نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

اللحد. ثم إن قدر على الركوع والسجود ، وجب عليه الإتيان بهما.

ولو عجز أومأ بهما منحنيا ، وقرب جبهته من الأرض بحسب الإمكان ، وجعل السجود أخفض من الركوع. فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه.

الثالث : أن يعجز عن الاضطجاع ، فيصلي مستلقيا على ظهره ، ويجعل رجليه إلى القبلة ، بحيث إذا رفع وسادته قليلا كان وجهه إلى القبلة. ثم إن تمكن من الركوع والسجود وجبا ، وإن عجز أومأ برأسه ، فإن عجز أومأ بأجفانه.

فإذا أراد الركوع غمض عينيه ، وإذا قام فتحهما ، وإذا سجد غمضهما ، فإذا قعد فتحهما ، فإذا أراد السجود ثانيا غمضهما ، فإذا أراد القعود فتحهما ، لقوله عليه‌السلام : فإن لم يستطع صلى مستلقيا على قفاه ورجلاه في القبلة وأومأ بطرفه (١).

وقول الصادق عليه‌السلام : يكبر ثم يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح ، فإذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم سبح ، فإذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ، ثم يتشهد وينصرف (٢). ولا تسقط الصلاة لا مع وجوب القضاء ولا مع عدمه.

ولو عجز عن الإيماء بطرفه أجرى أفعال الصلاة على قلبه ، وحرك لسانه بالقراءة والذكر ، فإن لم يقدر أخطرها بالبال على قصد الفعل. ويسقط بذلك القضاء.

والأعمى ووجع العين يكتفيان بإجراء الأفعال على القلب وإيقاع الأذكار باللسان ، لقوله عليه‌السلام : إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه بما استطعتم (٣). ولو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٩٣ ح ١٨.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٩١ ح ١٣.

(٣) السنن الكبرى للبيهقي ٤ ـ ٣٢٦.

٤٤١

كان به رمد لا يبرأ إلا بالاضطجاع ، جاز الاضطجاع وإن قدر على القيام ، للضرورة ، كما يجوز العدول بذلك إلى التيمم والإفطار.

البحث الرابع

( في الانتقال )

ويجوز الانتقال في الصلاة في طرفي القدرة والعجز إلى حالهما من غير استيناف ، فلو كان قائما فعجز عن القيام قعد وبنى ، وكذا لو كان قاعدا فعجز عنه اضطجع ، ولو كان مضطجعا فعجز استلقى.

ولو عجز في القيام عنه وعن القعود اضطجع ، فإن اتفق في أثناء الفاتحة ، وجب عليه في هويه ، لأن حالته حينئذ أعلى من حالة القعود.

ولو كان تبدل الحال من النقصان إلى الكمال ، كما لو قدر القاعد على القيام لخفة المرض ، وجب عليه الانتقال. وكذا المضطجع لو قدر على القعود في أثناء الصلاة ، أو المستلقي يقدر على الاضطجاع.

ولا يجب الاستيناف ، لاقتضاء الأمر الإجزاء ، ولأن المطلوب حينئذ التخفيف فينافي وجوب الاستيناف. نعم لو انتفت المشقة فالأولى عندي استحباب الاستيناف.

فإن اتفق ذلك قيل : قرأ إذا استوى قائما. وكذا إن كان في أثناء القراءة ، يقوم ساكتا ويقرأ باقي الفاتحة عند الانتصاب ، وليس له أن يقرأ حالة النهوض ، فلو قرأ بعض الفاتحة في نهوضه لم يحسب وعليه أن يعيده ، لأن حالة النهوض أدون من حالة القيام ، وقد قدر على أن يقرأ في أكمل الحالين ، ولا يعيد ما قرأ حالة جلوسه.

ولو قدر بعد القراءة وقبل الركوع لزمه القيام أيضا ، ليهوي منه إلى الركوع ، ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام ، فإنه غير مقصود لنفسه ، بل الغرض منه الهوي إلى الركوع لا غير.

٤٤٢

ولو وجد الخفة في ركوعه قاعدا ، فإن وجدها قبل الطمأنينة ، لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام ، ولا يجوز له أن ينتصب قائما ثم يركع ، لئلا يزيد ركوعا. وإن وجدها بعد الطمأنينة قبل الذكر فكذلك. وإن كان بعده ، فقد تم ركوعه ولا يلزمه الانتقال إلى ركوع القائمين. ولو كان في أثناء الذكر فكابتدائه.

وإذا خف بعد الذكر وجب القيام للاعتدال ، إما مستويا ، أو منحنيا كيف شاء ، فإذا ارتفع منحنيا فقد أتى بصورة ركوع القائمين في ارتفاعه الذي لا بد له منه ، ولا يمنع عنه. بخلاف ما لو انتصب قائما ثم ركع ، فإنه يزيد ركنا.

ولو خف في الاعتدال عن الركوع قاعدا ، فإن كان قبل أن يطمئن لزمه القيام للاعتدال ويطمئن فيه. بخلاف ما لو خف بعد القراءة فقام للهوي إلى الركوع ، فإنا لم نوجب الطمأنينة فيه لما تقدم ، وإن كان بعد الطمأنينة ، ففي وجوب القيام ليسجد عن قيام إشكال. أما لو قلنا بالقنوت الثاني في الجمعة بعد الركوع ، احتمل أن يقوم ليقنت. ولو قنت جالسا فإشكال ، ينشأ : من مخالفة الهيئة المطلوبة للشرع مع القدرة عليها ، ومن استحباب القنوت ، فجاز أن يفعله جالسا لعذر.

البحث الخامس

( في القيام في النوافل )

يجوز التنفل جالسا بإجماع العلماء ، مع القدرة على القيام ، لكن الثواب يكون على النصف من ثواب القائم لقوله عليه‌السلام : من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد (١).

فحينئذ ينبغي أن تحتسب كل ركعتين من جلوس بركعة من قيام ، لأن‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢١٤.

٤٤٣

أجره نصف أجر القائم ، فاستدرك فائت أجر القائم بتضعيف العدد. وقول الصادق عليه‌السلام : يضعف ركعتين بركعة (١). ولو احتسب بركعتين جاز ، أما مع العذر فيجوز ، ويحتسب الركعة بركعة ، لأن الباقر عليه‌السلام قال : ما أصلي النوافل إلا قاعدا منذ حملت هذا اللحم (٢).

ولو صلى جالسا لغير عذر ، استحب القيام بعد القراءة ليركع عن قيام ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي الليل قائما ، فلما أسن كان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحو من ثلاثين آية أو أربعين ثم ركع (٣).

وقال الكاظم عليه‌السلام : إذا أردت أن تصلي وأنت جالس فاقرأ وأنت جالس ، فإذا كنت في آخر السورة فقم وأتمها واركع تحسب لك بصلاة قائم (٤).

وهل يجوز الاضطجاع مع القدرة على القيام أو القعود؟ الأقرب الجواز للأصل ، ويحتمل المنع لانمحاء صورة الصلاة حينئذ ، بخلاف القعود لأنها تبقى منظومة معه ، لكن الأقرب الأول. وحينئذ فالأقرب جواز الإيماء في الركوع والسجود. وهل يجوز الاقتصار في الأذكار كالتشهد والقراءة والتكبير على ذكر القلب؟ الأقرب ذلك.

ولا فرق بين النوافل الراتبة وغيرها ، كالاستسقاء والعيد المندوب ، في جواز الاقتصار على الاضطجاع.

المطلب الثاني

( في النية )

وفيه مباحث :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٩٧ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٩٦ ح ١.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٢١٦.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٠١ ح ٣.

٤٤٤

البحث الأول

( في الماهية )

وتبطل الصلاة بالإخلال بها عمدا وسهوا إجماعا ، لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (١) وقوله عليه‌السلام « إنما الأعمال بالنيات » (٢) « وإنما لكل امرئ ما نوى » (٣) وهو يتناول العامد والساهي وقول الرضا عليه‌السلام : لا عمل إلا بالنية (٤). ولأن وقوع الأفعال على جهات مختلفة بعضها غير مراد للشارع ، فلا تختص بإرادة الشارع إلا بالقصد.

وهل هي ركن أو شرط؟ إشكال ، ينشأ : من أنها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة عنها ، وإلا لتعلقت بنفسها وافتقرت إلى نية أخرى. ومن مقارنتها للتكبير وانتظامها مع سائر الأركان. ولا استبعاد في كونها من الصلاة وتتعلق بسائر الأركان ، ويكون قول الناوي : أصلي عبادة بلفظ الصلاة عن سائر الأركان ، تسمية للشي‌ء باسم أكثره.

والنية عبارة عن القصد الحال في القلب ، ولا عبرة فيها باللسان ، لأن سبب التخصيص بالوجوه والاعتبارات هو القصد والداعي ، ولا أثر للألفاظ في ذلك.

ولو تعذر عليه القصد إلا باللفظ وجب ، توصلا إلى أداء الواجب ، ولا يكفي النطق مع غفلة القلب ، ولا يضر عدم النطق بخلاف ما في القلب ، كما إذا قصد الظهر وسبق لسانه إلى العصر.

__________________

(١) سورة البينة : ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٤ ح ١٠.

(٣) نفس المصدر.

(٤) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٤ ح ٩.

٤٤٥

البحث الثاني

( في صفتها )

الصلاة قسمان : فرائض ونوافل ، أما الفرائض فيعتبر فيها قصد أمور سبعة :

الأول : فعل الصلاة ، ليمتاز عن سائر الأفعال ، ولا يكفي إخطار نفس الصلاة بالبال مع الغفلة عن الفعل.

الثاني : تعيين الصلاة المأتي بها من ظهر أو عصر أو جمعة أو غير ذلك ، ليمتاز عن سائر الصلوات ، لما عرفت من أن المائز إنما هو القصود والدواعي.

وهل يجزيه نية فريضة الوقت عن نية الظهر مثلا؟ إشكال ، أقربه ذلك إن لم يكن عليه فائتة ، ليتميز الفعل بالإضافة إلى الوقت حينئذ. أما لو كان عليه فائتة فلا ، إذ وقت الفائتة غير الظهر وقت الذكر ، وإن كان وقت الظهر ، لقوله عليه‌السلام : فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها وليست بظهر (١).

ولا تصح الظهر بنية الجمعة ، ولا الجمعة بنية الظهر المقصورة ، لأنها فرض مستقل برأسه. ولا بنية مطلق الظهر.

الثالث : تعيين الفريضة أداء كانت أو قضاء ، لأن الظهر قد تقع من المتطوع ، كالصبي ، ومن أعادها في جماعة. وكل فعل يقع على وجهين لا بد في تخصيصه بأحدهما من مخصص ، وهو القصد إليه.

الرابع : الإضافة إلى الله تعالى ، بأن يقول « لله » أو « فريضة الله » أو « قربة إلى الله » ليتحقق معنى الإخلاص.

الخامس : التعرض للقضاء والأداء ، ليمتاز كل واحد منهما عن الآخر ، لأن الظهر مشترك بينهما ، فلا بد من المائز. فلو نوى القضاء في الأداء لم يصح ، إلا أن يعني بالقضاء الأداء ، كما في قوله تعالى ‌( فَإِذا قَضَيْتُمْ

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ١٣٤.

٤٤٦

مَناسِكَكُمْ ) (١) أي أديتم ، فالأقرب الجواز ، إذ القصد في النية بالمعنى.

ولا يجب التعرض للاستقبال ، ولا لعدد الركعات ، لأن الظهر إذا لم تكن قصرا لا تكون إلا أربعا ، ولا التمام والقصر وإن تخير.

السادس : يجب أن يقصد إيقاع الواجب لوجوبه والمندوب لندبه أو لوجههما ، لا للرئاء وطلب الثواب وغيرها.

السابع : يجب أن يقصد إيقاع الصلاة ، وهو يستلزم إخطار أفعالها بالبال ليوقعها على وجهها. ولا يجب تفصيل كل فعل فعل إلى ما اشتمل عليه ، بل يكفي القصد الإجمالي إليه.

وأما النوافل : فأما مطلقة ويكفي فيها نية فعل الصلاة ، لأنها أدنى درجات الصلاة ، فإذا قصد الصلاة ، وجب أن تحصل له. ولا بد من التعرض للنفلية على إشكال ، ينشأ : من الأصالة والشركة. ولا يشترط التعرض لخاصيتها ، وهي الإطلاق والانفكاك عن الأسباب والأوقات.

وإما معلقة بوقت أو سبب ، والأقرب اشتراط نية الصلاة والتعيين والنفل ، فينوي صلاة الاستسقاء والعيد المندوب وصلاة الليل وراتبة الظهر على إشكال.

ولا بد في النوافل كلها من الإضافة إلى الله تعالى ، والتعرض في الموقتة بالأداء والقضاء لاستحبابه ، فافتقر إلى المميز (٢).

البحث الثالث

( في وقتها )

وقت النية عند التكبير مقارنة له ، فلو تقدمت عليه ولو بزمن يسير لم تصح صلاته ، لأن التكبير أول أفعال الصلاة ، فتجب مقارنة النية له ، كالحج‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢.

(٢) في « س » التمييز.

٤٤٧

وغيره من العبادات ، بخلاف الصوم. لما في اعتبار المقارنة من عسر مراقبة الفجر.

ولا نعني بالمقارنة أن تبتدأ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان ، ويفرغ منها مع الفراغ منه ، لأن التكبير من أول الصلاة ، فلا يجوز الإتيان بشي‌ء منه قبل تمام النية. وعلى تقدير التوزيع يكون أول التكبير خاليا عن تمام النية المعتبرة ، بل المراد الشروع في ابتداء التكبير حال الفراغ من كمال النية ، ولا يفصل بينهما بسكوت قليل أو كثير ، ولا بكلام طويل أو قصير.

ولو عقب النية بقوله « إن شاء الله » لم يصح ، سواء قصد التبرك للفعل أو الشك. وكذا لو عقب قوله « قربة إلى الله » بقوله « تعالى » أو « عز وجل » وغير ذلك على إشكال.

ولو قدم النية على التكبير ، فإن استصحبها فعلا كان الاعتبار للمتأخرة ، وإلا بطلت صلاته.

وهل يجب استصحاب النية إلى تمام التكبير؟ الأقرب ذلك ، لأن النية مشروطة بالانعقاد ، ولا يحصل الانعقاد إلا بتمام التكبير. ولهذا لو رأى المتيمم الماء قبل تمام التكبير ، بطل تيممه. ويحتمل العدم ، لأن ما بعد أول التكبير في حكم الاستدامة.

ولا يجب استصحاب النية في دوام الصلاة. ولا يجوز تأخيرها عن أول جزء من التكبير ، لئلا يخلو بعض الصلاة عن النية.

البحث الرابع

( في الاستصحاب )

لا يجب استصحاب النية فعلا إلى آخر الصلاة إجماعا ، فلو نوى وعقب بالتكبير ثم غربت النية عن خاطره ، لم يضره في صحة صلاته ، لأن الغفلة عارضة للإنسان في أكثر أحواله ، فتكليف الحضور بالفعل في جميع الصلاة عسر ، بل الواجب أن يقرن النية بالتكبير ، بحيث يحضر في القلب صفات الصلاة ، ويقرن القصد إلى هذا المعلوم بأول التكبير.

٤٤٨

ويجب استصحاب النية حكما ، وهو الامتناع عن كل ما يناقض جزم النية. فلو قصد ببعض الأفعال ، كالقيام أو الركوع أو السجود غير الصلاة ، بطلت صلاته. ولو نوى الخروج من الصلاة في الحال ، بطلت صلاته ، لأن هذه النية تناقض قصده الأول.

ولو تردد في أنه يخرج أو يستمر فكذلك ، للمنافاة بين التردد والجزم ، ونعني بالتردد طريان الشك الناقض للجزم واليقين. ولا عبرة بما يجري في القلب أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال ، فإن ذلك ما يبتلى به الموسوس ، وقد يقع ذلك في الإيمان بالله تعالى.

ولو نوى الخروج في الركعة الثانية ، أو علقه بما يوجد في صلاته قطعا ، احتمل البطلان في الحال ، لقطع موجب النية ، وهو الاستمرار على الصلاة إلى انتهائها. وعدم البطلان في الحال ، فلو رفض هذا التردد قبل الانتهاء إلى الغاية المفروضة ، صحت على الثاني خاصة.

ولو علق الخروج بما يجوز حصوله كدخول زيد ، احتمل البطلان في الحال ، كما لو قال : إن دخل تركت الإسلام ، فإنه يكفر في الحال ، وكما لو شرع في الصلاة على هذه النية ، لا تنعقد صلاته. وعدم البطلان في الحال ، لإمكان أن لا يوجد المعلق عليه.

فإذا دخل احتمل عدم البطلان ، إذ لو بطلت لبطلت في الحال ، لقيام التردد ، فإذا لم تبطل لم يكن لهذا التردد وقع ، ولأن وجوده وعدم وجوده بمثابة واحدة. والبطلان عند الدخول ، عملا بمقتضى التعليق. وعلى هذا التقدير يحتمل البطلان من وقت التعليق ، لأن بوجود الصفة يعلم أن التعليق خالف مقتضى النية المعتبرة في الصلاة ومن وقت وجود الصفة.

ولو عزم على فعل ما ينافي الصلاة من حدث أو كلام ، ثم لم يفعل ، لم تبطل صلاته ، لأنه ليس رافعا للنية الأولى. ويحتمل البطلان للمنافاة بين إرادتي الضدين.

٤٤٩

البحث الخامس

( في النقل )

لا يجوز نقل النية بعد الشروع في الصلاة إلى غيرها ، إلا في المواضع التي شرعها الشارع. فلو صرفها إلى غيرها ، بطلت الصلاة المشروع فيها ، حيث قطع حكمها. ولا تصير تلك الصلاة ما نقل النية إليه إلا في المواضع المستثناة ، لأنه لم ينوه في أول صلاته ، أما في المواضع المستثناة فيحصل ما نقل النية إليه.

فلو شرع في الظهر فذكر أن عليه عصرا فائتا ، جاز النقل إليه ، للحاجة إلى (١) استدراك فعل الفائت قبل الحاضر. وكما يؤثر النقل في صيرورة الباقي إلى ما نقل إليه ، كذا يؤثر في الأول ، لامتناع تبعيض الصلاة. ولو نقل إلى عصر متأخر ، بطلت الصلاتان معا.

وإن كان قد دخل في الظهر ، فظن أنه لم يصلها ، ثم ظهر له في الأثناء فعلها [ عدل ] (٢) على إشكال ، ينشأ : من أنه دخل دخولا مشروعا فجاز العدول به إلى ما هو فرض عليه.

ولو نقل من فرض إلى تطوع ، جاز في مواضع الإذن ، كطالب الجماعة وناسي الأذان وسورة الجمعة. ولا يجوز في غيره ، فلو نقل لم يصر نفلا وبطلت صلاته ، لأنه منهي عنه.

وكذا لو دخل في نافلة فنقل بنيته إلى الفرض ، لم يصح الفرض وبطل النقل لعدوله عنه. ولو نقل إلى الرياء بجميع صلاته أو بعضها بطلت ، لأنه منهي عنه ومناف للقربة (٣) التي هي شرط ، سواء نوى بالأفعال الواجبة أو الأذكار المندوبة ، أو الأفعال المندوبة ، بشرط الكثرة. وكذا زيادة على الواجب من الهيئات كالطمأنينة.

__________________

(١) في « ق » إليه استدراكا لفعل الفائت.

(٢) كذا في هامش « س ».

(٣) في « ق » للنية.

٤٥٠

ولو نوى المحبوس الأداء مع ظنه بالبقاء ، فبان الخروج أجزأ ، لأنه مبني (١) على الأصل. ولو بان عدم الدخول أعاد ، لمشروعية القضاء دون السبق ، وليس له النقل لوقوعها فاسدة في الابتداء. ولو ظن الخروج فنوى القضاء ، ثم ظهر البقاء ، احتمل الإجزاء مع خروج الوقت ، أما مع بقائه فالأقرب الإعادة.

البحث السادس

( في الشك )

لو شك هل يخرج من الصلاة أم لا؟ فالأقرب البطلان ، لعدم الجزم حينئذ ، وهو مناف لثبوته ، ومنافاة الشرط كمنافاة الفعل.

أما الصوم فالأقرب عدم البطلان فيه. ولو جزم بالخروج فيه فإشكال ، ينشأ : من مضي زمان خال عن نية الصوم ، فيبطل كالصلاة ، ومن الفرق بينه وبين الصلاة ، لأن الصلاة تتعلق تحرمها وتحللها بقصد الشخص واختياره ، بخلاف الصوم فإن الناوي ليلا يصير شارعا في الصوم بطلوع الفجر ، وخارجا منه بغروب الشمس ، وإن لم يشعر بهما.

فتأثر الصلاة بضعف النية فوق تأثر الصوم ، ولهذا جاز تقديم النية على أول الصوم ، وتأخيرها في الجملة في أوله بخلاف الصلاة ، وسببه أن الصلاة أفعال والصوم ترك ، والفعل إلى النية أحوج من الترك.

ولو شك في صلاته هل أتى بالنية المعتبرة في ابتدائها ، سواء شك في أصلها ، أو في بعض شروطها. فإن كان في الحال ، استأنف النية ، بناء على أصالة العدم. وإن كان قد انتقل إلى ركن آخر كالتكبير أو أزيد لم يلتفت ، بناء على أصالة صحة المأتي به بعد النية ، فلو فعل ركنا آخر على التقدير الأول بطل.

__________________

(١) في « ق » بنى.

٤٥١

ولو شك هل نوى ظهرا أو عصرا أو فرضا أو نفلا ، فإن كان في موضعه استأنف ، لما تقدم من أصالة عدم الواجب. وإن تجاوز فإن كان يعلم ما عليه فعله ، استمر عملا بالأصل ، وإلا استأنف ما يريد ، لعدم الأولوية بأحد وجوه ما شك فيه.

ولو فاتته صلاة نسي تعينها ، صلى ركعتين بنية الصبح ، وثلاثا بنية المغرب ، وأربعا ينوي ما في ذمته إن ظهرا فظهرا وإن عصرا فعصرا وإن عشاء للضرورة ، وقيل : يجب الخمس.

ولو فاتته رباعية وشك بين الظهر والعصر ، كفاه أربع بنية مترددة بينهما. ولو نواهما جميعا في صلاة واحدة ، لم يجزيه ، إذ الفعل الواحد لا يقع على وجهين متضادين.

ولو دخل بنية إحداهما ثم شك فلم يدر أيتهما نوى ، لم يجزيه عن إحداهما. ولو شك هل دخلها (١) بنية ، ثم ذكرها قبل أن يحدث عملا أجزأه ، أما لو عمل بعد الشك فقد عرى عن النية.

ولو صلى الظهر والعصر وذكر نسيان النية في إحداهما أو تعينها ، وجب عليه إعادة رباعية ينوي بها عما في ذمته.

المطلب الثالث

( في تكبيرة الإحرام )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( الماهية )

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مفتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (٢). والتكبير متعين لا يجوز العدول عنه مع القدرة‌

__________________

(١) في « س » دخلهما.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧١٥ ح ١٠.

٤٥٢

عليه. وصورته « الله أكبر » لقوله عليه‌السلام : لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه ، ويستقبل القبلة فيقول : الله أكبر (١).

ولا يجوز العدول إلى معنى التكبير دون لفظه ، كقوله « الرحمن أجل » و « الرب أعظم » ولا « الرحمن أكبر » وغير ذلك من الألفاظ الدالة على التعظيم والثناء. ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داوم عليه إلى أن فارق الدنيا ، وهو يدل على منع العدول عنه.

ولا يجزيه الترجمة مع القدرة ، ولا التسبيح والتهليل وسائر الأذكار. ولو عرف « أكبر » لم يصح ، لأنه عليه‌السلام كان يبتدأ الصلاة بقوله « الله أكبر » وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (٢). ولاختلال المعنى ، فإنه مع التكبير يكون فيه إضمار أو تقدير « من » بخلاف المعرف (٣).

ولو فصل بين لفظة الجلالة و « أكبر » بشي‌ء من الصفات الجليلة ، كقوله « الله الجليل أكبر » و « الله تعالى أكبر » لم يصح ، سواء طال الكلام بحيث يخرج عن اسم التكبير ، كقوله « الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم أكبر » أو قصر. لتغير النظم ، وكذا لو فصل بسكتة طويلة ، ولا بأس بالفصل للتنفس.

ولو غير الترتيب فقال « أكبر الله » لم ينعقد ، لأنه عليه‌السلام داوم على صيغته ، فلا يجوز التعدي. ولو أضاف « أكبر » إلى أي شي‌ء كان ، أو قرنه لمن كذلك وإن عمم وإن كان هو المقصود ، بطلت.

البحث الثاني

( الإخلال )

لا يجوز الإخلال بحرف منه ، فلو حذف الراء أو التشديد لم يصح ، عمدا كان أو سهوا. وكذا لا يجوز الزيادة ، فلو قال « أكبار » لم يجز ، لأنه جمع‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ ـ ٢٩٨ مع تفاوت يسيرة.

(٢) صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر ج ١ ص ١٢٤.

(٣) في « ق » العرف وفي « ر » المعروف.

٤٥٣

كبر وهو الطبل ، فتبطل لو قصده وإلا فلا. ولا يجوز مد الهمزة في لفظة الجلالة ، ولا لفظة « أكبر » وإلا كان استفهاما.

والتكبير ركن في الصلاة ، لو أخل به عمدا أو سهوا بطلت صلاته ، لقول الصادق عليه‌السلام : يعيد ، في الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح (١).

ولا بد فيه من التلفظ ، فلو نواه لم يصح ، لأن الصلاة يعتبر الذكر في وسطها وآخرها ، فاعتبر في أولها ، بخلاف الصوم. ولو أخل بهيئة التركيب بأن قال على حد تعديد أسماء العدد بطل ، فإن قصد التعظيم إنما يتم بهيئة التركيب.

ويجب أن يقصد بالتكبير الافتتاح ، فلو صرفه إلى غيره لم ينعقد صلاته. ولو نوى به المسبوق الهوي للركوع ، لم تصح صلاته ، لأنه أخل بالركن ، ولقول الصادق عليه‌السلام في الرجل يصلي ولم يفتتح بالتكبير هل يجزيه تكبيرة الركوع؟ قال : لا بل يعيد صلاته (٢). ولو نواهما معا لم تصح ، لاختلاف الوجه. وكذا لو نواهما بعد نذر تكبيرة الركوع ، لاستقلال كل من الافتتاح والركوع بالعلية ، فتغاير المعلول ، ولا تنعقد صلاته نفلا ، لأنه لم ينوه.

ويجب النطق به بحيث يسمع نفسه ، فلو حرك لسانه ولم يسمع نفسه لم يصح ، لأن اللفظ شرط وغير المسموع خاطر لا لفظ. والتكبير جزء من الصلاة ، لقوله عليه‌السلام : إنما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن (٣). ولأن العبادة إذا افتتحت بالتكبير كان منها كالأذان ، بخلاف الخطبة لعدم افتقارها إلى النية. ولو زاد بين اللفظين واو ساكنة أو متحركة لم يجزيه ، لأنه عطل المعنى. ويجب أن يكبر قائما حيث يلزمه القيام.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧١٦ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧١٨ ح ١.

(٣) صحيح مسلم ١ ـ ٣٨٢ باب تحريم الكلام في الصلاة.

٤٥٤

البحث الثالث

( في العاجز )

قد بينا أنه لا يجوز العدول عن صيغة (١) التكبير إلى معناه. ولا إلى الترجمة ، سواء كان بالعجمية أو بغيرها ، بل يجب النطق بالصيغة العربية ، اقتداء به عليه‌السلام ، وامتثالا لأمره بالصلاة كصلاته.

وأما العاجز عن جميع كلمة التكبير أو بعضها ، فله حالتان :

الأول : أن لا يتمكن من كسب القدرة عليها. فإن كان لخرس ونحوه ، حرك لسانه وأشار بإصبعه ، أو شفته ولهاته (٢) مع العجز عن حركة اللسان بالتكبير بحسب القدرة ، لأن التحريك جزء من النطق ، فلا يسقط بسقوطه. ولو كان مقطوع اللسان من أصله وجب استحضاره على الترتيب.

ولو كان ناطقا لا يطاوعه لسانه على هذه الكلمة ، وجب أن يأتي بترجمتها ، لأنه ركن عجز عنه ، فلا بد له من بدل ، والترجمة أولى ما يجعل بدلا عنه لأدائها معناه. ولا يعدل إلى سائر الأذكار ، وترجمة التكبير بالفارسية « خداي بزرگتر » ، فلو قال « خداي بزرك » وترك صيغة التفضيل لم يجز ، كقوله « الله الكبر ».

وجميع اللغات في الترجمة سواء ، فيتخير بينها. ويحتمل أولوية السريانية والعبرانية ، لأنه تعالى أنزل بهما كتبا ، فإن أحسنهما لم يعدل عنهما ، والفارسية بعدهما أولى من الهندية والتركية.

الثاني : أن يتمكن من التعليم ، إما من إنسان ، أو مراجعة موضع كتبت هذه الصيغة عليه ، فيلزمه ذلك. والبدوي وغيره إذا لم يجد في موضعه من يعلمه وجب عليه المسير إلى بلد أو قرية للتعليم ، لأنه قادر على المسير والتعليم ، بخلاف المتيمم حيث لا يجب عليه المسير للطهارة ، لأنه بالتعلم يعود‌

__________________

(١) في « س » صفة.

(٢) اللهاة جمع لهوات ولهيات ولهاء : اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.

٤٥٥

إلى موضعه وينتفع به طول عمره ، واستصحاب الماء للمتنقل غير ممكن ، ويجب عليه الصبر إلى آخر الوقت لرجاء التعليم.

ولا يجوز له الصلاة بالترجمة في أول الوقت حينئذ. فإن علم انتفاء التعليم في الوقت ، جاز أن يصلي بالترجمة في أول الوقت. ولو أخر التعليم مع القدرة لم تصح صلاته ، بل يجب عليه الإعادة بعد التعليم. فإن ضاق الوقت صلى بالترجمة لحرمة الوقت ، ويجب القضاء لتفريطه بالتأخير.

وباقي الأذكار الواجبة كالقراءة والتشهد والذكر كالتكبير في اعتبار لفظ العربية.

ويستحب للأب تعليم ولده الصغير ، وليس واجبا. أما الولي فيحرم عليه المنع من التعليم ، والألثغ (١) يجب عليه بقدر الإمكان.

ويجب الإتيان بالتكبير قائما بكماله (٢) ، فلو شرع فيه وفي القيام ، أو ركع قبل انتصابه بطل ، وكذا النية على الأقوى.

البحث الرابع

( في سننه )

وهي خمسة :

الأول : رفع اليدين عند التكبير في كل صلاة فرض ونفل ، لأنه عليه‌السلام فعله ، وليس واجبا على الأصح للأصل. وكذا يستحب الرفع في كل تكبيرات الصلاة ، مثل تكبير الركوع والسجود والرفع منه ، لأنه عليه‌السلام رفع في هذه المواضع ، ولا يضم كفيه حالة الرفع ، بل يبسطهما إجماعا ، قال الصادق عليه‌السلام : إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا (٣).

__________________

(١) الألثغ جمع لثع : من يرجع لسانه إلى الثاء والعين.

(٢) في « ق » إلى كمال القيام.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٣ ح ١.

٤٥٦

ويستقبل بباطن كفيه القبلة ، لأن الاستقبال مأمور به ، والصادق عليه‌السلام فعله (١).

ويضم الأصابع ، لقول الصادق عليه‌السلام : أرسل يديه على فخذيه قد ضم أصابعه (٢).

وقال المرتضى وابن الجنيد : يجمع الأربع ويفرق الإبهام.

ولو كانت يده تحت الثياب رفعهما ، لأن الصحابة كانوا يرفعون أيديهم في الشتاء في ثيابهم. واستحباب الرفع عام للمرأة والرجل والإمام والمأموم والقائم والقاعد ، ويرفعهما إلى حذاء أذنيه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرفع يديه حيال أذنيه (٣). ورفع الصادق عليه‌السلام يديه حيال وجهه حين استفتح (٤).

ولو كان بيده عذر لا يتمكن من استيفاء الرفع أتى بالممكن المقدور. ولو قدر على الرفع فوق الأذنين ودون المنكبين فالأول أولى ، لأن فيه إتيانا بالمسنون. ومقطوع الكفين يرفع ساعديه ، ومقطوع الذراعين يرفع عضديه ، ومقطوع إحداهما يرفع الأخرى.

ويكره أن يتجاوز بهما رأسه ، لقول الصادق عليه‌السلام : فلا تجاوز أذنيك (٥). وقال ابن سنان : رأيت الصادق عليه‌السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (٦). وهو يقتضي ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع وانتهائه عند انتهائه.

وفي عبارة بعض علمائنا يكبر عند الإرسال ولو فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس ، أتم الباقي. وإن فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع. ولو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٦ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٧ ح ١٢.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٥ ح ٣.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٨ ح ٣.

(٦) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٥ ح ٣.

٤٥٧

ترك رفعهما حتى أتى ببعض التكبير رفعهما في الباقي ، وإن أتمه لم يرفع بعد ذلك.

الثاني : أن لا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ، ولا يمططه (١) ، وهو أن يبالغ في مده ، بل يأتي به متينا والأولى فيه الجزم ، لقوله عليه‌السلام : التكبير جزم والتسليم جزم (٢) ، أما تكبيرات الانتقالات ، فالأولى فيها المد ، لئلا يخلو باقي انتقاله عن الذكر إلى أن يصل إلى الذكر الثاني ، وهنا الأذكار مشروعة على الاتصال بالتكبير.

الثالث : يستحب التوجه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية ، واحدة منها واجبة ، وهي تكبيرة الإحرام ، يكبر ثلاثا ويدعو ، ثم يكبر اثنين ويدعو ، ثم يكبر اثنين ويتوجه ، ويتخير أيتها شاء جعلها تكبيرة الإحرام ، فيوقع السنة عندها ، والأفضل الأخيرة. فإن جعلها الأولى جاز الدعاء بعد تكبيرة الإحرام مع باقي التكبيرات وكذا الوسطى.

قال الصادق عليه‌السلام : إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ، ثم ابسطهما بسطا ، ثم كبر ثلاث تكبيرات ، ثم قل : اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت إلى آخره ، ثم كبر تكبيرتين ثم قل : لبيك إلى آخره ، ثم كبر تكبيرتين ثم قل : وجهت وجهي إلى آخره (٣).

ولو كبر للافتتاح انعقدت صلاته ، فإن كبر ثانيا ، بطلت هذه للنهي عنها ، والأولى لأنه زاد في الصلاة ركنا ، إن لم ينو الخروج من الصلاة قبل الثانية. فإن كبر ثالثا انعقدت ، فإن نوى الخروج قبل الثانية ، بطلت الأولى وصحته الثانية ، وصار حكم الثالثة مع الثانية حكم الثانية مع الأولى.

الرابع : استحباب التوجه بسبع تكبيرات في سبعة مواطن : الأول في أول كل فريضة. الثاني أول صلاة الليل. الثالث الوتر. الرابع أول نافلة‌

__________________

(١) مط في الكلام : مده ولون فيه.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٩.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٢٣ ح ١.

٤٥٨

الزوال. الخامس أول نوافل المغرب. السادس أول ركعتي الإحرام. السابع الوتيرة.

وعمم بعض علمائنا الاستحباب. والمأموم يكبر بعد الإمام أو معه ، لقوله عليه‌السلام : فإذا كبر فكبروا (١) ، وكماله أن يركع معه ، كذا التكبير. فإن كبر المأموم أولا قطعه بتسليمة ثم كبر معه أو بعده ، لأنه ائتم بمن ليس في الصلاة.

الخامس : يستحب للإمام إسماع المأمومين خلفه التكبير ، ما لم يحتج إلى شدة العلو ، فيكبر وسطا.

المطلب الرابع

( في القراءة )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( في ما يتقدمها من السنن )

للقراءة سنتان سابقتان عليها :

الأول : الاستفتاح فإذا كبر المصلي استحب له قبل القراءة أن يدعو بدعاء الاستفتاح ، فيقول : وجهت وجهي إلى آخره. لأن عليا عليه‌السلام قال : كان إذا استفتح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبر ثم قال : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (٢). لأنه عليه‌السلام أول مسلمي هذه الأمة ، أما نحن فنقول : وأنا من المسلمين.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٩٩.

(٢) سنن أبي داود ١ ـ ٢٠١.

٤٥٩

قال الشيخ رحمه‌الله : وإن قال : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي حنيفا مسلما إلى آخر الكلام كان أفضل (١).

ولو ترك الاستفتاح عمدا أو سهوا حتى تعوذ وشرع في الفاتحة ، لم يعد إليه ولا يداركه في سائر الركعات.

ولو أدرك الإمام في التشهد الأخير ، كبر وقعد ، فسلم الإمام لما قعد ، قام وقرأ من غير استفتاح ، لفوات وقته بالقعود ، ولو سلم الإمام قبل قعوده لا يقعد ويدعو للاستفتاح.

وهذا الدعاء مستحب في فرائض الصلوات ونوافلها الأداء والقضاء.

الثاني : يستحب بعد دعاء الاستفتاح التعوذ ، لقوله تعالى ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) (٢) ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة فيقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (٣). وقول الصادق عليه‌السلام : ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ، ثم تقرأ فاتحة الكتاب (٤).

وصورتها : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لأنه لفظ القرآن. ويجوز : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

ويستحب الإسرار ولو في الجهرية ، لأنه ذكر مشروع بين التكبير والقراءة فسن فيه الإسرار كدعاء الاستفتاح عندهم.

وإنما يستحب في الركعة الأولى خاصة ، لأن الصلاة فعل واحد ، فيكفي فيه الاستعاذة الواحدة كالتوجه ، ولأنه عليه‌السلام كذا فعل. ولو تركه في الأولى عمدا أو سهوا لم يتداركه في الثانية ، لفوات محله.

__________________

(١) النهاية ص ٧٠.

(٢) سورة النحل : ٩٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٨٠١ ح ٦.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨٠٠ ح ١.

٤٦٠