نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولو استيقظ البالغ أو من قاربه ، فرأى المني على بدنه أو ثوبه ، وجب الغسل وإن لم ير في النوم شيئا ، لوجود السبب وهو خروج الماء ، ولقوله عليه‌السلام في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما يغتسل (١).

ولو رآه من له أقل من مقارب البلوغ بحيث لا يحتمل أنه منه غالبا ، يعمل على أنه من غيره ، عملا بالظاهر.

ولو استيقظ فرأى مذيا ، لم يجب به الغسل ، لأنه لا يوجبه لو خرج منه مستيقظا.

ولو وجد بللا لا يتحقق أنه مني ، لم يجب عليه شي‌ء ، لحصول يقين الطهارة فلا يزول بشك الحدث.

ومن وجد على جسده أو ثوبه المختص به منيا ، وجب عليه الغسل ، عملا بالظاهر وهو الاستناد إليه. ويعيد الصلاة من آخر نومه ، إلا أن تدل إمارة على القبلية ، فيعيد من أدنى نومة يحتمل إضافته إليها ، لأن الصلاة قبل ذلك وقعت (٢) مشروعة ، فلا تبطل بالتجويز المتجدد.

ولو شاركه غيره في الثوب فلا غسل على واحد منهما ، لأن كل واحد منهما متيقن للطهارة وشاك في الحدث. نعم يستحب الغسل لهما احتياطا. وهل لواحد منهما الايتمام بصاحبه؟ الوجه ذلك ، لسقوط حكم هذه الجنابة في نظر الشارع ، إذ لكل منهما الدخول إلى المساجد وقراءة العزائم ، مع احتمال إعادة صلاة المأموم لو فعلاه.

المطلب الثاني

( في حكم الجنابة )

كل ما يحرم بالحدث الأصغر يحرم بالجنابة بطريق الأولى ، لأنها أغلظ. وهنا لا خلاف في تحريم مس كتابة القرآن ، أو شي‌ء عليه اسم الله تعالى ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٨٠.

(٢) في « ق » وجبت.

١٠١

لقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (١) وقول الصادق عليه‌السلام : لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله (٢). وللتعظيم وإن وقع في المحدث. ويزيد هنا أمور :

الأول : قراءة كل واحدة من العزائم ، وهي أربع : سورة سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك. وكذا يحرم كل آية منها حتى البسملة لو نواها منها ، بل لفظة « بسم ».

ولا يحرم غير العزائم عند علمائنا أجمع ، سواء قرأ آية كاملة أو بعضها ، وسواء قرأ أكثر من آية أو لا ، وسواء كانت الآيات كثيرة أو قليلة ، لعموم « فَاقْرَؤُا » (٣) ولقول الباقر عليه‌السلام : لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن (٤). وسئل الصادق عليه‌السلام عن الجنب والحائض والمتغوط؟ فقال : يقرءون القرآن ما شاءوا (٥).

نعم يكره ما زاد على سبع آيات ، لقوله عليه‌السلام في الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال : ما بينه وبين سبع آيات (٦). وفي رواية : سبعين آية (٧). ولا يحرم الزائد على السبعين على الأصح ، لعموم الإذن. ولو قرأ السبع أو السبعين ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، على قصد إقامة سنة الركوب ، لم يكن مكروها ، لأنه إذا لم يقصد القرآن لم يكن فيه إخلال بالتعظيم. وكذا لو جرى على لسانه آيات من العزائم لا بقصد القرآن لم يكن محرما.

ولا تزول التحريم لو قصد بقراءة العزيمة التعليم ، أو خاف من النسيان.

__________________

(١) سورة الواقعة : ٧٩.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٢ ح ١.

(٣) سورة المزمل : ٢٠.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٤ ح ٥.

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٤ ح ٦.

(٦) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٤ ح ٩.

(٧) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٤ ح ١٠.

١٠٢

الثاني : اللبث في المساجد ، لقوله تعالى ( وَلا جُنُباً ) (١) ولا بأس بالجواز فيه ، لقوله تعالى ( إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ ) (٢) والفرق أن العبور لا قربة فيه ، وفي اللبث قربة كالاعتكاف وغيره ، فمنع منه الجنب.

نعم يحرم العبور في المسجد الحرام بمكة ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، لتميزهما عن غيرهما ، ولقوله عليه‌السلام : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب (٣).

ولو أجنب في أحدهما لم يقطعه إلا بالتيمم ، لأن الجواز مع الجنابة حرام وقد تعذر الغسل ، فأقيم بدله مقامه كالصلاة. ويجب قصد أقرب الأبواب إليه ، لانتفاء الضرورة به على إشكال.

ولو اضطر إلى اللبث فيهما ، أو في غيرهما من المساجد ، إما لإغلاق الباب ، أو لخوف العسعس أو غيره ، أو خاف على النفس أو المال ، تيمم حينئذ تطهيرا ، أو تخفيفا للحدث بقدر الإمكان. وهل يجب عليه التيمم بغير تراب المسجد لو وجده؟ إشكال.

والعبور وإن لم يكن حراما لكنه مكروه إلا لغرض ، كما لو كان أقرب الطرق إلى مقصده. ولا فرق في الجواز بين أن يكون له سبيل إلى مقصده أو لا يكون.

وليس له التردد في جوانب المسجد ، لأن التردد في غير جهة الخروج كالمكث. ولا يباح له المكث بالوضوء ، ولا الخروج من المسجدين.

الثالث : لا يجوز وضع شي‌ء في المساجد على الأصح. ويجوز له أخذ ما له فيها ، لقول الصادق عليه‌السلام : ولكن لا يضعان في المسجد شيئا (٤). يعني الجنب والحائض.

__________________

(١) سورة النساء : ٤٣.

(٢) سورة النساء : ٤٣.

(٣) جامع الأصول ١١ ـ ٤٧١.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩١ ح ١ ب ١٧.

١٠٣

الرابع : يكره له مس المصحف وحمله ، ولا بأس بحمله بعلاقة. ومس كتابة التوراة والإنجيل والمنسوخ تلاوته وإن بقي حكمه ، ويحرم العكس. وذكر الله تعالى ، لقول الصادق عليه‌السلام : ويذكر الله عز وجل ما شاء (١). ولأنه سائغ حال الجماع.

الخامس : يكره له النوم قبل الوضوء ، لأنه عليه‌السلام سئل أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال : نعم إذا توضأ (٢). ولأن النوم يستحب على طهارة وإن كانت ناقصة ، كالتيمم مع وجود الماء ، فكذا يكفي الوضوء عن الغسل ، والغسل أفضل لقول الصادق عليه‌السلام : إن الله يتوفى الأنفس في منامها ، ولا يدري ما يطرقه من البلية إذا فرغ ، فليغتسل (٣).

السادس : يكره له الأكل والشرب قبل المضمضة والاستنشاق أو الوضوء ، لأنه عليه‌السلام كان إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام وهو جنب توضأ (٤). وقول الباقر عليه‌السلام : الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يديه وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب (٥).

وقال ابن بابويه : إن أكل أو شرب قبل ذلك خيف عليه البرص (٦).

وروي أن الأكل على الجنابة من غير اغتسال يورث الفقر (٧).

السابع : يكره للمحتلم الجماع قبل الغسل ، ولا بأس بتكرر الجماع من غير اغتسال ، لأنه عليه‌السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد (٨).

الثامن : يكره الخضاب ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا يختضب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٣ ح ١.

(٢) جامع الأصول ٨ ـ ١٩٠.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٠١ ح ٤.

(٤) جامع الأصول ٨ ـ ١٨٨.

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٥ ح ١.

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ ـ ٤٦.

(٧) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٦ ح ٦.

(٨) جامع الأصول ٨ ـ ١٨٠.

١٠٤

الرجل وهو جنب (١). والمراد الكراهة ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس أن يختضب (٢).

وكذا يكره أن يجنب وهو مختضب إلا إذا أخذ الحناء مبلغه.

وكذا يكره الادهان ، لقول الصادق عليه‌السلام : سئل الجنب يدهن ثم يغتسل؟ قال : لا (٣). ولأنه يمنع من التصاق أجزاء الماء بالبدن.

وكره الصادق عليه‌السلام الجنابة حين تصفر الشمس. وهي حين تبدو أصفرا.

المطلب الثالث

( في كيفية الغسل )

وفيه بحثان :

البحث الأول

( في واجباته )

وهي خمسة :

الأول : النية ، للآية (٤) ، ولتحصيل الامتياز المنوط بها.

وكيفيتها : القصد إلى الفعل على وجه القربة ، للأمر بالإخلاص لوجوبه ، تحصيلا للامتثال مطلقا إن قلنا إنه واجب لنفسه ، لقوله عليه‌السلام : إذا التقى الختانان (٥). ومقيدا بالموجب إن قلنا إنه لغيره للآية ، أو لندبه إن خلا عنه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٧ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٧ ح ٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٩٦ ح ١ ب ٢١.

(٤) وهي قوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ).

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٦٩ ح ٢ ، تتمة الحديث : فقد وجب الغسل.

١٠٥

ويكفي بقصد كل من رفع حدث الجنابة ، ومن استباحة العبادة المشروطة بهما عن صاحبه ، لزوال المانع به.

ويتضيق وقتها عند أول الغسل المفروض ، فلا يجوز تأخيرها عنه ، لئلا يخلو بعض الفعل عنها.

ولو فعلها مقارنة لأول الغسل ، جاز ، لكن لا يثاب على ما قبله من السنن.

ويستحب تقديمها عند غسل الكفين ، ولا يضر غروبها بعده قبل الشروع في المفروض ما دام في الفعل.

ولو نوى رفع الحدث عن جميع البدن ، صح. ولو نوى رفع الحدث مطلقا ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها ، فالأقوى الصحة ، لأن الحدث هو المانع عن الصلاة وغيرها على أي وجه فرض. ولو نوى رفع الحدث الأصغر ، لم يصح.

ولا يرتفع حدث الجنابة عن أعضاء الوضوء ولا غيرها ، سواء تعمد أو غلط ، بظن أن حدثه الأصغر ، لأنه لم ينو رفع الجنابة ولا ما يتضمنه ، فلا يرتفع ، لقوله عليه‌السلام « وإنما لامرئ ما نوى » (١).

ولو نوى المغتسل استباحة فعل فإن توقف على الغسل ، كالصلاة والطواف وقراءة العزائم ، صح. وإن لم يتوقف ، فإن لم يستحب له الغسل ، لم يصح بنيته استباحته ، وإلا فالأقوى الصحة ، لأنه نوى ما يتوقف عليه ، وهو الأفضلية.

ولو نوت الحائض استباحة الوطي وقلنا باشتراطه فيه ، احتمل الصحة لتوقفه عليه. وعدمها ، إذ غسلها بهذه النية لا يستبيح به الذمية الصلاة (٢).

ولو نوى الغسل المفروض أو فريضة الغسل ، فالوجه الصحة لتميزه حينئذ.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٤ ح ٧.

(٢) في « ق » لصلاة.

١٠٦

الثاني : استدامة النية إلى آخر الغسل ، ليتحد الفعل حكما لا فعلا للحرج. فلو أتي في الأثناء بنية مخالفه لم يصح غسله. ولو لم يوال وجب تجديد نية عند كل فعل تأخر بما يعتد به ليتميز عن غيره.

الثالث : استيعاب البدن والرأس بالغسل ، لقوله عليه‌السلام : تحت كل شعرة جنابة ، فبلوا الشعر وانقوا البشرة (١). وقال الصادق عليه‌السلام : من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار (٢). والتوعد دليل على التحريم.

ولا يجب غسل البواطن ، كباطن الفم والأنف والأذن وما وراء ملتقى الشفرين وإن كان باديا عند القعود ، على إشكال للحرج ، بل الظواهر كصماخي الأذنين وما يبدو من الشقوق وما تحت الغلفة في الأغلف وما ظهر من أنف المجذوع.

ويجب إيصال الماء إلى منابت الشعور خفت أو كثفت للخبر (٣) ، بخلاف الوضوء المتكرر ، فعظم المشقة فيه أكثر.

ويجب تخليل ما لا يصل الماء إلا به ، كالخاتم والسبر الضيقين ، وتخليل الضفائر إن كان لا يصل إلى أصلها إلا بالنفض ، إما لإحكام الشد أو التلبد أو لغيرهما. ولو وصل الماء إلى أصول الشعر بدون النفض ، لم يجب ، لحصول الغرض.

ويستحب تخليل ما يصل إلى ما تحته بدونه للاستظهار. ولا يجب غسل باطن الشعر ولا ظاهره ، للخروج عن العهدة مع جره.

والواجب أقل ما يسمى غسلا للامتثال به ، والدهن يجزئ إن صدق عليه اسمه بأن يحصل الجريان معه.

الرابع : الترتيب ، بأن يبدأ بغسل رأسه ، ثم جانبه الأيمن ، ثم‌

__________________

(١) جامع الأصول ٨ ـ ١٦٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٢٢ ح ٧.

(٣) المتقدم آنفا.

١٠٧

الأيسر ، لقول ميمونة : إنه عليه‌السلام أفاض على رأسه ، ثم على جسده (١). و « ثم » مرتبة. والترتيب في الرأس والجسد يستلزمه في الجانبين لعدم الفاصل ، ولقول الصادق عليه‌السلام : من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل (٢). ولو لم يجب الترتيب ، لم يجب الإعادة.

ويسقط عن المرتمس في الماء دفعة ، والواقف تحت الميزاب والمطر والمجرى على الأقوى ، للأصل ، ولقول الصادق عليه‌السلام : ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه (٣).

ولو أخل بالترتيب مع وجوبه ، وجب عليه إعادة ما أخل به وما بعده ، ليحصل الترتيب.

ولو وجد المرتب لمعة في جسده لم يصبها الماء ، غسلها إن كانت في الأيسر ، لجواز النكس هنا ، ولو كانت في الأيمن غسلها والأيسر معا ، لأن الصادق عليه‌السلام مسح التي أخبر بها بيده (٤) ، ولا يجب أن يغسلها بماء جديد ، بل لو حصل مسمى الغسل بما في يديه من الرطوبة به أجزأه ، لعدم خروج الماء عندنا عن الطهورية.

ولو كان مرتمسا احتمل الإجزاء بغسلها ، لسقوط الترتيب عنه ، وغسلها وغسل ما بعدها ، لمساواة الترتيب. والإعادة لعدم صدق الوحدة.

البحث الثاني

( في سننه )

وهي تسعة :

الأول : تقديم النية عند غسل اليدين ، ليحصل الثواب على السنن.

__________________

(١) جامع الأصول ٨ ـ ١٧٤.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٠٦ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٠٣ ح ٥.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٢٤ ح ١.

١٠٨

الثاني : الاستبراء بالبول للرجل المنزل ، لاشتماله على استخراج بقايا المني ، فإن لم يتأت البول مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ، ومنه إلى رأسه ثلاثا ، ونتره ثلاثا. وليس واجبا على الأصح ، لقوله ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (١).

الثالث : المضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا ، وقد تقدما ، وليسا واجبين عندنا ، للأصل.

الرابع : البدأة بغسل ما على جسده من الأذى والنجاسة ، ليصادف ماء الغسل محلا طاهرا ، فيرفع الحدث.

ولو زالت النجاسة به ، طهر المحل قطعا ، والأقرب حصول رفع الحدث أيضا إن كان في ماء كثير.

ولو أجرى الماء القليل عليه ، فإن كان في آخر العضو فكذلك ، وإلا فالوجه عدمه ، لانفعاله بالنجاسة.

الخامس : تعهد المواضع المشتملة على انعطاف والتواء ، كالأذنين ، وغصون البطن في السمين ، وما تحت الخاتم الواسع ، والسوار ، والدملج ، والسبر وأشباهها ، ومنابت الشعر ، فيخلل أصوله ، كل ذلك قبل إفاضة الماء على الرأس ، ليكون أبعد عن الإسراف ، وأقرب إلى ظن وصول الماء ، هذا مع ظن وصول الماء بدونه.

ولو لم يظن ، وجب تعهد ذلك في أثناء الغسل ، تحصيلا لامتثال الأمر بالغسل. وإن أجرى الماء تحت قدمه أجزأه ، وإلا وجب غسله.

السادس : غسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاثا ، كما في الوضوء بل أولى ، لأن الوضوء مبني على التخفيف.

وهل يستحب لو لم يدخل يده في الماء كالمرتمس والواقف تحت المطر‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤٣.

١٠٩

والمغتسل من إناء يصبه عليه من غير إدخال؟ الأقرب ذلك ، لأنه من سنن الغسل ، لقول أحدهما في غسل الجنابة : تبدأ بكفيك (١). فحينئذ إن كان ينغمس في الماء ، انغمس ثلاث مرات.

ولا يستحب تجديد الغسل ، اقتصارا بالترغيب في التجديد على مورده وهو الوضوء ، وليس الغسل في معناه ، لأن موجب الوضوء أغلب وقوعا ، واحتمال عدم الشعور به أقرب ، فيكون الاحتياط فيه أهم.

السابع : إمرار اليد على الجسد ، ودلك ما يصل (٢) إليه اليدين من البدن ، لأنه أبلغ في تحصيل حقيقة الاغتسال ، وليس واجبا للأصل.

ولقوله عليه‌السلام : إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء ، فتطهرين (٣). رتب الطهارة على الإفاضة. ولم يتعرض لذلك.

وقول الباقر عليه‌السلام : ولو أن جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك ، وإن لم يدلك جسده (٤) ، ولعدم وجوبه في إزالة النجاسة الحقيقية ، فالوهمية أولى.

الثامن : الواجب الغسل بما يحصل به مسماه ، ولا يتقدر ماؤه وجوبا ، فقد يخرق بالكثير فلا يكفي ويرفق بالقليل فيكفي ، نعم يستحب ألا ينقص عن صاع اتباعا لفعله عليه‌السلام.

وليس واجبا لامتثال قوله ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٥) مع الأقل ، وقد كان عليه‌السلام يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته يغتسلان جميعا من إناء واحد (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٠٢ ح ١.

(٢) في « ق » ما وصل.

(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ١٩٦ الرقم ٦٠٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٠٣ ح ٥.

(٥) سورة النساء : ٤٣.

(٦) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥١٢ ح ١.

١١٠

والصاع عندنا أربعة أمداد ، والمد رطلان وربع بالعراقي للرواية ، وفي رواية : الصاع خمسة أمداد ، والمد وزن مائتين وثمانين درهما ، والدرهم ستة دوانيق ، والدانق ست حبات ، والحبة وزن حبتي من شعير من أوسط الحب لا من صغاره ولا من كباره (١). وهذا الصاع كاف للاستنجاء وغسل الكف للرواية (٢).

التاسع : الدعاء قال الصادق عليه‌السلام : إذا اغتسلت من جنابة فقل : اللهم طهر قلبي ، وتقبل سعيي ، واجعل ما عندك خيرا لي ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين (٣).

المطلب الرابع

( في اللواحق )

الأول : لا موالاة هنا واجبة عند علمائنا أجمع ، لأصالة البراءة ، وحصول امتثال الأمر بالطهارة بدونها ، ولأن عليا عليه‌السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة وسائر جسده عند الصلاة (٤). وإذا فرق افتقر في كل فعل إلى نية ، ليتميز عن غيره ، والموالاة أحب إلي لما فيها من المسارعة إلى فعل الطاعة وتكميل الطهارة.

الثاني : هذا الغسل كاف عن الوضوء عند علمائنا أجمع ، سواء أحدث أصغر أو لا ، لقوله تعالى ( فَاطَّهَّرُوا ) (٥) أجمع المفسرون على أن معناه « فاغتسلوا » ولقول عائشة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتوضأ بعد‌

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ ـ ١٣٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥١١ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٢٠ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٠٩ ح ٣.

(٥) سورة المائدة : ٦.

١١١

الغسل من الجنابة (١). وقول الصادق عليه‌السلام : كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة (٢). ولأصالة البراءة.

فإن توضأ معتقدا عدم إجزاء الغسل أبدع ، لقول الصادق عليه‌السلام : الوضوء بعد الغسل بدعة (٣). ولا يستحب على الأصح ، لأن الاستحباب حكم شرعي فيقف عليه.

والأصح افتقار غيره من الأغسال إليه ، لعموم ( إِذا قُمْتُمْ ) (٤) وإن لم يوجد موجبه. فلو لمس المتطهر ميتا أو تنفست وهي متطهرة ، وجب الوضوء.

الثالث : لو اجتمعت أغسال واجبة ، فإن اتفقت حكما كفى نية مطلقة لرفع الحدث ، أو الاستباحة ، ونية أيها كان ، لتداخلها كالموجب للصغرى.

وإن اختلفت كالجنابة والحيض ، فإن نوى رفع الحدث مطلقا أو الاستباحة أجزأه ، لقوله عليه‌السلام : وإنما لامرئ ما نوى (٥).

وإن نوى الأكمل كالجنابة لارتفاع باقي الأحداث بارتفاعها ، أجزأ عن الحيض ، لقول أحدهما عليهما‌السلام : فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد (٦).

وإن نوى الأدون كالحيض ، فالأقوى عدم ارتفاع الجنابة ، فإن رفع الأدون لا يستلزم رفع الأعلى ، فإن اقترنت بالوضوء احتمل رفعها ، لوجود مساوي الغسل للأدون في الدخول في الصلاة معهما. وعدمه ، فإن الوضوء لا تأثير له في رفع حدث الجنابة ولا غسل الحيض لقصوره. ويحتمل قوة حدث الحيض ، لافتقاره في رفعه إلى طهارتين واستغناء الجنابة عن إحداهما.

ولو نوى الاغتسال مطلقا ، احتمل رفع الأدنى وعدمه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥١٥.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥١٦ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥١٥ ح ١٠.

(٤) سورة المائدة : ٦.

(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٤ ح ٧.

(٦) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٦٣ ب ٣١.

١١٢

ولو اجتمعت الأغسال المندوبة ، احتمل التداخل ، لقول أحدهما عليهما‌السلام : فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد (١). فحينئذ يكتفي بنية مطلقة.

ولو نوى غسلا معينا ، لم يدخل غيره لعدم شرطه.

ولو نوى بالواحد للجميع ، فالوجه الإجزاء.

ولو اجتمعت أغسال واجبة ومندوبة كالجنابة والجمعة ، فإن نوى مطلق الغسل على وجه الوجوب انصرف إلى الواجب ، وإن نوى المطلق ولم يقيد بوجه الوجوب ، فإن شرطنا في الندب نيته لم يقع عن أحدهما.

وإن نوى الجنابة ارتفعت ، وهل يجزي عن الجمعة؟ قال الشيخ : نعم (٢) ، لقول أحدهما عليهما‌السلام : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأ غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والذبح والزيارة (٣).

والوجه المنع ، لقوله عليه‌السلام : وإنما لامرئ ما نوى (٤).

ولو نوى غسل الجمعة دون الجنابة ، فالأصح الجواز ، ولا ترتفع الجنابة ، إذ لا يشترط في مندوب الغسل الخلو من الحدث الأكبر ، لأن (١) الحائض يغتسل للإحرام.

الرابع : لو شك في شي‌ء من أفعال الغسل ، فإن كان على حاله لم ينتقل ، بنى على عدمه وفعله وما بعده ، وإن كان قد انتقل فإن كان مرتمسا أو معتادا للموالاة ، فالأقرب إلحاقه بالوضوء ، لاشتراكهما في ظن الكمال قبل الانتقال ، وإن لم يكن كذلك وجب إلحاقه بالأول ، لأصالة العدم ، مع انتفاء ظن معارضه.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) المبسوط ١ ـ ٤٠.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٥٢٦ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٤ ح ٧.

(٥) في « ر » لأمر الحائض بغسل الإحرام.

١١٣

الخامس : لو خرج من المنزل بلل بعد الاغتسال ، فإن علمه منيا أعاد الغسل ، لحصول الموجب ، لا ما فعله متخللا بينه وبين الخروج ، لوقوعه على وجهه. ولا فرق في الحكمين بين الاستبراء أو لا.

ولو علم أنه ليس بمني ولا من بقاياه ، ألحقه بما علمه ، سواء استبرأ أو لا.

ولو اشتبه بين المني وغيره ، فإن كان قد بال واستبرأ من البول لم يلتفت ، لأن البول أزال أجزاء المني المتوهمة ، والاستبراء أزال أجزاء البول المتوهمة. وإن كان قد بال ولم يستبرأ من البول ، ألحقه بالبول كغيره. ولو لم يكن قد بال أعاد الغسل ، بناء على الغالب من بقاء أجزاء المني في المجرى. ولا استبراء على المرأة ، ولا المجامع إذا لم ينزل.

فإن رأى بللا بعد الغسل وعلم أنه مني ، وجب عليه الإعادة ، لقيام الموجب ، ولا يعيد العبادة المتخللة بين الغسل والوجدان. ولو لم يعلم أنه مني ، لم يجب عليه الإعادة ، لأنا حكمنا في المنزل بأن المشتبه مني ، بناء على الغالب من تخلف الأجزاء بعد الإنزال.

ولو رأت المرأة بللا فلا إعادة ، لأن الظاهر أنه من بقايا مني الرجل.

ولو اجتهد المنزل فلم يتأت ، ففي إلحاقه بحدث البول إشكال ، فإن ألحقناه به كفى الاجتزاء في إسقاط الغسل لو رأى البلل المشتبه بعد الإنزال مع الاجتهاد ، وإلا فلا.

ولو أحدث حدثا أصغر في أثناء الغسل ، فالأقوى الاستيناف ، لأنه لو تعقب كماله أبطل حكم الاستباحة ، ففي أبعاضه أولى ، فلا بد من تجديد طهارة لها ، وهو الآن جنب ، إذ لا يرتفع إلا بكمال الغسل ، فيسقط اعتبار الوضوء ، وكذا لو أحدث أكبر.

السادس : يجب على الزوج تمكين الزوجة من الانتقال إلى الماء ، أو نقل الماء إليها ، وفي وجوب ثمنه عليه إشكال.

١١٤

الفصل الثاني

( في الحيض )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( في ماهيته )

الحيض لغة : السيل. وشرعا : الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة ، إما بظهوره أو بانقطاعه.

وهو في أصله دم يقذفه الرحم عند بلوغ المرأة ، ثم يصير لها عادة في أوقات متداولة ، لحكمة تربية الولد ، فإذا حملت صرف الله تعالى ذلك الدم إلى تغذيته ، فإذا ولدت أزال الله عنه صورة الدم وكساه صورة اللبن ، فاغتذي الولد به ، ولأجل ذلك قل ما تحيض المرضع والحامل.

وإذا خلت المرأة من حمل أو رضاع ، بقي الدم لا مصرف له ، فيستقر في مكان ، ثم يخرج غالبا في كل شهر ستة أيام أو سبعة ، أو أقل أو أكثر. وقد يطول زمان خفائه ، وقد يقصر بحسب ما ركبه الله تعالى في الطباع ، وقرب المزاج من الحرارة وبعده ، وقد رتب الشارع عليه أحكاما يأتي إن شاء الله تعالى.

وهو في الأغلب أسود حار يخرج بحرقة ، لقوله عليه‌السلام : دم الحيض عبيط أسود محتدم (١). والعبيط الطوي ، والمحتدم الحار.

__________________

(١) راجع المنتهى ١ ـ ٩٥.

١١٥

وألوان الدم ستة : السواد الخالص ، وهو حيض إجماعا ، والبياض الخالص وليس بحيض إجماعا ، والحمرة ، والخضرة ، والصفرة ، والكدرة ، وهي حيض إن صادفت أيامه ، كما أن السواد دم استحاضة إن صادف أيامها.

لقول الصادق عليه‌السلام : كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض (١).

فإذا اشتبه دم الحيض بدم العذرة ، أدخلت المرأة القطنة ، فإن خرجت منغمسة فهو حيض ، وإن خرجت متطوقة فهو لعذرة ، لقول الباقر عليه‌السلام : فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة ، وإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث (٢).

فإن اشتبه بدم القرح ، أدخلت إصبعها ، فإن كان خارجا من الأيسر فهو حيض على الأقوى ، ومن الأيمن دم قرح ، والرواية (٣) بالعكس.

المطلب الثاني

( في وقته ومدته )

لا حيض مع الصغر إجماعا ، لقوله تعالى ( وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) (٤) ولأن حكمة الحيض تغذية الولد ، كما أن حكمة المني خلقه منه ، فمن لا يصلح للحمل لا يوجد منه ، لانتفاء حكمته.

وحد الصغر ما نقص عن تسع سنين ، فإذا أكملت تسعا أمكن الحيض ، ولا يكفي الطعن في التاسعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٤٠ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٣٦ ح ٢.

(٣) وهي رواية أبان عن الصادق عليه‌السلام سأله عن ذلك فأجاب عليه‌السلام إلى أن قال : فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة.

وسائل الشيعة : ٣ ـ ٥٦١ ح ١.

(٤) سورة الطلاق : ٤.

١١٦

والاعتبار بالسنين القمرية ، والأقرب أنه تحقيق لا تقريب مع احتماله ، فإن قلنا به ، فلو كان بين رؤية الدم واستكمال التسع ما لا يسع لحيض وطهر ، يكون ذلك الدم حيضا ، وإلا فلا.

ولا فرق بين البلاد الحارة والباردة في سن الحيض ، ولا حيض أيضا مع بلوغ سن اليأس ، لقوله تعالى ( وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ) (١) وهو بلوغ خمسين في غير القرشية والنبطية ، وفيهما بلوغ ستين سنة ، بناء على الغالب ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش (٢).

وهل يجامع الحمل؟ الأقوى ذلك ، لقول الكاظم عليه‌السلام وقد سئل عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر هل تترك الصلاة؟ قال : تترك الصلاة إذا دام (٣). وقيل : لا يجامع إن كان الحمل متيقنا. وقيل : مطلقا.

ولو انقطع دمها ثم ولدت ، فإن تخلل أقل الطهر بين الانقطاع والولادة ، فالمنقطع حيض ، لأنه دم أمكن أن يكون حيضا ، وإلا فلا لاستحالة قصور الطهر عن أقله ، وكذا لو تقدمت الولادة.

ولمدته طرفا قلة وكثرة ، فالأول ثلاثة أيام والثاني عشرة عند علمائنا أجمع ، فلو رأت أقل من ثلاثة لم يكن حيضا ، ولو رأت أكثر (١) من عشرة فالزائد ليس بحيض ، لقوله عليه‌السلام : أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة (٤). وقول الكاظم عليه‌السلام : أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة (٥).

ولأن الاحتياط للعبادة متعين لتحقق شغل الذمة بها ، وما دون الثلاثة‌

__________________

(١) سورة الطلاق الآية ٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٨٠ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٧٧ ح ٢.

(٤) في « ر » أزيد.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٥٣ ح ١٣.

(٦) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٥٢ ح ١٠.

١١٧

والزائد على العشرة لم يثبت سقوطها فيهما. والأشهر اشتراط التوالي في الثلاثة ، فلو رأتها متفرقة لم يكن حيضا ، وإن كانت في العشرة على الأقوى ، عملا بالاحتياط.

وكل ما تراه بين الثلاثة والعشرة ، فهو حيض ، لأنه دم يمكن أن يكون حيضا فيكون حيضا ، ولقول الباقر عليه‌السلام : إذا رأت المرأة أقل من عشرة فهو من الحيضة الأولى (١).

وأقل الطهر عند علمائنا أجمع عشرة أيام ، ولا حد لأكثره ، ولقول الباقر عليه‌السلام : لا يكون القرء في أقل من عشرة فما زاد (٢). ولقوله عليه‌السلام وقد سئل ما نقصان دينهن فقال : تمكث إحداهن في قعر بيتها شطر دهرها لا تصلي ولا تصوم (٣). وقول الصادق عليه‌السلام : أدنى الطهر عشرة أيام (٤).

وكل دم يمكن أن يكون حيضا ، فهو حيض وإن كان أصفر أو غيره ، فلو رأته ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأت فهما حيضتان. ولو استمر ثلاثة وانقطع ورأته قبل العاشر وانقطع عليها ، فالدمان وما بينهما حيض ، ولو لم ينقطع عليه ، فالحيض الأول خاصة.

المطلب الثالث

( في أحكامه )

يحرم على الحائض كل عبادة مشروطة بالطهارة ، كالصلاة ، والطواف ، ومس كتابة القرآن ، وما عليه اسمه تعالى ، لقوله عليه‌السلام : دعي الصلاة أيام حيضك (٥). وقوله لعائشة لما حاضت وهي محرمة : اصنعي ما يصنع الحاج‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٥٢ ح ١١.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٥٣ ح ١.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ ـ ١٣٢٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٥١ ح ٤.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٥٩ ما يشبه ذلك.

١١٨

غير أن لا تطوفي بالبيت (١). وقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٢).

ويكره حمل المصحف ، ولمس هامشه.

ويحرم قراءة العزائم وأبعاضها لما تقدم ، ويكره ما عداها من غير تحريم.

ولو تلت السجدة أو استمعت ، سجدت ، لعموم الأمر السالم عن معارضة اشتراط الطهارة فيه على الأقوى.

ويحرم اللبث في المساجد ، لقوله عليه‌السلام : لا أحل المسجد لجنب ولا حائض (٣).

ويكره الجواز إن أمنت التلويث ، ولو لم تأمن تلويث المسجد ، إما لأنها لم تستوثق ، أو لغلبة الدم أو غيره ، حرم. وكذا من ضارعها كالمستحاضة ، وصاحب السلس ، والجرح الناضح بالدم ، صونا للمسجد عن التلويث بالنجاسة.

ولا يصح منها الطهارة ، فإن فعلتها لم يرتفع حدثها لوجوده ، ولا يصح صومها لقوله عليه‌السلام : إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم (٤).

وهذا التحريم باق ما دامت ترى الدم ، فإن انقطع ارتفع تحريم الصوم وإن لم تغتسل ، بخلاف الاستمتاع على رأي ، وما يفتقر إلى الطهارة ، لاستمرار التحريم إلى اغتسال ، ويحتمل استمرار تحريم الصوم إلى الاغتسال ، لأن الحيض حدث ينافي الصوم ، وإنما يرتفع بالغسل ، والطلاق والطواف وسقوط قضاء الصلاة عنها بالانقطاع أيضا.

ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة إجماعا ، لعظم المشقة وخفتها ، ولأن أمر الصلاة لم يبن على أن تؤخر ثم تقضي ، بل إما أنه لا تجب أصلا ، أو تجب بحيث لا تؤخر بالأعذار ، والصوم قد يترك لعذر السفر والمرض ثم‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٩٨٨.

(٢) سورة الواقعة : ٧٩.

(٣) جامع الأصول ١١ ـ ٤٧١.

(٤) جامع الأصول ٨ ـ ٢٢٢ ما يدل على ذلك.

١١٩

يقضي ، وكذا يترك بالحيض ثم يقضي ، ووجوب القضاء تابع لوجود سبب الوجوب لا لنفسه ، ولا فرق بين واجب الصلاة والطواف ومندوبهما.

وتترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم وقت عادتها إجماعا ، لأن العادة كالمتيقن ، ولقوله عليه‌السلام : دعي الصلاة أيام أقرائك (١). وإنما يتحقق بالترك في أول الأيام ، وقال الباقر عليه‌السلام : تقعد عن الصلاة أيام الحيض (٢).

أما المبتدئة والمضطربة ، فالأقرب أنها كذلك ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة (٣). وليس المراد ذات العادة ، إذ الاعتبار بعادتها ، ولأنه دم خرج من مخرج الحيض فيكون حيضا غالبا ، ثم إن وجدت شرائط الحيض وإلا قضت ما تركته.

ويحرم الجماع قبلا في الحيض إجماعا ، لقوله تعالى ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٤) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسيره : افعلوا كل شي‌ء إلا الجماع (٥).

والأقرب ارتفاعه بانقطاعه لا بفعل الغسل ، لقوله تعالى ( حَتّى يَطْهُرْنَ ) (٦) بالتخفيف ، أي يخرجن من المحيض ، ولأن الأصل الإباحة ، خرج عنه زمن الحيض ، لقوله تعالى ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) علق المنع به ، فيزول بزواله ، ولأن وجوب الغسل لا يمنع الوطي كالجنابة.

ولقول الباقر عليه‌السلام : إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ، ثم‌

__________________

(١) جامع الأصول ٨ ـ ٢٣٨ ، وسائل الشيعة ٢ ـ ٥٣٨ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٥٥٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٣٧ ح ٢.

(٤) سورة البقرة : ٢٢٢.

(٥) جامع الأصول ٨ ـ ٢١٢.

(٦) سورة البقرة : ٢٢٢.

١٢٠