مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وتدلّ على أن الفطري هو المسلم الذي كان أبواه مسلمين ثم ارتدّ ، فكأنه المأخذ لتعريف الفطري ، فتأمّل فيه.

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام ، قال : سألته عن مسلم تنصر؟ قال : يقتل ولا يستتاب ، قلت : فنصراني أسلم ثم ارتدّ عن الإسلام؟ قال : يستتاب فان رجع والّا قتل (١).

هذه أيضا في بعض افراد المرتدّ مع انها لا يفهم منه غير القتل وعدم التوبة في مسلم تنصر والقتل بعد الاستتابة ولم يتب في نصراني أسلم ثم ارتدّ وقبولها ان تاب.

وما يفهم ان المراد بالمسلم ما هو مرادهم بالفطري فليست بصريحة بل ظاهرة في التفصيل المطلوب وتخصيص الحكم المذكور بالفطري عندهم.

وصحيحة الحسين بن سعيد ، قال : قرأت بخط رجل الى أبي الحسن الرضا عليه السّلام : رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل ولا يستتاب فكتب عليه السّلام : يقتل (٢).

وهذه ما تدلّ على أكثر من القتل وتدل على (ان الفطري هو الذي ـ خ ل) الفطري ، وهو الذي ولد على الإسلام ، وهذا مجمل غير مفصّل بحيث يفهم منه ان المراد كون أحدهما مسلما حين العلوق ، مع أنها مكاتبة.

ومرفوعة عثمان بن عيسى رفعه ، قال : كتب عامل أمير المؤمنين عليه السّلام اليه إني أصبت قوما من المسلمين زنادقة وقوما من نصارى زنادقة ، فكتب اليه : امّا من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه ولا

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٥.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٥.

٣٢١

فيستتاب ثلاثة أيّام ، فإن تاب قبلت توبته.

ولا تزول أملاكه ، بل هي باقية عليه إلى ان يقتل أو يتوب وتعتدّ زوجته (في الحال ـ خ) عدّة الطلاق ، فان رجع في العدّة فهو أملك بها والّا بانت ، وتؤدى من أمواله ديونه وما عليه من النفقات ما دام حيّا ، ولو قتل أو مات فميراثه لورثته المسلمين ، فان لم يوجد مسلم فللإمام.

______________________________________________________

تستتبه ومن لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه ، فان تاب والّا فاضرب عنقه ، وأمّا النصارى فما هم عليه أعظم من الزندقة (١).

وفي سندها ودلالتها على تمام المطلوب ما لا يخفى فافهم.

وامّا الملّي ، فحكمه في المتن ان يستتاب ثلاثة أيّام ، فإن تاب ورجع قبل توبته فصار مسلما كما كان ، والّا قتل يوم الرابع ، وهو مذهب الشرائع أيضا.

وقيل : ينبغي ان يكون مدّة توبته منوطا برأي الحاكم.

وقيل : لا مدّة لها ، بل مقدار زمان يمكن فيه الرجوع.

ولعلّ دليل الأوّل ، الاحتياط ، ورجاء رجوعه إلى الإسلام ، والتحذير (التحذّر) عن القتل مهما أمكن.

ورواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : المرتد تعزل عنه امرأته ، ولا يؤكل ذبيحته ويستتاب ثلاثة أيّام ، فإن تاب ، والّا قتل يوم الرابع (٢).

ولا يزول أملاكه عن ملكه ، بل هي باقية على ذلك ويعطى منها النفقات الواجبة عليه ، مثل نفقة الزوجة والمملوك الى ان يقتل أو يموت فينتقل إلى ورثة المسلمين ان كانت والّا فيرثه الامام عليه السّلام ، ويخرج منها ديونه ووصاياه كما

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٥ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٥٢.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٥ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٨.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا مات مسلما.

وتعتدّ زوجته أيضا عدّة الطلاق ، فإن أسلم قبل انقضائها فهي زوجته كما كانت ، فان لم يرجع ، بانت عنه زوجته وان كان حيّا.

دليل الأخير الرّوايات العامّة في انه يستتاب ، فان تاب ، والّا قتل.

حملها في التهذيب والاستبصار على الملّي بعد ان نقل رواية محمّد بن مسلم وعمار ، على حكم الفطري.

وهي رواية الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان رجلا من المسلمين تنصر فاتي به أمير المؤمنين عليه السّلام فاستتابه فأبى عليه فقبض على شعره ثم قال : طئوا يا عباد الله فوطئ (فوطؤوه ـ ئل) حتّى مات (١).

وفي (٢) السند موسى بن بكر ، وفي الدلالة على جميع الاحكام ـ وان حمل على الملّي ـ ما لا يخفى.

ومرسلة الحسن بن محبوب ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام في المرتدّ يستتاب ، فان تاب ، والّا قتل ، والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت ، فان تابت (ورجعت ـ خ ل) ، والّا خلّدت في السجن وضيّق عليها في حبسها (٣) ومنها علم حكم المرتدة أيضا وترى السند والدلالة.

وضعيفة علي بن حديد ، عن جميل بن درّاج وغيره ، عن أحدهما عليهما السّلام في رجل رجع عن الإسلام؟ قال : يستتاب ، فان تاب ، والّا قتل (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٥.

(٢) وسنده هكذا كما في الكافي : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر عن الفضيل بن يسار.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٦ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٥٠.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٧.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والسند معلوم ، والدلالة مثل الاولى.

وضعيفة جابر ، عن أبي جعفر (عبد الله عليه السّلام ـ ئل كا) عليه السّلام ، قال : أتي أمير المؤمنين عليه السّلام برجل من تغلبة (بني ثعلبة ـ خ ئل) قد تنصّر بعد إسلامه ، فشهدوا عليه فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام : ما يقول هؤلاء الشهود؟ قال : صدقوا وانا ارجع الى الإسلام فقال : امّا انك لو كذّبت الشهود لضربت عنقك وقد قبلت منك فلا تعدّ ، وانك ان رجعت لم اقبل منك رجوعا بعده (١).

وهي ضعيفة من وجوه مع عدم ظهور وجه ضرب العنق لو كذّب الشهود ، والكلّ شريك في عدم المهلة.

وحسنة هشام بن سالم ـ في الكافي والتهذيب والاستبصار ـ وهي صحيحة في الكافي (منه ـ خ) أيضا عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : أتى قوم أمير المؤمنين عليه السّلام فقالوا : السلام عليك يا ربّنا فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها نارا وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها ، وأفضى الى ما بينهما ، فلمّا لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة ، وأوقد في الحفيرة الأخرى حتّى ماتوا (٢).

قال الشيخ ـ بعد هذه الأخبار ـ : لا تنافي الأولة ـ إشارة إلى روايتي محمّد وعمار في ان المرتد لا يستتاب ـ لأن الأخبار الأولة متناولة لمن ولد على فطرة الإسلام ثم ارتدّ ، فإنّه لا تقبل توبته ويقتل على كلّ حال ، والأخبار الأخيرة متناولة لمن كان كافرا ثم أسلم ثم ارتدّ بعد ذلك ، فإنه يستتاب ، فان تاب فيما بينه وبين ثلاثة أيام ، والّا قتل وقد فصلّ ما ذكرناه أبو عبد الله عليه السّلام في رواية عمار الساباطي عنه عليه السّلام ، وقد قدّمناها (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٧.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٥٢.

(٣) الى هنا عبارة الشيخ رحمه الله في التهذيب.

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنت تعلم ان وجه الجمع غير منحصر في ذلك ، وان (ثلاثة أيّام) ما كانت إلّا في رواية مسمع وانه ما تقدم التفصيل في رواية عمّار ، بل قال فيه : (كلّ مسلم بين مسلمين) وذكر حكمه فقط ، فتأمّل.

ثم قال (١) : ويؤكد ذلك ما رواه وذكر صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ومكاتبة الحسين بن سعيد في الاستبصار (٢) وزاد في التهذيب مرفوعة عثمان بن عيسى وذكر فيه رواية الفضيل بن يسار أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان رجلين من المسلمين كانا بالكوفة فأتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فشهد أنّه رآهما يصلّيان للصنم فقال له : ويحك لعلّه بعض من تشبّه عليك فأرسل رجلا فنظر إليهما وهما يصلّيان الى الصنم فاتى بهما فقال لهما : ارجعا فأبيا فخدّ لهما في الأرض خدّا فأجّج نارا فطرحهما فيه (٣).

وذكر أيضا رواية عباد بن صهيب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : المرتدّ يستتاب ، فان تاب ، والّا قتل ، والمرأة تستتاب فان تابت ، والّا حبست في السجن واضرّبها (٤).

وفي الصحيح ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا (ان ـ ئل) ارتدّ الرجل عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة (ثلاثا ـ يب) وتعتدّ منه كما تعتدّ المطلقة ، فإن رجع الى الإسلام فتاب (وتاب ـ ئل) قبل التزويج (قبل ان تتزوج ـ ئل) فهو خاطب من الخطاب ولا عدّة عليها منه له

__________________

(١) يعني الشيخ في التهذيب.

(٢) راجع الوسائل باب ١ حديث ٥ ـ ٦ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٥.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٥٦.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٥٠.

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وانما عليها العدّة لغيره (١) ، وان تاب أو قتل قبل انقضاء العدة اعتدّت منه عدّة المتوفى عنها زوجها ، وهي ترثه في العدّة ولا يرثها ان ماتت وهو مرتد عن الإسلام (٢).

وحملها على الملّي أيضا.

واعلم ان استخراج أحكامها على التفصيل الذي مذكور في الفروع من هذه الاخبار ، مشكل وان كان جمع الشيخ غير بعيد.

وصحيحة علي بن جعفر ، تدلّ عليه في الجملة ، ويشعر به مكاتبة الحسين بن سعيد الصحيحة وموثقة عمار (٣).

ومذهب ابن الجنيد ، الموافق لمذاهب العامّة ، استتابة مطلق المرتدّ ، فان تاب والّا قتل.

ودليله الأخبار المطلقة المتقدمة الكثيرة ، وأوضحها حسنة هشام وهي صحيحة في الكافي ، مع انها لا تدلّ على الارتداد ، إذ قد يكون اعتقادهم دائما ربوبيته عليه السّلام ، وان ذلك فوق الارتداد.

ومعارضته بما هو أوضح منها ، مثل حسنة محمّد في عدم الاستتابة مطلقا وغيرها.

مع انه خلاف المشهور وموافق العامّة.

فقول شرح الشرائع : وعموم الأدلّة المعتبرة يدلّ عليه ـ أي مذهب ابن الجنيد ـ وتخصيص عامّها أو تقييد مطلقها برواية عمّار ، لا يخلو عن اشكال ، ورواية علي بن جعفر عن أخيه غير صريحة في التفصيل الّا ان المشهور ، بل المذهب هو

__________________

(١) الوسائل باب ٦ ذيل حديث ٥ بالسند الثاني من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٧.

(٢) في نسخ الكتاب بدل قوله : (وانما عليها العدة لغيره) هكذا : فتعتد منه لغيره.

(٣) تقدم بيان مواضعها.

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التفصيل.

غير جيّد ، إذ لا عموم معتبر ، والمفصّل الموجب لحمل التقييد والتخصيص غير رواية عمّار ورواية علي بن جعفر.

مع انها ظاهرة ، وهو كاف ولا يحتاج إلى التصريح.

ولانه قد علم أن دليل ابن الجنيد معتبر ، ودليل المذهب المشهور ليس كذلك ، فكيف يقول : انه هو المذهب.

ثم انه لا شك انه يمكن استخراج البعض من البعض ، فلعلّ ما ذكره من الاحكام مجمع عليها امّا إجماعا مركبا أو بسيطا ثبت عندهم أو دليل آخر ما نعرفه ، والّا فإن الذي عليه الخبر المعتبر لا يمكن ردّه بل يجب القول به وإرجاع غيره اليه ان أمكن والّا طرح.

فالحكم بعدم قبول توبة الفطري أصلا ـ ولو بينه وبين الله وفي نفس الأمر وان كانت مشتملة على شرائط قبولها ـ بعيد ، فان قبول التوبة واجب على الله على ما مرّ مرارا.

وأيضا لا شك في انه لم يسقط عنه التكليف بالايمان والأحكام الشرعيّة وذلك لا يجتمع مع القول بعدم قبول توبته أصلا ، والّا يلزم التكليف المحال ولم يثبت الإجماع على عدم قبول توبته أصلا ، ولا دلّ عليه كتاب ولا سنة على ما تراه ، صريحا.

نعم يدلّ بعض الاخبار على وجوب قتله قبل استتابته وعدم قبول توبته وذلك يمكن ان يكون بالنسبة إلى سقوط الأحكام الظاهرة مثل إسقاط القتل.

وينبغي أن لا يكون نجسا أيضا في نفس الأمر على تقدير ثبوت نجاسة المرتدّ وما نعرفه ، ويجب على غيره اجتنابه ان علم نجاسته ولم يعلم المزيل.

وكذا ما دلّ دليل على عدم تملّكه شيئا ، وانه ان تملك يملكه الوارث

٣٢٧

وولد المرتد بحكم المسلم ، فان بلغ مسلما ، والّا استتيب ، فان تاب ، والّا قتل.

______________________________________________________

وذلك بعيد جدّا.

بل يحتمل انه ان تاب في نفس الأمر يرجع ماله اليه لو خرج ولم يقتل.

بل يمكن ان ترجع اليه ـ حين تاب ـ زوجته أيضا في العدّة أو يكون له العقد عليها في العدّة وبعدها وعلى غيرها ، فإنه لا دليل يمنع ذلك بعد التوجّه ، فلو لم يطلع على ارتداده أو اطّلع ولم يقدر عليه وتاب هو ، لا يبعد كونه مثل الملّي بينه وبين الله مقبول التوبة وان كان واجب القتل كالواجب قتله حدّا أو قصاصا ولم يقتل.

ويحتمل عدم عقابه في الآخرة وان لم يقتل ، فتأمّل.

ويكون ما في الخبر محمولا على تقدير قتله أو عدم توبته أو مخصوصا بالمال الموجود ولا يسري في المتجدّد.

وبالجملة يجب اتباع الدليل ولا يجوز غيره حتّى لو وجد دليل نقلي يعارض الدليل العقلي يؤوّل النقل ان أمكن أو يطرح ، ولا يمكن القول باجتماع الضدين والتكليف المحال ، فتأمّل.

قوله : «وولد المرتدّ إلخ» أي ولد المسلم الذي حصل قبل ارتداده ، بحكم المسلم بمعنى انه طاهر ، وانه لو قتله مسلم ، يقتل به ، سواء قتله قبل البلوغ أو بعده قبل اتصافه بالكفر ونحو ذلك لا في كلّ الأحكام حتّى في انه مسلم فطري فيلزم قتله بعد البلوغ ان أنكر الإسلام أو شيئا مه ممّا يرتدّ به المسلم ، بل بعد البلوغ والعقل ان أظهر الإسلام ، صار مسلما حقيقيّا وخرج عن كونه بحكم المسلم ، وان أنكر أو قال أو فعل شيئا لو فعله مسلم لارتدّ به وحكم بكفره وارتداده ، يستتاب ، فان تاب قبل توبته وصار كمن لا ينكر ، والّا قتل مثل المرتد الملّي ، فحكمه حكم الملّي لا الفطري للاحتياط في الدماء والأصل وعموم بعض الاخبار الدالة على الاستتابة مطلقا.

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولان الظاهر أن لا خلاف في ان حكمه امّا حكم الفطري أو الملّي ، ولا دليل على الأول فيكون حكمه حكم الثاني.

بل لو لم يكن أمثال ذلك لكان القول بعدم ذلك الحكم أيضا متعيّنا ، إذ لا يلزم من وجود حكم في مسلم ، وجوده فيمن هو بحكمه الّا ان يثبت عليه دليل آخر غير ذلك فافهم.

ولعدم دليل موجب لغير ذلك ، فإن الأدلّة الدالة على حكم الفطري تدلّ على ان من كان مسلما مولودا من مسلمين أو من مسلم وكافر وأسلم إسلاما حقيقيا ـ أي بلغ وأظهر الإسلام ـ ثم ارتدّ.

وهو مراد الأصحاب أيضا ، فإن المرتدّ من كفر بعد الإسلام ، والمتبادر منه الإسلام الحقيقي لا حكمه مثل الولادة من المسلم والّا يلزم التكرار في ذكر حكم ولد المرتدّ بل التناقض والتنافي بين حكمهم في المرتدّ الفطري بالقتل من غير استتابة ، وبين الحكم بأن ولده الذي ولد حال إسلامه وانعقد في تلك الحال إذا أنكر الإسلام بعد البلوغ ، يستتاب ، وهو ظاهر.

وقد عرضت أيضا حال دليل المسلم الفطري ، ودليل حكمه المذكور ، فخلافه غير مستبعد.

وبالجملة ، إذا وجد منهم حكم موافق للدليل وغير موافق لما لا دليل عليه وان كان مقرّرا عندهم ، فهو جيّد ، وليحكم بخروجه عن ذلك (لإجماع) ونحوه كما تقرر في غير هذا.

فلا يرد قول شرح الشرائع : (وهذا لا يوافق القواعد المتقدمة إذ (أن ـ خ) المنعقد (المعتقد ـ خ ل) حال إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة ولا يقبل توبته) وما وقفت على ما أوجب العدول عن ذلك هنا ولو قيل : بأنه يلحقه حينئذ حكم المرتدّ عن فطرة ، كان متوجها وهو الظاهر من الدروس لأنه أطلق كون الولد

٣٢٩

ولو قتله قاتل قبل وصفه بالكفر ، قتل به ، سواء قتله بعد بلوغه أو قبله.

______________________________________________________

السابق على الارتداد مسلما ، ولازمه ذلك (انتهى) (١).

إذ قلنا : يحتمل ان يكون مرادهم انه مع كونه ولد في الإسلام بلغ وأسلم ثم ارتدّ ، لما مرّ ، ولو كان المراد ما قاله يكون هذا نقيضا صريحا لما ذكروه أوّلا ، لأنهم ذكروا انه مرتد فطري على ما زعمه وقد ذكروا حكمه من وجوب قتله وعدم استتابته.

وان قوله : (ما وقفت على ما أوجب إلخ) غير جيّد ، لما مرّ من الموجب ، مع انه لا يحتاج الى موجب بل المحتاج إلى الموجب ما قاله : من لحوق حكم الفطري ، فإنه غير معلوم كونه فطريّا ، لما مرّ من احتمال مرادهم.

وان لم يكن صريحا فلا شكّ انه محتمل فيحمل عليه فيحتاج الى موجب غير ذلك.

على انك قد عرفت ما في معنى الفطري ودليل حكمه ، فإثبات مثل هذا الحكم مع مخالفة الأصحاب له ، إذ كاد ان يكون إجماعيّا ، فإن الموجود في العبارات التي رأيناها خلاف ذلك بعيد جدا ، لما مرّ.

على انه قال من قبل بوجود الأدلّة المعتبرة لمذهب ابن الجنيد وهو الاستتابة مطلقا.

وانه لا مقتضى لتقييدها بغير الفطري سوى الشهرة ومعلوم عدم حجيّتها ، بل عدمها فيما نحن فيه ، فان المشهور استتابة ولد المرتدّ ، بل لم يعلم خلافه.

وان قول الدروس : فالظاهر انه مثل قول غيره من انه بحكم المسلم ، وأطلق عليه المسلم بناء على ظاهر الحال ، أو لأنه بحكم المسلم قبل البلوغ عندهم وقد صرحوا بذلك فليس لازمه حكم الفطري ، فتأمّل.

وامّا قتل المسلم به سواء كان قبل بلوغه وإسلامه أو بعده ما لم يحكم بكفره

__________________

(١) الى هنا عبارة شرح الشرائع (المسالك).

٣٣٠

ولو ولد بعد الردة من مسلمة فهو بحكم المسلم.

وان كانت مرتدّة والحمل بعد ارتدادهما فحكمه حكمهما لا يقتل المسلم بقتله.

______________________________________________________

بعد بلوغه ، فكأنه للإجماع ، والظاهر ان ولد المسلم حكمه حكم المسلم في نحو ذلك ، ولعموم (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) (١) ، (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٢) وأمثال ذلك فلا يلزم منه كون حكم المرتدّ الفطري فيه كما عرفت.

قوله : «ولو ولد بعد الردة إلخ» أي لو ولد الولد من مسلمة وأبوه مرتدّ ، فذلك الولد بحكم المسلم ، فان كان ذكرا فهو بحكم مسلم ذكر ، وان كان أنثى فهي بحكمها ، فيما ذكرناه لا مطلقا ، سواء صارت الامام بعد الولادة مرتدّة أم بقيت على إسلامها.

بل الظاهر ـ بناء على ما تقدم ـ انه إذا علق الولد واحدهما مسلم ، فالولد بحكم المسلم فيما قلناه ، وان ارتدّا أو ارتدّ أحدهما بعد ذلك بفصل أو بلا فصل بعد تحقّق الحمل حال الإسلام في نفس الأمر وان كان العلم بذلك حصل بعد الارتداد.

قوله : «وان كانت مرتدّة إلخ» يكفي وان كان الحمل بعد ارتدادهما أي لو حصل الولد والحمل بعد ارتدادهما وقبل التوبة فهو مثلهما ، الذكر مثل الأب ، والأنثى مثل الام بمعنى انه كافر نجس مع ثبوت نجاسة المرتدّ ، ولا يقتل به المسلم ، وديته دية الكافر لا انه أيضا مرتد مثلها ملي مع كونهما كذلك أو فطري لو كانا أو أحدهما كذلك بمعنى انه يقتل بعد بلوغه أو قبله ولا يسمع توبته ، فان (٣)

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) البقرة : ١٩٤.

(٣) تعليل لقوله قدّس سرّه : لا انه إلخ.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك بعيد جدا ، بل ان كانا عالمين بالتحريم ، يكون ولد زنا.

فيحتمل ان لا يكون حكمه حكم أبويه في النجاسة وغيرها أيضا ، للأصل ، وعدم كونه ولدهما وملحقا بهما شرعا ، ولا ولد شبهة فيكون مثلهما بالمعنى الذي تقدم.

فهو أيضا مؤيّد لما قلناه ، من ان معنى قولهم : انه بحكمه (انه بحكمة ـ خ) في الجملة لا في جميع الاحكام فافهم.

والظاهر ممّا تقدم اشتراط كونه بحكمها في الارتداد ، بقائهما كذلك الى حال البلوغ ، فلو أسلما أو أسلم أحدهما لحق به الولد ، في الإسلام ، فصار حكمه حكم المسلم.

وإذا صار الولد الحاصل من المرتدّين ـ حال الحصول بحكم المرتدّ بالمعنى الذي ذكرناه مثل عدم قتل المسلم بقتله ـ هل يجوز استرقاقه أم لا؟ فيه اشكال عند المصنف.

قال في الشرح : المراد بقوله : (وان كانت مرتدّة) الزوجة وانها حامل من (مرتدّ) والمراد بالمرتدّ هاهنا ، عن علّة ، ومبنى المسألة على ان المتولد بين المرتدّين ، هل هو كافر أصليّ أو مرتد كالأبوين ، أو مسلم؟ لأن حرمة الإسلام باقية في المرتدّ ، والمسلم يعلو ولا يعلى عليه (١) فعلى الأوّل يسترقّ ، وعلى الأخيرين ، لا ، والمراد بقوله : (حكمه حكمهما) في بعض الوجوه ، إذ هما لا يسترقّان قطعا (وفي استرقاقه إشكال) ينشأ من تولّده بين كافرين غير ذميّين ، وكلّ من كان كذلك يجوز استرقاقه ، وفي الكبرى منع ، ومن تحرمه بالإسلام المانع من الاسترقاق ، ولانه لا ينقص حاله عن أبويه وهما لا يسترقّان ولقوله عليه السّلام (كلّ مولود يولد على

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٢٦ وج ٣ ص ٤٩٦ ولا حظ ذيلهما وفيه وفي الشرح : (الإسلام إلخ).

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الفطرة) (١) ويحتمل الاسترقاق ان ولد في دار الحرب ، وعدمه ان ولد في دار الإسلام عملا بأصالة الدارين وأغلبيّة أحكامهما ، والأوّل ذكره في كتاب المرتدّ من المبسوط والخلاف مصرحا بعدم الفرق بين الدارين ، محتجّا في الخلاف بعموم الأدلّة من الكتاب والسنة على جواز استرقاق ذريّة الكفار ، والثاني فتوى كتاب قتال أهل الردة من المبسوط ، وصرّح بعدم الفرق أيضا ، وتبعه المحقق إلّا في التصريح ، والثالث فتوى كتاب قتال أهل الردّة من الخلاف محتجّا بإجماعنا وأخبارنا ، ويلوح من كلام ابن الجنيد تفصيل آخر في الكينونة في دار الحرب وعدمها فإنه قال : ومن كان من ولد المرتدّ حاضرا مع العسكر (معه في العسكر ـ خ) وقت الحرب استرق (٢) (انتهى).

كون المراد بالمرتدّة ، الزوجة والحامل من المرتدّ ظاهر لا يحتاج الى البيان.

وكون المراد المرتدّ عن ملّة ، يحتاج الى البيان ، فان كان بسبب ان الفطري ينفسخ عقده ويحرم عليه زوجته ، فالملّي أيضا قبل التوبة كذلك.

وكونها تحرم عليه في الأوّل أبدا ، بخلاف الثاني ، ليس بمؤثّر ، فتأمّل.

ثم في البناء عليه أيضا خفاء ، فان الظاهر من انه لا خلاف ولا إشكال في عدم جواز قتل المسلم به انه ليس بمسلم ، كيف يكون مسلما ولا يقتل به مسلم.

وأيضا يبعد كون الحاصل من الكافرين ، مع كونه ملحقا بهما وولدا شرعا لهما ، يكون مسلما فإنه ليس بحقيقيّ فانّ الفرض قبل البلوغ ، لان بعد البلوغ ان أسلم فلا شك في انه مسلم ، وان لم يسلم فهو كافر.

والرواية غير معتبرة السند وان كانت مشهورة ولا ظاهرة المعنى.

وأيضا كونه كافرا بعيد ، فان الكفر الأصلي لا سبب له أصلا ، وكذا

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٣٥.

(٢) الى هنا كلام الشارح.

٣٣٣

وفي استرقاقه إشكال.

ويحجر الحاكم على أموال المرتدّ لئلا يتلفها ، فان عاد فهو أولى بها ، وان التحق بدار الحرب ، احتفظت.

______________________________________________________

الارتداد لعدم سبق الإسلام فلا يبعد ان لا يحكم عليه بشي‌ء حتّى يبلغ ويختار شيئا ويكون طاهرا بحكم الأصل ويقتل به قاتله ، وان كان حرّا مسلما للنّفس بالنّفس (١) ونحوه وعدم ظهور عدم الكفر واشتراطه في الكل ، فتأمّل.

وأيضا ، الفرق بدار الحرب وغيره ليس بمعتدّ به ، فان الدار لا يكفر ولا يسلم وهو ظاهر.

والإجماع والاخبار غير ظاهر ، واختار عدم التفصيل في المبسوط وموضع آخر في الخلاف.

وما نعرف عموم الأدلّة الدالّة على استرقاق ذريّة مطلق الكافر حتّى المرتدّ.

وتفصيل ابن الجنيد أيضا غير ظاهر.

وكذا تحرير الاشكال بعد تحقيق المبنى وعدم مدخليته فيه.

وأيضا لم يظهر فائدة لذكر المبنى مع عدم تحقيق الحق فيه ، فتأمّل.

قوله : «ويحجر الحاكم إلخ» أي لا يخرج أموال الملّي عن ملكه ، بل يمنع الحاكم ويجعل المرتدّ ممنوعا ومحجورا عليه من التصرف في أمواله لئلّا يتلفها وجوبا على الظاهر كما يمنع سائر المحجورين عليه مثل الصبي والسفيه والمفلّس فإنه قد تعلّق بغيره في الجملة ، فإن تاب ورجع الى الإسلام فهو أولى بماله يفعل به ما يريد كالبالغ الرشيد بعده ، والمفلّس بعد زوال فلسه.

فالظاهر ان زواله لم يحتج الى حكم الحاكم كما في غيره.

قال في شرح الشرائع : (قوله : ويحجر الحاكم على أمواله لئلّا يتصرف فيها

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإتلاف ، فإن عاد فهو أحقّ بها) ظاهرها (ظاهر هذه ـ خ) توقف الحجر على حكم الحاكم ، وهو احد الوجهين في المسألة ، ووجهه ان الارتداد أمر اجتهادي يناط حكمه بنظر الحاكم.

وقيل : يحصل الحجر بنفس الردّة ، لأنها العلّة ، فوجودها يستلزم ثبوت المعلول وهذا أقوى وهو اختيار العلّامة في القواعد والشهيد في الدروس.

ذلك ليس بظاهر فإنه للحاكم ، الحجر ، سواء كان هو محجورا عليه بدونه أم لا كالصبيّ.

ودليله أيضا غير ظاهر ، إذ كون الارتداد اجتهاديّا لا دخل له في المطلوب ، فان الكلام في انه بعد ثبوت الارتداد هل هو محجور عليه بمجرده أو يحتاج الى حكم الحاكم؟ ثم اختيار مذهب القواعد والدروس من غير ردّ (١) ودليل عدمه ، غير جيّد ، فكأنه ترك للظهور كما أشرنا إليه فمختاره جيّد ان ثبت استقلال عليّة الارتداد للحجر ، وهو أوّل المسألة فإن المنازع لا يسلم ذلك ، والّا فلا مقتضى للنزاع وهو ظاهر ، فكان عليه بيانه.

وان التحق المرتدّ بدار الحرب يحفظ الحاكم ماله ويبيع ما يتلف ويليق بحاله البيع مثل الحيوان ، فان تاب ورجع فهو له ، وان مات صار ملكا لوارثه كما إذا كان عندنا.

وان لم يتب ولم يرجع ، فيحتمل ان يكون فيئا له عليه السّلام ، وان يكون لوارثه ، كالفطري ، فتأمّل.

واعلم ان دليل حجر المرتدّ الملّي عن ماله غير ظاهر ، فإنه مالك حرّ بالغ رشيد الّا ان يكون إجماعا أو نصّا ، ما رأيتهما.

__________________

(١) في نسختين : من غير ورود دليل عدمه.

٣٣٥

والمرأة المرتدّة لا تقتل وان كانت عن فطرة ، بل تحبس دائما وتضرب أوقات الصّلوات.

______________________________________________________

قوله : «والمرأة المرتدّة إلخ» تدلّ على حكم المرأة مرسلة الحسن بن محبوب عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام (في حديث) : والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام (كا) استتيبت ، فان تابت ورجعت ، والّا خلّدت في السجن وضيّق عليها في حبسها (١).

ورواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام ، قال : إذا ارتدّت المرأة عن الإسلام لم تقتل ، ولكن تحبس ابدا (٢).

وصحيحة حماد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في المرتدّة عن الإسلام؟ قال : لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام والشراب الّا ما يمسك نفسها وتلبس أخشن (خشن ـ يب) الثياب وتضرب على الصلوات (٣).

وليس استخدام الخدمة الشديدة في كلام الأصحاب ، ولعلّه رأي الامام والحاكم أيضا ان رآه ، زجرها عن الكفر.

وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يخلّد في السجن إلّا ثلاثة ، الذي يمسك على الموت ، والمرأة المرتدّة (ترتد ـ ئل) عن الإسلام ، والسارق بعد قطع اليد والرجل (٤).

ورواية عباد بن صهيب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : المرتدّ يستتاب ، فان تاب ، والّا قتل ، والمرأة تستتاب ، فان تابت ، والّا حبست في السجن

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٦ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٥٠.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٩.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٩.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٩.

٣٣٦

ولو تكرّر الارتداد قتلت (قتل ـ خ) في الرابعة.

وما يتلفه المرتدّ على المسلم في الدارين يضمنه قبل انقضاء

______________________________________________________

وأضرّ بها (١).

قوله : «ولو تكرر الارتداد إلخ» أي لو تكرر الارتداد من الرجل بان ارتدّ الملّي ثم تاب ثم ارتدّ ثم تاب وهكذا الى الثلاثة ، فإن ارتدّ في المرتبة الرابعة لا يطلب منه التوبة بل يقتل.

كأنه بناء على ما تقدم من ان صاحب الكبيرة يقتل في الرابعة.

وقيل : في الثالثة لصحيحة يونس بن يعقوب (٢) وغيرها من الروايات الكثيرة في قصاص شارب الخمر ، فتأمّل.

وكأنّ مراد الشرائع : (وروى أصحابنا انه يقتل في الثالثة) هي صحيحة يونس المتقدمة.

لا ما ذكره جميل أيضا بعد نقل روايته عن أحدهما عليهما السّلام في رجل رجع عن الإسلام قال : يستتاب ، فان تاب ، والّا قتل ، قيل لجميل : فما تقول ان تاب ثم رجع عن الإسلام؟ قال : يستتاب فقيل : ما تقول ان تاب ثم رجع ثم تاب ثم رجع؟ فقال : لم أسمع في هذا شيئا ، ولكنه عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحدّ مرّتين ثم يقتل بعد ذلك (٣).

كما احتمله في شرح الشرائع ، لأن المراد بالرواية ، الرواية عن أهل البيت عليهم السّلام الذي روايتهم حجة ، لا ما ظنّه الجميل.

قوله : «وما يتلفه المرتدّ إلخ» أي كلّ ما أتلف المرتدّ المسلم من الأموال

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٥٠.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٣.

(٣) أورد صدرها في الوسائل (إلى قوله) والا قتل في باب ٣ حديث ٣ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٧ فراجع لتمامه فروع الكافي ج ٧ طبع جديد حديث ٥ والتهذيب ج ١٠ طبع جديد حديث ٥ ص ١٣٧.

٣٣٧

الحرب وبعده بخلاف الحربي على إشكال.

______________________________________________________

والأنفس والأطراف ، والجراحات ، يضمنه وعليه الخروج عن عهدته بنفسه وبماله ، أو صدر منه ذلك ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وسواء ، الإتلاف في حال الحرب أو قبله أو بعده بلا اشكال ، بخلاف الحربيّ ، فإنه إذا أتلف في دار الإسلام أو في دار الحرب لا يضمن على اشكال عنده.

والظاهر ان الاشكال في المال فقط وان كان ظاهر عباراتهم أعم كبعض الأدلّة.

قال في الشرح : أمّا الحربيّ : ففي المبسوط : لا ضمان عليه ، لعدم التزامه الاحكام الإسلاميّة ذكره في فصل المرتدّ ، وفي فصل البغاة : ادعى الإجماع على ضمانه بعد إسلامه والشيخ نجم الدين احتمل ضمانه في داري الإسلام والحرب لحصول سبب الغرم وهو الإتلاف للمال المعصوم بغير حقّ وعدم التزامه ، لا ينفي عدم إلزامه ، والمصنف في غير هذا الكتاب لم يتردّد في ضمانه في دارنا بل في دارهم ، ووجهه ظاهر ، لانه بدخوله دارنا التزم أحكامنا (مها ـ خ) بخلاف دارهم ، وممّا ذكر نشأ الاشكال ، وحاصله عدم الالتزام بالأحكام الإسلاميّة وادعى الشيخ الإجماع وحصول سبب التغريم ثم اعلم ان وقوع تضمينه امّا بعد الإسلام أو بعد الاستيمان ويبعد من دونهما (١).

ولا يخفى ان لا دخل للالتزام ، فان المسلم أيضا إذا لم يلتزم ويقول : أنا ما أقبل أحكامه ، لا يسقط عنه ضمان ما أتلفه ، فإن الحكم في شرع الإسلام أن المال المعصوم ، مضمون على المتلف مطلقا ، فهو الوجه مطلقا ، سواء كان في دار الحرب وغيره.

وان الضمان لا خصوصيّة له ببعديّة وقوع الإسلام والاستيمان فمتى حصل القدرة على أخذه منه يؤخذ ، فتأمّل.

__________________

(١) إلى هنا كلام الشارح الّذي نقله عنه هذا الشارح قدّس سرّه.

٣٣٨

ولو جنّ بعد الردّة من غير فطرة لم يقتل.

ولو تزوّج بمسلمة أو كافرة لم يصح.

وكلمة الإسلام : اشهد ان لا إله إلّا الله ، و (اشهد ـ خ) أنّ محمّدا رسول الله.

______________________________________________________

قوله : «ولو جنّ بعد الردّة إلخ» أي لو جنّ المرتدّ الملّي قبل التوبة لم يقتل ، فإنه لا يقتل الّا بعد ان يستتاب ولم يتب ، وحينئذ لم يعلم توبته ولم يستتب ، لجنونه.

ويحتمل قتله ان كان عروض الجنون بعد الاستتابة ومضى مدّتها ، لأنه حينئذ وقت قتله ، ووجد سبب قتله ، فلا يمنع الجنون انه إذا قتل ووجب قتله قصاصا ثم جنّ ، وغيره ممّا مرّ من عروض الجنون بعد تحقّق سبب الحدّ.

ولأنه صار كالفطري ، فان عروض جنونه لا يمنع من قتله لتعيّن قتله.

ويحتمل هنا العدم ، للأصل ، والاحتياط في الدماء ، والشبهة الدارئة للحدّ كما سيجي‌ء ، فإن القتل أيضا حدّ ، وارجاء توبته ان لم يقتل ، فان الظاهر انه يقبل توبته وان حصلت بعد مضيّ مدّتها فحين قتله مجنونا ، يحتمل ان لو كان عاقلا لتاب قبيله بنفس ، فتأمّل.

قوله : «ولو تزوّج إلخ» وجه عدم صحّة تزويجه أمّا بالمسلمة فظاهر ، فإنه كافر كيف يتزوّج بالمسلمة ، وامّا بالكافرة ، فلوجود حرمة الإسلام فيه ، فتأمّل.

ويحتمل ان يكون وجه عدم التزويج مطلقا بكافرة أصليّة أو مرتدة أو مسلمة ، الإجماع أو النصّ ، وما عرفتهما.

وانه ينفسخ نكاحه بالنصّ والإجماع على الظاهر ، فلا يصحّ استدامته فالابتداء كذلك ، بل أولى ، لأنه أقوى ، فتأمّل.

قوله : «وكلمة الإسلام إلخ» كون ذلك كلمة الإسلام منصوص (١)

__________________

(١) راجع أصول الكافي ج ٢ باب دعائم الإسلام حديث ٢ ـ ٦ ـ ٩ ـ ١٣ ص ١٨ ، وباب ان الايمان يشرك الإسلام حديث ١ ص ٢٥ طبع الآخوندي.

٣٣٩

ولو جحد عموم نبوته (صلّى الله عليه وآله) أو وجوده نبّه على ذلك.

______________________________________________________

ومجمع عليه الأمّة.

ولهذا اكتفى بها وترك مقاتلة من يقولها ، وإجراء أحكام المسلمين عليه كما كان يفعله صلوات الله عليه وآله ، وبعده خلفاءه.

والظاهر منها ان الحكم بالإسلام ، لا يحتاج الى العلم بأنه يعتقد معناها ، بل يكفي التكلّم بها بعد معرفته ، مع عدم العلم بعدم اعتقاده ذلك وعدم كونه على سبيل الاستهزاء والتمسخر ونحوه ممّا يدلّ على عدم اعتقاده مثل تقليد المسلم.

وانه لا يحتاج الى الدليل والبرهان ، ولا الى غير ذلك من اللوازم والاعتقاد بصفاته الثبوتية والسلبيّة ، وكذا الصفات التي تعتبر في النبي صلّى الله عليه وآله مثل العصمة.

ويؤيّده أنه لم يحكم بكفر من لم يقل ببعض تلك الصفات إجماعا مثل من قال بالجبر والتشبيه ومن لم يقل بأنه عدل وحكيم ، فتأمّل.

لعلّ المراد ان المرتدّ إذا تاب يكفي في توبته ان يقول ذلك ، ولكن إذا كان الارتداد بغير إنكار الإله والوحدة والرسالة لا يكفي ، ولا بدّ من ضمّ إثبات ما أنكر مثل إنكار فريضة الصلاة.

ويمكن ان يقال : عموم الرسالة وجميع ما له دخل في الإسلام ، داخل فيها ، فتأمّل.

قوله : «ولو جحد عموم نبوّته إلخ» لما كان في عموم نبوّته صلّى الله عليه وآله خفاء ، لا يحكم بمجرد إنكاره على ارتداده لاحتمال ذهوله وغفلته عنه بل ينبّه على ذلك ويعلم به بان يقال : قال الله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا كَافَّةً لِلنّاسِ) (١) وَ (رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢).

__________________

(١) سبأ : ٢٨.

(٢) الأنبياء : ١٠٧ والآية (وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).

٣٤٠