته ، وأبعد من حيلولة المار به. فإن بعد فهو كغير المستتر. وليست السترة واجبة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى بمكة ليس بينه وبين الطواف سترة. وصلى علي عليه‌السلام بمنى إلى غير جدار ، وأتى نادي العباس فصلى إلى غير سترة.

__________________

(١) في « ر » و « س » يعرض.

(٢) في « ق » يدي.

(٣) راجع وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٣٦ ب ١٢.

٣٥٠

وسترة الإمام سترة لمن خلفه ، لأنه عليه‌السلام صلى إلى سترة ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى.

ولو كانت السترة مغصوبة لم يأت بالمأمور به شرعا.

ويكره أن يمر بين المصلي وسترته ، وللمصلي دفعه ، وليس له ضربه عليه. ولو لم يجعل بين يديه سترة ، لم يكن له دفع المار على إشكال. ولا يجب على المدفوع الامتثال ، لعدم تحريمه. ولو لم يجد المار سبيلا سواه ، جاز المرور ولا يدفعه المصلي عنه.

ولا فرق بين مكة وغيرها في استحباب السترة.

المطلب الثالث

( في المساجد )

يستحب اتخاذ المساجد استحبابا مؤكدا ، لما فيه من الحث على الاجتماع في الصلوات والخشوع ، قال الله تعالى ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ) (١) الآية. وقال الصادق عليه‌السلام : من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة (٢).

ولا يجوز اتخاذها في المواضع المغصوبة ، ولا الطرق المسلوكة. ولا بأس على بئر الغائط إذ طم وانقطعت رائحته.

ويستحب اتخاذها جما. ويكره أن يكون مشرفة ، لأن عليا عليه‌السلام رأى مسجدا قد شرف ، فقال : كأنه بيعة ، وقال : إن المساجد تبنى جما (٣).

ويكره تظليلها ، لأن الحلبي سأله عن المساجد المظللة يكره القيام فيها؟ قال : نعم ، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك (٤).

__________________

(١) سورة التوبة : ١٨.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٨٦ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩٤ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٨٨ ح ٢.

٣٥١

وقال الصادق عليه‌السلام بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجده ، فاشتد الحر عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل فقال : نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر ، فعاشوا فيه حتى أصابهم المطر ، فجعل المسجد يكف عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا عريش كعريش موسى عليه‌السلام ، فلم يزل كذلك حتى قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ويكره اتخاذ المحاريب فيها ، لأن عليا عليه‌السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ، ويقول : كأنها مذابح اليهود (٢).

ويستحب وضع الميضاة على أبوابها في الخارج لا داخلها ، لئلا يتأذى برائحتها ، ولقوله عليه‌السلام : واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم (٣).

وينبغي وضع المنارة على حائطها لا في وسطها ، لما فيه من التوسعة وعدم الحجاب. ولا ترفع عليه ، لأن عليا عليه‌السلام مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ، ثم قال : لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد (٤). ولما فيه من الشرف على عورات الجيران.

ويستحب الإتيان إلى المساجد ، إذ المقصد الأقصى بعمارتها إيقاع العبادة فيها ، واجتماع الناس في الصلوات.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في الله ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدله على الهدى ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة ترده عن ردى ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٨٧ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١٠ ح ١ ب ٣١.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٥ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٥ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٨٠ ح ١.

٣٥٢

وقال الصادق عليه‌السلام : من مشى إلى المسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة (١).

وعن الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبرئيل : يا جبرئيل أي البقاع أحب إلى الله تعالى؟ قال : المساجد ، وأحب أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا منها (٢).

وهذا الحكم مختص بالرجال دون النساء ، لأنهن أمرن بالاستتار. وقال الصادق عليه‌السلام : خير مساجد نسائكم البيوت (٣).

وأفضل المساجد المسجد الحرام ، لقول الباقر عليه‌السلام : صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره من المساجد (٤).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلاة في مسجدي تعدل عشرة آلاف في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام ، فإن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام : مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، الصلاة فيها مائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم. والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم. والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، الصلاة فيها بألف صلاة وسكت عن الدرهم (٦).

وعن علي عليه‌السلام : صلاة في بيت المقدس ألف صلاة ، وصلاة في مسجد الأعظم مائة صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٨٣ ح ١ ب ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٥٤ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١٠ ح ٢ و ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٣٦ ح ٤.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٣٦ ح ٥.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٢٤ ح ١٢.

٣٥٣

وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشر صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة (١).

وقصد زين العابدين عليه‌السلام مسجد الكوفة من المدينة ، فأناخ راحلته وصلى فيه ، ثم خرج وركب راحلته وعاد إلى المدينة ، فقال له رجل : لم أتيت يا بن رسول الله؟ فقال : لما رأيت (٢).

ويستحب قصد مسجد السهلة بالكوفة ، قال الصادق عليه‌السلام : بالكوفة مسجد يقال له : مسجد السهلة لو أن عمي زيدا أتاه فصلى فيه واستجار الله جار له عشرين سنة ، فيه بيت إدريس الذي كان يحيط فيه ، وهو الموضع الذي خرج منه إبراهيم عليه‌السلام إلى العمالقة ، وهو الموضع الذي خرج منه داود عليه‌السلام إلى جالوت ، وتحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كل نبي خلقه الله عز وجل ، ومن تحته أخذت طينة كل شي‌ء ، وهو موضع الراكب ، فقيل له : وما الراكب؟ قال : الخضر عليه‌السلام (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام : قال : بالكوفة مساجد ملعونة ومساجد مباركة ، فأما المباركة فمسجد غني والله إن قبلته لقاسطة ، وأن طينته لطيبة ، ولقد وضعه رجل مؤمن ، ولا تذهب الدنيا حتى ينفجر الدنيا عنده عينان ، ويكون عليه جنتان وأهله ملعونون ، وهو مسلوب عنهم. ومسجد بني ظفر وهو مسجد السهلة. ومسجد بالحمراء ومسجد جعفي ، وليس هو مسجدهم اليوم. قال : وأما المساجد الملعونة : فمسجد ثقيف ، ومسجد الأشعث ، ومسجد جرير ، ومسجد سماك ، ومسجد بالحمراء بني على قبر فرعون من الفراعنة (٤).

وعن الباقر عليه‌السلام : جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه‌السلام : مسجد الأشعث ، ومسجد جرير ، ومسجد سماك ، ومسجد شبث بن ربعي (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٥١ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٢٣ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٣٣.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١٩ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٢٠ ح ٢.

٣٥٤

وعن الصادق عليه‌السلام : إن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد قبا (١).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : صلى بنا علي عليه‌السلام ببغداد بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء مائة ألف رجل ، فنزل نصراني من صومعته فقال : من عميد هذا الجيش؟ فقلنا : هذا ، فأقبل إليه فسلم عليه ، ثم قال : يا سيدي أنت نبي؟ فقال : لا ، النبي سيدي قد مات قال : فأنت وصي نبي؟ قال : نعم ، ثم قال له : اجلس كيف سألت عن هذا؟ قال : بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا ، قرأت في الكتب المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بهذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي ، وقد جئت أسلم فأسلم وخرج معنا إلى الكوفة ، فقال له علي عليه‌السلام : فمن صلى هاهنا؟ قال : صلى عيسى بن مريم وأمه ، فقال له علي عليه‌السلام : فأخبرك من صلى هاهنا؟ قال : نعم ، قال : الخليل عليه‌السلام (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام : صلى في مسجد الخيف سبعمائة نبي (٣).

ويستحب أن يقدم الداخل إلى المساجد رجله اليمنى ، والخارج اليسرى للتناسب. وأن يتعاهد نعله احتياطا في تطهيرها ، قال عليه‌السلام : تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم. ونهى أن يتنعل الرجل وهو قائم (٤).

ويستحب الدعاء حالة الدخول والخروج قال الباقر عليه‌السلام : إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلا طاهرا ، وإذا دخلت فاستقبل القبلة ، ثم ادع الله واسأله وسم حين تدخله ، واحمد الله وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥). وينبغي أن تدعو في الدخول فتقول : بسم الله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٤٨ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٤٩ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٣٤ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٤ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١٦ ح ٣.

٣٥٥

والسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصلاة ملائكته على محمد وآل محمد ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك ، فإذا خرج قال مثل ذلك (١).

ويستحب الإسراج فيها وكنسها ، لاشتماله على نفع المترددين من التنظيف والإضاءة المحتاج إليها ، ولقوله عليه‌السلام : من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة ، فأخرج من ترابه ما يذر في العين غفر الله له (٢).

وعنه عليه‌السلام : من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج (٣).

وتجنب البيع والشراء ، لأن وضعها للعبادة.

وتجنب المجانين والصبيان ، لأنهما مظنتا النجاسة ، لعدم احترازهما عنها. والأحكام ، لاشتمالها على التنازع المقتضي للكذب. وتعريف الضوال ، لما فيه من الاشتغال عن الذكر. وإقامة الحدود كذلك. ورفع الصوت فيها ، لمنافاته التذلل والخضوع.

ولقول الصادق عليه‌السلام : جنبوا مساجدكم البيع والشراء ، والمجانين والصبيان ، والأحكام ، والضالة ، والحدود ، ورفع الصوت (٤).

ويكره دخولها لآكل المؤذيات كالثوم والبصل ، لئلا يتأذى به غيره. قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقرب المسجد (٥).

ويكره إخراج الحصاء منها ، فإن أخرج شيئا ، أعيد إليه ، أو إلى غيره من المساجد ، لقول الباقر عليه‌السلام : إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١٦ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١١ ح ١ ب ٣٢.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١٣ ح ١ ب ٣٤.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٧ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٢ ح ٦.

٣٥٦

فليردها مكانها ، أو في مسجد آخر فإنها تسبح (١).

ويكره البصاق في المسجد ، فإن غطاه بالتراب ، لأنه نوع استقذار ، فيجنب مجتمع الناس للعبادة. ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها (٢).

وكذا يكره أن يقصع شيئا من القمل ، لما فيه من الاستقذار ، فإن فعل غطاه بالتراب.

ويكره الوضوء من حدث الغائط والبول فيه ، لأن الصادق عليه‌السلام كرهه من الحدثين (٣). والأقرب التعدية إلى ما هو أغلظ كالاستحاضة. أما الأدون كالنوم والريح ، فالأقرب زوال الكراهية.

ويكره النوم في المساجد ، لأنه مظنة الحدث والجنابة ، ولأنها مواطن عبادة. وسئل الصادق عليه عن قوله تعالى ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (٤) قال : سكر النوم (٥).

وتتأكد الكراهية في المسجدين مكة والمدينة ، لقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن النوم في المسجد : لا بأس إلا في المسجدين (٦). وليس بمحرم ، لأن معاوية سأل الصادق عليه‌السلام عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : نعم ، أين ينام الناس (٧).

ويكره إنشاد الشعر فيها ، لقوله عليه‌السلام : من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد ، فقولوا : فض الله فاك ، إنما نصبت المساجد للقرآن (٨).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٦ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩٩ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٤٥ ح ١ ب ٥٧.

(٤) سورة النساء ٤٣.

(٥) تفسير نور الثقلين ١ ـ ٤٨٣.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩٧ ح ٢.

(٧) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩٦ ح ١.

(٨) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩٣ ح ١ ب ١٤.

٣٥٧

ويكره عمل الصنائع في المساجد ، لأنه وضع للعبادة لا لأمور الدنيا.

ويكره سل السيف وبري النبل ، لأنه عليه‌السلام نهى عن سل السيف وبري النبل وقال : إنما بني لغير ذلك (١).

ويكره كشف العورة فيه ، لأنه مناف لتعظيمه. وكذا كشف السرة والركبة والفخذ ، لأنه عليه‌السلام قال : كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة (٢).

وتكره تعلية المساجد ، لما فيه من التشرف على العورات ، ولأن مسجده عليه‌السلام كان قدر قامة ، واتباعه أولى.

ويحرم إدخال النجاسة إليها ، لقوله عليه‌السلام : جنبوا مساجدكم النجاسة (٣). وغسل النجاسة فيها. وهل يحرم الإدخال مع التلطخ؟ إشكال.

ويحرم أن يؤخذ شي‌ء من المساجد في ملك أو طريق ، لأنه غصب ، لاختصاصه بالعبادة العامة ، قال الله تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (٤).

ويحرم نقشها وزخرفتها ، لأنه بدعة لم تفعل في زمانه عليه‌السلام.

وكذا يحرم تصويرها ، لأن الصادق عليه‌السلام كره الصلاة في المساجد المصورة (٥).

ويحرم أخذ آلتها للتملك ، لأنه وقف على مصلحة ، فلا يجوز صرفه إلى غيرها. ولو استهدم جاز أخذ آلته لعمارة غيره من المساجد ، لاتحاد المالك وهو الله تعالى. وكذا لو فضل شي‌ء من آلته عن عمارته ، جاز أن يعمر به غيره من المساجد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩٥.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١٥.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٤.

(٤) سورة البقرة : ١١٤.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩٣ ح ١.

٣٥٨

ولو خلقت حصره أو انكسرت أجذاعه ولم ينتفع به فيه ولا في غيره من المساجد ، جاز بيعه وصرف الثمن في عمارته ، أو عمارة غيره من المساجد. ولا يجوز نقض شي‌ء من المساجد إلا إذا استهدم ، فإن استهدم وزالت بنيته لم يجز لأحد إجارته ولا أخذه.

ولا يجوز أن يدفن في شي‌ء من المساجد ، لما فيه من التضيق على المصلين. ولا يجوز هدم شي‌ء من البيع والكنائس إذا بنيت في أرضهم ، إلا مع اندراس أهلها ، أو إذا كانت في دار الحرب. ويجوز أخذ آلتها إذا استهدمت لعمارة المساجد للرواية (١) ، ولأنها مواطن العبادة فجاز عمارتها بها كإنقاض المساجد.

ويكره رمي الحصى فيها خذفا ، لئلا يتأذى الغير ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد ، فقال : ما زالت تلعن حتى وقفت ، ثم قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط عليه‌السلام ، ثم تلا عليه‌السلام ( وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) (٢) قال : هو الخذف (٣).

وتكره المخاطبة بلسان العجم فيه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن رطانة الأعاجم المساجد (٤).

ويكره الاتكاء فيه ، لقوله عليه‌السلام : الاتكاء في المساجد رهبانية العرب ، المؤمن مجلسه مسجده وصومعته بيته (٥).

ويكره أن يجعل المسجد طريقا لغير ضرورة لما فيه من ترك التعظيم.

قال الصدوق : ينبغي أن تجتنب المساجد تعليم العلم فيها ، للتأديب فيها. وجلوس الخياط فيها للخياطة ، لأنهما من الصنائع. وقد تقدم كراهتها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩١ ح ٢.

(٢) سورة العنكبوت : ٢٩.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥١٤ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٩٥ ح ١ ب ١٦.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٩ ح ٤.

٣٥٩

وإذا اتخذ في منزله مسجدا لنفسه وأهله ليصلي فيه ، جاز له توسيعه وتضييقه وتغييره وأخذه بالكلية ، لأنه لم يخرج عن ملكه ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن المسجد يكون في الدار وفي البيت ، فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه ، أو يحولوه إلى غير مكانه ، فقال : لا بأس بذلك (١). والأقرب أنه لا تثبت فيه حرمة المساجد ما لم يجعله وقفا ، فلا يختص به حينئذ.

وصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل ، والنافلة بالعكس ، خصوصا نافلة الليل ، لما في أداء الفرائض فيها من المحافظة على الجماعة.

ولا يجوز تمكين أحد من الكفار دخول المساجد مطلقا ، ولا يحل للمسلم الإذن فيه ، لقوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) (٢) وقوله عليه‌السلام : جنبوا مساجدكم النجاسة (٣). مع قوله ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (٤).

المطلب الرابع

( في ما يسجد عليه )

أجمع علماؤنا كافة على أنه لا يجوز السجود إلا على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض. لا في جميع الأعضاء ، بل في القدر المجزي من السجود على الجبهة ، لقوله عليه‌السلام : لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله ، ثم يسجد ممكنا جبهته من الأرض (٥). وقال خباب : شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفتنا ، فلم يشكنا (٦). ولو ساغ السجود على الفرش لما شكوا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٤٨٨ ح ١.

(٢) سورة التوبة : ٢٨.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٠٤.

(٤) سورة التوبة : ٢٨.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٦١ ما يدل على ذلك.

(٦) صحيح مسلم ١ ـ ٤٣٣ كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

٣٦٠