مناظرات - ج ٤

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

الأعور الثعلبي ، من خطباء الخوارج ، له مناظرة مع ابن عباس ، ولقد ألقمه ابن عباس حجرا (١).

٣٤ ـ مناظرة مؤمن الطاق مع زيد بن علي عليه‌السلام لما دعاه إلى الخروج معه.

رواها الشيخ الكليني عليه الرحمة في كتاب الكافي عن أبان قال : أخبرني الأحول أن زيد بن علي بن الحسين عليهما‌السلام بعث إليه وهو مستخف قال : فأتيته فقال لي : يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه؟ .. الخ (٢).

٣٥ ـ مناظرة أبي خالد القماط مع زيدي.

روى الكشي عليه الرحمة عن علي بن رئاب ، عن أبي خالد القماط ، قال : قال لي رجل من الزيدية أيام زيد : ما منعك أن تخرج مع زيد؟ .. الخ (٣).

وجاء في معجم رجال الحديث : تقدمت له مناظرة مع زيدي في ترجمة خالد بن يزيد ، فظهر عليه ، وأعجب الصادق عليه‌السلام مناظرته (٤).

٣٦ ـ ( مناظرة أبي العلاء المعري ) مع السيد الشريف المرتضى علم الهدى الموسوي ، المتوفى سنة ٤٣٦ هـ ، نسخة كتابتها ٦٧٦ هـ في الخزانة ( الرضوية ) وهي مختصرة قرب خمسين بيتا (٥).

أولها : دخل أبو العلاء المعري على السيد المرتضى قدس الله روحه فقال : أيها السيد ، ما قولك في الكل ، فقال السيد : ماقولك في الجزء ، فقال : ما قولك في

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث ، السيد الخوئي : ١٢ / ١٠٩ ، رقم : ٧٥٥٤.

٢ ـ الكافي ، الكليني : ١ / ١٧٤ ح ٥.

٣ ـ إختيار معرفة الرجال ، الطوسي : ٢ / ٧١١ ح ٧٧٤ ، مناقب آل أبي طالب ، اين شهر آشوب : ١ / ٢٢٣.

٤ ـ معجم رجال الحديث ، السيد الخوئي : ١٢ / ١١٠.

٥ ـ الذريعة ، آغا بزرگ الطهراني : ٢٢ / ٢٨٦ ، رقم : ٧١٢٥.

٢١

الشعرى ، فقال : ما قولك في التدوير .. الخ ثم سئل السيد ( رضي الله عنه ) عن هذه الرموز فشرحها ، وقد ذكر هذه المناظرة الشيخ الطبرسي عليه الرحمة في الإحتجاج : ٢ / ٣٢٩ ـ ٣٣٦.

٣٧ ـ مناظرة عبد العزيز النخشبي مع القاسم الحافظ الشيرازي في لعن يزيد بن معاوية وبني أمية.

قال عبد العزيز النخشبي : أبو القاسم الحافظ الشيرازي كان يحفظ الغرائب ، حسن الفهم ، حسن المعرفة ، غير أنه يلعن يزيد بن معاوية ، وعبد الملك بن مروان ، وبني أمية كلهم ، وجرت بيني وبينه مناظرة في ذلك (١).

٣٨ ـ مناظرة أحمد بن نصير الدين علي الشنوي السندي مع بعض علماء السنة.

قال الحر العاملي عليه الرحمة : كان أبوه قاضياً بالسند حنفياً ، وكان هو شيعياً ، ذكره القاضي نور الله في مجالس المؤمنين وأثنى عليه ثناءاً بليغاً ، وذكر له مناظرة مع بعض علماء أهل السنة جيدة (٢).

٣٩ ـ مناظرة بين كبار العلماء في بغداد.

وهي مناظرة عقدها عز الدولة ( بختيار ) في بغداد بين كبار العلماء (٣).

٤٠ ـ مناظرة أبي إسحاق النصيبي مع أبي بكر الباقلاني في بلاط عضد

__________________

١ ـ الأنساب ، السمعاني : ٣ / ٤٩٣.

٢ ـ أمل الآمل ، الحر العاملي : ٢ / ٣١ رقم : ٨١ ، معجم رجال الحديث ، السيد الخوئي : ٢ / ١٨٥ ، رقم : ٧١٤.

٣ ـ راجع : كتاب الهداية ، الصدوق : في المقدمة ١٣٣ ، عن كتاب إحياى فرهنكي در عهد آل بويه : ٢٥٨ ـ ٢٦٢.

٢٢

الدولة في شيراز (١).

٤١ ـ مناظرة الفاضل الهندي في الإمامة مع أحد أبناء العامة.

وقصتها كانت مشهورة على الألسنة ، قال في مقابس الأنوار ما نصه : وجرت له فيها يعني بلاد الهند مع المخالفين مناظرة في الإمامة معروفة على الألسنة قصتها عجيبة (٢).

٤٢ ـ مناظرة الوحيد البهبهاني مع فاضل من علماء العامة.

قال السيد إ جاز حسين عليه الرحمة في كشف الحجب : مناظرة أستاذ الكل محمّد باقر بن محمّد أكمل الأصفهاني البهبهاني المتوفى سنة خمس بعد مائتين وألف مع فاضل مع الأشاعرة في أمر الرؤيه حررها إجابة لبعض العلماء قال فيها : كان الواسطة بيني وبينه المرحوم ميرزا محمّد علي وعجز الفاضل عن الجواب ورجع عن القول بالرؤية على ما سمعته من المرحوم ، أوله الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين أما بعد فيقول الأقل محمّد باقر بن محمّد أكمل هذه صورة المباحثة مع فاضل من الأشاعرة الخ (٣).

وقال السيد علي البروجردي عليه الرحمة في طرائف المقال في ترجمة الوحيد البهبهاني أعلى الله مقامه الشريف : وله رسالة في صورة مناظرة مع فاضل مع علماء العامة في استحقاق الرؤية على الله ، وعجز ذلك الفاضل وتوقفه في الرؤية (٤).

__________________

١ ـ الهداية ، الصدوق : في المقدمة ١٣٣ ، عن كتاب إحياي فرهنكي در عهد آل بويه : ٢٦٢.

٢ ـ كشف اللثام ، الهندي : ١ / ١٤ المقدمة عن مقابس الأنوار : ١٨ ، وروضات الجنات : ٧ / ١١٢.

٣ ـ كشف الحجب والأستار ، السيد إعجاز حسين : ٥٥٤ ـ ٥٥٥ ، رقم : ٣١٢٥.

٤ ـ طرائف المقال ، السيد علي البروجردي : ٢ / ٣٨٤.

٢٣

٤٣ ـ مناظرة السيد أبي البركات العلوي مع الكرامي في الإمامة.

هو السيد أبو البركات ناصح الدين العلوي المشهدي (١) محمّد ابن المشهدي صاحب المزار (٢) نقل صاحب تبصرة العوام قصة مناظرته في الإمامة مع أبي بكر بن إسحاق الكرامي (٣).

٤٤ ـ مناظرة الحر العاملي مع بعض علماء العامة.

جاء في مقدمة كتاب أمل الآمل في ترجمة الشيخ الحر العاملي أعلى الله مقامه الشريف ، من ضمن مؤلفاته : ( مناظرة مع بعض علماء العامة ) قال : وهذه المناظرة كانت في سفر الحج (٤).

٤٥ ـ مناظرة الشيخ حيدر العاملي الهرملي مع بعض المخالفين بطريق مكة.

قال السيد حسن الصدر عليه الرحمة في التكملة : الشيخ حيدر العاملي الهرملي من العلماء الصالحين والفقهاء العاملين ، جليل القدر عظيم الشأن ، حتى أن الأمير سلطان الحرفوشي أوصى أن يدفن عند رجليه ، لما هو اشتهر وتحقق ورآه بعينه من واقعة انهدام قبر الشيخ بعد سنين من دفنه فرؤي جسده طريا ، ووجه مضي ، وكريمته شقراء لم يبل منه شيء ، فالرجل من أوليا الله الصالحين ، وقبره معروف في قرية العين من أعمال بعلبك.

ويحكى أن له مناظرة مع بعض المخالفين بطريق مكة ، كتب الشيخ اسم أميرالمؤمنين عليه‌السلام وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ، وكتب المخالف على ورقة ..

__________________

١ ـ خاتمة المستدرك ، الميرزا النوري : ١ / ٣٥٩.

٢ ـ راجع كتاب المزار : للمشهدي : ٨.

٣ ـ رياض العلماء : ٥ / ٤٢٣ ، تبصرة العوام : ٧٠.

٤ ـ أمل الآمل ، الحر العاملي : ١ / ٣٣ ، رقم : ٥٥.

٢٤

فظهرت حجة الشيخ وأفحم الخصم (١).

٤٦ ـ مناظرة أحمد بن محمّد الغزالي مع أخيه في المذهب.

قال السيد علي البروجردي في طرائف المقال : أحمد بن محمّد الغزالي ، كان أخو محمّد الغزالي ، متصوف ، وله مناظرة طويلة مع أخيه في المذهب (٢).

٤٧ ـ مناظرة سلطان الواعظين مع جمع من علماء العامة في إمامة أميرالمؤمنين عليه‌السلام في بيشاور.

هو الحجة السيد محمّد الموسوي الشيرازي قدس‌سره ، وقد ترجمها إلى العربية وحققها صديقنا الفاضل المحقق السيد حسين الموسوي الفالي وكان اسمها بالفارسي شبهاي بيشاور ، وطبعها في كتاب باسم ليالي بيشاور ، مناظرات وحوار في ١١٩١ صفحة فجزاه الله خير الجزاء ، وأثابه الله تعالى على هذا العمل القيم.

٤٨ ـ من مناظرات العلماء

قال الشيخ الغفاري : اطلعنا على مجموعة خطية نفيسة تحتوي على رسائل شتى من مناظرات العلماء ومنها هذه المناظرة (٣) ، وفي خزانة كتب الأستاذ الشريف السيد جلال الدين الأرموي المشتهر بالمحدث أطال الله بقاه ، ورأيتها وهي نسخة ثمينة من نفائس تلك المكتبة العامرة ، جديرة بالطبع والنشر بما تتضمن من محاسن الإحتجاجات وغيرها ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك (٤).

__________________

١ ـ تكملة أمل الآمل ، السيد حسن الصدر : ١٩٤ ـ ١٩٥.

٢ ـ طرائف المقال ، السيد علي البروجردي : ٢ / ١٢٢ ، رقم : ٥٢١.

٣ ـ يعني مناظرة الشيخ الصدوق عليه الرحمة في مجلس السلطان ركن الدوله.

٤ ـ مقدمة كتاب معاني الأخبار ، الصدوق : ٩٤.

٢٥

٤٩ ـ مناظرة في مسألة الإمامة ، بالفارسية. لعبد الخالق الكرهرودي ، المعروف بقاضي زاده ، مع القاضي الزادة الماوراء النهري في مجلس الشاه عباس الصفوي (١).

٥٠ ـ مناظرات حسنيه با بيشوايان أهل سنت. بالفارسية. لإبراهيم استرآبادي. قم ، مؤسسة إمام صادق عليه‌السلام ، ١٩٧٦ م ، ٣٨٨ ص ( مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام ، ١٢ ) (٢).

٥١ ـ مؤتمر علماء بغداد في الإمامة والخلافة : بقلم مقاتل بن عطية الحنفي من علماء القرن الخامس ، وهو يحكي قصة المحاورة والمناظرة التي وقعت بين بعض علماء الشيعة ، وبعض علماء السنة بحضور الملك الكبير ( ملك شاه سلجوقي ) تحت إشراف الوزير ( نظام الملك ) وأدت هذه المناظره إلى تشيع الملك وأصحابه ، طبعت هذه المناظرة عدة طبعات منها طبعة مكتبة المرعشي قدس‌سره ، في قم المقدسة ، وطبع بتحقيق العلامة السيد مرتضى الرضوي نشر دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

٥٢ ـ المراجعات : للسيد عبد الحسين بن شرف الدين الموسوي العاملي وهي حوارات وأسئلة وجهها إليه الشيخ سليم البشري المصري فأجاب عليها وهي تحكي بمجموعها مناظرة من أفضل المناظرات العلمية والموضوعية.

٥٣ ـ الإنتصار ( مناظرات الشيعة في شبكات الأنترنت ) بقلم العاملي ، وهي موسوعة في تسعة أجزاء ، تتضمن حوارات ومناظرات في الإمامة وغيرها. نشر دار السيرة ، بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى ١٤٢١ هـ.

__________________

١ ـ مجلة تراثنا عدد ٢٦ ، نشر مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام : ص ١٥١ ، عن مرآة الكتب : ٤ / ٩٧.

٢ ـ مجلة تراثنا عدد ٢٦ ، نشر مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام : ص ١٤٩.

٢٦

المناظرة الأُولى

مناظرة

أميرالمؤمنين عليه‌السلام مع أبي بكر في الخلافة

واحتجاجه عليه بثلاث وأربعين خصلة

روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدِّه عليهم‌السلام قال : لمَّا كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ما كان لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ، ويرى منه انقباضاً ، فكبر ذلك على أبي بكر فأحبَّ لقاءه ، واستخراج ما عنده ، والمعذرة إليه لما اجتمع الناس عليه وتقليدهم إيَّاه أمر الأمَّة ، وقلَّة رغبته في ذلك وزهده فيه ، أتاه في وقت غفلة ، وطلب منه الخلوة ، وقال له : والله يا أبا الحسن! ما كان هذا الأمر مواطاة منّي ، ولا رغبة فيما وقعت فيه ، ولا حرصاً عليه ، ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأُمَّة ، ولا قوَّة لي لمال ، ولا كثرة العشيرة ، ولا ابتزاز له دون غيري ، فمالك تضمر عليَّ ما لم أستحقَّه منك ، وتظهر لي الكراهة فيما صرت إليه ، وتنظر إليَّ بعين السأمة منّي؟

قال : فقال له عليه‌السلام : فما حملك عليه إذا لم ترغب فيه ، ولا حرصت عليه ، ولا وثقت بنفسك في القيام به ، وبما يحتاج منك فيه؟

٢٧

فقال أبو بكر : حديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله لا يجمع أمّتي على ضلال (١) ، ولمّا رأيت اجتماعهم اتّبعت حديث النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحلت أن يكون اجتماعهم على خلاف الهدى ، وأعطيتهم قود الإجابة ، ولو علمت أن أحداً يتخلَّف لامتنعت.

قال : فقال علي عليه‌السلام : أمَّا ما ذكرت من حديث النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله لا يجمع أمّتي على ضلال ; أفكنتُ من الأمَّة أو لم أكن؟

قال : بلى.

قال : وكذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان وعمَّار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة ومن معه من الأنصار؟

قال : كلٌّ من الأمَّة.

فقال عليٌّ عليه‌السلام : فكيف تحتجُّ بحديث النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمثال هؤلاء قد تخلَّفوا عنك ، وليس للأُمَّة فيهم طعن ، ولا في صحبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصيحته منهم تقصير.

قال : ما علمت بتخلُّفهم إلاَّ من بعد إبرام الأمر ، وخفت إن دفعت عنّي الأمر أن يتفاقم إلى أن يرجع الناس مرتدّين عن الدين ، وكان ممارستكم إلى أن أجبتم

__________________

١ ـ أحكام القرآن ، الجصاص : ٢ / ٣٧ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٢ / ٢٨٠ ، الجامع الصغير ، السيوطي : ٢٧٨ ح ١٨١٨ ، كشف الخفاء ، العجلوني : ٢ / ٣٥٠ ح ٢٩٩٩ ، قال الشيخ علي بن يونس العاملي عليه الرحمة في هذا الخبر في كتابه القيِّم الصراط المستقيم : ١ / ١١٣ ـ ١١٤ : هذا الخبر إن نقله بعض الأمّة فلا حجّة في نقله ، وإن نقله كلهم لزم إثبات الشيء بنفسه ; إذ لا يعلم حينئذ صحّة إجماعهم إلاَّ من إجماعهم ، ولو سلِّم صدوره عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالوجه فيه أن الإمام المعصوم من جملة الأمَّة ، فلهذا لا تجتمع على ضلال ; لأنه إن دخل في أقوالهم فالحقُّ في قوله ، فلهذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليٌّ يدور مع الحق والحق معه ، وإن خرج فلا إجماع.

٢٨

أهون مؤونة على الدين ، وأبقى له من ضرب الناس بعضهم ببعض ، فيرجعوا كفّاراً ، وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم.

قال عليٌّ عليه‌السلام : أجل ، ولكن أخبرني عن الذي يستحقُّ هذا الأمر بم يستحقُّه؟

فقال أبو بكر : بالنصيحة ، والوفاء ، ودفع المداهنة والمحاباة ، وحسن السيرة ، وإظهار العدل ، والعلم بالكتاب والسنّة وفصل الخطاب ، مع الزهد في الدنيا وقلّة الرغبة فيها ، وإنصاف المظلوم من الظالم القريب والبعيد .. ثمَّ سكت.

فقال علي عليه‌السلام : أنشدك بالله يا أبا بكر! أفي نفسك تجد هذه الخصال ، أو فيَّ؟

قال : بل فيك يا أبا الحسن.

قال : أنشدك بالله ، أنا المجيب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذكران المسلمين ، أم أنت؟

قال : بل أنت.

قال : فأنشدك بالله ، أنا الأذان لأهل الموسم ولجميع الأمّة بسورة براءة ، أم أنت؟

قال : بل أنت.

قال : فأنشدك بالله ، أنا وقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسي يوم الغار ، أم أنت؟

قال : بل أنت.

قال : أنشدك بالله ، إليَّ الولاية من الله مع ولاية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آية زكاة الخاتم ، أم لك؟

قال : بل لك.

٢٩

قال : أنشدك بالله ، أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير ، أم أنت؟

قال : بل أنت.

قال : أنشدك بالله ، ألي الوزارة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمثل من هارون من موسى ، أم لك؟

قال : بل لك.

قال : فأنشدك بالله ، أبي برز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبأهل بيتي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى ، أم بك وبأهلك وولدك؟

قال : بكم.

قال : فأنشدك بالله ، إليَّ ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس (١) ، أم لك ولأهل بيتك؟

قال : بل لك ولأهل بيتك.

قال : فأنشدك بالله ، أنا صاحب دعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهلي وولدي يوم الكساء : اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار ، أم أنت؟

قال : بل أنت وأهلك وولدك.

قال : فأنشدك بالله ، أنا صاحب الآية : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٢) ، أم أنت؟

قال : بل أنت.

قال : فأنشدك بالله ، أنت الفتى الذي نودي من السماء : لا سيف إلاَّ ذو

__________________

١ ـ وهي قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.

٢ ـ سورة الإنسان ، الآية : ٧.

٣٠

الفقار ولا فتى إلاَّ علي ، أم أنا؟

قال : بل أنت.

قال : فأنشدك بالله ، أنت الذي ردَّت له الشمس لوقت صلاته فصلاَّها ثم توارت ، أم أنا؟

قال : بل أنت.

قال : فأنشدك بالله ، أنت الذي حباك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برايته يوم خيبر ففتح الله له ، أم أنا؟

قال : بل أنت.

قال : فأنشدك بالله ، أنت الذي نفَّست عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كربته وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبد ود ، أم أنا؟

قال : بل أنت.

إلى أن قال : فلم يزل عليه‌السلام يعدُّ عليه مناقبه التي جعل الله عزَّ وجلَّ له دونه ودون غيره ويقول له أبو بكر : بل أنت.

قال : فبهذا وشبهه يستحقُّ القيام بأمور أمَّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له علي عليه‌السلام : فما الذي غرَّك عن الله وعن رسوله وعن دينه ، وأنت خلوٌ ممّا يحتاج إليه أهل دينه؟

قال : فبكى أبو بكر وقال : صدقت يا أبا الحسن ، أنظرني يومي هذا ، فأدبِّر ما أنا فيه وما سمعت منك.

قال : فقال له علي عليه‌السلام : لك ذلك يا أبا بكر ، فرجع من عنده ، وخلا بنفسه يومه ، ولم يأذن لأحد إلى الليل ، وعمر يتردَّد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي عليه‌السلام .. إلخ (١).

__________________

١ ـ الخصال ، الصدوق : ٥٤٨ ـ ٥٥٣ ح ٣٠ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٢٩ / ٣.

٣١

المناظرة الثانية

مناظرة

الإمام الباقر عليه‌السلام مع هشام بن عبد الملك

عن عمارة بن زيد الواقدي ، قال : حجَّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين ، وكان قد حجَّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقر وابنه جعفر عليهما‌السلام ، فقال جعفر في بعض كلامه : الحمد لله الذي بعث محمّداً بالحقِّ نبيّاً ، وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه ، وخيرته من عباده ، فالسعيد من اتّبعنا ، والشقيُّ من عادانا وخالفنا ، ومن الناس من يقول إنه يتولاّنا وهو يوالي أعداءنا ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربِّنا ولم يعمل به.

قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد عليه‌السلام : فأخبر مسيلمة أخاه بما سمع ، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق ، وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريداً إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه ، فأشخصنا ، فلمَّا وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيام ، ثمَّ أذن لنا في اليوم الرابع ، فدخلنا وإذا هو قد قعد على سرير الملك ، وجنده وخاصّته وقوف على أرجلهم سماطين متسلِّحين ، وقد نصب

٣٢

البرجاس (١) حذاءه ، وأشياخ قومه يرمون.

فلمَّا دخل أبي وأنا خلفه ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه ، وجلسنا قليلا ، فقال لأبي : يا أبا جعفر! لو رميت مع أشياخ قومك الغرض ، وإنّما أراد أن يهتك بأبي ، ظنّاً منه أنه يقصر ويخطئ ولا يصيب إذا رمى ، فيشتفي منه بذلك ، فقال له : إنّي قد كبرت عن الرمي ، فإن رأيت أن تعفيني.

فقال : وحقِّ من أعزنا بدينه ونبيِّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أعفيك ، ثمَّ أومأ إلى شيخ من بني أميَّة أن أعطه قوسك.

فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ، ثمَّ تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس ، ثمَّ انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثمَّ رمى فيه الثانية فشقَّ فوق سهمه إلى نصله ، ثمَّ تابع الرمي حتى شقَّ تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه ، فلم يتمالك أن قال : أجدت يا أبا جعفر ، وأنت أرمى العرب والعجم ، كلاَّ ، زعمت أنك قد كبرت عن الرمي ، ثمَّ أدركته ندامة على ما قال.

وكان هشام لا يكنّي أحداً قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهمَّ به ، وأطرق إطراقة يرتأي فيه رأياً ، وأبي واقف بحذائه مواجهاً له ، وأنا وراء أبي ، فلمَّا طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهمَّ به ، وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان ، يتبيَّن للناظر الغضب في وجهه ، فلمَّا نظر هشام ذلك من أبي قال له : يا محمّد! اصعد ، فصعد أبي إلى سريره وأنا أتبعه.

فلمَّا دنا من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثمَّ اعتنقني وأقعدني

__________________

١ ـ البرجاس : غرض في الهواء يرمى به.

٣٣

عن يمين أبي ، ثمَّ أقبل على أبي بوجهه فقال له : يا محمّد! لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ، ولله درُّك ، من علَّمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلَّمته؟

فقال له أبي : قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه ، فتعاطيته أيام حداثتي ، ثمَّ تركته ، فلمَّا أراد أميرالمؤمنين منّي ذلك عدت إليه.

فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت ، وما ظننت أن في الأرض أحداً يرمي مثل هذا الرمي ، أين رمي جعفر من رميك؟

فقال : إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيِّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (١) ، والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا.

قال : فلمَّا سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولّت ، واحمرَّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثمَّ أطرق هنيئة ، ثمَّ رفع رأسه فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟

فقال أبي : نحن كذلك ، ولكنَّ الله ـ جلَّ ثناؤه ـ اختصّنا من مكنون سرِّه وخالص علمه ، بما لم يختص أحداً به غيرنا.

فقال : أليس الله ـ جلَّ ثناؤه ـ بعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّة ، أبيضها وأسودها وأحمرها ، من أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله مبعوث إلى الناس كافّة ، وذلك قول الله تبارك وتعالى : ( وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (٢) إلى آخر الآية ، فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيٌّ

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٣.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨٠.

٣٤

ولا أنتم أنبياء؟

فقال : من قوله تعالى لنبيِّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) (١) فالذي أبداه فهو للناس كافّة ، والذي لم يحرِّك به لسانه أمر الله تعالى أن يخصَّنا به من دون غيرنا ، فلذلك كان يناجي أخاه عليّاً من دون أصحابه ، وأنزل الله بذلك قرآناً في قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (٢) ، فقال رسول الله لأصحابه : سألت الله تعالى أن يجعلها أذنك يا علي (٣) ، فلذلك قال علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ بالكوفة : علَّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب (٤) ، خصَّه به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكنون علمه ما خصَّه الله به ، فصار إلينا ، وتوارثناه من دون قومنا.

فقال له هشام : إن عليّاً كان يدّعي علم الغيب ، والله لم يطلع على غيبه أحداً ، فمن أين ادّعى ذلك؟

فقال أبي : إن الله ـ جلَّ ذكره ـ أنزل على نبيِّه كتاباً بيَّن فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، في قوله : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْء وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (٥) ، وفي قوله : ( كُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين ) (٦) ، وفي

__________________

١ ـ سورة القيامة ، الآية : ١٦.

٢ ـ سورة الحاقة ، الآية : ١٢.

٣ ـ مناقب أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، الكوفي : ١ / ١٤٢ ح ٧٩ ، شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ٢ / ٣٦١ ح ١٠٠٧ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٣٨ / ٣٤٩ ، خصائص الوحي المبين ، ابن البطريق : ١٧١ ح ١٢٣ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٣ / ١٧٧ ح ٣٦٥٢٦ ، تفسسير القرطبي : ١٨ / ٢٦٤ ، فتح القدير ، الشوكاني : ٥ / ٢٨٢.

٤ ـ الكافي ، الكليني : ٨ / ١٤٧ ح ١٢٣ ، الخصال ، الصدوق : ٥٧٢ ح ١ ، تأريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢ / ٣٨٥ ، ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ١ / ٢١٩ ح ٣٥.

٥ ـ سورة النحل ، الآية : ٨٩.

٦ ـ سورة يس ، الآية : ١٢.

٣٥

قوله : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء ) (١) ، وفي قوله : ( وَمَا مِنْ غَائِبَة فِي السَّمَاء وَالاَْرْضِ إِلاَّ فِي كِتَاب مُّبِين ) (٢) وأوحى الله تعالى إلى نبيِّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يبقي في غيبه وسرِّه ومكنون علمه شيئاً إلاَّ يناجي به عليّاً ، فأمره أن يؤلِّف القرآن من بعده ، ويتولَّى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه ، وقال لأصحابه : حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي ، فإنّه منّي وأنا منه ، له مالي ، وعليه ما عليَّ ، وهو قاضي ديني ومنجز موعدي.

ثمَّ قال لأصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله (٣) ، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلاَّ عند علي عليه‌السلام ، ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : أقضاكم علي (٤) ; أي هو قاضيكم ، وقال عمر بن الخطاب : لو لا عليٌّ لهلك عمر (٥) ، أفيشهد له عمر ويجحد غيره؟!

فأطرق هشام طويلا ، ثمَّ رفع رأسه فقال : سل حاجتك.

فقال : خلَّفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي.

فقال : قد آمن الله وحشتهم برجوعك إليهم ، ولا تقم أكثر من يومك .. (٦).

__________________

١ ـ سورة ، الأنعام ، الآية : ٣٨.

٢ ـ سورة ، النمل ، الآية : ٧٥.

٣ ـ مسند أحمد بن حنبل : ٣ / ٣٣ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥ / ١٥٤ ، صحيح ابن حبان : ١٥ / ٣٨٥ ، المستدرك ، الحاكم : ٣ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر ، ٤٢ / ٤٥١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٥ / ١٨٦ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٧٦.

٤ ـ راجع : تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢ / ١٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١ / ١٨ و ٧ / ٢١٩. وسوف يأتي المزيد من التخريجات في مناظرة هشام بن الحكم مع حفص بن سالم.

٥ ـ تأويل مختلف الحديث ، ابن قتيبة : ١٥٢ ، المناقب ، الخوارزمي : ٨١ ح ٦٥ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١ / ١٨ ، ١٤١ ، نظم درر السمطين ، الزرندي : ١٣٠ ، فتح الملك العلي ، المغربي : ٧١ ، ينابيع المودّة ، القندوزي : ١ / ٢١٦ ح ٢٨.

٦ ـ دلائل الإمامة ، محمّد بن جرير الطبري ( الشيعي ) : ٢٣٣ ـ ٢٣٧ ح ٢٦.

٣٦

المناظرة الثالثة

مناظرة

الإمام الباقر عليه‌السلام مع عمر بن عبد العزيز في الخلافة

قال إبراهيم بن محمّد ، كاتب بغداد ، المشهور بابن أبي عون : قال عمر بن عبد العزيز : قد كلَّمت سائر الناس ، وأحبُّ أن أكلِّم الشيعة ، فشخص إليه أبو جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام ومعه زرارة بن أعين صاحبهم ، فقال له محمّد عليه‌السلام : أخبرني عن مقعدك الذي أقعدته ، أبإرث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال : لا.

قال : أفبوصيَّة منه؟

قال لا.

قال : فبإجماع المسلمين أنه لا أحد أولى بها منك؟

قال : لا.

قال : فلمَّا نهض أبو جعفر عليه‌السلام قال له زرارة : ما تقول فيه؟

قال : هو خير ممن كان قبله ، وإن ... (١) صاحب الترك خير منه (٢).

__________________

١ ـ كلمة غير مفهومة.

٢ ـ الأجوبة المسكتة ، إبراهيم بن محمّد كاتب بغداد المعروف بابن أبي عون الأنباري : ٢٤ ـ ٢٥ ، مخطوط ، رقم : ٤٣٠ في مكتبة المرعشي النجفي قدس‌سره.

٣٧

المناظرة الرابعة

مناظرة

الإمام الباقر عليه‌السلام مع الحروري (١)

قال العلاّمة المجلسي عليه الرحمة : وجدت في بعض مؤلَّفات قدماء أصحابنا في الأخبار ما هذا لفظه : مناظرة الحروري والباقر عليه‌السلام.

قال الحروري : إن في أبي بكر أربع خصال استحقَّ بها الإمامة.

قال الباقر عليه‌السلام : ما هنَّ؟

قال : فإنّه أوَّل الصدّيقين ولا نعرفه حتى يقال : الصدّيق ، والثانية : صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار ، والثالثة : المتولّي أمر الصلاة ، والرابعة : ضجيعه في قبره.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : أخبرني عن هذه الخصال ، هنَّ لصاحبك بان بها من الناس أجمعين؟

قال : نعم.

__________________

١ ـ وسوف تأتي أيضاً مناظرة مؤمن الطاق مع الحروري ، وفيها مضامين شبيهة جدّاً بما في هذه المناظرة.

٣٨

قال أبو جعفر عليه‌السلام : ويحك! هذه الخصال تظنُّ أنَّهنَّ مناقب لصاحبك وهي (١) مثالب له.

أمَّا قوله : كان صدّيقاً ، فاسألوه من سمَّاه بهذا الاسم؟

قال الحروري : الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : اسأل الفقهاء هل أجمعوا على هذا من رواياتهم أن أبا بكر أول من آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قالت الجماعة : اللهمَّ لا ، وقد روينا أن ذلك علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال الحروري : أو ليس قد زعمتم أن علي بن أبي طالب لم يشرك بالله في وقت من الأوقات؟ فإن كان ما رويتم حقّاً فأحرى أن يستحقَّ هذا الاسم.

قالت الجماعة : أجل.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : يا حروري! إن كان سُمِّي صاحبك صدّيقاً بهذه الخصلة فقد استحقَّها غيره قبله ، فيكون المخصوص بهذا الاسم دون أبي بكر ; إذ كان أوَّل المؤمنين من جاء بالصدق وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، وكان عليٌّ عليه‌السلام هو المصدِّق.

فانقطع الحروري.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : وأمَّا ما ذكرت أنه صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار فذلك رذيلة لا فضيلة من وجوه :

الأول : أنّا لا نجد له في الآية مدحاً أكثر من خروجه معه وصحبته له ، وقد أخبر الله في كتابه أن الصحبة قد يكون للكافر مع المؤمن ، حيث يقول : ( قَالَ لَهُ

__________________

١ ـ في نسخة : وهن.

٢ ـ في نسخة : ومن جاء بالصدق هو رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٩

صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ ) (١) ، وقوله : ( أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة ) (٢) ، ولا مدح له في صحبته ; إذ لم يدفع عنه ضيماً ، ولم يحارب عنه عدوّاً.

الثاني : قوله تعالى : ( لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) (٣) ، وذلك يدلُّ على قلقه وضرعه ، وقلَّة صبره ، وخوفه على نفسه ، وعدم وثوقه بما وعده الله ورسوله من السلامة والظفر ، ولم يرض بمساواته للنبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نهاه عن حاله.

ثم إني أسألك عن حزنه هل كان رضاً لله تعالى أو سخطاً له؟ فإن قلت : إنّه رضاً لله تعالى خصمت ; لأن النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينهى عن شيء لله فيه رضاً ، وإن قلت : إنّه سخط فما فضل من نهاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سخط الله؟ وذلك أنّه إن كان أصاب في حزنه فقد أخطأ من نهاه ، وحاشا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون قد أخطأ ، فلم يبق إلاَّ أن حزنه كان خطأ ، فنهاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خطأه.

الثالث : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) تعريف لجاهل لم يعرف حقيقة ما يهم فيه (٤) ، ولو لم يعرف النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فساد اعتقاده لم يحسن منه القول : ( إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) ، وأيضاً فإن الله تعالى مع الخلق كلِّهم ، حيث خلقهم ورزقهم ، وهم في علمه كما قال الله تعالى : ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَة إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ ) (٥) ، فلا فضل لصاحبك في هذا الوجه.

__________________

١ ـ سورة الكهف ، الآية : ٣٧.

٢ ـ سورة سبأ ، الآية : ٤٦.

٣ ـ سورة التوبة ، الآية : ٤٠.

٤ ـ في نسخة : ما هم فيه.

٥ ـ سورة المجادلة ، الآية : ٧.

٤٠