مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

والأقوى ، الحكم بارتداد من استحلّ شرب الخمر ، فيقتل من غير توبة إن كان عن فطرة ولا يقتل مستحلّ غيره بل يحدّ.

______________________________________________________

تلك الشهادة ـ مع عمومها ـ كافية في إثبات الموجب الذي هو بعض ما ذكر مع بناء الحدّ على التخفيف والاحتياط وإسقاطه بالشبهات.

الا ترى انّه إذا أقرّ بموجب صريحا ، يشير اليه الحاكم ويلوّح بما يأوّل ذلك وينكر ولم يقرّ ، على ما مرّ في حدّ الزنا.

والثاني (١) أبعد فإن الذي يسكر غيره قد لا يكون مسكرا حراما ، لاحتمال انحراف مزاج الغير ولا شك انه لو ادعى عدم العلم أو الإكراه والضرورة يسمع منه فينبغي دفع ذلك كلّه حتى تحقق ما يوجب الحدّ ولا ينبغي البناء على ان الأصل عدم تلك الأمور ، وانّه لو كانت لذكرها ، فانّ بناء الحدّ على التخفيف ، يقتضي الالتفات الى هذه الأمور ، إذ قد لا يعرف انّه يسمع منه دعوى ذلك.

وبالجملة ، ان كان لهم على ذلك دليل من نصّ أو إجماع ، والّا فبمجرد ما ذكر الحكم مشكل ، فتأمّل.

قوله : «والأقوى الحكم إلخ» قد اختلف في انّ مستحلّ شرب الخمر كافر ومرتدّ أم لا؟ فقال به بعض الأصحاب ، لأن تحريمه مجمع عليه الأمّة ، ومن ضروريات الدين فيكون المسلم المنكر له مرتدا.

فان كان فطريا يقتل من غير استتابة ، وان كان مليا ـ أي غير فطريّ ـ يستتاب فان تاب ، والا قتل.

ولم يذكره المصنف لظهوره ، ولانه يعلم من قوله : (فان رجع إلخ) ، وسيجي‌ء تفصيل حكم المرتد.

ونقل عن الشيخين وابتاعهما عدم الحكم بارتداد من استحلّ شرب الخمر ، بل قالوا : انه يستتاب مطلقا ، فالشارب يحدّ عندهم مطلقا ، فان كان مستحلّا

__________________

(١) يعني قده بالثاني ان يقول الشاهد : شرب ممّا شربه غيره فسكر كما مثل به في أول هذا البحث.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

يستتاب فان تاب فالحدّ فقط ، والّا فالقتل على ما تقرر من قتل من يستحلّ محرّما بعد العلم به.

ودليلهم ، الأصل ، وانه ما صار ضروريا بحيث يعرفه كلّ احد ، ولم يمكن الجهل به ، فان كثيرا من أهل القرى يعتقدون حلّه ، فيمكن في حق من أنكر تحريمه ذلك فلا يحكم بارتداده لذلك.

والحق ان يقال : ان كان المنكر ممن أمكن في حقه عدم علمه بتحريمه وان كان بعيدا يقبل للاحتياط ، والدرء ، والأصل ، ولبعد إنكار من هو عليه شعار المسلمين ، وعلى ظاهر الإسلام ينكر ، علم تحريم شي‌ء في شرع الإسلام ، بل لا يمكن ذلك حقيقة ، بل بحسب الظاهر أو الخروج عن الإسلام وعدم الاعتقاد بحقيقته له مهما أمكن حمله على الإمكان والصحّة ، وان كان بعيدا يحمل عليه فلا يكفر ، ولا يقتل وان لم يمكن.

مثل ان يكون رجلا من أهل العلم والمعرفة بأحكام المسلمين وكتاب الله والأخبار ، فيحكم بارتداده وكفره ويجري عليه أحكام المرتد التي ستجي‌ء ، لأنّه علم من حاله ثبوت التحريم في الشرع ، فإنكاره إنكار الشرع وردّه وعدم القول به فلا شك في كفره وهو ظاهر ويمكن الجمع بين القولين فتأمّل هذا في الخمر.

وامّا غيرها من المسكرات مثل النبيذ وغيره ممّا تقدم فلا يقتل مستحلّه ولا يكفر ، لعدم ظهور تحريمه بحيث لم يكن مخفيا عليه فيحكم بالخفاء ولم يحكم بالكفر والقتل للأصل ، والاحتياط ، والدرء ، والبعد.

نعم يحدّ وإن استحل ، لعموم أدلة شارب ذلك ، فلا يعذر مدعي جهله ، هذا ظاهر كلامهم.

ويمكن ان يقال بعدم الفرق على ما حقّقنا ، فإنه ان كان مستحلّ غير الخمر من المسكرات المحرّمة ممن علم تحريمه ولم يخف مثله على مثله ، يكفر ويقتل لعين ما مرّ ، فانّ دليل الكفر والقتل هو ردّ الشرع وإظهار عدم حقيّته ، فإنه بعد ان علم انه

٢٠٢

وبايع الخمر مستحلّا يستتاب ، فان رجع ، والّا قتل.

______________________________________________________

يحرم في الشرع فليس تحليله الّا ردّ الشرع وهو ظاهر.

وهو جار في كلّ محرم ، بل في الأحكام كلّها وان لم يكن إجماعيّا ولا ضرورّيا ، بل مسألة خفيّة في غاية الخفاء ولكن علم ذلك المنكر انّه من الشرع وان مقتضى الشرع تحريمه أو وجوبه أو ندبيته أو كراهته أو اباحته علما يقينيّا لا يحتمل التغيير ثم أنكر ذلك.

الّا ان يظهر ان فهمه وعلمه الأول كان غلطا وهو خلاف الفرض ، فيخرج عمّا نحن فيه وانّما فرض العلماء ذلك في الضروري ، والمجمع عليه لحصول العلم ، فإنّه ممّا لا يخفى على احد من المسلمين الّا من يدعي شبهة محتملة في حقه فيسمع ، والّا فالحكم كلّي كما أشرنا إليه ، فافهم.

ثم في تحديد مطلق المستحلّ غير الشرب أيضا تأمّل فإن الجاهل قد يعذّر للأصل والدرء والاحتياط وبناء الحدود على التخفيف وغير ذلك كما مرّ.

ويؤيّده ما تقدم في الرواية انّ أمير المؤمنين عليه السّلام ما حدّ شخصا ادعى جهلة بتحريم الخمر حيث ذهب به أبو بكر وعمر مع الجماعة للاستفتاء عن حكمه وأمر بأن يدار به على المهاجرين والأنصار ويسأل هل أحد قرأ عليه آية تحريم الخمر وفعلوا؟ وقال ما قرأ عليه احد ذلك (١) ، فتأمّل.

قوله : «وبايع الخمر مستحلّا إلخ» بيع الخمر حرام ، للنصّ بل الإجماع فإن استحلّ احد بيعه يستتاب أي يقال له : هذا حرام فلا تفعل وتندم عمّا فعلت ، فان لم يعرف ولا يحصل له العلم بمجرد القول لذلك ، يثبت له بالدليل بحيث يعلم ذلك ويفيد له اليقين ، فان قبل وتاب والّا قتل ، لانّه مرتد وكافر ، فإنّه بعد ان ثبت عنده انّه من الشرع بالدليل اليقيني ـ لانه الفرض ـ أنكر ، فأنكر الشرع وردّه.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب حدّ المسكر ج ١٨ ص ٤٧٥ والحديث منقول بالمعنى فلا حظ.

٢٠٣

ويعزر لو لم يستحلّ.

وما عداه يعزر وان استحلّه ولم يتب.

والتوبة قبل البيّنة تسقط الحدّ لا بعدها.

______________________________________________________

ولو باعه ولم يستحلّ ذلك يعزّر كما في سائر المحرّمات.

هذا في الخمر ، وامّا بائع غيره من المسكرات ، بل المحرّمات التي لا يجوز بيعها فلا قتل عليه وان استحلّه ولم يثبت ـ إذ لا ارتداد ـ لثبوت الخلاف بين المسلمين في تحريم ذلك فليس بإجماعي ولا ضروري ، فيمكن خفائه عليه ، فليس ذلك موجبا للارتداد الموجب للقتل.

ولهذا ، بعض العامّة قائل بتحليل النبيذ مثلا ، فليس عليه القتل والحدّ بل يعزّر كما يعزّر فاعل سائر المحرّمات ان لم يعتقد تحليله بشبهة اجتهاد أو تقليد وان كانا باطلين في نفس ، هذا ظاهر كلامهم.

وقد مرّ ما يفهم منه التأمّل في ذلك من انّه ان صار معلوما عنده انّه من الشرع يكفر ويقتل وانه انما فرض ما ذكروه في الضروري والمجمع عليه لحصول العلم فيه غالبا وعدم إنكاره إلّا بعد العلم كما مرّ في الحدّ.

واعلم انّ الظاهر انّ العلم بالمكلف به والموجب للعقاب شرط للتكليف بمعنى العقاب بتركه في الدنيا والآخرة لقضاء العقل به مع بعض المنقول.

وليس يعني أنّ العلم شرط التكليف ، انّ الشرط هو صلاحيّة العلم لا العلم به بالفعل والا يلزم الدور ، إذ لا يلزم الدور (إذ لا دور ـ خ) على ما قلناه وتحقيق البحث في الأصول فارجع إليه فتأمّل فيه.

وكذا الكلام في التعزير لانّ تعزير من لم يعلم حرمة شي‌ء وعقابه بأنه فعل حراما بعيد فتأمّل الّا ان يعلم التحريم ويقصّر فيعزر على ذلك فتأمّل فيه.

قوله : «والتوبة قبل البيّنة إلخ» الظاهر انّ لا خلاف في سقوط الحدّ ،

٢٠٤

وبعد الإقرار قيل : يتخيّر الامام ، وقيل : يجب الحدّ هنا.

______________________________________________________

بل التعزير أيضا بالتوبة قبل ثبوته عند الحاكم المستوفي ، فلا يترتب على إقراره أو البيّنة بعدها ، اثر ، بل يمكن تعزير المدّعي والمبيّنة أيضا لأنّه إثبات فسق للتائب.

مع انّ التوبة مسقطة للذنوب بالإجماع المنقول في مجمع البيان والنصّ كتابا وسنّة ، انّ الله يقبل التوبة عن عبادة (١) ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له (٢) ، وهو كثير حدا فيسقط عقوبة الدنيا أيضا ، فتأمّل.

اما بعد ثبوته ، فالمشهور انّه ان كان السقوط بالبيّنة لم يسقط ، وعند أبي الصلاح انّه يسقط.

وجه الأول انه بعد ان ثبت بحكم الشرع موجب الحدّ فلا بد من مسقط شرعيّ أنّ التائب يسقط عنه الحدّ ، وليس بالفرض.

ولعل دليل أبي الصلاح ما تقدم من ان التوبة مسقطة للعقوبة الأخرويّة فكذا الدنيوية.

وفي الملازمة بحث.

وامّا بعد الإقرار فالمشهور انّه مخيّر بين الاسقاط والعفو ، وبين إجرائه قالوا : لأنّ التوبة بعد الإقرار مسقطة لتحتم أقوى العقوبتين ، وهو الرجم وأقوى الذنبين ، وهو الزنا ، فاضعفهما ـ وهو الجلد والشرب ـ بالطريق الاولى.

وأجيب بأنّ توبته موضع التهمة ، وبأنّه قد يكون سقوط الأقوى للمبالغة في حفظ النفس ، وعدم القتل ، وإهلاك النفوس ، فلا يلزم من سقوط مثله ، سقوط ما ليس كذلك مثل الجلد والتعزير.

قد يقال : إنّ الحدود مبني على التخفيف والاحتياط ، ويسقط بأوّل شبهة.

__________________

(١) لعل نظره قدّس سرّه الاقتباس ، والّا فالآية الشريفة هكذا (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) ـ التوبة : ١٠٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) ـ الشورى : ٢٥.

(٢) الوسائل باب ٨٦ حديث ٨ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ٣٥٨.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجاب في الشرح عن كون توبته موضع التهمة ، بأنّ الفرض تحقق التوبة الحقيقيّة.

ويمكن ان يقال : الفرض انّه إذا تاب ولم يظهر فساد توبته بوجه شرعي يسقط الحدّ عنه ويحكم بصحّة التوبة دائما ما لم يظهر خلافه كما في سائرها وهو التوبة الحقيقيّة.

ومقصود المجيب انّ ذلك دائما محلّ التهمة ، فإن مجرد التوبة في مثل هذا المقام لا يخلو عن التهمة فالتهمة ثابتة ولا يتحقق بغيرها الّا ان يفرض دائما وليس المسقط ـ على القول بإسقاطه بالتوبة ـ منحصرا في ذلك ، بل بالتوبة الشرعيّة مطلقا ، وهو أنه يظهر الندامة ولم يظهر خلافها منه ، فتأمّل.

نعم يمكن ان يقال : لا ينظر الى مثل هذه التهمة بأنّ اعمال المسلمين محمولة على الصحّة ، ولهذا تقبل شهادة التائب.

مع انّه قد يتهم كونها مقبول (لقبول ـ خ ل) الشهادة ، وانّ التوبة ان كانت مسقطة ينبغي ان تسقطه بالكلية لا تحتمه ، فان الموجب لو كان باقيا لم يسقط أصلا ، والّا فيسقط بالكليّة ، فالتخيير ليس بظاهر الوجه.

وذهب المتأخرون مثل المحقق الى عدم السقوط ، لأنّ الإسقاط بعد الثبوت يحتاج الى دليل وليس.

ويمكن ان يقال : ان السقوط بالإقرار مطلقا غير ظاهر ، نعم ظاهر ما لم يتب ، وامّا بعدها فقد يقال : انه ما ثبت ، فيكون الحدّ بعد الإقرار مطلقا غير ظاهر الحال ، فيحتمل الثبوت والبقاء وعدمه ، وتبيّن بالتوبة وعدمها ، فالثبوت غير مسلّم لا انّه ثابت ثم يسقط ، وفي العبارة (١) ـ مسامحة.

__________________

(١) يعني في عبارة الماتن رحمه الله حيث قال : والتوبة قبل البيّنة يسقط الحدّ إلخ فإن التعبير بالسقوط فرع على الثبوت مع ان الموجب للحد إذا تاب قبل البيّنة غير ثابت والله العالم.

٢٠٦

ومن استحل المحرّمات المجمع عليها كالميتة ، والخمر ، ولحم الخنزير ، والربا ، ممن ولد على الفطرة ، يقتل ، فان فعله محرّما ، عزّر.

______________________________________________________

وأيضا ، الحدود تسقط بالشبهات وهذه شبهة ، فتأمّل.

نعم ان ثبت بإقراره الحدّ عليه على كلّ حال تاب أو لم يتب ، بمثل إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، يحتاج المسقط إلى دليل.

فتأمّل في ذلك فإنّ إثبات العموم بحسب الأوضاع بحيث يكون حجّة ، مشكل مع درء الحدّ بالشبهة ، ويؤيّد السقوط الشهرة ، فتأمّل.

قوله : «ومن استحلّ المحرّمات إلخ» اعلم ان أكثر العبارات ـ حتّى عبارة بعض العامّة مثل القاضي (١) وفي شرح المختصر ـ ان من أنكر ما اجمع عليه المسلمون تحريمه مثل أكل الميتة ، ولحم الخنزير ، والربا بعد البيان والتحريم يكفر ، وقال الأصحاب : يحلّ قتله ان كان فطريا ، والّا استتيب ، فان تاب ، والا قتل.

وان أكل المحرّم المجمع عليه محرما له غير مستحلّ ، يعزّر ولا يقتل مثل فاعل سائر المحرّمات.

وقيّد البعض (٢) بما إذا صار ، المجمع عليه ضروريّا ، إذ قد يكون مجمعا عليه

__________________

(١) هو القاضي عبد الرحمن بن احمد بن عبد الغفار الفارسي الشافعي الأصولي المتكلم الحكيم المدقق ، كان من علماء دولة السلطان أولجايتو محمد المعروف ب «شاه خدا بنده المغولي» يقال : ان أصله من بيت العلم والتدريس والرئاسة وتولى القضاء بديار فارس الى ان سلّم له لقب اقضى القضاة في مدينة (شيراز) مع نهاية الاعزاز (إلى ان قال) : له شرح مختصر ابن الحاجب وهو معروف بين العلماء وله المواقف في علم الكلام الذي شرحه المحقق الشريف (إلى ان قال) : وآخر مصنفاته العقائد العضدية التي شرحها الدواني جرت له محنة مع صاحب الكرمان فحبسه بقلعة وريميان فمات مسجونا سنة ٧٥٦ (الكنى والألقاب للمحدث القمي ج ٢ ص ٤٧٢ طبع مطبعة الحيدريّة).

(٢) يحتمل ان يكون المراد من هذا البعض هو الشهيد الثاني في المسالك فإنه قال (في شرح قول المصنف) : (ومن استحلّ شيئا من المحرمات إلخ) : ما لفظه : وان كان مجمعا عليه بين المسلمين ولكن لم يكن ثبوته ضروريا فمقتضى عبارة المصنف رحمه الله وكثير من الأصحاب ، الحكم بكفره أيضا ، لأن إجماع جميع فرق

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم يصر ضروريا فلا يكفر منكره ، ولا يقتل.

قد مرّ التحقيق والبحث في ذلك وان ذلك ليس بمخصوص المحرّمات ، ولا بالمجمع عليه والضروريات ، فانّ المجمع عليه قد يكون مخفيّا عند المنكر ، بل الذي صار ضروريا من الدين أيضا بمعنى انّه يعرفه الأكثر ممن قال بالإسلام فإنّه قد يكون مخفيّا عليه.

وذلك غير بعيد ، ولهذا القائلون بذلك يقبلون شبهة من احتمل في حقه ذلك ، فينبغي أن يقال : كلّ من ثبت عنده شي‌ء وتحقّق وعلم انّه من شرع الإسلام وحكم به النبي صلّى الله عليه وآله من المحرّمات والواجبات وغيرهما ثم أنكر ذلك مثل ان قال للمحرّمات : ليس بحرام ، وللواجبات : ليس بواجبات ونحو ذلك.

بل في غير الأحكام الخمسة ـ أيضا ، فإنّه إذا علم ـ انّه قال الله ، أو النبي : العالم حادث فقال : ليس كذلك ، بل هو قديم ونحو ذلك ، كفر ، وارتدّ ، ووجب عليه أحكام الردّة المعلومة في محلّها وان لم يكن معلوما وما ثبت عنده كذلك ويكون مخفيّا عليه لم يكفر بإنكاره أيّ شي‌ء كان ، الّا انّ ذلك في المجمع عليه المسلمون (١) بعيد غالبا.

وكأنّه لذلك قال البعض بأنّ إنكار ما اجمع عليه المسلمون ، كفر ، ولمّا نظر البعض إلى انّه قد يكون المجمع عليه مخفيّا على العوام ، فلا يكون إنكاره موجبا للكفر

__________________

المسلمين عليه يوجب ظهور حكمه فيكون امره كالمعلوم ، ويشكل بأن حجّية الإجماع ظنيّة لا قطعيّة ، ومن ثم اختلف فيها وفي جهتها ونحن لا نكفّر من ردّ أصل الإجماع فكيف نكفّر من ردّ مدلوله؟ فالأصح اعتبار القيد الآخر (انتهى موضع الحاجة).

ويحتمل ان يكون المراد بعض العامة ، كما في هامش بعض النسخ المخطوطة منه رحمه الله ما هذا لفظه : وفصل ذلك بعض العامّة مثل التفتازاني في شرح الشرح (انتهى).

(١) هكذا في النسخ كلها فتأمّل في معناه.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ما لم يكن ضروريا ، فنظر الى أنّه إذ كان ضروريّا لا يمكن الخفاء عليه فيتمّ كليّة.

ولكن يحتمل مع ذلك أن يكون فيه خفاء بالنسبة الى بعض العوام الّا ان يفرض الضروري عند الكلّ أو عند المنكر ، وحينئذ يتم.

ولكن الظاهر أنّ مرادهم ، الضروري عند الأكثر والأغلب ، ولهذا قد يقيّد بعدم دعوى شبهة محتملة ، فينبغي ان يقيّد بالضروري عند المنكر ولا يسمع منه الجهل ودعوى ذلك ، فمع الإنكار حينئذ يكفر في نفس الأمر ، ويستحق القتل.

ولكن إذا ادّعى عدم ذلك وكان الشخص يحتمل في حقه ذلك وان كان احتمالا بعيدا جدّا مثل كون شخص نشأ في الإسلام وبين المسلمين وادّعى عدم علمه بتحريم الخمر يسمع لحمل قول المسلم على الصحّة مهما أمكن ، والأصل ، والاستصحاب ، وحفظ النفوس ، ولبعد ردّ مسلم الشرع والشارع وكلامه ، وكفره (فالحكم ـ خ ل) حينئذ بذلك كلّه مشكل.

نعم إذا أنكر شخص من أهل العلم أو الذي علم منه قبل ذلك العلم به فأنكر ، لا يسمع منه دعوى عدم ذلك فيحكم عليه بذلك كله ، فتأمّل.

ومنه علم أنّ من أنكر ما ثبت عنده انّه ممّا أثبته الشارع ما يكفر ويجري عليه أحكام الارتداد.

فحينئذ لو أنكر مؤمن قول إمامه الذي يعتقد عصمته ، يكفر ويرتدّ ، فالمؤمن إذا أنكر ما اجمع عليه الإماميّة بمعنى انّه علم ذلك بحيث دخل فيه قول المعصوم ثم أنكر ، يكفر ويرتد بإنكاره الإجماع الذي دخل فيه المعصوم عليه السّلام كإجماع جميع المسلمين بالنسبة إليهم ، وهو ظاهر.

بل قد عرفت انّ إنكار المسألة الخفيّة إذا كان هو عالما بها يكون إنكارها كفرا فكيف إنكار ما أجمع عليه الإماميّة ، وإنكار قول من يعتقد وثبت عنده عصمته.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ذلك ليس بكفر عند من لم يعتقد ولم يثبت عنده ذلك كإنكار المخالفين أحد الأئمة عليهم السّلام ، بل تقديم أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا ، بخلاف إنكار إمامته مطلقا ، فإنّه موجب للكفر والارتداد ، وكذا بغض أهل البيت عليهم السّلام الّا من يدّعي ذلك شبهة وكلّ ذلك ظاهر ، الحمد لله.

وكأنّه الى ذلك أشار الشيخ رحمه الله على ما نقل عنه في شرح الشرائع قال : وامّا مخالف ما اجمع عليه الأصحاب خاصّة فلا يكفر قطعا وان كان ذلك عندهم حجّة فما كلّ من خالف حجّة يكفر خصوصا الحجّة الاجتهاديّة الخفيّة ، ثم قال : وقد أغرب الشيخ رحمه الله حيث حكم في بعض المسائل بكفر مستحلّ ما اجمع عليه الأصحاب.

وقد عرفت انّه ما أغرب الشيخ ، فإن إنكاره إجماع الأصحاب بالنسبة إلى الإماميّ إنكار المعصوم بعد ثبوت عصمته باعتقاده فرده وإنكاره منه كردّ النبي صلّى الله عليه وآله ، وانّه لا فرق بين إنكار إجماع المسلمين وإجماع الأصحاب ، إذ لا بد من حصول العلم بحقيّته حتى يثبت كفر المنكر والّا لم يثبت وهو ظاهر وقد مرّ وجهه مرارا.

وكأنّه فهم أن الشيخ يريد إنكار المخالف أو الإجماع الظني.

ويحتمل أن يكون مراد الشيخ ما ذكرناه من كون الإجماع يقينيّا أو المنكر إماميّا ، وانّه معلوم انّ الشيخ ما ادّعى ذلك في الإجماعات ، الاجتهادية الخفيّة بالنسبة إلى المخالف أيضا والمنكر.

وقال أيضا : مستحلّ المحرّم ان كان ثبوته معلوما من الشرع ضرورة لا شبهة في كفره لأنّه حينئذ رادّ للشرع الذي لا يتحقق الإسلام بدون قبوله ولو بالاعتقاد وان كان مجمعا عليه بين المسلمين ولكن لم يكن ثبوته ضروريا فمقتضى عبارة المصنف وكثير من الأصحاب الحكم بكفره أيضا ، لأنّ إجماع جميع فرق المسلمين

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه موجب ظهور حكمه فيكون امره كالمعلوم.

ويشكل بأنّ حجيّة الإجماع ظنيّة لا قطعيّة ، ومن ثم اختلف فيها وفي جهتها ونحن لا نكفّر من ردّ أصل الإجماع فكيف نكفر من ردّ مدلوله ، فالأصح اعتبار القيد الأخير (١) وأنت ـ بعد الاطلاع على ما تقدم من التحقيق ـ عرفت ما فيه من انّه لا بد من العلم ، سواء كان القيد الأخير أم لا ، وانّ مجردة لا يكفي في الكفر ، وان عدم الشبهة إنّما هو مع العلم ، والّا ففيه الشبهة.

وكأنه بالحقيقة لا فرق بينهما.

وانّ الإجماع لما كان مظنّة العلم ، قالوا بكفر منكره ، وكذا مع قيد الضرورة الّا انّه أقرب.

وأن ردّ شي‌ء من الشرع انما يكون ردّ الشرع الموجب للكفر ، بعد الثبوت لا قبله.

وامّا الإشكال لما ذكره ، فهو غير ظاهر أيضا ، لأنّ الإجماع أيضا حجّة قطعيّة عندنا ، بل عند بعضهم وصرّح في شرح العضدي أيضا ، فتأمّل.

وان ليس الاختلاف في حجيّته بعد العلم بتحققه كيف وعندنا الامام عليه السّلام داخل فيه فإنكاره إنكار الإمام عليه السّلام فهو إنكار النبيّ صلّى الله عليه وآله وردّ للشرع.

وعندهم خطأ كلّ الأمة محال ، فإنكاره ردّ للشرع في نفس الأمر وقد قال : انّه كفر.

وانّ الاختلاف في جهة حجيّته ، لا يستلزم عدم كفر منكره.

وانّه انما يقولون بكفر منكر الإجماع إذا تحقق وكان قطعيّا لا مطلق الإجماع ، فإذا

__________________

(١) يعني بالأخير كونه ضروريا.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

كان قطعيّا ـ مثل الإجماع على ان الصلاة واجبة ، والركوع فيها واجب ونحو ذلك ـ فالظاهر كفر منكره ، ولا يلزم من عدم تكفير منكر أصل الإجماع عدم تكفير منكر مدلوله بعد ثبوته ، فتأمّل.

٢١٢

المقصد السادس

في السرقة

وفيه مطالب :

الأوّل : السارق.

وشرطه البلوغ ، فالصبيّ يؤدّب وإن تكرّر منه.

______________________________________________________

قوله : «وشرطه البلوغ إلخ» أي شرط الركن الأوّل من السرقة ومن السارق ، البلوغ ، فلو سرق الصبي فلا حدّ عليه أصلا وان فعل مرّة بعد اخرى وهكذا ، بل يؤدّب لدفع الفساد وإصلاحه لرفع القلم (١) عنه حتّى يبلغ ، وللأصل ، ولانّه لا تحريم ولا وجوب عليه ، فلا حدّ ، فإنه فرعه ، ولانّه لا شي‌ء عليه من الاحكام ، فكذا الحدّ ، فتأمّل.

وهذا هو المشهور بين المتأخرين حتّى لم يشر المصنّف هنا الى الخلاف أيضا.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٨ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٦.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن قد ورد أخبار كثيرة بحدهم الّا انّها مختلفة ، ولننقل المعتبرة منها.

وهي حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا سرق الصبيّ عفي عنه ، فان عاد عزّر ، فان عاد قطع أطراف الأصابع ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك ، وقال : اتي عليّ عليه السّلام بغلام يشك في احتلامه فقطع أطراف الأصابع (١).

يمكن كونها فيمن يمكن ، بان بلغ ولم يعلم فيكون حكمه هذا ، فتأمّل.

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الصبيّ يسرق؟ قال : يعفى عنه مرّة ومرّتين ويعزّر في الثالثة ، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن الصبيّ يسرق؟ قال : إذا سرق مرّة وهو صغير عفي عنه (فان عاد عفي عنه ـ كا) ، فان عاد قطع بنانه ، فان عاد قطع أسفل من بنانه فان عاد قطع أسفل من ذلك (٣).

وصحيحة صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الصبيان إذا اتي بهم عليّا (عليّ ـ خ ل ئل) عليه السّلام قطع أناملهم من اين يقطع؟ قال (فقال ـ ئل) : من المفصل (٤) مفصل الأنامل.

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في الصبيّ يسرق؟ قال : يعفى عنه مرّة ، فإن عاد قطعت أنامله أو حكت حتّى تدمى ، فإن عاد قطعت أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٨ حديث ٢ و ٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٣.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٢.

(٣) الوسائل باب ٢٨ حديث ٤ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٣.

(٤) الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٣.

(٥) الوسائل باب ٢٨ حديث ٧ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٤.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وغيرها من الاخبار الضعيفة كثيرة.

وينبغي العمل بالمعتبرة ، والجمع بينها بوجه إن أمكن ، والّا فالعمل بالراجح بوجه ونقل عن نهاية الشيخ ومختلف المصنف انّه يعفى عنه أوّلا ، فإن عاد أدّب ، حكت (١) أنامله حتّى تدمى فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل.

وقال في الاستبصار ـ في الجمع بين الاخبار ـ : إذا تكرر منهم الفعل دفعات كان عليهم القطع مثل ما على الرجل في أوّل دفعة ولم يجب عليهم القطع في أوّل مرّة.

ولا يخفى ان استخراج هذا من الاخبار بالجمع بينها مشكل ، فتأمّل.

ويمكن ان يقال : لا بدّ من العفو مرّة واحدة ، فإنّ الأخبار مشتركة فيها ثم يجوز العفو مرّة أخرى ، لما في بعضها من العفو مرّتين ، ويجوز عدمه والتعزير حينئذ ولو بالحكّ والإدماء أو قطع بعض الأنامل كما في بعض الاخبار ثم ان عاد قطع أسفل من ذلك ، ثم بعد العود يقطع من تحته.

ويحتمل كون هذا هو القطع الكبير.

وينبغي أن يكون هذه في المرّة الخامسة للعفو مرّتين ، فيكون التعزير بالحك ونحوه في الثالثة ، ثم القطع أسفل من ذلك رابعة ثم القطع الحقيقي في المرّة الخامسة ، فلا بدّ من ارتكاب القطع في الجملة للنصوص الصحيحة الصريحة ، ودفعا للفساد ، وانّه نوع تعزير وتأديب ، ولا شك في تجويز ذلك.

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها مخطوطة ومطبوعة ولا يخفى اضطراب العبارة فالأولى نقل عبارة نهاية الشيخ قال : ومتى سرق من ليس بكامل العقل بان يكون مجنونا أو صبيّا لم يبلغ ـ وان نقب وكسر القفل ـ لم يكن عليه قطع ، فان كان صبيّا عفي عنه مرّة ، فإن عاد أدب ، فإن عاد ثالثة حكت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد بعد ذلك قطع أسفل من ذلك كما يقطع الرجل سواء (انتهى).

٢١٥

والعقل ، فلا حدّ على المجنون.

وارتفاع الشبهة ، فلو توهم الملك فبان الخلاف.

______________________________________________________

والظاهر أنّ هذا في الصغير المميّز تمييزا تامّا ، مثل كونه بعد سبع سنين ، وكون القطع بعد تسع سنين.

لرواية محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الصبيّ يسرق؟ فقال : ان كان له سبع أو أقل دفع عنه ، فان عاد بعد السبع سنين قطعت بنانه أو حكّت حتّى تدمى ، وان عاد قطع منه أسفل من بنانه ، فان عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قطعت يده ولا يضيّع حدّ من حدود الله (١).

(وشرطه الثاني) العقل ، فلا يحدّ المجنون إذا سرق حال جنونه ، سواء كان أدوارا أو مطبقا.

ولو سرق حال إفاقته ثم جنّ فالاستصحاب يقتضي عدم السقوط.

ويحتمل السقوط لعموم مثل (وعن المجنون حتى أفاق) (٢) ، فتأمّل.

ويحتمل التفصيل بأنّه ان كان ذا شعور يدرك ، يقطع والّا فلا.

وكذا يمكن ان يقال ذلك في تأديب الذي سرق حال جنونه وكونه منوطا بحكم الحاكم ، يغني عن البحث ، فان رأي الحاكم كونه بحيث ينزجر ويحصل به نفع ، فعل ، والّا فلا.

قوله : «وارتفاع الشبهة إلخ» ثالث الشروط عدم الشبهة أي عدم شي‌ء يكون موجبا لعدم كونه سرقة ، مثل ان يتوهم انّ الذي يأخذه ملكه وظهر خلاف ذلك وكان مال الغير ، فلا حدّ ، لدرء الحدود بالشبهات.

وكذا لو أخذ خفية من المال المشترك بينه وبين الغير بظن ان الذي يأخذه نصيبه وحصته وكان زائدا ولو كانت الزيادة قدر النصاب.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٨ حديث ١٢ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٥.

(٢) لا حظ الوسائل باب ٤ حديث ١٠ من أبواب مقدّمة العبادات ج ١ ص ٣٢.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا الغنيمة ، فإذا سرق غانم من غنيمة دار الحرب شيئا ، لا حدّ عليه وان كان ما أخذه زائدا على حصّته بمقدار النصاب ، لما تقدم من الشبهة.

ورواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى عليّ عليه السّلام في رجل أخذ بيضة من المغنم (المقسم ـ خ ل ئل) وقالوا : قد سرق اقطعه؟ فقال : إنّي لم اقطع أحدا له فيما أخذ شريك (شرك ـ خ ل ئل) (١).

ورواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انّ عليّا عليه السّلام اتي برجل سرق من بيت المال فقال : لا تقطعه (لا يقطع ـ خ ئل) فان له فيه نصيبا (٢).

ورواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال عليّ عليه السّلام : أربع لا قطع عليهم ، المختلس ، والغلول ، ومن سرق من الغنيمة ، وسرقة الأجير لأنّها خيانة (٣).

وهذا الحكم هو المشهور ، والاخبار ضعيفة ولكن مؤيّدة لما تقدم من إسقاط الحد بالشبهات إلّا أنه قد دلّ بعض أخبار أخر على ثبوت الحدّ في المغنم.

مثل صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه السّلام؟ قال : (فقال ـ خ ئل) بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه (٤).

كأنّها كانت مقدار ما يوجب الحدّ.

وحملها في الاستبصار على كون ذلك الرجل ممن لم يكن له في المغنم

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥١٨.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ٢ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥١٨.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٠٣.

(٤) الوسائل باب ٢٤ حديث ٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤١٨.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نصيب ، وقال : على ان الذي يسقط عنه القطع إذا سرق بمقدار ماله أو مزيد عليه بأقل ممّا يجب فيه القطع.

فاما إذا زاد على نصيبه بمقدار ما يجب فيه القطع ، وجب قطعه على كل حال.

يدل على ذلك ما في رواية ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : (وان كان الذي سرق) أي الغانم (من المغنم أكثر ماله بقدر ثمن مجنّ قطع وهو صاغر ، وثمن مجنّ ربع دينار) (١).

وما رواه يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : رجل سرق من المغنم أيش الذي يجب عليه القطع؟ قال : ينظركم الذي نصيبه؟ فان كان الذي أخذ أقلّ من نصيبه عزّر ، ودفع إليه تمام ماله وان كان أخذ مثل (ماله ـ خ) الذي له فلا شي‌ء عليه ، وان كان الذي أخذ فضلا بقدر ثمن مجن وهو ربع دينار قطع (٢).

هذه كأنّها صحيحة إذ الطريق الى يونس (٣) قالوا : صحيح ، ويونس أيضا ثقة على الظاهر وان كان في الطريق عبيدي وفيهما كلام (وـ خ) مفصّلة فيجب حمل غيرها عليها والشيخ قائل به ولكن بقي درء الحد بالشبهة وكأنّ هنا ليس كذلك إذ يمكن كونها فيمن علم انّها (ان الزيادة ـ خ) على نصيبه موجبة للحدّ فلا يكون شبهة أو يخرج عن عموم (ادرأوا) ، ولو كان سندها نقيّة من غير كلام فيه ، كان جيّدا ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ ذيل حديث ٦ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤١٩.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥١٩.

(٣) طريق الحد طريق الحديث الى يونس كما في مشيخة التهذيب والاستبصار هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن يونس بن عبد الرحمن فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمّد بن الحسن عن سعد بن عبد الله والحميري وعلي بن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرّار وصالح بن السندي عن يونس بن عبد الرحمن.

٢١٨

أو سرق من المشترك ما يظنّه نصيبه فزاد فلا قطع ، وكذا الغنيمة ، أو سرق ملك نفسه من المستأجر والمرتهن.

وهتك الحرز منفردا أو مشاركا ، فلو هتك غيره واخرج هو فلا قطع.

______________________________________________________

قوله : «أو سرق ملك نفسه إلخ» أي وكذا لا حدّ على من أخذ سرّا من عند الغير وان كان في يده على وجه شرعي مثل ان يأخذ دابّته التي آجرها غيره.

وكذا لو أخذ ماله الذي ارتهنه عند شخص من تحت يده خفية.

ودليله واضح (١) ، فانّ ذلك شبهة واضحة للإسقاط ، ولانّ ذلك ليس سرقة ، وعلى تقدير تسليم ذلك ليس بموجب ، فانّ الغرض من الحدّ حفظ أموال الناس ، ولأنّ في الروايات : (يعطى مال الناس ويقطع) (٢).

قوله : «وهتك الحرز إلخ» رابع الشروط أن يأخذه من حرزه يعني يكون المال المأخوذ في موضع يكون حرزا له عادة ، لأنّه معنى السرقة.

ويدلّ عليه خبر طلحة عنهم عليهم السّلام ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : ليس على السارق قطع حتّى يخرج السرقة (بالسرقة ـ ئل) من البيت (٣).

ويكون هو هتك الحرز وحده الّا مع غيره فلو هتكه أحد وأخذه هو لم يكن على أحدهما قطع إمّا على غير الآخذ ، فلعدمه ، وإمّا عليه فلعدم أخذه من الموضع الذي كان حرزا له عادة.

وكذا لو أخذ أحد الدراهم والدنانير المخطوطة (٤) عند شخص ، لا يقطع ونحو ذلك.

__________________

(١) في نسختين (غير واضح) بدل واضح والصواب ما أثبتناه.

(٢) لا حظ الوسائل باب ١٠ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٠٠.

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٩٩.

(٤) هكذا في النسخ فتأمّل في المراد.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كأنّ الدليل عليه هو الإجماع والاخبار.

مثل رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم السّلام قال : كلّ مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق ، فلا قطع عليه يعني الحمامات والخانات والأرحية (١).

وكذا روايته عنه عليه السّلام بهذا الاسناد ، قال : لا يقطع الّا من نقب بيتا أو كسر قفلا (٢).

وتدلّ عليه أيضا الأخبار التي تدلّ على عدم القطع على الأجير والضيف ، لأنهما أمينان خائنان لا سارقان ، فان المال لا يحفظ عنهما فما أخذا من الحرز ، فتأمّل مثل (وكيل خان مالا في يده) (٣) وسيجي‌ء.

ورواية السكوني أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : اتى أمير المؤمنين عليه السّلام بطرار (٤) وقد طر دراهم من كمّ رجل فقال : ان كان طر من قميصه الأعلى لم اقطعه ، وان كان طر من قميصه الداخل (السافل ـ خ) قطعته (٥).

ومثله رواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام (٦) ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار العامّة (٧).

ولكن يدلّ على عدم الاشتراط ظاهر الآية ، وعمومات الأخبار

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٠٩.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٠٩.

(٣) راجع الوسائل باب ١٤ و ١٧ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٠٦.

(٤) الطرّار هو الذي يقطع النفقات ويأخذها على غفلة من أهلها من الطرّ بالفتح والتشديد القطع (مجمع البحرين).

(٥) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٠٤.

(٦) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ بالسند الثاني ج ١٨ ص ٥٠٤.

(٧) راجع سنن أبي داود ج ٤ باب القطع في الخلسة والخيانة ص ١٣٨.

٢٢٠