نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

وقال الصادق عليه‌السلام : لا يجوز السجود إلا على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض (١).

ويشترط فيه أمور :

الأول : أن لا يكون مما يؤكل أو يلبس ، فلا يجوز السجود على ما يؤكل أو يلبس ، وإن كان مما تنبت من الأرض عند علمائنا ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن الرجل يصلي على البساط من الشعر والطنافس؟ قال : لا تسجد عليه وإن قمت عليه وسجدت على الأرض فلا بأس ، وإن بسطت عليه الحصير وسجدت على الحصر فلا بأس (٢).

ويجوز في حال الضرورة وضع الجبهة على الثوب من الصوف وغيره لاتقاء الحر. وكذا يجوز عند التقية ، لأن الكاظم عليه‌السلام سئل عن السجود على المسح والبساط؟ فقال : لا بأس في حال التقية (٣). ولا تجب الإعادة. لاقتضاء الأمر الإجزاء.

ولا يشترط إلا في موضع الجبهة دون باقي مساقط الأعضاء. ولا يشترط وقوع الجبهة بأجمعها ، بل ما يتمكن به الجبهة ، وقدره بعضهم بالدرهم.

ولا يجوز على الثياب وإن كانت معمولة من نبات الأرض ، كالقطن والكتان ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا يجوز السجود إلا على الأرض ، أو ما أنبته الأرض إلا ما أكل أو لبس (٤).

وكذا لا يجوز على المأكول ، لقول الباقر عليه‌السلام : لا تسجد على الثوب الكرسف ، ولا الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من الثمار ، ولا على شي‌ء من الرياش (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٩٢ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٩٤ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٩٦ ح ١ ب ٣.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٩١ ح ١ ب ١.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٩٤ ح ١.

٣٦١

وإنما يحرم على المأكول والملبوس بالعادة ، فلو اتخذ من الليف أو الخوص أو ما لا يلبس عادة من نبات الأرض ثوبا ، لم يمنع من السجود عليه. ولو مزج المعتاد بغيره ففي السجود عليه إشكال. ولو كان مأكولا لا بالعادة ، جاز السجود عليه. ولو كان مأكولا عند قوم دون آخرين عم التحريم.

ويجوز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن ، لأن القشر حاجز بين المأكول والجبهة. وكذا يجوز السجود على فصيلهما ، لأنهما ليسا مأكولين بالعادة وإن كانا قد يؤكلان.

والكتان قبل غزله أو القطن الأقرب جواز السجود عليهما. أما الغزل فالأقرب فيه المنع ، لأنه عين الملبوس والزيادة في الصفة.

ولو قطع الثوب قطعا صغارا جدا لم يجز السجود عليها ، لأنها من جنس الملبوس.

والقرطاس إن كان متخذا من النبات جاز السجود عليه. ويكره إن كان مكتوبا ، لاشتغال النظر عن الخشوع ، ولقول الصادق عليه‌السلام : يكره السجود على قرطاس فيه كتابة (١). والأقرب الجواز في الأعمى. ولو اتخذ من الإبريسم لم يجز السجود عليه.

الثاني : الطهارة فلا يجوز وضع الجبهة على النجس ، سواء تعدت النجاسة أو لا. ولو وضع (٢) القدر المجزي من الجبهة على طاهر لم يضر وقوع الباقي (٣) على النجس غير المتعدي.

ولو سجد على دم أقل من درهم ، أو كان على جبهته ذلك فسجد عليه خاصة ، فالأقرب عدم الإجزاء مع تمكن الإزالة.

والمشتبه بالنجس كالنجس في المنع ، مع انحصار الموضع كالبيت ، لا مع انتشاره كالصحاري.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٦٠١ ح ٣.

(٢) في « ق » و « ر » وقع.

(٣) في « ق » العليا.

٣٦٢

ولو وضع على النجس شيئا طاهرا وسجد عليه جاز.

الثالث : الملك أو حكمه كالمباح والمأذون فيه. فلا يجوز على المغصوب مع علم الغصبية ، وإن جهل الحكم لم يعذر ، بل تجب الإعادة. ولا على مال الغير إذا لم يعلم منه الإباحة ، لأصالة منع التصرف في مال الغير بغير إذنه.

والمشتبه بالمغصوب كالمغصوب. والناسي كالعامد على الأقوى ، ويحتمل كالجاهل ، وكذا في النجس.

الرابع : تمكن الجبهة منه ، فلا يجوز السجود على الوحل مع الاختيار. وفي حال الضرورة يومي للسجود ، فإن أمن التلطخ ، فالوجه وجوب إلصاق الجبهة إذا لم يتمكن من الاعتماد عليه.

الخامس : ألا يخرج عن الأرض بالاستحالة كالمعادن ، جامدة كانت كالعقيق والملح والياقوت ، أو سائلة كالقير والنفط ، لقول الصادق عليه‌السلام : السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض (١). وبالاستحالة خرج عن أحدهما. ولو لم يخرج بالاستحالة عنها ، كالسبخة والرمل وأرض الجص والنورة ، جاز على كراهية.

ولا يجوز السجود على الزجاج ، لما فيه من الاستحالة ، ولا على الرماد قاله الشيخ (٢) رحمه‌الله. والخمرة إن كانت معمولة بالسيور ، بحيث يعم موضع الجبهة ، لم يجز السجود عليها ، ويجوز لو كانت معمولة بالخيوط ، أو كان المجزي من الجبهة تقع على ما يصح السجود عليه.

ولا يجوز على الصهروج لأنه خرج بالاستحالة.

قال الشيخ : لا يجوز السجود على ما يكون حاملا له كطرف الرداء أو كور العمامة (٣). وهو حق إن كان مما لا يجوز السجود عليه ، فإن كان مما يجوز السجود ، فالوجه الجواز.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٥٩١ ح ١ ب ١.

(٢) في المبسوط ١ ـ ٨٩.

(٣) المبسوط : ١ ـ ٩٠.

٣٦٣

ولا يجوز على بعضه ككفه ، لأنه ليس بأرض ولا نابت منها. ويجوز في حال الحر إذا لم يكن معه ثوب ، أن يسجد على كفه.

٣٦٤

الفصل الرابع

( في اللباس )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( في ستر العورة )

وفيه بحثان :

البحث الأول

( في العورة )

عورة الرجل القبل والدبر على الأقوى ، وليس الفخذ منها ، لأن أنسا قال رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر كشف الإزار عن فخذه حتى كأني أنظر إلى بياض فخذه (١). ولقول الصادق عليه‌السلام : الفخذ ليس من العورة (٢). ولأنه ليس مخرج الحدث فلم يكن عورة كالساق. وكذا ما بين السرة والركبة على الأقوى.

ولا السرة والركبة ، لأنه عليه‌السلام كان يقبل سرة الحسين عليه‌السلام.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٩٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٦٤ ح ١ و ٤.

٣٦٥

ولا فرق بين الحر والعبد ولا بين البالغ وغيره.

أما الحرة البالغة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين ، لقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (١) قال ابن عباس : الوجه والكفين (٢). وقال الباقر عليه‌السلام : المرأة تصلي في الدرع والمقنعة (٣).

البحث الثاني

( في وجوب الستر )

يجب ستر العورة عن العيون ، لقوله عليه‌السلام : لعن الله الناظر والمنظور إليه (٤). سواء الصلاة وغيرها. ولا يجب في الخلوة في غير الصلاة إجماعا ، للأصل ، ولعدم من يستر عنه.

وستر العورة شرط في الصلاة ، فلو صلى مكشوف العورة متمكنا من سترها ، في خلوة (٥) أو غيرها ، في ليل أو نهار ، في ضوء أو ظلمة ، بطلت صلاته ، لقوله عليه‌السلام : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار (٦). وقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل ما ترى للرجل يصلي في قميص واحد؟ قال : إذا كان كثيفا فلا بأس به (٧). وهو يعطي ثبوته مع عدم الكثافة.

والذي يجب ستره على الرجل القبل والدبر خاصة.

أما الحرة البالغة فجميع جسدها ورأسها عدا الوجه والكفين والقدمين.

ويجوز للأمة والصبية أن تصليا مكشوفتي الرأس ، لقول الباقر عليه‌

__________________

(١) سورة النور : ٣١.

(٢) الدر المنثور ٥ ـ ٤١.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٩٤ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٦٤ ح ٥.

(٥) في « ق » صلاة.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٩٤ ح ٤ و ١٣.

(٧) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٨٢ ح ١.

٣٦٦

السلام : ليس على الأمة قناع (١). ولأنه ظاهر في أكثر الأوقات ، فأشبه وجه الحرة.

ويستحب للرجل ستر جميع بدنه بقميص وإزار وسراويل ، لقوله عليه‌السلام : إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فإن الله تعالى أحق أن يتزين له (٢). وأن يصلي في أحسن ما عنده (٣) من ثيابه ، ويتعمم ، ويتقمص ، ويرتدي.

فإن اقتصر على ثوبين ، فالأفضل قميص ورداء ، أو قميص وسراويل. فإن اقتصر على واحد فالقميص أولى ، ثم الإزار ، ثم السراويل. ولأن الإزار أولى ، لأنه يتجافى.

وتصلي المرأة في قميص سائغ وخمار ، وتتخذ جلبابا كثيفا فوق ثيابها لتتجافى عنها ، فلا يظهر حجم أعضائها.

ويستحب التحنك للرجل ، لقول الصادق عليه‌السلام : من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له ، فلا يلومن إلا نفسه (٤).

ويجزي الثوب الواحد ، لأن الباقر عليه‌السلام صلى فيه (٥). وأن يصلي في ثوب يأتزر ببعضه ويرتدي بالآخر للرواية (٦).

وأن يصلي عاريا ساتر العورة خاصة ، لكن يستحب أن يجعل على عاتقه شيئا ولو كالخيط ، وليس بواجب ، لأنه ليس من العورة ، فلا يجب ستره. ولو لم يجد ساترا لم يسقط عنه الصلاة إجماعا.

ولو وجد ورق الشجر وتمكن من الستر به وجب ، وكذا لو وجد طينا يمكنه الستر به وجب ، لقول الصادق عليه‌السلام : النورة سترة (٧). ولو وجد وحلا ، أو ماء كدرا يستر العورة لو نزله ، وجب مع انتفاء الضرر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٩٧ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٣١.

(٣) في « ق » ما يجده.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٩١ ح ١ و ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٨٣ ح ١.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٨٣ ح ٤.

(٧) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٧٨ ح ١.

٣٦٧

ولو وجد حفرة تستره ، وجب نزولها وصلى قائما مع أمن المطلع.

ولو لم يجد ساترا أصلا ، فإن كان في موضع يأمن المطلع فيه صلى قائما ، لأن القيام ركن ، فلا يسقط بالعجز عن الشرط كالصلاة.

وهل يركع ويسجد؟ إشكال ، أقربه الإيماء بهما ، لأنه أقرب إلى الستر وأبعد عن الهيئة المستنكرة في الصلاة. ويحتمل إتمام الركوع والسجود ، لأنهما ركنان ، فلا يسقط بعدم الشرط ، وستر العورة اعتبر زينة وكمالا للأركان ، فلا يجوز ترك الأركان لها ، وإن لم يأمن المطلع صلى قاعدا ويومي بركوعه وسجوده ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، لقول الصادق عليه‌السلام فإن رآه أحد صلى جالسا (١).

فروع :

الأول : لا فرق بين الأمة القن ، وبين المدبرة ، والمكاتبة المشروطة ، وغير المؤدية ، وأم الولد. ولو انعتق بعضها فكالحرة ، مراعاة للأحوط تغليبا للحرية.

ولو أعتقت في أثناء الصلاة وهي مكشوفة الرأس ، فإن أمكنها ستره من غير فعل كثير وجب ، وإن افتقرت إلى فعل كثير ، فإن خافت فوت الصلاة أتمت ، لأن في حفظ الشرط وإبطال المشروط منافاة للحكمة. وإن لم تخف استأنفت.

ولو وجدت الستر واحتاجت إلى زمان طويل للانتظار ولم تخف فوت الوقت ، احتمل وجوبه لأنه انتظار واحد. والبطلان ، لأنها صلت في زمان طويل مع إمكان الستر فلم يصح.

الثاني : لو أعتقت ولم تعلم حتى فرغت صحت صلاتها ، لأنها امتثلت الأمر ، وهو البناء على الظاهر ، سواء أعتقت في الأثناء أو قبل الشروع. ولو علمت ولم تقدر على الستر ، مضت في صلاتها ، ولم يلزمها الإعادة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٢٦ ح ٣.

٣٦٨

والصبية الحرة كالأمة في تسويغ كشف الرأس. ولو بلغت في الأثناء بغير المبطل ، فكالأمة إذا أعتقت فيه ، لكن الصبية متى تمكنت من الاستيناف وجب ، لأن المفعول أولا لم يكن واجبا.

الثالث : لو انكشفت بعض العورة في الصلاة ، بطلت قل أو كثر ، لبطلان المشروط عند زوال الشرط ، سواء الرجل والمرأة ، سواء قل عن الدرهم أو كثر.

وللشيخ قول : إن العورة لو انكشفت في الصلاة سترها ولم تبطل صلاته (١).

الرابع : لو لم يعلم بانكشاف عورته ، فالوجه صحة صلاته ، كطهارة ثوبه ، ولقول الكاظم عليه‌السلام : لا إعادة عليه وقد تمت صلاته (٢).

الخامس : لو وجد ما يستر بعض عورته وجب ستره به. ولو كان الموجود يكفي إحداهما خاصة ، فستر القبل أولى ، لظهوره واستقبال القبلة به.

ولو كان في ثوبه خرق ، فجمعه وأمسكه بيده ، فصلاته صحيحة. ولو وضع يده على موضع الخرق وستره بيده ، احتمل الإجزاء لحصول الغرض. وعدمه ، لأن إطلاق السترة على ما يعطي العورة من غير البدن.

السادس : لو صلى قاعدا مع خوف المطلع ، لم تجب الإعادة ، لأنه فعل المأمور به ، فيخرج عن العهدة.

السابع : لو كان محبوسا في موضع نجس لو سجد لسجد على نجاسة لا يتم السجود. وهل يجب بلوغ الغاية في أدنى الجبهة من الأرض؟ إشكال.

ولو وجد ما يستر عورته مما يصح السجود عليه لو فرشه لبقي عاريا ، فإن كان في موضع الخوف من المطلع ، ستر به العورة وأومأ بالسجود ، إذ مع فرشه يومي أيضا ، فيحصل مع الستر بالشرط ، وإن كان في موضع الأمن وقلنا‌

__________________

(١) المبسوط : ١ ـ ٨٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٩٣.

٣٦٩

بالإيماء فكذلك. وإن أوجبنا كمال السجود ، احتمل وجوب فرشه ، وتجويز الستر به ، للتعارض بين إكمال السجود وتحصيل الشرط.

الثامن : الخنثى المشكل ملحق بالمرأة ، تحصيلا ليقين البراءة. ولو صلت كالرجل فالأقرب الإعادة ، لاشتغال الذمة بفرض الصلاة والشك في براءتها.

ويحتمل عدمها ، لأن كون الزيادة عورة مشكوك فيه.

التاسع : لو لم يجد الثوب إلا بالثمن ، وجب شراؤه ، لوجوب ما لا يتم الواجب المطلق إلا به ، سواء زاد عن ثمن المثل أو لا ، وكذا لو آجره. ولو لم يكن معه ثمن أو أجرة ، أو احتاج إليهما ، لم يجب الشراء ، دفعا للضرر المنفي بالأصل.

ولو وجد المعير وجب القبول ، لتوقف الامتثال عليه.

ولو وهب فالأقوى وجوب القبول ، لتمكنه من إيقاع ما أمر به على وجهه ، فلا يخرج عن العهدة بدونه.

العاشر : لو وجد السترة في أثناء صلاته ، فإن تمكن من الستر بها من غير فعل كثير وجب ، وإن احتاج إلى مشي خطوة أو خطوتين. ولو احتاج إلى فعل كثير أو استدبار القبلة ، أبطل صلاته إن اتسع الوقت ولو لركعة ، ليوقع الفعل على وجهه. ولو ضاق الوقت عن ركعة استمر.

الحادي عشر : ولو لم يجد إلا ثوب حرير ، صلى عاريا ، لفقد الشرط. فإن خاف البرد ، أو سوغنا له لبسه للحرب ، أو القمل ، صلى فيه ولا إعادة.

الثاني عشر : لا يسقط استحباب الجماعة عن العراة ، بل يستحب لهم ، ذكرانا كانوا أو أناثا ، لعموم الأمر بالجماعة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، يومي الإمام بالركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٣٢٨ ح ٢.

٣٧٠

والشيخ عمل على هذه الرواية (١). وهي متأولة ، للمنع من استيفاء الركوع والسجود مع خوف المطلع ، بل يتقدمهم إمامهم بركبتيه ويومي بالركوع والسجود ، وكذا يومي المأمومون ، لأنه أستر.

ويجوز أن يصلوا أكثر من صف ، لسقوط القيام حينئذ. وللنساء أن يصلين جماعة مع فقد الساتر ، فتقعد إمامهن وسطهن ، وتجلسن خلفه ، ويومين للركوع والسجود.

الثالث عشر : لو كان مع العراة مكتسي ، وجب أن يصلي في ثوبه ، وليس له إعارته والصلاة عريانا. نعم يستحب له إعارته بعد صلاته أو قبلها ثم يصلي فيه. ولو أعاره وصلى عريانا ، بطلت صلاته ، لتمكنه من السترة ، وتبطل صلاة المستعير في آخر الوقت لا قبله.

الرابع عشر : لو بذل للعراة ثوب والوقت متسع ، وجب على كل واحد الستر به ويصلي منفردا ، وليس للآخر الايتمام به ، لوجوب الصبر عليه ، ولا له الايتمام بغيره ، لبطلان صلاة الإمام. ولو خافوا فوت الوقت ، لم يجب الانتظار ، بل صلوا عراة للضرورة.

ولو لم يعرهم وأراد أن يصلي بهم ، قدم إن كان بشرائط الإمامة مستحبا ، وليس له أن يأتم بالعاري ، لأن قيام الإمام شرط في إمامة القائم.

ولو أوصى بثوبه لأولى الناس به في ذلك الموضع ، فالمرأة أولى ، ثم الخنثى المشكل ، ثم الأفضل.

الخامس عشر : لو اجتمع الرجال والنساء وقلنا بتحريم المحاذاة ، وجب تأخرهن بصف ، وإلا وقفن (٢) في صفهن. ولو كان معهم مكتس استحب له إعارة النساء ، لأولوية الستر في حقهن ، ولا يجب لأصالة البراءة.

السادس عشر : الأقرب جواز الصلاة للعاري في أول الوقت ، لعدم الوثوق بالبقاء ، وإن كان مظنونا ، ولتحصيل فضيلة أول الوقت. وأوجب‌

__________________

(١) قال في المبسوط [ ١ ـ ٨٨ ] : وإن أرادوا أن يصلوا جماعة ، جلس إمامهم وسطهم ، ولا يتقدمهم إلا بركبتيه.

(٢) في « س » وقف.

٣٧١

المرتضى التأخير كالمتيمم.

السابع عشر : ليس ستر العورة شرطا في صلاة الجنازة ، لأنها دعاء.

الثامن عشر : لو كان على مرتفع يرى عورته من أسفل ، لم يصح صلاته. وهل يصح لو لم يوجد الناظر؟ الأقرب المنع.

التاسع عشر : لو صلى في قميص واسع الجيب ترى عورته منه حالة الركوع أو السجود ، بطلت صلاته حينئذ لا قبلها. فلو نوى المأموم الانفراد حينئذ ، صحت صلاته.

ولو كان شعر رأسه أو لحيته يمنع ، فالأقرب الجواز ، كما لو ستره بمنديل. ويحتمل المنع ، لأن الساتر يجب مغايرته للمستتر ولا يجوز أن يكون بعضه لباسا له. ولا يكفي في الستر إحاطة الفسطاط الضيق به ، لأنه غير لابس.

العشرون : لو لم يجد إلا الثوب النجس نزعه وصلى عاريا ، لقول الصادق عليه‌السلام : يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا يصلي ويومي إيماء (١). فإن لم يتمكن من نزعه لبرد أو ضرورة ، صلى فيه ، للحرج ، ولا إعادة فيهما ، للامتثال ، فيخرج عن العهدة.

المطلب الثاني

( في الساتر )

وفيه بحثان :

البحث الأول

( في جنسه )

تجوز الصلاة في كل ثوب يتخذ من النبات ، كالقطن والكتان والقنب ، وسائر أنواع الحشيش ، إجماعا. وكذا في جلد ما يؤكل لحمه بشرط التذكية عند‌

__________________

(١) في وسائل الشيعة ٣ ـ ١٠٦٨ ح ٤.

٣٧٢

علمائنا. فلا تحل في الميتة وإن دبغ ، لقوله عليه‌السلام : لا تستنفعوا من الميتة بإهاب ولا غصب (١).

وقول الصادق عليه‌السلام : لا تصل في شي‌ء من الميتة ولا شسع (٢).

وسئل الباقر عليه‌السلام عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة؟ قال : لا ، ولو دبغ سبعين مرة (٣).

ويكفي في الحكم بالتذكية عدم العلم بموته ، ووجوده في يد مسلم لا يستحل جلد الميتة ، أو في سوق المسلمين ، أو في بلد الغالب فيه المسلمون. لقول الكاظم عليه‌السلام : لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني وفيما صنع في دار الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ، قال : إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس (٤).

وشرطنا في المسلم عدم استباحته للميتة ، ليحصل ظن التذكية (٥) إذ الأصل الموت ، ولا معارض له حينئذ. أما غير المستبيح فإن اعتقاده يمنعه من الإقدام على المحرم غالبا. ولو جهل إسلامه لم يجز استباحته ، عملا بأصالة الموت السالمة عن المعارض. ولو جهل حال المسلم ، فالأقرب أنه كذلك. ويحتمل الإباحة ، لأن الإسلام مظنة التصرفات الصحيحة.

وأما جلد ما لا يؤكل لحمه ، فلا يجوز الصلاة فيه وإن ذكي ودبغ عند علمائنا أجمع ، سواء كان هو الساتر أو لا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن جلود السباع (٦). وقول الرضا عليه‌السلام لما سئل عن جلود السباع؟ : لا تصل فيها (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ ـ ٣٦٨ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٤٩ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٤٩ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٣٢ ح ٣.

(٤) في « ق » لأن.

(٦) وسائل الشيعة ١٦ ـ ٣٦٨.

(٧) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٥٧ ح ١.

٣٧٣

وأما الصوف والشعر والريش والوبر ، فإنها تابعة لأصولها ، فإن كانت مما يؤكل لحمه ، صحت الصلاة فيها ، وإلا فلا ، سواء كانت مذكاة أو لا ، وسواء كانت طاهرة أو لا. ولا بأس بالصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعالب والأرانب وفوقه ، لأنه طاهر.

ولو مزج صوف ما يؤكل لحمه مع صوف ما لا يؤكل ، ونسج منهما ثوب ، لم تصح الصلاة فيه. أما المنسوج من الكتان والحرير فلا بأس. وكذا لو خيط ما لا يؤكل لحمه مع قطع صغار لا تستر العورة مما لا يؤكل لحمه لم يصح.

ولا فرق بين أخذ الصوف والشعر والوبر والريش من حي أو مذكي أو ميت ، جزا أو قلعا إذا غسل موضع الاتصال من الميت والحي ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة (١). ولأنه لا تحله الحياة فلا يلحقه حكم الميت.

ولو عمل من جلد ما لا يؤكل لحمه أو صوفه أو شعره ، قلنسوة أو تكة ، فالأقرب المنع من الصلاة فيه ، لعموم المنع. وفي رواية عن العسكري عليه‌السلام وقد سئل عن تكة من وبر الأرانب : إذا كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه (٢).

وتجوز الصلاة في الخز الخالص غير المغشوش بوبر الأرانب والثعالب إجماعا ، لأن الرضا عليه سئل عن الصلاة في الخز قال : صل فيه (٣). وكسى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا عمامة خز. ولبس الحسن عليه‌السلام (٤) ومحمد بن الحنفية الخز. وهو دابة بحرية ذات أربع تصاد من الماء ، فإذا فقدته ماتت.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٣٣٣ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٧٢ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٦١ ح ٥.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٦٥ ح ١٢.

٣٧٤

ولا فرق بين كونه ميتا أو مذكى ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن الله أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها (١).

والأقرب جواز الصلاة في جلده ، لأن الرضا عليه‌السلام سئل عن جلود الخز قال : هو ذا نلبس ، قلت : ذاك الوبر جعلت فداك قال : إذا حل وبره حل جلده (٢). ولا تجوز الصلاة في المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ، لقول الصادق عليه‌السلام : أما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه (٣).

ولو مزج بالحرير المحض صحت الصلاة فيه ، لأن الباقر عليه‌السلام نهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن (٤).

أما السنجاب فالأقوى فيه المنع ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن كل شي‌ء حرام أكله ، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة (٥).

وقيل : بالجواز لقول الرضا عليه‌السلام وقد سئل عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب؟ لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب ، فإنه دابة لا تأكل اللحم (٦) ، فإن سوغناه شرطنا التذكية.

أما الفنك والسمور فالأشبه فيهما المنع ، للعموم ، وفي رواية عن الهادي عليه‌السلام جواز الصلاة في الفنك لا السمور (٧).

وأما الحرير المحض فإنه يحرم لبسه للرجال بالإجماع ، ولا تصح الصلاة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٦١ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٦٦ ح ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٦٢ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٧١ ح ٥.

(٥) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٥٠ ح ١.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٥٢ ح ٢.

(٧) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٥٤.

٣٧٥

فيه ، لدلالة النهي على الفساد ، وقد قال عليه‌السلام : حرم لباس الحرير على ذكور أمتي وأحل لأناثهم (١). وسئل العسكري هل يصلي في قلنسوة حرير أو ديباج؟ فكتب : لا تحل الصلاة في الحرير المحض (٢). ولا فرق بين كونه ساترا للعورة أو لا.

ويجوز حال الضرورة ، كالبرد الشديد إذا اضطر إلى لبسه ولا يعيد. وكذا يجوز حالة الحرب ، لمنفعة تقوية القلب ، ولقول الصادق عليه‌السلام : أما في الحرب فلا بأس (٣). ولأن علة المنع الخيلاء ، وهي مطلوبة في الحرب. وكذا يجوز لبسه للقمل والمريض المنتفع به وصاحب الحكة للحاجة ، لأن الزبير وعبد الرحمن بن عوف (٤) شكوا القمل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأباح لهما لبسه (٥).

وهل يجوز لبس التكة والقلنسوة وشبههما من الحرير المحض؟ إشكال ، ينشأ : من اختلاف الرواية (٦).

ولا بأس بافتراش الحرير والوقوف عليه والنوم ، للأصل السالم عن معارضة اللبس ، ولقول الصادق عليه‌السلام : يفرشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه (٧).

ولو كان الحرير ممتزجا بغيره كقطن أو كتان ، صحت الصلاة فيه ، لقول ابن عباس : إنما نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الثوب المصمت من الحرير ، وأما المعلم وسدى الثوب فليس به بأس (٨). وقال الصادق عليه‌السلام : لا بأس بالثوب أن يكون سداه وعلمه وزره حرير وإنما كره الحرير المبهم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٧٦.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٦٧ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٧٠ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٧٠ ح ٤.

(٥) صحيح مسلم ٣ ـ ١٦٤٦.

(٦) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٦٧ ح ٢.

(٧) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٧٤ ح ١.

(٨) جامع الأصول ١١ ـ ٢٨٩.

٣٧٦

للرجال (١). ولا فرق حينئذ بين أن يكون السدى من الإبريسم واللحمة من غيره ، أو بالعكس. ولا بين أن يكون أحدهما أكثر أو يتساويا ما لم يخرج إلى اسم الحرير ، فيحرم.

أما المكفوف بالإبريسم المحض ، فيصح الصلاة فيه ، بأن يجعل الإبريسم في رءوس الأكمام والذيل وحول الزيق ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (٢).

ولو خيط الحرير بكتان أو قطن لم يزل التحريم عنه. وكذا لو جعل بطانة الثوب أو ظاهره ، أو حشى به غيره.

ولا يحرم على الصبي لبسه ، ولا على الولي تمسكه من لبسه ، لعدم التكليف في حقه.

والثوب المموه بالذهب ، أو الخاتم المموه به ، يحرم على الرجال لبسهما والصلاة فيهما. ويجوز للنساء لبسهما والصلاة فيهما. والخنثى المشكل ملحق بالرجال.

البحث الثاني

( في شرائطه )

وهي ثلاثة : الأول الملك. الثاني الطهارة. الثالث الإخفاء.

النظر الأول

( الملك )

ولا يشترط حقيقته ، بل جواز التصرف فيه ، إما بملك الرقبة ، أو المنفعة بالإجارة ، أو العارية ، أو الإذن والإباحة ، إما صريحا ، أو فحوى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٧٢ ح ٦.

(٢) صحيح مسلم ٣ ـ ١٦٤٣ ، جامع الأصول ١١ ـ ٢٩٠.

٣٧٧

فلا تصح الصلاة في الثوب المغصوب مع علم الغصبية عند علمائنا أجمع ، لأنه ممنوع من التصرف فيه. واللبس في الصلاة أحد أنواعه ، فيندرج تحت النهي ، فلا يكون مأمورا به.

ولا فرق بين أن يكون هو الساتر أو غيره ، بل لو كان معه خاتم أو درهم أو غيرهما مغصوب وصلى مستصحبا له ، بطلت صلاته. وكذا لو كان غاصبا لشي‌ء غير مستصحب له ، لكن هنا لو صلى آخر الوقت صحت صلاته ، بخلاف المصاحب على إشكال. ولا فرق بين أن يكون لابسا له ، أو قائما عليه ، أو على بعضه ، أو ساجدا.

ولو كان جاهلا بالغصب لم تبطل صلاته ، لارتفاع النهي عنه ، وحصول الامتثال منه. ولو علم الغصب وجهل الحكم لم يعذر. ولو جهل كون التصرف المخصوص غصبا ، فالأولى إلحاقه بجاهل الحكم ، ويحتمل الغصب.

ولو نسي الغصب فالأقوى الإعادة ، لتفريطه بالنسيان.

ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره صحت صلاته. ولو أطلق الإذن جاز لغير الغاصب ، عملا بظاهر الحال. ولا فرق بين الغاصب وغيره في المنع.

ولو اشترى الثوب فاسدا ، أو استأجره كذلك ، فالأقوى صحة الصلاة فيه ، مع الجهل بالفساد أو الحكم. أما العالم بهما فالوجه البطلان إن لم يعلم المالك بالفساد. ويحتمل الصحة عملا بالإذن.

النظر الثاني

( الطهارة )

النجاسة قسمان : الأول التي لا تقع في مظنة العفو والعذر. الثاني التي تقع فيها.

أما الأول : فيجب الاحتراز عنه في ثلاثة أشياء : الثوب ، والبدن ، والمكان ، لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (١) وقوله عليه‌السلام : حتيه ، ثم‌

__________________

(١) سورة المدثر : ٤.

٣٧٨

اقرصيه ، ثم اغسليه بالماء ، ثم صلي فيه (١). وقول الصادق عليه‌السلام : إن أصاب ثوب الرجل الدم وعلم قبل أن يصلي فيه ونسي وصلى فيه فعليه الإعادة (٢).

ثم إن عرف الموضع من الثوب وجب غسله. ولو قطع موضع النجاسة حصل الغرض ، ويجب ذلك لو تعذر الغسل ، وأمكن ستر العورة بالظاهر ، سواء نقص من قيمته بالقطع أكثر من أجرة مثل الثوب لو استأجر أو لا ، ما لم يتضرر به ، فيصلي فيه ، أو ينزعه على التفصيل.

ولو جهل موضعها ، فإن جوزه في كل جزء منه ، وجب غسل الجميع ، تحصيلا ليقين البراءة ، وكذلك في البدن.

ولا يجوز التحري بغسل البعض. ولو قصر الماء عن غسل الجميع ، احتمل وجوب التحري في غسل (١) البعض ، ثم لا يطهر بذلك إلا ما غسله ، وتكون الفائدة تقليل النجاسة لو اضطر إلى الصلاة فيه ، أو تجويز ما يزيل الباقي خاصة.

أما لو فضل الماء فإن التحري لا يجوز وإن أفاد الشك في نجاسة الباقي ، لأن حصول النجاسة في هذا الثوب متيقن ، واليقين لا يرفع بالشك ، وكذا لو شقه بنصفين لم يجز التحري.

ولو أصاب شي‌ء رطب طرفا من هذا الثوب ، ففي الحكم بنجاسته إشكال ، ينشأ : من عدم يقين نجاسة موضع الإصابة. ومن إجراء المشتبه مجرى النجس.

ولو نجس الثوب بأجمعه ، فغسل أحد نصفيه طهر ، فإن غسل النصف الثاني ، فالأقرب أنه إن غسل مع النصف الثاني ما يحاوره من الأول طهر الكل ، وإلا طهر الطرفان وبقي المنتصف نجسا.

__________________

(١) صحيح مسلم ١ ـ ٢٤٠ باب نجاسة الدم وكيفية غسله.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٦٠ ح ٧.

(٣) في « ق » بغسل.

٣٧٩

ولو نجس أحد الكمين وجب غسلهما ولم يجز التحري. ولو نجس أحد الثوبين فكذلك. ولا يجوز له أن يصلي في أحدهما بالاجتهاد ، نعم يصلي في كل واحد منهما الصلاة الواحدة على الأقوى ، لقول الكاظم عليه‌السلام : يصلي فيهما جميعا (١). لحصول يقين البراءة وأداء العبادة على وجهها.

ولو زاد على الثوبين وجب أن يزيد صلاة على الصلوات المتساوية لعدد النجس ، ولو ضاق الوقت أو عجز عن التعدد صلى عاريا. ويحتمل قويا الاجتهاد ، فيصلي فيما يظنه طاهرا ولا يعيد ، لأن فوات السترة متيقن وفوات الطهارة مشكوك. وكذا لو لم يؤد اجتهاده إلى طهارة أحدهما ، تخير في الصلاة فيهما ، ولا يجوز له جمعهما في صلاة واحدة إلا مع الضرورة.

ولو فقد أحد الثوبين احتمل الصلاة عاريا ، وتعدد الصلاة عاريا ولابسا. ولو ضاق الوقت أو عجز فالوجهان.

فروع :

الأول : لو وجد المتيقن طهارته مع الثوبين المشتبهين ، صلى في المتيقن. وهل له أن يصلي متعددا في الثوبين؟ الأولى المنع ، لأن المتعدد إنما شرع لتحصيل المأمور به على وجهه.

الثاني : لو جهل عدد النجس ، صلى فيما يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر. فإن ضاق الوقت أو عجز فالوجه التحري ، دفعا للمشقة ومصيرا إلى الراجح. ولو ضاق الوقت عن الجميع ، صلى متعددا إلى أن يضيق الوقت عن ركعة.

الثالث : لو كان عليه عمامة فأرسل طرفها النجس ، بحيث لا يكون حاملا له ، صحت صلاته وإن تحرك بحركته ، إذ الملبوس طاهر. أما لو ارتفع شي‌ء من الملبوس بقيامه ، فإنه لا يجوز ، لأنه حامل نجاسة.

ولو ألقى طرف عمامته ، أو شيئا من ثوبه على أرض نجسة أو غير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٨٢ ج ١ ب ٦٤.

٣٨٠