نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

وإنما يطهر بالغسل ما يمكن نزع الماء المغسول به عنه ، لا ما لا يمكن كالمائعات كالدهن والصابون والعجين ، وإن أمكن إيصال الماء إلى أجزائه بالضرب.

أما السمسم والحنطة إذا انتقعا في الماء النجس ، فالأقوى قبولهما للطهارة. وكذا اللحم إذا نجست مرقته.

ويجوز إطعام الدواب العجين النجس ، لعدم التكليف في حقها ، ولقوله عليه‌السلام للقوم الذين احتبروا من آبار الذين مسخوا : علفوه النواضح (١).

وأن يطعم لما يؤكل في الحال ولما يحلب لبنه وقت الأكل وبعده.

ولو صب الدهن النجس في كر فما زاد ، ومازجت أجزاؤه أجزاء الماء بالتصويل ، فالأقرب الطهارة. وإذا كان حصول النجاسة في الثوب أو البدن معلوما ، وجب غسله ، ولو كان مشكوكا ، استحب نضحه بالماء. لقول الكاظم عليه‌السلام : يغتسل ما استبان أنه أصابه ، وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه (٢).

وإذا علم الموضع ، وجب غسله. وإن اشتبه ، وجب غسل محل الاشتباه ، وكل ما يحتمل ملاقاة النجاسة له. ولو اشتبه الجميع ، وجب غسل جميع الثوب. ولا يجوز له التحري ، لأنه مع التنجيس متيقن للمانع من الدخول في الصلاة ، وبغسل البعض لا يحصل يقين رفعه ، ولقول الصادق عليه‌السلام : في المني يصيب الثوب : إن عرفت مكانه فاغسله ، فإن خفي عليك مكانه فاغسله كله (٣).

ولو اشتبه الثوب النجس بالطاهر ، وجب غسلهما معا ، فإن تعذر صلى في كل واحد منهما الصلاة مرتين على الأقوى ، ليخرج عن العهدة بيقين ،

__________________

(١) راجع منتهى المطلب ١ ـ ١٨٠.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٥٤ ح ١ ب ٣٧.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٠٦ ح ١ و ٧.

٢٨١

ولقول الكاظم عليه‌السلام : يصلي فيهما جميعا (١) ، فإن ضاق الوقت أو تعذر التكرار نزعهما وصلى عريانا. ويحتمل تسويغ الصلاة فيه ، لأن الشرطين قد تعارضا ، وهو ستر العورة وطهارة الثوب ، بل الأقوى الصلاة في أحدهما ، لعدم اليقين بفوات الشرط.

ولو اضطر إلى الصلاة في أحدهما ، فالأقوى الاجتهاد ، ويحتمل التخيير ولا إعادة ، للخروج عن العهدة بالامتثال.

ولو تعددت النجسة (٢) صلى بعددها وزاد على ذلك العدد ، ولو صلى في أحدهما الظهرين ثم كذا في الآخر صحتا معا ، أما لو صلى في أحدهما الظهر ، وفي الآخر العصر والظهر ، ثم في الأول العصر ، صحت الظهر خاصة ، ووجب عليه إعادة العصر في الثاني.

ولو اشتبه أحد الكمين ، لم يجب التحري ، ووجب نزعهما معا ، أو نزعه ويصلي عريانا مع العجز عن الغسل ، ولو تمكن من غسل أحدهما ، وجب ، ولا يجوز الصلاة فيه حينئذ ما لم يغسل الآخر.

ولو غسل أحد الثوبين ، لم يجز الصلاة في الآخر ، فإن تعذر الصلاة في الطاهر ، فالأقوى الصلاة في الآخر ولا إعادة. ولو جمعهما وصلى فيهما ، لم يصح صلاته ، سواء غسل أحدهما أو لم يغسل.

ولو كان معه ثوب متيقن الطهارة ، تعينت الصلاة فيه دون الثوبين. ولو كان أحدهما طاهر والآخر نجس نجاسة معفو عنها تخير فيهما ، والأولى الطاهر. وكذا لو كانت إحدى النجاستين المعفو عنهما في الثوب أقل من الأخرى.

المطلب الثالث

( في الترخص )

وهي إما أن يتعلق بالمحل أو بالحال ، فهنا بحثان :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٨٢ ب ٦٠.

(٢) في « ق » النجاسة.

٢٨٢

البحث الأول

( ما يتعلق بالمحل )

وقد عفا الشارع عن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا من الملابس ، كالتكة والجورب والخف والقلنسوة والنعل ، بأن يصلي فيه وإن كان نجسا ، لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل في الرجل يصلي في الخف الذي أصابه القذر؟ فقال : إن كان مما لا يتم الصلاة فيه فلا بأس (١).

وهل يتناول الرخصة غير هذه الأصناف المذكورة مما يتناسبها ، كالخاتم والسوار والدملج والسبر؟ الأقرب ذلك ، لأن إيماء الصادق عليه‌السلام يشعر به.

وأما غير الملابس ، فلا يتعلق به الرخصة ، لانتفاء الحاجة ، وعدم النص المخرج عن عموم المنع. فلو كان معه دراهم نجسة أو غيرها لم تصح صلاته ، وكذا السكين والسيف ونحوهما.

وهل يشترط كونها في محالها؟ يحتمل ذلك ، وإلا لم يبق فرق بين الملبوس وغيره ، فلا تصح الصلاة والتكة على عاتقه إذا كانت نجسة ، أو الجورب في يده. ويحتمل عدمه للعموم ، ولقول الصادق عليه‌السلام : كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة وحده ، فلا بأس أن يصلي فيه. وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعلين والخفين وما أشبه ذلك (٢).

ولا فرق بين كون النجس واحدا من هذه أو الأكثر أو الجميع للعموم. أما لو كان نجاسة كجلد الميتة ، فإنه لا يجوز ، لقول الصادق عليه‌السلام في الميتة : لا تصل في شي‌ء منه ولا في شسع (٣).

ولو حمل حيوانا غير مأكول اللحم وصلى صحت صلاته ، بخلاف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٤٥ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٤٦ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٤٩ ح ٢.

٢٨٣

القارورة المضمومة المشتملة على النجاسة ، لأن الحسن والحسين عليهما‌السلام ركبا ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سجوده.

ولو كان وسطه مشدودا بطرف حبل طرفه الآخر مشدودا في نجاسة ، صحت صلاته وإن تحركت بحركته ، لأنه ليس حاملا للنجاسة.

والبواطن لا تقبل النجاسة وإن أمكن غسلها ، كداخل الأنف والفم والعين للمشقة ، فرطوبات هذه طاهرة ، وإن لاقت نجاسة كالدم وغيره في الباطن مما لم تتلون بها. ومحل الاستجمار بالأحجار بعده طاهرة.

ولا فرق بين جميع النجاسات الحاصلة فيما لا يتم الصلاة فيه منفردا ، سواء كانت مغلظة كالمني ودم الحيض ، أو مخففة كالدم وبول الصبي للعموم.

وأضاف ابن بابويه العمامة ، فإن كانت مما لا يتم الصلاة فيها بانفرادها صح وإلا فلا.

ولو جبر عظمه بعظم نجس العين كالكلب والخنزير ، فإن تمكن من نزعه وجب ، فإن لم يفعل بطلت صلاته ، وإن لم يتمكن لم يجب قلعه ، وتصح صلاته ، لقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) سواء خاف التلف أو الألم الكثير أو الشين على إشكال. ولو لم يقلعه مع المكنة قلعه السلطان ، فإن مات قبل قلعه لم يقلع ، لأنه صار ميتا.

ويكره للمرأة أن تصل شعرها بشعر غيرها ، رجلا كان أو امرأة أو حيوانا طاهر العين ، وقد روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعن (٢) الواصلة ، وهي التي تصل شعرها بغيره أو شعر غيرها. والمستوصلة ، وهي الموصول شعرها بإذنها ، والنامصة ، وهي التي تنتف الشعر من الوجه. والمتنمصة ، وهي المنتوف شعرها بأمرها. والواشرة ، وهي التي تبرد الأسنان لتحدها وتفلجها. والمستوشرة التي يفعل بها ذلك بإذنها. والواشمة ، وهي التي تغرز جلدها بإبرة ثم تحشوه كحلا. والمستوشمة التي يفعل بها ذلك بإذنها.

__________________

(١) سورة الحج : ٧٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٩٤ ح ٣.

٢٨٤

وهل يجب فيما تناوله اختيارا من الخمر والميتة؟ إشكال. ولو أدخل لحما تحت جلده فنبت عليه لحمه ، وجب نزعه مع المكنة.

البحث الثاني

( في ما يتعلق بالحال )

الدم : إن كان دم حيض أو نفاس أو استحاضة ، وجب إزالة قليله وكثيره عن الثوب والبدن ، لقوله عليه‌السلام لأسماء عن دم الحيض ، اقرصيه ثم اغسليه بالماء (١). وهو يتناول القليل والكثير.

وإن كان غيرها ، فإن كان من نجس العين ، كالكلب والخنزير والكافر ، فالأقرب أنه كدم الحيض ، لملاقاته بدن نجس العين. وإن كان من غير نجس العين ، فإن كان مما يشق إزالته ، وهو دم القروح الدامية والجراح اللازمة ، كان عفوا في البدن والثوب معا ، لا يجب إزالته للمشقة ولقول الباقر عليه‌السلام : إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ (٢). ويجوز الصلاة فيه قل أو كثر ، سواء البدن والثوب ، لثبوت المقتضي للرخصة فيهما.

ولو لم يشق إزالة بعضه عنهما ، ففي وجوبها إشكال ، سواء كان الباقي أقل من الدرهم أو لا على إشكال ، ولا يخرج بالعفو عن النجاسة.

وإن كان مما لا يشق إزالته ، وجب إزالته عن الثوب والبدن معا إن كان أزيد من سعة الدرهم البغلي ، لقول الباقر عليه‌السلام : وإن كان أكثر من الدرهم وكان يراه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته (٣). وإن كان أقل لم يجب إزالته إجماعا منا ، لقول الباقر عليه‌السلام : إن كان أقل من الدرهم فلا تعيد الصلاة (٤). ولا يخرج بذلك عن النجاسة.

__________________

(١) جامع الأصول ٨ ـ ٣٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٢٩ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٢٦ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٢٦ ح ٢.

٢٨٥

وإن كان بقدر الدرهم فالأقرب وجوب إزالته ، لقوله عليه‌السلام : تعاد الصلاة من قدر الدرهم (١). وقول الباقر والصادق عليهما‌السلام : فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم (٢). ولأن الأصل وجوب الإزالة ، والقلة مظنة المشقة بخلاف الدرهم فما زاد ، ولأن ضبط الدرهم عسر ، فربما زاد وإن لم يحس الزيادة ، فاقتضى الاحتياط إزالة ما يظن أنه درهم.

والمربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد ويصيبه البول في كل وقت ، يجتزي بغسله في اليوم مرة واحدة ، لأنه يتكرر فيشق إزالته ، فيعفى عنه كالقروح السائلة. ولقول الصادق عليه‌السلام : يغسل القميص في اليوم مرة ، وقد سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ (٣).

فروع :

الأول : يستحب لصاحب القروح والجروح اللازمة غسل ثوبه في اليوم مرة ، لما فيه من التطهير مع انتفاء المشقة ، ولأن سماعة سأله عن الرجل به القرح أو الجرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه؟ قال : يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة ، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة (٤). وهل يجب مع المكنة؟ الأقرب العدم ، لمنافاته الرخصة.

الثاني : لو تمكن من إبدال الثوب ، فالأقوى الوجوب ، لانتفاء المشقة فينتفي الترخص.

ولو تمكن من إبداله بما فيه أقل مما يزيد على الدرهم ، فإشكال أقربه عدم الوجوب.

الثالث : لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثوب أو البدن ، بأن لمس‌

__________________

(١) راجع منتهى المطلب ١ ـ ١٧٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٢٦ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٠٤.

(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٢٩.

٢٨٦

بالسليم من بدنه دم الجرح (١) ، أو بالطاهر من ثوبه ، ففي الترخص إشكال ، أقربه العدم ، فنجب إزالته لانتفاء المشقة. وكذا لو ترشش عليه من دم غيره.

الرابع : لا يخرج عن النجاسة بالعفو ، لا في محل المشقة ولا في غيره. وفي سريان العفو إلى ما لاقاه إشكال ، أقربه المنع ، فلو لاقاه جسم رطب تنجس ، وكذا ملاقي الملاقي.

الخامس : ما نقص عن الدرهم من غير المغلظ وغير الجروح والقروح ، نجس وإن عفي عنه ، فإن لاقى جسما رطبا أو ماء تنجس. وهل يعفى عنهما؟ الأقرب ذلك ، لأن نجاستهما ليس ذاتية ، بل باعتبار نجاسة الدم المعفو عنه ، فلا يزيد عليه. ويحتمل المنع.

السادس : اعتبار الدرهم في المجتمع ، أما المتفرق فقيل : لا تجب إزالته مطلقا ، إذ كل واحد منه معفو. وقيل : لا تجب إلا أن يتفاحش ويكثر. والأقرب اعتبار الدرهم لو جمع ، فإن بلغه مجتمعا وجب إزالته ، أو إزالة ما يحصل به النقصان ، وإلا فلا ، لأن الحكم معلق على بلوغ الدرهم ، ويصدق على المجتمع والمفترق ، ولأن الأصل وجوب الإزالة للآية ، عفي عن القاصر عن الدرهم لكثرة وقوعه ، إذ لا ينفك المزاول للأعمال عنه غالبا ، فلا يتعدى الرخصة إلى المتفرق النادر.

السابع : لو أصاب الدم نجاسة مغلظة ، لم يعف عنه وإن قل.

الثامن : في مساواة الثوب المصحوب للملبوس إشكال ، فلو كان الدم اليسير في ثوب غير ملبوس ، أو في متاع ، أو آنية ، أو آلة ، فأخذ ذلك بيده وصلى وهو حامل له ، احتمل الجواز ، لعموم الترخص. والمنع لانتفاء المشقة.

التاسع : لو تنجس الماء وشبهه بالدم ثم أصاب ثوبا ، احتمل اعتبار الدرهم ، إذ لا يزيد عرضي النجاسة عن ذاتيها. وعدمه ، لأنه نجس ليس بدم ، فتجب إزالته بالأصل السالم عن المشقة المستندة إلى كثرة الوقوع.

__________________

(١) في « ر » الجروح.

٢٨٧

ولو زالت عين الدم بما لا يطهرها ، فالأقرب جواز الصلاة ، لجوازها مع بقاء العين ، وبزوالها يخف الحكم فيكون أولى.

العاشر : لو أصاب الدم أحد وجهي الثوب فاتصل بالآخر ، فهما نجاسة واحدة. أما لو لم يتصلا بل حال بينهما شي‌ء لم يصبه الدم ، تعددتا وكان كالمتفرق.

الحادي عشر : المربي للصبي كالمربية في اعتبار الغسلة في اليوم الواحد ، لوجود المشقة فيهما.

الثاني عشر : المراد بالصبي هنا الذكر لا الأنثى ، اقتصارا في الرخصة على المنصوص ، وللفرق فإن بول الصبي كالماء ، وبول الصبية أصفر ثخين وطبعها أحر قبولها ألصق بالمحل.

الثالث عشر : إنما تكفي الغسلة لو لم يكن لها إلا ثوب واحد ، أما لو كان لها ثوبان فما زاد ، فإنه لا تكفي المرة. وهل يجب الزائد على المرتين؟ الوجه ذلك بحيث تصلي الخمس في ثوب طاهر ، سواء تعدد الصبي أو اتحد ، ولا يترخص ولا في صلاة واحدة.

الرابع عشر : الاكتفاء إنما هو فيما يصيب الثوب من بول الصبي دون غائطه ، لكثرة الأول بخلاف الثاني على إشكال.

أما لو تنجس ببول غيره أو بغير بوله ، وجب غسله ، وإن كان لولاه لصلت فيه نجسا.

الخامس عشر : اليوم اسم للنهار والليل. وهل تصلي فيه قضاء؟ إشكال ، أقربه الجواز للتساوي في الشرط ووجود المشقة فيهما.

السادس عشر : الأقرب وجوب عين الغسل ، فلا يكفي الصب مرة واحدة ، وإن كفى في بوله قبل أن يطعم الطعام عند كل نجاسة. ولا فرق في الاكتفاء بالمرة بين أن يأكل الطعام أو لا يأكل.

٢٨٨

المطلب الرابع

( في أنواع المطهرات )

الأول : الماء المطلق الطاهر مطهر لكل نجاسة يمكن (١) إزالتها به مع انفصاله عن أجزاء محلها للآية (٢).

وهل يزيل ما نجاسته مخففة غلظ النجاسة؟ إشكال ، فإن قلنا به وقلنا بخفة نجاسة الماء بقليل الدم ، وبطهارة المحل عند زوال عين النجاسة ، واضطر إلى الصلاة فيه ، احتمل وجوبه.

فلو كان في (٣) ثوبه أو على جسده مني أو دم حيض أو بول ، وهناك ما لاقاه دم أقل من سعة الدرهم ، وجب غسله به ، لأنه أزال المانع من الدخول في الصلاة ، فكان واجبا كالطاهر. وعدمه ، لبقاء حكم النجاسة المغلظة وإن زالت العين.

وإنما يطهر الماء لو غسل المحل به ، إلا بول الرضيع فإنه يكفي الرش فيه. ويشترط أن يصيب الماء جميع موضع البول.

ومراتب إيراد الماء ثلاث : النضح المجرد ، ومع الغلبة ، ومع الجريان. ولا حاجة في الرش إلى الدرجة الثالثة قطعا ، وهل يحتاج إلى الثانية؟ الأقرب ذلك. ويفترق الغسل والرش بالسيلان والتقاطر.

ويستحب النضح في مواضع :

الأول : شكل النجاسة ، لقول الكاظم عليه‌السلام : وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه (٤).

الثاني : في المذي عن الصادق عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) في « س » أمكن.

(٢) وهي قوله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ).

(٣) في « ق » على.

(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٥٤ ح ١ ب ٣٧.

(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٢٣ ح ١ و ٢.

٢٨٩

الثالث : في الكلب إذا أصاب الثوب يابسين ، والخنزير كذلك.

الرابع : الفأرة إذا لاقت الثوب وهي رطبة.

الخامس : بول الدواب والبغال والحمير.

السادس : الثوب يصيبه عرق الجنب.

السابع : بول البعير والشاة.

الثاني : الأرض والبواري والحصر والأبنية والأشجار إذا وقع عليها بول ، أو ماء نجس وشبهه ، وجفت بالشمس ، طهرت على الأقوى ، لتعذر غسل هذه الأشياء ، فكان طهارتها بزوال عين النجاسة ، لزوال المعلول بزوال علته ، وإزالة الحكم بالماء فيما يمكن غسله ، أما ما لا يمكن فلا ، ولقول الباقر عليه‌السلام : ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر (١). وقيل : إنه نجس وتجوز الصلاة عليه.

ولو جف بالأهوية أو غيرها غير الشمس ، لم يطهر عندنا عملا بالاستصحاب ، والأقرب مساواة الخمر للبول. ولا يطهر غير ما لا ينقل ويحول كالأواني والثياب ، بل ما لا ينقل كالنبات والبناء ، دون الثمرة في الأشجار.

ولا يطهر الأرض من البول بإلقاء قليل الماء وإن زال الأوصاف على الأقوى ، بل بإجراء الكثير عليها ، لأن قليل الماء ينجس بالملاقاة ، فلا يطهر غيره. ورواية الذنوب (٢) معارضة بما روي. خذوا ما بال عليه من التراب ، وأهريقوا على مكانه ماء (٣). أو أنه جف بغير الشمس ، فأمر بإلقاء ذنوب عليه ليجف بالشمس ، فيطهر حينئذ.

ولو وقع قليل المطهر طهرها. ولو كانت النجاسة جامدة أزيلت عينها. ولو خالطت أجزاء التراب ، لم يطهر إلا بإزالة الجميع.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٤٣ ح ٥.

(٢) عمدة القارئ في شرح البخاري ١ ـ ٨٨٤.

(٣) كنز العمال ٥ ـ ٨٤ الرقم ١٧٥٣.

٢٩٠

ولو بقيت رائحة البول ، أو لونه لم يطهر ، لأن وجودهما دليل على بقاء النجاسة ، ما لم يعلم أن الرائحة باعتبار المجاورة.

الثالث : النار تطهر ما أحالته رمادا من الأعيان النجسة بالذات أو بالعرض ، لأنها أقوى إحالة من الماء. ولو لم يستحل ، لم يطهر ، وإن تغيرت صفاته.

ولو كان اللبن مضروبا في الطين النجس الممتزج بالبول وشبهه ، فاحترق أجزاء أو خزفا ، طهر.

الرابع : تطهر الأرض أسفل الخف والنعل والقدم دون غيرها ، لقوله عليه‌السلام : إذا وطئ أحدكم الأذى يخفه ، فطهورها التراب (١). ولأن الصادق عليه‌السلام سئل عن رجل يطأ برجله على الموضع الذي ليس بنظيف ، ثم يطأ بعده مكانا نظيفا؟ قال : لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك (٢). ولعدم انفكاك النعل وشبهه عن ملاقاة النجاسة ، فلو اقتصر في تطهيره على الماء لزم الحرج.

ولا فرق بين ذلك النعل والقدم قبل جفاف أو بعده مع زوال العين ، ولا بين الدلك بأرض رطبة أو يابسة إذا عرف زوال العين. أما لو وطئ وحلا ، فالأقرب عدم الطهارة.

ولو دلك النعل بالأرض والتراب وأزال العين من غير مشي ، فالأقرب الطهارة. ولو دلكهما بالأجسام الصلبة كالخشب ، أو مشى عليها ، فإشكال. والأقرب عدم التخطي إلى وجه الشمشك وجوانبه ، للاقتصار (٣) بالرخص على مواردها.

الخامس : الإسلام يطهر الكافر الأصلي والمرتد عن غير فطرة ، وعنها إشكال.

__________________

(١) كنز العمال ٥ ـ ٨٨ الرقم ١٨٧٩.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٤٦ ح ١.

(٣) في « ق » اقتصارا.

٢٩١

السادس : انقلاب الخمر مطهرها لها (١) ، سواء كان بعلاج أو غيره. أما النبيذ فإشكال ، ينشأ : من زوال علة التنجيس التي هي الإسكار. ومن عدم التنصيص عليه بالخصوصية. ولو استحال الدبس النجس إلى الخل ، لم يطهر.

والعصير إذا غلى واشتد لحقه حكم التنجيس ، ويطهر بانقلابه خلا ، أو ذهاب ثلثيه. وانقلاب النطفة والعلقة إلى الإنسان مطهر. وكذا الدم إذا صار قيحا أو صديدا.

ولو وقع الخنزير وشبهه في ملاحة فاستحال ملحا ، أو العذرة في البئر فاستحالت حماة ، لم يطهر ، لقيام النجاسة بالأجزاء لا بالصفات والأجزاء باقية ، ولأن النجاسة لم يحصل بالاستحالة فلا تزول بها.

ولو استحالت الأعيان النجسة ترابا ، فالأقرب الطهارة ، لقوله عليه‌السلام : وترابها طهورا.

خاتمة :

كل نجاسة عينية لاقت محلا طاهرا ، فإن كانا يابسين ، لم يتغير المحل عن حكمه ، لأن مجرد المجاورة لا يوجب الانفعال ، إلا الميتة فإنه ينجس الملاقي لها مطلقا على إشكال.

ودخان الأعيان النجسة ورمادها طاهران ، للاستحالة المقتضية للطهارة. ولو استصحب الدخان شيئا من أجزاء النجاسة ، باعتبار الحرارة المقتضية للصعود ، فهو نجس ، ولهذا نهي عن الاستصباح بالدهن النجس تحت الظلال ، لعدم انفكاك ما يستحيل من الدخان عن استصحاب أجزاء دهنية اكتسبت حرارة أوجبت ملاقاة الظل. ويجوز تحت السماء.

__________________

(١) في « ق » يطهرها.

٢٩٢

المطلب الخامس

( في تطهير الأواني )

إذا ولغ الكلب في الإناء ، نجس الماء وأهريق ، وغسل ثلاث مرات أولاهن بالتراب ، لقول الصادق عليه‌السلام : عن الكلب رجس نجس لا تتوضأ بفضله (١). ولا يجب غسله سبع مرات ، لقوله عليه‌السلام : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات (٢). وقول الصادق عليه‌السلام : واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين (٣).

وهل يقوم الصابون والأشنان والجص وأشباهها مقامه؟ يحتمل ذلك مطلقا ، لأنه كان أبلغ في الإزالة من التراب. والمنع مطلقا ، لأنها طهارة متعلقة بالتراب ، فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم ، والجواز مع فقد التراب ، إقامة لغيره مقامه للضرورة.

وهل يكفي الماء ثلاث مرات؟ يحتمل ذلك ، لأن القصد التطهير والماء أبلغ فيه. والعدم لأنها طهارة مغلظة جمع فيها بين جنسين ، فلا يجوز الاقتصار على أحدهما ، والجواز عند فقد التراب وشبهه.

ولا يجزي التراب النجس ، لأن النجس لا يطهر غيره ، ويحتمل الإجزاء ، لأن المقصود الاستعانة على القلع بشي‌ء آخر ، فكان كالدبغ بالنجس.

وهل يفتقر إلى مزجه بالماء أم يكفي ذره على المحل؟ إشكال ، ينشأ : من افتقاره إلى إيصال التراب إلى جميع أجزاء المحل ، ولافتقار صدق الغسل إليه. ومن أصالة البراءة. فإن قلنا بالأول لم يقتصر على غير الماء ، بل يجوز المضاف كالخل وماء الورد ، إذا المقصود من تلك الغسلة التراب على إشكال ، ينشأ من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠١٥ ح ٢.

(٢) سنن البيهقي ١ ـ ٢٤٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠١٥ ح ٢ وليس فيه كلمة « مرتين ».

٢٩٣

أنه غير مطهر ، ولأن قوله عليه‌السلام : فليغسله ثلاثا أولاهن بالتراب (١). معناه : فليغسله بالماء ثلاثا ، وإلا لجاز الغسل بغير الماء.

والأصل فيه : أن التعفير إن ثبت تعبدا تبع فيه ظاهر النقل ، فلا يجوز غير التراب ، وإن كان ماء. ولا التراب النجس ولا الممتزج بالمائعات وإن ثبت استظهارا في القلع بغير الماء فيجوز استعمال غير التراب من الأشنان وشبهه ، والمزج بسائر المائعات والتراب النجس ولا يجزي الماء. وإن ثبت جمعا بين نوعي الطهور ، وجب عين التراب الطاهر.

وإن قلنا بالثاني وجب مسحه بالتراب ودلكه به بحيث تقلع الأجزاء اللعابية من الإناء.

ولو حصل اللعاب بغير الولوغ ، فالأقوى إلحاقه به ، إذا المقصود قلع اللعاب من غير اعتبار السبب.

وهل يجزي عرقه وسائر رطوباته وأجزائه وفضلاته مجرى لعابه؟ إشكال ، الأقرب ذلك ، لأن فمه أنظف من غيره ، ولهذا كانت نكته أطيب من غيره من الحيوانات لكثرة لهثه.

ولو خيف فساد المحل باستعمال التراب ، فهو كالفاقد. ولو تكرر الولوغ ، كفت الثلاثة ، اتحد الكلب أو تعدد ، لأن جنس النجاسة واحد ، فلا فرق بين قليلها وكثيرها.

ولو أدخل يده أو رجله أو غيرهما من أجزائه ، كان كغيره من النجاسات ، وقيل : بمساواته للولوغ.

والمتولد من (٢) الكلب وغيره يتبع الاسم.

__________________

(١) كنز العمال ٥ ـ ٨٩.

(٢) في « ق » بين.

٢٩٤

ولو وقع فيه نجاسة بعد غسله بعض العدد ، فإن كانت ذات عدد مساو للباقي كفى ، وإلا تداخلت في الباقي وغسل الزائد ، وكذا قبل غسله إلا أن التراب لا بد منه للولوغ. ثم إن افتقرت إلى الغسل ثلاثا ، وجبت الثلاث غير التراب.

ولو غسله بالتراب ثم بالماء مرة ، ثم ولغ فيه ثانيا ، وجب الاستيناف.

ولو وقع إناء الولوغ في ماء قليل ، نجس ولم يحتسب بغسله. ولا يجب في إناء الماء غسله بالتراب ، بل بالماء ، وهل يجب مرتان؟ الأقرب العدم ، وكذا ماء غسل الولوغ ، والأقرب إلحاق ماء الولوغ به ، لوجود الرطوبة اللعابية غالبا.

ولو وقع في إناء فيه طعام جامد ، ألقى ما أصابه فمه وانتفع بالباقي ، كالفأرة إذا ماتت في سمن جامد ، ولا يجب الغسل إن لم يصب فمه أو لعابه الإناء.

وألحق الشيخ رحمه‌الله الخنزير بالكلب (١). وليس بجيد ، بل الأولى غسل الإناء من ولوغه سبعا ، لقول الكاظم عليه‌السلام : وقد سئل عن خنزير شرب في إناء كيف يصنع به؟ يغسل سبع مرات (٢).

وهل يعتبر العدد في غير الولوغ إشكال ، الأقرب اعتبار زوال عين النجاسة وأثرها. وللشيخ (٣) قول بغسل الإناء من الخمر سبع مرات. لقول الصادق عليه‌السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : يغسله سبع مرات (٤). وفي رواية وقول له ثلاثا (٥). والأقرب ما تقدم ، لزوال المقتضي ، ولقول‌

__________________

(١) قال في المبسوط [ ١ ـ ١٥ ] وما ولغ فيه الخنزير حكمه حكم الكلب سواء ، لأنه يسمى كلبا.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠١٧ ح ١.

(٣) المبسوط ١ ـ ١٥.

(٤) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٩٤ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٩٤ ح ١.

٢٩٥

الصادق عليه‌السلام عن الدن فيه الخمر إذا غسل فلا بأس (١). ولم يعتبر العدد ، وحمل العدد على الاستحباب.

وكذا يستحب في موت الجرذ الغسل سبع مرات. وكذا الفأرة ، لقول الصادق عليه‌السلام : اغسل الإناء الذي يصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات (٢). ويستحب الثلاث من باقي النجاسات ، وقيل : بالوجوب.

والعدد في الولوغ وغيره إنما هو إذا صب الماء في الإناء وقلب منه ، أما لو وقع في ماء كثير ، فالأقوى عندي الطهارة بمجرد وصول الماء إلى جميع أجزاء المحل إن كانت النجاسة حكمية ، وإن كانت عينية فعند زوالها من غير اعتبار عدد وتراب ، خلافا للشيخ.

وأواني المشركين طاهرة ، للأصل ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة ، أو ملاقاة نجاسة ، لقوله عليه‌السلام : فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها (٣). وقول الباقر عليه‌السلام في آنية أهل الذمة والمجوس : لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم الذي يشربون فيها (٤). ولو جهل مباشرتهم لها ، كره استعمالها للاحتياط.

وتطهر بالغسل من الخمر الأواني الصلبة التي لا تشرب بأجزائه ، كالرصاص والصفر والنحاس والزجاج والخزف المطلي إجماعا. وأما ما كان من الخشب والخزف غير المعصور والقرع ، فالأقرب الكراهة بعد الاستظهار في إزالة العين ، وإن بقي اللون لعسر إزالته.

ولو كان في إناء بول أو ماء نجس ، أريق وغسل. ولو رمى فيه ماء الغسل قبل الإراقة ، لم يطهر ، إلا أن يتصل بالجاري أو بكثير الواقف.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠٧٦ ب ٥٣.

(٣) راجع منتهى المطلب ١ ـ ١٩٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠٩٢ ح ٢.

٢٩٦

المطلب السادس

( في بقايا مباحث الأواني )

أقسام الأواني ثلاثة :

الأول : ما يتخذ من الذهب أو الفضة ، وهو محرم الاستعمال في أكل وشرب وغيره ، لقوله عليه‌السلام : لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها (١). ولقول الصادق عليه‌السلام : لا تشربوا في آنية الذهب والفضة (٢). ولما فيه من السرف والخيلاء وانكسار قلوب الفقراء ، ووضعها لغير ما خلقت له ، وهو الانتفاع بها في المعاوضات. ويستوي في المنع الرجال والنساء ، وإن جاز للنساء التحلي تزينا.

وكذا يحرم سائر وجوه استعمالها ، كالتوضي والأكل بملعقة الفضة ، والتطيب بماء الورد من قارورة الفضة ، والتجمر بمجمرة الفضة إذا احتوى عليها أو قصد. ولا بأس بإتيان الرائحة من بعد ، لما فيه من الخيلاء ، وكسر قلوب الفقراء ، ولأن الباقر عليه‌السلام نهى عن آنية الذهب والفضة (٣). والنهي عن الأعيان ينصرف إلى المنع من جميع وجوه الانتفاعات.

وهل يحرم اتخاذ الأواني منهما لغير الاستعمال كتزيين المجالس وغيره؟ الوجه ذلك ، لقوله عليه‌السلام : إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة (٤). ولحديث الباقر عليه‌السلام (٥) ولأن تحريم استعمالها مطلقا يستلزم تحريم اتخاذها على هيئة الاستعمال كالطنبور ، ولأن فيه تعطيلا للمال وهو يناسب إتلافه المنهي عنه.

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ ـ ١٦٣٨ الرقم ٢٠٦٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠٨٣ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠٨٤ ح ٣.

(٤) صحيح مسلم ٣ ـ ١٦٣٧.

(٥) المتقدم آنفا.

٢٩٧

ولو اتخذ إناء من أحد الجوهرين مموهة بنحاس أو رصاص ، حرم استعماله ، لاندراجه تحت العموم ، والسرف موجود فيه وإن لم يظهر.

ولا يحرم اتخاذها من غير الجوهرين وإن غلت أثمانها ، كالفيروزج والياقوت والزبرجد وغيرها من الجواهر النفيسة ، سواء قلنا إن تحريم النقدين لعينهما ، كاختصاصهما بتقويم الأشياء ووجوب حق الزكاة وجعلهما رأس مال القراض ونحو ذلك. أو لمعنى فيهما هو السرف والخيلاء ، لظهوره فيهما للفقراء وخفاء نفاسة غيرهما ، بحيث لا يدركهما إلا الخواص ، فليست في معنى النقدين.

وأما المفضض فالأقرب الكراهة دون التحريم ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انكسر قدحه فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. وقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بأن يشرب الرجل في القدح المفضض ، واعزل فاك عن موضع الفضة (١). والكراهية للخلاص من الخلاف ، وقول الصادق عليه‌السلام : إني أكره الشرب في الفضة وفي القداح المفضضة (٢).

فروع :

الأول : لو توضأ من الآنية أو اغتسل ، صحت طهارته ، لأن فعل الطهارة وماؤها لا يتعلقان بشي‌ء من ذلك ، والطهارة تحصل بعد النزع المحرم ، وكذا لو جعلها مصبا لماء الوضوء ينفصل عن أعضائه إليه ، لحصول رفع الحدث قبل الاستعمال.

الثاني : لو اتخذ إناء من حديد أو غيره ، ومموهة بالذهب أو الفضة ، فإن كان يحصل فيهما شي‌ء بالعرض على النار ، منع (٣) من استعماله ، وإلا فإشكال ينشأ : من ظهوره للفقراء فلا يحصل الخيلاء. ومن المشابهة لآنية الذهب والفضة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠٨٦ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ١٠٨٥ ح ٢.

(٣) في « س » يمنع.

٢٩٨

الثالث : لو كان مفضضا أو مضببا بفضة أو ذهب ، وجب عزل الفم عنها ، لقول الصادق عليه‌السلام : واعزل فاك عن موضع الفضة (١). ولا فرق بين كون الضبة كثيرة أو صغيرة ، على قدر الحاجة كإصلاح موضع الكسر والتوثيق أو فوقها.

الرابع : لا فرق بين المضبب بالفضة أو الذهب في ذلك ، لتساويهما في المنع والعلة.

الخامس : لو اتخذ من قدر الضبة المجوزة إناء صغير ، كالمكحلة والظرف الغالية لم يجز ، لوقوع اسم الآنية عليه.

السادس : الأقرب جواز اتخاذ حلقة من فضة وذهب ، وسلسلة ، ورأس منهما ، وأنف الذهب ، وما يربط به أسنانه. وفي تحريم الآلات كالميل والصنجة والمرآة والصفائح في قائم السيف إشكال ، أقربه عدم المنع ، لأصالة الإباحة.

الثاني : ما يتخذ من الجلود ، ويشترط طهارة أصولها والتذكية ، سواء أكل لحمها أو لا ، عملا بأصالة الطهارة. فلو اتخذ إناء من جلد نجس العين ، لم يجز وإن دبغ. ولا يشترط الدباغ بالأصل ، لكن يستحب لإزالة الزهومات.

الثالث : المتخذ من العظام ، وإنما يشترط فيه طهارة الأصل خاصة دون التذكية ، لأنه لا ينجس بالموت إذ لا تحلها الحياة. ولو كان من نجس العين كالكلب والخنزير ، لم يجز ، لنجاسته تبعا لهما.

وأما المتخذ من غير هذه من جميع الأجسام الطاهرة بالأصل ، فإنه يجوز استعماله في جميع الأشياء وإن غلت أثمانها ، لعموم « قُلْ مَنْ حَرَّمَ » (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ ـ ١٠٨٦ ح ٥.

(٢) سورة الأعراف : ٣٢.

٢٩٩

المطلب السابع

( في كلام في الجلود )

جلد الميتة من ذي النفس السائلة نجس لا يطهر بالدباغ ، سواء كان أصله مأكول اللحم أو لا ، وسواء كان طاهرا في حال الحياة أو لا عند علمائنا ، لقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (١) وقول عليه‌السلام : لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (٢). وسأل محمد بن مسلم أحدهما عليهم‌السلام عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال : لا ولو دبغ سبعين مرة (٣). ولأن النجاسة بالموت ، وهي لازمة لدوام معلولها. ولا ينتفع به في اليابسات على الأقوى.

أما الشعر والوبر والصوف والريش ، فإنها لا تحلها الحياة ، فلا تنجس بالموت. وهي نجسة من نجس العين ، لأنها جزءا منه.

والكلب والخنزير والآدمي لا تقع عليها الذكاة ، ولا تطهر جلودها بالدباغ ، فإن الدباغ كالحياة بل هو أنقص ، لأن غايته نزع الفضلات ودفع الاستحالات ، والحياة أبلغ في ذلك من الدباغ ، فإذا لم تفد الحياة طهارة الكلب والخنزير لنجاسته قبل الموت ، فالدباغ أولى بعدم الطهارة ، والآدمي لا يطهر به ، لما فيه من الامتهان.

وأما باقي الحيوانات الطاهرة حال الحياة مما لا يؤكل لحمه ، فإنه يقع عليه الذكاة كالسباع ، ويطهر الجلود بها وإن لم يدبغ ، لقوله تعالى ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (٤) وقوله عليه‌السلام : دباغ الأديم ذكاته (٥). وفي آخر ذكاة الأديم دباغه (٦). أقام كلا مقام الآخر.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ ـ ١١٩٤ الرقم ٣٦١٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٤٩ ح ١.

(٤) سورة المائدة : ٣.

(٥ ـ ٦) راجع منتهى المطلب ١ ـ ١٩٢.

٣٠٠