مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله تعالى (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (١) وجوب الجلد لكلّ زان وإخراج المحصن وإيجاب حدّ أغلظ ، يحتاج الى دليل قويّ مع انّ الحدّ يسقط بأدنى شبهة ، فكذا هذا الحدّ الخاصّ مع ثبوت أصله ، ففي كلّ موضع وجد فيه نصّ صريح وصحيح بوجوب الرجم وحصول الإحصان الذي هو شرط قيل به ، والّا فلا.

وينبغي عدم الخروج عن هذه القاعدة ، ففي ثبوته في المتعة ، غير معلوم.

وكذا ملك اليمين ، ولهذا ذهب جماعة الى عدم حصول ذلك في ملك اليمين مع الاخبار المتقدّمة لقصور في سندها أو عدم صراحتها وإطلاقها أو عمومها وإمكان تأويلها لوجود أصحّ منها في عدم الحصول.

مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام في الذي يأتي وليدة امرأته بغير اذنها عليه مثل ما على الزاني يجلد مائة جلدة ، قال : ولا يرجم إن زنى بيهوديّة أو نصرانيّة أو أمة ، فان فجر بامرأة حرّة وله امرأة حرّة ، فإنّ عليه الرجم وقال : وكما لا تحصن (يحصنه ـ خ ل) الأمة ، والنصرانيّة ، واليهوديّة إذا زنا بحرّة ، فكذلك لا يكون عليه حدّ المحصن إن زنا بيهوديّة أو نصرانيّة أو أمة وتحته حرّة (٢).

وقد مرّ في صحيحته أيضا : (ولا بالأمة) فتذكر.

وصحيحة الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا يحصن الحرّ ، المملوكة ، ولا المملوك الحرّة (٣).

وهما صحيحتان ، وصريحتان في عدم الإحصان بملك اليمين.

وتأويل الشيخ ـ بانّ المراد بالإحصان ، الإحصان الذي يجب معه الرجم

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٩ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٤.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٣.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

على المحصنة أيضا على تقدير الزنا في الخبر الثاني وبأنّه يحتمل أن تكون الأمة التي عنده بالمتعة في الخبر الأوّل ـ بعيد فعدم الحصول بالمتعة وملك اليمين أولى ، فإن أقلّها شبهة دارئة لحدّ الرجم وان لم تكن دارئة للجلد.

وبالجملة ، النظر في القاعدة المقرّرة وقصور الاخبار ، يدل على عدم حصول الإحصان بالمتعة وملك اليمين.

وقالوا : الإحصان في المرأة ، كالإحصان في الرجل ، لكن يراعى فيها كمال العقل فيها إجماعا بمعنى اشتراط كونها مكلّفة حرّة موطوئة بالعقد الدائم متمكّنة من الزوج بحيث يغدو عليها ويروح ، فقيد الدائم للاحتراز عن المتعة وملك اليمين.

ومعنى قولهم : المرأة كذلك يعني إذا كانت بالشرائط وعندها زوجها الذي دخل بها ، وقادر على ان يدخل بها ويغدو ويروح ، فهو محصن ، سواء كانت تحت عبد أو حرّ ، لا ان لو كان لها أيضا عبد تكون محصنة كما في الرجل ان كان له مملوكة محصن بها على القول المشهور ، فإنّه لا يجوز لها الوطء بملك اليمين.

وقد يتخيّل كون الإحصان بالنسبة إليها ، بأن يكون زوجها حاضرا عندها ويدخل بها ويفعل بالفعل جماعها على الوجه المتعارف ، وانّها تكون قادرة على ان تغدو عليه وتروح مثل ما اعتبر في الرجل ، إذ مجرد وجوده عندها ولم يباشر ذلك مع غاية تمكنه من ذلك ، ما ينفع المرأة وان كان لا ينفعه أيضا الّا انّ الأمر بيده ، ولتمكنه وكمال ندرته لو ترك وزنا يستحق الرجم ، بخلاف الزوجة ، فان الأمر ليس بيدها وليست متمكّنة ، وانما المتمكن وصاحب القدرة ، الزوج ، فإذا تركها معطّلة لا يحصل حينئذ غرض الشارع من الإحصان بالنسبة إليها ، فتأمّل.

وبالجملة قد ورد النص برجم الزوجة على تقدير كونها مدخولا بها وزوجها حاضرا فلا بحث مع النص.

٢٢

الفصل الثاني : في ثبوته

وانّما يثبت بأحد أمرين : الإقرار.

______________________________________________________

قوله : «وانّما يثبت بأحد الأمرين إلخ» هذا بيان ما يثبت به الزنا ، وانّما يثبت على شخص الزنا مطلقا بأحد الأمرين ، الإقرار أو البيّنة.

(الأول) الإقرار ، ويشترط في ثبوته به صدوره من المقر اربع مرّات بأنّه زنا صريحا فلا يحصل بغير الصريح ، لأنّه عقوبة عظيمة ، والستر فيها مطلوب ، ومبناها على التخفيف ، ويدرأ بالشبهة ، فمهما أمكن عدم ثبوته ووقوعه لم يترك ، ولهذا لم يشترط هذا العدد في غيره ، لا في الإقرار ، ولا في الشهود.

فلو نقص عن اربع مرّات لم يثبت الحدّ أصلا ، بل يعزر.

كأنّه لأن الإقرار بالفاحشة حرام وموجب لتشنيع الفاحشة ، وهو حرام بالنّص ويجب التعزير في كلّ محرّم عندهم كما هو صريح في بعض عباراتهم مثل الشرائع (١) والكبرى ما نعرفها ، بل الصغرى أيضا ، فإنّ الحرام موجب التشنيع ،

__________________

(١) في الشرائع كلّ ماله عقوبة مقدرة يسمى حدّا ، وما ليس كذلك يسمى تعزيرا وأسباب الأول ستة (الى ان قال) : والثاني أربعة ، الردة ، وإتيان البهيمة وارتكاب ما سوى ذلك من البهائم (انتهى).

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وذلك هنا غير معلوم ، بل يريد عبادة الله وطهارة نفسه ، ويظهر الزنا لذلك ، لا انّه يحب الفاحشة وإظهارها.

وما سيجي‌ء من الأخبار لثبوته بالإقرار أربعا ، يدلّ على عدم التعزير في كل محرّم فإنّه ما عزّر في الإقرارات الثلاث.

الّا ان يقال : ما فعل في ذلك الوقت من الإضراب والاعراض هو التعزير أو (ان ـ خ) كان لأنّه يأتي بالعدد ، وانّما التعزير متوجه بالترك والاقتصار على دون العدد.

وتدل على ثبوت التعزير في أمور كثيرة ، أخبار كثيرة ، مثل افتراء كلّ واحد من الشخصين صاحبه (١).

والافتراء على أهل الذمة (٢).

وفي القول : أنت خبيث ، وأنت خنزير (٣) وشهود الزور (٤).

وتزويج الذميّة على المسلمة بغير اذنها (٥).

وأكل الربا إلى أربع مرّات (٦).

وفي الوطء في الصوم (٧).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٨ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥١.

(٢) لا حظ الوسائل باب ١٧ ج ١٨ ص ٤٤٩ من أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات.

(٣) راجع الوسائل باب ١٩ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٢.

(٤) راجع الوسائل باب ١٥ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٤٤.

(٥) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ج ١٤ ص ٤١٩.

(٦) لا حظ الوسائل باب ٧ ج ١٨ ص ٥٨٠ من أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ، ولكن مدلولها الى ثلاث مرّات.

(٧) لا حظ الوسائل باب ١٢ ج ١٨ ص ٥٨٥ من أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات.

٢٤

ويشترط فيه العدد ، وهو اربع مرّات ، فلو أقرّ أقل فلا حدّ وعزر.

______________________________________________________

وفي الوطء في الحيض (١) ، وغير ذلك.

وقالوا أيضا : تعيينه الى الامام (٢) ، وفي بعض الاخبار دون أربع أسواط (٣).

ودليل ثبوته بالإقرار ، العقل ، والنقل ، مثل بعض الآيات والأخبار التي مضت في بحث الإقرار ، مثل إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (٤).

وامّا اعتبار العدد فلاعتباره في الشهادة بنصّ الكتاب ، واعتبار الشهادات الأربع في اللعان.

ولما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام من حكاية المرأة التي جاءت ، وقالت : زنيت يا أمير المؤمنين فطهرني وردّها صلوات الله عليه حتى ذهبت وجاءت اربع مرّات ، ولمّا كانت تروح في كلّ مرّة كان يقول عليه السّلام : اللهمّ انّها شهادة ، وهذه اثنتان ، وهذه ثلاث شهادات ، وفي الأخيرة قال : اللهمّ أنّه قد ثبت لك عليها اربع شهادات ، ثم رجمها (٥).

والخبر طويل وأشرنا إلى مضمون بعضه الذي يحتاج إليه هنا.

وحكاية أخرى مثلها نقل عنه صلوات الله عليه مع امرأة أخرى حامل مثل الأولى (٦) كأنها منقولة بطريق صحيح (٧).

__________________

(١) لا حظ الوسائل باب ١٣ ج ١٨ ص ٥٨٦ من أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات.

(٢) يمكن ان يستفاد من روايات باب ٢٨ من أبواب مقدّمات الحدود في الوسائل ج ١٨ ص ٣٣٨.

(٣) يستفاد من حديث ٣ من باب ١٠ ج ١٨ ص ٥٨٤.

(٤) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٤٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢.

(٥) راجع الوسائل باب ١٦ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٨.

(٦) راجع الوسائل باب ١٦ حديث ٥ و ٧ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٨٠.

(٧) سندها هكذا كما في الفقيه : وروى يونس بن يعقوب عن أبي مريم عن أبي جعفر وطريق الصدوق

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وروي عنه صلوات الله عليه أيضا انّه أتاه رجل أقرّ عنده بالزنا فدفعه حتّى كرّر ذلك اربع مرّات حتّى رجع في الرابعة ، فلمّا أقرّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام لقنبر : احتفظ به ثم غضب ثم قال : ما أقبح بالرجل منكم ان يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ أفلا تاب ، فو الله لتوبة فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحدّ ثم رجمه ثم قال في آخرها : فحضر وصلّى عليه ودفنه ، فقيل يا أمير المؤمنين : الّا تغسله؟ فقال : قد اغتسل بما هو طاهر (الرجم ـ خ) إلى يوم القيامة لقد صبر على أمر عظيم (١).

لعله كان اغتسل في حياته قبل رجمه ، فتأمّل.

وما روي عنه صلوات الله عليه رواية أبي العباس نقلها صحيحة ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : أتى النبي صلّى الله عليه وآله رجل ، فقال : اني زنيت فصرف النبي صلّى الله عليه وآله وجهه عنه فأتاه من جانبه الآخر ثم قال : مثل ما قال ، فصرف وجهه عنه ثم جاء الثالثة فقال له : يا رسول الله : اني زنيت وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أبصاحبكم بأس ـ يعني جنّة ـ؟ فقالوا : لا ، فأقرّ على نفسه الرابعة فأمر به رسول الله صل الله عليه وآله ان يرجم محفورا له حفيرة ، فلمّا أن وجد مسّ الحجارة خرج يشتد فلقيه الزبير فرماه بساق بعير فعقله به فأدركه الناس فقتلوه ، فأخبروا النبي صلى الله عليه وآله بذلك ، فقال : هلّا تركتموه ثم قال : لو استتر ثم تاب كان خيرا له (٢).

__________________

الى يونس كما في المشيخة هكذا : وما كان فيه عن يونس بن يعقوب فقد رويته عن أبي ـ رضي الله عنه ـ عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحكم بن مسكين ، عن يونس بن يعقوب البجلي.

(١) أورد قطعة منه في الوسائل في باب ١٤ حديث ٤ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٥ وراجع تفسير علي بن إبراهيم ص ٤٥١ طبع الوزيري.

(٢) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٦ منقول بالمعنى.

٢٦

وبلوغ المقر وعقله ، واختياره ، وحريته ، سواء الذكر والأنثى.

وفي اشتراط إيقاع كلّ إقرار في مجلس قولان.

______________________________________________________

وتدل عليه أيضا رواية جميل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين ، ولا يرجم الزاني حتّى يقرّ أربع مرّات (١).

وكأنّه لا خلاف فيه ، وحكاية ماعز (٢) تدل عليه ، وعلى انه لا بد من التصريح بالإقرار بالولوج كالميل في المكحلة ، وسيجي‌ء في البينة ما يدل عليه ، فتأمل

قوله : «وبلوغ المقر إلخ» يعني يشترط في المقرّ اتصافه بالشرائط التي يعتبر في مطلق المقرّ ، وقد تقدم في بحث الإقرار (٣) ، وهو بلوغ المقر ، وعقله ، واختياره وحريّته ، سواء الذكر في ذلك ، والأنثى.

ويحتمل ان يسمع إقرار المملوك في غير الرجم ، والقتل من دون اذن السيد.

ويحتمل سماعه مع اذن السيد في القتل والرجم أيضا ، وبدونه يحتمل ان ينتظر الى وقت الحريّة.

والتخفيف في الحدود ودرئها بالشبهة ، يدل على عدم ذلك ، فتأمّل.

قوله : «وفي اشتراط إيقاع إلخ» هل يشترط في ترتب أحكام الزنا جلدا ورجما على الإقرار بأربع مرّات ، وقوع كل مرّة في مجلس غير مجلس الآخر أم لا ، بل إذا وقع الكلّ في مجلس واحد مسترسلا ، كاف في ترتّب الحكم؟ فيه خلاف.

وقد صرّح جمع بعدم (٤) الاشتراط كالمصنف في غير المتن ، والمحقق (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٨٠.

(٢) تقدم آنفا وهو حديث ١ من باب ١٥ من الوسائل ج ١٨ ص ٣٧٦.

(٣) راجع ج ٩ من هذا الكتاب ص ٣٨٥.

(٤) وفي النسخ بالاشتراط والصواب ما أثبتناه.

(٥) قال في الشرائع : ولو أقر أربعا في مجلس واحد ، قال في الخلاف والمبسوط لم يثبت وفيه تردد وفي النافع. وهل يشترط اختلاف مجالس الإقرار؟ أشبهه انه لا يشترط.

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأطلق جمع كثير مثل الشيخ المفيد ، والقاضي ، والتقي ، وسلّار ، وابن إدريس وغيرهم.

وجمع آخر صرّحوا بالاشتراط ، مثل الشيخ في المبسوط والخلاف وتبعه ابن حمزة وقطب الدين الراوندي.

لعلّ دليل الاشتراط ما وجد في فعله صلّى الله عليه وآله وفعل أمير المؤمنين عليه السّلام من انهما حكما بالرجم بعد الإقرار أربع مرّات في أربع مجالس ، مع التخفيف في الحدود خصوصا الرجم.

ودليل العدم عموم أدلة الحدود مع أصل عدم الاشتراط ، وعدم دليله ، فان فعلهما صلوات الله عليهما كان كذلك اتفاقا ، لا انّهما امرا بذلك وقيداه ، وهو ظاهر خصوصا فعله صلّى الله عليه وآله على ما في بعض الروايات (١) ، فإنّه ما دلّ على تعدّد المجلس أيضا ، فإنّه كان في مجلس واحد ، الّا انّه كان تارة عن يمينه وتارة عن شماله.

الّا ان يراد بتعدّد المجلس تغير مكان المقر ، وهو بعيد.

على ان ذلك غير ظاهر في فعله صلّى الله عليه وآله في الثالثة والرابعة ، نعم على ما نقل في بعض الكتب ـ من انّه جاء فقال : زنيت ، ثم جاء في المرتبة الثالثة والرابعة ـ يعلم ذلك ، وعموم رواية جميل (٢) يدل على عدمه أيضا ، فتأمّل.

ثم اعلم انّه قال في الشرح ـ بعد ان عدّ المطلقين ـ : واعلم انّ الأصحاب الّذين أطلقوا لم نعلم لهم قولا في الحقيقة ، فلعلّهم قائلون بالتقييد ، والله أعلم.

وأنت تعلم انّهم إذا أطلقوا فالمتبادر انّ ذلك هو مذهبهم خصوصا مع

__________________

(١) لا حظ الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٦.

(٢) لا حظ الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٨٠.

٢٨

ويقبل إقرار الأخرس بالإشارة.

______________________________________________________

إطلاق الدليل وعدم دليل على التقييد ، فيعلم انّ الإطلاق مذهبهم كما إذا رأينا دليلا من آية ، ورواية دالّة على حكم ، يستفيد إطلاقه منهما ونعلمه ، فكذا نعلم انّ الإطلاق مذهب المطلق ، وهو ظاهر ، الله يعلم.

قوله : «ويقبل إقرار الأخرس بالإشارة» دليله ، ان إشارته مثل لسانه الدال على صدور الفعل الموجب للحدّ صادرا عنه ، فإذا دلت على صدوره بحيث لا يبقى منه احتمال عدمه بوجه ، مثل اللفظ الصادر عن لسانه ، يثبت بذلك ، والّا لا يثبت به للتخفيف ، والأصل ، والدرء.

وامّا مجرد الاخرسيّة ، والعمى ، والاصمّيّة فلم يكن شبهة دارئة للحدّ ، فلا يثبت في حقهم الزنا ، فلا وجه له ، مثل ما قاله أبو حنيفة في كون مجرد العقد ذلك.

وتدل عليه أيضا رواية إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن حدّ الأخرس ، والأصم ، والاعمى؟ فقال : عليهم الحدود إذا كانوا يعقلون ما يأتون به (١).

ورواية محمّد بن قيس ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الاعمى يجوز شهادته؟ قال : نعم إذا أثبت (٢).

وفي رواية ضعيفة لجميل عنه عليه السّلام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن شهادة الأصم في القتل؟ قال : يؤخذ بأول قوله ، ولا يؤخذ بالثاني (٣).

وقيل : لا يقبل دعوى الشبهة من الأعمى ، وهو بعيد ، ولا دليل له.

وقيّد بعض قبوله بوجود القرائن مثل وجدانه امرأة في فراشه واشتبه ونحو

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢١.

(٢) الوسائل باب ٤٢ حديث ١ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٩٦.

(٣) الوسائل باب ٤٢ حديث ٣ من كتاب الشهادات ج ١٨ ص ٢٩٦.

٢٩

ولو نسبه لم يثبت في حقّه الّا بأربع ، ويحدّ بالمرّة ، للقذف على إشكال.

______________________________________________________

ذلك.

وهو كالأول ، إذ لا فرق بينه وبين غيره.

قوله : «ولو نسبه لم يثبت إلخ» أي لو نسب رجل امرأة إلى الزنا بان قال : زنيت بفلانة بنت فلان ، أو نسبت امرأة رجلا إليه وقالت زنيت بفلان بن فلان ، فلا شك انّه بالنسبة إلى القائل لا يثبت الزنا الموجب للحد أو الرجم الّا أن يكون ذلك اربع مرّات وهل يثبت بذلك قذف المنسوب إليه الموجب لحدّ القذف على القاذف أم لا؟ فيه إشكال ، من انّه قذف ظاهر ، فمع وجود شرائطه مثل كون المقذوف محصنا يحدّ القاذف ، ولا يمنع عدم ثبوته في حقه ـ لاشتراطه بأربع مرّات حتّى يترتب عليه الأحكام الخاصّة من الجلد والرجم ـ ثبوت ما لا يشترط على ذلك.

ومن انّه انّما نسب الزنا الى نفسه ولا يلزم من كونه زانيا ونسبته إليه ، نسبة الآخر إليه ، لاحتمال ان يكون هو مكرها أو مكرهة ، ويكون شبهة بالنسبة إليه ، إذ يصحّ ان يقال : زنيت انا بفلانة وهي مكرهة أو كانت شبهة ، فهو أعم من كون المنسوب إليه زانيا ، وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات الثلاث والأصل عدم لزوم الحدّ والنسبة إلى الزنا ، وكذلك الظاهر.

ولهذا بمجرد وجدان امرأة مع رجل ، لا يحكم عليهما بالزنا مع العلم بعدم الزوجيّة أيضا ، لاحتمال الشبهة والإكراه وهو ظاهر ، حتى يعلم انتفائهما.

ولانّه لو ادّعى القائل ذلك ، فالظاهر انّه يسمع منه للدرء أو التخفيف ، فالظاهر عدم ثبوته في حقّ الآخر.

لكن الظاهر على هذا الوجه الذي قرّرناه لا يثبت بالإقرار أربع مرّات أيضا.

وظاهر الكلام كون الإشكال في المرّة الواحدة ومن جهة كون المرّة مثبتة

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بالنسبة إلى المنسوب إليه ، وعدمه بالنسبة إلى نفسه.

فيحتمل ان يكون المراد : إذا كانت النسبة إلى الغير بحيث لا يحتمل الّا كونه زنا بالنسبة إليه بأن قال : زنيت بفلانة ولم تكن مكرهة ، ولا مشتبها عليها ، أو زنت بي فلانة أو يا زانية زنيت بك ونحو ذلك بحيث يعلم المراد كونه زنا بالنسبة إلى الغير أيضا.

ولكن لما لم يكن موجبا بالنسبة إلى نفسه لتوقفه على اربع مرّات ، هل ذلك موجب للتوقف على اربع مرّات أيضا ـ لتوهم عدم معقوليّة الانفكاك ظاهرا ـ أم لا؟

هذا ظاهر العبارة وحينئذ ، الظاهر ثبوت القذف بالمرّة الواحدة ، لما مرّ.

وتدل عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، في رجل قال لامرأته : يا زانية أنا زنيت بك؟ قال : عليه حدّ (واحد ـ ئل) لقذفه ايّاها واما قوله : انا زنيت بك فلا حدّ فيه الّا ان يشهد على نفسه اربع شهادات بالزنا عند الامام (١).

فيها إشارة إلى اشتراط سماع الإمام إقراره بالزنا ، فتأمّل.

وعلى كلا التقديرين ، الاشكال ضعيف ، فإنّه على التقدير الأوّل ينبغي عدمه ، بل الجزم بعدم ثبوت الزنا والقذف به ، لما مرّ.

نعم يمكن التعزير بناء على ما تقرر عندهم من كون كلّ محرّم موجبا لذلك ، ولأنّه نسب الزنا اليه وما يتأذى به ، ولا شك في ذلك ، فان كل إنسان يتأذى به عادة وعرفا ، وكلّ ما هو كذلك فهو موجب للتعزير ، لما تقرر عندهم ، وان لم نعلم نحن دليله سوى كلامهم.

وعلى التقدير الثاني ، فلا ينبغي الإشكال أيضا في ثبوت الحد ، لما مر ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٦.

٣١

ولو لم يبيّن الحدّ المقرّ به ضرب حتى ينهى أو يبلغ مائة.

______________________________________________________

قوله : «ولو لم يبيّن الحدّ إلخ» يعني إذا قال : من يقبل إقراره على نفسه على حدّ من حدود الله ، ولم يبيّن الحدّ المقر به يسمع إقراره فيضرب السوط حتّى ينتهي بأن يقول : لا تضرب ، أو يكفي ونحو ذلك ، سواء وصل الى أقلّ الحدود أم لا ، لاحتمال ارادة التعزير أو يصل الى مائة جلدة لعدم حدّ فوقها؟

ويحتمل عدم شي‌ء أصلا لعدم التصريح بالموجب واحتمال ارادة التعزير الذي لم يكن ممّا يضرب به وعدم معرفته ذلك ، ولبناء الحدّ على التخفيف ، وللدرء.

ولكن صرّح الأصحاب بذلك من غير إشارة إلى إشكال ، وتردد ، وخلاف ، للرواية بذلك.

وهي رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ولم يسمّ ايّ حدّ هو؟ قال : أمر ان يجلد ، حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه الحدّ (١) (في الحدّ ـ ئل).

وهي ضعيفة ب «سهل بن زياد» (٢) ، وقاصرة عن تمام المراد ، من عدم تجاوزه المائة فكأنه ترك ، للظهور ، فتأمّل.

وقد قيّد البعض في طرف النقصان بثمانين جلدا ، فلو نهى قبله لا ينتهي ، فإنّه أقلّ الحدّ وصوّبه في الشرائع في طرف الكثرة دون النقصان ، لاحتمال ارادة التعزير.

فيه انّه ليس بصواب لاحتمال الزيادة في مكان شريف أو زمان كذلك ، فإنّه قد يزيد الحدّ فيهما ، وفي طرف النقصان ، إذ حدّ القواد خمسة وسبعون.

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٨.

(٢) سندها كما عن الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس.

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا قد يكون مملوكا فحدّه خمسون.

وأيضا من وطء البهائم ، خمس وعشرون.

الّا ان يقال : المراد بالحدّ هنا التعزير ، وقد يطلق الحدّ على التعزير وبالعكس كما سيجي‌ء.

وقد يقال الزيادة داخلة في التعزير ، وقد بيّنا أنّه برأي الحاكم وليس جزء للحدّ المقرر.

وحدّ القواد نادر ومعلوم عدمه هنا وكذلك المملوكيّة ووطء البهائم.

نعم الحدّ قد يكون قتلا ، وانّ التعزير موقوف على رأي الحاكم وما يعرف ، وبالجملة يردّ على الفتوى ـ بحسب القوانين ـ أمور كثيرة.

ولكن الرواية حسنة (لإبراهيم) (١) وقد افتى بها الجماعة ، فطرحها مشكل ، ومع العمل بها ، يندفع كلّ ما يرد عليه ، لكونها منصوص بها.

نعم قد يقال : لا عموم له فقد يكون مخصوصا بواقعة.

والحاصل ، العفو ، والترك غير بعيد ، فانّ الحدّ يسقط بأدنى شبهة واحتمال ، ولهذا حال الإقرار بأنّه زنا قيل له : هل قبّلته أو ضاجعته (٢) ونحو ذلك.

ويحتمل جواز العمل أيضا ، ولكن لا يجب ، وسقوط الاعتراضات للنص.

وامّا ما ورد (٣) انّ الزنا يحتاج إلى أربعة اقرارات ، والسرقة إلى مرّتين فكيف يحدّ المائة؟ فدفعه ظاهر يعني (بغير ما ذكرناه ـ خ) ما ذكرناه فإنّه قد يكون إقرار بعد مرّات من قبل فيؤخر الحدّ ، فانّ قوله هذا ليس إقرارا ، بل هو خبر عنه ، فتأمل.

__________________

(١) تقدم آنفا بيان سندها.

(٢) راجع سنن أبي داود باب رجم ماعز بن مالك ج ٤ ص ١٤٥.

(٣) راجع الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٨٠ وباب ١٢ حديث ٥ منها ص ٣٢٠.

٣٣

ولو أنكر إقرار الرجم سقط الحدّ ولا يسقط بإنكار غيره.

ولو تاب تخيّر الإمام في الإقامة وعدمها جلدا (أوخ) ورجما.

______________________________________________________

قوله : «ولو أنكر إقرار الرّجم إلخ» لو أقرّ شخص بما يوجب الرجم ثم أنكر ذلك ، وقال : ما أقررت ، أو إقراري فاسد ، سقط الحدّ عنه للدرء ، والتخفيف في الحدّ الغليظ ، وللرواية الآتية.

ولا يسقط بإنكاره موجب الحدّ وغيره ، للاستصحاب ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز (١) وسائر أدلة الإقرار.

وللرواية ، وهي حسنة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : من أقرّ على نفسه بحدّ أقمته عليه الّا الرجم ، فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد لم يرجم (٢)

قوله : «ولو تاب إلخ» يعني إذا فعل الإنسان ما يوجب حدّا أو رجما أو جلدا فتاب قبل أن يثبت عند الحاكم ، تخيّر الامام بين العفو عنه وعدم حدّه ، وحدّه.

لعلّ دليله الروايات ، مثل مرسلة جميل بن درّاج ، عن رجل ، عن أحدهما عليهما السّلام في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنا فلم يعلم ذلك منه ولم يؤخذ حتّى تاب وأصلح (صلح ـ خ ل)؟ فقال : إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ ، قال محمّد بن أبي عمير : قلت : فان كان أمرا قريبا لم يقم (عليه ـ خ) قال : لو كان خمسة أشهر أو أقلّ وقد ظهر منه أمر جميل ، لم يقم عليه الحدود (٣).

وكأنّ فيها إشارة إلى اعتبار زمان بعد التوبة حتّى يقبل الشهادة.

ومرسلة صفوان بن يحيى ، عن بعض أصحابنا (به ـ خ كا) ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل أقيمت عليه البيّنة بأنّه زنا ، ثم هرب قبل ان

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢ طبع مطبعة سيّد الشهداء.

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٩.

(٣) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٧.

٣٤

والحمل من الخالية من بعل ، لا يوجب الزنا.

ولا يقوم التماس ترك الحدّ ، والتهرب ، والامتناع من التمكين مقام الرجوع.

الثاني

البيّنة ، ويشترط العدد ، وهو أربعة رجال عدول ، أو ثلاثة وامرأتان.

______________________________________________________

يضرب؟ قال : ان تاب فما عليه شي‌ء ، وان وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ ، وان علم مكانه بعث إليه (١).

كأنّ إرسال صفوان بن يحيى كالمسند كما قالوا في محمّد بن أبي عمير ، والبزنطي ، وأيّد بالقبول والفتوى.

ولكن التخيير غير ظاهر ، فكأنّه للإجماع ، وقصور في الروايات وعدم الترك والعمل في الجملة ، فتأمّل.

والظاهر أنّ الحاكم ، مثل الامام على تقدير اقامة الحدود له.

قوله : «والحمل من الخالية إلخ» إذا وجد امرأة حاملا مع عدم زوج ، لا يحكم عليها بالزنا ، فإنّه يحتمل الإكراه ، والشبهة ، والأصل ، والظهور ، والستر في الشرع مؤيّد ، وهو ظاهر.

قوله : «ولا يقوم التماس إلخ» يعني إذا أقرّ بالزنا إقرارا تامّا موجبا للحدّ ثمّ التمس من الحاكم عدم حدّه أو هرب من الحدّ أو امتنع ولم يخل أن يقيم عليه الحدّ لم يكن هذه الأمور بمنزلة الرجوع والإنكار ، ولم يقم مقامه في سقوط الحدّ ، فإنّها أعم من الرجوع ، والعامّ لا دلالة له على الخاص.

قوله : «الثاني البيّنة ويشترط العدد إلخ» اشتراط العدد معلوم من

__________________

(١) الوسائل باب ١٦ حديث ٤ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٨.

٣٥

ولو شهد رجلان واربع نساء ثبت الجلد دون الرجم.

ولا يقبل دون ذلك ، بل يحدّ الشهود للفرية.

ولو كان الزوج أحدهم ، فالأقرب حدّهم للفرية.

______________________________________________________

القرآن والحديث ، والإجماع ، وقد سبق في بحث الشهادة (١) بعض ذلك ، وقد مرّ ان الزنا الموجب للجلد والرجم ، يثبت بأربعة رجال ، وكذلك بثلاثة رجال وامرأتين ، ولعلّ لا خلاف.

واما ثبوته بأربع نساء ، ورجلين ، ففيه خلاف تقدم في بحث الشهادة فتذكر ، ولا يقبل الزنا بغير ذلك.

الظاهر انّه إجماعيّ ، والكتاب (٢) والسنة ظاهرة في ذلك ، فلو شهد دون ذلك ، يحدّ الشهود للفرية والافتراء حدّ القذف للثلاثة ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو كان الزوج إلخ» يعني إذا شهد أربعة رجال ، أو ثلاثة رجال وامرأتان أو الرجلان واربع نساء على القول به ، على امرأة بالزنا وكان أحدهم زوجها ، الأقرب عند المصنف ان يحدّ الشهود غير الزوج حدّ القذف ، لانّه لا بد من الشهود الأربعة والرجل مدّع وخصم ومتهم وليس بشاهد مقبول.

ولرواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بالفجور أحدهم زوجها؟ قال : يحدّ الثلاثة ويلاعنها الزوج (زوجها ـ ئل) ، ولا تحلّ له أبدا (٣)

ورواية زرارة ، عن أحدهما عليهما السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا

__________________

(١) تقدّم في ج ١٢ ص ٤١٩.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (وَاللّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) الآية النساء : ١٥ وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) (الى قوله تعالى) (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) الآية النور : ٤ ـ ١٣.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من كتاب اللعان ج ١٥ ص ٦٠٦.

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهم زوجها؟ قال : يلاعن الزوج ويجلد الآخرون (١).

ولكن كون الزوج مدعيا وخصما غير ظاهر.

والخبران ضعيفان ومعارضان برواية إبراهيم بن نعيم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته ، عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال : يجوز شهادتهم (٢) والجمع بين الأدلة بحمل الأوّلين على عدم شرائط الشهادة في الزوج ككونه فاسقا وخصما.

وقد نقل في الفقيه رواية مسمع ، عن نعيم بن إبراهيم (٣) ، عن مسمع أبي سيار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بالفجور أحدهم زوجها؟ قال : يجلدون الثلاثة ، ويلاعنها زوجها ، ويفرّق بينهما ولا تحلّ له أبدا ، وقد روي انّ الزوج احد الشهود ، قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : هذان الحديثان متفقان غير مختلفين ، وذلك انه متى شهد أربعة على امرأة بالفجور أحدهم زوجها ولم ينف ولدها ، فالزوج احد الشهود ، ومتى نفى ولدها مع إقامة الشهادة عليها بالزنا جلد الثلاثة الحدّ ، ولاعنها زوجها وفرق بينهما ولم تحلّ له ابدا ، لأنّ اللعان لا يكون إلّا بنفي الولد (٤).

وأنت تعلم ما في هذا من الخلل في الكلام ، والاضطراب في الروايات ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من كتاب اللعان ج ١٥ ص ٦٠٦.

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من كتاب اللعان ج ١٥ ص ٦٠٦.

(٣) روي ـ في التهذيب ـ في باب توارث الأزواج من الصبيان ، عن الحسن بن محبوب ، عنه ، عن عباد بن كثير وفي آخر باب حدود الزنا ، عنه ، عن عباد البصري ، وفي باب الحدّ في الفرية والسب ، عنه ، عنه عن غياث ، عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام ، وليس له ذكر في كتب الرجال (تنقيح المقال للمتتبع المامقاني) ج ٣ ص ٢٧٤ الطبع الأول الحجري.

(٤) إلى هنا عبارة الفقيه راجع باب حدّ القذف رقم ٥٠٧٨ ج ٤ ص ٥٢ طبع مكتبة الصدوق.

٣٧

والمعاينة للإيلاج.

فلو شهدوا بالزنا من دونها حدّوا للفرية.

______________________________________________________

وظاهر أدلّة سماع الشهود وعدم الحدّ ، القذف.

واشتراط اللعان في الآية ـ بعدم الشاهد إلّا نفس الزوج ـ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ) الآية (١) ـ يدلّ على ثبوت الزنا وعدم حدّ الشهود.

ويؤيّده أيضا ظاهر آية القذف ، (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) الآية (٢) ، فإنّها ظاهرة في أن الأربع كافية ، سواء كان أحدهم زوجها وغيره ، فتأمّل. وهذا مختار التهذيب.

ويحتمل ان لا يحدّ الشهود ، ولا المقذوفة للشبهة لأنّه حصلت الشبهة في حدّها ، وفي حدّ الشهود أيضا ، فتأمّل.

وقيل : إنّ سبق من الزوج ، الرمي بالزنا والخصومة واختلّ شرط آخر مثل العدالة ، حدّ الشهود ، والّا يثبت الزنا ، وهذا هو الجمع المتقدم بين الاخبار ، وهو محتمل ، فتأمّل.

قوله : «والمعاينة للإيلاج إلخ» أي لا بدّ من التصريح في الشهادة بالدخول في الفرج ، والولوج كالميل في المكحلة ، بلفظ موضوع له لغة ، مثل النيك (٣) أو عرفا أو يضم إليه ما يصير به صريحا في ذلك ، كما انّه لا بد من ذلك في الإقرار.

ويدلّ عليه ما روي في ماعز بن مالك : جاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول الله اني قد زنيت فاعرض عنه ، ثم جاء من شقه الأيمن فقال : يا

__________________

(١) النور : ٦.

(٢) النور : ٤.

(٣) ناكها ينيكها جامعها وكشدّاد ، المكثر منه (القاموس).

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

رسول الله اني قد زنيت فاعرض عنه ، ثم جاء فقال : اني قد زنيت فاعرض عنه ، ثم جاء فقال : اني قد زنيت قال ذلك اربع مرّات (١).

وقريب منه ما روي في التهذيب بطريق حسن (٢).

وروي أيضا انّه صلّى الله عليه وآله قال له : لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت قال : لا يا رسول الله ، قال : فأنكتها لا تكنّى؟ قال : نعم قال : كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ قال : هل تدري ما الزنا؟ قال : نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا ، قال : ما تريد هذا؟ قال : أريد أن تطهرني فأمر به فرجم (٣) (الحديث).

وتدل على اعتبار ذلك في الشهود ، صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : حدّ الرجم ان يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج (٤).

ومثلها رواية شعيب ، وصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لا يرجم رجل ، ولا امرأة حتّى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج (٥).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يجب الرجم حتّى تقوم البيّنة الأربعة انهم قد رأوه يجامعها (٦).

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٤ (باب سؤال الامام ، المقر هل احصنت ص ١١٠) قريبا ممّا نقله هنا من نسبة الى ماعز.

(٢) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٦.

(٣) لا حظ سنن أبي داود ج ٤ باب رجم ماعز بن مالك رقم ٤٤٢٨ ص ١٤٨ منقول بالمعنى.

(٤) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧١.

(٥) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧١.

(٦) الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧١ وفيه : لا يجب الرجم حتى يشهد الشهود الأربع إلخ.

٣٩

ويكفى ان يقولوا : لا نعلم سبب التحليل.

______________________________________________________

ورواية أخرى له عنه عليه السّلام قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا يرجم الرجل ، والمرأة حتى يشهد عليها أربعة شهداء على الجماع والإيلاج ، والإدخال كالميل في المكحلة (١).

فلو شهد الشهود بالزنا من دون الرؤية والمعاينة حدّوا للفرية للآية (٢) والاخبار (٣)

قوله : «ويكفي ان يقولوا إلخ» يعني ليس عليهم للشهادة بالزنا ان يقولوا انّهما فعلا حراما ومن غير عقد وملك وشبهة ، بل يكفي في ذلك ، الشهادة على الفعل بالإيلاج مع قولهم : ولا نعلم سبب التحليل ، فيثبت الزنا فيعمل بمقتضاه جلدا أو رجما انّ تمت الشهادة والّا يثبت الحدّ عليهم ، لفرية.

وهذا مثل ما مرّ من انّه يكفي ان يقول الشهود : هذا كان من قبل لفلان وما اعلم سبب زواله عنه ، هكذا ظاهر عبارة المتن وغيره.

وفي الشرائع ولا بد في شهادتهم من ذكر المشاهدة للولوج كالميل في المكحلة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة ، ويكفي ان يقولوا : لا نعلم بينهما سبب التحليل وفيه تأمل واضح ، فإنّه كيف يكون هذا كافيا لثبوت الزنا مع ان الزنا فعل حرام لا يكون فيه عقد ولا ملك ولا شبهة ، فكيف يشهدون عليه بمجرد عدم العلم بسبب التحليل ، فانّ ذلك ليس بسبب العلم في نفس الأمر ، ولا بحسب الظاهر.

وأيضا يلزم شهادة شهود عزب لا يعرفون أحدا من النساء والرجال بان رأوا رجلا يجامع امرأته على انّهما زنيا ويثبت ذلك بمجرد قولهم : (لا نعلم سبب

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ٤ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧١.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ـ النور : ٤.

(٣) تقدم مواضع ذكرها آنفا.

٤٠