الشيخ عبد الله الحسن
المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٤
المناظرة السادسة عشرة
مناظرة
ابن عباس مع عائشة في دفن الإمام الحسن عليهالسلام
عند جدِّه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومنع مروان بن الحكم من دفنه
قال القرطبي : لمَّا مات الحسن عليهالسلام أرادوا أن يدفنوه في بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأبت ذلك عائشة ، وركبت بغلة ، وجمعت إليها الناس ، فقال لها ابن عباس : كأنكِ أردتِ أن يقال : يوم البغلة كما قيل : يوم الجمل؟
قالت : رحمك الله ، ذاك يوم نسي.
قال : لا يوم أذكر منه على الدهر (١).
وقال اليعقوبي : لمَّا حضرته عليهالسلام الوفاة قال لأخيه الحسين عليهالسلام : يا أخي! إن هذه آخر ثلاث مرار سقيت فيها السمَّ ، ولم أسقه مثل مرَّتي هذه ، وأنا ميِّت من يومي ، فإذا أنا متُّ فادفنّي مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما أحدٌ أولى بقربه منّي ، إلاَّ أن تمنع من ذلك فلا تسفك فيه محجمة دم.
ثمَّ أخرج نعشه يراد به قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فركب مروان بن الحكم ،
__________________
١ ـ بهجة المجالس وأنس المجالس ، القرطبي : ١ / ١٠٠.
وسعيد بن العاص ، فمنعا من ذلك ، حتى كادت تقع فتنة.
وقيل : إن عائشة ركبت بغلة شهباء ، وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، فقال لها : يا عمَّة! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال : يوم البغلة الشهباء؟ فرجعت.
واجتمع مع الحسين بن علي عليهماالسلام جماعة وخلق من الناس ، فقالوا له : دعنا وآل مروان ، فوالله ما هم عندنا إلاَّ كأكلة رأس.
فقال : إن أخي أوصاني أن لا أريق فيه محجمة دم (١).
وروى أبو الفرج الإصفهاني ، عن عمير بن إسحاق قال : كنت مع الحسن والحسين عليهماالسلام في الدار ، فدخل الحسن المخرج ، ثمَّ خرج فقال : لقد سقيت السمَّ مراراً ، ما سقيته مثل هذه المرَّة ، ولقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت أقلِّبها بعود معي ، فقال له الحسين عليهالسلام : من سقاكه؟ فقال : وما تريد منه؟ أتريد أن تقتله؟ إن يكن هو هو فالله أشدُّ نقمة منك ، وإن لم يكن هو فما أحبُّ أن يؤخذ بي بريءٌ.
ودفن الحسن عليهالسلام في جنب قبر فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في البقيع ، في ظلّة بني نبيه ، وقد كان أوصى أن يدفن مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فمنع مروان بن الحكم من ذلك ، وركبت بنو أميَّة في السلاح ، وجعل مروان يقول : يا رُبَّ هيجا هي خير من دعة ، أيدفن عثمان في أقصى البقيع ويدفن الحسن عليهالسلام في بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف ، فكادت الفتنة تقع.
وأبى الحسين عليهالسلام أن يدفنه إلاَّ مع النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له عبد الله بن جعفر : عزمت عليك بحقّي ألا تكلَّم بكلمة ، فمضى به إلى البقيع ، وانصرف مروان بن
__________________
١ ـ تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٥.
الحكم.
وقال علي بن طاهر بن زيد : لمَّا أرادوا دفنه ركبت عائشة بغلا ، واستنفرت بني أميَّة ; مروان بن الحكم ، ومن كان هناك منهم ومن حشمهم ، وهو القائل :
فيوماً على بغل |
|
ويوماً على جمل (١) |
وروى الشيخ الطوسي عليه الرحمة ، عن ابن عباس ما جاء في وصيَّة الإمام الحسن بن علي عليهماالسلام لأخيه الحسين عليهالسلام ، ومما جاء فيها : فإنّي أوصيك ـ يا حسين ـ بمن خلَّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك ، أن تصفح عن مسيئهم ، وتقبل من محسنهم ، وتكون لهم خلفاً ووالداً ، وأن تدفنني مع جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإني أحقُّ به وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ، ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال الله تعالى فيما أنزله على نبيِّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في كتابه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (٢) ، فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرُّف فيما ورثناه من بعده ، فإن أبت عليك الامرأة فأنشدك بالقرابة التي قرَّب الله عزَّوجلَّ منك ، والرحم الماسّة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا تهريق فيَّ محجمة (٣) من دم حتى نلقى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فنختصم إليه ، ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده. ثم قبض عليهالسلام.
قال ابن عباس : فدعاني الحسين عليهالسلام وعبد الله بن جعفر وعلي بن عبدالله بن العباس ، فقال : اغسلوا ابن عمِّكم ، فغسلناه وحنّطناه وألبسناه أكفانه ، ثمَّ خرجنا به حتى صلَّينا عليه في المسجد ، وإن الحسين عليهالسلام أمر أن يفتح البيت ،
__________________
١ ـ مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصفهاني : ٤٨ ـ ٤٩.
٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٥٣.
٣ ـ المحجمة : أداة الحجم ، والقارورة التي يجمع فيها دم الحجامة.
فحال دون ذلك مروان بن الحكم ، وآل أبي سفيان ، ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان ، وقالوا : أيدفن أميرالمؤمنين عثمان الشهيد القتيل ظلماً بالبقيع بشرِّ مكان ، ويدفن الحسن عليهالسلام مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! والله لا يكون ذلك أبداً حتى تكسر السيوف بيننا ، وتنقصف الرماح ، وينفد النبل.
فقال الحسين عليهالسلام : أما والله الذي حرَّم مكة ، لَلْحسن بنُ عليٍّ بنُ فاطمة أحقُّ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ، وهو والله أحقُّ به من حمَّال الخطايا ، مسيِّر أبي ذر رحمهالله ، الفاعل بعمَّار ما فعل ، وبعبد الله ما صنع ، الحامي الحمى ، المؤوي لطريد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكنَّكم صرتم بعده الأمراء ، وبايعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء.
قال : فحملناه ، فأتينا به قبر أمِّه فاطمة عليهاالسلام فدفنّاه إلى جنبها.
قال ابن عباس : وكنت أول من انصرف ، فسمعت اللغط ، وخفت أن يعجل الحسين عليهالسلام على من قد أقبل ، ورأيت شخصاً علمت الشرَّ فيه ، فأقبلت مبادراً ، فإذا أنا بعائشة في أربعين راكباً على بغل مرحَّل ، تقدمهم وتأمرهم بالقتال ، فلمَّا رأتني قالت : إليَّ إليَّ يابن عباس! لقد اجترأتم عليَّ في الدنيا ، تؤذونني مرَّة بعد أخرى ، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبُّ.
فقلت : واسوأتاه! يوم على بغل ، ويوم على جمل ، تريدين أن تطفئي فيه نور الله ، وتقاتلي أولياء الله ، وتحولي بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين حبيبه أن يدفن معه ، ارجعي فقد كفى الله ( تعالى ) المؤنة ، ودفن الحسن عليهالسلام إلى جنب أمِّه ، فلم يزدد من الله ( تعالى ) إلاَّ قرباً ، وما ازددتم منه والله إلاَّ بعداً ، يا سوأتاه! انصرفي فقد رأيت ما سرَّك.
قال : فقطَّبت في وجهي ، ونادت بأعلى صوتها : أما نسيتم الجمل يابن
عباس؟ إنكم لذوو أحقاد.
فقلت : أما والله ما نسيه أهل السماء ، فكيف ينساه أهل الأرض؟! فانصرفت وهي تقول :
فألقت عصاها فاستقرَّت بها النوى |
|
كما قرَّعيناً بالإياب المسافر (١) |
وجاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ١٣ ـ ١٤ ، قال : روى المدائني ، عن يحيى بن زكريا ، عن هشام بن عروة ، قال : قال الحسن عليهالسلام عند وفاته : ادفنوني عند قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاَّ أن تخافوا أن يكون في ذلك شرٌّ ، فلمَّا أرادوا دفنه قال مروان بن الحكم : لا يدفن عثمان في حشّ كوكب (٢) ويدفن الحسن ها هنا ، فاجتمع بنو هاشم وبنو أميَّة ، وأعان هؤلاء قوم ، وهؤلاء قوم ، وجاءوا بالسلاح ، فقال أبو هريرة لمروان : أتمنع الحسن عليهالسلام أن يدفن في هذا الموضع ، وقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنّة؟! قال مروان : دعنا منك ، لقد ضاع حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ كان لا يحفظه غيرك وغير أبي سعيد الخدري! وإنّما أسلمت أيام خيبر ..
وروى ابن عساكر ، عن محمّد بن الضحاك الحرامي قال : لمَّا بلغ مروان ابن الحكم أنهم قد أجمعوا أن يدفنوا الحسن بن علي عليهالسلام مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جاء إلى سعيد بن العاص ـ وهو عامل المدينة ـ فذكر ذلك له ، فقال : ما أنت صانع في أمرهم؟
فقال : لست منهم في شيء ، ولست حائلا بينهم وبين ذلك.
__________________
١ ـ الأمالي ، الشيخ الطوسي : ١٦٠ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٤٤ / ١٥١ ح ٢٢.
٢ ـ قال في الهامش : حش كوكب ـ بفتح أوَّله وتشديد ثانيه ـ موضع عند بقيع الغرقد ، اشتراه عثمان ، وزاده في البقيع ، ولمَّا قتل ألقي فيه.
قال : فخلِّني وإيَّاهم.
فقال : أنت وذاك.
فجمع لهم مروان مَنْ كان هناك من بني أميّة وحشمهم ومواليهم ، وبلغ ذلك حسيناً ، فجاء هو ومن معه في السلاح ليدفن حسناً في بيت النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول : يا ربَّ هيجا هي خير من دعة ، أيدفن عثمان بالبقيع ، ويدفن حسن في بيت النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف.
فلمَّا صلوا على حسن عليهالسلام خشي عبدالله بن جعفر أن يقع في ذلك ملحمة عظيمة ، فأخذ بمقدَّم السرير ، ثمَّ مضى نحو البقيع .. (١).
__________________
١ ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ١٣ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.
المناظرة السابعة عشرة
مناظرة
رجل من بني سعد مع طلحة والزبير في خروج عائشة
روى الطبري ، قال : فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير ، فقال : أمَّا أنت ـ يا زبير ـ فحواري رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمَّا أنت ـ يا طلحة ـ فوقيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيدك ، وأرى أمَّكما معكما ، فهل جئتما بنسائكما؟
قالا : لا.
قال : فما أنا منكما في شيء ، واعتزل. وقال السعدي في ذلك :
صُنْتُم حَلاَئِلَكم وَقُدْتُم
أُمَّكم |
|
هذا لَعَمْرُك قلَّةُ الإنصافِ |
أُمِرَتْ بجرِّ ذُيُولِها في بَيْتِها |
|
فَهَوَتْ تشقُّ البيدَ بالإِيجافِ |
غرضاً يُقَاتِلُ دونها أبناؤُها |
|
بالنَّبْلِ وَالْخِطيِّ والأسيافِ |
هُتِكَتْ بطَلْحَةَ والزبيرِ
سُتُورُها |
|
هذا المخبِّرُ عَنْهُمُ والكافي (١) |
وذكر نصر بن مزاحم عن القاسم بن محمّد ، قال : أقبل جارية بن قدامة السعدي فقال : يا أمَّ المؤمنين! والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على
__________________
١ ـ تاريخ الطبري : ٣ / ٤٨٢.
هذا الجمل الملعون ، عرضة للسلاح ، إنّه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكت سترك ، وأبحت حرمتك ، إنّه من رأى قتالك فإنّه يرى قتلك ، إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتينا مستكرهة ، فاستعيني بالناس (١).
__________________
١ ـ تاريخ الطبري ٣ / ٤٨٢ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٨٨ ، وفيه : فاستعتبي الله ، بدل : فاستعيني بالناس.
المناظرة الثامنة عشرة
مناظرة
رجل مع عبد الملك بن مروان
من كتاب أعلام الدين للديلمي : قال رجل لعبد الملك بن مروان : أناظرك وأنا آمن؟
قال : نعم.
فقال له : أخبرني عن هذا الأمر الذي صار إليك ، أبنصٍّ من الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
قال : لا.
قال : اجتمعت الأمّة فتراضوا بك؟
فقال : لا.
قال : فكانت لك بيعة في أعناقهم فوفوا بها؟
قال : لا.
قال : فاختارك أهل الشورى؟
قال : لا.
قال : أفليس قد قهرتهم على أمرهم ، واستأثرت بفيئهم دونهم؟
قال : بلى.
قال : فبأيِّ شيء سمِّيت أميرالمؤمنين ، ولم يؤمِّرك الله ولا رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا المسلمون؟
قال له : اخرج عن بلادي وإلاَّ قتلتك.
قال : ليس هذا جواب أهل العدل والإنصاف ، ثمَّ خرج عنه (١).
__________________
١ ـ بحار الأنوار ، المجلسي : ٤٦ / ٣٣٥ ح ٢٣.
المناظرة التاسعة عشرة
مناظرة
الأعمش مع أبي حنيفة
عن شريك بن عبدالله القاضي ، قال : حضرت الأعمش في علّته التي قبض فيها ، فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة ، فسألوه عن حاله ، فذكر ضعفاً شديداً ، وذكر ما يتخوَّف من خطيئاته ، وأدركته رقّة فبكى ، فأقبل عليه أبو حنيفة ، فقال : يا أبا محمّد! اتق الله ، وانظر لنفسك ، فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا ، وأول يوم من أيام الآخرة ، وقد كنت تحدِّث في علي بن أبي طالب عليهالسلام بأحاديث ، لو رجعت عنها كان خيراً لك.
قال الأعمش : مثل ماذا ، يا نعمان؟
قال : مثل حديث عباية : أنا قسيم النار.
قال : أو لمثلي تقول [ هذا ] يا يهودي؟ أقعدوني ، سنِّدوني ، أقعدوني ، حدَّثني ـ والذي إليه مصيري ـ موسى بن طريف ـ ولم أر أسديّاً كان خيراً منه ـ قال : سمعت عباية بن ربعي إمام الحي ، قال : سمعت علياً أميرالمؤمنين عليهالسلام يقول : أنا قسيم النار ، أقول : هذا وليّي دعيه ، وهذا عدوّي خذيه.
وحدَّثني أبو المتوكل الناجي ، في إمرة الحجاج ، وكان يشتم علياً عليهالسلام
شتماً مقذعاً ـ يعني الحجاج ( لعنه الله ) ـ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا كان يوم القيامة يأمر الله عزَّوجلَّ فأقعد أنا وعلي على الصراط ، ويقال لنا : أدخلا الجنة من آمن بي وأحبَّكما ، وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما.
قال أبو سعيد : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما آمن بالله من لم يؤمن بي ، ولم يؤمن بي من لم يتولَّ ـ أو قال : لم يحبَّ عليّاً ، وتلا ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّار عَنِيد ) (١).
قال : فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه ، وقال : قوموا بنا ، لا يجيئنا أبو محمّد بأطمَّ من هذا.
قال الحسن بن سعيد : قال لي شريك بن عبدالله : فما أمسى ـ يعني الأعمش ـ حتى فارق الدنيا رحمهالله (٢).
__________________
١ ـ سورة ق ، الآية : ٢٤.
٢ ـ الأمالى ، الطوسي : ٦٢٨ ـ ٦٢٩ ح ٧ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٤٧ / ٤١٢ ـ ٤١٣ ح ١٩.
المناظرة العشرون
مناظرة
أبي الحسن علي بن ميثم رحمهالله مع أبي الهذيل العلاف
قال الشريف المرتضى عليه الرحمة : أخبرني الشيخ أدام الله عزَّه قال : سأل أبو الهذيل العلاف أبا الحسن علي بن ميثم رحمهالله عند علي بن رياح ، فقال له : ما الدليل على أن عليّاً عليهالسلام كان أولى بالإمامة من أبي بكر؟
فقال له : الدليل على ذلك إجماع أهل القبلة على أن علياً عليهالسلام كان عند وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مؤمناً عالماً كافياً ، ولم يجمعوا بذلك على أبي بكر.
فقال له أبو الهذيل : ومن لم يجمع عليه عافاك الله؟
قال له أبو الحسن : أنا وأسلافي من قبل وأصحابي الآن.
فقال له أبو الهذيل : فأنت وأصحابك ضلاَّل تائهون.
قال له أبو الحسن : ليس جواب هذا الكلام إلاَّ السباب ثمَّ اللطام (١).
__________________
١ ـ الفصول المختارة ، المفيد : ٨٦.
المناظرة الحادية والعشرون
مناظرة
هشام بن الحكم مع حفص بن سالم في الخلافة بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
اجتمع هشام بن الحكم وحفص بن سالم (١) في مجلس ، فقال هشام
__________________
١ ـ الظاهر ـ والله العالم ـ أنه حفص بن سالم مولى ابن هبيرة الذي هو أحد المعتزلة ، وقد ذكره الكليني عليه الرحمة في الذين جاؤوا لمناظرة الإمام الصادق عليهالسلام ، فقد روى عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي ، قال : كنت قاعداً عند أبي عبد الله عليهالسلام بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة ، وناس من رؤسائهم .. ، الخ ، وأغلب الظنّ أنه من البصرة ، وقد روى عنه عمرو بن عبيد ، والذي يدلّ على ذلك أنه جاء في إسناد محمّد بن سليمان الكوفي في كتاب مناقب أميرالمؤمنين عليهالسلام ، وجاء السند هكذا : عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن عمرو بن عبيد ، عن حفص بن سالم البصري.
هذا ولم أجد له ترجمة في كتب الرجال بهذا الاسم في هذه العجالة.
وقد جاء في كتب العامة حفص بن سلم أبو مقاتل السمرقندي ، وهو يروي عن سفيان الثوري ، كما في الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ، وذكره سبط ابن العجمي باسم حفص بن سالم وليس سلم.
وقد جاء بهذا الإسم في مصادرنا أيضاً وهو : حفص بن سالم الكوفي أبو ولاد ، ولكنه مختلف عنه ; إذ هو من أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام ، كما في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي عليه الرحمة وغيره.
لحفص : أخبرني هل يجوز أن يخرج الحقّ من الأمّة حتى يكون الحق موجوداً في غير الأمّة؟
قال حفص : لا يجوز ذلك.
فقال هشام : أو ليس انما اختلفت الأمّة في علي عليهالسلام وأبي بكر ، والخلافة كانت لأحدهما ـ لا محالة ـ بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
قال حفص : بلى.
قال هشام : أفليس قد سقط العباس بقرابته ، ومعاذ بن جبل بعلمه؟
قال حفص : بلى.
قال هشام : وقد سقط الناس كلّهم بعد هذين؟
قال : نعم.
قال : فلا يحتاج إذن إلى النظر في أمرهم ، وانّما النظر في أبي بكر وعلي عليهالسلام أيّهما يستحقّ الخلافة ممّن لا يستحقّها إذا كان الأمر بالاختيار على ما زعمتم؟
قال : نعم.
قال هشام : أفليس قد رويتم أن النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : عليٌّ أقضاكم (١).
__________________
راجع : معجم رجال الحديث ، السيد الخوئي : ٧ / ١٣٧ رقم : ٣٧٦٨ و ١٤٥ رقم : ٣٧٨٦ ، تهذيب المقال ، السيّد محمّد علي الأبطحي : ٥ / ١٥٩ ، الكفاية في علم الرواية ، الخطيب البغدادي : ٣١٠ ، الكشف الحثيث ، سبط ابن العجمي : ١٠١ ، مناقب أميرالمؤمنين عليهالسلام ، محمّد بن سليمان الكوفي : ١ / ١٥٤. رقم : ٨٨.
١ ـ راجع : تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢ / ١٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١ / ١٨ و ٧ / ٢١٩ ، فيض القدير ، المناوي : ١ / ٢٨٥ ، تفسير القرطبي : ١٥ / ١٦٢ ، الجوهرة في نسب الإمام
ورويتم أن النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وجَّهه إلى اليمن قاضياً ، قال : يا رسول الله! تبعثني
__________________
علي وآله ، البري : ٧١ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليهالسلام ، ابن الدمشقي : ١ / ٧٦ ، تاريخ ابن خلدون ، ابن خلدون : ١ / ١٩٧.
وعن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مرسلا .. وأقضاهم علي.
( فتح الباري ، ابن حجر : ٨ / ١٢٧ ).
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علىٌّ أقضى أمتي بكتاب الله ، فمن أحبَّني فليحبَّه ، فان العبد لا ينال ولا يتي إلاَّ بحبِّ علي عليهالسلام. ( تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢ / ٢٤١ ). وروي عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : أقضى أمتي علي. قال الطبري : أخرجه البغوي في المصابيح في الحسان.
( ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٨٣ ، فتح الباري ، ابن حجر : ٨ / ١٢٧ ).
وقد اعترف الصحابة وغيرهم بأن أميرالمؤمنين عليهالسلام أقضى الأمة.
فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده : ٥ / ١١٣ : عن عمر بن الخطاب قال : علي أقضانا ، وروى أحمد بن عبدالله الطبري في ذخائر العقبى : ٨٣ : عن عمر قال : أقضانا علي. قال : أخرجه الحافظ السلفي.
وعن ابن عبّاس قال : إذا حدَّثنا ثقة عن عليٍّ بفتيا لا نعدوها. وعن أبي إسحاق أن عبدالله كان يقول : أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب. ( الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد : ٢ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ).
وعن النعمان بن ثابت القاضي قال : حدَّثنا شريح القاضي ، قال : حدَّثنا علي بن أبي طالب عليهالسلام ـ وكان أقضى الأمة ـ قال : لمَّا أنفذني النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليمن قال : يا علي! الناس رجلان ، فعاقل يصلح للعفو ، وجاهل يصلح للعقوبة. ( تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٢٠ / ٢٣٦ ).
وروى البيهقي ، عن محمّد بن سليمان ، عن رقبة قال : خرج يزيد بن أبي مسلم من عند الحجاج ، فقال : لقد قضى الأمير بقضيّة ، فقال له الشعبي : وما هي؟ فقال : قال : ما كان للرجل فهو للرجل ، وما كان للنساء فهو للمرأة ، فقال الشعبي : قضاء رجل من أهل بدر ، قال : ومن؟ قال : لا أخبرك ، قال : من هو؟ عليَّ عهد الله وميثاقه أن لا أخبره ، قال : هو علي بن أبي طالب عليهالسلام ، قال : فدخل على الحجاج فأخبره ، فقال الحجاج : صدق ويحك إنَّا لم ننقم على عليٍّ قضاءه ، قد علمنا أن عليّاً كان أقضاهم.
( السنن الكبرى ، البيهقي : ١٠ / ٢٦٩ ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٦٥ / ٣٨٨ ).
وحدَّث أبو عبدالله الزبيري عن بعض العلماء أنَّه قال في منزلة الشافعي في العلماء : ومنزلة الشافعي في العلماء كمنزلة علي عليهالسلام في الصحابة ; فإنه كان أعلمهم وأفضلهم وأقضاهم ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أقضاكم علي. تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ١٥ / ٣٠٠ ).
ولا بصر لي بالقضاء؟ فضرب بيده على صدره ، ثمَّ قال : اللهم اهدِ قلبه ، واشرح صدره ، فقال عليّ عليهالسلام : فما شككت في قضاء بعدها (١).
ورويتم أنه قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتدأت (٢) وبين الجوانح علم جمٌّ (٣) ، وعلَّمني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ألف باب من العلم ، كل باب يفتح ألف باب (٤) ، ولقد علمت المنايا والبلايا وفصل الخطاب (٥) ، وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا
__________________
١ ـ سنن ابن ماجة : ٢ / ٧٧٤ ح ٢٣١٠ ، المصنَّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٤٩٥ ح ٥ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥ / ١١٦ ح ٨٤١٩ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ٢ / ٣٣٧ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١ / ١٨ ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١٢ / ٤٣٩ ، رقم : ٦٩١٦ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢ / ٣٨٩ ، وغيرها الكثير.
٢ ـ المصنَّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٤٩٥ ح ٦ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥ / ١٤٢ ح ٨٥٠٥ و ٨٥٠٦ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٦ / ٢١٣ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ٢ / ٣٤٦.
٣ ـ المحتضر ، الحسن بن سليمان الحلي : ٨٨.
٤ ـ تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢ / ٣٨٥ ، فتح الملك العلي ، أحمد بن الصديق المغربي : ٤٨ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ٨ / ٢٤ ، نظم درر السمطين ، الزرندي : ١١٣ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٣ / ١١٤ ـ ١١٥ ح ٣٦٣٧٢ ، ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ١ / ٢٢٢ ح ٤٣.
٥ ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام ، الصدوق : ١ / ٢٢٤ ح ٧ ، الخصال ، الصدوق : ٤١٤ ـ ٤١٥ ح ٤ ، وعن الأصبغ بن نباته قال : سمعت أميرالمؤمنين عليهالسلام يقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علّمني ألف باب ، وكل باب منها يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب ، حتى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب. ينابيع المودة ، القندوزي : ١ / ٢٣١ ح ٧٠.
ومن كلام لعمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه في حق أميرالمؤمنين عليهالسلام قال : يا أيها الناس! إنكم والله إن اتّبعتموه وأطعتموه لم يضلَّ بكم عن منهاج نبيِّكم قيد شعرة ، وكيف يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المنايا والوصايا وفصل الخطاب ، على منهاج هارون بن عمران ; إذ قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنَّه لا نبيَّ بعدي ، فضلا خصَّه الله به إكراماً منه لنبيِّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث أعطاه الله ما لم يعطه أحداً من خلقه. كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٦ / ١٨٥ ـ ١٨٦.
مدينة العلم وعليٌّ بابها (١) ، مع اتفاق المختلفين أنه كان أعلم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى صار المأخوذ قوله في عامّة أحكامهم؟
قال حفص : بلى ، ولا ننكر فضل علي عليهالسلام وبصره بالقضاء ، وبما حكى عن نفسه من العلم وما ظهر منه ، وأنّهم كلَّهم قد سألوه واحتاجوا إليه ، ولم يسأل هو أحداً منهم ، ولا احتاج إليه.
قال هشام : فإذا أقررت بذلك فهل تعلمون أن الله تعالى قال في كتابه : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) (٢) وقال : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات ) (٣) وقال : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) (٤)؟
__________________
١ ـ روى الحاكم النيسابوري في المستدرك : ٣ / ١٢٦ ـ ١٢٧ بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد.
وراجع : المعجم الكبير ، الطبراني : ١١ / ٥٥ ، الفايق في غريب الحديث ، جار الله الزمخشري : ٢ / ١٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٧ / ٢١٩ و ٩ / ١٦٥ ، شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ١ / ١٠٤ ح ١١٨ ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ٥ / ١١٠ و ٧ / ١٨٢ ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢ / ٣٧٨ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٤ / ٢٢ ، تهذيب الكمال ، المزي : ١٨ / ٧٧ و ٧٩ ، تذكرة الحفاظ ، الذهبي : ٤ / ١٢٣١ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٧ / ٣٩٨ ، المستصفى ، الغزالي : ١٧٠ ، الجامع الصغير ، السيوطي : ١ / ٤١٥ ح ٢٧٠٥ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٣ / ١٤٨ ، فيض القدير ، المناوي : ١ / ٤٩ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٧ / ٢٣٥ و ٩ / ١١٤ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٧٧ ، وقد ألَّف أحمد بن الصديق المغربي ( المتوفَّى ١٣٨٠ ) كتاباً كاملا في هذا الحديث وطرقه ، وحكم بصحّته ، وسمَّاه : فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي عليهالسلام.
٢ ـ سورة الزمر ، الآية : ٩.
٣ ـ سورة المجادلة ، الآية : ١١.
٤ ـ سورة فاطر ، الآية : ٢٨.
قال حفص : كذلك قال الله.
قال هشام : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) فإذا أخبر الله أنَّه قد رفع علياً على أبي بكر درجات ، فلم صار أبو بكر أولى بها منه؟ ولم قدَّمتم أبا بكر عليه بعدما قد بيَّن الله في كتابه ما بيَّن؟
قال حفص : لأن أهل الفضل والعلم قدَّموه.
فقال هشام : فقد نفى الله عنهم ما أثبتَّه أنت لهم.
قال حفص : من أين قلت؟
قال : ذلك لقول الله عزَّوجلَّ : ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) وأولو الألباب أهل العقل والفضل ، فلو كانوا كذلك لتفكَّروا وقدَّموا علياً عليهالسلام ، فسكت حفص (٢).
هشام بن الحكم وروح النقد
كان هشام أحد المدافعين عن التشيع بيده ولسانه وقلبه ، وبكلِّ ما أوتيه من قوّة ، وكان مهاباً عند الخصم ، وقد عرف بينهم بحجّته القويّة ، وكان سريع البديهة ، حاضر الجواب ، وكان معظَّماً عند الإمام الصادق عليهالسلام.
جاء في الكافي للكليني : ١ / ١٧٢ : عن يونس بن يعقوب قال : ورد هشام بن الحكم ، وهو أوّل ما اختطَّت لحيته ، وليس فينا إلاَّ من هو أكبر سنّاً منه ، قال : فوسَّع له أبو عبدالله عليهالسلام وقال : ناصرنا بقلبه ولسانه ويده.
قال الشيخ عبدالله نعمة في كتابه ( هشام بن الحكم ) (٣) : الاتّجاهات الغالبة
__________________
١ ـ سورة يونس ، الآية : ٣٥.
٢ ـ الدرّ النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم ، ابن حاتم الشامي : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.
٣ ـ هشام بن الحكم ، الشيخ عبدالله نعمة : ١٠٧ ـ ١٠٩.
عليه : كان هشام خصب الذهن ، مركَّز التفكير ، لا يضطرب في آرائه ، يفكِّر بتصميم ، ويقول بتصميم ، ويرسم الخطوط لتعزيز مذهبه الذي اختاره ، ولا يدع فرصة سانحة إلاَّ ويتّخذ منها وسيلة لتأييد رأيه وتقرير نزعته ، في طريق واضح لا يلتوي عليه ، وتتحكَّم في تفكيره اتجاهات كثيرة ، يلتقي بها كلُّ من درس آراءه ، تلك الاتجاهات التي لا تزايله في جميع مواقفه ، قد انصهرت فيها شخصيته ، واستحالت في طبيعتها ، وأبرزها : روح النقد.
ويشيع في تفكيره روح النقد لآراء مخالفيه ، وقد يأتي ذلك في كلمة قصيرة سانحة ، فمن ذلك قوله ـ وقد سئل عن معاوية ، أشهد بدراً؟ فقال : نعم ، من ذلك الجانب (١) وهي كلمة قصيرة تفيض بالنقد اللاذع الهادئ ، يقولها بغير تكلّف ، وتتداعى فيها الأفكار ، فتعود بنا إلى ماضي معاوية يوم كان يحارب في صفوف المشركين ضدَّ الإسلام والمسلمين.
ومثال آخر : أنّ صديقه عبدالله بن يزيد الأباضي خطب منه ابنته فاطمة ، فقال له : تعلم ما بيننا من مودّة ودوام الشركة ، وقد أحببت أن تنكحني ابنتك فاطمة ، فقال هشام : إنّها مؤمنة ، فأمسك الأباضي ولم يعاوده في شيء.
ويقصد بقوله : ( مؤمنة ) ما يترتَّب على ذلك من عدم جواز تزويجها للمشركين ، المفضي إلى حكمه على الخوارج ـ ومنهم صديقه عبدالله بن يزيد ـ بالإشراك.
ومثال ثالث : أنه كان يقول : ما رأيت مثل مخالفينا ، عمدوا إلى من ولاَّه الله من سمائه فعزلوه ، وإلى من عزله الله من سمائه فولّوه ، ويذكر قصّة مبلغ سورة
__________________
١ ـ الفهرست ، الشيخ الطوسي : ٢٥٩.