مناظرات - ج ٤

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

وشكراً لهذه النعمة يجب عليَّ أن أبلغ للناس ما توصَّلت إليه.

لذلك أسطِّر هذه المباحث ، وأكتب هذا الكتاب ، إنه شعلة حقٍّ أخذتها من فاطمة الزهراء عليها ، وأقدِّمها لكل طالب حقٍّ ، ولكل باحث عن الحقيقة ... (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٥ ـ ٢٣.

٤٤١

المناظرة الثامنة والسبعون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني

مع بعض السلفيَّة في حديث أن الأئمة اثنا عشر

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : عندما كنت أحاور ذلك السلفي الذي أجريت معه المناظرة المذكورة في أوَّل الكتاب ، وفي أثناء حوارنا لمعت عيناه فجأة وكأنه عثر على ضالّته ، وفاجأني بسؤال معتقداً أنه سيضعني في زاوية حرجة .. سؤال من ظنَّ أنه بلغ منتهى العلم والحكمة ، قال : من قال لكم أن الأئمة اثنا عشر؟ ولماذا هذا العدد بالذات؟ وضحك!!

قلت له : يا أخي! بالنسبة للعدد فلو فتحنا هذا الباب لمعرفة الحكمة من العدد سأجرُّ إليك أسئلة لا قبل لك بها ، فلماذا كان الخلفاء أربعة فقط؟ ولماذا اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربِّه ولم يكونوا ثمانين؟ ولماذا خلق الله سبع سماوات وسبعاً من الأرض ، ولم تكن كل واحدة منهما عشرة مثلا؟ ولماذا كان عدد نقباء بني إسرائيل اثني عشر؟ ولماذا يقول تعالى : ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً ) (١) ولم يكونوا خمسة عشر؟ ... وهكذا.

__________________

١ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٥٨.

٤٤٢

أضف إلى ذلك أن الآيات والروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام كافية لتوجِّهنا للأخذ منهم ، ونحن لم نجد سوى الشيعة متمسِّكة بهم ، وهنالك تعلم بعدد الأئمة ، ولا ضرورة للاحتجاج عليك بعدد الأئمة من مصادركم ; لأن الموضوع فرعىٌّ ، ومع ذلك ـ وبلطف من الله تعالى لإظهار الحقّ ولإقامة الحجّة ـ لم تخل مصادر أهل السنة والجماعة من الأحاديث التي تحدِّد عدد الأئمَّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وصدفة كنت أحمل أحد مجلَّدات موسوعة تجمع ما جاء في الصحاح الستة من أحاديث ، وفتحت باب الإمارة ، وقرأت عليه : عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلُّهم من قريش ، وقلت له : هل سمعت؟ فبهت الذي كفر.

وانتفض انتفاضة قويَّة وكأنه قد مسَّ بطائف من الشيطان ، وقال : من أين لك هذا الحديث؟!

فذكرت له المصادر ، وأذكرها هنا تتمَّة للفائدة :

صحيح البخاري ، كتاب الأحكام ، ج ٩ ، ص ٧٢٩.

صحيح مسلم ، ج ٣ ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش.

صحيح الترمذي ، ج ٤ ، ص ٥٠١.

سنن أبي داوود ، كتاب المهدي ، ص ٥٠٨.

مسند أحمد بن حنبل ، ج ١ ، ص ٣٩٨.

وهذا الحديث جعل علماء أهل السنة يعيشون في تخبُّط ومشكلة كبيرة لن يخرجوا منها ، ولن يجدوا لها حلاًّ إلاَّ عند أتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم الشيعة المعروفون بـ : الاثني عشريَّة ... ولقد حاول البعض أن يجد تفسيراً معقولا

٤٤٣

للحديث على أرض الواقع ، فمنهم من عدَّ أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً عليه‌السلام وتوقَّف ، ومنهم من زاد عليهم الحسن بن علي عليهما‌السلام ثمَّ تحيَّر ، وبعضهم أضاف إليهم معاوية وبني أمية فلم يوفَّق لضبط العدد ، وآخر أصبح انتقائيّاً يختار كما يتراءى له ... وهكذا.

والأمر لا غموض فيه ولا لبس عند شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، ذلك بعد أن علمنا حقَّهم في الولاية والخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس من المعقول أن يخرج هذا العدد خارج دائرتهم ، وقد جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ، الباب (٩٤) عن المناقب ، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جابر! إن أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوَّلهم عليٌّ ، ثمَّ الحسن ، ثمَّ الحسين ، ثمَّ علي بن الحسين ، ثمَّ محمّد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر! فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ، ثمَّ جعفر بن محمّد ، ثمَّ موسى بن جعفر ، ثمَّ عليُّ بن موسى ، ثمَّ محمّد بن علي ، ثمَّ علي بن محمّد ، ثمَّ الحسن بن علي ، ثمَّ القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، محمّد بن الحسن بن علي المهدي ، ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها.

أمَّا النصوص الواردة من مصادر الشيعة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام فهي متواترة وواضحة بخصوص هذا الشأن ، ولم يدّع أحد من الأمَّة أنه أحد الأئمة الاثني عشر كما قال أهل البيت عليهم‌السلام عن أنفسهم ... (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٤٧ ـ ١٤٩.

٤٤٤

المناظرة التاسعة والسبعون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعضهم

في حديث أصحابي كالنجوم

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : قلت لأحدهم وهو يحاورني : إن كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحاً أفلا يعتبر علي عليه‌السلام منهم فيحقّ لي اتبّاعه؟

قال : عليٌّ عليه‌السلام من أكابر الصحابة!

قلت له : إذن أنا أقتدي بعليٍّ عليه‌السلام ، الذي رفض بيعة أبي بكر ، وقاتل عائشة وطلحة والزبير ، ولو ظفر بطلحة والزبير أثناء القتال في صفوف أعدائه لقتلهم ، وكنت سأقاتل مع عليٍّ عليه‌السلام لو كنت حاضراً في حرب صفّين ولو تمكَّنت من معاوية لقتلته ، وكنت سأجهز على عمرو بن العاص وهو يظهر سوأته لعليٍّ عليه‌السلام حتى لا يقتله! أليس من حقي أن أقتدي بأيِّ صحابيٍّ كما تدّعون؟! ... ألا ساء ما يحكمون (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٦٣.

٤٤٥

المناظرة الثمانون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم السوداني وبعض الشيعة

مع بعض السلفيّة في أمر معاوية ويزيد

قال الأستاذ عبد المنعم السوداني : في إحدى المرَّات التقى بعض الإخوة الشيعة مع مجموعة وهابيّة صدفة ، وكنت موجوداً ، ولم تكن الرؤية واضحة لديَّ وإن كانت ملامح الصواب بدأت تلوح لي ، ويبدو أن هؤلاء الوهابيّة كان لهم حوار سابق مع الشيعة ، فبدأوا معهم النقاش حول قضية الحسين عليه‌السلام وكربلاء ، ورأيت الوهابيّة وقد احتوشوا الإخوة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم يريدون القتال.

تحدَّث أحد الشيعة عن عدم أحقّيّة معاوية في تنصيب يزيد خليفة للمسلمين ، فذكر اسم معاوية مجرَّداً من الترضّي عليه ، فصرخ أحدهم في وجهه قائلا : قل : رضي الله عنه ، هل هو أخوك حتى تذكره مجرَّداً؟!

فردَّ عليه الشيعي : هل أنت وأنا أفضل من عليٍّ عليه‌السلام وأكثر فهماً منه؟ فشمَّر أحدهم عن ساعديه ، وكأنه ينوي ضربه ، وهو يقول : اسمعوا ، هذا هو ديدن الشيعة ، يشكِّكون في كل شيء ، وهذا الرجل يسألنا سؤالا بديهياً والإجابة عنه

٤٤٦

واضحة ، فلا أحد يرى أن هنا لك أفضل من عليٍّ سوى الخلفاء الثلاثة ، رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم.

فالتفت إليه الشيعي وقال : أولا : فليتكلَّم أحدكم ، ثانياً : إذا أردت الحديث فافهم أولا ما أقول ثمَّ تحدَّث ، وثالثاً : إذا كان علي عليه‌السلام أفضل منّا ـ وهو كذلك بلا شك ـ فهو أدرى منا بالأصول ، أليس كذلك؟!

قالوا بحذر : نعم.

فقال لهم : عليٌّ عليه‌السلام حارب معاوية ، ليس فقط لم يترضَّ عليه كما تطالبوني ، بل قاتله أشدَّ قتال ، ولو ظفر به لألحقه بأجداده.

قال أحدهم وهو يمضغ مسواكاً : نقول كما قال السلف : تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم ألسنتنا ، ونحن نرى معاوية صحابيّاً جليلا ، وأنه فعل خيراً عندما نصب يزيد ، ونرى أن خروج الحسين بن علي عليه‌السلام كان خطأ منه ، وقد تاب يزيد.

قال الشيعي : قولك : فنعصم منها ألسنتنا ، لا ينطبق عليك ; لأنك الآن تقول إن معاوية صحابيٌّ جليل ، إذن لقد أخطأ عليٌّ في حربه لمعاوية ، ثمَّ من قال لك : إنك لن تسأل عن تلك الدماء؟ لابدّ أن يكون لكم موقف تجاه ما جرى ، فهما جهتان : إحداهما على حقٍّ ، والأخرى على باطل ، ووقوفك الآن في وجهي اشتراك في تلك ( الفتنة ) كما تدّعي.

أمَّا عن الحسين بن علي عليه‌السلام فهو لم يخطئ كما تقول ، فهو كما قال عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيِّد شباب أهل الجنة (١) ، وهو من أهل بيت النبوَّة ، وتعلَّم من

__________________

١ ـ روى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحسن والحسين سيِّدا شباب

٤٤٧

جدِّه كيف ينصر الحق ، ويزيد تعلَّم من أبيه ما تعلَّم كما نقلت إلينا كتب التأريخ.

قاطعه أحد الوهابيّة ، وساق كلاماً سيّئاً خارجاً عن حدود الأدب في الحوار والمناظرة ، كما هي عادة أمثاله وشاكلته ، بدل أن يدلي بحجّة أو برهان.

فقال له أحد الشيعة وهو يبتسم : هكذا دائماً كان أعداء الشيعة ، باسم الحقّ يقتلون الحقّ ، وباسم الفتنة يحجبون الناس عن الحقائق ، وبالنتيجة أنت لا تفترق عن سلفك كثيراً ، إنك تربية ذلك المنهج الذي تبنَّاه معاوية ويزيد وآل أميَّة ومن إليهم.

وبعد مشادّة كلاميّة عنيفة حصلت بينهم .. يقول الأستاذ عبد المنعم فقال له بعضهم : على كل حال يجب ألا تتأثَّر بكلام هؤلاء ، فإن في حديثهم سحراً يؤثِّر.

ضحكت وقلت له : هذا ما قالته قريش للنبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما جاء بالقرآن ، ورجعت إليه مرَّة أخرى قائلا له : دعنا من كل ذلك ، فأنا أسألك حول قضيّة الحسين بن علي عليهما‌السلام كمسألة واضحة ماذا تقولون فيها؟

سكت وكأنه يبحث عن إجابة ، ثمَّ قال : لماذا تبحثون عن هذه الأشياء؟!

قلت : أجب على سؤالي ، ودع عنك السبب.

قال : معاوية صحابيٌّ جليل ، ويزيد كان أميراً على المسلمين ، والحسين

__________________

أهل الجنة.

وروى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن حذيفة قال : أتيت النبي ٦ فصلَّيت معه المغرب ، ثمَّ قام يصلّي حتى صلى العشاء ، ثمَّ خرج فاتبعته ، فقال : ملك عرض لي ، استأذن ربَّه أن يسلِّم عليَّ ، ويبشِّرني أن الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة.

راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٥١٢ ، سنن الترمذي : ٥ / ٣٢١ ح ٣٨٥٦ ، صحيح ابن حبان : ١٥ / ٤١٣ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ١٦٧ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣ / ٣٥ ـ ٣٨ ح ٢٥٩٩ وح ٢٦٠٨ وح ٢٦١١ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٢٩.

٤٤٨

خرج على وليِّ أمر زمانه ، ولو كان يزيد قد أخطأ فربَّما يكون قد تاب ، فلا داعي لأن نتحدَّث حوله ونشهِّر به.

قلت مختتماً هذا الحوار الذي لن يثمر عن شيء : أنت بهذا تلغي الآيات القرآنية التي شهَّرت بقابيل ونمرود وفرعون والسامري .. وغيرهم من الطغاة أعداء الرسالات ، وبقولك هذا تبرِّر لكل مخطئ في هذه الدنيا ; لأنه ربما يتوب ، وبهذه العقليّة تعطِّل الدين ، ويصبح كل التأريخ بلا فائدة.

كلمة أخيرة أقولها لك : أنتم لا ترتقون لمستوى الدفاع عن شريعة السماء ; لأنها لا تحتاج إلى مراوغة وكذب وافتراء ، وحديثي معك الآن إذا لم أصبح بسببه شيعيّاً فهو يبعدني عنكم أكثر فأكثر.

وحاول أن يعتذر قائلا : على كل حال ، نصيحة لك لا تقرأ لهؤلاء ، ونحن سنكون بالمرصاد لهم.

قلت : إذا كانوا على حق فالله ناصرهم ، وإن كانوا على باطل فأنتم أكثر بطلاناً منهم.

وتركته وانصرفت راجعاً إلى الإخوة ، فوجدت أن الوهابيّة لم تزل تدافع عن يزيد ومعاوية ، فتركتهم وانصرفت إلى بعض أشغالي أسفاً على حال هؤلاء المساكين الذين يردِّدون ما يقوله أحبارهم بلا وعي ولا فهم (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : ١٨٩ ـ ١٩٢.

٤٤٩

المناظرة الحادية والثمانون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني

مع بعضهم في الافتراء على الشيعة وأثر أدعية أهل البيت عليهم‌السلام

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : ولأهل البيت عليهم‌السلام تراث عظيم ، كان من الممكن أن تستفيد منه الأمَّة ، ولكنها أبت إلاَّ نفوراً ، وإحدى معاجزهم التي بهرتني ذلك المنهج في الدعاء ، وكيفيَّة التقرُّب إلى الله تعالى ، والأدب الرفيع في مخاطبة الربِّ سبحانه ، والقارئ للصحيفة السجّاديّة ـ وهي صحيفة كلُّها أدعية للإمام الرابع علي بن الحسين السجاد عليه‌السلام ـ يتعجَّب لماذا لم يهتمَّ علماء السنة بهذه الصحيفة ، هل لأنها واردة عن أحد الأئمَّة أهل البيت؟ أم ماذا؟! (١).

__________________

١ ـ يقول الدكتور أسعد الفلسطيني أحد المتشيعين فيما وجده أيضاً ولمسه في أدعية أهل البيت عليهم‌السلام : وأمَّا على صعيد الأخلاق والتربية الروحيّة فما عليك إلاَّ أن تنظر في مفاتيح الجنان ، والصحيفة السجّاديّة ، وغيرها من كتب الأدعية والزيارات المأثورة لترى سموَّ المستوى الذي أراد أهل البيت عليهم‌السلام أن يهذِّبوا به نفوس أتباعهم. المتحوِّلون : ٤٧٦.

ويقول الدكتور محمّد المغلي ( النمسا ) ـ وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة بروكسل في بلجيكا ، وقد تشيَّع وأخذ بمذهب أهل البيت عليهم‌السلام ـ : إن أحد الأسباب التي جعلته يتشيَّع هو تأثُّره البالغ

٤٥٠

أحد الإخوة الذين استبصروا كان يميل للوهابيَّة بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم ، وقبل أن ينغمس معهم تماماً منَّ الله عليه بأحد الأصدقاء ، والذي أعطاه بعض مؤلَّفات الشيعة ليقرأها ، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحُذِّر منهم ، فطلب منّي ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيُّع وما إليه ، فرحَّبنا به وجلسنا ، فدار النقاش حول معتقدات الشيعة ، وبعد نقاش طويل تنفَّس قائلا : هذا الكلام حقٌّ لا لبس فيه ، ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل؟!

قلت له : كما أن للحق أنصاراً يعملون على نصرته ، فإن للباطل جنوداً وشياطين يوحون إليهم ، ولا يمكن أن يعتمد الباطل إلاَّ على باطل.

قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثُّر واضحة عليه : لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كل شيء حتى الصلاة ، كان وقت صلاة المغرب قد حان فقلت : الآن بإمكانك أن تصلّي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدّعون.

توضَّأنا وصلَّينا ، وكان اليوم يوم خميس ، وبعد الصلاة ـ وكما هو معروف عند الشيعة ـ يستحبُّ قراءة دعاء كميل ، وهو دعاء علَّمه أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام لأحد أصحابه ، وهو كميل بن زياد النخعي ، والشيعة يواظبون على قراءته.

قرأنا ذلك الدعاء ، وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألَّمت لهذه الأمّة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت عليهم‌السلام ، خصوصاً

__________________

بالأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وضرب أمثلة على ذلك وقال : مثل دعاء كميل ، ودعاء الافتتاح الذي يقرأ في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك ، ودعاء الصباح للإمام علي عليه‌السلام ، وأدعية الإمام زين العابدين عليه‌السلام في الصحيفة السجادية ، وغيرها من الأدعية التي لا مثيل لها عند المذاهب الإسلامية الأخرى.

راجع كتاب المتحولون ، هشام آل قطيط : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.

٤٥١

فيما يختصُّ بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربَّه.

بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه ، وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا : إن الشيعة لا يعرفون الصلاة ، والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة عليها‌السلام اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : ٢١٠ ـ ٢١١.

٤٥٢

المناظرة الثانية والثمانون

مناظرة

هشام آل قطيط مع مجموعة من مشايخ السنّة

وتساؤلاته حول عقائد الشيعة ورحلته في البحث عن الحقيقة

قال الشيخ هشام آل قطيط : عندما كنت في القرية وأنا طالب في الجامعة أتردَّد على بعض المساجد في المنطقة ، فأجد الخطاب عند العلماء متشابهاً تماماً ، بحيث لا يختلف عالم عن آخر بطريقة الخطاب من حيث المقدِّمة والموضوع والخاتمة والدعاء ، أشعر بأن علماءنا يتبعون طريقة روتينية في إلقاء الكلام ، بحيث إذا غاب إمام المسجد لمرض أو لظرف معيَّن يكلّف أحد الإخوة المصلّين بإلقاء الخطبة ، يصعد على المنبر ويقرأ علينا بطريقة الدرج والسرعة ، فأنظر ممن حولي أجد قسماً من الناس نياماً ، والقسم الآخر كأنه مسافر في حافلة.

هذا من جهة الخطاب ، وأمَّآ من جهة الحوار الموضوعي والانفتاح الفكري فهو مفقود تماماً ، لماذا؟ لأننا ترعرعنا على طريقة التفكير التقليدي الموروث غير القابل للتطوُّر ، رغم أن الإسلام دين التطور ، ودين المرونة ، ودين الانفتاح ، ودين المعاملة ، ودين النصيحة ، ودين الأخلاق ، ودين الإنسانيّة ، دين

٤٥٣

السماحة والعزّة والكبرياء والأنفة ، هذه هي مبادئ ديننا الحنيف الذي نزل به الوحي على نبيِّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بحيث إذا أردت السؤال من أحد العلماء فإجابته على شقّين :

الشقّ الأوّل : إما يجاوبني ، وإمّا يقول لي : ما هذا السؤال الذي تطرح؟ فيسفِّه سؤالي!!

والشقّ الثاني : إذا كان سؤالي عن مذهب معيَّن ، ولم يكن الجواب حاضراً في ذهن الشيخ فيقمعني : ما يجوز تسأل هكذا سؤال ، هذا سؤالك غلط ، لا يجوز أن تجادل ، الجدل فيه إثم ، صوم وصلي وبس ، لماذا تقلق نفسك بهكذا أفكار ، فالشيخ عندنا في البلد ديكتاتور.

فصرت أتساءل في نفسي : يا إلهي! إذا أريد أن أستفسر عن ديني ، وعن بعض الأفكار الصعبة التي تدور في ذهني أواجه بالقمع .. والإرهاب ، وأهل البلد مع الشيخ ، وليسوا معي ، ولا مع أفكاري ، فعشت في حيرة.

مع الشيخ عزّ الدين الخزنوي

فمرَّة من المرّات كنت طالباً في الثانوية ، وقال لي أحد الأصدقاء : ما رأيك في أن نزور الشيخ العلامة الكبير عزّ الدين الخزنوي ، بقرية تل معروف ، شرق مدينة القامشلي؟

فقلت له : حاضر ، وفعلا سافرنا أنا وصديقي ، وكانت في جعبتي مجموعة من الأسئلة ، ففرحت وشعرت بأن صديقي يريد أن ينفِّس عني ، فوصلنا إلى قرية تل معروف ; قرية الشيخ الخزنوي ، فرأيت الناس آلافاً مؤلَّفة تتقدَّم قبل عشرة أمتار من الوصول إلى الشيخ زحفاً على الأيادي والركب ، وبعد الوصول يقبِّلون

٤٥٤

أيادي الشيخ وجبهته ، فرأيت صفّاً كبيراً من الناس خلف بعضهم البعض ، بحيث السائل يجلس عند الشيخ دقيقة ويخرج ، فقلت لصديقي : كيف أستطيع أن أسأل وسط هذا الزحام الهائل من البشر؟ وهل أتجرَّأ أن أناقش وسط هذا المعترك؟ فقلت لصديقي : والله إن سألت وناقشت ليمزِّقوني هؤلاء الخدم المقيمون عند الشيخ ، فقال لي : نتبارك بالشيخ ، ونسلِّم عليه ونخرج.

وبقينا أكثر من ثلاث ساعات ولم نستطع أن نصل للشيخ ، ورجعنا إلى القرية ولم نستفد شيئاً.

إلى الشيخ محمّد نوري

فصرت أتساءل ، هل الدين ديكتاتورية ، امبراطورية ، تسلط ...؟

فقلت : غداً أذهب إن شاء الله تعالى إلى قرية تقع في الجنوب الشرقي من حقول البترول ( رميلان ) لشيخ مشهور هناك يدعى : الشيخ محمّد نوري ، عالم المنطقة ، فعندما ذهبت إليه أسأله ، ودخلت إلى المضافة التي تقع شرق المصلَّى للمسجد ، قالوا لي : الشيخ مريض ولم يستطع الإجابة عن الأسئلة.

ومرَّت الأيّام .. والسنون ... وأنهيت دراستي الجامعيَّة في حلب ، وشاء الله والأقدار بأن أخدم خدمة العلم في بيروت ، وكنت بعد الانتهاء من الدوام أقوم بزيارة بعض المكتبات ، وأجلس أقرأ في المكتبة ; لأن الوضع لا يسمح لي في المنطقة أن أقرأ بسبب عدم وجود الفراغ ، وبدأت أستعير بعض الكتب الدينيّة لأقرأها ، عسى أن أجد حلاًّ لأسئلتي التي كانت تدور في ذهني وأنا في الثانويَّة ، بالرغم من أن أسئلتي لم تكن محيِّرة ، مثل : من هي الفرقة الناجية؟ باعتبار أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية ،

٤٥٥

والباقون في النار (١).

ومن هذه الأسئلة والسؤال الأكثر إلحاحاً : باعتبار أن الله خلق آدم وحوّاء فهل تزوَّج أولاد أدم أخوات بعضهم البعض؟

فاقترحت على بعض الأصدقاء الذهاب إلى الشيخ ونسأل ، وفعلا ذهبنا وسألته عن بعض القضايا العقائديَّة التي تتعلَّق بالكون والإله ، عقل يفكِّر ، فالإنسان بطبعه يحبُّ السؤال ; لأن عمدة العلم كما يقول العلماء في السؤال ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : اثنان لا يتعلَّمان : مستح ومتكبِّر (٢) ، وكما يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا حياء في الدين ، والله تعالى يقول في محكم كتابه : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٣) ويقول تعالى في آية أخرى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ

__________________

١ ـ تقدَّمت تخريجاته.

قال الشيخ علي بن يونس العاملي عليه الرحمة في الصراط المستقيم : ٢ / ٩٦ : روى أهل الإسلام قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية والباقون في النار ، فهذه شهادة صريحة من النبيِّ المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وصف أكثرهم بالضلال والبوار ، ولا بدَّ أن يكون الله ورسوله أوضحا لهم وجوه الضلال ، لئلا يكون لهم الحجّة عليهما يوم الحساب والسؤال ، وبهذا يتّضح وجه إمساك علي عليه‌السلام وعترته عن الجهاد ، إذ كيف تقوى فرقة على أضعافها من أهل العناد؟ ومن فرَّ عن أكثر من اثنين قد عذره القرآن ، فكيف لا يعذر من أمسك عن أضعافه من أهل الطغيان؟!

٢ ـ روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في علل الشرائع : ٢ / ٦٠٦ عن أبي إسحاق الليثي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه‌السلام ، في حديث له عن المؤمن المستبصر قال عليه‌السلام : فإن هذا العلم لا يتعلَّمه مستكبر ولا مستحي.

وقال الشهيد الثاني عليه الرحمة في منية المريد : ١٧٥ : وقيل أيضاً : لا يتعلَّم العلم مستحي ولا مستكبر.

وروى العامة عن مجاهد أنه قال : لا يتعلَّم مستحي ولا مستكبر.

مقدّمة ابن الصلاح ، عثمان بن عبد الرحمن : ١٥٢ ، فتح الباري ، ابن حجر : ١ / ٢٠٢.

٣ ـ سورة الزمر ، الآية : ٩.

٤٥٦

الْعُلَمَاء ) (١).

فلهذا كانت طبيعتي منذ نعومة أظفاري التساؤل ، وأسأل بكثرة لأفهم المسألة والموضوع ، وهكذا تعرَّفت على صديق لي في بيروت أثناء فترة خدمة العلم ، اسمه : دخل الله ، من الجنوب ، يسكن في منطقة اسمها : حي السلم ، فدعاني مرَّة لزيارته في بيته فلبَّيت الدعوة ، ولأول مرَّة أزوره ، فعندما زرته رأيت عنده مكتبة صغيرة ، فدفعني الفضول وحبُّ المعرفة لأرى هذه الكتب ، وعن ماذا تبحث وتدور ، فوقع نظري على كتاب اسمه ( المراجعات ) ، فسألت صديقي : عن ماذا يبحث هذا الكتاب؟

فقال لي : عبارة عن حوار بين عالم سنّيٍّ وعالم شيعيٍّ ، يتحاورون في قضيَّة الخلافة والإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلت له : لطيف ، هل أن العالم السنّيّ غلب الشيعيَّ في الحوار؟

فضحك صديقي ، وقال لي : العالم السنّيُّ يغلب العالم الشيعيَّ؟! هذا مستحيل ، فعرفت منذ تلك اللحظة بأن صديقي شيعي ، حيث إنه كان يجهِّز الطعام ، ففوجئت ، ذلك لأن أحد علمائنا في المنطقة كان يقول لي دائماً : إيّاك ومجالسة الشيعي ، إياك ومحاورة الشيعي ، لا تحاور الشيعي ، ولو كان الجدال عن حقّ ، هؤلاء الشيعة قتلوا إمامنا الحسين عليه‌السلام ، ولحدّ الآن يبكون ويلطمون ويندبون هم ونساؤهم وأطفالهم ندماً وخوفاً ، عسى الله أن يغفر لهم.

هؤلاء الشيعة يعتقدون بأن الرساله نزلت على علىّ ( كرّم الله وجهه ) وتاه الوحي جبرائيل ونزل على محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغير ذلك ، يسجدون للحجر ، ويسبُّون

__________________

١ ـ سورة فاطر ، الآية : ٢٨.

٤٥٧

الصحابة ، ويعملون بالتقيَّة بينهم سرّاً ، لا يظهرونها لأحد ، وذبيحتهم محرَّمة لا يجوز لنا أن نأكل منها.

فتذكَّرت كلام الشيخ عندنا في المنطقة ، فاعتذرت عن الطعام بطريقة لبقة ، بحيث إني لم أشعر صديقي بشيء ، وشربت عنده القهوة والشاي ، فقال لي صديقي : لماذا لا تأكل؟ أنا أتيت باللحم من أجلك.

فقلت له : لا أستطيع أن آكل اللحم! فصارت الأفكار تتضارب في ذهني وتتصادم وتتصارع ، فقلت : يا إلهي! هذا ما حدَّثنا به الشيخ ، وفعلا شاهدته أمام عيني ، كان يقول لنا الشيخ عندما كنّا في المنطقة : الشيعي يقول آخر الصلاة ثلاث مرَّات : تاه الوحي جبرائيل ..

وفعلا راقبت صديقي وهو يصلّي على الحجر ، وأشار إلى أذنه ثلاث مرَّات دون أن أفهم ما قال ; لأنه كان يتمتم بصوت هادئ ، عندئذ أيقنت تماماً بأن كلام الشيخ صحيح ، وكان يؤكِّد لنا الشيخ : حتى إذا سألته لا يعطيك الحقيقة ; لأنهم يستعملون التقيّة ، والتقية أشدُّ خطراً ، ولا يطلعون أحداً على دينهم ; لأن لديهم الظاهر شيء ، والباطن شيء آخر ، ولا يطلعون أحداً على باطنهم.

فقال لي صديقي : إذا أردت أن تستعير هذا الكتاب فخذه ، وبعد الانتهاء منه أرجعه إليَّ ، فأخذت منه كتاب ( المراجعات ) إعارة لمدّة أسبوع ، وفعلا بدأت بالقراءة في هذا الكتاب ، وكنت واثقاً من نفسي بأنه كتاب ضلال ، سوف أردُّ عليه ، وأفهم الشيعي من هو السني؟!!

فقرأت ترجمة الكتاب ، واستمرّيت بالقراءة ، وقطعت منه تقريباً أكثر من مئتين صفحة ، ففوجئت وتشنَّجت من هذا الكتاب المدسوس ، واستغربت من هذه المعلومات الغريبة التي لأول مرَّة تطرق ذهني ، وخاصة علماؤنا دائماً

٤٥٨

يحذِّرونا من قراءة كتب الضلال ، فقلت : إن استمرّيت في القراءة في هذا الكتاب سوف يحرفني ، لا شك في ذلك إطلاقاً ، وإذا أردت أن أتتبَّع الأدلّة ليس لديَّ المصادر ، وليس لديَّ الفراغ الكافي للبحث في هذه القضية الشائكة ، فأغلقت الكتاب لأنه شوَّش تفكيري.

اللقاء مع الدكتور عبد الفتاح صقر المصري (١)

وبعد أسبوع من قراءة كتاب المراجعات وإغلاقه لشدّة ما رأيت فيه من بعض المسائل التي جعلتني أتشنَّج ، فقرَّرت وبدافع قويٍّ أن ألتقي الشيخ عبد الفتاح صقر ، وذهبت أسأل عنه في كليَّة الشريعة ، فقالوا لي : في السكن حالياً ، والسكن بعد منطقة عائشة بكار توجد منطقة اسمها نزلة أبي طالب عليه‌السلام ، فنزلت فيها وبدأت أسأل إلى أن وصلت موقع السكن ، فصعدت وطرقت الباب ، انتظرت قليلا ، وفتح الباب ، فقلت للذي فتح الباب : أودُّ مقابلة الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر ، وإذا به يقول لي : تفضَّل ، تفضَّل يا بنيَّ ، ودخلت وجلست لحظات ، وقال لي : من أين أنت أيها الأخ؟

قلت له : من سوريا.

فقال : أهلا وسهلا ، أهلا وسهلا ، نحن وسوريا كنّا وحدة ، ولا يزال الشعب المصري والسوري شعباً واحداً.

قلت له : نعم.

__________________

١ ـ الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر ، من البعثة الأزهرية في بيروت ـ عائشة بكار ، أستاذ في كلية الشريعة ، وأحياناً يخطب الجمعة في مسجد دار الفتوى في بيروت.

٤٥٩

قال : ما سؤالك أيُّها الأخ؟

قلت له : سؤالي ـ شيخنا الجليل! ـ دعاني أحد الأصدقاء ، ولم أعلم أنه شيعيٌّ ، لأني لو كنت أعلم أنه شيعيٌّ بصراحة لم أزره ، لماذا؟ لأن الشيخ عندنا في المنطقة دائماً يحذِّرنا من مجالسة الشيعيِّ ، وعدم محاورته في المجال الديني.

فقال الشيخ عبد الفتاح صقر : الشيعة عندهم مبالغات كثيرة ، وكثير من أقوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينسبونها للإمام علي عليه‌السلام ، وعندهم تحريف في بعض الأحاديث.

فقلت : أيُّها الشيخ! ما رأيكم في كتاب المراجعات؟

الشيخ عبد الفتاح صقر : إيَّاك أن تقرأه يا بنيَّ ، هذا كتاب خياليٌّ ، كتبه عبد الحسين شرف الدين بعد وفاة شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري ، أحذِّرك من قراءته ، لا تفرقن بك السبل يا بنيَّ ، مالك ومال الشيعة؟؟ فرقة وضعت مقابل المعتزلة!!

ودَّعت الشيخ عبد الفتاح صقر ، وطلبت منه الدعاء ، وأرجعت كتاب المراجعات لصديقي ، وأوقفت المطالعة طيلة فترة خدمة العلم.

وأخيراً انتهت خدمة العلم في عام تسعين ، وبعد الانتهاء من معركتنا مع ميشيل عون ، حيث لم أسافر إلى البلد مباشرة ، بسبب الفقر المدقع ، والظروف الصعبة التي يمرُّ بها أهلي ، وخاصة الظروف الماديّة ، حيث لم أتمكَّن من الذهاب إلى أهلي بعد التسريح من خدمتي الإلزاميَّة ، فاضطررت إلى المكوث في بيروت ، وأسكن مع الشباب السوريين في منطقة تسمَّى خلدة ( مشروع نائل السكني ) ، فكان هناك شباب من القرية والبلد فسكنت معهم ، وتركت مهنة

٤٦٠