نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

الباب الثالث

( في التيمم )

وفيه فصول‌

١٨١
١٨٢

الفصل الأول

( في مسوغاته )

وهي مع الكثرة ترجع إلى شي‌ء واحد ، وهو عدم القدرة ، والمراد منه تعذر استعمال الماء عليه ، أو تعسره لخوف ضرر ظاهر.

وللعجز أسباب :

السبب الأول

( عدم الماء )

قال الله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (١) ويجب معه الطلب ، إذ لا يقال : لم يجد ، إلا إذا فقد بعد الطلب.

ويجب الطلب من الجهات الأربع ، غلوة سهم في الحزنة ، وسهمين في السهلة من كل جهة ، لزيادة المشقة مع الزيادة.

فلو أخل بالطلب ، لم يعتد بتيممه ، لأنه سبب للطهارة ، فيلزمه الاجتهاد في تحصيله بالطلب والبحث عند الإعواز كالقبلة. ولأن التيمم طهارة ضرورية ، ولا ضرورة مع إمكان الطهارة بالماء.

ولو ضاق الوقت عن الطلب بتفريطه ، لم يسقط الصلاة ، بل وجب‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤٣ وسورة المائدة : ٦.

١٨٣

التيمم والصلاة. وفي الإعادة إشكال ، ينشأ : من الامتثال لأمر الصلاة حينئذ ، ومن إيقاع المأمور به أولا لا على وجهه.

ولو ظن وجود الماء في أبعد وتمكن من المصير إليه ، وجب.

ولو تيقن عدم الماء حواليه ، فالأقرب سقوط الطلب ، لأنه عبث ، لا مع ظنه لجواز كذبه. ويشترط أن يكون الطلب بعد دخول الوقت ، لحصول الضرورة حينئذ.

ويجوز الطلب بنفسه وبغيره ممن يوثق به على الأقوى. فلو بعث الركب واحدا لطلب الماء أجزأ عنهم. وهل يسقط بطلب من لم يأمره ولم يأذن له فيه؟ الوجه العدم ، لانتفاء الامتثال.

ويسقط الطلب بخوفه على نفسه وماله أو رفيقه لو فارق مكانه ، لأن الخوف مسقط (١) عند وجود الماء ، فعند عدم تيقنه أولى.

وينبغي أن يطلب الماء في رحله أولا ، ثم مع أصحابه ، ثم ما يقتضي العادة بالماء عنده ، كالخضر واجتماع الطيور ، فيختص ذلك بمزيد الاحتياط ، وإن زاد على القدر مع الظن. ولو كان بقربه قرية ، طلبها. ولو كان هناك ربوة ، أتاها.

فروع :

الأول : لو طلب ولم يجد الماء ، ثم حضرت صلاة أخرى ، فالأقرب وجوب إعادة الطلب إن جوزنا الوجدان ، وإلا فلا.

الثاني : لو علم وجود الماء ، لزم السعي إليه ما دام الوقت باقيا والمكنة حاضرة ، سواء كان قريبا أو بعيدا ، مع انتفاء المشقة ، تحصيلا للامتثال.

الثالث : لو ظن قرب الماء منه وجب الطلب ، وكذا لو كان في رفقة ،

__________________

(١) في « ق » يسقط.

١٨٤

وجب البحث عنهم إلى أن يستوعبهم ، أو يضيق الوقت فلا يبقى إلا ما يسع لتلك الصلاة ، ويحتمل إلى أن يبقى ما يسع لركعة.

ولو كان البعد قد انتهى إلى حيث لا يجد الماء في الوقت ، لم يجب طلبه لعدم فائدته.

الرابع : لو وهب منه الماء ، وجب قبوله ، لأنه حينئذ متمكن من الطهارة الاختيارية ، فلا يجزيه البدل المشروط بالعجز. ولو عرف أن مع أصحابه ماء ، وجب عليه استيهابه منهم ، لأنه ليس في هبة الماء كثير منة ، أما لو وهب الثمن ، لم يجب قبوله. وكذا البحث في الآلة لا يجب قبول اتهابها ولا اتهاب ثمنها.

الخامس : لا فرق بين المسافر والحاضر إذا انقطع الماء عنه أو حبس ، فإنه يجب عليه التيمم والصلاة ، ولا قضاء عليه عند علمائنا لعموم الآية ، ولقوله عليه‌السلام : الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج (١). وقول الصادق عليه‌السلام : إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (٢). والمشابهة تستلزم التساوي.

ولو كان واجد الماء وخاف فوت الوقت لو توضأ ، أو كان في سطح وتضيق الوقت عن النزول والوضوء ، فالأقرب وجوب التيمم والصلاة ، قضاء لحرمة الوقت ، ثم يعيد إن فرط بتأخيره ، وإلا فلا.

السادس : لو زادت مسافة الطلب على غلوة سهم أو سهمين ولم يبلغ إلى حد خروج الوقت ، لم يجب عليه السعي إلا مع تيقن وجدان الماء في الوقت من غير مشقة ، لتمكنه من امتثال الأمر بالطهارة ، فلا يخرج عن العهدة بدونه. ولا فرق بين جوانب المنزل وصوب المقصد.

فإن جوزنا التيمم ، فالأولى التأخير ، ليصلي بالوضوء إن تيقن وجود الماء آخر الوقت ، فإن تأخير الصلاة بالوضوء أفضل من تقديمها بالتيمم ، لجواز‌

__________________

(١) جامع الأصول ٨ ـ ١٥٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٩٦ ح ٢ ب ٢٤.

١٨٥

تأخير الصلاة إلى آخر الوقت مع القدرة على أدائها في أوله ، ولا يجوز التيمم مع القدرة على الماء.

وإن لم يتيقن وجود الماء في آخره ، فالأفضل التأخير أيضا ، هذا إن جوزنا التيمم في أول الوقت ، لأن تأخير الظهر عند شدة الحر مأمور به ، لئلا يختل معنى الخشوع ، فلإدراك الوضوء أفضل ، وكذا التأخير لحيازة الجماعة أفضل من التقديم منفردا.

السابع : لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت ، تيمم وصلى ، فإن وجد الماء في رحله أو مع أصحابه أعاد.

الثامن : لو تنازع الواردون على الماء ، وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت ، تيمم وصلى ولا إعادة. وكذا لو تناوب العراة على ثوب ، أو المجتمعين في سفينة ، أو مكان ضيق لا يسع الصلاة أكثر من واحد قائم ، صلوا عراة وجلوسا ، ولا يصبر إلى انتهاء النوبة إليه بعد الوقت ، رعاية لحرمة الوقت.

التاسع : لو وجد من الماء ما لا يكفيه لوضوئه ، لم يجب استعماله بل تيمم ، كما لو وجد بعض الرقبة لا يجب إعتاقه عن الكفارة ، بل يعدل إلى الصوم ، ولأنه لا يفيد استباحة. أما المجنب فيحتمل مساواته للمحدث. ووجوب صرف الماء إلى بعض أعضائه ، لجواز وجود ما يكمل طهارته. والموالاة ساقطة هنا ، بخلاف المحدث.

ولو اشتمل الغسل على الوضوء كالحيض ووجد ما يكفي أحدهما ، تخير بين الغسل به والتيمم عوضا عن الوضوء. وبين الوضوء وصرف الباقي إلى بعض أعضاء الغسل ، ثم التيمم عوضا عن الغسل.

وهل يجب تقديم استعمال الماء ليصدق عدم الوجدان؟ الأقرب المنع إلا في تبعيض الغسل فيجب تقديمه. ولو لم يجد ترابا يتيمم به ، لم يجب استعمال الماء في بعض أعضاء الوضوء ، وفي الغسل الوجهان.

١٨٦

العاشر : لو فوت الماء الذي عنده بالإراقة أو الشرب أو التنجيس أو غيرها واحتاج لذلك إلى التيمم تيمم إجماعا ، لأنه فاقد في الحال ، فإن فعل ذلك قبل دخول الوقت ، فلا قضاء ، سواء فعله لغرض أو لا إذ لا فرض عليه ما لم يدخل الوقت [ وكذا إن كان بعده الغرض ] (١).

وكذا لو اشتبه أحد الإناءين ، فصبهما أو جمع بينهما وتيمم ، فإنه معذور ، لأن فيه غرضا ، وهو أن لا يكون مصليا بتيمم وعنده طاهر بيقين إن أوجبنا إراقة المشتبه.

وإن لم يكن لغرض ، فالأقوى عدم الإعادة ، لاقتضاء الأمر الإجزاء ، وهو حين تيمم فاقد فيكفيه البدل ، كما لو قتل عبده أو أعتقه وكفر بالصوم. ويحتمل الإعادة لأنه عصى بالصب ، والتيمم رخصة فلا يناط بالمعاصي ، بخلاف الصب قبل الوقت أو بعده لغرض ، لانتفاء العصيان.

ولو مر على ماء في الوقت فلم يتوضأ ، ثم بعد عنه وصلى بالتيمم ، فلا قضاء ، لأنه لم يصنع شيئا ، وإنما امتنع من التحصيل والتقصير في تفويت الحاصل أشد منه في الامتناع من تحصيل ما ليس بحاصل.

الحادي عشر : لو وهب الماء في الوقت من غير حاجة للمتهب ، أو باعه من غير حاجة إلى ثمنه ، احتمل البطلان ، لأن البدل حرام عليه فهو غير قادر على تسليمه شرعا. والصحة ، لأنه مالك نافذ التصرف ، والمنع لا يرجع إلى سبب يختص بالعقد ، ولا يؤثر في فساد البيع. والتفصيل ، وهو الصحة إن كان الوقت متسعا ، والبطلان مع التضيق ، وهو الأقوى.

وعلى تقدير الصحة فنحكم بقضاء (٢) الصلاة على الواهب والبائع ما تقدم في الصب ، لأنه فوته بإزالة الملك عنه.

وعلى تقدير عدمها لا يصح تيممه ما دام الماء في يد المشتري ، وعليه‌

__________________

(١) الزيادة من « س » كذا.

(٢) في « ق » فحكمه قضاء الصلاة.

١٨٧

الاسترجاع إن قدر ، فإن عجز وتيمم قضى على إشكال ، وإن تلف في يده وتيمم فكذلك. وإذا أوجبنا القضاء ، وجب قضاء الواحدة التي فوت الماء في وقتها ، ويحتمل قضاء أغلب ما يؤديه بوضوء واحد.

السبب الثاني

( الخوف على النفس أو المال من لص أو سبع )

فيسقط عنه السعي وإن كان بقرب الماء وتيمم ، سواء كان المال قليلا أو كثيرا ، لقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) وكذا راكب السفينة إذا خاف من الاستقاء ، أو الخوف على الأعضاء كالخوف على النفس.

ولو خاف الوحدة أو الانقطاع عن الرفقة لو سعى إلى الماء وكان عليه ضرر في التفرد ، لم يجب السعي وتيمم ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا تطلب الماء ولكن تيمم ، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع (٢).

ولو انتفى الضرر ، فالأقرب وجوبه. ولو كان الماء عند مجمع الفساق ، فخافت على نفسها المكابرة ، لم يجب السعي ووجب التيمم ، لما فيه من التعرض للزنا وهتك عرضها. وكذا لو خاف على أهله أو صاحبه لو تركه وسعى. ولو خاف جنبا لا عن سبب موجب للخوف ، فالأقرب أنه كالخائف بسبب (٣).

السبب الثالث

( الحاجة إلى الماء المملوك أو المباح لعطشه )

فله التيمم دفعا للضرر ، فإن توضأ به فالأقرب الإجزاء لامتثال أمر‌

__________________

(١) سورة الحج : ٧٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٦٤ ح ١.

(٣) كذا في « ر » وفي « ق » لسبب ، وغير موجودة في « س ».

١٨٨

الوضوء ، مع احتمال عدمه لمخالفة النهي عن استعماله. ولا فرق بين الحاجة المتأخرة والمتوقعة ، فلو استغنى عنه بوجه واحتاج في غده ، فإن ظن فقدانه في الغد تيمم وحفظه ، وإن علم وجوده في الغد توضأ به ، وإن ظن فالأقرب إلحاقه بالعالم ، مع احتمال الأول ، لأصالة العدم.

ولا فرق بين الخوف على النفس ، أو عطش الرفيق ، أو الحيوان المحترم. لوجود المقتضي في النفس ، وهو رعاية حفظ النفس من التلف. وكذا المال. وحرمة الرفيق والعبد والأمة ، كحرمة نفسه ، وحرمة دوابه كحرمة ماله.

وإذا احتاج رفيقه أو حيوان محترم للعطش ، دفعه إليه مجانا أو بعوض وتيمم ، وللعطشان قهره عليه لو لم يبذله ، لأولوية حفظ النفس على المال في نظر الشرع ، وغير المحترم من الحيوان ، كالحربي والمرتد والكلب العقور والخنزير والفواسق الخمس وما في معناها.

ولو قدر على التطهير به وجمعه في وعاء للشرب وكفاه وجب ، جمعا بين مصلحة الصلاة بطهارة ودفع ضرر العطش. ولا فرق بين أن تكون الحاجة متأخرة أو متوقعة في رفيقه كنفسه ، إذ لا فرق بين الزوجين في الحرمة.

فروع :

الأول : لو وجد خائف العطش ماء طاهرا ونجسا ، تحفظ بالطاهر للشرب وتيمم ، ولم يستعمل النجس في الشرب ، لأن رخصة التيمم أوسع من رخصة استعمال النجس ، ولأنه غير قادر على ما يجوز الوضوء به ولا على ما يجوز شربه سوى هذا الطاهر ، فجاز حبسه للشرب ، كما لو لم يكن معه سواه.

الثاني : لو وجدهما وهو عطشان ، شرب الطاهر وأراق النجس مع الاستغناء ، سواء كان في الوقت أو قبله لأنه محتاج إلى الشرب ، دفعا لضرورة العطش الناجز ، وشرب النجس مع وجود الطاهر حرام.

الثالث : لو مات صاحب الماء وخاف رفقاؤه العطش ، شربوا الماء وغرموا ثمنه ويمموه ، رعاية لحفظ المهجة التي لا عوض لها ، والتجاء إلى التيمم‌

١٨٩

الذي هو عوض الغسل ، والثمن الذي هو عوض العين.

وهل يجب المثل أو القيمة؟ إشكال ينشأ : أنه مثلي ، ومن كون دفع المثل إسقاط لحق الورثة ، إذ لا قيمة له في البلد.

الرابع : لو احتاج إلى ثمن ما معه من الماء للنفقة ، جاز له بيعه والتيمم ، لأن ما استغرقته حاجة الإنسان يجعل كالمعدوم شرعا.

الخامس : لو خاف على حيوان الغير التلف ، ففي وجوب سقيه إشكال ، فإن أوجبناه احتمل رجوعه على المالك بالثمن ، وإن تولى هو السقي ، لأنه كنائب المالك.

السادس : لو أوصى بمائه لأولى الناس به ، أو وكل رجلا يصرف ماءه إلى أولى الناس به ، فحضر جماعة محتاجون ، كالجنب والميت والمحدث ، والماء يكفي أحدهم خاصة ، أو وردوا على ماء مباح ، قيل : يخص به الجنب ، ويؤمم الميت ، وتيمم المحدث ، للرواية عن الكاظم عليه‌السلام (١).

وقيل : الميت ، لفوات أمره ، فليختم بأكمل الطهارتين ، والأحياء يقدرون عليه في ثاني الحال ، ولأن القصد من غسل الميت التنظيف وتكميل حاله والتراب لا يفيده ، وغرض الحي استباحة الصلاة وإسقاط الفرض عن الذمة ، وهو يحصل بالتيمم كحصوله بالغسل.

ولو كان عوض المحدث حائضا ، قال الشيخ بالتخيير (٢) ، لأنها فروض اجتمعت ولا أولوية لأحدها.

__________________

(١) وهي صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر : أحدهم جنب ، والثاني ميت ، والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال : يغتسل الجنب ، ويدفن الميت بتيمم ، ويتيمم الذي هو على غير وضوء ، لأن غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنة ، والتيمم للآخر جائز. وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٨٧ ح ١.

(٢) المبسوط : ١ ـ ٣٤.

١٩٠

وورد خبرين : يدل أحدهما على تخصيص الميت (١) ، وآخر على تخصيص الجنب (٢). ويحتمل تقديم الجنب ، لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء ، والميت قد سقط عنه الفرض بالموت ، ولأن الطهارة في حق الحي تفيد فعل الطاعة على الوجه الأكمل.

ولو اجتمع محدث وجنب ، فإن كفى الماء للوضوء دون الغسل ، فالمحدث أولى تحصيلا لكمال الطهارة ، بخلاف الجنب لبقاء الحدثين ، وهي رواية عن الصادق عليه‌السلام (٣). سواء أوجبنا على الجنب استعمال الماء الناقص أو لا ، لارتفاع حدث المحدث بكماله.

وإن لم يكف أحدهما ، فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله لغلظ حدثه ، وإلا فكالمعدوم.

وإن كفى كل واحد منهما ، فإن فضل شي‌ء من الوضوء ولم يفضل من الغسل ، فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص ، لأنه لو استعمله المحدث ضاع الباقي ، وإن أوجبنا الناقص احتمل أولوية الجنب لغلظ حدثه ، وأولوية المحدث بقدر الوضوء والباقي للمجنب ، مراعاة للجانبين. وإن فضل من كل واحد منهما شي‌ء أو لم يفضل شي‌ء من واحد منهما ، فالجنب أولى.

ولو كفى الغسل دون الوضوء ، بأن يكون الجنب صغير (٤) الخلقة عديم الأعضاء ، والمحدث ضخما عظيم الأعضاء ، فالجنب أولى ، لحصول كمال طهارته دون الآخر.

__________________

(١) وهو مرسل محمد بن علي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال قلت له : الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلا بقدر ما يكتفي به أحدهما أيهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال يتيمم الجنب ، ويغتسل الميت بالماء. وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٨٨ ح ٥.

(٢) وهو خبر الحسين بن النضر الأرمني قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن القوم يكونون في السفر ، فيموت منهم ميت ومعهم جنب إلى أن قال : يغتسل الجنب ، ويدفن الميت الحديث. وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٨٨ ح ٤.

(٣) راجع وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٨٨ ح ٢ خبر أبي بصير.

(٤) في « ق » رقيق.

١٩١

ولو اجتمع حائض وجنب ، احتمل تخصيص الحائض لغلظ حدثها ، فإن الحيض يحرم الوطي (١) ويسقط خطاب الصلاة. والجنب لما تقدم. والتساوي لتعارض المعنيين. فإن طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة ، فالقرعة أولى مع تخصيص أحدهما ، والقسمة مع التساوي إن أوجبنا استعمال الناقص ، وإلا فالقرعة. ولو اتفقا على القسمة ، جاز إن أوجبنا استعمال الناقص ، وإلا حرم لما فيه من التضييع.

ولو اجتمع ميت ومن على بدنه نجاسة ، احتمل تقديم الميت لما تقدم ، وصاحب النجاسة لوجود البدل في طهارة الميت بخلافه ، وكذا هو أولى من الجنب والمحدث والحائض. ولو كان على بدن الميت نجاسة ، فهو أولى.

ولا يشترط في استحقاق الميت أن يكون هناك وارث يقبل عنه ، كما لو تطوع بتكفينه.

ولو اجتمع ميتان والماء يكفي أحدهما خاصة ، فإن كان موجودا قبل موتهما ، فالسابق في الموت أولى.

ولو ماتا معا أو وجد الماء بعد موتهما ، فالأفضل أولى ، فإن تساويا فالقرعة. هذا إن عين الموصي المكان وقال : اصرفوه إلى الأولى في هذه المفازة ، ولو أطلق بحث عن المحتاجين في غير ذلك المكان ، كما لو أوصى للأعلم ، لم يختص بذلك الموضع. نعم حفظ الماء ونقله إلى مفازة أخرى مستبعد.

ولو انتهى هؤلاء المحاويج إلى ماء مباح واستوى في إحرازه وإثبات اليد عليه ، ملكوه على السواء ، لاستوائهم في سبب الملك ، وكل واحد أحق بملك نفسه من غيره ، وإن كان ذلك الغير أحوج إلى الماء وكان حدثه أغلظ. ولا يجوز لكل واحد بذل ملكه لغيره وإن كان ناقصا ، إلا إذا قلنا لا يجب استعمال الناقص ، ولا يحصل الملك بالانتهاء إلى الماء المباح ، بل بالاستيلاء والإحراز ، فيستحب لغير الأحوج ترك الإحراز والاستيلاء.

__________________

(١) في « ق » محرم للوطي.

١٩٢

ولو وجد جماعة متيممون ما يكفي أحدهم من المباح ، انتقض تيمم الجميع ، لصدق وجود الماء في حق كل واحد. وكذا لو قال المالك : ليستعمله من شاء منكم. أما لو ملكوه على الجميع أو أباحهم كذلك ، لم ينتقض تيمم أحد. ولو مر المتيمم على الماء ولم يعلم به ، لم ينقض تيممه.

ولو أمكن الجمع وجب ، بأن يتوضأ ويجمع ماء الوضوء ، ثم يغتسل الجنب الخالي بدنه عن النجاسة ، ثم يجمع ماءه في الإناء ، ثم يغسل به الميت ، لأن الماء عندنا باق على حاله بعد الاستعمال (١).

السبب الرابع

( العجز عن الوضوء )

فلو لم يجد الماء إلا بالثمن وعجز عنه ، وجب التيمم ، لأنه فاقد ولا يجوز المكابرة عليه ، إذ الغصب لا يقع طاعة. ولو وهب منه ، وجب قبوله لأنه واجد ، والمسامحة غالبة في الماء ، فلا مشقة في قبوله ، مع احتمال عدمه لأنه نوع تكسب للطهارة ، فلا يلزم كما لا يلزم اكتساب ثمن الماء.

ولو أعير الدلو أو الرشاء ، وجب قبوله ، لأن الإعارة لا تتضمن المنة ، والقادر على قبولها لا يعد فاقدا للماء.

ولو شرط الضمان ، فإن لم تزد قيمة المستعار على ثمن مثل الماء ، وجب القبول وإلا فلا ، لأنها قد تتلف فيحتاج إلى غرامة ما فوق ثمن الماء.

ولو أقرض منه الماء ، وجب قبوله ، لأن المطالبة إنما تتوجه عند المكنة ، فيتمكن من الخروج عن العهدة.

ولو بيع منه الماء وهو عاجز عن الثمن لكنه وهب منه ، فالأقرب عدم وجوب القبول ، لاشتماله على ثقل المنة ، كما لا يلزم العاري قبول هبة الثوب. ولا فرق بين هبة الأب من الابن أو عكسه وبين الأجنبي.

__________________

(١) في « ق » الاغتسال.

١٩٣

ولو أقرض منه الثمن ، فإن كان معسرا ، لم يجب الاقتراض ، وإن كان موسرا والمال غائب عنه ، فالوجه الوجوب.

ولو بيع منه الماء نسيئة ـ وهو موسر ـ لزمه الشراء. ولو ملك الثمن وكان حاضرا عنده ، ولكنه محتاج إليه لدين مستغرق أو لنفقته أو لنفقة رفيقه ، أو حيوان محترم ، أو يكون محتاج إليه في سفره (١) في ذهابه وإيابه ، لم يجب الشراء.

ولو فضل عن الحاجة ، وجب أن يبيع بثمن المثل ، لأنه قادر على الماء. وإن بيع بغبن ، فالأقرب ذلك ، للقدرة ، ولقول الكاظم عليه‌السلام : وقد سئل عمن وجد قدر ما يتوضأ بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها أيشتري؟ قال : قد أصابني مثل هذا واشتريت وتوضأت (٢). ويحتمل العدم كما لو تلف شي‌ء من ماله لو سعى إلى الماء المباح. ويمكن الفرق بحصول الثواب هنا والعوض هناك.

ولو كان البيع نسيئة وزيد بسبب التأجيل ما يليق به ، فهو بيع بثمن المثل ، وإن زاد على ثمن مثله نقدا ، والاعتبار (٣) بثمن المثل في ذلك الموضع في تلك الحالة.

ولو بيع آلات الاستقاء كالدلو والرشاء بثمن المثل مع الحاجة ، وجب الشراء كالماء. وكذا لو آجرها بأجرة المثل. ولو باعها أو آجرها بأكثر من ثمن المثل وأجرته ، فكالماء ، ويحتمل وجوبه وإن قلنا بعدم الوجوب هناك ما لم يتجاوز الزيادة ثمن مثل الماء ، لبقاء الآلة المشتراة واحتمال تلف ثمن الماء.

ولو لم يجد إلا ثوبا وقدر على شده في الدلو ليستقي ، وجب.

ولو لم يجد دلوا وأمكن إنزال الثوب وبله وعصره وكفاه ، وجب.

ولو لم يصل إلى الماء وأمكن شقه وشد البعض في البعض ليصل ، وجب ، هذا إذا لم ينقص ثمنه ، ولو نقص بما لم يزد على (٤) أكثر الأمرين من ثمن الماء وأجرة مثل الحبل ، أو مطلقا على إشكال.

__________________

(١) في « ق » أو لمؤن سفره.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٩٧ ح ١.

(٣) في « ق » ولا اعتبار.

(٤) في « س » عن أكثر.

١٩٤

ولو امتنع من اتهاب الماء ، لم تصح صلاته ما دام الماء باقيا في يد الواهب المقيم على الهبة.

ولو فقد الثمن وقدر على التكسب والشراء (١) ، فالوجه الوجوب ، لأنه متمكن من الطهارة فيجب.

ولو وجد ماء موضوعا في الفلاة في حب أو كوز أو نحوه للسابلة ، جاز له الوضوء ولم يسغ له التيمم ، لأنه واجد ، إلا أن يعلم أو يظن وضعه للشرب. ولو كان كثيرا دلت الكثرة على تسويغ الوضوء منه.

ولو غصب آلة الاستقاء واستقى الماء ، فعل حراما وصحت طهارته ، بخلاف ما لو غصب الماء ووجب عليه الأجرة.

السبب الخامس

( العجز بسبب المرض )

يبيح التيمم مع وجود الماء ، لقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) (٢) ولا فرق بين أن يخاف فوت الروح باستعمال الماء ، وفوت عضو ، أو منفعة عضو ، أو مرضا مخوفا ، أو شدة الضرر ، أو زيادة العلة ، أو بطء البر ، أو بقاء الشين ، أو حرا أو بردا يتألم بهما في الحال ألما شديدا وإن أمن من العاقبة ، لعموم قوله عليه‌السلام : لا ضرر ولا ضرار (٣). وإن لا يوجب السعي حراسة للمال وإن قل ، ومعلوم أن الضرر هنا أشد ، ولأن ترك الصوم وترك الصلاة لا يعتبر فيه خوف التلف ، بل مطلق المرض.

ولا فرق بين شدة قبح الشين وضعفه ، سواء استند في معرفة ذلك إلى ما يجده من نفسه ، أو إلى إخبار عارف عدل.

ولو كان صبيا أو فاسقا حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى ، فالوجه القبول مع‌

__________________

(١) في « ق » بالشراء.

(٢) سورة النساء : ٤٣.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٨٤ الرقم ٢٣٤١.

١٩٥

الظن بصدقه. ولا يشترط العدد ، ولا فرق بين الطهارتين ، لقول أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل تكون به القروح في جسده فيصيبه الجنابة ، تيمم (١).

فروع :

الأول : قال الشيخ : لو تعمد الجنابة ، وجب الغسل وإن لحقه برد ، إلا أن يبلغ حدا يخاف على نفسه التلف (٢). وهو ممنوع ، لعموم الآية والخبر ، والروايات المعارضة متأولة ببرد لا يخاف معه المرض والشين.

الثاني : لو كان المريض أو الجريح لا يخاف من استعمال الماء ، لا يجوز له التيمم ، لأنه واحد متمكن كالصحيح.

الثالث : لو خاف من شدة البرد ، وأمكنه تسخينه أو استعماله على وجه يأمن الضرر وجب ، كأن يغسل عضوا عضوا ويستره ، فإن عجز تيمم.

الرابع : لو احتاج إلى شراء حطب ، أو استيجار من يسخنه وتمكن وجب ، وكان حكمه حكم ثمن الماء.

الخامس : لو تمكن الجريح من غسل بعض جسده ، أو بعض أعضاء الوضوء ، لم يجب وساغ التيمم ، لتعذر كمال الطهارة ، وبالبعض لا يحصل الإجزاء ، والجمع بين البدل والمبدل غير واجب ، كالصيام والإطعام في الكفارة ، ولعموم الأمر بالتيمم للحرج.

قال الشيخ : فإن غسلها ثم تيمم كان أحوط (٣). فإن قصد (٤) في الغسل فجيد وإن قصد في الوضوء فممنوع.

السادس : لو كان الجرح يتمكن من شده وغسل باقي الأعضاء ومسح‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٩٦٨ ح ٩.

(٢) النهاية ص ٤٦.

(٣) المبسوط ١ ـ ٣٥.

(٤) في « ق » فقد.

١٩٦

الخرقة التي عليه ، وجب ولا تيمم ، وإلا تيمم.

السابع : لو كان الجرح في غير الأعضاء وخاف من استعمال الماء في الأعضاء ، سقط ووجب التيمم. ولو كان الصحيح لا يمكن غسله إلا بالوصول إلى الجريح (١) ، كان حكمه حكمه في جواز المسح.

الثامن : العجز عن الحركة التي تحتاج إليها في تحصيل الماء مبيح للتيمم ، فلو احتاج إلى حركة عنيفة وعجز عنها لمرض أو كبر أو ضعف قوة فكالمريض.

ولو وجد من يناوله بأجرة ، وجب مع القدرة.

التاسع : العجز بسبب ضيق الوقت مبيح للتيمم ، كما لو خاف فوات الوقت لو اشتغل بتحصيله لتعذر الماء فوجب البدل.

العاشر : لو خاف فوت العبد ، جاز له التيمم ، لوجود المقتضي وهو تعذر الاستعمال ، أما الجنازة فلا يشترط فيها الطهارة لكن يستحب. ولو خاف فوتها ، استحب التيمم.

الحادي عشر : خائف الزحام كخائف فوت الوقت. فلو كان في الجامع يوم الجمعة فأحدث ولم يقدر على الخروج لأجل الزحام ، تيمم وصلى ولا يعيد على الأقوى للامتثال.

الثاني عشر : لو وجد بعض الماء ، وجب شراء الباقي أو اتهابه ، فإن تعذر تيمم.

الثالث عشر : غسل النجاسة عن الثوب والبدن أولى من الوضوء ، مع القصور عنهما ، فإن خالف فالأقوى الإجزاء ، لامتثال عموم الأمر بالطهارة ، مع احتمال عدمه ، لأنه لم يفعل الواجب. وغسل النجاسة عن البدن أولى من غسلها عن الثوب ، فإن خالف صحت صلاته قطعا.

__________________

(١) في « ق » الجرح.

١٩٧

الفصل الثاني

( في ما يتيمم به )

إنما يصح التيمم عند علمائنا بالتراب الخالص ، أو الممزوج بما لا يسلبه إطلاق الاسم أو الأرض أو الحجر ، بشرط الطهارة ، لقوله تعالى ( صَعِيداً طَيِّباً ) (١) قال ابن عباس : أي ترابا طاهرا (٢). والملك والإباحة ، لبطلانه بالمغصوب.

ولو ضرب باليد على حجر صلد لا تراب عليه ، احتمل الإجزاء ، لأنه من جنس الأرض ، ولقول أهل اللغة : الصعيد وجه الأرض (٣). وسئل الباقر عليه‌السلام عن التيمم؟ فضرب بيده الأرض (٤). ولأنه تراب اكتسب رطوبة فأفادته استمساكا. والمنع ، لعدم صدق التراب عليه.

وكذا يجوز بالوحل على كراهية. وكذا الأرض السبخة وإن لم يكن عليها تراب. ولا فرق بين الحجر المطبوخ بالنار وغيره. وكذا الخزف. ولو دقهما (٥) جاز التيمم بهما.

__________________

(١) سورة النساء ٤٣ والمائدة : ٦.

(٢) تفسير ابن عباس المطبوع على هامش الدر المنثور ١ ـ ٣٢٣.

(٣) مصباح المنير ١ ـ ٣٦٤.

(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ٩٧٩ ح ٥.

(٥) في « ر » دقها.

١٩٨

ويجوز التيمم بتراب القبر منبوشا كان أو غير منبوش ، إلا مع العلم بممازجة شي‌ء من النجاسة له. وبالتراب المستعمل في التيمم ، وهو المجتمع من التراب المتساقط من أعضاء التيمم ، لوجود الشرائط فيه.

ولا يختص التراب بلون ، بل يصح بالأعفر ، وهو الذي لا يخلص بياضه ، والأصفر والأسود والأحمر (١) ، وهو طين الأرمني المتخذ للدواء ، والأبيض وهو الذي يؤكل سفها. والسبخ وهو الذي لا ينبت. أما الذي يعلوه ملح ، فإن كان من التراب صح وإلا فلا. والبطحاء وهو التراب اللين في مسيل الماء ، وتيمم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتراب (٢) المدينة وفيها سبخة.

ولا يجوز التيمم بالمعادن كلها ، ولا ما يشبه التراب في نعومته وانسحاقه كالرماد ، والنبات المسحوق كالأشنان الدقيق والقوارير المسحوقة والزرنيخ والنورة ، ولا بأس بأرضها وأرض الجص.

ولا يجوز بالنجس ، سواء أصابه مائع نجس ، أو اختلط به أجزاء يابسة نجسة ، لأنه باستعماله يصل إلى بعض أجزائه ترابا طاهرا والآخر نجسا.

والممتزج بالزعفران والدقيق والرماد ونحوها ، لا يجوز له التيمم به وإن خرج عن اسم التراب ، وإلا جاز.

ولو أحرق التراب حتى صار رمادا ، فالأقرب جواز التيمم ، بخلاف الرماد من الشجر. ولا فرق في المنع بين كون ما ليس بأرض متصلا بها ، أو لم يكن ، وسواء كان من جنسها ، أو لم يكن.

ويستحب التيمم من العوالي ، لأنها أبعد من ملاقاة النجاسات.

فروع :

الأول : لو فقد التراب نفض ثوبه ، أو لبد سرج دابته ، أو عرفها وتيمم‌

__________________

(١) في « س » ومنه.

(٢) في « س » من تراب.

١٩٩

بغباره ، لأنه تراب وللرواية (١). ويشترط في التيمم (٢) من هذه عدم التراب على الأقوى ، لأن الصعيد هو التراب الساكن الثابت. ويشترط كون الغبار مما يصح التيمم من جنسه ، كغبار التراب لا غبار الأشنان.

الثاني : لو لم يجد إلا الوحل ، فإن تمكن من تخفيفه وتركه حتى يحصل تراب وجب وتيمم منه ، وإن لم يتمكن أو ضاق الوقت وجب التيمم ، لأنه ممتزج من المطهرين ، فلا يخرج عن حكمها ، ولأن الرضا عليه‌السلام : سئل عمن لا يجد الماء والتراب أيتيمم بالطين؟ فقال : نعم صعيد طيب وماء طهور (٣). ولا يحل له تأخير الصلاة.

ولا يعدل إلى الوحل إلا مع فقد المطهرين وغبار الثوب واللبد.

ويشترط في الوحل كونه مما يصح التيمم منها ، وإلا كان فاقدا.

الثالث : لو لم يجد إلا الثلج ، فإن تمكن من وضع يديه عليه باعتماد حتى ينتقل من الماء ما يسمى به غاسلا وجب ، لتمكنه من طهارة اختيارية ، ولا يجوز التيمم بالتراب حينئذ. وإن لم يتمكن تيمم بالتراب ، فإن فقده توضأ بالثلج أو اغتسل به ، بأن يضع يديه على الثلج باعتماد حتى تتنديا ، ثم يمسح وجهه من قصاص شعر رأسه إلى محاذر شعر ذقنه. وكذا باقي أعضاء الوضوء.

ويستوعب في الغسل جميع البدن بالمسح بالنداوة ، لقول الباقر عليه‌السلام : إذا مس الماء جلدك فحسبك (٤). وسئل الصادق عليه‌السلام يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ فلا نجد إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال : نعم (٥) ولأنه جزء الواجب فلا يسقط بفوات صاحبه.

__________________

(١) وهي صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال : يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته ، فإن فيها غبارا ويصلي. وسائل الشيعة ٢ ـ ٩٧٢ ح ١.

(٢) في « س » المتيمم.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٩٧٣ ح ٦.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٤١ ح ٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٧٥ ح ٢.

٢٠٠