مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

وكلّ ما يجب به التعزير لله تعالى يثبت بشاهدين أو بالإقرار من اهله مرّتين.

ويعزّر من قذف أمته أو عبده.

______________________________________________________

الاستحباب للمولى ، ويحتمل أيضا لغيره ذلك بان يشتريه ويعتقه ان فعل ذلك ، فتأمّل.

قوله : «وكلّ ما يجب به التعزير لله تعالى إلخ» دليل ثبوت ما يوجب التعزير بشاهدين عدلين ، انّهما حجّة شرعيّة ولا يحتاج إلى الزيادة للأصل ، ودونهما ليس كذلك للأصل.

وامّا عدم ثبوته بالإقرار مرّة وانّه لا بد من مرّتين ، فغير ظاهر ، فإنّ أدلّة حجيّة الإقرار ظاهرة في المرّة الواحدة ، الّا انّه خرج الزنا بالنصوص الخاصّة ، وألحق به اللواط بالإجماع.

وكون مجرد الاحتياط ـ والتخفيف ، والدرء ، والشريعة السهلة ، والأصل ، وقوله تعالى «عَفُوًّا غَفُوراً» (١) ، والأمر بالعفو ، حجّة لتقييد تلك الأدلّة كما فعل في القذف ـ محتمل ، فتأمّل.

ويؤيّد عدم الإجماع في اعتبار المرّتين ، ما سيصرح المصنف من ثبوت وطء البهائم بالمرّة فهو ينافي هذه الكليّة ، لعلّه أخرجه منها بنصّ أو إجماع وما نعرفهما لأصل فتأمّل.

ومعلوم اعتبار أهليّة الإقرار في المقرّبان يوجد فيه شرائطه التي تقدمت.

قوله : «ويعزّر من قذف إلخ» يعني إذا قذف مولى مملوكه عبدا كان أو أمة ، قذفا موجبا للحدّ لو كان المقذوف غيره ، لم يثبت عليه الحدّ للمملوك ، بل يعزّر

__________________

(١) لعله إشارة إلى قوله تعالى في ذيل آية الرمي (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ويحتمل ارادة مطلق اتصافه تعالى بهاتين الصورتين في القرآن الكريم كما في سورة الحجّ ـ ١٠ وسورة النساء ـ ٤٣ ـ ٩٩ ، وسورة المجادلة ـ ٢.

١٨١

ولا يسقط الحدّ بإباحة القذف ، لما فيه من مشابهة حق الله تعالى ولا يقع موقعه لو استوفاه المقذوف لكن الأغلب حق الآدميّ ، لسقوطه بعفوه وانتقاله بالإرث.

______________________________________________________

كما في سائر المحرّمات.

دليل عدم الحدّ غير ظاهر ، فانّ عموم أدلة الحدّ للقذف يشمله الّا أن أخرجه دليل أو أثبت (أو ثبت) اشتراط حريّة المقذوف مطلقا كما قال المصنف.

فحينئذ لا خصوصيّة له بالمولى ، فان كلّ من يقذف مملوكا لا يحدّ ، فكأنّه خصّه لدفع توهم عدم تعزير المولى ذكرا كان أو أنثى ، ولا يسقط نظرا إلى أنّهما مولى ولهما تسلط وتأديب ، فانّ القذف حرام لا يؤدّب به ، وكذا كلّ محرّم على ما ثبت.

وتؤيّده رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام (١).

وما روي عن الصادق عليه السّلام ان امرأة جاءت إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقالت : يا رسول الله اني قلت لأمتي : يا زانية ، فقال : هل رأيت عليها زنا؟

فقالت : لا فقال : انّها تستقاد منك (أما أنها ستقاد منك ـ ئل) يوم القيامة فرجعت الى أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت : (اجلديني ـ ئل) فأبت الأمة فأعتقها ثم أتت إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فأخبرته فقال : عسى ان يكون به (٢).

محمولة على التعزير ، فتأمّل.

قوله : «ولا يسقط الحدّ إلخ» يعني لو أباح واذن شخص لغيره قذفا بما كان في الشرع موجبا للحدّ مثل ان يقول : أبحت لك قذفي (إذا قذفني ـ خ) بالزنا فقذفه لم يسقط عن ذلك القاذف ، الحدّ أي لا يمنع ذلك من تعلّق الحدّ به كمن لا

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٣٦.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٣١.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يبيح له أصلا وكذا ما يوجب التعزير على الظاهر بل وكذا لو أباح له بعد القذف أيضا ، نعم يسقط بالعفو كما مرّ.

ودليل عدم السقوط ، عموم أدلّة الحدّ من غير استثناء ، وعدم حصول الإباحة بذلك ، لعدم كونه حقّ الناس المحض ، بل فيه حق الله تعالى أيضا فإنّ الله يبغض بتفضيح المسلم وكسر حرمته ولا يرضى بذلك وان رضي هو (عنده ـ خ) ، ولهذا فلا بدّ لقائله من التوبة بعد استرضاء صاحبه.

وانّه لا يقع حدّ القذف موقعه لو حدّ المقذوف القاذف من غير اذن الامام وحكمه وإثباته عنده ، بل له الحدّ بعده ويكون للقاذف المحدود قصاصه في ذلك.

ويمكن التعارض والتساقط.

وفيه تأمّل إذ عدم رضاء الله بكسر حرمة المسلم لا يدلّ على ثبوت حقه فيه بحيث لا يسقط الحدّ ولم يبح بإباحته.

وكذا الاحتياج إلى التوبة ، لأنّ جميع المحرّمات كذلك مع أن فيها ما يبيح بالاذن ويسقط ما يترتب عليه.

وكذا عدم وقوعه موقعه بدون اذن الحاكم ، فانّ استيفاء حقهم قد يكون موقوفا على اذنه كالقتل قصاصا على ما قيل (١).

نعم له مشابهة بحقوق الله تعالى لما مرّ ، ولكن الأغلب انّه حق الناس لما مرّ من سقوطه بعفو صاحبه المقذوف وانتقاله بالإرث على ما مرّ ، فلو كان حقّ الله لما كان كذلك ، فتأمّل.

مع انّه لا يلزم الإباحة بالاذن وسقوط ما يترتب عليه من الحدّ وغيره.

وبالجملة لا يوجد حق الناس المحض ، مع انّه (قوله) : بالاذن وسقوط

__________________

(١) وهو اختيار القواعد ـ منه رحمه الله كذا في هامش بعض النسخ.

١٨٣

وإنّما يجب الحدّ بقذف ليس على صورة الشهادة.

ولو شهد الفاسق حدّ.

ولو ردّ القاضي شهادة الأربعة لادّاء اجتهاده الى تفسيقهم ، فلا حدّ.

والشهادة هي التي تؤدّي في مجلس القضاء بلفظ الشهادة مع الشرائط ، وما عداه قذف.

______________________________________________________

ما يترتب عليه من التعزير وغيره ، مثل الاذن في السرقة.

قوله : «وانّما يجب الحدّ إلخ» يعني أنّ القذف الذي هو حرام وكبيرة وموجب للحدّ انّما هو الذي يقع على غير صورة الشهادة المقبولة شرعا.

فان وقع على تلك الصورة بأن جاء اربع شهود مقبول الشهادة معا وشهدوا بالزنا كالميل في المكحلة ، فما فعلوا حراما ، ولم يجب عليهم حدّ ولا تعزير.

قالوا : لا بد من أن يكون الكلّ حاضرا حتّى شهد أحدهم ويقبل ، فلو شهد ثلاثة وقالوا : سيجي‌ء الرابع لا تقبل ، بل يحدّ الشهود للرواية المتقدمة.

بل قيل باشتراط دخولهم مجلس القاضي معا فلا يكفي الدخول متفرقين وان شهدوا مجتمعين.

ولا بدّ من كونها بلفظ الشهادة على ما هو شرط في الشهادة ومجلس القاضي وطلبه الشهادة وغير ذلك من الشرائط المتقدمة فلو اختلّ بعض الشرائط مثل ان يكون أحدهم فاسقا ، حدّ الكلّ.

ولو اجتهد القاضي فأدّى اجتهاده إلى فسقهم مع كونهم مستورين ، لا حدّ عليهم لخفاء فسق البعض على البعض وعدم العلم ، فلا تعمّد في الشهادة الغير المقبولة ، ولا على المشهود له لعدم ثبوت شهادة شرعيّة ، فتأمّل.

١٨٤

المقصد الخامس

في حدّ الشرب

وفيه مطلبان الأوّل : في الأركان.

وهي اثنان:«الشارب» والمراد به ، المتناول بشرب وأكل صرفا وممتزجا بالأغذية والأدوية.

______________________________________________________

قوله : «وهي اثنان إلخ» أركان حدّ الشارب اثنان ، الشارب ، والمشروب والمراد بالشارب ، الذي يتناول الشراب بحيث يتعدّى الى حلقه ، سواء كان خالصا صرفا أو ممزوجا بالأغذية والأدوية ، المباحة والمحرّمة ، قليلا كان أو كثيرا أو أكلا كذلك.

لعموم الأدلّة الموجبة للحدّ به ، فإنها دلّت على (انّه) موجبة لذلك ، قليلا كان أو كثيرا ، أو ممتزجا وغيره.

وفي الممتزج ربما يشكل ، إذ ربما يكون تابعا للاسم ، ولا شك في عدم الصدق مع المزج ، فإنّه إذا مزج شي‌ء من الخمر بحبّ ماء أو كوز أو طبيخ ، لا يقال لها : الشراب فيشكل صدق شربها وأكلها كما إذا حلف ان لا يشرب الخلّ يجوز

١٨٥

وشروطه (شرطه ـ خ ل) ، البلوغ فالصبيّ يؤدّب وإن تكرر منه.

والعقل والإسلام ، والاختيار ، والعلم فلا حدّ على الصبيّ بل يعزّر ، ولا المجنون ، ولا الحربي ، ولا الذمّي مع الاستتار ، فإن ظهر بها حدّ ، ولا على المكره ولا (على) من اضطرّه العطش أو اساغة اللّقمة ، ولا على جاهل التحريم.

______________________________________________________

شرب السكباج (١).

وعلى عدم الدهن فيجوز أكل طعام يكون ممزوجا بالدهن بحيث لا يتميّز.

والتمر يجوز الحلاوة منه ، وغير ذلك على ما صرّحوا به في محلّه.

والفرق لا يخلو عن اشكال ، فلعلّ الفرق أن العين حرام اين وجدت ولا شك في وجودها في الممتزج ، والفرض انه موجب للحدّ فيجتنب (فيجب ـ خ ل) ، بخلاف ما ذكر في باب اليمين فانّ المحلوف ليس بحرام الّا ان يصدق عليه المحلوف عليه وليس بذلك (ذلك ـ خ) الّا ما يصدق عليه الاسم ، فتأمّل.

قوله : «وشروطه ، البلوغ إلخ» أي شروط الشارب ـ التي لا بدّ من تحققها حتّى يحدّ ـ أربعة ، البلوغ ، والعقل ، للعقل والنقل ، فلا يحدّ الصبي ولا المجنون ، بل يعزّر المميّز الذي علم تحريم الشرب في الإسلام أو الإظهار في الذمي ، فلا يحد الحربي ، ولا الذمي مع الاستتار ، بل يحدّ المسلم والذمي المتظاهر.

كأنّ دليله الإجماع وبعض الاخبار ، والأصل.

وتدلّ عليه الاخبار مثل رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام (٢).

والاختيار ، للعقل والنقل ، وهو ظاهر فلا حدّ على المكره الذي وجر في حلقه أو ضرب حتى شرب أو خوّف بالقتل أو الضرب بحيث يتحقّق عنده ذلك

__________________

(١) السكباج بكسر السين طعام معروف يصنع من خل وزعفران ولحم (مجمع البحرين).

(٢) راجع الوسائل باب ٦ حديث ١ ـ ٢ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧١.

١٨٦

ولا جاهل المشروب ، ويثبت على العالم بهما وان جهل وجوب الحدّ.

______________________________________________________

ونحو ذلك.

وكذا على الذي شربه لا زالة العطش المضرّ أو لإساغة اللقمة إلى جوفه يدلّ على ذلك ، العقل مؤيّدا بعموم بعض المنقول (النقول ـ خ) (١) والأصل.

وامّا الشرب للدواء ، فقد مرّ البحث في ذلك في الأشربة والأطعمة ، فتذكر.

والعلم بأنّه شراب وحرام ، فلا حدّ على الجاهل بتحريم شربه ممن أمكن ذلك في حقه مثل جديد الإسلام ، ومن أسلم وبقي عند الكفار ، ولا الذي لم يعلم انّ المشروب خمر ومسكر ، وهو ظاهر.

ولا يعذر العالم بهما الجاهل بانّ الشرب موجب للحدّ ، فان العلم بالتحريم كاف في المنع فكان عليه ان لا يشرب ، فإذا خالف وفعل حراما يجب حدّه لأدلّته ، وهو ظاهر.

ودليله كون الجهل عذرا ، مع بعض ما تقدم.

ورواية ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : شرب رجل على عهد أبي بكر خمرا فرفع الى أبي بكر فقال له : أشربت خمرا؟ فقال : نعم ، قال : ولم؟ وهي محرّمة؟ قال : فقال له الرجل : إني أسلمت وحسن إسلامي ، ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلّون ، ولو علمت انّها حرام اجتنبتها فالتفت أبو بكر الى عمر ، قال : فقال : ما تقول في أمر هذا الرجل؟ فقال عمر : معضلة فليس لها إلّا أبو الحسن فقال أبو بكر : ادع لنا عليّا (عليه السلام) فقال عمر : يؤتى الحكم في بيته فقاما

__________________

(١) لعل نظره قدّس سرّه الى ما عبّر فيه بالاضطرار بضميمة ان صدق الاضطرار لأجل ازالة العطش أو لإساغة اللقمة والله العالم.

١٨٧

الثاني (المشروب) وهو كلّ ما من شأنه أن يسكر وان لم يبلغ حدّ الإسكار ، سواء كان خمرا أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا أو غيرها من المسكرات.

والفقاع حكمه حكم المسكر.

______________________________________________________

والرجل معهما ومن حضرهما من الناس حتّى أتوا أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبراه بقصّة الرجل وقصّ الرجل قصّته ، قال : فقال عليه السّلام : ابعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ففعلوا ذلك به ولم (فلم ـ خ) يشهد أحد بأنّه قرأ عليه آية التحريم فخلّى عنه (سبيله ـ خ ل) ، وقال له : ان شربت الخمر بعدها أقمنا عليك الحدّ (١).

قوله : «الثاني المشروب إلخ» الركن الثاني ، المشروب ، وهو كلّ ما من شأنه أن يسكر بمعنى انّه يكون مسكرا كثيره وإن لم يكن قليله كذلك ، وهو أقسام ، الخمر ـ وهو ظاهر ـ والنبيذ ، وهو من التمر ، والبتع بكسر الباء ، وهو من العسل ، قيل : من الذرة ، والمرز وهو من الشعير ، والنقيع من الزبيب ، وغيرها من المسكرات.

وبالجملة ، كلّ مسكر حرام ، وشربه موجب للحدّ.

وامّا الفقاع فحكمه حكم الخمر وان لم يكن مسكرا ، بل كلّ ما سمّي في أسواق أهل الخلاف به ولم يكن معلوم الحلّ ، فهو فقاع حرام عند الأصحاب.

وقد مرّ ما دلّ على ذلك في كتاب الأشربة ، وان ذلك خمر استصغره الناس (٢).

ومن الاخبار الصحيحة التي تدلّ على الحدّ بخصوصه ، صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الفقاع؟ فقال : خمر

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٥.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٢.

١٨٨

والعصير إذا غلى واشتد وان لم يقذف بالزبد ولا أسكر الى (الّا ـ خ ل) أن يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا ولو غلى التمر أو الزبيب ولم يسكر ، فلا تحريم.

______________________________________________________

وفيه حدّ شارب الخمر (١) ومثلها رواية ابن فضال وابن الجهم عنه عليه السلام (٢).

وكذا مرّ ما دلّ على تحريم العصير إذا غلا واشتدّ وان لم يحصل منه الزبد ولم يسكر والوصل إشارة إلى خلاف بعض العامّة ، من أنّ التحريم مشروط بذلك ، وانّه إذا ذهب ثلثاه وبقي الثلث حلّ.

وكذا إذا انقلب خلا ، وينبغي : (أو دبسا) كأنه ترك لانّه غالبا لم يصر دبسا قبل ذهاب ثلثيه ، فتأمّل.

وقد مرّ أيضا أنّ الغليان كاف في التحريم ولا يحتاج إلى الاشتداد ، وإنّهما متلازمان أم لا.

وقد مرّ أيضا أنّ التمر والزبيب إذا غليا لم يحرما ما لم يسكرا والخلاف في ذلك ، ودليل الطرفين ، فلا يحتاج إلى الإعادة ، فتذكر.

فرعان

(الأوّل) لو غلى ما في العنب بنفسه أو بالنار هل حكمه حكم العصير فيحرم أم لا؟ يحتمل ذلك ، لاشتراكه في المعنى مع العصير ، وعدمه للأصل وعدم تسميته عصيرا فعليا ، فإنّه لا يغلى ، بل يحمى.

(الثاني) إذا عجن بشي‌ء مثل الطحين هل يحرم أم لا؟ يحتمل ذلك

__________________

(١) لم نعثر على رواية لمحمّد بن إسماعيل بن بزيع بهذه الألفاظ نعم قد روى ما يدل على تحريم الفقاع فلاحظ باب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٩.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢ و ١١ من أبواب الأشربة المحرمة ص ٢٨٧ و ٢٨٩.

١٨٩

المطلب الثاني : في الأحكام

ويجب الحدّ ثمانون جلدة رجلا كان أو امرأة حرّا أو عبدا.

______________________________________________________

وعدمه للوجهين المتقدمين ، والاحتياط فيهما ، الاجتناب.

قوله : «ويجب الحدّ ثمانون جلدة إلخ» الظاهر أن كون شرب المذكورات ـ من الخمر وغيرها بالشرائط المذكورة موجبا للحدّ المذكور ـ إجماعي ، سواء كان الشارب ذكرا أو كان أنثى سكر أم لا.

ويدلّ عليه بعض الاخبار في الجملة ، مثل صحيحة أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه ما يجب في الخمر من الحدّ (١).

وصحيحة سليمان بن خالد قال : كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضرب في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر ويقتل في الثالثة كما يقتل صاحب الخمر (٢).

وفي مرسلة عنه عليه السّلام قال : كان عليّ عليه السّلام يجلد في قليل النبيذ كما يجلد في قليل الخمر ويقتل في الثالثة من النبيذ كما يقتل في الثالثة من الخمر (٣).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال عليّ عليه السلام : انّ الرجل إذا شرب الخمر سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى ، فاجلدوه حدّ المفتري (٤)

وحسنة بريد بن معاوية قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٦٩.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ١٣ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٨.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ١٢ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٨.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٦٧ وباب ٣ حديث ٤ منها ص ٤٦٧.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

(ان ئل) في كتاب علي عليه السلام يضرب شارب الخمر ثمانين وشارب النبيذ ثمانين (١).

ورواية زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام انّ الوليد بن عتبة (عقبة ـ ئل) حين شهد عليه بشرب الخمر ، قال عثمان لعلّي عليه السلام : اقض بينهم وبين هؤلاء الذين يزعمون (زعموا ـ ئل) أنه شرب الخمر فأمر علي عليه السلام فضرب (فجلد ـ ئل) بسوط له شعبان (شعبتان) أربعين جلدة (٢).

وصحيحة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شرب حسوة خمر؟ قال : يجلد ثمانين جلدة ، قليلها وكثيرها حرام (٣).

لعلّ فيها إشارة إلى ان قليلها وكثيرها موجب للحدّ ممزوجة أو منفردة ، ولا يضرّ إسحاق ، فتأمّل.

وصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : كيف كان يجلد رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ قال : فقال : كان صلّى الله عليه وآله يضرب بالنعال ويزيد كلّما أتى بالشارب ثم لم يزل الناس يزيدون حتّى وقف على ثمانين أشار بذلك عليّ عليه السلام على عمر فرضي بها (٤).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : أرأيت النبي صلّى الله عليه وآله كيف كان يضرب في الخمر؟ قال : كان يضرب بالنعال ويزيد (يزداد ـ خ ل ئل) إذا أتى بالشارب ثم لم يزل الناس يزيدون حتّى وقف على ثمانين أشار بذلك عليّ عليه السلام على عمر فرضي بها (٥) ، وكأنّ الحدّ في غير

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب حدّ الشرب ج ١٨ ص ٤٦٨.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب حدّ الشرب ج ١٨ ص ٤٧٠.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب حدّ الشرب ج ١٨ ص ٤٦٥.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب حدّ الشرب ج ١٨ ص ٤٦٦.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب حدّ الشرب ج ١٨ ص ٤٦٧.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخمر والنبيذ فهم بالإجماع المركب ، بل قد يفهم من (الخمر) فإنه قد يطلق على ذلك.

قال في الفقيه ولها (أي الخمر) خمسة أسامي ، (العصير) وهو من الكرم ، و (النقيع) وهو من الزبيب ، و (البتع) وهو من العسل ، و (المزر) وهو من الشعير ، و (النبيذ) وهو من التمر ، فتأمّل.

ولا فرق في ثبوت الحدّ بين قليل ما هو مسكر وموجب للحدّ في الجملة ، وبين كثيره فالحدّ ثابت في قليل الخمر والنبيذ وغيرهما ، وكثيرهما.

ودليله ، الإجماع المدّعى في الاستبصار وغيره ، وعموم الاخبار ، وخصوص البعض كما تقدم.

فما يدلّ على أنّ المسكر منه لا غير ، مثل رواية محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام كان النبي صلّى الله عليه وآله إذا أتى بشارب الخمر ضربه ، فان أتى به ثانية ضربه ، فان أتى به ثالثة ضرب عنقه ، قلت : النبيذ؟ قال : إذا أخذ شاربه قد انتشى (١) ضرب ثمانين ، قلت : أرأيت ان أخذ به ثانية قال : اضربه ، قلت : فإن أخذ به ثالثة؟ قال : يقتل كما يقتل شارب الخمر. قلت : أرأيت ان أخذ شارب النبيذ ولم يسكر أيجلد ثمانين؟ قال : لا (٢) وفي الطريق محمّد بن الفضيل المشترك (٣).

وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، قلت : أرأيت ان أخذ شارب النبيذ ولم يسكر أيجلد ثمانين؟ قال : لا وكلّ مسكر حرام (٤).

__________________

(١) هو من قولهم : نشأ ينشئ نشوا ونشوة ـ مثلثة ـ سكر كانتشأ وتنشأ والانتشاء أول السكر ومقدماته (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٦٩ ولا حظ ذيله.

(٣) طريقه كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٥ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٠.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الشارب؟ فقال أما رجلا (رجل ـ ئل) كانت منه زلّة فإنّي معزّره ، واما آخر يدمن فانّي كنت منهكه (مهلكة ـ ئل) عقوبة لأنّه مستحلّ (يستحل ـ ئل) المحرمات كلّها ، ولو ترك الناس وذلك لفسدوا (١)

فيها إضمار ، يمكن حملها على النبيذ الغير المسكر في الأصل مثل ان يلقى الماء في النبيذ فيشرب قبل أن يصير مسكرا الّا أن يكون مسكرا وشرب منه مقدارا قليلا لا يسكر ويؤيّده قوله : (وكلّ مسكر حرام) ، وحملها في الاستبصار على التقيّة ، وادعى انّها خلاف إجماع الطائفة المحقة وموافقة لمذهب العامّة.

وكذا حمل عليها رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السّلام انّه أتى بشارب الخمر ، واستقرأه القرآن فقرأ فأخذ رداءه فألقاه مع أردية الناس ، وقال له : خلّص رداك فلم يخلّصه فحدّه (٢).

ويمكن ردّها لضعفها بما تراه.

قوله (٣) : «حرّا أو عبدا» إشارة إلى رد من يقول : انّ على العبد نصف الحرّ ، مثل الصدوق وهو أربعون ، قياسا على الزنا.

وما في رواية حماد بن عثمان المتقدمة في التعزير قال : (ولكنّها دون الأربعين) (٤)

وما في رواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن عبد مملوك قذف حرّا؟ قال : يجلد ثمانين ، هذا من حقوق

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٦ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٦٩.

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٩.

(٣) يعني الماتن رحمه الله.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٢ وفيه : ولكن دون الأربعين.

١٩٣

عاريا ، على ظهره وكتفيه بعد إفاقته.

______________________________________________________

المسلمين ، فامّا ما كان من حقوق الله تعالى ، فإنّه يضرب نصف الحدّ (١).

حملها في الاستبصار على التقيّة ، لما سبق من عموم الاخبار وخصوصها ، مثل رواية إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما السّلام قال : كان عليّ عليه السّلام يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين ، الحرّ والعبد إلخ (٢).

وما في رواية أخرى ، عن أبي بصير مثلها.

وفي آخر عن أبي بصير ، قال : قال : حدّ اليهودي والنصراني والمملوك في الخمر والفرية سواء (٣).

وأبو بصير في الكلّ مشترك ، وفي الأخير إضمار ، وفي الثانية سماعة (٤) ، بل محمّد بن عيسى (٥) أيضا ، وفي الأولى إسحاق ، وفيه قول ، والحسن بن عليّ المشترك ، وفي خبر التنصيف أبو بكر الحضرمي غير ظاهر التوثيق ، وفي خبر حماد ، يعلى بن محمّد والحسن بن عليّ المشترك (٦).

فالأخبار من الطريقين ليست بنقيّة ، والتخفيف في الحدود ، والأصل ، والدرء يدلّ على الثاني ، وكأنّ الشهرة والكثرة مؤيّدة الأوّل ، فتأمّل.

قوله : «عاريا على ظهره إلخ» كأن دليل الضرب عاريا على ظهره وعلى كتفيه ، ما في مضمرة أبي بصير ، قال : وسألته عن السكران والزاني؟ قال : يجلدان بالسياط مجرّدين بين الكتفين ، فامّا الحدّ في القذف فيجلد على ثيابه (ما به ـ ئل)

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٧ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٢.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٦٩.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٥ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٢.

(٤) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس عن سماعة عن أبي بصير.

(٥) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي ، عن إسحاق بن محمّد ، عن أبي بصير.

(٦) سنده كما في الكافي هكذا : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن علي عن حماد بن عثمان.

١٩٤

ولو حدّ ثلاثا قتل في الرابعة.

______________________________________________________

ضربا بين الضربين (١) ، فتأمّل.

وامّا كونه بعد الإفاقة ، فكأنّ دليله أنّ الحكمة في شرع الحدود هو الإيلام والإيذاء والتأثير ليمتنع الفاعل ولم يفعل مرّة أخرى ، وذلك انّما يحصل بعد الإفاقة.

قوله : «ولو حدّ ثلاثا إلخ» يختار المصنف انّ شارب الخمر يقتل في الرابعة بعد الحدّ ثلاثا ، ونظره انه صاحب كبيرة ، وهو انّما يقتل في الرابعة لما مرّ وقد مرّ البحث فيه ، فتذكر.

على انه قد وردت أخبار كثيرة بقتل شارب الخمر في الثالثة ، فلو صحّ ما مرّ من قتل صاحب الكبيرة في الرابعة للشبهة ، والدرء ، والتخفيف ، وغيره ، يستثنى منه شارب الخمر ، للأخبار.

مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا اتي بشارب الخمر ضربه ، ثم إذا (إن ـ ئل) اتي به ثانية ضربه ، ثم إذا اتي به ثالثة ضرب عنقه (٢).

وصحيحة أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : من شرب الخمر فاجلدوه ، فان عاد فاجلدوه ، فان عاد فاقتلوه (٣).

وصحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من شرب الخمر فاجلدوه ، فان عاد فاجلدوه ، فان عاد الثالثة فاقتلوه (٤).

وصحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انّه قال ـ في شارب

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٤.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٦.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٦.

(٤) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٦.

١٩٥

ولو تكرّر الشرب من غير حدّ ، فواحد.

ويثبت الشرب بشهادة عدلين ذكرين ، وبالإقرار مرّتين من أهله.

______________________________________________________

الخمر إذا شرب ـ ضرب ، فان عاد ضرب ، فان عاد قتل في الثالثة ، قال جميل : وروى بعض أصحابنا : انّه يقتل في الرابعة ، قال ابن أبي عمير كأنّ المعنى ان يقتل في الثالثة ، ومن كان انّما يؤتى به يقتل في الرابعة (١).

لعلّ مراده انّه ما اتي في الثالثة ، بل انّما اتي في الرابعة ، فيقتل في الرابعة لأنّه ما اتي به الّا حينئذ ، لا انّه ما استحق القتل إلّا في الرابعة ، فتأمّل.

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما السّلام قال : من شرب الخمر فاجلدوه ، فان عاد فاجلدوه ، فان عاد فاقتلوه (٢).

وصحيحة يونس ، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال : أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدود مرّتين قتلوا في الثالثة (٣).

وحمل هذه على الرابعة بعيد ، فيمكن كونه في الزنا ، فتأمّل.

قوله : «ولو تكرر الشرب إلخ» قد مرّ دليل عدم تكرّر الحدّ بتكرّر الموجب إذا لم يتوسط الحدّ ، كعدم السقوط معه ، فتذكر.

قوله : «ويثبت الشرب إلخ» ثبوت الشرب بعدلين ظاهر ، وقد تقدم.

وكذا تقدم ما يفيد عدم الثبوت بالعدل الواحد واليمين ، فإنّهما في المال وحقوق الناس.

وكذا بالواحد والمرأتين ، والشرب ليس كذلك.

وكذا عدم إثباته بالنساء فإنها فيما لا يمكن الإطلاق إلّا لهنّ ، وهو ليس

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٦ ـ ٧ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٧.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٥ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٧.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٢ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٦.

١٩٦

ولو شهد أحدهما بالشرب والآخر بالقي‌ء حدّ.

______________________________________________________

كذلك.

وامّا إثباته بالإقرار مرّتين من المتصف بشرائط قبول الإقرار ، فهو ظاهر.

ولكن اشتراط ذلك وعدم ثبوته بالمرّة فهو غير ظاهر ، بل الظاهر من أدلّة الإقرار قبوله بالمرّة الواحدة.

وكأنّ نظرهم إلى التخفيف ، وسقوط الحدّ بالشبهة ، والاحتياط حيث اشترطوا المرّتين ، فتأمّل.

قوله : «ولو شهد أحدهما إلخ» دليل ثبوت الحدّ على تقدير شهادة أحد الشاهدين أنّ زيدا مثلا شرب الخمر وشهد الآخر انّه قاء الخمر ، انّهما شهدا معا بالشرب ، إذ من المعلوم أن القي‌ء لم يكن من غير شرب وهو ظاهر.

ورواية الحسن بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام ان عليّا عليه السّلام جلد الوليد لما شهد عليه واحد بشربها ، والآخر بقيئها ، وقال عليه السّلام : ما قاءها الّا وقد شربها (١)

نقله في الشرح (٢) عن التهذيب بسند غير صحيح ، وما رأيته ، وقال فيه : وعليه فتوى الأصحاب ولم أقف فيه على مخالف صريحا ، لكن العلّامة جمال الدين بن طاوس قال في الملاذ : لا اضمن درك طريقه ، وهو يشعر بالتوقف (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٨٠ ولكن فيه كما في الكافي والتهذيب أيضا ان امره عليه السّلام لجلد قدامة بن مظعون (مطعون ـ خ ل) وفي التهذيب (الحسين بن زيد) والحديث منقول بالمعنى أيضا الّا أن يكون رواية غير ما أثبتناه من الوسائل فتتبع.

(٢) الظاهر انه قدّس سرّه أراد من الشرح شرح الشرائع.

(٣) الأولى نقل عبارة شارح الشرائع بعينها ، قال في المسالك ـ في شرح قول المصنف ـ : (لو شهد واحد بشربها إلخ). ما هذا لفظه : الأصل في هذه المسألة رواية الحسين بن زيد (يزيد ـ خ ل) عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السّلام : ان عليّا جلد الوليد بن عقبة لما شهد عليه واحد بشربها وآخر بقيئها وقال : ما قاءها الّا وقد شربها ، وعليها فتوى الأصحاب ليس فيهم مخالف صريحا الّا أن طريق الرواية ضعيف ، لان فيه موسى بن جعفر

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : الحجّة في ذلك ، العمل ، وادعى ابن إدريس الإجماع عليه ، قلت : العمل ليس بحجّة الّا أن يكون ممّن عمله حجّة.

وفي الدليل تأمّل إذ القي‌ء لا يستلزم الشرب الموجب للحدّ ، وهو ظاهر ، والاحتياط في الحدود ، والدرء للشبهة يقتضي عدم الحدّ بمجرد ذلك.

قال في الشرح وغيره : شرط بعضهم ان لا (١) يتقدم زمان القي‌ء على زمان الشرب ، وهو حسن.

وجهه غير ظاهر ، الّا أن يقال : قد اشترط اتحاد شهادتهما على فعل واحد ، وإذا كان القي‌ء مقدّما على الشرب الذي شهد شاهد به لم تكن الشهادتان على فعل واحد فلم يثبت ، وهو غير ظاهر.

وعلى تقدير تسليمه لم يظهر اتحاد الفعل بمجرد عدم تقدم القي‌ء ، فإنّه مع التأخير أيضا يحتمل ان يكون الشرب الذي شهد أحدهما به غير الذي يقي‌ء.

الّا ان يقال : يكفي احتمال الاتحاد وعدم ظهور التعدد ، ولهذا لم يشترطوا في الشهادة ذكر الوقت والمكان وما يوجب اتحاده ، بل يجعلون ظهور تعدده مانعا من القبول.

__________________

البغدادي وهو مجهول الحال ، وجعفر بن يحيى ، وهو مجهول العين ، وعبد الله بن عبد الرحمن ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، فلذلك قال السيّد جمال الدين بن طاوس قدّس سرّه في الملاذ : لا اضمن درك طريقه ، وهو مشعر تردده والمصنف هنا صرّح بالتردد من حيث ان القي‌ء ـ وان استلزم الشرب ـ الّا ان مطلق الشرب لا يكفي في إثبات الحدّ ، بل لا بدّ له من وقوعه على وجه الاختيار ، ومطلقه أعم منه ومن الإكراه ، ويضعّف بأنّ الأصل عدم الإكراه ، ولانه لو وقع لادّعاه ، فان اتفق دعواه سمع منه ودرئ عنه الحدّ (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه).

(١) هذا الكلام منقول بالمعنى ولفظ العبارة هكذا : ويشترط مع ذلك إمكان مجامعة القي‌ء للشرب المشهود به لتكون الشهادة على فعل واحد ، فلو شهد أحدهما انه شربها يوم الجمعة ، والآخر انه قاءها قبله بيوم ، أو بعده كذلك لم يحدّ (انتهى موضع الحاجة).

١٩٨

ويلزم منه الحدّ لو شهدا بالقي‌ء.

______________________________________________________

فالتحقيق انه ان شرط التفصيل في الشهادة بحيث لا يحتمل التعدد ، لا ينفع الشرط ، والّا ينفع ، فتأمّل.

قوله : «ويلزم منه إلخ» أي يلزم من الحكم المذكور ـ وهو الحدّ ـ بشهادة أحدهما بالقي‌ء مع الآخر بالشرب ، الحدّ بشهادة الاثنين بالقي‌ء ، فإن الحدّ الأول موجب لقبول الشهادة بالقي‌ء فيلزم القبول في الثاني أيضا.

فيه تأمّل ، إذ الأول ليس بصريح في قبول الشهادة على القي‌ء مطلقا ، فيحتمل أن يكون للنص والإجماع ، فلا يقاس ، ولكن العلّية في الأصل موجودة فينتفى القياس.

الّا ان يقال : ليس بعلّة ، بل وجه مناسبته وكونه غالبا مستلزما للشرب ومؤيّدا بشهادة الآخر بالشرب بعينه.

وبالجملة ، لا يلزم من الحكم بقويّ وضعيف ، الحكم بضعيفين وهو ظاهر.

والتحقيق هنا ان يقال : إن اشترط في الشهادة كونها وأدائها بحيث لا يحتمل غير الموجب للحدّ بان تكون مستجمعة لجميع الشرائط مثل الشرب باختياره ومن غير علّة ، لم يلزم الحدّ حينئذ ، والّا لزم بناء على القياس وإثبات العلّة.

وبالجملة ينبغي عدم التعدّي عن موضع النص والإجماع.

على انّ ذلك أيضا غير ظاهر للتردد في الشرائع ، وعلى ما قاله في الشرح ـ وقد نص كثير من الأصحاب ـ يوجب (موجب ـ خ ل) الحدّ هنا نظرا الى التعليل المذكور.

وأورد عليه قوله عليه السّلام : (ادرأوا الحدّ بالشبهات) (١) فربما كان مكرها.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٦.

١٩٩

ولا يعوّل الحاكم على النكهة والرائحة.

ويكفي أن يقول الشاهد شرب مسكرا أو ما شرب غيره فسكر.

______________________________________________________

وأجيب بأنّه لو كان كذلك لادّعاه ، ولأنّ القي‌ء دليل الشرب ، والإكراه خلاف الأصل.

قد يقال : قد لا يدّعى لعدم علمه بالسماع أو غير ذلك ، وبمجرّد الأصل يشكل حدّه مع الاحتياط في الحدود ، واحتمال وجوه أخر للسقوط.

ولكن أكثر هذه الاحتمالات موجودة في غير هذه الصورة ، فتأمّل.

قوله : «ولا يعوّل الحاكم إلخ» يعني لا يعتمد الحاكم على رائحة الشرب المنتنة ـ التي تجي‌ء من فم شخص في الحكم عليه ـ بالحدّ فلا يجعل ذلك علما له بالشرب فيحدّه بناء على حكمه بعلمه في الحدّ ، ولا يسمع شهادة الشهود بذلك فيجعل كما لو شهدوا بالشرب فيحدّ ، لأنّ الرائحة لا تستلزم الشرب فضلا عن ان يكون شربا موجبا للحدّ ، بل ربما اشتبه ولم تكن رائحة الشراب أيضا ، إذ قد يشتبه على الشم كثيرا فيحكم على اتّحاد المختلفين.

وبالجملة ، الاحتياط ، والتخفيف ، والدرء في الحدود ، يقتضي عدم الحدّ بأمثال ذلك ، وهو ظاهر لا خفاء فيه.

قوله : «ويكفي أن يقول الشاهد إلخ» يعني يكفي لسماع شهادة المسكر الموجب للحدّ ، ان يقول الشاهد بحضور الحاكم : (شرب زيد) مثلا مسكرا أو شرب ممّا شربه غيره فسكر ، فإذا حصل باقي شرائط سماع الشهادة مثل عدالة الشاهد ، حدّ ، لان كلام الشاهد في شرب زيد ما يوجب حدّه ، فيحدّ منه.

تأمّل لأنّ شرب المسكر مطلقا ليس بموجب للحدّ فإنّه أعمّ من الموجب وغيره ، إذ قد يكون مع العلم بأنه مسكر ، وقد يكون بدونه ، وقد يكون مع العلم بالتحريم ، وقد يكون بدونه ، وقد يكون لدفع ضرر نحو ازالة العطش المضر وإساغة اللقمة ، وقد يكون باختياره ، وقد لا يكون وليس كلّ ذلك موجبا بل بعضه ، فكيف

٢٠٠