مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

بموجب للحدّ ، للأصل ، وعدم ثبوت كونه صريحا في العرف بولد الزنا فإنّه كثيرا ما يقال ذلك على الذي خبيث شيطان يصدر منه أفعال قبيحة مشتملة على التزوير.

فقول ابن إدريس : انّه يفهم منه عرفا كونه ولد زنا وحاصلا من الزنا ـ فهو موجب للحدّ ـ ، غير ظاهر.

ويؤيّده الشهرة ، وادرأوا ، ومبنى الحدود على التخفيف ، والاحتياط.

وقوله : (حملت أمك في الحيض) أيضا موجب للتعزير لا الحدّ ، فان الوطء في الحيض ليس بزنا بل الوطء فيه حرام ، فهو مشعر بوقوعه في الحيض وان لم يكن صريحا في ذلك فهو موجب للتعزير ، لانّ فيه اذاء له بمجرّده ، سواء كان إسنادا لامّه أوله ، إلى الحرام أم لا وحينئذ يمكن التعزير لهما أيضا ، فتأمّل.

واما قوله : (لم أجدك عذراء) فلا شك أنّه موجب لإيذاء زوجته ، ولكن ليس برمي على الزنا ـ وهو ظاهر ـ فهو موجب للتعزير لا للحدّ.

وتدلّ عليه الأخبار بخصوصها ، مثل رواية أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام في رجل قال لامرأته : لم أجدك عذراء؟ قال : يضرب ، قلت : فان عاد؟ قال : يضرب فإنّه يوشك أن ينتهي (١).

ويحمل على التعزير.

ويحمل رواية زرارة ـ كأنّها صحيحة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل قال لامرأته : لم تأتني عذراء ، قال : ليس عليه شي‌ء (ليس بشي‌ء ـ ئل) ، لأنّ العذرة تذهب بغير جماع (٢).

تعليل لعدم لزوم شي‌ء عليه يعني انه ما نسبها الى الزنا فلا شي‌ء عليه لاحتمال ذهابه بغير جماع ، فهو مشعر بنفي الحدّ فانّ التعزير يثبت بغير النسبة الى

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ٢ من كتاب اللعان ج ١٥ ص ٦٠٩.

(٢) الوسائل باب ١٧ حديث ١ من كتاب اللعان ج ١٥ ص ٦٠٩.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الجماع والزنا.

وتؤيّد في نفي الحدّ ، رواية سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل قال لامرأته ـ بعد ما دخل بها ـ : لم نجدك (أجدك ـ خ ئل) عذراء؟ قال : لا حدّ عليه (١).

ويحمل على التعزير أيضا صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : ان (إذا ـ ئل) قال الرجل لامرأته لم نجدها (أجدك ـ ئل) عذراء وليست له بيّنة يجلد الحدّ ويخلّى بينه وبينها (٢).

فانّ كثيرا ما يقال الحدّ على التعزير في الروايات كما مرّ مرارا.

ويحتمل الحدّ التام الحقيقي ، ولكن مع التصريح بأنّ البكارة ذهبت بالجماع المحرّم والزنا.

وبالجملة لا يثبت الحدّ بمجرد القول بأنّه ما وجدها عذراء ، بل يمكن مع التصريح بأنّها ذهبت بالجماع ما لم يأت بما يدلّ على انّها ذهبت بالحرام والزنا ، فضلا عن عدم وجدانها عذراء ، فإنّها ليست بصريحة في عدم البكارة وذهابها قبل ان تأتي عنده ، فتأمّل.

ولزوم التعزير بقوله : (احتلمت بأمك) وعدم الحدّ ظاهر وعليه رواية بخصوصها وقد مرّت.

وكذا يا فاسق ، ويا كافر ، ويا خنزير وما شابه ذلك ممّا يدلّ على التحقير والأذى مثل الحقير والوضيع وما يدلّ على اتصافه بالأمراض مثل الأجذم والأبرص.

هذا كلّه مع عدم استحقاق المقول في حقه ، ذلك من القائل مثل ان فعل

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ٤ من كتاب اللعان ج ١٥ ص ٦١٠.

(٢) الوسائل باب ١٧ حديث ٥ من كتاب اللعان ج ١٥ ص ٦١٠.

١٦٢

ولو كان المقول له مستحقا فلا تعزير.

______________________________________________________

شيئا واستحق مثل الحقير والوضيع من الشارع تعزيرا له أو يتجاهر بالفسق ولا يبال من ان يقال له : يا فاسق.

وامّا إذا تظاهر ومع ذلك يتأذى بالقول له : يا فاسق أو ذكره بين الناس بالفسق ، فيمكن المنع عن ذلك وكونه موجبا للتعزير أيضا لعموم ما يدلّ على ذلك ، وعلى عدم جواز الغيبة الّا أن يكون المقصود من ذكره امتناعه بذلك عنه وهو ممن هو كذلك بظن القائل وعدم طريق أسهل إلى منعه ، منه.

ويحتمل جواز ذكره على ذلك الوجه حينئذ فلا يحرم ولا يستحق التعزير للخبر المشهور (لا غيبة لفاسق) (١) وان احتمل ان يكون معناه النهي عن غيبة الفاسق مثل (لا فسوق ولا جدال في الحج) (٢) قاله الشهيد في قواعده.

وقال في شرح الشرائع : والمراد بكون المقول له مستحقا للاستخفاف ان يكون فاسقا متظاهرا بفسقه ، فإنّه لا حرمة له حينئذ ، لما روي عن الصادق عليه السّلام إذا جاهر الفاسق بفسقه ، فلا حرمة له ولا غيبة له (٣).

وفي بعض الاخبار : من تمام العبادة ، الواقعة في أهل الريب (٤).

ورواية داود بن سرحان ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة وباتوهم لئلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ، ولا يتعلّمون من بدعهم ، يكتب (الله ـ خ) لكم بذلك

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ١ ص ٤٣٨ رقم ١٥٣ طبع مطبعة سيّد الشهداء ـ قم.

(٢) البقرة : ١٩٧.

(٣) الوسائل باب ١٥٤ حديث ٤ من أبواب آداب العشرة ج ٨ ص ٦٠٤.

(٤) بحار الأنوار : كتاب العشرة ، باب من لا ينبغي مجالسته ومصادقته ج ٧٤ ص ٢٠٤.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة (١).

والظاهر انّ مراده بقوله : والمراد بطريق التمثيل لا الحصر.

وانّ الروايات السابقة على كلام شارح الشرائع غير ظاهرة الصحّة ولا صريحة الدلالة في التعزير بكلّ ما يكره المخاطب.

ويفهم من الرواية الأولى جواز مواجهة الفاسق بفسقه كفيته (٢) كما مرّ فتأمّل.

وانّ المراد بالرواية الثانية ذكر جماعة من أهل البدع بالوقيعة فيهم ومن جهة بدعتهم حتّى لا يتبعهم أحد.

قيل : من أحدث مذهبا ودينا غير دين الله ودعا الناس إليه فيجب على المسلمين ردّهم عن ذلك وتزييفهم والوقيعة في دينهم بما يبطله وتشنيعهم على ذلك الدين مقتصرا على الواقع والتشنيع على ذلك الدين فقط لا غير.

وصرّح الشهيد في قواعده بأنّه يحتمل عدم جواز غيبة المخالف الّا ان يذكره في دينه ويذمّه على ذلك فقط ولا يتعدّى الى غيره ، فتأمّل ، وكذا الثالثة.

واعلم انّه قد يفهم من كلام الأصحاب في هذا المقام ، وممّا تقدم من الأخبار ، انّ كلّ ما يكرهه المواجه بل كل محرّم ، موجب للتعزير ، فهو يدلّ على عدم جواز اذاء المخالف ، بل عدم جواز ذلك بالنسبة الى بعض الكفار أيضا ، فتأمّل.

الّا ان يذكره المسلم بالوقيعة في دينه لدليل ان كان صحيحا وغير قذف ولا يقول : الأبرص والأجذم ، والحقير ، والوضيع وان كان كذلك في الواقع ولا يقول في دينهم ما ليس فيه من القبائح كما يفهم ذلك من قواعد الشهيد.

وأيضا يلزم التعزير على الصغائر مع القول بأنّها لم تقدح في العدالة ، بل تقع

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الأمر والنهي ج ١١ ص ٥٠٨.

(٢) كذا في النسخ كلها مطبوعة ومخطوطة ولعل العبارة : (كغيبته) والله العالم.

١٦٤

ولو قذف جماعة بلفظ واحد وجاءوا به مجتمعين فحدّ واحد ، وان تفرقوا به فلكلّ حدّ ، ولو قذفهم على التعاقب ، فلكلّ حدّ.

______________________________________________________

مكفرة كما هو مذهب البعض ، وهو بعيد ، فتأمّل.

قوله : «ولو قذف جماعة إلخ» ولو رمى شخص جماعة بالزنا بلفظ واحد ، فان جاءوا عند الحاكم وادّعوا ذلك مجتمعين بدعوى واحدة فيحدّ القاذف حدّا واحدا للجميع ، لانّه يصدق عليه انه حدّ فحصل المأمور به فسقط.

وان جاءوا متفرّقين فاثبت كلّ واحد عليه ، حدّا على حدته فلا يسقط الحدود عنه لواحد ولا يحدّ واحد للكلّ ، لان الثابت هو المتعدد فكيف يسقط بالواحد.

وان رماهم بألفاظ متعدّدة مرّات مترتبة بأن يقول : زنيت يا فلان ، ثم يقول للآخر كذلك ، فيجلد لكلّ واحد واحد ، لما مرّ ، بل ثبوت المتعدد هنا أولى ، فتأمّل.

وتؤيّد جميع ما ذكرنا صحيحة الحسن العطار ـ كأنّه ابن زياد الثقة ولا يضرّ ابان (١) فانّ الظاهر انه الأحمر الذي ممن أجمعت عليه الخاصّة ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : رجل قذف قوما جميعا فقال بكلمة واحدة؟ قلت : نعم ، قال : يضرب حدّ واحد (حدّا واحدا ـ ئل) ، وان فرّق بينهم في القذف ضرب لكلّ واحد منهم حدّا (٢)

ورواية بريد ، عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يقذف القوم جميعا بكلمة واحدة ، قال (له ـ خ) : إذا لم يسمّهم ، فإنّما عليه حدّ واحد ، وان سمّى فعليه لكلّ واحد (رجل ـ ئل) حدّ (٣).

__________________

(١) فان سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم عن ابان بن عثمان عن الحسن العطّار.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٤.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٥ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٥.

١٦٥

ويرث حدّ القذف وارث المال عن الذكر والأنثى عدا الزوج والزوجة ولو ورثه جماعة فعفا أحدهم كان للباقي الجميع وان كان واحدا.

______________________________________________________

وهذه تشعر بأنّه مع الكلمة ان جاءوا مجتمعين فواحد ، والّا فمتعدد.

وصحيحة جميل (بن درّاج ـ ئل) قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل افترى على قوم جماعة ، فقال : ان أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحدا ، وان أتوا به متفرقين ضرب لكلّ (منهم ـ ئل) حدّا واحد (١).

ومثلها رواية محمّد بن حمران (٢) تحمل على رميه بكلمة واحدة لرواية بريد والحسن المتقدمتين فيكون التفصيل في الكلمة الواحدة لا مطلقا ويكون الإتيان بألفاظ متعددة موجبا لتقدير الحدّ مطلقا.

ويحتمل العمل بظاهرها لصحّتها فيكون التفصيل بالإتيان مجتمعين أو متفرقين مطلقا ، فتأمّل.

قوله : «ويرث حدّ القذف إلخ» يعني إن مات مستحق حدّ القذف يرث الحدّ جميع من يرث ماله إلّا الزوجة فإنّه لاحظ لها من الحدّ الذي يوجب (وجب ـ خ) لقذف زوجها ، فإنّه ما حصل لها به أذاء.

وكأنّه للإجماع أيضا ، والظاهر أنّ غيرها في الأسباب (الأنساب ـ خ ل) كذلك ، لما مرّ فتأمّل.

وامّا غيرهما من الأسباب فيرثون الحدّ ذكرا كان أو أنثى بمعنى أنّه لكلّ واحد المطالبة بذلك بدون اذن الآخر وشركته.

وانه إذا عفا أحدهم يكون للآخر المطالبة بكلّه لا انّه سقط حصته ويطلب

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٤.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٤.

١٦٦

وللمستحق العفو قبل الثبوت وبعده ولا يقيمه الحاكم الّا بعد مطالبته.

______________________________________________________

من لا يعف (يعفا ـ خ) بحصّته ، فهو موروث ، ولا كالمال (لانه كالمال ـ خ).

وتدلّ عليه الشهرة والرواية ، مثل رواية عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سمعته يقول : إن الحدّ لا يورث كما يورث الدية والمال والعقار ، ولكن من قام به من الورثة وطلبه فهو وليّه ومن تركه ولم يطلبه فلا حق له ، وذلك مثل رجل قذف رجلا وللمقذوف أخوان ، فإن عفا عنه أحدهما كان للآخر ان يطلب بحقّه لأنها أمّهما جميعا والعفو إليهما جميعا (١).

وعليه حملت رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الحدّ لا يورث (٢).

أي لا يورث كالدية والمال.

قوله : «وللمستحق العفو إلخ» يعني انّ الغالب في حدّ القذف انه حق الآدمي فلمستحقه ، العفو عنه كسائر الحقوق قبل ثبوته عند الحاكم ، وبالإقرار والبيّنة أو بعده بهما وبعلمه ، للتخفيف والاحتياط في الحدود ، و (ادرأوا الحدود بالشبهات) (٣).

وقد مرّت الأخبار الدالة عليه مع تأويل ما يمنع عن ذلك من صحيحة محمّد بن مسلم (٤) ، فتذكر.

قوله : «ولا يقيم الحاكم إلخ» من متفرعات انّه حق آدمي ، انّه لا يقيم الحاكم الّا بعد طلبه كما لا يحكم له في الأموال ، والدماء بعد ثبوتها عنده الّا بعد

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٦.

(٢) الوسائل باب ٢٢ حديث ٣ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٧.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٦.

(٤) لاحظ الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٥.

١٦٧

ولا يطالب الأب لو قذف الولد (الوالد) الرشيد.

______________________________________________________

مطالبته إياه ، فتذكر.

قوله : «ولا يطالب الأب إلخ» إذا قذف ولد شخص وهو بالغ رشيد ولا ولاية لأحد عليه ، يثبت له حق حدّ القذف على قاذفه ، وليس لأبيه ولا جدّه استيفاء ذلك الحدّ.

وجهه ظاهر ، وهو انّه حقه وليس لأحد استيفاء حق احد ما لم يكن وليّا أو وكيلا والفرض عدمهما الّا أن يفرض الوكالة.

ويفهم من مفهوم هذا الكلام ان للأب استيفاء حق القذف لو كان الولد صغيرا أو كبيرا غير رشيد ، وذلك كأنّه لثبوت ولايته التي له عليهما.

ولكن ثبوت ذلك له من الولاية محلّ التأمّل ، فإنّ دخول مثل هذا الحق تحت ولايته محلّ بحث.

هذا على تقدير ثبوت حدّ القذف للصغير ، وذلك غير معلوم ، فإنّه يشترط بلوغ المقذوف على ما مرّ ، نعم يتصور في البالغ السفيه.

وحينئذ ثبوته له أبعد ، إذ ثبوت مثل هذه الولاية له على السفيه غير معلوم ، خصوصا إذا كان بعد زواله ثم وجد بعده ، فإنّه يحتمل كون الولاية للإمام عليه السّلام وقد صرّحوا بذلك ، فانّ له التصرف الذي ليس له دخل في المال ، ولهذا قالوا : انّه له (١) يطلّق وليس له ان يتزوّج.

وأيضا قد يعفو (يعفا ـ خ) عنه فكيف يستوفي الأب.

وأيضا مقتضى كلامه أنّه يجوز له العفو وقد لا يعفو الولد ، فتأمّل.

__________________

(١) يعني للسفيه.

١٦٨

ولو تكرر الحدّ ثلاثا قتل في الرابعة ، ولو قذف فحدّ فقال : الذي قلت كان صحيحا ، عزّر ، ولو كرّر القذف فحدّ واحد ، ولو تخلّل الحدّ تعدّد.

ولو تنابز الكفّار عزّروا إن خشي الفتنة.

______________________________________________________

قوله : «ولو تكرّر الحدّ ثلاثا قتل في الرابعة» قد مرّ البحث في قتل من تكرر منه الكبيرة وانّه قتل في الثالثة أو الرابعة ، فتذكر.

قوله : «ولو قذف فحدّ إلخ» وجه التعزير إذا قال بعد الحدّ : «القذف الذي قلت كان صحيحا) ظاهر ، وهو انه تعريض بما يكرهه المواجه ، وغير موجب للحد إذا لا يحدّ في أمر واحد مرّتين وغير صريحة أيضا في ذلك.

وامّا وجه عدم تكرّر الحدّ لو قذف شخص واحدا مرّة بعد اخرى من غير توسط قذف ، فهو انّه قذف فحد فيأتي بالمأمور به وخرج الحاكم عمّا وجب عليه ولا شي‌ء غير ذلك.

ووجه التكرر مع التوسط ظاهر ، لانّ كلّ واحد موجب له فلا بد من اتحاد موجبه.

وأيضا تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن (أبي عبد الله عليه السّلام) (١) في الرجل يقذف الرجل فيجلد فيعود عليه بالقذف؟ فقال : ان قال له : ان الذي قلت لك حق لم يجلد ، وان قذفه بالزنا بعد ما جلده فعليه الحدّ ، فان قذفه قبل ان يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه الّا حدّ واحد (٢).

وقد مرّ أمثال ذلك من التداخل في الكفارات والأغسال ، فتذكر.

قوله : «ولو تنابز الكفّار إلخ» أي لو لقب بعض الكفار بعضا بلقب قبيح

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها لكن في الكافي والتهذيب والوسائل أبي جعفر عليه السّلام.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٣.

١٦٩

وسابّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وأحد الأئمة عليهم السّلام يقتله السامع مع أمن الضرر.

______________________________________________________

وعيّره بالأمراض ، لم يعزروا بذلك الّا ان يخشى حصول الفتنة والفساد بان يحصل منهم القتال والجرح أو يتعدّى الى المسلمين فيعزرهم الامام بما يراه كما في غير هذه الصورة.

وهذا هو المشهور بل وما نقل الأكثر فيه الخلاف.

ولعل وجهه انّه يجوز للإمام ان لا يتعرض بهم ويخليهم ومذهبهم في الحدود وهنا بالطريق الأولى ، فتأمّل فيه.

ويحتمل ان يكون المراد إذا وجد من الطرفين أي لقب هذا ذاك وبالعكس مع عدم زيادة أحدهما على الآخر وحينئذ لا يوجبه ويسقط كما يسقط الحدّ بيننا بالتقاذف وان بقي التعزير كما مرّ ، فتأمّل.

بل يحتمل حمله على عدم كونه مقتضيا عندهم شيئا من التعزير أو عدم حرمة لهم فلا يلزم من كسر حرمة بعضهم بعضا ، شي‌ء حتّى يلزم بالتعزير ، ولهذا لو تظاهر الفاسق ، قيل : يسقط حرمته ولا يعزر له لذلك ، فتأمّل.

قوله : «وسابّ النبيّ صلّى الله عليه وآله إلخ» الدليل على قتل من سبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله ، معلوميّة وجوب تعظيمه من الدين ضرورة ، والذي يسبّه منكر لذلك ويفعل خلاف ما علم من الدّين ضرورة ، مثل رمي المصحف في القاذورات وإهانة الله ، واهانة الدين والإسلام ، والعبادات ، وشعائر الله.

ونقل في شرح الشرائع ان جواز قتل السابّ محلّ وفاق.

وتدلّ عليه النصوص ، مثل ما في الرواية الطويلة ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى ، عن أبيه عليهما السّلام ، قال : أخبرني أبي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال (ان) الناس في أسوة سواء ، من سمع أحدا يذكرني ، فالواجب عليه ان يقتل من يشتمني (شتمني ـ خ ل) ، ولا يرفع إلى السلطان ، والواجب على السلطان

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا رفع إليه ان يقتل من نال مني (١).

وحسنة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : ان رجلا من هذيل كان يسبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله فبلغ ذلك ، النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال : من هذا؟ فقام رجلان من الأنصار فقالا : نحن يا رسول الله فانطلقا حتى إذا أتيا عرنة (عربة ـ ئل كا) فسألاه (فسألا عنه ـ ئل) ، فإذا هو بتلقاء (يلي ـ خ ل) (يتلقى ـ ئل) غنمه فلحقاه بين اهله وغنمه فلم يسلما عليه ، فقال : من أنتما؟ وما اسمكما ، فقالا له : أنت فلان بن فلان؟ قال : نعم فنزلا فضربا عنقه ، قال محمّد بن مسلم : فقلت لأبي جعفر عليه السّلام : أرأيت لو ان رجلا الآن سبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أيقتل؟ قال : ان لم تخف على نفسك فاقتله (٢).

وفي رواية مطر بن أرقم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (٣) أيضا ما يدلّ عليه.

ثم ان الرواية تدلّ على وجوب قتله ، وكذا بعض العبارات مثل المتن وقال في الشرائع : من سبّ النبي صلّى الله عليه وآله جاز لسامعه قتله ما لم يخف (٤).

فلعلّه يريد رفع التحريم والمنع ، فيكون الجواز بالمعنى الأعمّ.

والظاهر انّ المراد بالسبّ ، والشتم ، والنيل شي‌ء واحد ، وهو ما يقتضي النقص ، ومعلوم انه مشروط بعدم حصول الضرر على القاتل نفسه وماله وعرضه وكذا سائر المسلمين بمعنى أنه لو ظن أمثال ذلك يجوز له ترك قتله على تقدير الوجوب.

ويحتمل وجوب ترك قتله حينئذ كما هو الظاهر ، ويكون فرق بينه وبين

__________________

(١) الوسائل باب ٢٥ قطعة من حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٩.

(٢) الوسائل باب ٢٥ حديث ٣ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٦٠.

(٣) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٦٠.

(٤) في الشرائع : ما لم يخف على نفسه الضرر أو ماله أو غيره من أهل الايمان ، وكذا من سبّ أحد الأئمة عليهم السّلام.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

سبّه صلوات الله عليه وآله بنفسه فيكون هناك مخيّرا بين التسليم للقتل وبين ان ينالوا ويخلّصوا أنفسهم من القتل كفعل عمار (١) ، المشهور ، فتأمّل.

وامّا أمير المؤمنين عليه السّلام ، فهو ملحق به ، لانّه نفسه كما تدلّ عليه الآية (٢) والاخبار (٣).

وتدلّ عليه أيضا رواية عبد الله بن سليمان العامري ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ايّ شي‌ء تقول في رجل سمعته يشتم عليّا عليه السّلام ويتبرّأ (يبرأ ـ خ ل ئل) منه؟ قال : فقال لي : والله (هو ـ ئل) حلال الدم ، وما ألف رجل منهم برجل منكم ، دعه (٤).

وصحيحة هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في رجل سبّابة لعليّ عليه السّلام؟ قال : فقال لي حلال الدم والله لو لا ان تعمّ به بريئا ، قال : قلت : فما تقول في رجل موذ لنا؟ قال : فيما ذا؟ قلت : فيك يذكرك ، قال : فقال لي : له في عليّ عليه السّلام نصيب؟ قلت : إنّه ليقول ذاك ويظهره؟ قال : لا تعرّض له (٥).

وتدلّ على جواز ترك قتله ، رواية أبي الصباح الكناني ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : انّ لنا جارا من همدان يقال له : جعل (الجعد ـ خ ل كا) بن

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٩ حديث ٢ من أبواب الأمر والنهي ج ١١ ص ٤٧٧.

(٢) قال الله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) الآية ـ آل عمران : ٦١.

(٣) راجع غاية المرام في حجّة الخصام للمتتبع السيد هاشم البحراني الباب الثالث في قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ) إلخ فيه تسعة عشر حديثا من طرق العامة وخمسة عشر حديثا من طريق الخاصّة ص ٣٠٠ ـ ٣٠٣.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٦٢.

(٥) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٦١.

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عبد الله وهو يجلس إلينا فنذكر عليّا أمير المؤمنين عليه وفضله فيقع فيه أتاذن لي فيه؟ فقال : يا أبا الصباح أفكنت فاعلا؟ فقلت : اي والله ان (لئن ـ خ كا) أذنت فيه لي فأرصدته (لارصدته ـ كا) ، فإذا صار فيها اقتحمت عليه بسيفي فخبطته حتّى اقتله ، قال : فقال : يا أبا الصباح هذا الفتك فقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الفتك ، يا أبا الصباح إنّ الإسلام قيد الفتك ، ولكن دعه فستكفي بغيرك ، قال أبو الصباح : لما رجعت من المدينة إلى الكوفة لم البث بها إلّا ثمانية عشر يوما فخرجت الى المسجد فصلّيت الفجر ثم عقبت ، فإذا برجل يحرّكني برجلي (برجله ـ كا) ، قال : يا أبا الصباح ، البشرى ، قلت : بشرّك الله بخير فما ذاك؟ قال : ان جعد بن عبد الله مات البارحة في داره التي في الجبانة فأيقظوه للصلاة ، فإذا هو مثل ذقّ المنفوخ ميتا فذهبوا يحملونه ، فإذا لحمه يسقط عن عظمه فجمعوه في نطع (١) ، فإذا تحته اسود ، فدفنوه.

وعن الحسن بن محبوب في الصحيح مثله (٢).

وفيها دلالة على استيذان الامام.

وتدلّ عليه مرفوعة إبراهيم بن هاشم ، عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليه السّلام ـ أظنه أبا عاصم السجستاني ـ أخبر أبا عبد الله عليه السّلام بأنّه قتل سبعا ممن يشتم أمير المؤمنين عليه السّلام ، قال له : يا أبا خداش عليك بكلّ رجل منهم قتلته كبشا تذبحه بمنى ، لأنّك قتلتهم بغير اذن الامام عليه السّلام ولو انّك قتلتهم بإذن الإمام عليه السّلام لم يكن عليك شي‌ء في الدنيا والآخرة (٣).

__________________

(١) النطع بالكسر والفتح كغيب ، وكطبق أيضا ، بساط من الأديم ويجمع على انطاع ونطوع (مجمع البحرين).

(٢) فروع الكافي باب النوادر من كتاب الدّيات حديث ١٦ ـ ١٧ ج ٢ طبع أمير بهادري.

(٣) فروع الكافي باب النوادر من كتاب الدّيات حديث ١٧ ج ٢ طبع أمير بهادري.

١٧٣

ومدّعي النبوّة والشاك في نبوة نبيّنا صلّى الله عليه وآله ممن ظاهره الإسلام وعامل السحر المسلم ، يقتلون ، ولو عمله الكافر أدّب.

______________________________________________________

وهي أيضا مشعرة بجواز ترك قتل السابّ ، فتأمّل.

ثم انّ الظاهر من كلامهم إلحاق الباقي من الأئمة عليهم السّلام به عليه السّلام ، ويدلّ عليه وجوب مودتهم وتعظيمهم الثابت بالنص كتابا (١) وسنة وإجماعا ، وكونه معلوما من الدين ضرورة.

ويشعر به ما في صحيحة هشام بن سالم المتقدمة حيث قال له : (في عليّ نصيب إلخ) (٢) أي ان كان يحب أمير المؤمنين عليه السّلام لا تعرّض له ولا تقتل فكأنّهم عليهم السّلام لطفوا به ، وهبوا به (وهبوه ـ ئل) بذلك.

وكأنه إشارة إلى انّه ليس من العداوة والبغض وعن (٣) المعرفة ، بل للجهل بحالهم عليهم السّلام فيكون إشارة إلى كون الجاهل معذورا ولا شكّ في ذلك ان كان ممن يمكن الجهل في شأنه.

وكذا في سائر الأمور الضروريّة كما قيل في مستحلّ ترك الصلاة فتأمّل.

وألحقوا فاطمة سلام الله عليها بهم عليهم السّلام أيضا ، لأنّها بضعة منه وتعظيمها وحرمتها معلوم من دين الإسلام.

قوله : «ومدّعي النبوة يقتل إلخ» دليل وجوب قتل مدّعي النبوّة انّه يدّعي حقيّة ما علم بطلانه من الدين ضرورة ، فيرتد فيقتله.

وهكذا (كذا ـ خ ل) وجوب قتل الشاك في نبوة النبي صلّى الله عليه وآله إذا كان مسلما ظاهرا ، فإنّه ارتداد واضح من المسلم ، فيجب قتله.

نعم ذلك من الكفار غير موجب لشي‌ء ، لإقرارهم على دينهم ان كانوا من

__________________

(١) قال الله عزّ وجلّ (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ـ الشورى : ٢٣.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٦١.

(٣) هكذا في النسخ ولعل الصواب وعدم المعرفة.

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أهل الذمة ومأمونا ان كان من غيرهم آمنين وان كان من غيرهم فهو موجب للقتل على الوجه المقرّر في القتال.

وامّا قتل الساحر من المسلمين ان كان مستحلا فهو ارتداد الّا مع الدعوى وإمكان القبول ، فهو مثل غير المستحل.

وامّا قتل غير المستحل وعدم قتل الكافر ، فدليله رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل ، قيل (فقيل ـ خ ل ئل) : يا رسول الله ولم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال : لانّ الكفر (الشرك ـ خ ل) أعظم من السحر ، ولانّ السحر والشرك مقرونان (١).

ولانّه موجب للفتنة والفتنة أكبر من القتل.

ورواية زيد الشحّام ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه (٢).

وفي طريق الثاني سيار (٣) وهو مجهول.

ورواية زيد بن علي ، عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام ، قال : سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الساحر؟ فقال : إذا جاء رجلان عدلان فشهدا (بذلك ـ خ) عليه فقد حلّ دمه (٤).

فيها دلالة على اشتراط العدالة في الشهود.

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٧٦.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٧٦.

(٣) طريقه ـ كما في الكافي باب حدّ الساحر من كتاب الحدود ـ هكذا : حبيب بن الحسن ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن بشار (سيا ـ خ ل ئل) عن زيد الشحام.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٧٧.

١٧٥

وكلّ من فعل محرّما أو ترك واجبا عزّره الامام بما يراه ولا يبلغ حدّ الأحرار ان كان حرّا وحدّ العبيد ان كان عبدا.

______________________________________________________

وانه يجوز قتله لكلّ أحد ، فتأمّل.

ورواية إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبيه ان عليّا عليه السّلام كان يقول : من تعلّم من السحر شيئا (شيئا من السحر ـ ئل) كان آخر عهده بربّه ، وحدّه القتل (١) (الّا ان يتوب ـ ئل).

قوله : «وكل من فعل حراما إلخ» قد مرّ دليل وجوب التعزير لكلّ محرّم فعلا أو ترك واجب ، مفصلا في شرح قوله : (وكل تعريض بما يكره إلخ) وانه ما كان شي‌ء يدل على الكلّية بخصوصها.

نعم يمكن فهم الكليّة من سوق الاخبار بضرب من القياس ، أو الإشعار في البعض وقد مرّت فتذكر.

وامّا كون التعزير غير محدود ، فللأصل وللروايات ، مثل ما في رواية جرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قال الرجل للرجل : أنت خبيث (خبث ـ خ ل) ، و (أو ـ ئل) أنت خنزير فليس فيه حدّ ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة (٢).

وامّا كونه بما يراه الامام عليه السّلام فللأصل ، ولما سبق ، في بعض الاخبار من الإشارة على ذلك.

ومثل ما في مضمرة سماعة ، قال : سألته ، عن شهود الزور (زور ـ خ ئل)؟ فقال : يجلدون حدا ليس له وقت وذلك الى الامام عليه السّلام (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٧٧.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٢.

(٣) الوسائل باب ١١ صدر حديث ١ و ٢ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨٤ وللحديث ذيل لاحظه.

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه دلالة على عدم التعيين أيضا ولكنها ليست بكليّة إذ قد مرّ على التعيين في مواضع ، مثل الوطء في الحيض وفي شهر رمضان وغيرهما فهي مستثناة من هذه القاعدة.

إلّا أن يقال : تلك حدود ولكن خلاف المشهور.

وامّا عدم التجاوز عن حدّ الحرّ ان كان المعزّر حرّا ، وعن حدّ المملوك إذا كان عبدا ، فليس دليله أيضا واضحا ، نعم في بعض الاخبار إشارة مجملة إلى أنه لا يصل الحدّ ، أو «مائة سوط الّا سوطا» ونحو ذلك.

وفي رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (عن آبائه ـ ئل) ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين (١).

وما سيجي‌ء في عتق العبد من ضربه في غير الحدّ حدا.

وجعل في شرح الشرائع ، الضابط في عدم وصوله الى الحدّ ، عدم وصول كلّ جنس الى حدّ ذلك الجنس ، مثل : انّه ان كان سبّا لا يصل الى حدّ القذف ومباشرة النساء دون الجماع حدّ الزنا ونحو ذلك ، ونقله عن الشيخ والمختلف.

ودليله ـ غير استحسان العقل ـ غير واضح ، وذلك ليس بحجّة.

مع انّه قد لا يكون في كلّ جنس حدّ.

على ان بعض الاخبار يدلّ على عدم تجاوزه عن الأربعين مطلقا ، وهو أقل حدّ في مملوك عند بعض كالصدوق.

لرواية حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : كم التعزير؟ فقال : دون الحدّ ، قال : قلت : دون ثمانين؟ قال : (فقال ـ خ) : لا ولكن دون الأربعين ، فإنّها حدّ المملوك ، قال : قلت : وكم ذاك؟ قال : (واقله ـ خ)

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٦ بالسند الثاني من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٢.

١٧٧

ولا يؤدّب الصبيّ والمملوك بأزيد من عشرة أسواط.

______________________________________________________

على قدر ما يرى الوالي من ذنب الرجل وقوّة بدنه (١).

ويدلّ على كون أكثره عشرين ، واقله عشرة ، صحيحة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله (أبا إبراهيم ـ ئل) عليه السّلام : التعزير كم هو؟ قال : بضعة عشر سوطا ما بين العشرة إلى عشرين (٢).

وفي إسحاق قول ، فتأمّل.

قوله : «ولا يؤدّب الصبي إلخ» ظاهره جواز (٣) تأديب الصبي والمملوك لمن يجوز له تأديبهما أكثر من عشرة أسواط.

وظاهر بعض العبارات ، الكراهة ، قال في الشرائع : ويكره ان يزاد في تأديب الصبي لمن يجوز له تأديبهما أكثر من عشرة أسواط وكذا المملوك.

دليلهما غير ظاهر ، فإنّ التأديب ينبغي أن يكون على حسب ما يراه المؤدّب ، فإنّه به يحصل الأدب المطلوب منها فلا يجوز فوقه ، ودونه يجوز.

ويمكن كراهة الترك ، بل تحريمه إذا انجرّ الى وقوعهما الى المحرّمات وتضيعهما (وتضييعهما ـ خ).

نعم قد يقال : ان كان الأمر بالنسبة إلى حال المالك يكون العفو له حسنا.

ويدلّ عليه الرواية ، وفي رواية انّه عليه السّلام حلف ان يضرب غلامه ولم يفعل وعفا ، وقال : العفو لا حنث فيه (٤).

وكذا التخفيف ، وكذا في الولد ، فإنّه قد يظن الولي التأديب بأقلّ وأكثر ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ بالسند الثاني من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨٤.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨٣.

(٣) هكذا في النسخ كلّها ، والصواب عدم جواز إلخ.

(٤) لا حظ الوسائل باب ٣٨ حديث ١ من كتاب الايمان ج ١٦ ص ٢٠٦ منقول بالمعنى فلا حظ.

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوّز الزيادة لزيادة الأدب ، أو لسرعته ، وهنا أيضا قلته اولى ، وقد يكون عفوه أيضا أولى.

وفي الاخبار ما يدلّ على خمسة أو ستة ، مثل رواية حماد بن عثمان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : في أدب الصبي والمملوك؟ فقال : خمسة أو سنة وارفق (١).

وفي الفقيه : وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا يحلّ لوال يؤمن بالله واليوم الأخر ان يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدّ وأذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة (٢).

وروى السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ـ ئل) القى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخيّر بينهم ، فقال : اما انّها حكومة ، والجور فيها كالجور في الحكم ، أبلغوا معلّمكم ان ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب ، اقتصّ منه (٣).

يحتمل أن يحمل على ان المصلحة تقتضي ذلك.

وكذا رواية إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ربما ضربت الغلام في بعض ما يحرم ، فقال : وكم تضربه؟ فقلت : ربما ضربته مائة ، فقال : مائة مائة فأعاد ذلك مرّتين ثم قال : حدّ الزاني (الزنا ـ خ)؟ اتق الله : فقلت : جعلت فداك فكم ينبغي لي ان أضربه؟ فقال : واحد (واحدا ـ خ) ، فقلت : والله لو علم اني لا أضربه إلّا واحدا ما ترك لي شيئا إلّا أفسده ، فقال : فاثنين ، فقلت : هذا هو هلاكي ، قال : فلم أزل أماكسه حتّى بلغ خمسة ثم غضب فقال : يا إسحاق إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه ولا تعدّ حدود الله (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨١.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨٥.

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨٢.

(٤) الوسائل باب ٣٠ حديث ٢ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٩.

١٧٩

ويستحب لمن ضرب عبدا حدّا في غيره ، عتقه.

______________________________________________________

والاولى ترك الضرب ، وعلى تقديره فالتخفيف ، مهما أمكن كما يدلّ عليه ما مر ، ورواية أحمد بن محمّد في مسائل إسماعيل بن عيسى عن الأخير عليه السّلام في مملوك يعصي صاحبه أيحلّ ضربه أم لا؟ فقال : لا يحلّ ضربه (ان يضربه ـ ئل) ان وافقك فأمسكه ، والّا فخلّ سبيله (١).

ثم انّه ان ضربه فيضربه للتأديب وإصلاحه أو فعله حراما وتركه الواجب لا لغضبه وإطفاء غيظه والانتقام منه كما تدلّ عليه مرسلة علي بن أسباط عن بعض أصحابنا قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الأدب عند الغضب (٢).

ولا يضرّ ضعف السند بما ترى ، لأنّها موافقة للعقل والنقل ، وهو ظاهر ، فانّ العبد المؤمن لا ينبغي أن يفعل ويترك الّا لله.

قوله : «ويستحبّ لمن ضرب إلخ» يعني إذا ضرب الإنسان مملوكه مقدار الحدّ ـ في موضع لم يكن عليه الحدّ ، بل التعزير والتأديب فقط أم لم يكن عليه شي‌ء أصلا على الاحتمال ـ ان يعتقه.

لصحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : من ضرب مملوكا حدّا من الحدود من غير حدّ أوجبه المملوك على نفسه ، لم يكن لضاربه كفارة إلّا عتقه (٣).

حملوها على الاستحباب ، كأنّه لعدم القائل بالوجوب ، واحتمال ضعف أبي بصير وبعد مضمونها عن القواعد في الجملة.

ثم إنّ ظاهرها تجويز الحدّ على المملوك ، وهو والعتق يدلّان على ان

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٧.

(٢) الوسائل باب ٢٦ حديث ٢ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٧.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب مقدّمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٧.

١٨٠