مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

فلو أكرهه على قطع يد أحدهما فاختار فالأقرب القصاص على الآمر.

ولو اجتمع سببان ضمن من سبق سببه بالجناية كواضع الحجر في الطريق لو عثر به فوقع في بئر حفرها آخر في الطريق فالضمان على واضح الحجر ولو كان أحدهما عاديّا اختصّ بالضمان.

______________________________________________________

لا يتحقق في النفس بمعنى أنّه لم يصر بالإكراه جائزا ولم يكن على القاتل شيئا (١) بل هو حرام كما كان ويلزمه القود لما مرّ ، بخلاف الإكراه في غيره من الضرب والجرح وغيرهما ، فإنه يتحقق بالمعنى المذكور ويصير بذلك جائزا ، ولا يلزمه ضمانه ، بل إنّما ذلك على المكره فإنه حينئذ بمنزلة الآلة ، لأنّه مضطر ، وقد جوّز له الشارع ، بل قد يجب عليه ذلك ، فحينئذ إذا كان الجرح يوجب القصاص أو الدية ، فهو على المكره.

قوله : «فلو أكرهه إلخ» متفرع على ما قبله من تحقق الإكراه في غير القتل ، أي لو أكره انسان إنسانا على قطع احد الشخصين فاختار المكره يد أحدهما باختياره ، فالأقرب عند المصنف أنّ القصاص هنا على الآمر المكره بالقطع لا المكره القاطع ، لأنّ الإكراه متحقق على التعيين أيضا ، إذ الفرض وجود الإكراه ولا يمكن التخلّص إلّا بقطع يد أحدهما ولا يمكن قطع يد أحدهما لا على التعيين ، فلا بدّ من اختيار وتعيين أحدهما فالمكره مكره على التعيين أيضا ، وهو ظاهر.

ويحتمل عدم القصاص على الآمر ، فإنّه ما أمر بقطع اليد المقطوعة ، وإنّما قطعها القاطع باختياره ، وفيه تأمّل واضح يفهم من وجه الأقرب ، فافهم.

قوله : «ولو اجتمع إلخ» إذا اجتمع سببان للقتل قدم أسبقهما في الجناية ، أي يجعل الضمان على من أوجد السبب الذي أثّر تأثيره قبل تأثير السبب الثاني ، مثل إن حفر شخص بئرا في الطريق وآخر وضع فيه حجرا فعثر به شخص

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ والصواب شي‌ء بالرّفع.

٤٠١

ولو نصب سكّينا في بئر محفورة في الطريق فوقع انسان فقتله السكين فالضمان على الحافر.

______________________________________________________

فوقع في البئر ومات ، فالضمان على الواضع لا على الحافر ، لأنّ وضع الحجر وكونه في الطريق أثّر في الواقع قبل وقوعه في البئر.

دليله انّ السابق إذا عمل وأثر فحصل به الضمان فلا ضمان على المتأخّر.

وفيه تأمّل ، فإنّ الأوّل ما أثّر تأثيرا تامّا مستقلا ، إذ المفروض بل المعلوم ان لو لم يكن البئر لم يمت العاثر ، فكيف يكون الضمان عليه فقط.

على أنّهم يصرّحون بأنّه إذا جرح اثنان أحدهما سابق والآخر لا حق به وأثّرا جميعا فمات بهما ـ وان كان الأوّل بحيث لو كان وحده كان قاتلا ـ كلاهما قاتل وضامن فينبغي ان يكون في مثالنا كذلك ، بالطريق الأولى.

هذا إن كان كلا السببين عدوانا وغير جائز كما في المفروض.

وامّا إذا لم يكن شي‌ء منهما عدوانا فلا ضمان على أحد مثل إن دخل شخص الى بيت شخص كان فيه حجر وبئر فعثر ووقع في البئر فمات وإن كان أحدهما عاديا خاصّة ، فالضمان عليه خاصة ، وان كان السبب اللاحق ، لأنّ المسلمين مسلطون على أموالهم فلهم ان يفعلوا ما أرادوا ولا حجر عليه في ذلك ، فالذي دخل هو سبب لجنايته فيه وكان عليه ان لا يدخل.

وإن كان الدخول بإذن اهله كان عليه أن يحتاط ويلاحظ إلّا أن يكون بئرا مستورة ونحو ذلك ولم ينبّه عليه ، وحينئذ يحتمل ضمان المالك.

وبالجملة المسألة مجملة والحكم على الوجه الإجمالي مشكل ، فينبغي التفحّص والتأمّل في ذلك وعدم الجرأة والاستعجال.

قوله : «ولو نصب إلخ» دليل الضمان على حافر بئر محفورة في الطريق ونصب فيها انسان آخر سكّينا فوقع فيها انسان على السكّين فمات دون ناصب السكين ان الحفر هو السبب المقدم دون نصب السكين فجنايته مقدّمة ، كما مرّ ، فتأمّل.

٤٠٢

ولو قال : ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة وعليّ ضمانه ضمن وان شاركه صاحب المتاع في الحاجة ولو اختصّ (به ـ خ) لم يحلّ له الأخذ

بخلاف مزّق ثوبك وعليّ ضمانه ، أو ألق متاعك مجرّدا عن عليّ (وعليّ ـ خ ل) ضمانه.

______________________________________________________

قوله : «ولو قال إلخ» إذا قال انسان لشخص في السفينة الثقيلة ألق متاعك عن السفينة في البحر مثلا لتخفّ ، وعليّ ضمان متاعك وعوضه ففعل صاحب المتاع ، لزمه الخروج عن عهدة ضمانه ، سواء كان الإلقاء ضرورة وحاجة أم لا.

وعلى تقديرها سواء كانت الضرورة مخصوصة بالقائل أو شاركه غيره ، صاحب المتاع وغيره.

دليله وجوب الإيفاء بالوعد والشرط ، وهو ظاهر من الكتاب والسنّة (١).

وأمّا إذا كانت الضرورة والحاجة مختصة بصاحب المتاع فلا ضمان على القائل فإنّه إعطاء مال واجب عليه لتخليص نفسه فلا معنى للعوض حينئذ بل يجب حينئذ ان يؤخذ متاعه ويلقى في البحر.

كمن توقف حياته على أكل ماله ولم يأكل فقيل له : كل لتسلم وعليّ ضمان ما أكلت لم يجب الضمان والعوض ، فتأمّل.

وكما إذا قال : مزّق ثوبك وعليّ ضمانه ، فإنّه لا ضمان حينئذ على القائل ، فإنّ العاقل البالغ مكلّف بان لا يضيع ماله فإذا ضيّعه بقول شخص لم يلزم ذلك الشخص شي‌ء ، فإنّه المضيّع ، إذ ما ألجأ على ذلك ولم يلزمه بقوله ، وكان عليه مع ذلك ان لا يضيع ولا يسمع كلامه.

وكذا إذا قال : ألق متاعك في البحر لتسليم السفينة وما شرط الضمان ،

__________________

(١) أمّا الكتاب فقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» المائدة : ١. بناء على تفسيره بالعهود وأمّا السنّة فقوله عليه السّلام «المؤمنون عند شروطهم».

٤٠٣

ولو قال : وعلي ضمانه مع الركبان (الركاب ـ خ ل) فامتنعوا ، فقال : أردت التساوي الزم بحصته خاصّة.

ولو ادّعى إذنهم حلفوا.

ولو قال للمميّز : اقتل نفسك فلا شي‌ء على الملزم ، وإلّا القود.

______________________________________________________

فإنّه لا يلزمه حينئذ الضمان ، للأصل وعدم الموجب وهو شرط الضمان بقوله وعليّ ضمانه (١) ، فهاتان الصورتان بخلاف ما لو قال : ألق متاعك وعليّ ضمانه ، فإنه ضامن ، كما مرّ.

قوله : «ولو قال إلخ» لو قال : ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه مع الركبان فإن أعطوا معه بالحصص فلا بحث ، وإن امتنعوا فإن قال : أردت التساوي بيني وبينهم لزمه حصته خاصّة لا حصة الركبان.

وكذا لو قال : أردت التساوي بين الرؤوس بمعنى أنّه يكون قيمة المتاع على كلّ الركبان بالسوية لأنّه لا يؤاخذ إلّا بما قال ، وقال : ألق متاعك عليّ وعلى الركبان ضمانه ، واللفظ صالح لما فسّره ، وهو اعرف بقصده فيقبل منه ، ولا يلزم (لا يلزمه ـ خ) حصة الركبان ، فإنّه ما ضمن حصتهم ، بل قال : (عليهم) ، وبمجرّد ذلك لم يجب شي‌ء ، وهو ظاهر ، بل ولا على الركبان أيضا ، فإنّه ما ضمنوا وما قالوا ما يلزمهم به شي‌ء وبمجرد قوله ، لم يجب عليهم شي‌ء ، وهو ظاهر.

وإن ادّعى أنّهم أذنوا له ان يقول : ألق متاعك وعليّ وعلى الركبان ضمانه وعوضه وأنكروا له ، فإن كان له الشهود على ذلك ، فهو ظاهر ، وإلّا فلصاحب المتاع إحلافهم ، فإن لم يحلفوا يلزموا بالحق إن قضى بالنكول ، وإلّا يحلف صاحب الحق ان كان عالما ، وإن لم يحلف سقط الدعوى ، فتأمّل.

قوله : «ولو قال إلخ» لو قال انسان لمميّز بالغا كان أم لا اقتل نفسك

__________________

(١) ليس في بعض النسخ المخطوطة من قوله فهاتان الصورتان إلى قوله : وعلي ضمانه ، فتذكر.

٤٠٤

ولو اكره العاقل على قتل نفسه ، فلا ضمان عليه ، إذ لا يتحقق هذا (هنا ـ خ) (ها هنا ـ خ) الإكراه.

ولو علم الولي التزوير وباشر القصاص فالقود عليه دون الشهود.

ولو جرحاه فاندمل جرح أحدهما وسرى الآخر ، فالآخر قاتل يقتل بعد ردّ دية الجرح ، والأوّل جارح ، ولو صدّق الولي مدّعى اندمال

______________________________________________________

فقتل المأمور نفسه لم يلزم الآمر الدية ولا القصاص ، بل الإثم فقط ، فإنّه ليس بقاتل لا مباشرة ولا تسبيبا ولا شرطا ، فإنّه العاقل المميّز مختار وهو مباشر من غير مدخليّة أحد ، فهو القاتل.

وإن لم يكن المأمور مميّزا بل كان مجنونا أو كان صغيرا غير مميّز يلزم الآمر القصاص فإنّه القاتل حقيقة وغير المميّز بمنزلة الآلة ، كما إذا أمر غير مميّز بقتل غيره فإنّه القاتل ، وعليه القصاص ، فتأمّل.

قوله : «ولو أكره إلخ» إذا أكره شخص عاقلا مميّزا على أن يقتل نفسه فلا شي‌ء على المكره غير الإثم ، إذ لا يتحقق عند الأصحاب الإكراه في القتل وكان عليه ان لا يقتل نفسه ، ولو قتله المكره ، وكان لزمه الضمان.

ويحتمل حبس الآمر دائما ، كما إذا أكره شخصا على قتل آخر ، فإنّه معنى أن يقتل القاتل ويسجن الآمر سجنا دائما.

قوله : «ولو علم إلخ» ولو علم ولي الدّم التزوير في الشهادة وكذب الشهود وحكم الحاكم بلزوم القصاص بهذه الشهادة مع عدم علمه بالحال ومع ذلك اقتصّ من المشهود عليه ، فعل حراما يقتل به قصاصا ، فإنّه قتل عمدا وعدوانا لا الشهود ، فإنّ المباشر أقوى من السبب.

قوله : «ولو جرحاه إلخ» لو جرح اثنان على انسان جرحين فأخذ دية

٤٠٥

جرحه لم يقبل في حق الآخر ، فعلى الآخر نصف الجناية وعلى المصدّق جناية الجرح.

المطلب الثالث : في العقوبة

يجب بقتل العمد العدوان كفارة الجمع على ما سبق ، والقصاص مع الشرائط الآتية ، ولا تجب الدية إلّا صلحا.

______________________________________________________

الجرحين فطاب أحدهما وسرى الآخر فمات به قتل صاحبه قصاصا بعد ردّ ما أخذ منه من دية جرحه فهو قاتل والآخر جارح.

هذا إذا كان اندمال جرحه ثابتا بالبيّنة الشرعيّة.

واما إذا كان ثابتا بإقرار الولي وتصديقه ذلك فقط ، فهو مقبول في حقّه لا في حق الجارح الآخر ، فلا يسمع في حقّه فهما قاتلان فله قتل صاحب غير المندمل بعد ردّ نصف الدية وليس له على صاحب المندمل إلّا دية جرحه والدية عليهما معا فعلى غير مدّعي الاندمال نصف دية المقتول وليس للولي نصف الدية على المدّعى المصدق ، بل له عليه دية جرحه المندمل فقط ، والكلّ ظاهر.

قوله : «تجب بقتل العمد إلخ» لا شكّ (في ـ خ) إنّ القتل العمد ـ بالمعنى (بالذي ـ خ) الذي تقدم العدوان بمعنى كونه معصوم الدم لم يستحق القتل ـ موجب لكفارة الجمع ، وقد مرّ في باب الكفارات ، فتذكّر.

ولنذكر هنا رواية إسماعيل الجعفي ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : الرّجل يقتل الرّجل متعمّدا؟ قال : عليه ثلاث كفارات يعتق رقبة ، ويصوم شهرين متتابعين ، ويطعم ستين مسكينا ، وقال علي بن الحسين عليهما السّلام بمثل ذلك (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٣ وفيه وقال : افتى علي بن الحسين عليهما السّلام بمثل ذلك ج ١٩ ص ٢٢.

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ورد روايات متعددة في صوم يوم العيد وأيّام التشريق أيضا إذا كان القتل في شهر حرام ، وهو مذهب الشيخ.

مثل صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم؟ قال : عليه الدية ، وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، قلت : إنّ هذا يدخل فيه العيد وأيّام التشريق؟ فقال : يصومه فإنّه حقّ لزمه (١).

ومثلها صحيحة أخرى له في القتل في الحرم (٢).

وفي صحيحة أخرى له ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : إذا قتل الرجل في شهر حرام صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم (٣).

وقد مرّ البحث في ذلك فتذكّر.

وأمّا إيجابه فالمشهور أنّه موجب له على التعيين حتّى لم يذكروا الخلاف في أكثر كتب الفروع.

دليله مفهوم الايات مثل «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» (٤) «و الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» (٥) «و فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (٦).

والاخبار مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام ، يقول : من قتل مؤمنا متعمّدا قيد منه ، إلّا ان يرضى أولياء المقتول ان يقبلوا الدية فإن رضوا بالدية وأحبّ ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألف درهم

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب ديات النفس الرواية ٤ ج ١٩ ص ١٥٠.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أبواب ديات النفس الرواية ٣ ج ١٩ ص ١٥٠.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب ديات النفس الرواية ٢ ج ١٩ ص ١٥٠.

(٤) المائدة : ٤٥.

(٥) البقرة : ١٧٨.

(٦) البقرة : ١٩٤.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(ألفا ـ يب ئل) أو ألف دينار أو مائة من الإبل وان كان في أرض فيها الدنانير فألف دينار وإن كان في أرض فيها الإبل فمائة من الإبل ، وإن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب ذلك اثنى عشر ألفا (١).

وغيرها من الروايات الدالة على أنّ العمد يقتضي القود كثيرة.

مثل ما في مرسلة جميل ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : قتل العمد كلّما عمد به الضرب وفيه (فعليه ـ ئل) القود (الحديث) (٢).

ولكنّها ليست بصريحة في عدم الدية إلّا برضا المقتول ، مثل الآيات.

نعم صحيحة عبد الله صريحة (٣) والشهرة مؤيّدة ، وظاهر الآيات وباقي الاخبار.

ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل التخيير بين القود والدية.

والاحتجاج برواية عنه عليه السّلام : من قتل له قتيل فهو مخيّر إمّا ان يفدي وامّا ان يقتل (٤).

وبرواية أخرى عنه عليه السّلام ، من أصيب بدم أو حبل ـ والحبل الجرح ـ فهو بالخيار بين احدى ثلاث إمّا ان يقتصّ أو يأخذ العقل أو يعفو ، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه (٥).

وما في رواية علا بن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : العمد هو القود أو رضى ولي المقتول (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب الديات الرواية ٩ ج ١٩ ص ١٤٤.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٦ ج ١٩ ص ٢٥.

(٣) تقدمت آنفا.

(٤) لم نعثر عليهما في الأخبار المنقولة عن الأئمة (ع) ، نعم نقلها صاحب المسالك ج ٢ ص ٤٧٦ عن النبي (ص) قريبا منهما فلاحظ.

(٥) لم نعثر عليهما في الأخبار المنقولة عن الأئمة (ع) ، نعم نقلها صاحب المسالك ج ٢ ص ٤٧٦ عن النبي (ص) قريبا منهما فلاحظ.

(٦) الوسائل الباب ١ من أبواب ديات النفس ذيل رواية ١٣ ج ١٩ ص ١٤٥.

٤٠٨

فلو عفا عن القصاص ولم يشترط المال سقط (القصاص ـ خ) ولا دية.

ولو عفا على مال لم يسقط القود ثمّ ان رضي الجاني سقط ووجب المال ، والّا القود.

______________________________________________________

والأوليان عاميّتان ، وفي دلالة الخاصّة بل تركيبها ، وسندها شي‌ء ، لعدم الصراحة في المطلوب ، فإنّ الظاهر منها أنّه لا بدّ في قتل العمد إمّا القود أو تحصيل رضي الولي بأيّ شي‌ء كان إمّا ان يعفو أو يأخذ الدية أكثر أو أقلّ ، وهذا ممّا لا نزاع فيه.

قال في المختلف : ونقول بالموجب في الحديث ، فإنّ الواجب له القود ان طلب ، للأصل (طلب الأصل ـ خ) أو رضاء ان طلب الدية.

وفي السند محمّد بن سنان ومحمّد بن قيس عن يونس (١).

ثم إنّه يظهر منهم أنّ مقتضى المذهب الأوّل أنّ ولي الدّم ان طلب الدّم يتخيّر الجاني بين دفعه وبين تسليم نفسه للقصاص ، ولم يجب قبول المال وان قلّ.

وأنّه لو عفى على مال لم يصح عفوه بدون رضا القاتل لانّ المال ليس حقّه وأنّه لو عفى عن القود مطلقا يسقط (لسقط ـ خ) ولم يجز له طلب المال والدية فإنّه لا دية له عليه ، وما كان له إلّا القود وقد عفى عنه.

بخلاف المذهب الثاني فإنّه كان مخيّرا بين القود وأخذ الدية فإذا ترك القود بقي الآخر الّا ان يعفو عنه أيضا ، ويلزمه المال إن عفى عنه إن كان الدية أو أقلّ فإنه أخذ ما يلزمه ، وأنّه يجب عليه دفعه إن طلبه ، وهو ظاهر.

ونقل ذلك عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل أيضا.

__________________

(١) والسند كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس عن محمّد بن سنان عن العلاء بن الفضيل.

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ اعلم أنّ الخلاف جار في قصاص الطرف والجراح أيضا ، وأنّ دليل المذهب المشهور جيّد.

ولكن فيه اشكال من جهة أنّ حفظ النفس عن القتل والجرح واجب ولو ببذل المال مهما أمكن ، ولذا (ولهذا ـ خ) يجب ان أريد قتله ان يبذل ماله ويخلّص نفسه ويخلّى ماله ليؤخذ ولا يجوز الجدال لو ظنّ قتله ، وأمثال ذلك كثيرة ، فكان ينبغي أن يجب على القاتل بذل المال ان رضى صاحب الدمّ به وليس مقتضى المذهب الأوّل.

ودليله عدم وجوب بذل المال عليه بعد رضا وليّ الدّم ، كما يفهم من كلام صاحب هذا المذهب ، إذ لا منافاة بين عدم وجوب شي‌ء عليه أصالة غير القود وبين وجوب إعطاء المال على القاتل لتخليص نفسه من القتل بعد رضا ولي الدّم به لوجوب حفظ النفس المعلوم من دليل آخر نقلي وعقلي فإن كلّ عاقل يدرك أنّ الذي لا يفك نفسه من القتل بالمال الذي له خصوصا إذا كان قليلا جدا ، مذموم.

كما أنّه يجب عليه ان يقبل العفو والإبراء لو أبرأه وليس له ان يقول ، ما أريد العفو والإبراء اقتلني قصاصا ، فليس هنا ما يقتضي عدم وجوب حفظ النفس ببذل المال حتّى يخصّص أدلة وجوب حفظ النفس به ، فتأمّل.

فالوجوب غير بعيد كما هو مذهب ابن الجنيد وابن أبي عقيل وان كان المذهب هو المشهور ، فافهم.

ولا شكّ أنّ الأولى والأحوط له ان يفكّ نفسه بالمال وإن كان أضعاف الدية بعد رضا ولي الدّم ان أمكنه ذلك واعلم أيضا أنّ قول المصنف : (ولا يجب الدية إلّا صلحا) أي إلّا برضا ولي الدّم والقاتل بها (١) بناء على المذهب المشهور.

__________________

(١) يعني مع رضائه ولي الدّم والقاتل بالدية.

٤١٠

ولو لم يرض بالدّية جاز أن يفتدي بأكثر.

ولو لم يرض الجاني بالدّية فالقود إلّا أن يتراضيا على الأقل.

ولو هلك قاتل العمد فالدية في ماله على رأي.

______________________________________________________

وأنّ قوله : (فلو عفى ولي الدّم عن القصاص) من غير اشتراط مال سقط القصاص ، ولم يلزم القاتل مال ولا ذمّة أصلا ، متفرع على قوله : (ولا يجب) المبني على المذهب المشهور ، فلو قيل بمذهب غيره ، يجب حينئذ الدية ، إذ لوليّ الدّم كان أحد الأمرين القود والدية فإذا أسقط أحدهما بقي الآخر ، فله طلبه ، وهو ظاهر.

وكذا قوله : (ولو عفى على مال لم يسقط القود) فإنه إذا أسقط من له أمر معيّن بعوض لا يسقط بدون العوض ورضا صاحبه به فإن رضي سقط المسقط وبقي العوض وإلّا فلا يسقط بل يبقى كما كان بخلاف المذهب الثاني فإنه يسقط القود ولزم الدية ، رضي القاتل أم لا ، لان من له أحد الأمرين إذا التزم أحدهما سقط الآخر.

وأمّا قوله : (ولو لم يرض إلخ) فهو صحيح على المذهبين ، وهو ظاهر فليس من فروع المذهب المشهور.

وقوله : ولو لم يرض ـ أي لو لم يرض القاتل بتمام الدية فلولي الدّم القصاص ، إلّا ان يتفقا على أقلّ منها ، أو عفى الولي القصاص ـ من فروع المذهب الأوّل ، إذ على تقدير التخيير ليس له عدم الرضا بتمام الدية بعد اختيار ولي الدم ذلك ، فإنه على تقدير التخيير لو لم يرض القاتل بالدية لم يتعين القصاص ، بل للولي أخذ الدية منه قهرا عليه فإنّه أحد فردي التخيير (المخير فيه ـ خ) فيه ، فله اختياره ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو هلك إلخ» إذا مات قاتل العمد العدوان الذي وجب عليه القصاص قبل أن يقتصّ منه بغير تقصير من جانبه على ما يقتضيه ما بعده فتعذّر

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

القصاص يسقط.

وهل يجب الدية حينئذ أم لا؟ فظاهر المتن لزومها لئلا يلزم ابطال دم امرئ مسلم كما يقتضيه ما روي عنه صلّى الله عليه وآله (١) وعنهم عليهم السّلام في عدّة اخبار : لا يبطل دم امرئ مسلم (٢).

ولقوله تعالى «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» (٣).

وفيه تأمل ظاهر بناء على المذهب المشهور ، فإنّ الواجب ما كان إلّا القصاص ، وقد تعذّر فسقط بتعذّره ، فوجوب عوضه يحتاج إلى دليل آخر ، ولا دليل ، إذ الرواية وان كانت صحيحة مخصوصة بالإبطال اختيارا بسبب من المكلّف ولهذا لو مات ولا مال له ولا قريب له يبطل ، بالإجماع.

وغير صحيحة بل ظاهرة في كون الدية في مال القاتل ، وهو ظاهر.

ولا مال لأنّه ما دام حيّا ما وجب في ماله شي‌ء وبعد الموت لا مال له ، وإيجابه على مال الورثة الذي انتقل منه إليهم يحتاج إلى دليل.

والآية غير ظاهرة في الدية ، فإنّ الظاهر انّ المراد منها السلطنة على قتله ، ولهذا لا تسلط له على أخذها مع حياة الجاني على المذهب المشهور.

نعم هو متوجه على مذهب ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، فإنّه إذا كان

__________________

(١) سنن الترمذي باب ١٠ ما جاء لا يحلّ دم امرئ مسلم ج ٤ ص ١٩ ولفظ الحديث. عن عبد الله ابن مسعود قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يحلّ دم امرئ مسلم إلخ. وعوالي اللآلي ج ٢ ص ٣٦٥ وفيه «وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : لا يبطل دم امرئ مسلم» وراجع كنز العمال ج ١ ص ٨٧ وص ٩٠ وص ٩٢ وفيه «لا يحلّ دم امرئ مسلم. إلخ». ولم نجد إلى الآن في كتب العامة التعبير بلفظة «لا يبطل».

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ والباب ٤٦ من تلك الأبواب الرواية ٢ والباب ٤ من أبواب العاقلة الرواية ١.

(٣) الاسراء : ٣٣.

٤١٢

وكذا لو هرب فلم يقدر عليه حتّى مات ، ولو لم يكن له مال سقط.

______________________________________________________

الواجب أحدهما ، وتعذّر أحدهما بعينه تعين الآخر ، وهو ظاهر ، الحمد لله.

قوله : «وكذا لو هرب إلخ» أي يجب الدية في مال القاتل لو هرب ولم يسلّم نفسه للقود حتّى مات.

والذي يقول بالدية في الأولى يلزمه القول بها هنا بالطريق الأولى ، وهو ظاهر ، ويقول بها هنا بعض من لم يقل هناك ، مثل المحقّق الثاني ، فإن سقوط القود هنا بسببه فهو مقصّر ومسقط للقصاص الواجب ، فيجب عليه عوضه ، وهو الدية ، كما إذا خلّص احد من وجب عليه القصاص الواجب ، فيجب عليه عوضه ، وهو الدية ، كما إذا خلّص احد من وجب عليه القصاص حتّى مات يجب على المخلّص الدية لرواية حريز ـ كأنّها صحيحة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل قتل رجلا عمدا فدفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء؟ فقال : ارى ان يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء (ابدا ـ خ) حتّى يأتوا بالقاتل ، قيل : فإن مات القاتل وهم في السجن؟ فقال : إن مات فعليهم الدية (١).

ولرواية ابن أبي نصر ـ وهو البزنطي ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ـ وهو أبو جعفر الثاني أعني الجواد عليه السّلام ، لا الأوّل وهو الباقر عليه السّلام ، كما يفهم من المختلف وشرح الشرائع لأنّه ليس من رجاله ولا من رجال الصادق عليه السّلام ـ في رجل قتل رجلا عمدا ، ثم فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات؟ قال : إن كان له مال أخذ منه ، وإلّا أخذ من الأقرب فالأقرب (٢).

ومثله رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السّلام ، وزاد في آخرها : فإنّه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب قصاص النفس الرواية ١ ج ١٩ ص ٣٤.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب العاقلة الرواية ٣ ج ١٩ ص ٣٠٣.

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يبطل دم امرئ مسلم (١) وللآية (٢) والرواية (٣) المتقدمتين وهو مذهب المتن والشيخ في النهاية وابن البرّاج والسيّد وابن زهرة مدّعيا للإجماع.

ونحوه قال أبو الصلاح على ما ذكره في المختلف.

وقال في الخلاف : إذا قتل رجل رجلا ووجب عليه القتل فهلك القاتل قبل ان يستفاد منه سقط القصاص إلى الدية ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : يسقط القصاص لا إلى بدل دليلنا قوله عليه السّلام : لا يبطل (لا يبطل ـ خ) إلخ.

ثم قال : ولو قلنا بقول أبي حنيفة لكان قويا لأنّ الدية عندنا لا تثبت إلّا بالتراضي بينهما وقد فات ذلك.

قال المصنف (٤) : وهذا يدلّ على تردّده في ذلك وقال في المبسوط : قال قوم : يسقط القود إلى غير مال ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، ونقل عن ابن إدريس أنّه قال : قول الشيخ في النهاية غير واضح ، لأنّه خلاف الإجماع وظاهر الكتاب والمتواتر من الاخبار وأصول المذهب ، وهو انّ موجب (ان يوجب ـ خ ل) قتل العمد القود دون الدية ، فأمّا (فإذا ـ المختلف) ما فات محلّه وهو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل وانتقاله إلى مال الميت أو مال أوليائه حكم شرعي يحتاج تبيّنه (مثبتة ـ المختلف) إلى دليل شرعي والمعتمد قول الشيخ في النهاية وهو قول ابن الجنيد.

واستدلّ (٥) بما ذكرناه من الأدلة ، وأنّه أخلّ بدفع الواجب عليه حتّى تعذّر ، فكان عليه البدل ، فإذا مات وجب ان يؤخذ من تركته ، وإذا لم يكن له تركة أخذ من عاقلته الذين يرثون ديته (الدية ـ المختلف) ، لأنّهم يأخذون ديته مع العفو

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب العاقلة الرواية ١ ج ١٩ ص ٣٠٢.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» الاسراء : ٣٣.

(٣) راجع الوسائل باب ٢٩ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١.

(٤) أي صاحب المختلف العلامة.

(٥) يعني العلّامة في المختلف.

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

على المال أو تعذر الاستيفاء بالقصاص ، فكان ديته عليهم كما في الخطأ ولأنّهم يضمنون الدية في الخطأ ولم يبطلها الشارع حراسة على النفوس (للنفوس ـ المختلف) وحفظا لها وزجرا عن القتل خطأ ، فالعمد أولى بالحراسة والزّجر عنه والمعاقبة عليه وأخذ العوض منه (فيه ـ خ ل) وقول ابن إدريس من أنّ قول شيخنا في النهاية مخالف للإجماع جهل منه لأنّ مذهب النهاية مذهب جماعة من الأصحاب مع أنّ الشيخ اعرف من مواقعة (بمواضعه ـ خ ل) منه وأيّ أخبار تواترت له في ذلك حتّى يخالفها الشيخ (شيخنا رحمه الله ـ المختلف) ، وأيّ منافاة بين ما قلناه وبين انّ الواجب القود ، فانا لو سلّمنا له ذلك لم يلزم ابطال ما اخترناه ، فإنّ مفوّت العوض مع مباشرة إتلاف المعوّض ضامن للبدل (١)

وقد افتى بقول الشيخ جماعة من علمائنا.

وفي أدلة لزوم الدية في هذه المسألة أيضا تأمّل ، إذ مجرّد الهرب المحرّم وعدم تسليم النّفس الواجب حتّى مات لا يستلزم ضمان الدية ، فإنّه غير متلف للعوض ، بل إنّما باشر الهرب ، وذلك ليس بإتلاف النفس ولا يستلزم له إذ قد يهرب ولا يموت ، ولا يقتل قبل القصاص ، فليس بمفوت حينئذ ، ولهذا لا يجب ما لم يمت كما في المخلّص أيضا ، وإن ادعى مطلقا.

فان كان له دليل والّا يمنع ذلك أيضا أو يقال بالفرق فإثبات الدية بمجرد ذلك مشكل ، والظاهر أنّه يحتاج إلى دليل.

ورواية أبي بصير ضعيفة ، لقطع الطريق إلى الحسن بن محمّد بن سماعة الواقفي (٢) وبه توقف احمد بن الحسن الميثمي وبالخلاف في ابان بن عثمان ،

__________________

(١) انتهى كلام المختلف ـ كتاب القصاص ص ٢٣٤ من الطبعة الحجريّة.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن ابان بن عثمان ، عن أبي بصير.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

واشتراك أبي بصير.

ورواية البزنطي غير ظاهر الصحة ، إذ في طريقه العلاء (١) ، وهو مشترك ، وإن كان الغالب أنّه الثقة ، فإنّ غير الثقة من رجال الصادق عليه السّلام ، وهو ابن المسيب ، والناقل عنه هنا محمّد بن علي بن محبوب ، وهو ممّن لم يرو ، وأنّه روى عن أحمد بن محمّد عن البزنطي رواها عن الجواد عليه السّلام ، وهو أيضا ممن لم يرو على الباقر والصادق عليهما السّلام أيضا.

مع أنّ إيجاب الدية على الأقرب فالأقرب ـ مع عدم ضبط ذلك ـ بعيد ، وخلاف القوانين العقلية والنقلية.

وما ذكره المصنف (في المختلف ـ خ) من وجه صحة كونه على الأقرب فالأقرب ، لا يوجبه.

نعم لو صحّ ذلك الحكم بدليل ـ كما في الخطأ ـ يكون ذلك وجه مناسبة ، فإنه بمجرد مثل هذه الأمور لا يمكن إثبات هذه الاحكام على ما أظنّ ولهذا قال في المتن بوجوب الدية في ماله ، وسقوطها مع عدم وجود مال له فليست الروايتان (٢) دليله ، والّا لزم القول بلزومه على الأقرب فالأقرب لاشتمالهما عليه فقوله في المتن يخالف الرواية والقائل بالضمان قال بمضمونهما والآية والرواية المتقدمة (٣) قد عرفت حالهما ، والإجماع معلوم عندك حاله ، خصوصا إذا ادّعى المخالف الإجماع على خلافه ، فتأمّل فيه.

واعلم أنّ هنا مسألتين كما يفهم من المتن وحررناهما ، وأنّ القول بالدية في

__________________

(١) سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن علي بن محبوب ، عن العلاء ، عن احمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب العاقلة الرواية ١ و ٣ ج ١٩ ص ٣٠٢ وص ٣٠٣.

(٣) تقدم موضع ذكرهما آنفا فلا حظ.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى لا يخلو عن بعد ، وفي الثانية لا يخلو عن قرب وإن كان الظاهر هنا أيضا العدم ، لعدم الدليل ، إذ لم يثبت صحة الروايتين (١) لما عرفت.

مع احتمال كون العلاء غير المذكورين في كتب الرّجال.

وإن صحت الروايتان فهو المذهب كما اختاره في النهاية والمختلف ، مع القول بكونهما الأقرب فالأقرب ، مع عدم ماله والّا فمذهب ابن إدريس أرجح على ما نفهمه.

وأنّه قد خلط بين المسألتين في الشرح والمختلف ولم يفرق بينهما.

وأنّه بالحقيقة ما نجد منافاة بين كلام النهاية وبين كلام الخلاف والمبسوط ، فإنّ الأوّل في المسألة الثانية وما فيهما في المسألة الأولى على ما نقل عنه في الشرح والمختلف.

فما رجع (٢) عن الأوّل فيهما ، وما ذكر ما ينافيه فيهما ، وهو ظاهر.

وإنّ كلام المختلف على ابن إدريس وارد ، فإنّ البحث في كلام النهاية ، وقد عرفت أنّه في المسألة الثانية ، فلا يرد ما في الشرح وفيه نظر (٣) فإنه لو مات فجأة قبل مضيّ زمان يمكن فيه القصاص أو لم يمنع من القصاص ولم يهرب حتّى مات لم يتحقق منه تفريط ، اللهم إلّا ان تخصّص الدعوى بالهارب ليموت وبه نطقت الرواية وأكثر كلام الأصحاب ، وهو محتمل ولكن إلخ.

نعم كلامه لا يثبت المدعى لما عرفت.

وأنّه ما يرد على ابن إدريس ، اين الكتاب والاخبار المتواترة وأنّه لا إجماع ، فإنّه قد أفتى بقول الشيخ جماعة وادعى ابن زهرة الإجماع على خلافه.

__________________

(١) تقدم الإشارة إليهما آنفا.

(٢) يعني ما رجع الشيخ عن القول الأوّل في الخلاف والمبسوط.

(٣) الظاهر ان قوله قدّس سرّه : «وفيه نظر» مقول قول الشرح إلى قوله : (ولكن إلخ).

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لأنّ مقصوده إنّ ما عليه الكتاب والاخبار المتواترة والمجمع عليه ، هو أنّ قتل العمد موجب للقصاص في الأصل وبيّنه بقوله : وهو إلخ.

نعم يرد عليه إنّ ذلك أيضا غير مجمع عليه ، لما مرّ من خلاف ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، لا عدم لزوم الدية هنا ، فتأمّل.

وأنّ ظاهر المصنف هنا نقل الخلاف في المسألتين والبحث فيهما ، إذ قال بعد قوله على رأي : (فكذا إلخ).

فهو صريح في انّ فيه أيضا خلافا وبحثا ، فقول الشارح ـ ولكن المصنف في هذا الكتاب صدّر المسألة بالموت المطلق وجعله محلّ الخلاف ثم اتبعها بالهرب إلى حصول الموت ، ولعلّه لو عكس كان انسب ـ غير واضح ، فتأمّل.

وأنّه أيضا جعل الشارح مبنى المسألة الأولى ، على أنّ الواجب في العمد بالأصالة ، هو القود ، وانّ ذلك ، هو مذهب الأصحاب إلّا ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، وقال : الرأي لابن الجنيد والسيد رحمه الله والشيخ في النهاية وابن زهرة مدّعيا فيه الإجماع ، والقاضي ، والتقي ، والطبري ، وابن حمزة والكيدري ، والمحقق ، والمصنف في المختلف.

وذلك غير جيّد فإنّه إذا كان المبنى مذهب غير ابن الجنيد فكيف يكون الرأي له.

وأن ليس مبناها ذلك ، بل مبناها مذهب ابن الجنيد ، فكيف يكون مذهبا لهذه الجماعة الكثيرة.

وأنّ الظاهر أنّ الرأي للمتن وما ذكره (١).

وأنّ مذهب المصنف في المختلف مع بعض المذكورين مثل الشيخ في النهاية

__________________

(١) في حواشي بعض النسخ زاد بعد قوله : وما ذكره ، الشارح.

٤١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في المسألة الثانية لا الاولى.

وأنّه حينئذ لا يصح جعل الأدلّة المذكورة دليلا على المدعى الموضوع أوّلا وهو المسألة الأولى ، فتأمّل.

وكذا جعل مبنى المسألة الأولى ذلك في شرح الشرائع ونقل الأقوال قريبا ممّا في الشرح.

وقال : لا إشكال على مذهب ابن الجنيد في لزوم الدية وعلى المذهب المشهور فيه خلاف منشأه هل للقود بدل أم لا؟ فذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط وابن إدريس مدعيا الإجماع إلى العدم وقال : وذهب الأكثر إلى ثبوت الدية منهم الشيخ في النهاية وابن زهرة مدعيا الإجماع إلخ.

وفيه أيضا ما لا يخفى من أنّه كيف يكون مبناها مع أنّه يلزم هنا الدية ، فمبناها عدم ذلك ، وهو مذهب ابن الجنيد ، ولو كان مبناها ذلك لم يكن الدية مذهبا لهذه الجماعة ، بل لابن الجنيد فقط.

وان ليس ذلك مذهب النهاية فإن كلامه فيه في الثانية.

وان ليس دعوى إجماع ابن إدريس ما ذكره وغير ذلك ، فتأمّل.

وقد أحسن المحقق في الشرائع حيث قال : إذا هلك قاتل العمد سقط القصاص ، وهل يسقط الدية؟ قال في المبسوط : نعم ، وتردّد في الخلاف وفي رواية أبي بصير إلخ (١)

حيث جعل كلام المبسوط والخلاف فيمن هلك ، ولم يذكر كلامه النهاية الذي فيمن هرب ، وهي المسألة الثانية وذكر أنّ في رواية أبي بصير (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب العاقلة الرواية ١ ج ١٩ ص ٣٠٢.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب العاقلة الرواية ٣ ج ١٩ ص ٣٠٢.

٤١٩

وتؤخّر الحامل حتّى تضع وترضع إن فقد غيرها ، وإن تجدّد حملها بعد الجناية.

ولو ادعته وتجرّدت دعواها عن شهادة القوابل فالوجه التصديق.

ولو بان الحمل بعد القصاص فالدية على القاتل مع علمه ، ولو جهل فعلى الحاكم ان علم.

______________________________________________________

ما يدلّ على حكم المسألة الثانية ، وما جعلها دليلا على الاولى ، مع الإشارة إلى قصورها من جهة السند والاشتمال على انتقال الدية إلى مال الأقرب فالأقرب ، وذلك غير مستقيم.

وأمّا وجه تركه رواية البزنطي (١) ـ مع أنّها أوضح سندا ـ غير ظاهر ، فتأمّل. في ذلك.

قوله : «وتؤخّر الحامل إلخ» دليل تأخير قصاص الحامل حتّى تضع ـ بل ويستغني الطفل عنها ان لم يوجد من يكفله ـ العقل والنقل مثل الرواية التي تقدمت في امرأة جاءت إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ، وقالت : زنيت فطهرني إلخ (٢) ولغيرها.

هذا في النفس واضح ، ويحتمل في الطرف والجراح أيضا كذلك.

والظاهر أنّه ان احتمل السراية وظنّت فكذلك وإلّا فلا ، فتأمّل.

ولا فرق بين كون الولد من الحلال أو الحرام ، أو المملوك وغيره ، وبين حدوثه قبل الجناية وبعدها ، فلا يقتصّ منها إلّا مع استغناء الولد عنها بأيّ وجه اتفق ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب حدّ الزنا الرواية ١ ج ١٨ ص ٣٧٧.

(٢) راجع الوسائل باب ١٦ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٧.

٤٢٠