تعالى بالضرورة والأخبار ، وثبت من الأخبار أنّها موجودة عند المعصومين وإن لم يصل إلينا كلّها ـ أنّ كل ما يُدرك العقل قبحه فلا بدّ أن يكون من جملة ما نهى الله تعالى عنه ، وما يدرك حسنه لا بدّ أن يكون ممّا أمر به ، فإذا استقل العقل بإدراك الحسن والقبح بلا تأمّل في توفيقه على شرط أو زمان أو مكان أو مع تقييده بشيء من المذكورات ، فيحكم بأنّ الشرع أيضاً حكم به كذلك ، لأنّه تعالى لا يأمر بالقبح ولا ينهى عن الحسن ، بل أنّه يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر.
وقد يقال (١) إنّ الثواب والعقاب إنّما يترتّبان على الإطاعة والمخالفة لا غير والإطاعة والمخالفة لا تتحقّق إلّا بموافقة الأوامر والنواهي من الكتاب والسنّة ومخالفتهما وحيث لا أمر ولا نهي ولا خطاب فلا إطاعة فلا ثواب ولا عقاب.
وفيه أنّ انحصار الإطاعة والمخالفة في موافقة الخطاب اللفظي ومخالفته دعوى بلا دليل ، بل هما موافقة طلب الشارع ومخالفته وإن كان ذلك الطلب بلسان العقل ، ونظير ذلك أنّ الله تعالى إذا كلّف نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بواسطة إلهام من دون نزول وحي من جبرئيل (عليهالسلام) وإتيان كلام ، وامتثله فيقال : إنّه أطاع الله جزماً فانّ العقل فينا نظير الإلهام فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
والقول (٢) «بأنّ القدر الثابت من الأدلّة انّ ما يجوز اتباعه وتجب متابعته هو ما حصل القطع به أو الظن من قول المعصوم أو فعله أو تقريره دون غيره ، فالكلام في هذا الدليل العقلي مثل الكلام في جواز العمل بالرؤيا إذا رأى أحداً من المعصومين (عليهمالسلام) وحكم بحكم ولا دليل على جواز العمل بهذا الحكم ، فهو كلام ظاهري» ، إذ من يدّعي حكم العقل بوجوب ردِّ الوديعة وحرمة الظلم ، يدّعي القطع بأنّ الله تعالى خاطبه بذلك بلسان العقل ، فكيف يجوز العمل بالظن بخطاب الله تعالى وتكليفه ، ولا يجوز العمل مع اليقين به؟ فإن كان ولا بدّ من
__________________
(١) ردّ على كلام السيد الصدر وقد مرّ.
(٢) ردّ على مقالة الأخباريين.