مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

ويدفن المرجوم الى حقويه ، والمرأة إلى صدرها.

______________________________________________________

يقتله ولا تخالف عليّا (١) وقريب منها صحيحتا حماد بن عثمان ، وعبد الله بن سنان (٢).

ولا يتوقف أن يبرأ جراحاته التي حصلت بالأول ثم يرجم أو يقتل ، بل يجوز ، بل يجب ان يقتل بعد ذلك أو يرجم بما لا يعدّ تأخيرا.

وعبارة المصنف (٣) مشعرة بعدم جواز التأخير ووجوب التعجيل ، وهو إشارة إلى ردّ الشيخ بأنه قال بالتخيير حتى يبرأ ليذوق تمام ألم الجرح.

وهو غير ثابت بذلك ، مع ما مرّ ، ولما مرّ ان لا تأخير في الحدّ.

ونقل عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه جلد سراقة يوم الخميس ورجمها ليلة الجمعة (٤) فتأمّل.

قوله : «ويدفن المرجوم إلخ» بيان كيفيّة الرجم ، وهي ان المرأة تدفن الى صدرها ، والرجل الى حقويه.

وظاهر العبارات أن ذلك على سبيل الوجوب ، ولكن الأدلّة لا تساعده ، لعدم صحّة السند ، بل لعدم اعتباره ، مع ان في الأدلة : (وسط المرأة) لا (صدرها).

وقد يوجد ما يدل على عدم الحفر أيضا من فعله عليه السّلام ، فتأمّل.

والذي يدل على الدفن ، موثقة سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمي الامام ويرمي الناس بأحجار صغار ، ولا يدفن الرجل إذا رجم الّا الى حقويه (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٤ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٦.

(٢) لاحظ الوسائل باب ١٥ حديث ٥ و ٦ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٦.

(٣) حيث قال : وكذا لو اجتمعت الحدود بدء بما لا يفوت معه الآخر إلخ.

(٤) المستدرك باب ١ حديث ١٢ من أبواب حدّ الزنا ج ٣ ص ٢٢٢ وفيه اختلاف وتتمّة.

(٥) الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٤.

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيها دلالة على رمي الإمام أوّلا ، ووجوبه غير معلوم ، وسيجي‌ء انّ ذلك فيما إذا ثبت الرجم بالإقرار ، وإذا ثبت بالبيّنة ، فإنّ من يبدأ ، الشهود.

وكذا (١) على كون الأحجار صغارا ، ووجهه أيضا ، غير ظاهر.

ويدل على تفضيل الابتداء بالرجم ، رواية صفوان ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الامام ثم الناس ، فإذا قامت عليه البيّنة كان أول من يرجمه البيّنة ثم الناس (٢).

ويدل على الدفن أيضا موثقة أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا ، أن يرجموها ، ويرمي الإمام ثم (يرمي ـ ئل) الناس بعد بأحجار صغار (٣).

وهذه مثل الاولى ، ومثلها موثقة سماعة (٤).

والتأسّي به صلّى الله عليه وآله ، فانّ المنقول انّه حفر لماعز بن مالك ثم رجم (٥).

ولكن الاخبار قد عرفت سندها ، واشتمالها على ما لا يجب من ابتداء الامام ، وصغار الأحجار ، وانّ الفعل مطلقا لا يدل على الوجوب على كلّ حال ، مع انّه ما فعله صلّى الله عليه وآله ولم يعلم كون ذلك بامره ، ولا بحضوره مع عدم دلالته على الوجوب لو كان ، فتأمّل.

__________________

(١) يعني فيها دلالة على كون الأحجار صغارا.

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٤ وفيه : عن صفوان عمن رواه بدل عن زرارة.

(٣) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٤.

(٤) لاحظ الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٤.

(٥) سنن أبي داود باب رجم ماعز بن مالك ج ٤ ص ١٥٠ تحت رقم ٤٤٣٥.

٦٢

فان فرّ أعيد ان ثبت بالبيّنة والا لم يعد.

______________________________________________________

قوله : «فان فرّ ، أعيد إلخ» لو فرّ المرجوم من محلّ الرجم بعد الدفن ، أعيد ليتمّ رجمه ان كان ما يوجب رجمه ثابتا بالبيّنة ـ أي الشهود الأربعة المقبولة ـ وان لم يكن ثابتا بالبيّنة بل بإقراره لم يعد ، بل يخلّى وسبيله.

دليله ما رواه ـ في الحسن ـ الحسين بن خالد ـ كأنّه الصيرفي المجهول المذكور في كتاب رجال الشيخ ـ قال : قلت لأبي الحسن : أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة ، هل يردّ حتّى يقام عليه الحدّ؟ فقال : يردّ ولا يرد ، قلت : وكيف ذاك؟ فقال : إذا كان هو المقرّ على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي‌ء من الحجارة لم يردّ ، وان كان انّما قامت عليه البيّنة وهو يجحد ثم يهرب (هرب ـ خ ئل) يردّ وهو صاغر حتّى يقام عليه الحدّ وذلك انّ ماعز بن مالك أقرّ عند رسول الله صلّى الله عليه وآله ، بالزنا فأمر به ان يرجم فهرب من الحفيرة ، فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط ، فلحقه الناس فقتلوه ثم أخبروا رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك ، فقال : هلّا تركتموه إذا هرب يذهب ، فإنما هو الذي أقرّ على نفسه ، قال : وقال لهم : اما لو كان عليّ حاضرا معكم لما ضللتم ، ووداه رسول الله صلّى الله عليه وآله من بيت مال المسلمين (١).

وما في رواية أبي العبّاس : فأقرّ على نفسه الرابعة ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله ان يرجم فحفروا له حفيرة ، فلمّا ان وجد مسّ الحجارة خرج يشتدّ فلقيه الزبير (الى قوله) : هلّا تركتموه (٢).

ورواية عبد الله بن زبير ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الزاني يجلد فيهرب بعد ان اصابه بعض الحدّ ، أيجب عليه ان يخلّا عنه ولا يردّ كما

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٦.

(٢) الوسائل باب ١٥ قطعة من حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٦.

٦٣

وقيل يشترط إصابة الحجارة.

______________________________________________________

يجب للمحصن إذا رجم؟ قال : لا ولكن يردّ حتى يضرب الحدّ كاملا ، قلت : فما فرق بينه وبين المحصن وهو حدّ من حدود الله؟ قال : المحصن هرب من القتل ولم يهرب إلّا الى التوبة ، لأنه عاين الموت بعينه ، وهذا إنّما يجلد فلا بد من ان يوفى (في ـ خ) الحدّ ، لانّه لا يقتل (١).

ولانّه قتل بسبب قوله وإقراره والهرب بمنزلة الرجوع كما إذا رجع عن إقراره بالرجم يقبل قوله ولا يرجم.

لحسنة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : من اتى على نفسه بحدّ ، أقمته عليه الّا الرجم ، فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم (٢).

فكذا هنا فافهم.

ولانّ حفظ النفس مطلوب ، وبناء الحدود على التخفيف.

ولانّه حق الله ما ثبت الّا بقوله وارادته ذلك ، فلما لم يرد ، وما لنا حجّة إلّا قوله وما بقي فخلي بينه وبين الله.

ولانّ الستر وعدم الإقرار مطلوب كما مرّ فلمّا رجع فكأنّه ما أقرّ ، واستتر وظهر عنده شي‌ء انّه لم يستحق ذلك ، إذا ما ثبت الّا بقوله ، بخلاف ما ثبت بالبيّنة الشرعيّة ، فإنّها حجّة شرعيّة مطلقة ، فكما لا يفيد إنكاره معها ، فلا ينفع هربه أيضا ، فإنّه ليس بأعظم منه ، فإنّه يرجم غضبا عليه لثبوته بالبيّنة الشرعيّة ويؤيّده قول العلماء وهذا هو المشهور.

وقد قيّد البعض عدم الرد بما إذا أصابه الحجر ، فلو هرب قبله يعاد ويرجم والستر والتخفيف مطلوب ما لم يثبت الموجب وقد ثبت ، وإقراره مقبول ، ولم يعلم

__________________

(١) الوسائل باب ٣٥ قطعة من حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٤٠٧ وفيه : محمّد بن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه.

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٩.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

رجوعه والفرق بين الهرب والرجوع ـ على تقدير تسليم عدم الرجم بعده ـ بانّ الهرب أعم.

ويدلّ على عدم الردّ مفهوم الرواية الأولى ، فإنّ مفهوم قوله : (بعد ما يصيبه) (١) انّه لو لم يصيبه يعاد ، وفي الرواية الأخرى : «بعد ان اصابه بعض الحدّ» (٢) وان لم نقل : انه حجّة ، ولكن يقال : انّما الدليل هو الرواية ، وهي مقيّدة بالإصابة ، فمن اين يعلم عدم الرد قبلها أيضا.

الّا أن يدّعى أيضا دليلا مثل ما مرّ ، وان سوق الروايات أيضا يدل عليه حيث فرّق بين الجلد والرجم ، وبين الإقرار والبيّنة ، ولهذا ما ذكر حكم الإقرار قبل الإصابة ، والتقييد بالإصابة للأغلبيّة والاتفاق ، فانّ الغالب انّما يهرب لذلك ، ولهذا قال : «فلما ان وجد إلخ» (٣).

ويمكن ان يقال : ما ثبت دليل على وجوب الرجم بل جوازه بعد الهرب أيضا والهرب أيضا شبهة فيدرأ بها الحدود.

ويؤيّده البناء على التخفيف ، والاحتياط في الحدود ، وحفظ الأنفس ، وقول الأكثر.

ولكن الأدلّة قد أثبتت الرجم بعد الفعل المعهود ، فهو باق حتّى يأتي به أو يجي‌ء مسقط ولا مسقط إلّا الرواية التي فيها الرد بعد الإصابة.

ويؤيّده مرسلة صفوان ، عن رجل ، عن أبي بصير ، عن غيره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت : المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب؟ قال : لا ولا يعرّض له ان كان اصابه حجر واحد لم يطلب ، فانّ هرب قبل ان يصيبه الحجارة ردّ حتّى يصيبه

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ قطعة من حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٦.

(٢) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ و ٥ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٧ منقول بالمعنى.

(٣) الوسائل باب ١٥ قطعة من حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٧.

٦٥

ويبدأ الشهود بالرجم وجوبا ، وفي المقر يبدأ الامام.

ويستحب الاشعار وإحضار طائفة وأقلّها واحد في الحدّ وصغر الحجارة.

______________________________________________________

الم العذاب (١).

هذه تدل بالمنطوق والمفهوم ومؤيّدة لاعتبار مفهوم في غيرها ممّا مرّ.

ولا يضرّ إرسال صفوان ، كأنّه ابن يحيى الذي إرساله مقبول ، فتأمّل.

قوله : «ويبدأ الشهود إلخ» يعني إذا كان موجب الرجم ثابتا بالشهود ، يجب ان يبدأوا بالرجم ، وان كان ثابتا بقولهم ، فيجب أن يبدأ به الإمام ، لأنّه أمر عظيم ، ولمّا كان المدار على حكمه ، فلا بدّ أن يبدأ هو حتّى يحصل لغيره الجرأة ، فهو بمنزلة الشهود.

ويؤيّده ما تقدم من الروايات ، ولكن قد عرفت أنّها قاصرة عن الوجوب لعدم اعتبار السند ودخول ما هو المستحب فيه من الحفيرة على القول به وصغار الحجار الّا ان يقال بوجوبهما.

قوله : «ويستحب الاشعار إلخ» لعلّ دليل استحباب الاشعار والإعلان وإحضار طائفة وأقلّها واحد ، حمل الأمر في الآية «وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (٢) على الاستحباب والإرشاد ، لأنّ الغرض الاعتبار والعبرة ، وكذا أوامر الاخبار في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام في رجم كم واحد من الرجال والنساء حيث خطب ، وقال : غدا بظهر الكوفة حتّى يقام عليه بحد من حدود الله (٣).

وفي بعضها قيّد الاخبار بعدم معرفة بعضهم بعضا (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٧.

(٢) النور : ٢.

(٣) وسائل الشيعة : ب ٣١ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٤١.

(٤) يستفاد أكثر ما نقل في الوسائل باب ٢١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٢٤١.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي بعضها : متلثمين مع قوله : كلّ من الله عليه حدّ لا يرمي حجرا (١) ونحو ذلك.

وفي بعضها : لما قال ذلك رجع بعض وبقي بعض (٢).

وفي بعضها : انه ما بقي غيره وغير الحسنين عليهم السّلام (٣).

واما كون الأقل واحدا في جهة اختياره ، فذهب بعض اللغويين الى أنّ أقلّ الطائفة واحد كما في قوله تعالى «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ» (٤) ، إذ لا شك انه يكفي هنا نفر طائفة من كلّ فرقة وهذا ظاهر.

ولأنّ طائفة الشي‌ء بعضه ، والواحد من المؤمنين بعضهم.

ولرواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليهم السّلام في قول الله عزّ وجلّ «لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ» قال : في إقامة الحدود وفي قوله تعالى : «(وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، الطائفة واحد ، وقال : لا يستحلف صاحب الحدّ (٥).

ولأنّ الأصل عدم الزيادة وعدم وجوب (على ـ خ) أزيد من ذلك الواحد.

وقيل : أقلّه ثلاثة ، كأنّه فهموا أن معناها الجمع واقله ثلاثة وكأنّه جعل (من المؤمنين) بيانا ل (الطائفة) ، وليس كذلك.

وقيل : أربعة عدد الشهود.

واعلم انّ ظاهر الآية انّ المراد بالعذاب هو الجلد ، لأنّه المذكور سابقا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٣١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٤٢ و ٣٤٣.

(٢) وسائل الشيعة : ب ٣١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٤٢ و ٣٤٣.

(٣) وسائل الشيعة : ب ٣١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٤٢ و ٣٤٣.

(٤) سورة توبة آية ١٢٢.

(٥) الوسائل باب ٢٤ حديث ٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٥ ولاحظ ذيله والآية في سورة النور ـ الآية : ١.

٦٧

ولا يرجمه من عليه حدّ.

______________________________________________________

فالإشهاد المفهوم من الآية يكون في الجلد لا الرجم ، وكأنهم حملوه عليه قياسا أو بالطريق الأولى أو ان المراد : فليشهد عذاب الزاني والزانية أيّ شي‌ء كان ، (عذابهما طائفة) ، وسبق الجلد لا يخصّص كما هو المقرر في الأصول ، فكلّ ما ثبت انه عذابهما يكون الناس مأمورين بحضوره ، فتأمّل.

واما استحباب صغر الحجارة ، فهو كما في الأخبار القاصرة عن الدلالة على الوجوب كما مرّ.

قوله : «ولا يرجمه من عليه حدّ» ظاهره هذا تحريم الرجم فيمن كان لله عليه حدّ سواء كان رجما أو غيره.

ودليله ، النهي عن أمير المؤمنين عليه السّلام في عدّة اخبار ، مثل حكاية امرأة جاءت الى أمير المؤمنين عليه السّلام بعد ان نادى أمير المؤمنين عليه السّلام بالناس وخرجوا معه الى ظهر الكوفة متنكرين متلثمين بعمائمهم ومعهم احجارهم لا يعرف بعضهم بعضا ، فأمر أن يحفر لها حفيرة فدفنت فيه ثم ركب بغلته ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه نادى بأعلى صوته : يا أيها الناس ان الله تبارك وتعالى عهد الى نبيّه صلّى الله عليه وآله عهدا عهده محمّد صلّى الله عليه وآله اليّ بأنه لا يقم الحدّ من لله عليه حدّ ، فمن لله عليه حدّ مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ ، قال : فانصرف الناس كلّهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السّلام ، فأقام هؤلاء الثلاثة الحدّ يومئذ وما معهم غيرهم (١).

ظاهر أول هذه عموم المنع لكلّ احد عليه حدّ ان يقيم حدّا أيّ حدّ كان ، ويشعر آخرها بان لا يرجم عليه من عليه موجبه ، فتأمّل.

وفي الصحيح عن خلف بن حماد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال :

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٤١ منقول بالمعنى فلا حظ.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

جاءت امرأة حامل الى أمير المؤمنين عليه السّلام فقالت له : انّي فعلت (زنيت ـ ظ) فطهرني ثم ذكر نحوه (١).

ومرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام ، قال : اتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه : اغدوا عليّ متلثمين ، فغدوا عليه متلثمين ، فقال لهم : من فعل مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف قال : فانصرف بعضهم وبقي بعضهم فرجمه من بقي منهم (٢).

وفي مرفوعة أحمد بن محمّد بن خالد رفعه الى أمير المؤمنين عليه السّلام قال : أتاه رجل بالكوفة فقال : يا أمير المؤمنين : إنّي زنيت فطهرني (إلى قوله) : فقال : يا معشر المسلمين ان هذه حقوق الله ، فمن كان لله في عنقه حق فلينصرف ولا يقيم حدود الله من في عنقه حدّ فانصرف الناس وبقي الحسن والحسين (الى قوله) : فحفر له وصلّى عليه ودفنه فقيل : يا أمير المؤمنين الّا تغسله؟ فقال : قد اغتسل بما هو طاهر الى يوم القيامة ، لقد صبر على أمر عظيم (٣).

وهذه أعم من ذلك ، ولكن عدم الغسل لعلّها (٤) محمولة على انه قد اغتسل قبل بل كفن أيضا وقوله عليه السّلام لبيان عظم شأنه وثوابه وأجره عند الله ، وهو لا ينافي ما تقدّم من (انّه لو ستره وتاب بينه وبين الله لكان أولى (٥) من اقامة الحد) فتأمل.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٦ نحو حديث ١ بالسند الثاني ج ١٨ ص ٣٧٩ وباب ٣١ نحو حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ص ٣٤١.

(٢) الوسائل باب ٢١ حديث ٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٤٢ ولكن السند هكذا : محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال : اتى إلخ.

(٣) الوسائل باب ١٤ حديث ٤ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٥.

(٤) يعني لعل الرواية الدال على عدم الغسل.

(٥) لاحظ الوسائل باب ١٦ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٧.

٦٩

ثم يدفن بعد رجمه.

ولو غاب الشهود أو ماتوا لم يسقط الحدّ.

______________________________________________________

فانّ سندها لا يخلو عن شي‌ء والأصل عدم التحريم.

ويؤيّده وجود المبالغة في أمثاله وانّه عليه السّلام لمّا أمر برجم ماعز ما ذكر انّه لا يرجم من كان لله عليه حدّ وغيره ، فتأمّل.

قوله : «ثم يدفن بعد رجمه» الظاهر أنّ المراد وجوب الدفن (دفنه ـ خ) ، ولكن بعد الغسل والكفن والصلاة ، ترك للظهور ، لعموم أدلّتها وعدم مخصّص لها.

الّا أن يكون اغتسل ولبس كفنه فيسقط عنه الغسل والكفن على ما قالوه وقد تقدم ثمّ يصلّي عليه ، فيدفن.

ولا يمنع فعله من هذه الأحكام الثابتة للمسلم مع انّه قد تاب توبة لم يكن أولى منها.

وروي انّه صلّى الله عليه وآله صلّى على الجهينة بعد رجمها فقال له عمر : تصلّى عليها يا رسول الله وقد زنت فقال صلّى الله عليه وآله : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لو سعتهم ، وهل وجدت أفضل من ان جاءت بنفسها (١)؟

ونحوها في الغامديّة لمّا رجموها (٢).

وهذان لا ينافيان كون الستر أولى ، فتأمّل.

قوله : «ولو غاب الشهود إلخ» يعني ليس من شرائط الرجم واقامة الحدّ إذا ثبت بالشهود حضورهم ورميهم قبل الناس ، فلو غابوا أو ماتوا بعد إقامة الشهادة

__________________

(١) سنن أبي داود (باب المرأة التي أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم برجمها من جهينة) ج ٤ ص ١٥١ رقم ٤٤٤٠.

(٢) سنن أبي داود (باب المرأة التي أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم برجمها من جهينة) ج ٤ ص ١٥٢ رقم ٤٤٤٢.

٧٠

ويرجم المريض والمستحاضة.

______________________________________________________

لم يسقط الحدّ ، ولا يمنع الحكم به فيحكم ويفعل مقتضاه من الجلد والرجم.

ودليله واضح ، فإنه لا اعتبار ببقاء الحجّة بعد إقامتها ، وهو ظاهر.

وفي هذا إشارة الى عدم وجوب بدأة الشهود ، فان الحضور غير واجب ، فكيف الابتداء ، فتأمّل.

وكذا ابتداء الامام عليه السّلام فإنّه صلّى الله عليه وآله أمر برجم ماعز ولم يكن حاضرا مجلس الرجم فضلا عن الابتداء ، فتأمّل.

قوله : «ويرجم المريض والمستحاضة» يعني انّه إذا كان من يرجم مريضا يخاف تلفه امرأة كانت أو رجلا أو كانت امرأة في الحيض أو النفاس أو المستحاضة (الاستحاضة ـ خ ل) التي هي مرض عندهم ، لا يمنع ذلك كلّه ونحوها ، من الرجم ، فانّ الرجم قتل فلا يخاف معه القتل ، فلا يقام (فيقام ـ خ) على مستحقّه وان مات فإنّه يموت ، فكل ما قتله فهو أحسن له.

نعم لو كان الحدّ غير القتل مثل الجلد لا يقام في المرض ، ولا في الاستحاضة خوفا من فعله بغير استحقاق.

ويؤيّده رواية النوفلي عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يقام الحدّ على المستحاضة حتّى ينقطع الدم عنها (١).

كأنّ المراد بالحد الجلد ، لعلّه لأنها بمنزلة المريضة ، ففي المريض بالطريق الأولى وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أتي أمير المؤمنين عليه السّلام برجل أصاب حدا وبه قروح في جسده كثيرة فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : أخّروه (أقروه ـ الفقيه) حتّى نبرأ لا تنكؤها (٢) عليه فتقتلوه (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ٣ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢١.

(٢) نكات القرحة أنكؤها ـ مهموز ـ قشرها وبابه منع (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب ١٣ حديث ٤ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢١.

٧١

(الثالث) الجلد والجزّ والتغريب ، وهو واجب على الذكر الحرّ غير المحصن ، وهل يشترط ان يكون مملكا (١)؟ قولان ، ويجلد مائة ويجزّ رأسه ويغرب عن مصره سنة

______________________________________________________

ورواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انّ أمير المؤمنين عليه السّلام اتى برجل أصاب حدّا وبه قروح ومرض وأشباه ذلك فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : أخّروه حتى يبرأ لا تنكأ قروحه عليه فيموت ، ولكن إذا برء حددناه (٢).

فما يدل على جواز حدّ المريض بالشماريخ مثل ما نقل من فعله صلوات الله عليه انه أخذ بعذق (٣) مائة فضرب شماريخه (٤) مرّة واحدة ، مريضا زنا ، وفي أخرى ضرب بها مريضا ومريضة أيضا (٥).

فيحتمل أن يكون هذا في مرض لا يرجى برءه ويخاف فوت الحدّ بالكليّة ويشعر به ان المريض في الخبر كان مستسقيا.

أو يكون مخيرا بين الصبر والتعجيل على هذا الوجه فتأمّل.

قوله : «الثالث الجلد إلخ» ثالث عقوبات الزنا ، ثلاث ، الجلد ، والجزّ ، والتغريب وقد ادعى الاتفاق على ثبوتها على البكر.

ومستند ، مثل رواية الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : في الشيخ ،

__________________

(١) في هامش بعض النسخ المخطوطة قبل : يشترط في الجز والتغريب ان لا يكون مملكا وهو الذي أملك ولم يدخل وقال بعضهم : كل من لم يكن محصنا وجب الجزّ والتغريب وهو جيد (منه).

(٢) الوسائل باب ١٣ حديث ٦ من أبواب حدّ مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٢.

(٣) العذق كفلس ، النخلة بحملها واما العذق بالكسر فالكباسة وهي عنقود التمر والجمع أعذاق كاحمال (مجمع البحرين).

(٤) الشمراخ بالكسر والشمروخ بالضم ، العتكال ، وهو ما يكون فيه الرطب والجمع شماريخ (مجمع البحرين).

(٥) راجع الوسائل باب ١٣ حديث ٥ و ٧ و ٩ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والشيخة جلد مائة ، والرجم ، والبكر ، والبكرة جلد مائة ونفي سنة (١).

قيل هي صحيحة ، وفيه تأمل لوجود عبد الرحمن بن حماد المجهول (٢).

ومثلها رواية عبد الرحمن عنه عليه السّلام انّه قال : البكر والبكرة جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيّب جلد مائة والرجم (٣).

وهي عاميّة ولا تضر.

وقد اختلف في تفسيره ، فقال جماعة : انّه الحرّ الذكر الغير المحصن فيجب لهذه الثلاث على كلّ زان ذكر حرّ غير محصن بالمعنى الذي تقدم ، سواء أملك أي عقد على امرأة دواما وتكون هي في حباله ولم يدخل بها ، أو دخل بها وغاب عنها أم لم يعقد أصلا.

وهو غير معلوم من الروايات ، والمفهوم من الروايات غيره مثل ما تقدم.

ومثل رواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : الذي لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى والذي قد أملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى (٤).

ورواية أخرى عنه عليه السّلام ، قال : المحصن يرجم ، والذي قد أملك ولم يدخل بها يجلد (جلد ـ ئل) مائة ونفي سنة (٥).

قيل : هذه مرسلة ، لعلّها (٦) رآها في التهذيب عن يونس بن عبد الرحمن

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٩ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٤٨.

(٢) سندها هكذا : كما في التهذيب (باب حدود الزنا) حديث ١٤ الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عن الحلبي.

(٣) لم نعثر على هذه الرواية بهذه الألفاظ في الكتب الحديثية ولا يبعد ان تكون منقولة بالمعنى مأخوذة من رواية ١٢ من باب ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٤٩ فلا حظ وتتبع.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٤٨.

(٥) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٤٨.

(٦) هكذا في النسخ كلها مطبوعة ومخطوطة.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن قد ذكر في الخلاصة وغيرها انّ الطريق إليه (١) صحيح فهي صحيحة أو رآها (٢) (رواها ـ خ ل) في الكافي حيث قال فيه : عن يونس عمن ذكره (٣) ، فعلى هذا مرسلة ولكن نقل في التهذيب عنه ، عن يونس ، عن زرارة (٤) الخبر ، فعلى هذا صحيح ، ودلالتها على المطلوب ظاهر.

ونحوها حسنة محمّد بن قيس ـ لإبراهيم ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة ، وقضى للمحصن الرجم ، وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير مصرهما ، وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها (٥).

قيل : محمّد بن قيس مشترك ، وقد عرفت مرارا فساده فهذه حسنة.

فالقول بأنّ الأخبار غير نقيّة ، غير نقيّ.

__________________

(١) طريق الشيخ الى يونس بن عبد الرحمن كما في مشيخة التهذيب والاستبصار هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن يونس بن عبد الرحمن فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله محمّد بن النعمان ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله والحميري وعلي بن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرّار وصالح بن السندي ، عن يونس وأخبرني الشيخ أيضا والحسين بن عبيد الله واحمد بن عبدون كلّهم عن الحسن بن حمزة العلوي ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس.

وأخبرني أيضا الحسين بن عبيد الله ، عن أبي المفضل محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن المطلب الشيباني ، عن أبي العباس محمّد بن جعفر بن محمّد البزاز ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن يونس بن عبد الرحمن.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : رآها في التهذيب.

(٣) في الكافي (باب الرجم والجلد ومن يجب عليه ذلك) بعد ملاحظة التعليق المصطلح بين المحدثين هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس عمن رواه ، عن زرارة.

(٤) في التهذيب (باب حدود الزنا) حديث ٧ هكذا : الحسين بن سعيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن زرارة.

(٥) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٤٧.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

واستدل الجماعة التي يقولون بانّ البكر هو غير المحصن ، بما في رواية عبد الله بن طلحة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا زنا الشاب الحدث السن جلد ونفي سنة من مصره (١).

بيان الاستدلال انّه عام ولو كان خاصا في بعض افراده لزم تأخير البيان وهو باطل.

وجوابه واضح ، فإنّها ضعيفة من وجوه شتّى ، فارجع إليه.

وانّها غير عامّة ، وعلى تقديره ، المخصّص موجود وهو ما تقدّم.

مع ان التأخير عنه (عن ـ خ ل) وقت الخطاب جائز كما ثبت في الأصول ، وانّما الباطل ، التأخير عن وقت الحاجة.

«فروع»

(الأول) وجوب الجزّ مذكور في كلامهم وما رأيت له دليلا إلّا في بعض الروايات ، مثل رواية حنّان (حسان ـ خ ئل) ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام وانا اسمع عن البكر يفجر وقد تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله؟ فقال : يضرب مائة ويجزّ شعره وينفى من المصر حولا ويفرق بينه وبين أهله (٢).

فيها دلالة على ان البكر ، من أملك.

ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، قال : سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها فزنا ، ما عليه؟ قال : يجلد الحدّ ويلحق رأسه ويفرق بينه وبين أهله وينفي سنة (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ١١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٤٩.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٧ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٩.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٨ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٩.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيها أيضا دلالة على انّ البكر هو أملك.

ونقل في شرح الشرائع في خبر عبد الله بن طلحة : (وحلق رأسه بعد الجلد وقبل النفي) وما رأيته في الأصول ، ولا في الفروع ، وهو أعلم.

(الثاني) قيل : يختصّ الجزّ بالناصية فيحلق ناصيته فقط نقله في المختلف وشرح الشرائع ، وكأنّه المراد هنا بجزّ الرّأس ، فتأمّل.

(الثالث) على تقديره في بعض العبارات انّه مخصوص بالرجل ، فلا جزّ على المرأة مع انّه ظاهر كونه عقوبة فيها دونه.

(الرابع) النفي مخصوص بالرجل أو أعم؟ نقل انّه لا قائل بالأعم غير ابن أبي عقيل قاله في المختلف.

وقال في الشرح : الخبران متروكا الظاهر لتضمّنهما النفي على المرأة ، ولم يذكره غير ابن أبي عقيل.

فيه انّه ان كان إجماعيّا فهو ، ويمكن حذفه عن الخبرين وترك العمل به فقط للمعارض ، لا ترك الخبرين بالكليّة ، والّا فعدم ذكر ابن أبي عقيل على تقدير التسليم ليس بحجّة فإنّه لا يدل على الإجماع ، وهو ظاهر.

(الخامس) قالوا : النفي والجزّ كلاهما مختصان بالرجل ، والمرأة ليس عليها شي‌ء منهما.

وهو غير ظاهر الّا ان يقال : لا دليل قوي عليهما ، والأصل وظاهر بعض الأدلّة ـ حيث اقتصر على الجلد أو الرجم ـ يدل على نفيهما ، والإجماع ورد في الرجل فقط ، فتأمّل.

(السادس) الاملاك في أكثر العبارات والروايات غير مقيّد بالدائم فيعم المنقطع والدائم ، وقد خصّ في بعض العبارات بالدائم ، لما مرّ من انّ المتعة لا تحصّن ، فلا فرق في وجود العقد عليها وعدمه ، وقد مرّ البحث في ذلك ، فتأمّل.

٧٦

ويجلد مجرّدا قائما أشدّ الضرب ، ويفرّق على جسده ، ويتقى وجهه ، ورأسه ، وفرجه ، والمرأة تضرب جالسة قد ربطت عليها ثيابها.

______________________________________________________

السابع) يحتمل على تقدير كون الأمة محصنة وجودها عنده بحيث يقدر عليه يكون كالاملاك على المرأة من باب مفهوم الموافقة ، فتأمّل.

(الثامن) التغريب ، الإخراج عن البلد الذي زنا فيه الى بلد آخر لا عن تحت حكومة قاضي تلك البلد.

(التاسع) انّ مدّة التغريب سنة لا أزيد.

ثم أعلم أنّه على تقدير اشتراط الاملاك في البكر ، القسمة ثلاثيّة ، المحصن ، وغيره ، وهو امّا بكر أو غيره ، وعلى تقدير عدمه فالقسمة ثنائيّة وهو ظاهر.

قوله : «ويجلد مجرّدا إلخ» هذا إشارة إلى بيان كيفيّة ضرب الجلد ، فيجلد الرجل قائما أشدّ الضرب ، ويفرّق على جسده الضرب ، ولا يضرب وجهه ، ولا رأسه ولا فرجه وتضرب المرأة جالسة ويربط ثيابها عليها.

تدل عليه رواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : يضرب الرجل الحدّ قائما ، والمرأة قاعدة ، ويضرب على كلّ عضو ، ويترك الرأس (الوجه ـ فقيه) والمذاكير (١).

ولا يضرّ وجود (أبان) (٢) كأنّه (الأحمر) فيصح الخبر.

وصحيحة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال : أشدّ الجلد ، قلت : في (فمن ـ ئل) فوق ثيابه؟ قال : بل يخلع ثيابه قلت : فالمفتري؟ قال : يضرب بين الضربين جسده كلّه فوق ثيابه (٣).

لعل الرأس والعورتين مستثنى هنا أيضا ، ترك للظهور.

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٦٩.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان ، عن زرارة.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٦٩.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى له ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال : أشدّ الجلد ، فقلت : من فوق الثياب؟ فقال : بل مجردا (١) (يجرد ـ ئل).

ولا يضرّ القول في (إسحاق).

وموثّقة سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود (٢).

وامّا مرسلة حريز عمّن أخبره ، عن أبي جعفر عليه السّلام انّه قال : يفرق الحدّ على الجسد كلّه ويتقى الفرج والوجه ويضرب بين الضربين (٣).

ورواية طلحة بن زيد ، عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال : لا يجرّد في حدّ ولا يشبح (٤) يعني يمدّه قال : ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها ان وجد عريانا ضرب عريانا وان وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه (٥).

فلا ينافيان ما تقدّم حيث دلّت الاولى على كون الضرب بين الضربين ، لا ان يضرب أشدّ الضرب ، والثانية دلّت على التفصيل لا انّه يضرب عريانا ، فإنه يمكن الحمل على التخيير وانّه قد يكون الزاني ضعيفا لا يستطيع أشدّ الضرب أو تقتضي المصلحة ان لا يضرب الضرب الشديد أو لا يضرب عريانا.

مع أنّ الاولى أحسن سندا وأظهر.

واعلم أنّه ما علم كون ضرب الزانية أشدّ أو أخف فيمكن أن يكون ضربا بين الضربين.

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٦٩.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٠.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٦ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٠.

(٤) الشيخ محركة الجمد ، تقبض في الجلد ، شيخ كفرح والشبح وتشبخ وتشنجته تشنيجا (القاموس).

(٥) الوسائل باب ١١ حديث ٧ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٠.

٧٨

ولا يقام في شدّة الحرّ والبرد ، بل ينتظر التوسط ، ففي نهار الصيف طرفه ، وفي الشتاء أوسطه.

______________________________________________________

وأيضا ما علم دليل ربط ثيابها عليها ، كأنّه للاعتبار حتّى لا تروح عنها فيكشف جسدها.

وانّه ينبغي ان يفرق الضرب عليها أيضا ويتقى وجهها وجسدها ورأسها ، وعورتها ، ترك في المتن ، للظهور.

واعلم أيضا انّ ظاهر هذه العبارة وغيرها يدلّ على وجوب الاعتدال من الأيام في ذلك الزمان ، ففي الشتاء يجلدان وسط النهار ، وفي الصيف طرفاه فان الغالب ان هذه الأزمنة معتدلة بالنسبة الى ذلك الزمان.

دليله الاعتبار ، وهو عدم حصول زيادة المشقة ، بل قد يؤول إلى القتل فيكون اعانة عليه بغير استحقاق.

وخبر هشام بن أحمر عن العبد الصالح عليه السّلام قال : كان جالسا في المسجد وانا معه فسمع صوت رجل يضرب صلاة الغداة في يوم شديد البرد فقال : ما هذا؟ قالوا : رجل يضرب ، فقال : سبحان الله في هذه الساعة انّه لا يضرب أحد في شي‌ء من الحدود في الشتاء إلّا في أجرّ ساعة من النهار ، ولا في الصيف إلّا في أبرد ما يكون من النهار (١).

ورواية أبي داود المسترق قال : حدّثني بعض أصحابنا قال : مررت مع أبي عبد الله عليه السّلام بالمدينة في يوم بارد ، وإذا رجل يضرب بالسياط فقال أبو عبد الله عليه السّلام : سبحان الله في مثل هذا الوقت يضرب؟ قلت له : وللضرب حدّ؟ قال : نعم إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار وإذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٥.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٥.

٧٩

ولا في أرض العدوّ.

ولا في الحرم للملتجئ ، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب.

______________________________________________________

والظاهر انّ هذا في غير القتل ، وهو ظاهر الّا ان يكون المراد ملاحظة القاتل والشاهد.

وأيضا ظاهر هذه العبارة يدل على وجوب اختيار ذلك الوقت ، والظاهر الاستحباب لنقصان الدليل عن افادة الوجوب.

قوله : «ولا في أرض العدوّ» دليله رواية أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لا يقام على احد حدّ ، بأرض العدوّ (١).

ورواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السّلام ، قال : لا أقيم على رجل حدّا بأرض العدوّ حتّى يخرج منها مخافة ان تحمله الحميّة فيلحق بالعدو (٢).

والظاهر أنّ المراد عدوّ الدين فيخاف ان يذهب اليه فيذهب دينه.

والظاهر أنّ المراد أيضا ، الكراهة لعدم افادة الدليل التحريم ، فتأمّل.

قوله : «ولا في الحرم للملتجئ إلخ» إذا فعل شخص ما يوجب الحدّ والتعزير أيضا فالتجأ إلى الحرم لا يحدّ ولا يعزّر ، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يتعب فيخرج ليقام عليه الحدّ لئلّا يجعل الناس ذلك حجّة فيفعل ، ما يوجب الحدّ والتعزير وينهزم الى الحرم فيحصل بذلك فساد كبير هذا.

ومقتضى ظاهر عباراتهم أنّه لا يمنع عن الطعام والشراب بالكليّة ، بل يطعم مقدارا لا يموت ويعيش ولا يشبع ، بل لا يعطى ما يقنع نفسه به ليضطر ويطلع ويندفع الفساد ويحتمل المنع بالكليّة ، ويحتمل (يحمل ـ خ ل) التضييق على ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٧.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٨.

٨٠