مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

ولو كان له يمين فذهبت قبل القطع لم تقطع يساره.

______________________________________________________

يصنع به؟ قال : فقال : لا يقطع ولا يترك بغير ساق ، قال : قلت : فلو ان رجلا قطعت يده اليمنى في قصاص ثم قطع يد رجل اقتص (أيقتص ـ صا) منه أم لا؟ فقال : إنما يترك في حق الله عز وجل ، فاما في حقوق الناس فيقتص منه في الأربع جميعا وفي الاستبصار : (ولا يترك (١) بساق) وهذه مع صحتها نص في المقصود مع اشتمالها على التعليل.

فيمكن حمل الاولى وتخصيصها بما إذا كانت اليسرى موجودة لحمل العام على الخاص كما هو مقتضى القاعدة إلا أن الشهرة وعموم الآية والأخبار وكثرة القائل ، وندرة هذه ، وقلة القائل يؤيد الأول على أن لهم في الصحة تأملا ، إذ الظاهر أن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن وفيهما تأمل عندهم خصوصا فيما تفردا به.

ويمكن دفع هذا بان في طريق الاستبصار ليس فيه محمد ، ولا يونس ، بل الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج.

فالظاهر انها صحيحة وان كان الذي يظهر من الخلاصة (٢) وغيرها انه مشترك بين الصحيحة والحسنة فتأمل.

ولي أيضا تأمل في عبد الرحمن بن الحجاج ، فإنه قال في مشيخة الفقيه : كان إذا ذكر عند الكاظم عليه السلام ، فقال : انه لثقيل على الفؤاد ، وان وثق في الكتب وضعف رواية المفضل ظاهر (٣) ، وان الاخبار الدالة على تركه بلا يد ، كانت فيما إذا قطع اليمين ثم سرق ، ولا يلزم منه عدم قطع اليمنى في المرة الاولى مع عدم اليسار فتأمل.

قوله : «ولو كان له يمين إلخ» لو كان للسارق حين السرقة يمين فذهبت

__________________

(١) في الاستبصار في النسخة التي منه عندنا (لا يترك بغير ساق) ولعلها كذلك في نسخته قدس سره والله العالم.

(٢) لم نجد في الخلاصة ما يستظهر منه اشتراكه.

(٣) وقد بينا في الهامش السابق ان الرواية لم يروها المفضل فراجع.

٢٦١

ولو سرق ولا يد له ولا رجل حبس.

ولو كان له كفان قطعت أصابع (أصابعه ـ خ) الأصلية.

وتثبت بشهادة عدلين.

______________________________________________________

اليمين قبل ان يقطع بالسرقة لم يقطع عوضه يساره ، لانه قد تعلق القطع باليمين فوجب قطعه لا غير ، فمع ذهابها ما بقي محل الوجوب فسقط وما وجب قطع اليسرى بدله لتعلق الوجوب بغيرها وعدم دليل على وجوب تعويضها.

قوله : «ولو سرق إلخ» ولو لم يكن للسارق حين سرقته يد ولا رجل أصلا حبس حتى يموت كما إذا سرق في المرتبة الثالثة بعد قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، بل هنا بالطريق الأولى ، لأنه إذا كان مع بقاء يد ورجله لا يقطع ، بل يحبس ففيما إذا لم يكن شي‌ء منهما بالطريق الاولى.

فيه تأمل ، إذ لا يلزم من إيجاب المرة الثالثة الحبس دائما ، إيجاب المرة الأولى ذلك وهو ظاهر ، فالدليل هو قياس مع الفارق.

نعم لو ثبت ان السبب في المرة الثالثة هو السرقة مع عدم بقاء محل القطع يلزم ذلك ولكن أنى إثبات ذلك.

قوله : «ولو كان له كفان إلخ» لو كان للسارق على يده اليمنى التي هي محل القطع ، كفان قطعت الأصابع الأربع من الكف الأصلية.

هذا مع الامتياز ، ومع عدمه يمكن التخيير.

قوله : «وتثبت بشهادة عدلين إلخ» لا شك في ثبوت السرقة الموجبة للقطع والغرم بالشاهدين الموصوفين بشرائط قبول الشهادة لأنهما حجة شرعية عندهم. وانما لم يثبت بعض الأمور بهما ـ مثل الزنا ـ للنص والإجماع.

وكذا ثبوتها بإقرار السارق في الموصوف بشرائط قبول إقراره مرتين ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز وهو ظاهر الا انه يلزم إثباتها بالإقرار مرة واحدة أيضا.

لكنهم قالوا : لا يثبت بها السرقة الموجبة للقطع والغرم ، بل الغرم فقط أما

٢٦٢

أو الإقرار مرتين من أهله ، وبالمرة يثبت الغرم خاصة.

______________________________________________________

عدم القطع ، فللأصل والاحتياط في الحدود وكون مبناه على القطع واليقين ، واما الغرم فلأنه إقرار بالمال ويثبت المال بالإقرار مرة واحدة إجماعا ونصا ، فتأمل.

وتدل على عدم قبول الإقرار في القطع إلا مرتين ، رواية جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال : لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين ، فان رجع ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود وقال : لا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات إذا لم يكن شهود ، فان رجع ترك ولم يرجم (١).

وهذه مذكورة في التهذيب في باب السرقة مرتين.

وهي تدل على سقوط حد الرجم بالرجوع أيضا إذا كان الثبوت بالإقرار دون الشهود فلا يسقط ان كان بها.

وحمل في التهذيب ـ على التقية ـ صحيحة الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا (ان ـ ئل) أقر الرجل الحر على نفسه بالسرقة مرة واحدة عند الامام قطع (٢) ، وقال : لأنها موافقة لمذهب بعض العامة ، واما الروايات التي قدمناها في انه إذا أقر قطع ، ليس فيها انه مرة أو مرتين ، بل هي مجملة ، وإذا كانت الأحاديث التي قدمناها مفصلة فينبغي ان يكون العمل بها (٣).

وما رأيت قدم رواية في ذلك ، غير مرسلة جميل (٤) ، مع انها ربما ترد بالإرسال ، وضعف علي بن حديد الواقع (٥) في الطريق ، على ما صرح في كتب الرجال وفي التهذيب والاستبصار أيضا.

مع اشتمالها على سقوط الحد بالإنكار بعد الإقرار مرتين ، وهو خلاف ما

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب حد السرقة ج ١٨ ص ٤٨٧.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب حد السرقة ج ١٨ ص ٤٨٨.

(٣) الى هنا عبارة التهذيب.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب حد السرقة ج ١٨ ص ٤٨٧.

(٥) وسندها كما في الكافي هكذا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تقرر عندهم كما سيجي‌ء.

ويمكن ان يقال : لكن الحكم مشهور ، ويمكن جبر الضعف والإرسال بالشهرة ، وهم يفعلون ذلك كثيرا ، والاحتياط في الحدود ، والبناء على التخفيف والتحقيق ، والسقوط بالشبهة يؤيده ويمكن ان يستدل عليه أيضا برواية جميل ، رواها الشيخ ـ في التهذيب في باب حد الزنا ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين ولا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات (١).

وليس فيها الا علي بن السندي (٢) المجهول فهذه أوضح سندا وأسلم من الأولى ، فتأمل.

على ان في صحة رواية الفضيل تأملا ، لاشتراك الفضيل وأبي أيوب (٣) فإنهما مشتركان.

الا أن الظاهر انها صحيحة ، لأن أبا أيوب هو الخزاز ، وهو إبراهيم بن عيسى الثقة والفضيل هو ابن يسار الثقة ، لأنهما الواقعان في مثل هذا السند وقد صرح بهما في مواضع.

ومثلها صحيحته الأخرى ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من أقر على نفسه عند الامام بحق حد من حدود الله مرة واحدة ، حرا كان أو عبدا أو حرة كانت أو امة فعلى الامام ان يقيم الحد على الذي (عليه للذي ـ يب ـ ئل) أقربه على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن ، فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء ، فإذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة ثم يرجمه ، قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام : ومن أقر على نفسه عند الامام بحق حد من حدود الله في حقوق

__________________

(١) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب حد الزنا ج ١٨ ص ٣٨٠.

(٢) سندها كما في التهذيب هكذا : محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن السندي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل.

(٣) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب عن الفضيل.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المسلمين فليس على الامام ان يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتّى يحضر صاحب الحق أو وليه فيطالبه بحقّه ، قال : فقال له بعض أصحابنا : يا أبا عبد الله فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه أقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال : إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه ، فهذا من حقوق الله ، وإذا أقرّ على نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق الله ، وإذا أقرّ على نفسه بالزنا وهو غير محصن فهذا من حقوق الله ، قال : وامّا حقوق المسلمين ، فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّ حتّى يحضر صاحب الفرية أو وليّه ، وإذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتّى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم (١).

قال الشيخ في التهذيب ـ بعد نقلها ـ : قال محمّد بن الحسن : ما تضمّن أوّل هذا الخبر من انه يقبل إقرار الإنسان على نفسه في كلّ حدّ من الحدود الّا الزنا ، فالوجه في استثناء الزنا من بين سائر الحدود انه يراعى في الزنا ، الإقرار أربع مرّات وليس ذلك في شي‌ء من الحدود الأخر إلخ.

وهي صحيحة ، إذ ليس فيها إلّا أبي (أبا ـ ظ) أيوب ، والفضيل (٢) ، والظاهر انهما ثقتان كما مرّ.

وصريحة في الاكتفاء في الإقرار بمرّة واحدة في كلّ حدّ من حدود الله غير الزنا المحصن.

وينبغي أن يستثنى الزنا مطلقا.

وان السرقة ، والخمر ، والزنا الغير المحصن من حقوق الله.

وان الفرية من حقوق الناس.

وان كلّ ما هو من حقوق الله لا يحتاج إلى الطلب وهو خلاف المقرّر عندهم في السرقة.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٢ حديث ١ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٤٣.

(٢) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن الفضيل.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لعلّ المراد انه ليس بحق الناس محضا ، وانه بعد الترافع والثبوت لا يحتاج إلى المطالبة ، بل وان عفى صاحب السرقة ، لم ينفع.

وتدلّ على سماع إقرار المملوك أيضا مرّة واحدة بالسرقة وانه كاف للقطع وهو أيضا خلاف ما تقرّر ، لعلّ المراد إقرار المولى أيضا.

وان الزاني المحصن يجلد ثم يرجم.

وانه لا بد من الشهود الأربعة.

وانه يجوز التوكيل في مطالبة حق حدّ الفرية.

وان الامام يقتل في القصاص ، ولكن بعد طلب صاحب الدم ولا تدلّ على عدم جوازه لصاحب الدم ، فيمكن جمعها مع عدم اشتراط اذن الامام في القصاص ، فتأمّل.

وصحيحة ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة انه (قد ـ ئل) سرق قطعه ، والأمة إذا أقرّت على نفسها عند الإمام بالسرقة قطعها (١).

وهي أيضا صحيحة صريحة في قبول إقرار المملوك على نفسه بالسرقة بمرّة (مرّة ـ خ) واحدة.

وحملها في التهذيب على انضياف البيّنة ، وهو بعيد.

ويمكن حملها على اذن المولى أو إقراره أيضا.

ورواية جميل (٢) ضعيفة ، والشهرة ليست بحجّة ، والإجماع غير واقع فان المنقول عن الصدوق ، القول بالقطع مرّة واحدة ، والجبر بها مضمحل ، والبناء على التخفيف والتحقيق انما يكون مع عدم الدليل ، وكذا الاحتياط والسقوط بالشبهة.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٨٧.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٨٧.

٢٦٦

ولو رد المكره على الإقرار السرقة لم يقطع على رأي.

______________________________________________________

ويؤيّده عموم الأدلّة الدالة على قبول الإقرار مطلقا وفي السرقة أيضا بخصوصها.

مثل صحيحة الحلبي ومحمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا أقرّ الرجل على نفسه انه سرق ثم جحد (بعد ـ ئل) فاقطعه وان أرغم انفه ، وان أقرّ على نفسه انه شرب خمرا أو بفرية ثم جحد فاجلدوه (فاجلدوه ثمانين جلدة كا يب ـ ئل) ، قلت : أرأيت ان أقرّ على نفسه بحدّ (يجب فيه ـ كا يب) يبلغ الرجم أكنت راجمه؟ قال : لا ولكني كنت ضاربه الحدّ (١) وغير ذلك.

ويحتمل ان يقال : فرق بين الإقرار عند الامام وغيره ، فإذا كان عنده يحدّ بمرة واحدة ، وإذا أقرّ عند غيره وثبت ذلك عنده (عنده ذلك ـ خ) بالبيّنة فلا بدّ من مرّتين كما قال في المختلف.

وهو جمع ممكن غير بعيد بناء على القواعد ، ولكن ما نجد لذلك داعيا إلّا رواية جميل (٢).

وهي لا تصلح للمعارضة حتّى يؤوّل غيرها.

الّا ان يقال : بجبرها بالشهرة والكثرة أو يقال : ان الرواية الأخرى لجميل (٣) ليست بمرسلة ولا ضعيفة ظاهرا ويحتمل توثيق علي بن السندي (٤) فتأمّل.

قوله : «ولو ردّ المكره على الإقرار إلخ» ظاهره انّ المراد إذا أكره شخص على الإقرار بأنه سرق فأقرّ وجاء بالمال المسروق الذي انه ادّعى انه سرقه ، لم يلزمه القطع لأن الإقرار بالإكراه لم يقبل ، والمجي‌ء بالمال المسروق لا يدل على

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ بالسند الثاني من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٩.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٨٧.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٦ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٨٨.

(٤) قدمنا آنفا نقل سندها فراجع.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

السرقة ، فإن وجود المال عنده ومجيئه به أعم من السرقة ، إذ قد يكون عنده أمانة أو وجده مطروحا ، أو يكون له فجاء مكرها أو غير ذلك من الاحتمالات الكثيرة.

ويؤيده بناء الحدّ على التخفيف والتحقيق والاحتياط.

قال في الشرح : والقطع فتوى النهاية (١) ، والقاضي ، والصهرشتي ، وصاحب الجامع والمصنف في المختلف ، قال : لانه ثبت سرقته لوجود المال عنده فوجب (فيجب ـ خ) الحدّ كوجوبه على مقي‌ء (تقيأ ـ خ) الخمر لوجود سببه وهو الشرب وهو برهان انّي وفيه نظر لأنّ وجود المسبّب أعم من وجود السبب والعام لا يدلّ على الخاص ، والمسبب في القي‌ء مساو لسببه ، لاستحالة القي‌ء بدون الشرب ، والإكراه أمر خارج عن حقيقة السبب.

ثم احتج بحسنة سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام في مضروب على السرقة فجاء بعينها أيقطع؟ قال : نعم ، وإذا اعترف ولم يأت بها فلا قطع ، لانه اعترف على العذاب (٢) ثم قال :

ولك ان تقول : إنّ الإكراه هنا ليس على الإتيان بالسرقة على الإقرار فكان الإتيان بها اختيارا فجرى مجرى الإتيان بها ابتداء فيقطع وقال الفاضل والمحقق والامام المصنف في أكثر كتبه : لا يقطع لانه مكره فدخل (فيدخل ـ خ) تحت عموم قوله : (رفع) (٣) وعلى ما قلنا يظهر الجواب ، وأفاد شيخنا عميد الدين ان الرواية تدل على انه يكفي في الإقرار بالسرقة مرّة كقول الصدوق ، ولقائل أن يقول : ان الإقرار المعتبر بمرّتين مع عدم مجيئه بعينها لحصول الشك فيه وهنا لا شك فيه على انه قد روى الحسن بن محبوب في الصحيح ، عن أبي أيوب عن الفضيل قال :

__________________

(١) يعني الشيخ وعبد العزيز بن البرّاج ، وسليمان بن الحسن الصهرشتي صاحب كتاب قبس المصباح مختصر مصباح المتهجّد ، ويحيى بن سعيد صاحب كتاب جامع الشرائع.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٩٧.

(٣) راجع الوسائل باب ٣٧ حديث ٢ من أبواب قواطع الصلاة ج ٤ ص ١٢٨٤.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : من أقرّ على نفسه عند الامام بحقّ حدّ من حدود الله تعالى مرّة واحدة ، حرّا كان أو عبدا أو حرّة أو امة فعلى الامام ان يقيم الحدّ عليه للذي أقرّ به على نفسه كائنا من كان إلّا الزاني المحصن (١) (الحديث) ثم قال : وهو يدلّ على اعتبار إقرار العبد وفي تتمة الحديث انه عليه السّلام سئل عن ذلك ففسّره بالسرقة والشرب (٢).

وحملها الشيخ على التقيّة.

وفي المختلف : الإقرار عند الإمام يحتمل ان يخالف الإقرار عند الناس ، لأنه في الغالب يقع عقيب إقرار آخر عند الناس ، وفي خبر جميل : لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين رواه عن الصادق عليه السّلام (٣).

ولا يخفى ان المتبادر من الإتيان بالمال ـ بعد دعواها عليه والإقرار بها وان كان مكرها ـ أنه سرقه كما ان القي‌ء انما يكون بعد الشرب ، فلا يضرّ الاحتمالات في الأول كالثاني فإنه يحتمل ان يكون الشرب بالإكراه أو جهلا بأنه خمر أو للاضطرار مثل إساغة اللقمة ، بل يحتمل الحقنة أيضا كما يحتمل وجود المال عنده وجوها كثيرة فلا يضرّ هذه الاحتمالات بثبوت القطع كهو أي القي‌ء بوجوب الحدّ.

الّا ان الظاهر المطابق للقوانين عدم القطع والحدّ فيهما.

لكنه لمّا وجد النص الدالّ عليه ـ مثل حسنة سليمان (٤) ـ اقتضى القول بذلك فالعمدة هو الرواية ، والمذكور وجه مناسب عقلي ذكره قبل الدليل ، لا انه الدليل ، وذلك دأبه وعادته في المختلف والنهاية فلا ينبغي ردّ ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٢ حديث ١ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٤٣.

(٢) الى هنا من كلام الشارح الذي نقله بقوله : قال في الشرح إلخ وذكره الشارح عند شرح قول المصنف : ولو رد المكره ، على الإقرار فراجع.

(٣) الوسائل باب ٣ قطعة من حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٨٧.

(٤) تقدم ذكر موضعها آنفا.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فقد علمت عدم الفرق بين القي‌ء والإتيان بعين المال ، وان صريح الرواية (ان ـ خ) الإكراه على السرقة أي على الإتيان بالمال ، لا على الإقرار ، بل ظاهرها انه أقرّ ولم يأت فأكره ثم اتى به.

وليس كما قاله الشارح وليس موافقا للمتن ، والظاهر انه شخص توهم في حقّه وضرب على ان يأتي بالمال فاتى به فهو يدلّ على صحّة الدعوى عليه حيث جاء وما ذكر شيئا موجبا لسقوط الحدّ فلم يكن (١) والا لذكره.

وبالجملة ما تقدم من التخفيف والتحقيق والشبهة والاحتياط ، يدلّ على عدم القطع ، والدليل العقلي ليس بتامّ ، والرواية ليست بصحيحة ولا صريحة في المدّعى ، فإنها تحتمل ان يكون فيما إذا أقرّ وضرب على ان يأتي بالمال ، فاتى به ، فيقطع ، والمذكور في المتن وغيره ، غير ذلك ، ولهذا اختيار المصنف في أكثر كتبه عدم القطع وأشار الى ضعف دليلي العقل والنقل كما مرّ.

فظهر عدم ظهور قوله : (وعلى ما قلناه إلخ) فتأمّل.

وان ليس في ظاهر الرواية ، الإقرار بالسرقة ، فلا يدلّ على مطلوب الصدوق وعلى تقدير الإقرار فهو مقرون بالمجي‌ء ، فلا يدلّ على غيره كما قاله الشارح ، ولهذا قال في الشق الثاني انه لا يقطع مع الاعتراف فيمكن جعلها دليلا على عدم قبوله مرّة واحدة لا على قبوله بها ، فتأمّل.

وانه قد مرّ رواية الفضيل الطويلة ، وانها صحيحة على الظاهر ، وكأنه تردد في ذلك حيث ما قال : صحيحة أبي أيوب والفضيل لاشتراكهما ، وانها الدليل للصدوق مع غيرها :

وقد مرّت ، وان الشيخ ما حمل هذه على التقيّة ، بل اخرى غيرها وهي صحيحة الفضيل المتقدمة ، فتأمّل.

__________________

(١) أي موجبا ـ كذا في هامش بعض النسخ.

٢٧٠

ولو رجع بعد الإقرار مرّتين لم يسقط القطع.

ولو تاب قبل الثبوت سقط ، لا بعده.

______________________________________________________

قوله : «ولو رجع بعد الإقرار مرّتين إلخ» قد مرّ ان الإنكار بعد الإقرار بمرّة واحدة ، لا يسقط الغرم كما هو مقتضى قاعدة الإقرار وبعد المرّتين بالطريق الأولى.

وامّا سقوط الحدّ ، فان كان الثبوت بمرّة ، فلا يسقط بعده الّا بدليل مثل سقوط الرجم وقد تقدم.

وتدلّ عليه صريحا أيضا صحيحة الحلبي ومحمّد بن مسلم (١) المتقدمة في ثبوت الحدّ بالإقرار.

ويدلّ عليه أيضا ما يدلّ على وجوب الحدّ والقطع بالإقرار ، مثل صحيحتي الفضيل المتقدمتين (٢) فافهم.

الّا ان في مرسلة جميل (٣) دلالة على سقوطه بالإنكار بعد ثبوته بالإقرار مرّتين وقد عرفت حالها.

وهذا أيضا من جملة ما يضعّف العمل بها فإن القائل به غير معلوم مع ان الأكثر قائلون بمضمونها من عدم ثبوت حدّ القطع إلّا بالإقرار مرّتين لا بمرّة واحدة.

وامّا التوبة فيمكن ان تكون مسقطة في الجملة ، لما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : السارق إذا كان جاء من قبل نفسه تائبا الى الله وردّ سرقته على صاحبه (صاحبها ـ ئل) ، فلا قطع عليه (٤).

كأنها محمولة على قبل الثبوت كما هو ظاهرها أيضا.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٨.

(٢) راجع الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٨٩.

(٣) راجع الوسائل باب ١٢ حديث ٤ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٠.

(٤) الوسائل باب ٣١ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٣٠.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومرسلة جميل بن درّاج ، عن رجل ، عن أحدهما عليهما السّلام في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه ولم يؤخذ حتّى تاب وصلح؟ فقال : إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ ، قال محمّد بن أبي عمير : قلت : فان كان امرا قريبا لم يقم؟ قال : لو كان خمسة أشهر أو أقلّ وقد ظهر منه أمر جميل لم يقم عليه الحدود (١).

ويؤيّده أن العقاب الذي هو أعظم العقوبتين يسقط بالتوبة فالقطع الذي هو أضعف بالطريق الاولى.

ثم انه يحتمل سقوطه حتما ـ كما هو مقتضى ظاهر الأدلّة ـ وتخييرا ، فتأمّل.

وامّا سقوطه بهبة صاحب الحق وعفوه ، فهو محتمل جيّد قبل ثبوته عند الحاكم.

يدلّ عليه حكاية سرقة رداء صفوان بن أميّة المشهورة ، وهي مذكورة في حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الرجل يأخذ اللّصّ يرفعه أو يتركه؟ فقال : إن صفوان بن أميّة كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداءه وخرج يهريق الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع اليه ، فقال : من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه فأخذ صاحبه فرجّعه (فدفعه ـ ئل) إلى النبي صلّى الله عليه وآله فقال النبي صلّى الله عليه وآله : اقطعوا يده فقال صفوان (الرجل ـ ئل) : يقطع (يده ـ ئل) من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال : نعم ، فقال : انا أهبه له ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : فهلا كان قبل ان ترفعه الي؟ قلت : فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال : نعم ، قال : وسألته ، عن العفو قبل ان ينتهي الى الامام؟ فقال : حسن (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٧.

(٢) الوسائل باب ١٧ حديث ٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٩.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي تدلّ على ان العفو عن الظالم الفاسق أيضا حسن مطلقا.

وان الامام بمنزلة النبي صلّى الله عليه وآله ، وهي تشعر بان ليس مثل ذلك ، الحاكم.

وانه يجوز العفو والهبة أيضا في الحقوق الغير الماليّة فلا يشترط عين مال (ماله ـ خ) في الهبة كما هو المشهور.

وان القطع يفعله غير الحاكم بامره.

بل فيها دلالة أيضا على عدم اشتراط الحرز على الوجه الّذي ذكروه ، فان المسجد ليس بحرز للرداء مع عدم الحافظ.

بل تدل على عدم اشتراط النصاب المقرّر ، فإنه يبعد أن يكون لصفوان رداء قيمته ربع دينار الّا أن يكون من خصائص رداء صفوان.

وما علم ان إثباته عنده صلّى الله عليه وآله بأي شي‌ء لعلّه ، بإقرار السارق ويحتمل الشهود أيضا ولم يذكر.

وهي موجودة في صحيحة الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (١)

ورواية سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : من أخذ سارقا فعفا عنه فذلك له ، فإذا رفع الى الامام قطعه ، فان قال الذي سرق منه : انا أهب له لم يدعه الامام حتّى يقطعه إذا رفعه اليه ، وانما الهبة قبل ان يرفع الى الامام ، وذلك قول الله عزّ وجلّ (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) (٢) فإذا انتهى الى الامام فليس لأحد ان يتركه (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ نحو حديث ٢ بالسند الثاني من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٩.

(٢) التوبة : ١١٢.

(٣) الوسائل باب ١٧ حديث ٣ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٠.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لعلّ المراد عدم وجوب السقوط أو الثبوت بالشهود لا الإقرار ، فإنه يدلّ على تخيير الامام بين العفو والهبة إذا ثبت بالإقرار لا بالبيّنة.

ورواية طلحة بن زيد ، عن جعفر عليه السّلام قال : حدثني بعض أهلي ان شابّا اتي أمير المؤمنين عليه السّلام فأقرّ عنده بالسرقة قال : فقال عليه السّلام : اني أراك شابّا لا بأس بهيئتك فهل تقرأ شيئا من القرآن؟ قال : نعم سورة البقرة قال : فقد وهبت يدك بسورة البقرة ، قال : وانما منعه ان يقطعه ، لانه لم يقم عليه البيّنة (١).

ومرسلة أبي عبد الله البرقي ، عن بعض أصحابه ، عن بعض الصادقين عليهم السّلام قال : جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السّلام ، فأقرّ بالسرقة فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام : أتقرأ شيئا من كتاب الله؟ قال : نعم سورة البقرة ، قال : قد وهبت يدك بسورة البقرة ، فقال أشعث : أتعطّل حدّا من حدود الله؟ فقال : وما يدريك ما هذا إذا قامت البيّنة فليس للإمام ان يعفو وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذلك (فذاك ـ خ) الى الامام ان شاء عفى ، وان شاء قطع (٢).

وعليه حمل الشيخ رواية سماعة وحسنة الحلبي ، وصحيحة الحسين وافتى به.

ويؤيّده بناء الحدود على التخفيف والتحقيق والاحتياط والإسقاط بالشبهة.

وهما تدلّان على تعظيم قارئ القرآن.

ويمكن حملهما على الجاهل ، لما يدلّ على عدم القطع له مثل حسنة أبي عبيدة الحذّاء ـ الثقة ـ ، قال : قال أبو جعفر عليه السّلام : لو وجدت رجلا كان من العجم

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ نحو حديث ٣ بالسند الثاني من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣١.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٣ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣١.

٢٧٤

ويستحبّ الحسم بالزيت.

______________________________________________________

أقرّ بجملة الإسلام ولم يأته شي‌ء من التفسير ، زنى أو سرق أو شرب الخمر (خمرا ـ ئل) ، لم أقم عليه الحدّ إذا جهله إلّا ان تقوم عليه البيّنة انه قد أقرّ بذلك وعرفه (١).

قوله : «ويستحبّ الحسم بالزيت إلخ» أي يستحبّ ان يعالج يد المقطوع بان يوضع محلّ القطع في الزيت المغلّي ليحسم وينقطع الدم وينسدّ أفواه العروق حتى لا يذهب الدم الكثير فيموت.

الدليل عليه قول العلماء ، والاعتبار ، والتجربة بأنه نافع وفعله صلّى الله عليه وآله على ما نقل انه كان هكذا يفعل ، وكأنه منقول من طرقهم (٢).

وقالوا : هذا لمصلحة السارق لا تتمّة للحدّ وواجب أو مستحب لله فيكون مؤنته من الزيت وغيره ، على السارق ، ولا يجوز إلّا باذنه.

ونقل عن بعض العامّة انهم يقولون : انه لله ومن تتمّة الحدّ للايلام به ، وان الولاة لا يزالون يفعلون ذلك وان كره السارق ، فالمؤنة من بيت المال.

ويحتمل على الأوّل أيضا كونها من بيت المال ، لانه للمصالح ، وبغير اذنه واكراها ، لانه يحصل له النفع ، وهو قد لا يخلّى ولا يرضى للألم الخالي ، فتأمّل.

والذي في رواية أصحابنا عن فعل أمير المؤمنين عليه السّلام رعاية المقطوعين ودواء جروحهم وإطعامهم السمن ، والعسل ، واللحم ثم إعطائهم الكسوة.

مثل رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : اتي أمير المؤمنين عليه السّلام بقوم لصوص قد سرقوا فقطع أيديهم من نصف الكف وترك الإبهام لم يقطعها وأمرهم أن يدخلوا دار الضيافة وأمر بأيديهم أن تعالج فأطعمهم

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٤.

(٢) راجع سنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٢٧٠ ـ ٢٧١ باب السارق يسرق أوّلا.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

السمن ، والعسل ، واللحم حتّى برءوا ودعا بهم (هم ـ كا ـ ئل) ، وقال : يا هؤلاء إن أيديكم قد سبقت إلى النار ، فان تبتم وعلم الله عزّ وجلّ منكم صدق النيّة تاب الله عليكم وجررتم أيديكم إلى الجنّة ، وان أنتم لم تتوبوا ولم تقلعوا (ولم تنتهوا ـ كا) عمّا أنتم عليه جرتكم أيديكم إلى النار (١).

ورواية حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : أتي أمير المؤمنين عليه السّلام بقوم سرّاق قد قامت عليهم البيّنة وأقرّوا قال : فقطع أيديهم ثم قال : يا قنبر ضمهم إليك فداو كلومهم وأحسن القيام عليهم ، فإذا برئوا فأعلمني ، فلما برءوا أتاه فقال : يا أمير المؤمنين ، القوم الّذين أقمت عليهم الحدود قد برئت جراحاتهم ، قال : اذهب فاكس كلّ واحد (رجل ـ خ ل) منهم ثوبين وأتى بهم ، قال : فكساهم ثوبين ثوبين وأتني بهم في أحسن هيئة متردّين مشتملين كأنهم قوم محرمون فمثلوا بين يديه قياما فاقبل على الأرض ينكسها بإصبعه مليّا ثم رفع رأسه إليهم ، فقال : اكشفوا أيديكم ثم قال : ارفعوا الى السماء فقولوا : اللهم ان عليّا قطعنا ففعلوا ، فقال : اللهم على كتابك وسنة نبيّك ثم قال لهم : يا هؤلاء ان تبتم سلمتم (استلمتم ـ يب) أيديكم ، وان لم تتوبوا ألحقتم بها ثم قال : يا قنبر خلّ سبيلهم وأعط كلّ واحد منهم ما يكفيه الى بلده (٢)

فيها دلالة على التوبة وكونها مسقطة للذنوب السابقة ، وعدم الالتزام بها.

وانه لا بدّ من القربة فيها ، وهو المراد بصدق النيّة.

وكأنّ المراد بالنيّة في الاخبار ، وإطعام الفاسق الغير التائب واكسائه والإحسان اليه وكان ذلك من بيت المال ، ويحتمل ذلك من خاصته عليه السّلام.

ودخول أعضاء الإنسان إلى الجنّة والنار ، واعادتها معه وان لم يكن اجزاؤه

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ٢ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٨.

(٢) الوسائل باب ٣٠ حديث ٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٩.

٢٧٦

ويجب ردّ العين ، فان تعذّر غرم المثل أو القيمة ان تعذّر المثل أو لم يكن مثليا ولو تغيّب ضمن ، ولو مات المالك فالى الورثة ، فإن فقدوا فإلى الإمام.

مسائل من هذا الباب

لو شهد رجل وامرأتان ثبت الغرم خاصّة.

______________________________________________________

الأصليّة وقطعت منه حال حياته (١) ، وهو ظاهر فافهم.

قوله : «ويجب ردّ العين إلخ» أي يجب على السارق دفع المال المسروق الى مالكه مع نمائه المتصل والمنفصل ، سواء كان عالما به أم لا ، بل أجرته ان كان ذا اجرة وان لم يستعمله ، سواء كان آدميّا أم لا ، فان لم يكن المال موجودا بعينه فيدفع مثله ان كان مثليا والمثل يوجد ، وان لم يوجد فقيمته محتمل ، وقت الإعواز ، ووقت التلف ، ووقت الطلب ، وأعلى القيم.

وان كان قيميّا فقيمته وقت التلف أو وقت الطلب ، أو الأعلى.

وان لم يكن فالى ورثته بالنسبة ان لم يكن هناك دين أو وصيّة متعلّقة به والّا تصرف فيه باذن الوارث أو الوصي.

ولو لم يكن الوارث إلّا الإمام عليه السّلام فيدفع اليه ان كان حاضرا ، والّا فالظاهر انه يصرف في فقراء البلد كما مرّ ، فتذكر.

وينبغي استيذان الحاكم ، وكذا كلّ متصرف في مال الغير بغير اذنه ، هكذا ذكروه.

قوله : «لو شهد رجل إلخ» دليل عدم ثبوت القطع برجل وامرأتين

__________________

(١) وأوضح منها في الدلالة على هذا موثقة سماعة ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : اتي أمير المؤمنين عليه السّلام برجال قد سرقوا فقطع أيديهم ، ثم قال : ان الذي بان من أجسادكم قد يصل الى النار ، فان تتوبوا تجترّوها ، والّا تتوبوا تجتركم الوسائل باب ٣٠ حديث ٤ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٩.

٢٧٧

ويشترط في الشهادة التفصيل.

ولو سرق ولم يقدر عليه فسرق ثانيا غرم المالان وقطع بالأولى خاصّة.

______________________________________________________

وثبوت المال المسروق وغرامة بهما ، ما تقدّم من انه يثبت بهما المال لا غير ، فتذكر.

ويشكل بان المال إذا ثبت بالشهادة التامّة التي لو كانت من الرجلين لثبت بها القطع أيضا ثبت القطع ، فان وجود أحدهما معلولي علّة معيّنة ، يستلزم وجود معلوله الآخر وهو ظاهر.

وهذا يرد في الإقرار بالمرّة ونحوها أيضا.

والحلّ أنّ هذه ، العلامات ، ولا بعد في ان يجعل الشارع ، الإقرار مرّة والشهادة المذكورة لثبوت حكم ، وهو ثبوت المال والغرم عليه ولم يجعلها كذلك للقطع وان كان الثابت فيهما ، السرقة الموجبة لذلك ، إذ يجوز أن يكون السرقة إذا ثبت بهما يوجب المال فقط ، وإذا ثبت بغيرها (١) مثل الرجلين والمرأتين يوجب القطع ، وهو ظاهر فتأمّل.

قوله : «ويشترط في الشهادة التفصيل» اشتراط التفصيل في الشهادة على السرقة الموجبة للقطع ظاهر ، فإنه أمر خاصّ مفصّل على وجه ، فلا بدّ من ثبوتها حتّى يترتب عليها القطع ولا تثبت إلّا بالشهادة مفصّلة ، فلا بدّ منها من ذكر الحرز والنصاب على وجه لا يبقى فيه احتمال عدم تحقق الموجب.

قوله : «ولو سرق ولم يقدر إلخ» أي إذا سرق السارق ما يوجب القطع فغاب الحاكم وانهزم ولم يقدر عليه وما قطع حتّى سرق مرّة أخرى لزمه المالان المسروقان لانه قد ثبت انه سرقهما فيلزمه ويقطع يمينه بالسرقة الأولى ، لأن الأولى قد أوجبت القطع فقد تعلّق باليمين حال وجود الثانية فليس لها محلّ يوجب قطعه امّا باليمين ، فلوجوب قطعه بالأولى ، وامّا الرجل اليسرى ، فإنه إنما يقطع بعد قطع اليمين.

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها ـ ولعل الأصوب (بغيرهما) بضمير التثنية كما لا يخفى.

٢٧٨

ولو شهدت البيّنة فقطع ثم شهدت بعده بأخرى قيل : تقطع رجله.

______________________________________________________

ويؤيّده الرواية التي هي دليل القول بقطع اليسرى لو شهدت البيّنة فقطع ثم شهد بعده بأخرى.

يعني سرق مرّتين قبل ان يتحلّل بينهما قطع فشهد الشهود بهما ، الاولى قبل القطع ، والثانية بعده.

رواها بكير بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل سرق فلم يقدر عليه ثمّ سرق مرّة أخرى فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الاولى والسرقة الأخيرة فقال : يقطع يده بالسرقة الاولى ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة فقيل (له ـ ئل ـ العلل) : كيف ذاك (١)؟ فقال : لان الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الاولى والأخيرة قبل ان تقطع بالسرقة الأولى ، ولو ان الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاولى ثم أمسكوا حتّى يقطع يده ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى (٢).

وفي طريق التهذيب سهل بن زياد (٣) الضعيف ، ولكن روي مثلها في الفقيه صحيحا عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا أقيم على السارق الحدّ نفي الى بلده (وان (٤) سرق رجل فلم يقدر عليه حتّى سرق مرّة أخرى فأخذ فجاءت البيّنة فشهدوا عليه جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى فإنه يقطع يده

__________________

(١) كيف تقطع يده بالسرقة الاولى ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة؟ (العلل ج ٢ ص ٢٧٠ باب ٣٨٥ نوادر العلل.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٩٩.

(٣) سندها كما في التهذيب هكذا : سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن بكير بن أعين.

(٤) انه من هنا الى قوله : أقطعت رجله اليسرى مأخوذ من خبر بكير بن أعين المتقدم ذكره الصدوق عقيب صحيحة الحلبي لصورة الفتوى لا جزء للصحيحة كما سننبه عليه عن قريب.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بالسرقة الاولى ولا يقطع رجله بالسرقة الأخيرة ، لأن الشهود شهدوا عليه جميعا في مقام واحد بالسرقة الاولى والأخيرة قبل ان يقطع يده بالسرقة الاولى ولو انّ الشهود شهدوا عليه جميعا بالسرقة الأولى فقطعت يده ثم شهدوا عليه بعد بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى (١).

قال في الشرح : القول بالقطع فتوى الصدوق ، والنهاية والقاضي والصهرشتي وابن حمزة ، لرواية سهل بن زياد ونقلها الشيخ عنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن بكير بن أعين ، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام (٢) قال : فقال في المبسوط ـ وتبعه الفاضل والمحقق والامام المصنف ـ : انه لا يقطع ، وهو المعتمد ، لأن الأمر لا يدلّ على التكرار ، ولان سهلا ضعيف مع عدم وجودها في كتاب الحسن ـ أي الحسن بن محبوب الذي في هذه الرواية ـ ومنافاتها لأصل البراءة ولقوله : (ادرأوا الحدود بالشبهات) (٣) والشبهة متحققة ، ولانه خبر واحد مطعون فيه وتوقف الشيخ في الخلاف (٤).

والظاهر انها صحيحة في الفقيه ولا يضرّ اشتراك ابن مسكان والحلبي ، فإنه عبد الله الّذي تلميذ محمّد بن علي الحلبي ، فتأمّل.

فقول المبسوط وتبعيّة الفاضل والمحقق ، والامام المصنف في غير الكتاب.

__________________

(١) من قوله قدّس سرّه : وان سرق رجل الى هنا مأخوذ من رواية بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام لا حظ الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٩٩ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٢٦٩ مكتبة الطباطبائي وجعل الصدوق رحمه الله في الفقيه هذا المضمون فتواه بعد نقل صحيحة الحلبي فزعم الشارح قدّس سرّه أنها تتمة صحيحة الحلبي لا حظ الفقيه باب حدّ السرقة ج ٤ ص ٦٥ ح ٥١١٦ طبع مكتبة الصدوق عليه الرحمة.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة بالسند الثالث ج ١٨ ص ٤٩٩.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٦.

(٤) الى هنا عبارة الشرح.

٢٨٠