الثاني : إنّ عقولنا إذا أدركت الحكم الشرعي وجزمت به فهل يجوز لنا اتّباعها ويثبت بذلك الحكم في حقّنا أو لا؟.
أمّا المقام الأوّل فالحقّ أنّه لا ملازمة عقلاً بين حسن الفعل وقبحه وبين وقوع التكليف على حسبه ومقتضاه ، ويدل على ذلك أُمور :
الف : حسن التكليف الابتلائي فانّ الضرورة قاضية بحسن أمر المولى عبده بما لا يستحق فاعله من حيث إنّه فاعله ، المدح في نظره ، استخباراً لأمر العبد وإظهاراً لحاله عند غيره ، ولو كان حسن التكليف مقصوراً على حسن الفعل لما حسن ذلك. ثمّ نقل اعتراضات ثلاثة عن بعض المعاصرين ونقدها على وجه استغرق النقد ورقة واحدة كبيرة (١) ونحن نركز على أصل الاستدلال ونقول :
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره خارج عن محل النزاع إذ ليس البحث في أنّ حسن التكليف مقصور على حسن الفعل حتى ينازع بأنّ الأوامر الاختيارية خالية عن حسن الفعل ، بل النزاع في أنّ حسن الفعل يلازم التكليف أو لا ، وبين الأمرين بون بعيد ، فلا تُعدّ الأوامر الامتحانية نقضاً للقاعدة وإنّما تُعدّ نقضاً لو كانت القاعدة «حسن التكليف يستلزم حسن الفعل» مع أنّها غير ذلك. وإنّما هي : حسن الفعل يستتبع التكليف أو لا.
وإن شئت قلت : اختلفت العدلية القائلة بلزوم تبعية التكاليف للمصالح والمفاسد ، في لزوم كون المتعلّق مشتملاً عليهما ، أو كفاية كون التكليف مشتملاً على المصلحة فالمحقّقون من الأُصوليين على الثاني ، وما ذكر صاحب الفصول من الأمثلة إنّما تصلح أن يكون ردّاً على القول الأوّل القائل بلزوم اشتمال المتعلّق عليهما ، بأنّه يكفي كون التكليف ذا مصلحة ، وأين هذا من المقام من وجود الملازمة بين إدراك الحسن ووجوبه شرعاً.
ب : التكاليف التي ترد مورد التقية إذا لم يكن في نفس العمل تقية ، وإرادة
__________________
(١) الفصول : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.