نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

والشيخ رحمه‌الله شرط في استعمال ما لا يؤكل لحمه الدباغ (١). والقصد بالدبغ نزع الفضلات بالأشياء الحريفة ، بحيث يطيب الجلد ولا يعود إلى الفساد والنتن لو وقع في الماء.

ويجوز الدباغ بالأشياء الطاهرة كالشب (٢) والقرط والعفص وقشر الرمان وغيرها. وهل يجوز بالنجس نجاسة ذاتية كذرق الطائر غير المأكول أو نجاسة عرضية؟ الأقرب ذلك ، لحصول الطهارة عندنا بالتذكية. ويجب الغسل بملاقاتها. وعلى رأي الشيخ يحتمل عدم الطهارة لتوقفها عليه ، فاشتبه الاستجمار بالنجس. والطهارة ، لأن الغرض إخراج الجلد عن التعرض للعفونة والاستحالة.

ولا يكفي التجميد بالإلقاء في التراب والشمس ، لأن الفضلات لا تزول ، لعود الفساد لو رمي في الماء.

ولا يشترط الماء في الدباغ. ولا يجب غسل الجلد ، سواء دبغ بطاهر أو لم يدبغ أصلا. ولا فرق بين ظاهر الجلد وباطنه في الطهارة بالتذكية عندنا ، وبالدباغ عند الشيخ.

ولا يفتقر الدبغ إلى فعل ، فلو وقع المدبوغ في مدبغة فاندبغ طهر ، كالآنية إذا وقعت في كثير الماء.

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ٨٢.

(٢) الشب : ملح معدني قابض لونه أبيض.

٣٠١
٣٠٢

كتاب الصلاة‌

وفيه مقاصد‌

٣٠٣
٣٠٤

المقصد الأول

( في المقدمات )

وفيه فصول‌

٣٠٥
٣٠٦

الفصل الأول

( في أعدادها )

مقدمة :

الصلاة لغة : الدعاء والمتابعة. وشرعا : ذات الركوع والسجود ، فصلاة الجنائز مجاز شرعي ولغوي. وهي من أفضل الطاعات بعد المعرفة ، وأهم العبادات في نظر الشرع.

قال الصادق عليه‌السلام : لا أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من الصلاة (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عمود الدين الصلاة ، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم ، فإن صحت نظر في عمله ، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله (٢).

وقال عليه‌السلام : لا يزال الشيطان ذعرا عن أمر المؤمن هائبا له ما حافظ على الصلوات الخمس ، فإذا ضيعهن اجترأ عليه (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام : قال : أتى رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال : أعني بكثرة السجود (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٥ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٣ ح ١٣.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٨ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٧٨ ح ٢.

٣٠٧

وقال الصادق عليه‌السلام : صلاة فريضة خير من عشرين حجة ، وحجة خير من بيت من ذهب يتصدق منه حتى يفنى (١). والأخبار في ذلك كثيرة.

( في أعدادها )

الصلاة : إما واجبة ، أو مندوبة. فالواجبات تسع : الفرائض اليومية ، والجمعة ، والعيدان ، والكسوف ، والزلزلة ، والآيات ، والطواف ، والمنذور ، وشبهه. والمندوب ما عداه. والفرائض اليومية خمس : الظهر أربع ركعات ، والعصر كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء كالظهرين ، والصبح ركعتان. وتنتصف الرباعيات خاصة في السفر ، بغير خلاف في ذلك.

والنوافل الراتبة أربع وثلاثون ركعة : ثمان ركعات للظهر بعد الزوال قبلها ، وثمان للعصر قبلها ، وأربع للمغرب بعدها ، وركعتان من جلوس تعدان بركعة واحدة للعشاء بعدها وبعد كل صلاة يريد فعلها ، وثمان ركعات صلاة الليل ، وركعتا الشفع ، وركعة واحدة للوتر ، وركعتا الفجر. ويسقط في السفر نوافل الظهرين والعشاء.

وكل النوافل ركعتان بتشهد وتسليم عدا الوتر وصلاة الأعرابي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٦ ح ٤.

٣٠٨

الفصل الثاني

( في الأوقات )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( في تعينها )

وفيه بحثان :

البحث الأول

( في تعيين وقت الفرائض اليومية )

لكل صلاة وقتان : أول وهو وقت الرفاهية والفضيلة ، وآخر وهو وقت الإجزاء على الأقوى للآية (١) ولقول الباقر عليه‌السلام : أحب الوقت إلى الله تعالى حين يدخل وقت الصلاة ، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس (٢).

فأول وقت الظهر زوال الشمس بإجماع العلماء ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أمني جبرئيل عليه‌السلام عند باب البيت مرتين ، فصلى بي الظهر‌

__________________

(١) قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) سورة الإسراء : ٧٨.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٨٧ ح ٥.

٣٠٩

حتى زالت الشمس ، وصلى بي العصر حين كان كل شي‌ء بقدر ظله ، وصلى بي المغرب حتى أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء حتى غاب الشفق ، وصلى بي الفجر حتى حرم الطعام والشراب على الصائم ، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان كل شي‌ء بقدر ظله ، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شي‌ء مثليه ، وصلى بي المغرب للقدر الأول لم يؤخرها ، وصلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل ، وصلى بي الفجر حين أسفر. ثم التفت فقال : يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت فيما بين هذين الوقتين (١).

وقول الصادق عليه‌السلام : أتى جبرئيل بالمواقيت ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلي الظهر حين زالت الشمس ، والعصر حين زاد الظل قامة ، والمغرب حين غربت الشمس ، والعشاء حين سقط الشفق. ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة ، فأمره فصلى الظهر ، ثم لما زاد الظل قامتين أمره فصلى العصر ، ثم لما غربت الشمس أمره فصلى المغرب ، والعشاء حين ذهب ثلث الليل ، وقال : ما بينهما وقت (٢).

وآخر وقت الفضيلة إذا صار ظل كل شي‌ء مثله ، وللآخر حتى يبقى للغروب قدر أداء العصر فتختص به ، لقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٣) والغسق : الظلمة ، ولحديث الباقر عليه‌السلام (٤).

وأول وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر.

وآخر وقت الفضيلة إذا صار ظل كل شي‌ء مثليه ، وللإجزاء إلى الغروب ، ولقول الصادق عليه‌السلام أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة ، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس (٥).

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ١٤٧.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ١١٥ ح ٥.

(٣) سورة الإسراء ٧٨.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٩٢.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٨٧ ح ٥.

٣١٠

وأول وقت المغرب غروب الشمس بالإجماع ، وآخره للفضيلة إلى ذهاب الشفق الذي هو الحمرة ، لقوله عليه‌السلام : الشفق الحمرة (١). لأنه عليه‌السلام قرأ الأعراف في المغرب. فلا يتقدر وقت الفضيلة بثلاث ركعات.

وللإجزاء إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار العشاء ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه (٢). وقوله عليه‌السلام : إن الله افترض أربع صلوات : صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها ، إلا أن هذه قبل هذه واثنتان : أول وقتهما غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلا أن هذه قبل هذه (٣).

وأول وقت العشاء بعد الفراغ من فريضة المغرب ، وآخره للفضيلة إلى ثلث الليل ، وللإجزاء إلى انتصاف الليل ، لما تقدم.

وأول وقت الغداة طلوع الفجر الثاني المعترض في الأفق ، وهو الصبح الصادق لا الكاذب ، ويسمى « صبحا » لأنه جمع بين بياض وحمرة ، و « صادقا » لأنه صدقك عن الصبح. وآخره للفضيلة طلوع الحمرة المشرقية.

وللإجزاء إلى أن تطلع (٤) الشمس ، لقول الباقر عليه‌السلام : وقت الغداة بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (٥).

البحث الثاني

( في تعيين وقت النوافل اليومية )

وقت نافلة الظهر بعد الزوال بلا فصل ، لإضافتها إليها ، فلا تثبت قبل المضاف إليه ، وتمتد إلى أن تبلغ زيادة الظل قدمين ، أو إلى أن يصير الفي‌ء مثل الشخص ، لقول الصادق عليه‌السلام كان حائط مسجد رسول الله صلى الله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٤٩ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٣٢ ح ٢٤.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ١١٥ ح ٤.

(٤) في « س » إلى طلوع الشمس.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٥٢ ح ٦.

٣١١

عليه وآله قامة ، فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر ، وإذا مضى ذراعان صلى العصر ، ثم قال : أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ [ قلت : لم جعل ذلك؟ قال : ] (١) لمكان الفريضة ، لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة (٢).

والمراد بلوغ المثل والمثلين ، لأن التقدير أن الحائط ذراع ، لقول الصادق عليه‌السلام : في كتاب علي عليه‌السلام القامة ذراع ، وسئل كم القامة؟ قال : ذراع ، إن قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت ذراعا (٣).

ووقت نافلة العصر بعد الفراغ من فريضة الظهر إلى أن يصير الفي‌ء على أربعة أقدام ، أو يصير ظل كل شي‌ء مثليه ، كما تقدم.

ووقت نافلة المغرب بعد الفريضة إلى أن تذهب الحمرة المغربية ، لأنه وقت فضيلة المغرب ، فتخرج بخروجه ، ولأنه أول دخول وقت الفضل للعشاء ، فلا يقع فيه نافلة غيرها ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع (٤).

ووقت ركعتي الوتيرة بعد العشاء إلى انتصاف الليل ، لأنها تقع بعدها ، فتمتد بامتداد وقتها.

ووقت صلاة (٥) الليل بعد انتصافه ، وكلما قرب من الفجر كان أفضل ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينام أول الليل ويحيي آخره.

وعن الصادق عليه‌السلام : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه لا يصلي إلى بعد انتصاف الليل (٦).

__________________

(١) الزيادة من الوسائل.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٠٣ ح ٣ و ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٠٦ ح ١٦.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٦٦ ح ٧.

(٥) في « س » نافلة.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٨٠ ح ٤.

٣١٢

وسئل الرضا عليه‌السلام عن ساعات الوتر؟ قال : أحبها إلي الفجر الأول ، وسئل عن أفضل ساعات الليل؟ قال : الثلث الباقي (١).

وسئل الصادق عليه‌السلام متى أصلي صلاة الليل؟ قال : صلها آخر الليل (٢).

ويكره النوم بعدها ، لقول الرضا عليه‌السلام : إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ، ولكن ضجعة بغير نوم ، فإن صاحبه لا يحمل على ما قدم من صلاته (٣).

ووقت ركعتي الفجر بعد الفراغ من الوتر ، وتأخيرها حتى يطلع الفجر الأول أفضل ، وتمتد وقتها حتى تطلع الحمرة ، لقول الباقر عليه‌السلام : إنها من صلاة الليل (٤).

المطلب الثاني

( في أوقات المعذورين )

العذر : إما أن لا يسقط القضاء ويجب معه الصلاة على حسب الإمكان ، كالمتيمم يصلي في آخر الوقت إن رجا زوال عذره ، والأقرب إلحاق المستحاضة وصاحب السلس به ، وإلا ففي أوله. وإما أن يسقط ، كالجنون والإغماء والصبي والحيض والنفاس والكفر وعدم المطهر على رأي.

وأقسامه ثلاثة تشتمل على (٥) مباحث :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٩٧ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٩٧ ح ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٦٢ ح ١ ب ٣٥.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٩٢.

(٥) كذا في « ق » وفي « س » و « ر » عليها.

٣١٣

البحث الأول

( أن يخلو عنها آخر الوقت )

إذا وجد أحد الأعذار المسقطة للقضاء في أول الوقت وخلى آخره عنه ، كما لو طهرت أو أسلم أو أفاق أو بلغ آخر الوقت ، فإن بقي مقدار ركعة فصاعدا ، لزمه فرض الوقت ، لقوله عليه‌السلام : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر (١).

والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه. وهل يعتبر بحاله أو بأي من كان؟ إشكال ، فثقيل اللسان بطي‌ء الحركات يفتقر إلى زمان أطول من مقابله في إدراك الركعة.

وإنما يلزم فرض الوقت بشرط امتداد السلامة عن الموانع قدر الطهارة وتلك الصلاة ، فلو عاد مانع قبله فلا ، كما لو بلغ الصبي قبل آخر الوقت ثم جن ، أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه ، أو طهرت حائض ثم جنت ، أو أفاقت المجنونة ثم حاضت ، فإن مضى في حال السلامة قدر أداء تلك الصلاة بعد الطهارة لزمه أداؤها ، ومع الإهمال القضاء ، وإلا فلا.

ولو قصر الوقت عن ركعة سقطت ، ويستحب لو أدرك أقل ولو تكبيرة الإحرام ، ولا يجب ، لأن الإدراك في الخبر منوط بمقدار ركعة ، فصار (٢) ، كما لو أدرك في الجمعة دون ركعة ، فإنه لا يكون مدركا لها ، نعم لو كان مأموما فالأقرب الوجوب ، لإدراكه الركعة بإدراك الركوع ، ويحتمل العدم ، لأنه وقت لا يجب به في حق غيره ، فكذا في حقه لعدم الفرق.

ولا يلزمها (٣) الظهر بما يلزم به العصر ، ولا المغرب بما يلزم به العشاء ،

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ١٦٢ ، وسائل الشيعة ٣ ـ ١٥٨ ح ٥.

(٢) كذا في النسخ والظاهر : فصاعدا.

(٣) في « ق » ولا يلزمه.

٣١٤

بل لو أدركت مقدار أربع للغروب أو للانتصاف ، وجبت العصر خاصة والعشاء خاصة. أما لو زاد مقدار ركعة على الأربع في البابين لزمها الفرضان.

ثم الأربع تقع في مقابلة الظهر أو العصر احتمال ، ينشأ : من كون الظهر سابقة ، ولأنه لو لم يدرك إلا قدر ركعة لم يلزمه الظهر ، وإذا زاد على الأربع لزمه الظهر. ومن كون الظهر هنا تابعة للعصر في الوقت واللزوم ، فإذا اقتضى الحال الحكم بإدراك الصلاتين ، فالأكثر في مقابلة المتبوع ، والأقل في مقابلة التابع ، والحق الأخير لما روي : أنها لو أدركت قبل الانتصاف بقدر أربع لزمها العشاء لا غير (١). فلو كانت الأربع للظهر كانت الثلاث للمغرب ، والأخيرة للعشاء ، فيجبان معا ، وموضع الفائدة هنا لا هناك.

والأقرب اعتبار مدة الطهارة ، لأن الصلاة إنما تمكن بعد تقديم الطهارة. ويحتمل عدمه ، لأن الطهارة لا تختص بالوقت ، فلا تشترط في الإلزام ، وإنما تشترط في الصحة ، فإن الصلاة تلزم على المحدث ويعاقب على تركها.

هذا إذا كان زوال العذر قبل أداء وظيفة الوقت من الصبي ، فكذا حال غيره ، فإنها كما تمنع الوجوب تمنع الصحة. أما لو أدى الصبي الوظيفة ثم بلغ وقد بقي من الوقت مقدار الصلاة أو ركعة ، فالأقرب وجوب الإعادة ، لأن المفعول حال الصغر وقع حالة النقصان ، فلا يجزي عن الفرض بعد حصول الكمال في الوقت ، ولأنه لم يكن مخاطبا بالعبادة والآن هو مخاطب. وأداء وظيفة الوقت وإن صح فعله ، كالأمة إذا صلت مكشوفة الرأس ، لم يقع على جهة الوجوب بخلافها.

ويحتمل العدم ، لأنه من أهل الفرض ، لأنه مأمور بالصلاة مضروب على تركها ، ولا يعاقب إلا على ترك الفرض ، والأقوى الأول ، لأن الضرب هنا لطف في التمرين لا لأنه فرض.

ولو بلغ في أثناء الصلاة احتمل وجوب الاستيناف ، لأنها غير مجزية لو وقعت كاملة فكذا أبعاضها. ووجوب الإتمام ، لأنها صلاة صحيحة قد أدرك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٣٤.

٣١٥

الوجوب فيها فيلزمه (١) إتمامها. وقد تكون العبادة تطوعا في الابتداء ثم تجب إتمامها ، كحج التطوع ، وكما لو نذر إتمام المندوب.

هذا إذا بقي للوقت مقدار ركعة لو أبطلها ، أما لو بقي أقل فالأقوى استحباب الإتمام ، مع احتمال وجوبه.

أما لو بلغ بعد أداء الظهر نفلا ثم أدرك الجمعة ، فإنه يجب عليه أداؤها كغيرها ، ولأن الجمعة أكمل من الظهر ، فإنها تتعلق بأهل الكمال ، بخلاف المسافر والعبد إذا صليا الظهر ، ثم أقام المسافر وعتق العبد وأدرك الجمعة لا تلزمهما ، لأنهما حين صليا الظهر كانا من أهل الفرض.

ولو ظنت بقاء أربع بعد الطهارة فصلت العصر ثم ظهرت الزيادة ، فإن بلغت ما يتسع للظهر أيضا لا غير ، احتمل اختصاصها بالعصر ، إذ الأولى قد كان للظهر ولم يدخل وقت العصر ، وهو في شي‌ء منها ، وصلاة الظهر ، لاشتراك الوقت بين الفرضين ، ووجوب تقديم الظهر إنما هو مع القدرة ، ولا قدرة مع خطاب الشرع بخلافه.

ولو لم يبلغ صحت العصر ، إما لوقوعها في المشترك ، أو لدخول الوقت وهو في أثناء الصلاة. وهل تجب الظهر؟ الأقرب القضاء ، لأن التفريط منه حيث بنى على ظن كاذب. ويحتمل العدم ، لأنه معذور حيث امتثل ، ومدرك الركعة يكون مؤديا للجميع على الأقوى ، لدلالة الخبر (٢).

البحث الثاني

( أن يخلو أول الوقت )

إذا خلا أول الوقت عن الأعذار ، ثم طرأ في آخره بعضها ، كالحيض والنفاس والجنون والإغماء ، إلا الصبي لعدم إمكان تجدده ، ولا الكفر إذ لا يسقط القضاء.

__________________

(١) في « ق » فلزمه.

(٢) وهو ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. وسائل الشيعة ٣ ـ ١٥٨ ح ٤.

٣١٦

فإن مضى من أول الوقت ما يتسع للطهارة وأداء الصلاة ، استقرت في ذمته (١) ، وعليه القضاء لو أهمل ، لأنه أدرك ما يمكن فيه فعل الفرض ، فلا يسقط بما يطرأ بعده. ولا يشترط في وجوب الصلاة إدراك آخر الوقت.

والمعتبر أخف ما يمكن من الصلاة خالية عن الأفعال المندوبة ، حتى لو طولت صلاتها فحاضت في أثنائها والماضي من الوقت يتسع تلك الصلاة لو خففتها ، لزمها القضاء.

ولو طرأ على المسافر جنون بعد مضي وقت المقصورة ، لزمه القضاء.

وهل يعتبر مع إمكان فعل الصلاة قدر زمان إمكان الطهارة من الوقت؟ إشكال ، ينشأ : من توقف صحتها عليها. ومن إمكان تقديمها على الوقت ، إلا إذا لم يجز تقديم طهارته كالمتيمم والمستحاضة. ولو كان الماضي يتسع لتلك الصلاة دون الطهارة وهو متطهر ، فالوجه وجوب القضاء لو أهمل.

ولو كان الماضي لا يتسع لتلك الصلاة لم يلزم ، وإن أدرك أكثر من ركعة ، لأن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وهو منفي هنا ، لاستحالة تكليف ما لا يطاق ، بخلاف آخر الوقت لإمكان البناء على ما وقع فيه بعد (٢) خروج الوقت.

ولو أدرك من أول الزوال مقدار خمس ركعات ، وجبت الظهر خاصة.

ولو أدرك من وسط الوقت مقدار الطهارة والصلاة ، وجبت أداء ، ومع الإهمال القضاء.

البحث الثالث

( أن يعم العذر الوقت )

وإذا عم العذر المسقط للقضاء جميع الوقت فلا قضاء إجماعا. فلو استوعب الحيض الوقت ، سقطت الصلاة أداء وقضاء لا الصوم. والكافر‌

__________________

(١) في « ق » و « ر » الذمة.

(٢) كذا في « ق » وفي « ر » أوقعه فيه وفي « س » لإمكان البناء على أربعة بعد خروج الوقت.

٣١٧

الأصلي وإن خوطب بالشرائع ، لكنه إذا أسلم لم يجب عليه قضاء صلوات أيام الكفر وصيامها إجماعا ، لقوله تعالى ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (١) ولأن إيجاب القضاء منفر (٢) عن الإسلام.

ولا تلتحق الردة به ، بل يجب على المرتد قضاء زمان ردته وما تقدمها لو تركها ، لأنه التزم بفرائض الإسلام ، فلا تسقط بالردة كحقوق الآدميين.

والصبي لا قضاء عليه ، لعدم وجوب الأداء ، قال عليه‌السلام : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق (٣). ولا يؤمر من لا يجب عليه الصلاة بفعلها ، سوى الصبي ، فإنه يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين ، ويضرب على تركها إذا بلغ عشرا ، لقوله عليه‌السلام : مروا أولادكم بالصلاة ، وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع (٤).

فيجب على الآباء والأمهات تعليمهم الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع ، والضرب على تركها بعد العشر ، لأنه زمان احتمال البلوغ بالاحتلام ، فربما بلغ ولا يصدق ، ويؤمر بالصيام مع القدرة.

وأجرة تعليم الفرائض في مال الطفل ، فإن لم يكن له مال فعلى الأب ، فإن لم يكن فعلى الإمام ، لأنه من المصالح. وفي جواز إعطاء الأجرة من مال الطفل على ما سوى الفاتحة والسورة والفرائض من القرآن والأدب وغيرهما من العلوم إشكال.

وأما المجنون فلا صلاة عليه للخبر (٥). ولا قضاء ، لأنه تابع. خولف في الساهي والنائم لقوله عليه‌السلام : إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها ، فليقضها إذا ذكرها (٦).

__________________

(١) سورة الأنفال ٣٨.

(٢) في « ق » ينفر.

(٣) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٢ ح ١١.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٢ ح ٥ ، جامع الأصول ٦ ـ ١٣٣.

(٥) الخبر المتقدم عنه عليه‌السلام : وعن المجنون حتى يفيق. وسائل الشيعة ١ ـ ٣٢ ح ١١.

(٦) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٤٨ ح ١ ، جامع الأصول ٦ ـ ١٣٤.

٣١٨

والإغماء كالجنون ، ويستوي قليله وكثيره في الإسقاط ، مع استيعاب الوقت ، وإن لم يرد على يوم وليلة.

ولا يسقط القضاء بزوال العقل بسبب محرم ، كشرب مسكر أو دواء مزيل له ، لأنه غير معذور. ولو جهل كون المشروب ، أو كون الدواء مزيلا ، فلا قضاء كالإغماء.

ولو علم إسكار جنسه لكن ظن عدم الإسكار لقلته لم يعذر ، ولو وثب من موضع الحاجة ، فزال عقله ، فلا قضاء ، ولو فعله عبثا قضى.

ولو ارتد ثم جن ، وجب قضاء زمان الردة دون أيام الجنون ، لسقوط التكليف فيها. ولو سكر ثم جن ، قضى أيام السكر خاصة.

ولو ارتدت ثم حاضت أو سكرت ثم حاضت ، لم تقض أيام الحيض. وكذا لو شربت دواء حتى حاضت ، سقط أيام الحيض ، بخلاف ما لو شربت دواء أزال العقل ، لأن سقوط القضاء عن الحائض ليس من الرخص والتخفيفات بل هو عزيمة ، فإنها مكلفة بترك الصلاة. والمجنون ليس مخاطبا بترك الصلاة ، كما ليس هو مخاطبا بفعلها ، وإنما أسقط القضاء عنه تخفيفا ، فإذا فعلت ما يوجب الإغماء لم يستحق التخفيف.

ولو شربت دواء حتى ألقت الجنين ونفست ، لم يجب قضاء الصلوات ، لأن سقوط الصلاة عن النفساء عزيمة لا رخصة.

والحاصل أن من لم يؤمر بالترك لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء ، فإذا لم يؤمر كان تخفيفا ، ومن أمر بالترك فامتثل لا يؤمر به إلا صوم الحائض.

المطلب الثالث

( في الأوقات المكروهة )

الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها خمسة : وقتان تتعلق النهي فيهما بالفعل : بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

٣١٩

ووجه تعلق النهي بالفعل : أن صلاة التطوع فيهما مكروهة لمن صلى الصبح والعصر دون من لم يصليهما. ومن عجلهما في أول الوقت طال في حقه وقت الكراهة ، وإن أخرهما قصر.

وثلاثة للزمان : عند طلوع الشمس حتى ترتفع ويستولي سلطانها بظهور شعاعها ، فإنه في الابتداء ضعيف. وعند استوائها حتى تزول ، إلا يوم الجمعة.

وعند اصفرارها حتى يتم غروبها ، لقوله عليه‌السلام : إن الشمس تطلع ومعها قرن شيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، ثم إذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها (١). ومعنى قرن الشيطان قومه ، وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات. وقيل : إن معناه أن الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات ، ليكون الساجد للشمس ساجدا له.

ويحتمل اختصاص الكراهة بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع كمال قرص الشمس ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب ، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس (٢). وهذا النهي إنما يتوجه إلى صلاة لا سبب لها ، أي لم يخصها الشارع بوضع وشرعية (٣) ، بل هي التي يأتي بها الإنسان ابتداء ، أو أنها لا سبب لها متقدم على هذه الأوقات ولا مقارن لها.

فلا يكره قضاء الفرائض ، لعموم « من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها » (٤) فإن ذلك وقتها لا وقت لها غيره ، ويستوي في زوال الكراهة قضاء الفرائض والسنن والنوافل التي اتخذها وردا له.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٧١ ـ ١٧٢ ، جامع الأصول ٧ ـ ١٧٦.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٧١ ح ٢.

(٣) في « س » وشرعته.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٤٨ ح ١ جامع الأصول ٦ ـ ١٣٤.

٣٢٠