الشيخ عبد الله الحسن
المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٤
وأمَّا أبان بن تغلب فمغث حقّاً بباطل فغلبك ، وأمَّا زرارة فقاسك فغلب قياسه قياسك ، وأمَّا الطيار فكان كالطير يقع ويقوم ، وأنت كالطير المقصوص لا نهوض لك ، وأمَّا هشام بن سالم فأحسن أن يقع ويطير ، وأمَّا هشام بن الحكم فتكلَّم بالحق فما سوَّغك بريقك.
يا أخا أهل الشام! إن الله أخذ ضغثاً من الحقِّ ، وضغثاً من الباطل فمغثهما ، ثمَّ أخرجهما إلى الناس ، ثمَّ بعث أنبياء يفرِّقون بينهما ، ففرَّقها الأنبياء والأوصياء ، وبعث الله الأنبياء ليعرِّفوا ذلك ، وجعل الأنبياء قبل الأوصياء ليعلم الناس من يفضل الله ومن يختصّ ، ولو كان الحقُّ على حدة والباطل على حدة ، كل واحد منهما قائم بشأنه ما احتاج الناس إلى نبيٍّ ولا وصيٍّ ، ولكنَّ الله خلطهما ، وجعل تفريقهما إلى الأنبياء والأئمة عليهمالسلام من عباده.
فقال الشامي : قد أفلح من جالسك.
فقال أبو عبد الله عليهالسلام : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجالسه جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، يصعد إلى السماء فيأتيه بالخبر من عند الجبّار ، فإن كان ذلك كذلك فهو كذلك.
فقال الشامي : اجعلني من شيعتك وعلِّمني.
فقال أبو عبدالله عليهالسلام لهشام : علِّمه ، فإنّي أحبُّ أن يكون تلماذاً لك.
قال علي بن منصور وأبو مالك الحضرمي : رأينا الشاميَّ عند هشام بعد موت أبي عبد الله عليهالسلام ، ويأتي الشامي بهدايا أهل الشام ، وهشام يزوِّده هدايا أهل العراق. قال علي بن منصور : وكان الشاميُّ ذكيَّ القلب (١).
__________________
١ ـ اختيار معرفة الرجال ، الطوسي : ٢ / ٥٥٤ ـ ٥٦٠ ح ٤٩٤ ، بحار الأنوار : ٤٧ / ٤٠٧ ـ ٤٠٩ ح ١١.
المناظرة العاشرة
مناظرة
الإمام الرضا عليهالسلام مع يحيى بن الضحاك السمرقندي
قال الشيخ الصدوق عليه الرحمة : ذكر ما كلم به الرضا عليهالسلام يحيى بن الضحاك السمرقندي في الإمامة عند المأمون ، حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال : حدثني محمّد بن يحيى الصولي قال : .. كان المأمون في باطنه يحب سقطات الرضا عليهالسلام وأن يعلوه المحتج ، وإن أظهر غير ذلك ، فاجتمع عنده الفقهاء والمتكلمون فدس إليهم أن ناظروه في الإمامة فقال لهم الرضا عليهالسلام : اقتصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه ، فرضوا برجل يعرف بيحيى بن الضحاك السمرقندي ، ولم يكن بخراسان مثله ، فقال له الرضا عليهالسلام : يا يحيى سل عما شئت.
فقال : نتكلم في الإمامة ، كيف ادعيت لمن لم يؤم وتركت من أم ، ووقع الرضا به؟
فقال له عليهالسلام : يا يحيى أخبرني عمن صدق كاذبا على نفسه ، أو كذب صادقا على نفسه ، أيكون محقا مصيبا ، أم مبطلاً مخطياً؟
فسكت يحيى ، فقال له المأمون : أجبه.
فقال : يعفيني أميرالمؤمنين من جوابه.
فقال المأمون : يا أبا الحسن عرفنا الغرض في هذه المسألة.
فقال عليهالسلام : لابد ليحيى من أن يخبر عن أئمته : أنهم كذبوا على أنفسهم أو صدقوا؟ فإن زعم أنهم كذبوا فلا أمانة لكذاب (١) ، وإن زعم أنهم صدقوا فقد قال أولهم : وليتكم ولست بخيركم (٢) ، وقال تاليه : كانت بيعته فلته فمن عاد لمثلها فاقتلوه (٣) فو الله ما رضي لمن فعل مثل فعلهم إلاّ بالقتل ، فمن لم يكن بخير الناس والخيرية لا تقع إلاّ بنعوت منها : العلم ، ومنها الجهاد ، ومنها سائر الفضائل وليست فيه (٤) ومن كانت بيعته فلته يجب القتل على من فعل مثلها ، كيف يقبل عهده غيره
__________________
١ ـ في الإحتجاج : فلا إمامة.
٢ ـ روى عبد الرزاق الصنعاني : عن معمر رجل عن الحسن أن أبا بكر خطب فقال : أما والله ما أنا بخيركم ، ولقد كنت لقامي هذا كارها ، ولوددت لو أن فيكم من يكفيني ، فتظنون أني أعمل فيكم سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا لا أقوم لها ، إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعصم بالوحي ، وكان معه ملك ، وإن لي شيطانا يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني ، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم ، ألا فراعوني! فإن استقمت فأعينوني ،. إن زغت فقوموني.
راجع : المصنف ، عبد الرزاق الصنعاني : ١١ / ٣٣٦ ح ٢٠٧٠١ و ٢٠٧٠٢ ، السقيفة وفدك ، الجوهري : ٥٢ ، الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد : ٣ / ٢١٢ ، تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٢٧ ، الثقات ، ابن حبان : ٢ / ١٥٧ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري : ١ / ٣٤ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢ / ٥٦ و ٦ / ٢٠ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٣٠ / ٣٠١ ـ ٣٠٣ ، تاريخ الطبري : ٢ / ٤٥٠ و ٤٦٠ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٥ / ٢٦٩ و ٣٣٤ ، السيرة النبوية ، ابن كثير : ٤ / ٤٩٣ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ٥ / ٥٨٩ ح ١٤٠٥ ، و ٥٩٩ ح ١٤٠٦٢ و ٦٠٧ ح ١٤٠٧٣ ، تفسير القرطبي : ٣ / ٢٦٢.
٣ ـ صحيح البخاري : ٨ / ٢٦ ، المصنف ، ابن أبي شيبة : ٧ / ٦١٥ ـ ٦١٦ ح ٥ ، و ٨ / ٥٧٠ ح ١ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٥٨ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩ / ٣١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٦ / ٥ ، الثقات ، ابن حبان : ٢ / ١٥٦ ، الفائق في غريب الحديث ، الزمخشري : ٣ / ٥٠.
٤ ـ جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٧ / ١٥٦ : اعترض المرتضى رضي الله عنه فقال : أما
إلى غيره وهذه صورته؟! ثم يقول على المنبر : إن لي شيطانا يعتريني ، فإذا مال بي فقوموني ، وإذا أخطأت فأرشدوني ، فليسوا أئمة بقولهم إن صدقوا أو كذبوا ، فما عند يحيى في هذا جواب؟
فعجب المأمون من كلامه وقال : يا أبا الحسن ما في الأرض من يحسن هذا سواك (١).
__________________
قول أبي بكر : وليتكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتبعوني ، وإن اعوججت فقوموني ، فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي ، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني ، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم ، فإنه يدل على أنه لا يصلح للإمامه من وجهين :
أحدهما أن هذا صفة من ليس بمعصوم ، ولا يأمن الغلط على نفسه من يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا وقع في المعصية ، وقد بينا أن الإمام لابد أن يكون معصوما موفقا مسددا.
والوجه الآخر : أن هذه صفة من لا يملك نفسه ، ولا يضبط غضبه ، ومن هو في نهاية الطيش والحدة والخرق والعجلة ، ولا خلاف أن الإمام يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف ، غير حاصل عليها ، وليس يشبه قول أبي بكر ما تلاه من الآيات كلها ، لأن أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب ، وأن عادته بذلك جاريه ، وليس هذا بمنزلة من يوسوس إليه الشيطان ولا يطيعه ، ويزين له القبيح فلا يأتيه ، وليس وسوسة الشيطان بعيب على الموسوس له إذا لم يستزله ذلك عن الصواب ، بل هو زيادة في التكليف ، ووجه يتضاعف معه الثواب .. الخ.
١ ـ عيون أخبار الرضا ، عليهالسلام ، الصدوق : ١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ح ١ ، الإحتجاج ، الطبرسي : ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.
المناظرة الحادية عشرة
مناظرة
فروة بن عمرو مع قيس بن مخرمة لمَّا بويع أبو بكر
قام فروة بن عمرو الأنصاري ـ وكان يقود مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فرسين ، ويصرم ألف وسق من تمر فيتصدَّق به على المساكين ـ فنادى : يا معشر قريش! أخبروني هل فيكم رجل تحلّ له الخلافة ، وفيه ما في عليٍّ عليهالسلام؟
فقال قيس بن مخرمة الزهري : ليس فينا من فيه ما في عليٍّ عليهالسلام.
فقال له : صدقت ، فهل في علي عليهالسلام ما ليس في أحد منكم؟
قال : نعم.
قال : فما يصدُّكم عنه؟
قال : اجتماع الناس على أبي بكر.
قال : أما والله ، لئن أصبتم سنَّتكم لقد أخطأتم سنَّة نبيِّكم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو جعلتموها في أهل بيت نبيِّكم (١) لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم (٢).
__________________
١ ـ في المسترشد للطبري : فلو جعلتموها في علي عليهالسلام.
٢ ـ كشف المحجّة ، ابن طاووس : ١٧٧ ، المسترشد ، محمّد بن جرير الطبري ( الشيعي ) : ٤١٣ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٣٠ / ١١ ـ ١٢.
المناظرة الثانية عشرة
مناظرة
المقداد مع عبد الرحمن بن عوف بعد تولّي عثمان الخلافة
قال الشعبي : حدَّثني عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه جندب بن عبد الله الأزدي ، قال : كنت جالساً بالمدينة حيث بويع عثمان ، فجئت فجلست إلى المقداد بن عمرو ، فسمعته يقول : والله ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت عليهمالسلام!
وكان عبد الرحمن بن عوف جالساً ، فقال : وما أنت وذاك يا مقداد؟! قال المقداد : إنّي والله أحبُّهم لحبِّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنّي لأعجب من قريش وتطاولهم على الناس بفضل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمَّ انتزاعهم سلطانه من أهله.
قال عبد الرحمن : أما والله لقد أجهدت نفسي لكم.
قال المقداد : أما والله لقد تركت رجلا من الذين يأمرون بالحقِّ وبه يعدلون ، أما والله لو أن لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إيَّاهم ببدر واحد.
فقال عبد الرحمن : ثكلتك أمُّك ، لا يسمعن هذا الكلام الناس ، فإني أخاف أن تكون صاحب فتنة وفرقة.
قال المقداد : إن من دعا إلى الحقِّ وأهله وولاة الأمر لا يكون صاحب
فتنة ، ولكن من أقحم الناس في الباطل ، وآثر الهوى على الحقِّ ، فذلك صاحب الفتنة والفرقة.
قال : فتربَّد وجه عبد الرحمن ، ثمَّ قال : لو أعلم أنك إياي تعني لكان لي ولك شأن.
قال المقداد : إياي تهدِّد يابن أم عبد الرحمن؟!
ثمَّ قام عن عبد الرحمن ، فانصرف.
قال جندب بن عبدالله : فاتبعته ، وقلت له : يا عبدالله! أنا من أعوانك.
فقال : رحمك الله! إن هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان ولا الثلاثة.
قال : فدخلت من فوري ذلك على عليٍّ عليهالسلام ، فلمَّا جلست إليه قلت : يا أبا الحسن! والله ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر ، عنك.
فقال : صبر جميل والله المستعان.
فقلت : والله إنك لصبور!
قال : فإن لم أصبر فما ذا أصنع؟
قلت : إنّي جلست إلى المقداد بن عمرو آنفاً وعبد الرحمن بن عوف ، فقالا كذا وكذا ، ثمَّ قام المقداد فاتبعته ، فقلت له كذا ، فقال لي كذا ، فقال علي عليهالسلام : لقد صدق المقداد ، فما أصنع؟
فقلت : تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك ، وتخبرهم أنك أولى بالنبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتسألهم النصر على هؤلاء المظاهرين عليك ، فإن أجابك عشرة من مائة شددت بهم على الباقين ، فإن دانوا لك فذاك ، وإلاَّ قاتلتهم ، وكنت أولى بالعذر ، قتلت أو بقيت ، وكنت أعلى عند الله حجَّة.
فقال : أترجو ـ يا جندب ـ أن يبايعني من كل عشرة واحد؟
قلت : أرجو ذلك.
قال : لكنّي لا أرجو ذلك ، لا والله ولا من المائة واحد ، وسأخبرك ، إن الناس إنّما ينظرون إلى قريش فيقولون : هم قوم محمَّد وقبيله ، وأمَّا قريش بينها فتقول : إن آل محمَّد يرون لهم على الناس بنبوَّته فضلا ، ويرون أنهم أولياء هذا الأمر دون قريش ، ودون غيرهم من الناس ، وهم إن ولوه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبداً ، ومتى كان في غيرهم تداولته قريش بينها ، لا والله لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبداً!
فقلت : جعلت فداك يابن عمِّ رسول الله! لقد صدَّعت قلبي بهذا القول ، أفلا أرجع إلى المصر ، فأوذن الناس بمقالتك ، وأدعو الناس إليك؟
فقال : يا جندب! ليس هذا زمان ذاك.
قال : فانصرفت إلى العراق ، فكنت أذكر فضل علي عليهالسلام على الناس ، فلا أعدم رجلا يقول لي ما أكره ، وأحسن ما أسمعه قول من يقول : دع عنك هذا وخذ فيما ينفعك ، فأقول : إن هذا مما ينفعني وينفعك ، فيقوم عنّي ويدعني (١).
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩ / ٥٦ ـ ٥٨.
المناظرة الثالثة عشرة
مناظرة
ابن عباس مع عمر
عن نبيط بن شريط قال : خرجت مع علي بن أبي طالب عليهالسلام ومعنا عبدالله ابن عباس ، فلمَّا صرنا إلى بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر جالساً وحده ينكت الأرض ، فقال له علي بن أبي طالب عليهالسلام : يا أميرالمؤمنين! ما الذي أجلسك وحدك هاهنا؟ فقال : لأمر همَّني.
قال عليٌّ : أفتريد أحدنا؟
قال عمر : إن كان فعبد الله.
فتخلَّف معه عبدالله بن عباس ، ومضيت مع عليٍّ ، وأبطأ علينا ابن عباس ثم لحق بنا ، فقال له علي عليهالسلام : ما وراءك؟
قال : يا أبا الحسن! أعجوبة من عجائب أميرالمؤمنين أخبرك بها واكتم عليَّ.
فقال : هلمَّ.
قال : لمَّا أن ولَّيت قال عمر ـ وهو ينظر إلى أثرك ـ : آه آه آه.
فقلت : ممَّ تأوُّهك يا أميرالمؤمنين؟
قال : من أجل صاحبك ـ يا ابن عباس ـ وقد أعطي ما لم يعطه أحد من آل النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو لا ثلاث هنَّ فيه ما كان لهذا الأمر من أحد سواه.
قلت : ما هنَّ يا أميرالمؤمنين؟
قال : كثرة دعابته ، وبغض قريش له ، وصغر سنِّه.
قال : فما رددتَ عليه؟
قال : داخلني ما يداخل ابن العمِّ لابن عمِّه ، فقلت : يا أميرالمؤمنين! أمَّا كثرة دعابته فقد كان النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يداعب فلا يقول إلاَّ حقاً ، وأين أنت حيث كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول ونحن حوله صبيان وكهول وشيوخ وشبَّان ، ويقول للصبيِّ : ( سناقا ، سناقا ) ولكل ما يعلمه الله يشتمل على قلبه (١).
وأمَّا بغض قريش له فوالله ما يبالي ببغضهم له بعد أن جاهدهم في الله حتى أظهر الله دينه ، فقصم أقرانها ، وكسر آلهتها ، وأثكل نساءها ، لامه من لامه.
وأمَّا صغر سنِّه فقد علمت أن الله تعالى حيث أنزل على رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) (٢) وجَّه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم صاحبه ليبلِّغ عنه ، فأمره الله أن لا يبلِّغ عنه ألاَّ رجل من أهله ، فوجَّهه في أثره ، فهل استصغر الله سنَّه؟
فقال عمر لابن عباس : أمسك عليَّ ، واكتم ، فإن سمعتها من غيرك لم أنم بين لابتيها (٣).
__________________
١ ـ وفي الهامش : ( دل كل ما يعمله أنه يشتمل على قلبه ).
٢ ـ سورة التوبة ، الآية : ١.
٣ ـ فرائد المسطين ، الجويني : ١ / ٣٣٤ ـ ٣٣٦.
المناظرة الرابعة عشرة
مناظرة
سعد بن أبي وقاص مع معاوية
في حرمة قتال أميرالمؤمنين عليهالسلام
روى ابن عساكر بالإسناد عن عبيدالله بن عبد الله المديني قال : حجَّ معاوية بن أبي سفيان فمرَّ بالمدينة ، فجلس في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عباس ، فالتفت إلى عبد الله ابن عباس فقال : يا أبا عباس! إنك لم تعرف حقَّنا من باطل غيرنا ، فكنت علينا ولم تكن معنا ، وأنا ابن عمِّ المقتول ظلماً ـ يعني عثمان بن عفان ـ وكنت أحقَّ بهذا الأمر من غيري.
فقال ابن عباس : اللهم إن كان هكذا فهذا ـ وأومأ إلى ابن عمر ـ أحقُّ بها منك ; لأن أباه قتل قبل ابن عمك.
فقال معاوية : ولا سواء : إن أبا هذا قتله المشركون ، وابن عمي قتله المسلمون.
فقال ابن عباس : هم والله أبعد لك ، وأدحض لحجّتك.
فتركه ، وأقبل على سعد فقال : يا أبا إسحاق! أنت الذي لم تعرف حقَّنا ، وجلس فلم يكن معنا ولا علينا.
قال : فقال سعد : إني رأيت الدنيا قد أظلمت ، فقلت لبعيري : إخ ، فأنختها حتى انكشفت.
قال : فقال معاوية : لقد قرأت ما بين اللوحين ، ما قرأت في كتاب الله عزَّوجلَّ : إخ.
قال : فقال سعد : أمَّا إذا أبيت فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول لعلي : أنت مع الحق والحق معك حيثما دار.
قال : فقال معاوية : لتأتيني على هذا ببيِّنة.
قال : فقال سعد : هذه أم سلمة تشهد على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقاموا جميعاً فدخلوا على أم سلمة ، فقالوا : يا أم المؤمنين! إن الأكاذيب قد كثرت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا سعد يذكر عن النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ما لم نسمعه.
أنه قال ـ يعني لعلي عليهالسلام ـ : أنت مع الحق والحق معك حيثما دار.
فقالت أم سلمة : في بيتي هذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي.
قال : فقال معاوية لسعد : يا أبا اسحاق! ما كنت ألوم الآن إذ سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجلست عن علي عليهالسلام ، لو سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لكنت خادماً لعلي حتى أموت (١).
ولا يسوغ لمعاوية أن يتذرَّع بعدم معرفة علي عليهالسلام وفضله ، وحرمة قتاله ، وأنه على الحق ، والمتتبِّع لكلمات معاوية في حق علي عليهالسلام يلمس جيّداً أنه كان يعرف الكثير من فضل علي عليهالسلام ، ويعرف حرمته ، ومع ذلك لا يتورَّع عن عداوته
__________________
١ ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٢٠ / ٣٦٠ ـ ٣٦١ ، مناقب أميرالمؤمنين عليهالسلام ، محمّد بن سليمان الكوفي : ١ / ٤٢١ ـ ٤٢٣ ح ٣٣٠.
وقتاله وشتمه ، غير أن الحقد الدفين أصمَّه وصدَّه عن الحق وأعمى بصيرته.
قال المسعودي بعد رواية ابن أبي نجيح : ووجدت في وجه آخر من الروايات ـ وذلك في كتاب علي بن محمّد بن سليمان النوفلي في الأخبار ـ عن ابن عائشة وغيره : ان سعداً لمَّا قال هذه المقالة لمعاوية (١) ونهض ليقوم ضرط له معاوية ، وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قطّ ألأم منك الآن ، فهلا نصرته؟ ولم قعدت عن بيعته؟ فاني لو سمعت من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعليٍّ ما عشت.
فقال سعد : والله إني لأحقُّ بموضعك منك.
فقال معاوية : يأبى عليك بنو عذرة ، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة (٢).
وفي رواية ابن كثير في تأريخه قال : دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية ، فقال له : مالك لم تقاتل علياً؟
فقال : اني مرَّت بي ريح مظلمة ، فقلت : أخ أخ ، فأنخت راحلتي حتى انجلت عنّي ، ثمَّ عرفت الطريق فسرت.
فقال معاوية : ليس في كتاب الله أخ أخ ، ولكن قال الله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) (٣) فو الله ما كنت مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة على الباغية.
__________________
١ ـ يعني ذكره بعض فضائل علي عليهالسلام وما سمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حقه.
٢ ـ مروج الذهب ، المسعودي : ٣ / ١٥ ، وحكى شطراً منه سبط ابن الجوزي في تذكرته : ٢٧.
٣ ـ سورة الحجرات ، الآية : ٩.
فقال سعد : ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبيَّ بعدي (١).
فقال معاوية : من سمع هذا معك؟
فقال : فلان وفلان وأم سلمة.
فقال معاوية : أما إني لو سمعته منه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما قاتلت علياً.
قال : وفي رواية من وجه آخر : إن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجَّة حجَّها معاوية ، وإنهما قاما إلى أم سلمة فسألاها ، فحدَّثتهما بما حدَّث به سعد ، فقال معاوية : لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادماً لعليٍّ عليهالسلام حتى يموت أو أموت (٢).
__________________
١ ـ فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ١٢ ـ ١٤ ، صحيح مسلم : ٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، سنن الترمذي : ٥ / ٣٠٢ ح ٣٨٠٨ و ٣٠٤ ح ٣٨١٣ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ٣ / ٢٣ ـ ٢٤ ، المستدرك ، الحاكم : ٢ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، و ٣ / ١٠٨ ـ ١٠٩ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة و ٣ / ١٣٣ أيضاً ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٩ / ٤٠ ، المصنَّف ، عبد الرزاق : ٥ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ح ٩٧٤٥. وغير ذلك من المصادر الكثيرة ، كما أن هذا الحديث يعدُّ من المتواترات.
٢ ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : ٨ / ٨٣ ـ ٨٤.
المناظرة الخامسة عشرة
مناظرة
ابن عباس مع عتاب بن الأعور
قال ابن شهر آشوب في أمر الخوارج واجتماعهم لقتال أميرالمؤمنين عليهالسلام : وكانوا اثني عشر ألفاً من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما ، ونادى مناديهم : إن أميرالمؤمنين شبث بن ربعي ، وأمير الصلاة عبدالله بن الكوَّاء ، والأمر شورى بعد الفتح ، والبيعة لله على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستعرضوا الناس ، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ، وكان عامله عليهالسلام على النهروان.
فقال أميرالمؤمنين عليهالسلام : يا ابن عباس! امض إلى هؤلاء القوم ، فانظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا؟
فلمَّا وصل إليهم قالوا : ويلك يا ابن عباس! أكفرت بربِّك كما كفر صاحبك عليُّ بن أبي طالب؟ وخرج خطيبهم عتاب بن الأعور الثعلبي.
فقال ابن عباس : من بنى الإسلام؟
فقال : الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقال : النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أحكم أموره ودخل بين حدوده أم لا؟
قال : بلى.
قال : فالنبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقي في دار الإسلام أم ارتحل؟
قال : بل ارتحل.
قال : فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده؟
قال : بل بقيت.
قال : وهل قام أحد بعده بعمارة ما بناه؟
قال : نعم ، الذرِّيَّة والصحابة.
قال : أفعمروها أو خربوها؟
قال : بل عمروها.
قال : فالآن هي معمورة أم خراب؟
قال : بل خراب.
قال : خربها ذرِّيَّته أم أمَّته؟
قال : بل أمَّته.
قال : وأنت من الذرِّيَّة أو من الأمَّة؟
قال : من الأمَّة.
قال : أنت من الأمَّة وخربت دار الإسلام ، فكيف ترجو الجنّة؟
وجرى بينهم كلام كثير (١).
ورواها ابن الأعثم الكوفي ـ أيضاً ـ أكمل من السابقة ، قال : فبينا عليٌّ ـ كرَّم الله وجهه ـ مقيم بالكوفة ينتظر انقضاء المدّة التي كانت بينه وبين معاوية ، ثمَّ يرجع إلى محاربة أهل الشام ، إذ تحرَّكت طائفة من خاصَّة أصحابه في أربعة
__________________
١ ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ٢ / ٣٦٩ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٣٣ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ح ٦١٨.
آلاف فارس ، وهم من النسَّاك العبَّاد أصحاب البرانس ، فخرجوا عن الكوفة ، وتحزَّبوا ، وخالفوا عليّاً ـ كرَّم الله وجهه ـ وقالوا : لا حكم إلاَّ لله ، ولا طاعة لمن عصى الله ، قال : وانحاز إليهم ما ينيف عن ثمانية آلاف رجل ممن يرى رأيهم.
قال : فصار القوم في اثني عشر ألفاً ، وساروا حتى نزلوا بحروراء ، وأمَّروا عليهم عبد الله بن الكوَّاء.
قال : فدعا عليٌّ عليهالسلام بعبد الله بن عباس فأرسله إليهم ، وقال : يا ابن عباس! امض إلى هؤلاء القوم ، فانظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا؟
قال : فأقبل عليهم ابن عباس حتى إذا أشرف عليهم ونظروا إليه ناداه بعضهم ، وقال : ويلك يا ابن عباس! أكفرت بربِّك كما كفر صاحبك عليُّ بن أبي طالب؟
فقال ابن عباس : إني لا أستطيع أن أكلِّم كلَّكم ، ولكن انظروا أيّكم أعلم بما يأتي ويذر فليخرج إليَّ حتى أكلِّمه.
قال : فخرج إليه رجل منهم يقال له : عتاب بن الأعور الثعلبي حتى وقف قبالته ، وكأنَّ القرآن إنَّما كان ممثَّلا بين عينيه ، فجعل يقول ويحتجُّ ويتكلَّم بما يريد ، وابن عباس ساكت لا يكلِّمه بشيء ، حتى إذا فرغ من كلامه أقبل عليه ابن عباس ، فقال : إنّي أريد أن أضرب لك مثلا ، فإن كنت عاقلا فافهم.
فقال الخارجي : قل ما بدالك.
فقال له ابن عباس : خبرِّني عن دار الإسلام هذه ، هل تعلم لمن هي؟ ومن بناها؟
فقال الخارجي : نعم ، هي لله عزَّ وجلَّ ، وهو الذي بناها على أيدي أنبيائه عليهمالسلام وأهل طاعته ، ثمَّ أمر من بعثه إليها من الأنبياء أن يأمروا الأمم أن لا
تعبدوا إلاَّ إيّاه ، فآمن قوم وكفر قوم ، وآخر من بعثه إليها من الأنبياء محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقال ابن عباس : صدقت ، ولكن خبِّرني عن محمّد حين بعث إلى دار الإسلام فبناها كما بناها غيره من الأنبياء ، هل أحكم عمارتها ، وبيَّن حدودها ، وأوقف الأمَّة على سبلها وعملها وشرايع أحكامها ومعالم دينها؟
قال الخارجي : نعم ، قد فعل محمّد ذلك.
قال ابن عباس : فخبِّرني الآن عن محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هل بقي فيها أو رحل عنها؟
قال الخارجي : بل رحل عنها.
قال ابن عباس : فخبِّرني رحل عنها وهي كاملة العمارة بيِّنة الحدود ، أم رحل عنها وهي خربة لا عمران فيها؟
قال الخارجي : بل رحل عنها وهي كاملة العمارة ، بيِّنة الحدود ، قائمة المنار.
قال ابن عباس : صدقت الآن ، فخبِّرني هل كان لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أحد يقوم بعمارة هذه الدار من بعده أم لا؟
قال الخارجي : بلى ، قد كان له صحابة ، وأهل بيت ، ووصيٌّ ، وذرِّيَّة يقومون بعمارة هذه الدار من بعده.
قال ابن عباس : ففعلوا أم لم يفعلوا؟
قال الخارجي : بلى ، قد فعلوا ، وعمروا هذه الدار من بعده.
قال ابن عباس : فخبِّرني الآن عن هذه الدار من بعده ، هل هي اليوم على ما تركها محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم من كمال عمارتها ، وقوام حدودها ، أم هي خربة عاطلة الحدود؟
قال الخارجي : بل هي عاطلة الحدود ، خربة.
قال ابن عباس : أفذرِّيَّته وليت هذه الخراب أم أمَّته؟
قال : بل أمَّته.
قال ابن عباس : أفأنت من الأمَّة أو من الذرِّيَّة؟
قال : أنا من الأمَّة.
قال ابن عباس : يا عتاب! فخبِّرني الآن عنك ، كيف ترجو النجاة من النار وأنت من أمَّة قد أخربت دار الله ودار رسوله عليهالسلام ، وعطَّلت حدودها؟
فقال الخارجي : إنّا لله وإنّا إليه راجعون! ويحك يا ابن عباس! احتلت والله حتى أوقعتني في أمر عظيم ، وألزمتني الحجّة حتى جعلتني ممن أخرب دار الله ، ولكن ويحك يا ابن عباس! فكيف الحيلة في التخليص مما أنا فيه؟
قال ابن عباس : الحيلة في ذلك أن تسعى في عمارة ما أخربته الأمَّة من دار الإسلام.
قال : فدلَّني على السعي في ذلك.
قال ابن عباس : إن أوَّل ما يجب عليك في ذلك أن تعلم من سعى في خراب هذه الدار فتعاديه ، وتعلم من يريد عمارتها فتواليه.
قال : صدقت يا ابن عباس! والله ما أعرف أحداً في هذا الوقت يحبُّ عمارة دار الإسلام غير ابن عمِّك عليِّ بن أبي طالب عليهالسلام لو لا أنه حكَّم عبدالله بن قيس في حقٍّ هو له.
قال ابن عباس : ويحك يا عتاب! إنَّا وجدنا الحكومة في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، إنه قال تعالى : ( فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ
اللّهُ بَيْنَهُمَا ) (١) ، وقال تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْل مِّنكُمْ ) (٢).
قال : فصاحت الخوارج من كل ناحية ، وقالوا : فكأن عمرو بن العاص عندك من العدول؟ وأنت تعلم أنه كان في الجاهليَّة رأساً ، وفي الإسلام ذنباً ، وهو الأبتر ابن الأبتر ، ممن قاتل محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم وفتن أمَّته من بعده.
قال : فقال ابن عباس : يا هؤلاء! إن عمرو بن العاص لم يكن حكماً ، أفتحتجُّون به علينا؟ إنما كان حكماً لمعاوية ، وقد أراد أميرالمؤمنين علي عليهالسلام أن يبعثني أنا فأكون له حكماً ، فأبيتم عليه ، وقلتم : قد رضينا بأبي موسى الأشعري ، وقد كان أبو موسى لعمري رضيّاً في نفسه وصحبته وإسلامه وسابقته ، غير أنه خدع فقال ما قال ، وليس يلزمنا من خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى ، فاتقوا ربَّكم ، وارجعوا إلى ما كنتم عليه من طاعة أميرالمؤمنين عليهالسلام ، فإنّه وإن كان قاعداً عن طلب حقِّه فإنّما ينتظر انقضاء المدة ، ثمَّ يعود إلى محاربة القوم ، وليس علي عليهالسلام ممن يقعد عن حقٍّ جعله الله له.
قال : فصاحت الخوارج ، وقالوا : هيهات يا ابن عباس! نحن لا نتولَّى عليّاً بعد هذا اليوم أبداً ، فارجع إليه وقل له : فليخرج إلينا بنفسه حتى نحتجَّ عليه ونسمع كلامه .. (٣).
__________________
١ ـ سورة النساء ، الآية : ٣٥.
٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٩٥.
٣ ـ كتاب الفتوح ، ابن الأعثم الكوفي : ٤ / ٨٩ ـ ٩٥.