المناقشة فليكتف في منع حصول هذا القطع من جهة العقل وأنّه لا يمكن ذلك ، وأنت خبير بأنّ دعوى ذلك بعيد عن السداد ، ولا يرد هذا على من ادّعى ذلك (حصول القطع) إذ لم يدل دليل على امتناعه إن لم يسلَّم البرهان ، على وقوعه فإذا ادّعاه مدّع فكيف نكذِّبه؟ نعم لا نمنع تفاوت الأفهام في ذلك وندرة المواضع التي يستقل العقل بإدراك الحكم ، وذلك لا يوجب نفي الحكم رأساً ولا يرد نقضاً على من جزم بذلك ، فإنّ كل مجتهد مكلّف بمؤدّى فهمه قطعياً كان أو ظنيّاً ومعذور في خطئه. (١)
٥ ـ كلام لصاحب الفصول وهو من النافين :
إنّ صاحب الفصول حرّر محل النزاع أوّلاً وقال : «نزاعهم في المقام يرجع إلى مقامين :
الأوّل : إذا أدرك العقل جهات الفعل من حسن وقبح فحكم بوجوبه أو حرمته أو غير ذلك فهل يكشف ذلك عن حكمه الشرعيّ ويستلزم أن يكون قد حكم الشارع أيضاً على حسبه ومقتضاه من وجوب أو حرمة أو غير ذلك ، أو لا يستلزم ذلك ، ثمّ إنّ عدم الاستلزام يتصوّر على وجهين :
١ ـ أن يُجوَّز حكم الشارع على خلافه ، وعلى هذا تُنفى الملازمة من الجانبين ، فلا يستلزم حكم العقل حكم الشرع ولا حكم الشرع حكم العقل.
٢ ـ أن يُجوَّز أن لا يكون للشارع فيما حكم العقل فيه بوجوب أو حرمة مثلاً ، حكم أصلاً لا موافقاً ولا مخالفاً. ذلك بأن تخلو الواقعة عن الحكم رأساً ، وعلى هذا تُنفى الملازمة من جانب واحد ، وأمّا الجانب الآخر فتجوز الملازمة.
__________________
(١) القوانين المحكمة : ٢ : / ٢ ـ ٤. شكر الله مساعيه وقد أغنانا بيانه عن إعادة المقال وإقامة البرهان على المختار وفي كلامه إشارة إلى ما هو المختار عندنا في إدراك الحسن والقبح وقد أوعزنا إليه أيضاً في التعليقة.