مناظرات - ج ٤

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

المناظرة الثامنة والستون

مناظرة

السيّد حسين الرجا السوري مع بعض علماء العامّة

قال السيِّد حسين الرجا (١) : أبلغني ذات يوم أحد المحبّين الغيارى أنّه يعتزم عقد لقاء بيني وبين أحد العلماء ، فقلت له : ياليت ، فإن وضح الحق وشفيت نفسي لك الأجر والثواب ، وإنني خائف من زلّة القدم ، ولكنني أطلب منك أن يحضر ندوة الحوار بعض المثقَّفين ; لأنهم أقدر على الفهم فيحكموا لي أو عليَّ.

وبعد أيام أبلغني بأنَّه عيَّن العالم والزمان والمكان ، فذهبنا في الوقت المحدَّد ، ووجدنا الشيخ بالانتظار ، وقد حضر أحد المثقَّفين ، وكان عدد الحضور سبعة رجال ، وما أن استقرَّ بنا المجلس إلاَّ ونطق أحدهم قائلا : شيخنا! هذا السيِّد الذي كلَّمناك بشأنه ، وعندها بدأنا الكلام ، وإليك عزيزي القارئ نصَّ الحوار بكامله.

أشاح الشيخ بوجهه ناظراً إلى وجهي فقال : ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٢).

__________________

١ ـ من منطقة دير الزور حطلة ، ومؤلِّف كتاب : دفاع من وحي الشريعة ضمن دائرة السنة والشيعة.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.

٣٨١

فقلت له : شيخنا! أصحيح أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجده ميِّتاً مسجَّى ببردته ، فأغلق الباب عليه ، وشهر سيفه ، يهدِّد الناس ، ويمنعهم من القول بأن محمّداً قد مات ، ويقول : من قال إن محمّداً قد مات ضربته بسيفي هذا ، محمّد لم يمت ، إنما ذهب إلى ميقات ربِّه كموسى بن عمران ، وسيرجع بعد أربعين يوماً ، فيقطع أيدي رجال وأرجلهم؟ (١)

فقال : نعم ، هذا الحديث صحيح لا غبار عليه.

فقلت له : شيخنا! هل الله قال : إن محمَّداً لم يمت؟

قال : لا.

قلت : فهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إني لم أمت؟

قال : لا.

__________________

١ ـ جاء في صحيح البخاري : ٤ / ١٩٣ : قال عمر : والله ما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليبعثنَّه الله ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.

وفي رواية تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١١٤ : قال : وخرج عمر فقال : والله ما مات رسول الله ولا يموت ، وإنما تغيَّب كما غاب موسى بن عمران أربعين ليلة ، ثمَّ يعود ، والله ليقطعن أيدي قوم وأرجلهم ، وقال أبو بكر : بل قد نعاه الله إلينا فقال : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) فقال عمر : والله لكأني ما قرأتها.

وفي رواية الآحاد والمثاني للضحاك : ٣ / ١٣ ، قال : ثمَّ إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض ، فقال عمر : والله لا أسمع أحداً يذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض إلاَّ ضربته بسيفي هذا.

وراجع أيضاً : السنن الكبرى ، النسائي : ٤ / ٢٦٣ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٢ / ٢٤٨ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢ / ٤٠.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ١٧٨ : لمَّا مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشاع بين الناس موته ، طاف عمر على الناس قائلا : إنه لم يمت ، ولكنه غاب عنّا كما غاب موسى عن قومه ، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ، يزعمون أنه مات ، فجعل لا يمرُّ بأحد يقول إنه مات إلا ويخبطه ويتوعَّده ، حتى جاء أبو بكر ، فقال : أيُّها الناس! من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد ربَّ محمّد ، فإنه حيٌّ لم يمت .. إلخ.

٣٨٢

قلت : فهل جبرئيل نزل على عمر فقال له : إن محمَّداً لم يمت؟

قال : لا.

قلت : أما كان عمر يقرأ قول الله : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) (١) معنى ذلك أن عمر تكلَّم بما لا يتطابق مع الواقع ، بل تكلَّم ضدَّ الله ورسوله وجبرئيل والقرآن.

ثمَّ سكتُّ قليلا أنتظر الجواب ، ووجه الشيخ يتغيَّر ، وقبل أن يتكلَّم قلت : اللّهم إلاَّ أن يقال : إن عمر كان يهجر ، وحتى هذا الاعتذار ساقط من الحسبان ; لأن الرجل عندما يهجر يختلُّ كلامه لفظاً ومعنى ; لأنه فاقد الشعور ، لا يدرك ما يقول ، وعلى عكس ما يقوله عمر ، حيث تكلَّم بكلام فصيح ، فلا ركّة في المعنى ، ولا هجر في القول.

ثمَّ سكتُّ قليلا أنتظر الجواب ، وإذا بالشيخ ينظر إلى الساعة في يده قائلا : عندي موعد ، يا الله ، فنهض قائماً فتفرَّقنا بلا عودة.

ثمَّ التقيت بالرجل المثقَّف ، فقلت له : بماذا حكمت؟

فقال : إذا كان دليل الشيعة هكذا ، وعلماء السنة هكذا ، فعلى هذا الأساس اعتبرني شيعيّاً ، وبعد مدّة استبصر ذلك المثقَّف ، والحمد لله (٢).

__________________

١ ـ سورة الزمر ، الآية : ٣٠.

٢ ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

٣٨٣

المناظرة التاسعة والستون

مناظرة

السيّد حسين الرجا مع بعض مشايخ السنّة

قال السيِّد حسين الرجا : اصطحبني ذات ليلة أحد المحبّين إلى بيت أحد المشايخ لغرض الاستشفاء ، فاستقبلنا ورحَّب بنا ، فقبَّلت يده ، ولمَّا استقرَّ بنا المجلس قال الشيخ : يا حاج حسين! أصحيح ما سمعناه عنك؟

فقلت له : نعم شيخنا.

فقال : تكلَّم لنا كيف استحوذ عليك الشيعة بأعظم مصيبة ، هي المصيبة في الدين؟

فقلت له : شيخنا! لقد قرأت بعض كتبهم العقيديّة والجدليّة والتأريخيّة وسيرة الصحابة وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنة ، وبالأخصّ صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة. وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنة من كتبهم.

ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلَّما يزداد شكّي في التسنُّن يزداد يقيني في التشيُّع ، وفي مثل هذه القضايا تزلُّ الأقدام ، فخفت على نفسي من زلَّة القدم ، وأصبحت مريضاً ولا علاج لي إلاَّ عند العلماء ، وإلاَّ فمرضي لا

٣٨٤

ترجى براءته.

فأطرق الشيخ دقيقة صمت ، ثمَّ نظر إليَّ نظر العالم المتمكِّن والمتحدّي ، فقال : يا حاج حسين! لا يمكن أن الصحابة يغلطون أو يزلّون ، وإذا الصحابة يغلطون أو يزلّون ، أو يأثمون ويجرمون ، أو يتعاطون المعاصي فأنا أشرط عمامتي وأضعها في بيت الماء ـ يعني يمزِّقها ويضعها في المرحاض.

ولمَّا أنهى الشيخ كلامه أطرقت رأسي ، ولم أردَّ جواباً ، وشرع ذهني يتجوَّل بين ثلاثة محاور ، تارة في مكتبة الشيخ التي تضمُّ صحيحي مسلم والبخاري ، وتارة في عمامته التي أصيغت على طراز أبدع ما تصاغ به العمائم ، وثالثة أفكِّر في المرحاض الذي لا يبعد كثيراً عن مجلس الحوار ، فأخذني صراع داخلي ، فتارة تحمل عليَّ نفسي فأكاد أن أقول للشيخ : آتني بمجلَّد كذا ورقم كذا وباب كذا وكذا في مسلم والبخاري ، وتارة أحمل عليها فأسكتها ، فو الله ما منعني عن ردّ التحدّي إلاَّ شيمي وأخلاقي ، ولأن الردَّ خطير.

وبعد الحوار الذي هو أقرب إلى كونه صبياني تفرَّقنا ، ولمَّا دخلت بيتي وأخذت مضجعي أدركتني بركة الشيخ ، فاستفدت كثيراً ، غير أنها من نوع سلبي ونتيجة عكسيَّة ، حيث قرَّرت أن لا أموت إلاَّ شيعيّاً على طريق محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلمت أن الشيخ مأسور الفكر والدراسة ، وأدركت أن كثيراً ما يوجد في العالم الإسلامي من عالم بلا علم ، وعمامة بلا معمَّم ، وأيقنت أن طلب العلم للعلم هو غيره عن طلب العلم للوظيفة والاكتساب (١).

__________________

١ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

٣٨٥

المناظرة السبعون

مناظرة

الكاتب الأستاذ إدريس الحسني المغربي

مع بعضهم في معاوية والحجّاج

قال الأستاذ إدريس الحسيني (١) : جاءني يوماً أحد أصدقائي الطلبة ، يسألني عن معاوية وقتاله لعلي عليه‌السلام في صفين ، وقبل أن أباشر في الجواب نطق أحد الحاضرين قائلا : اللعنة عليه ، فخزرت فيه ، ثم قلت : أعوذ بالله ، لماذا تلعنه؟

قال : لأنه قاتل علياً عليه‌السلام (٢).

__________________

١ ـ هو : الأستاذ الكاتب والصحافي السيّد إدريس بن محمّد بن أحمد العشاقي المغربي الحسيني الإسماعيلي ، من نسل إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، من مواليد نكسة ١٩٦٧ ، بمدينة مولاي إدريس ، ويحضر حالياً بحوث الخارج في الحوزة العلميّة في منطقة السيِّدة زينب عليها‌السلام في الشام ، وله عدة مؤلَّفات منها : كتاب لقد شيَّعني الحسين عليه‌السلام ، وكتاب الخلافة المغتصبة ، وله كتاب رد على أحمد الكاتب ( المتحوِّلون : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ).

٢ ـ قال ابن أبي الحديد : وكان معاوية على أسّ الدهر مبغضاً لعلي عليه‌السلام ، شديد الانحراف عنه ، وكيف لا يبغضه ، وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر ، وخاله الوليد بن عتبة ، وشرك عمَّه في جدِّه وهو عتبة ، أو في

٣٨٦

قلت له : ومع ذلك ، فإن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا تسبّوا أصحابي.

وبهذه الكلمة البائسة الغبيّة المصحوبة بتماوج كاريكاتوري يختزل وقاراً مصطنعاً .. استطعت أن أسكت صديقنا (١).

قال إدريس الحسيني في موضع آخر : وذات مرَّة قلت لأحد المشائخ الكبار : عجباً! لست أدري كيف يقبل المسلمون بأمثال الحجاج بن يوسف الثقفي ، ذلك السفاح ، ما وقَّر عالماً ولا عاميّاً؟ (٢)

فقال شيخنا الموقَّر : أعوذ بالله ، نحن السنة والجماعة نعتقد في إيمانه وإسلامه ، وقد قال فيه العلماء خيراً رغم كل ذلك ، فهو من الصالحين ، لأنه شكل القرآن؟ (٣).

ويقول السيد إدريس الحسيني في كتابه القيِّم ( لقد شيَّعني الحسين عليه‌السلام )

__________________

عمِّه وهو شيبة ، على اختلاف الرواية ، وقتل من نبي عمِّه عبد شمس نفراً كثيراً من أعيانهم وأماثلهم ، ثمَّ جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان ، فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه ، وانضواء كثير من قتلته إليه عليه‌السلام ، فتأكَّدت البغضة ، وثارت الأحقاد ، وتذكرت تلك الترات الأولى ، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه.

وقد كان معاوية مع عظم قدر علي عليه‌السلام في النفوس ، واعتراف العرب بشجاعته ، وأنه البطل الذي لا يقام له يتهدَّده ـ وعثمان بعد حيٌّ ـ بالحرب والمنابذة ، ويراسله من الشام رسائل خشنة.

إلى أن قال : ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا ، يرمى بالزندقة ، وقد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الإلحاد والتعرُّض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء ، ولو لم يكن شيءٌ من ذلك لكان في محاربته الإمام عليه‌السلام ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفِّرها التوبة. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ١ / ٣٣٨ ـ ٣٤٠.

١ ـ كتاب لقد شيعني الحسين عليه‌السلام ، الكاتب والصحفي إدريس الحسيني : ٤٦.

٢ ـ راجع جملة من أخبار الحجاج في التأريخ وموبقاته بعد هذه المناظرة.

٣ ـ كتاب لقد شيَّعني الحسين عليه‌السلام ، الكاتب إدريس الحسيني : ٤٩.

٣٨٧

في سبب تشيُّعه وأخذه بمذهب أهل البيت عليهم‌السلام : ما إن خلصت من قراءة مذبحة كربلاء بتفاصيلها المأساويّة حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري ، ومن هنا بدأت نقطة الثورة ; الثورة على كل مفاهيمي ومسلَّماتي الموروثة ; ثورة الحسيني عليه‌السلام داخل روحي وعقلي ، إلى أن يقول : فكربلاء مدخلي إلى التأريخ ، إلى الحقيقة ، إلى الإسلام ، فكيف لا أجذب إليها جذبة صوفي رقيق القلب ، أو جذبة أديب مرهف الشعور؟! وتلك هي المحطة التي أردت أن أنهي بها كلامي عن مجمل معاناة آل البيت عليهم‌السلام ، وظروف الجريمة التأريخية ضدَّ نسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : من قتل الحسين عليه‌السلام؟ أو بتعبير أدقّ من قتل من؟ نحن لا نشك في أن مقتل الحسين عليه‌السلام هو نتيجة وضع يمتدُّ بجذوره إلى السقيفة ، إلى أخطر قرار صدر بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان ضحيَّته الأولى : آل البيت عليهم‌السلام ، ونلاحظ من خلال حركة التاريخ الإسلامي أن محاولة تهميش آل البيت ، وقمع رموزهم بدأ منذ السقيفة ، ورأيي لو جازف الإمام علي وفاطمة الزهراء عليهما‌السلام لكان فعلا أحرقوا عليهم الدار ، ولكان شيء أشبه بعاشوراء وكربلاء الحسين عليه‌السلام (١).

والجدير بالذكر هنا هو ما أنشده القاضي أبو بكر بن أبي قريعة ( المتوفَّى ٣٦٧ ) في هذا المعنى ، حيث يقول :

يَا مَنْ يُسَائِلُ دائباً

عن كلِّ مُعضِلَة سخيفه

لاَ تَكْشِفَنَّ مُغَطَّأً

فَلَرَبَّما كَشَّفْتَ جِيْفَه

__________________

١ ـ نفس المصدر : ٣١٥ و ٣١٧.

٣٨٨

وَلَرُبَّ مَستُور بَدَا

كالطبلِ مِنْ تَحْتِ القطيفه

إِنَّ الجَوَابَ لَحَاضِرٌ

لكنَّني أُخفِيْهِ خِيْفَه (١)

لو لا اعتذارُ رَعِيَّة

ألغى سِيَاسَتَها الخليفه

وَسُيُوفُ أعْدَاء بها

هَامَاتُنا أبداً نقيفه

لَنَشَرْتُ مِنْ أَسْرَارِ

آلِ محمَّد جُمَلا طريفه

تُغنِي بِها عمَّا رَوَاهُ

مَالِكٌ وأبو حنيفه

وَأَرَيْتُكُمْ أَنَّ الحُسَيْنَ

أُصيِبَ في يَوْمِ السقيفه

وَلاَِيِّ حَال أُلْحِدَتْ

باللَّيلِ فَاطِمَةُ الشريفه

وَلِما حَمَتْ شَيْخَيْكُمُ

عَنْ وَطْيِ حُجْرَتِها المنيفه

آه لِبِنْتِ محمَّد

ماتت بِغُصَّتِها أسيفه (٢)

جملة من أخبار الحجاج في التأريخ

جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد : فأمَّا الكعبة فإن الحجاج في أيام عبدالملك هدمها ، وكان الوليد بن يزيد يصلّي إذا صلى أوقات إفاقته من السكر إلى غير القبلة ، فقيل له ، فقرأ : ( فَأَيْنََما تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (٣).

وخطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد ورمَّة بالية! هلاّ طافوا بقصر

__________________

١ ـ كشف الغمة ، الإربلي : ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

٢ ـ كتاب الوافي بالوفيات ، الصفدي : ٣ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١٥.

٣٨٩

أميرالمؤمنين عبد الملك! ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله! (١)

وروى أبو داود في سننه بسنده عن المغيرة عن الربيع بن خالد الضبي قال : سمعت الحجاج يخطب ، فقال في خطبته : رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه ، أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي : لله عليَّ ألا أصلِّي خلفك صلاة أبداً ، وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنَّك معهم (٢).

وقال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم (٣).

وقال أبو بكر بن عياش : عن عاصم بن أبي النجود : ما بقيت لله حرمة إلاَّ وقد ارتكبها الحجاج.

وقال عبد الرزاق : عن معمّر ، عن ابن طاووس أن أباه لما تحقَّق موت الحجاج تلا قوله تعالى : ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٤) (٥).

وقال ابن حجر في ترجمته : حجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي ، الأمير الشهير ، ولد سنة (٤٥) أو بعدها بيسير ، ونشأ بالطائف ، وكان أبوه من شيعة بني أمية ، وحضر مع مروان حروبه ، ونشأ ابنه مؤدِّب كتّاب ، ثمَّ لحق بعبد الملك بن مروان ، وحضر مع قتل مصعب بن الزبير ، ثمَّ انتدب لقتال عبدالله بن الزبير بمكة ،

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٥ / ٢٤٢.

٢ ـ سنن أبي داود : ٢ / ٤٠٠ ، رقم : ٤٦٤٢ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٩ / ١٥١.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ١٢ / ١٨٦ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٦ / ٢٦٧.

٤ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٤٥.

٥ ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : ٦ / ٢٦٧.

٣٩٠

فجهَّزه أميراً على الجيش ، فحضر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل ابن الزبير.

وقال جماعة : إنه دسَّ على ابن عمر من سمَّه في زجّ رمح (١) ، وقد وقع بعض ذلك في صحيح البخاري ، وولاَّه عبدالملك الحرمين مدّة ، ثمَّ استقدمه فولاَّه الكوفة وجمع له العراقين ، فسار بالناس سيرة جائرة واستمرَّ في الولاية نحواً من عشرين سنة ، وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض على الناس في كل ما يرومه ، ويجادل على ذلك ، وخرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقرَّاء من أهل البصرة وغيرها ، فحاربه حتى قتله ، وتتبَّع من كان معه فعرضهم على السيف ، فمن أقرَّ له أنه كفر بخروجه عليه أطلقه ، ومن امتنع قتله صبراً ، حتى قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم.

وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان : أحصينا من قتله الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألفاً.

وقال زاذان : كان مفلساً من دينه ، وقال طاووس : عجبت لمن يسمّيه مؤمناً ، وكفَّره جماعة منهم سعيد بن جبير ، والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي .. وغيرهم.

وقالت له أسماء بنت أبي بكر : أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وروى ابن أبي الدنيا بسنده ، عن زيد بن أسلم قال : أغمي على المسور بن مخرمة ، ثمَّ أفاق فقال : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وأن محمّداً رسول الله أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها ، إلى أن قال : وعبدالملك والحجاج يجرّ ان أمعاء هما في النار.

____________

١ ـ الزُجّ بضمِّ الزاي المعجمة : الحديدة في أسفل الرمح ، ونصل السهم.

٣٩١

قال : قلت : هذا إسناد صحيح ، ولم يكن للحجاج حينئذ ذكر ، ولا كان عبدالملك ولي الخلافة بعد ; لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد ابن معاوية من الشام ، وذلك في ربيع الأول سنة (٦٤) من الهجرة.

وقال القاسم بن مخيمرة : كان الحجاج ينقض عرى الإسلام عروة عروة.

وقال موسى بن أبي عبدالرحمن النسائي عن أبيه : ليس بثقة ولا مأمون.

وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بأهل أن يروى عنه.

ومما يحكى عنه من الموبقات قوله لأهل السجن : ( اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ) مات سنة (٩٥) بواسط وهو الذي بناها ، وقيل إنه لم يعش بعد قتل سعيد بن جبير إلاَّ يسيراً.

وقال الأصمعي : عن أبي عمرو بن العلاء : لمَّا مات الحجاج ، قال الحسن : اللهم أنت أمته فأمت سنَّته.

وعن أشعث الحداني ـ وكان يقرأ للحجاج في رمضان ـ قال : رأيته في منامي بحالة سيئة ، فقلت : يا أبا محمّد! ما صنعت؟ قال : ما قتلت أحداً بقتلة إلاَّ قتلت بها ، قلت : ثمَّ مه؟ قال : ثمَّ أمر به إلى النار .. (١).

__________________

١ ـ تهذيب التهذيب ، ابن حجر : ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٧.

٣٩٢

المناظرة الحادية والسبعون

مناظرة

الشيخ مروان خليفات الأردني مع صديقه الشيعي

في حديث رزيّة الخميس وآثارها

قال الشيخ مروان خليفات (١) : في وقت الغروب ، وفي إحدى طرق القرية كنت مع صديقي الشيعي ، كان لا يأتي علينا يوم إلاَّ ويحتدُّ النقاش بيننا ، تمنَّيت في وقتها أن يصبح هذا الصديق سنّيّاً ، وعزمت أن أنقله من مذهبه إلى المذهب الشافعي ، وجرت الأيام ، والتحقت بكليَّة الشريعة ، وفي الدروس كان مشايخنا يتطرَّقون إلى الشيعة ، وكان البعض منهم يكفِّرهم ، ومع أني كنت على المذهب الشافعي إلاَّ أني بدأت أتأثَّر بما يطرحه أساتذتي السلفيَّة خاصة في العقيدة ، فقمت أردِّد معالم العقيدة السلفيَّة وكأني مقتنع بها ، وكنت أعرض هذه العقيدة مع ذكر الأدلّة على صديقي الشيعي ، وكذا ما يقال عن الشيعة في قاعة الدرس ، وذلك كي أبدأ بهدايته ، لكنَّه كان يردُّ عليَّ بكلِّ قوَّة.

__________________

١ ـ ولد عام ١٩٧٣ في كفر جايز من توابع مدينة إربد في الأردن ، تخرَّج من جامعة اليرموك ، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية سنة ١٩٩٥ م ، له كتاب : وركبت السفينة.

٣٩٣

وفي أثناء مسيرنا ، وبينما كنت أحدِّثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني قائلا كالمنتصر : رزيَّة الخميس.

قلت : خيراً! ماذا تقصد؟

قال : إنها حادثة كانت قبل وفاة النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأيام ، حيث قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً ، فقال عمر : إن النبيَّ غلبه الوجع أو يهجر ، حسبنا كتاب الله.

فقلت له : هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قط؟

قال : تجد هذه الحادثة في صحيح البخاري ومسلم.

عندئذ يئست من جوابه ، وشعرت بالهزيمة ، وقلت فوراً : وإن قال ذلك يبقى صحابيّاً ، أسأل الله الغفران ، عبارة لم تأت صدفة ولكنها تعبير عن عقيدة ترسَّخت في أذهاننا ، وأردفت : في أيِّ كتاب قرأت هذه الحادثة؟ لأنني وان وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف ، لكنني كنت أتعصَّر ألماً.

فقال : في كتاب ( ثمَّ اهتديت ) لأحد علمائكم الذين تشيَّعوا.

قلت ساخراً : وهل هناك عالم من علمائنا تشيَّع؟!

قال : نعم ، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيَّع ، وأسباب تشيُّعه وطلبت الكتاب منه ، وبدأت بقراءته فوراً ، ورزيَّة الخميس تدور في ذهني ، وأتوجَّس خيفة لعلي أجدها ، فأخذتني قصَّة الكاتب الممتعة ، وأسلوبه الجذَّاب ، وقرأت نصوص إمامة آل البيت عليهم‌السلام ، ومخالفات الصحابة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورزيَّة الخميس ، والمؤلِّف يوثِّق كلَّ قضيَّة من صحاحنا المعتبرة ، فدهشت لما أقرأ ، وشعرت أن كلَّ طموحاتي انهارت وسقطت أرضاً ، وحاولت

٣٩٤

إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا.

وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة ، وبدأت برزيَّة الخميس فوجدتها مثبتة في صحيح مسلم والبخاري بعدّة طرق ، وكان أمامي احتمالان : إمَّا أن أوافق عمر على قوله فيكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهجر والعياذ بالله ، وبهذا أدفع التهمة عن عمر ، وإمَّا أن أدافع عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقرُّ بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحقِّ النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى طردهم ، وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما ردَّدتها ، وافتخرت بها أمامه.

وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحّة ما في الكتاب ، فقلت وقلبي يعتصر ألماً : نعم ، صحيح.

بقيت فترة حائراً ، تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً ، وعرض عليَّ صديقي كتاب ( لأكون مع الصادقين ) لمؤلِّفه التيجاني ، وكتاب ( فاسألوا أهل الذكر ) وغيرها ، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة ، وزادت حيرتي وشكي ، وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق ، لكنَّها لم تنفعني بل زادتني بصيرة ، وقرأت كتباً كثيرة لا يسعني ذكرها ، فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها ، فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها ، إلى أن اكتملت الصورة في ذهني كالشمس في رابعة النهار ، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار عليهم‌السلام ، أبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشقّاء القرآن ، وأولياء الرحمن ، سفن النجاة ، وأعلام الورى ، ورحمة الله للملأ ، بكل قناعة واطمئنان قلب.

وها أنا الآن ـ وبعد تخرُّجي من كليَّة الشريعة ـ على يقين تام بصحّة ما أنا عليه ، أقول هذه الكلمات ويمرُّ بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي

٣٩٥

وأهله ، وإذا بالصورة قد انعكست فكان هو سبب هدايتي ، وفَّقه الله.

ولا أنسى تلك اليد ; يد الرحمة الإلهيَّة ، كانت تعطف عليَّ باستمرار أيَّما عطف ، فلك الحمد ربَّاه حمداً يليق بجلالك العظيم ، ومنِّك الجسيم (١).

__________________

١ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ١٩٣ ـ ١٩٦.

٣٩٦

المناظرة الثانية والسبعون

مناظرة

لمياء حمادة السوريَّة مع بتول العراقيَّة

في كليَّة الشريعة بدمشق في عقائد الشيعة

وشرحها كيفيَّة اعتناقها التشيُّع

تقول الأستاذة لمياء حمادة (١) في بداية اكتشافها للحقيقة : وربَّ صدفة ، ولحسن الحظّ وخير الطالع ، وأثناء دراستي في الجامعة دخلت علينا طالبة جديدة ، وكانت عراقيَّة ، وقد تهجَّرت من بلادها مع ذويها إلى بلدنا طلباً للأمان.

وقد انخرطت في الدراسة بالجامعة ، واختارت كليَّتنا ; لأن طلابها ملتزمون ، مع أنه كان بإمكانها أن تختار كليَّة أعلى من كليَّتنا ; لأنها كانت من المتفوِّقين في كليَّة الطبِّ في بلدها.

وكانت هذه الفتاة واسمها ( بتول ) ـ تجلس في المقعد الأخير في القاعة ، ودائماً تلبس العباءة السوداء والخمار يغطي رأسها حتى ذقنها وياله من حجاب

__________________

١ ـ ولدت سنة ١٩٦٥ ، اعتنقت مذهب أهل البيت عليهم‌السلام عام ١٩٨٥ ، تخرَّجت من كليَّة الشريعة جامعة دمشق عام ١٩٨٧ م.

٣٩٧

يدلُّ على التزامها الدينيّ ، وانتصارها على تقلُّبات العصر ، وهفوات التقدّم والموضة.

ولكن لمَّا عرفنا ـ نحن طلاب كليَّة الشريعة ـ بأنها عراقيَّة تيقّنّا بأنّها شيعيَّة ، وكثيراً ما كنَّا نتحرَّش بها قاصدين السخرية والاستهزاء بها ; لأنها ـ حسب اعتقادنا ومعلوماتنا الخاطئة طبعاً ـ أنها ومن يتبع هذا المذهب غير مسلمين ، فهم يعبدون عليَّ بن أبي طالب ، والمعتدلون منهم فقط يعبدون الله ، ولكنهم لا يؤمنون برسالة محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنه خان الأمانة ، فبدلا من أداء الرسالة إلى علي عليه‌السلام أدَّاها إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنهم ينزِّلون أئمّتهم منزلة الآلهة ، وأنهم يقولون بالحلول ، وأنهم يسجدون للقرص الحجريّ من دون الله ، وأنهم أشدُّ على الإسلام من اليهود والنصارى ، لأن هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى عليه‌السلام ، بينما نسمع عن الشيعة أنهم يعبدون علياً ويقدِّسونه.

ومع كل هذا التقريع وهذه السخرية والأخت بتول لا تردُّ علينا ، وتقول في كل مرة : سامحكم الله ، هداكم الله ، ليتكم تعلمون الحق ، أستغفر الله لي ولكم.

وهكذا إلى أن جاء يوم من الأيام ـ وهو بالنسبة لي يوم التحوُّل الكبير ـ جئت في هذا اليوم متأخِّرة عن موعد المحاضرة ، فلم أجد مكاناً إلاَّ إلى جانب هذه الفتاة بتول ، وكنت قبلا لا أجلس إلى جانبها أبداً ، تحسُّباً منها على أنها كافرة ، أو أنها جاسوسة تريد أن تعرف تفاصيل مذاهبنا لتنقلها إلى فرقتها.

جلست وأنا مستاءة منها نوعاً ما ، ثمَّ قلت في نفسي : ما لي وما لها؟ كل واحدة منّا في حالها ، وبالصدقة كانت المحاضرة يومذاك عن المذهب الشيعيّ ، وبدأت المحاضرة وكلُّنا مصغون إلى ما يقال عن ذلك المذهب ، وبتول تندهش

٣٩٨

وتندهش من كل ما يقال عنهم ، وتتمتم أثناء المحاضرة بأن لعنة الله على الظالمين .. سامحكم الله .. أذناب بني أمية .. أتباع معاوية ... وهكذا إلى أن انتهت المحاضرة وبتول تكاد تنفجر من الغيظ.

فقلت لها : لماذا أنت مغتاظة ومتضايقة؟ أليس ما قاله الدكتور المحاضر عنكم صحيحاً؟ فابتسمت بتول عندها وقالت : إذا كان الأستاذ يفكِّر بهذا الشكل فلا لوم على الطلاب ، وإذا كان تفكير الطلاب هكذا فلا لوم على عامة الناس الذين لا ثقافة لهم.

قلت : ماذا تقصدين؟

أجابت : عفواً ، ولكن من أين لكم هذه الادّعاءات الكاذبة؟

قلت : من كتب التاريخ ومما هو مشهور عند الناس كافّة.

قالت : هل عندكِ الوقت للمناقشة؟

تردَّدت قليلا ثمَّ أجبت : ربّما بعض الوقت ، وأخذنا نتمشَّى إلى الكافتيريا ، فطلبت القهوة وجلسنا نتحدَّث.

قالت : لنترك الناس كافة ، الذين يعتمدون على الصحاح بالدرجة الأولى ، ولكن أنتِ هل قرأت شيئاً من الكتب عنّا؟

قلت : نعم ، مثل : ظهر الإسلام ، وفجر الإسلام ، وضحى الإسلام لأحمد أمين ، وغيرها كتب كثيرة.

قالت : ومتى كان أحمد أمين حجَّة على الشيعة؟ أليس عليكم أن تتبيَّنوا الأمر من مصادره الأصليّة المعروفة.

قلت : وكيف لنا أن نتبيَّن في أمر كهذا.

٣٩٩

قالت : إن أحمد أمين نفسه زار العراق ، وقد التقى بأساتذة عدّة في النجف ، وعاتبوه على كتاباته عن الشيعة ، فاعتذر قائلا : إني لا أعلم عنكم شيئاً ، ولم أتصّل بالشيعة من قبل ، وهذه أول مرَّة ألتقي فيها بالشيعة ، فقلنا له : إذن لم تكتب عنا القبيح؟ قال : هكذا ورثنا عن الناس نظرتهم إليكم.

وتابعت : أرأيتِ هذا الافتراء؟ وهكذا خذي كل ما يقال عنّا على هذا المنوال ، فهو أكاذيب مغرضة حاقدة.

قلت : دعينا من أحمد أمين هذا ، وأخبريني عن حقائق عديدة تقال عنكم.

فقاطعتني قائلة : إذا كنتِ تريدين تمضية الوقت والكلام لمجرَّد الكلام فأنا آسفة ، والأفضل أن أذهب ، وأمَّا إذا أردتِ الاستفادة حقّاً ، والتأكُّد من مظلوميَّتنا فلكِ ما تريدين ، ووقتي لكِ كلُّه.

قلت : لا والله ، معاذ الله أن أتكلَّم معكِ لمجرَّد الكلام ، ولكني أحببتكِ فعلا ، وأحسست بأنّكِ مظلومة ، وعندكِ حجج كثيرة أردت قولها أثناء المحاضرة ، ولكنَّكِ لم تجرؤي ، فلم يا ترى؟

قالت : الكلام مع هؤلاء الناس كعدمه ، وربَّما جرَّتنا المناقشة أن أضع من شأن مذهبي وديني من جرَّاء مناقشتي مع جهَّال كهؤلاء ، فقد قال الإمام علي عليه‌السلام : ناقشت جاهلهم فغلبني ، وناقشت عالمهم فغلبته (١).

قلت : فلنبدأ ، فقاطعتني وقالت : إذن صلي على محمَّد وآل محمّد ،

__________________

١ ـ لم أعثر على مثل هذا الحديث في هذه العجالة ، وقد روي ما بمضمونه عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام وهو : لا ينتصف عالم من جاهل. عن كتاب عيون الحكم والمواعظ ، الليثي : ٥٣٤.

٤٠٠