مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

والمدفوع هدر ، والدافع شهيد.

______________________________________________________

ولا يتعدّى ولا يتخطّى عن الأسهل إلى الأشق كما في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لان المقصود ، الدفع ، فإذا حصل بالأسهل قبح التعدّي ، وهو ظاهر.

فلو حصل المقصود بمجرد الصياح بان يندفع ولا يتعرض بالنفس والبضع والعرض والمال الذي هو المطلوب ، يقتصر عليه ولا يتعدى الى الشتم.

ثم في الشتم يكتفى بالمرتبة الأدنى إن أفادت المقصود ، والّا يتعدّى الى المفيد مقتصرا عليه.

وكذا ان احتاج الى الضرب باليد.

وكذا ان تعدّى الى العصا والحجارة أو السلاح الجارحة ، مثل السكين والسيف ويلاحظ في الضرب به أيضا بأن يختار الأضعف على الأشدّ ، والمواضع الغير القاتل ، على القتل ، والجرح القليل ، على الكثير ، مع عدم الحاجة.

والمدفوع ـ لو هلك مع عدم التعدي ـ هدر ، وكذا جرحه ولا قصاص له ولا أرش.

وكذا لا عوض لماله لو تلف أو جرح.

كلّ ذلك معلوم من العقل والنقل.

ولو تلف الدافع فهو كالشهيد في الأجر لا في سقوط أحكام الميّت مثل الغسل والكفن كأنه المراد بما روى أبو بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يقاتل عن (دون ـ خ) ماله فقال (قال ـ خ ل) : ان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : من قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد ، فقلنا (فقلت ـ خ) له : أفنقاتل أفضل أو لا؟ فقال ان لم يقاتل فلا بأس امّا انا فلو كنت لتركه ولم أقاتل فيه (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٤٦ حديث ١٠ من أبواب جهاد العدوّ ج ١١ ص ٩٣ لكن الراوي الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل إلخ وهو الحق كما في الكافي باب فضل الشهادة والتهذيب باب الشهداء وأحكامهم فراجع وتتبع.

٣٠١

ولا يبدأ الدافع الّا مع القصد.

فإن أدبر كف عنه ، فان عطّله قاصدا لم يذفّف (١).

ولو قطع يده مقبلا فلا قصاص وان سرت ، فلو ضربة أخرى مدبرا ضمن ، وان سرتا اقتص بعد ردّ نصف الدية ، وان سرت الاولى ثبت قصاص الثانية خاصّة ، وان سرت الثانية ثبت قصاص النفس.

______________________________________________________

فيها دلالة على جواز المقاتلة على المال وعدم وجوب حفظه بها ، بل الأفضل حينئذ ، الترك حتّى يؤخذ المال.

ولعدم صحّة الرواية ووجود المبالغة في أمثال ذلك في الأخبار.

وأيضا ، الدافع إذا تلف مضمون على قاتله ، وكذا لو حصل فيه نقص ومضمون على المتلف المدفوع ، وكذا ماله وجرحه.

قوله : «ولا يبدأ الدافع إلخ» أي لا يبدأ الدافع الذي هو يدفع اللص والمحارب عن النفس أو الحريم أو المال الّا بعد ان علم انه قصد النفس أو المال أو الحريم

فإذا أدبر المحارب واللص بمجرد عرفانه أنّ الإنسان غير نائم أو بمجرد الصياح أو رمي شي‌ء ، كفّ عنه أي لا يجوز قتله وضربه وان جاز الصياح عليه ورميه بما يعرف عدم اصابته وعدم تضرره بذلك ، فان عرف انّه ان صاح ، يأخذوه ويقتلوه ويفعلون به ما ليس بحق ، لا يجوز له ذلك الصياح ، فان عطّله مثل ان جرحه جرحا صار معطّلا لا يقدر على شي‌ء أو قطع رجليه ، أو واحدة بعد ان كان هو قاصده ولا يمكن دفعه الّا بذلك ، لا شي‌ء عليه في ذلك وكان له ذلك ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو قطع يده مقبلا إلخ» أي لو قصد المحارب واقبل على (إلى ـ خ) من يريد نفسه أو ماله أو عرضه ، يضربه حتّى قطع يده مع عدم اندفاعه الّا

__________________

(١) التذفيف على الجريح الإجهاز عليه وتحريم قتله يقال : ذفّفت على الجريح تذفيفا إذا أسرعت قتله (مجمع البحرين).

٣٠٢

فان قطع يده مقبلا ثم رجله مدبرا ثم يده مقبلا وسرى الجميع أو يديه مقبلا ورجله مدبرا ، فالنصف فيهما على رأي.

______________________________________________________

به ، فلا قصاص ولا دية له عليه ، وان سرت الى نفسه ، فماتت ، وهو معلوم ممّا تقدم.

فلو ضربه ضربة أخرى وهو مدبر ومنهزم أو كان تاركا لإرادته إيّاه لعجزه أو لخوفه أو غير ذلك ، كانت ذلك حراما ومضمونة ، فله عليه القصاص مع الإمكان ، والّا الدية ، فإن سرت الضربتان معا حتى ماتت اقتصّ له من الضارب الدافع بعد رد نصف ديته ، لانه قتل بأمرين (أحدهما) جائز غير مضمون ، (والآخر) حرام ومضمون فيكون النصفين ، فلا يمكن التنصيف الا بردّ الدية ، وأمثاله كثيرة.

مثل ان قتل رجل امرأة ، فإنه يقتل بها بعد ردّ نصف الدية ، ومثل ان اقتصّ من الظالم بقطع يده ثم قطع يده الأخرى فسرتا.

فان سرت الاولى فقط وماتت بها ثبت له قصاص الثانية خاصّة ان كان ممّا يقتصّ ، والّا فديته خاصّة.

وان سرت الثانية فقط ثبت له قصاص النفس من غير ردّ شي‌ء أصلا ، لأن المهلك هو الضربة المضمونة المحرّمة ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو قطع يده مقبلا ثم إلخ» أي لو قطع الدافع يد السارق مقبلا على الوجه الجائز الغير المضمون ثم قطع رجله مدبرا على الوجه الغير الجائز المضمون ثم قطع يده الأخرى أيضا مثل الاولى مقبلا وسرى الجميع حتّى مات أو قطع يديه مقبلا دفعة ، أو بالترتيب ثم رجله مدبرا وسرى الجميع أيضا حتّى مات ، فعليه في المسألتين نصف النفس فيقتل به قصاصا بعد ردّ نصف ديته ، أو يؤخذ نصف الدية منه ان توافقا على الدية على رأي المصنف ، لأنه أتلفه بجائز غير مضمون وبغير جائز مضمون فانتصفت الجناية.

ويحتمل ان يكون عليه ثلث النفس فيردّ إليه وليّ الدم ثلثي الدية فيقتله أو يردّ اليه ثلث الدية مع التراضي ، لأنه قتل بثلاث جراحات ، ثنتان غير مضمونتين ،

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والواحدة مضمونة ، فتكون موزعّة على الجراحات بتلك النسبة.

قال في الشرح : ولا شك في المسألة الثانية ـ أعني التي قطع فيها يديه مقبلا ورجله مدبرا ، لتتالي الجرحين المباحين من غير تخلّل محرّم فصار كالواحد فقتل بسبب مباح وسبب محرّم ، والشيخ وافق غيره في ذلك ولم يعتبر التعدد.

وامّا الاولى ـ اعني التي حصل فيها جرحان مباحان بينهما جرح محرّم فقال الشيخ (فأفتى في المبسوط ـ الشرح) : على الجارح ثلث الدية ان اصطلحا لعدم التتالي باعتبار تخلّل الجرح المحرّم بينهما فله يتجانس الجراح ، فلم يبن أحدهما على الآخر.

وقال المحقّق والمصنف في غير هذا الكتاب صريحا وفيه ظاهرا (١) : ان عليه النصف لأن جناية الطرف أسقط اعتبارها مع السراية إلى النفس كما لو تخلّل بين جرحين عادتين جرح عاد آخر ، فإنه مع السراية يتساويان دية وقصاصا والشيخ موافق على هذا.

ويمكن الفرق بأن المجانسة هنا حاصلة إذ الجراحات الثلاثة مضمونة ، بالخلاف المتنازع ، فان ثانيها خاصّة مضمون فلا يمكن البناء.

ويمكن الجواب (٢) بان جرح الثاني بالنسبة إلى الأوّل غير مضمون وقد تخلّل بين الجرحين المضمونين ، جرح غير مضمون ولم يمنع البناء فكذا عكسه (٣).

ولا يخفى ما فيه ، فان الجواب عن الفرق غير ظاهر ، لان الجرح المتوسط غير مضمون أصلا فيما نحن فيه وفي صورة النقص مضمون لكن لا بالنسبة إلى الجارح الأوّل وكونه غير مضمون بالنسبة إليه ، غير نافع.

__________________

(١) بل فيه صريحا أيضا (منه) كذا في هامش بعض النسخ.

(٢) الظاهر ارادة الجواب عن قوله : ويمكن الفرق.

(٣) الى هنا ما نقله بقوله قدّس سرّه : قال في الشرح ولا شك إلخ.

٣٠٤

ولو وجد مع زوجته أو غلامه أو جاريته من يناله دون الجماع فهو هدر ان لم يندفع بالدفاع.

ولو زجر المطلع ، فإن أصرّ فرماه بحصاة أو عود ، فهدر.

______________________________________________________

وان المجانسة بذلك لا يستلزم البناء وعدمها عدمه فإنه إذا كان الطرف داخلا لم يحصل فرق بذلك أصلا ، ففي الكلّ ينبغي النصف.

الّا ان يقال : بعدم جواز دخول الطرف في النفس فالثلث متجه فيحتمل الثلث في الكلّ ، فتأمّل.

قوله : «ولو وجد مع زوجته إلخ» أي ان وجد شخص ان رجلا بامرأته أو جاريته أو غلامه (ينال) دون الجماع مثل التفخيذ والتقبيل فله قتله ، ودمه هدر ولا قصاص ولا دية له ان لم يندفع بغير القتل ، وان دفع بغيره فتلف فدمه أيضا هدر ، لانه من الدفاع الجائز بل الواجب.

وفي حكمهم الولد ، بل جميع الأقارب ، بل يمكن جميع الخلق من باب النهي عن المنكر.

واحترز بقوله : (دون الجماع) عنه في الزوجة فإنه يجوز قتله كما مرّ.

ويحتمل إلحاق الجارية ، والغلام ، والولد ، بها.

ومعلوم ان السقوط بينه وبين الله لا يحتاج إلى الإثبات عند الحاكم بالبيّنة وغيرها ، فلو لم تكن له بيّنة ولم يثبت بالإقرار ، يقتصّ منه أو يؤخذ الدية وان كان مظلوما في نفس الأمر.

والظاهر جواز ذلك وان علم عدم إمكان إثباته ، ولكن ان علم انه يقتل قصاصا ففي القتل الموجب لذلك ظاهرا إشكال ، فتأمّل.

وامّا ان اندفع بالدفع فتعدّى فقتله فظاهر العبارة انه مضمون ، فلو كان عمدا يكون موجبا للقصاص والّا فالدية ، فتأمّل.

قوله : «ولو زجر المطّلع إلخ» أي لصاحب الدار والأهل زجر من يطّلع

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وينظر إلى أهله ، فإن أصرّ ولم ينزجر ولم يترك بالكلام والمنع والزجر بدون الرمي ، فله رميه بالحصى والعود ونحوهما ، فان رماه فقتل به أو عمي بصره ، فهو هدر لا دية ولا قصاص له.

وجهه ظاهر وبه رواية مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : أيما رجل اطلع على قوم في دراهم لينظر الى عوراتهم (فرموه ـ خ) وفقئوا عينه وجرحوه فلا دية (له عليهم ـ خ) ، وقال : من بدأ (اعتدى ـ ئل) فاعتدي عليه فلا قود له (١)

ومثلها في رواية العلاء بن الفضيل عنه عليه السّلام وزاد في آخرها (٢) بعد قوله : فرموه : فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينيه فليس عليهم غرم : وقال : ان رجلا اطلع من خلل حجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله بمشقص (٣) ليفقأ عينه فوجده قد انطلق فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أي خبيث اما والله لو ثبت لي لفقأت عينك (٤).

ولا فرق في ذلك بينه صلّى الله عليه وآله وبيننا.

وصرّح به في رواية عبيد بن زرارة قال (٥) : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : اطّلع رجل على النبي صلّى الله عليه وآله من الجريد فقال له النبي صلّى الله عليه وآله : لو اعلم انّك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتّى افقأ به عينيك ، قال : فقلت له : وذلك (أذلك ـ ئل) لنا؟ فقال : ويحك أو ويلك أقول لك انّ رسول الله

__________________

(١) الوسائل باب ٢٥ حديث ٧ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٥٠.

(٢) الصحيح في أولها.

(٣) هو كمنبر نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض وإذا كان طويلا فهو المعبلة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٢٥ حديث ٦ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٤٩ ، صدرها هكذا : العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السّلام قال إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من خلل شي‌ء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقأوا عينيه فليس عليهم غرم وقال : ان رجلا إلخ.

(٥) في الوسائل عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : اطلع إلخ.

٣٠٦

ولو بادر من غير زجر ضمن أو رمى إذا الرحم بعد الزجر الّا أن تكون المرأة مجرّدة.

ولو تلفت (ماتت ـ خ) الدّابة الصّائلة بالدفع فلا ضمان.

ولو انتزع يده فسقطت أسنان العاضّ فلا ضمان.

______________________________________________________

صلّى الله عليه وآله فعل وتقول : أذلك لنا؟ (١).

وهذه صريحة في كون فعله صلّى الله عليه وآله حجّة للجواز لنا.

وهما يدلّان على جواز القتل والجرح والفقأ قبل الزجر بغير ذلك ، ومع إمكان الدفع بغيره فخصصت بالاجتهاد بذلك.

فيحتمل بذلك مطلقا جزاء للعادي الّا ان يكون جاهلا محضا ، فتأمّل.

ولو بادر فرماه قبل الزجر بالكلام فقتله أو فقأ عينه ، ضمن ذلك فعليه مقتضى ما فعله من قصاص وجناية نفسا وطرفا وجرحا ، وهو ظاهر.

ولا فرق بين الرّحم وغيره فيما (إذا ـ ئل) لم يكن جائزا لنظره.

وكذا يضمن إذا كان المطلع ذا رحم ، يجوز نظره الى من في الدار ولم يكن غيره فيها فرماه فجنا عليه نفسا وغيرها.

وان كان بعد المنع والزجر بالكلام ولم يمتنع ، وكان نظره جائزا له منعه الّا أن تكون المرأة المنظورة إليها في الدار مجردة (وقد ـ خ) كان نظر المطلع الى عورتها فمنعه ولم ينزجر فرماه وجنى ، فإنه حينئذ غير ضامن ، وكلّ ذلك ظاهر.

قوله : «ولو تلفت الدابة الصائلة إلخ» لو صالت الدابّة على شخص فله دفعها ، فلو تلفت بالدفع لم يضمنها ، ولو انتزع المعضوض يده من فم (يد ـ خ) العاضّ دابّة كان أو إنسانا فسقطت أسنان العاضّ ، فلا ضمان ، فلا يضمن المعضوض أسنان العاضّ لأنه لخلاص عضوه من المتعدّي ، فليس بأقلّ من الإتلاف بالدفع.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٥ حديث ٤ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٤٨.

٣٠٧

وان افتقر الى الجرح بالسكين أو اللكم جاز ويعتمد الأسهل وجوبا مع الامتناع به فيضمن لو تخطّاه.

ويضمن الزحفان العاديان ، فان كف أحدهما وصال الآخر ضمن ولو دفعه الممسك فلا ضمان ان ادّى الدفع إلى جناية.

______________________________________________________

وان افتقر دفع الصائل وانتزاع اليد من فمه الى الجرح بالسكين ، والسيف أو الى اللكم أي ضربه بكلّ الكف ، جاز بل قد يجب ، فلو حصل حينئذ بذلك جناية لا يضمن أرشها ، وهو ظاهر.

ويجب ان يعتمد في ذلك ، فيفعل الأسهل فالأسهل ، فلا يتعدّى من الدفع بالصياح إن أمكن وجوبا ، الى الضرب ، ومنه ، الى الجرح.

وكذلك (وكذا ـ خ) في مراتب الضرب والجرح ، فان تعدّى فتخطّى من الأسهل مع إمكان الدفع به ، الى الأشق ، ضمن ما فعله من الجناية.

والوجه ظاهر ، فان التسويغ انما هو للدفع ، فيناط بما يمكن ممّا لا ضرر فيه على احد.

فان لم يمكن بدون ضرر فيجوز إدخاله على العادي ، فالأقلّ ضررا كعادمه بالنسبة إلى الأكثر كما في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر على ما مضى مفصّلا.

قوله : «ويضمن الزحفان إلخ» أي إذا تقاتلت الطائفتان العاديتان ظالم كلّ واحدة الأخرى فيقتل بعضهم بعضا للنفس ، عداوة ، أو للمال ، أو لأخذ البلاد ، أو السلطنة فلا يجوز لهم ذلك فيضمن كلّ واحد ما يفعل من الجناية على الآخر من الأموال والأنفس والجراحات فان كفّ وامتنع إحداهما وصالت الأخرى عليها تكون هي المتعدّية والأخرى تكون دافعة.

فالأولى تكون ضامنة لكلّ ما يتلف ، بخلاف الثانية ان اقتصرت على الدفع ولم تتجاوز عنه.

٣٠٨

ولو تجارحا وادّعى كلّ الدفع ، تحالفا وضمن.

______________________________________________________

ولو دفع الطائفة الطائفة الممسكة الكافّة عن نفسها أو مالها ، الصائلة فأتلفت أو قطعت طرفها أو جرحت أو أتلفت مالها ، لا ضمان عليها ، وهو ظاهر ممّا سبق.

وكذا كلّ صورة تكون إحداهما عادية فقط ، مثل ان تكون المقاتلة مع الامام فتكون الدافعة (دافعة ـ خ) غير ضامنة (ضامن ـ خ) والآخر ظالما وباغيا وضامنا وهو أيضا ظاهر.

قوله : «ولو تجارحا وادّعى إلخ» لو تجارح كلّ واحد من الشخصين مع الآخر أي هذا على الآخر ، وذلك ، عليه ، وادّعى كلّ واحد التعدّي وينكر الآخر ذلك ، بل قال : انه فعل دفعا عن نفسه ، فكلّ يدّعي على الآخر الجرح المضمون ، والآخر ينكر ذلك فيقول : انا كنت دافعا ، فكلّ واحد منهما مدّع ومدّعى عليه ، فعليه يمين من جهة الإنكار ، والبيّنة من جهة الدعوى ، فمع البيّنة مقدم.

وان كانت لكلّ منهما ثبت الجرحان ويتساقطان مع تساوي ديتهما ، ومع التفاضل يرجع صاحب الزائد بالزيادة.

ومع عدم البيّنة للمدعي على انه كان دافعا يحلف كلّ منهما ، فيحلف على نفي كونه دافعا فيثبت به الجرحان فيثبت لكلّ ، الدية لا القصاص وان كان الدعوى عمدا ، للاحتياط واحتمال صدق المدعى ، والشبهة.

وانما قدّم قول المنكر مع الدية ، لأن الأصل في المسلم ان يكون دمه محرّما ولم يكن هدرا.

وفيه تأمّل لأنه قد ثبت الجرحان ، فان كان مقتضاهما ، القصاص ينبغي ثبوته مع عدم المانع ، وهو ليس بحدّ حتّى يسقط بالشبهة.

والأصل ، والاحتياط ليس بحجة الّا ان الموجب انما هو العمد العدوان ، وذلك غير ثابت ، والأصل عدمه.

٣٠٩

ولو أكرهه الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول في بئر فالضمان على بيت المال ان كان لمصلحة عامّة ، ولو لم يكرهه ، فلا دية.

______________________________________________________

وأيضا يحتمل ان يحلف كلّ واحد على عدم كونه عاديا وعدم فعل ما يوجب الضمان ، لأن الأصل عدمه ، فلا ضمان على احد.

ومع النكول يعلم الحكم ممّا تقدم ، فتذكر فتأمّل.

قوله : «ولو أكرهه الإمام إلخ» لو أكره الامام شخصا بالصعود على نخلة أو بالنزول في بئر فتلف أو حصل فيه نقص بجرح وقطع ، فضمان ذلك على بيت المال ان كان الانزال والإصعاد لمصلحة عامّة للمسلمين كإخراج جيفة عن بئر يشرب المسلمون منها ، والصعود لأخذ مال الزكاة أو ليطلع وينظر في الطريق ويخبر المسلمين بهجوم الكفّار حيث يكون بينهما جبل حائل ونحو ذلك.

وان كان لمصلحة نفسه ، فالضمان على الإمام.

وان كان لمصلحة نفس الصاعد والنازل ، فلا ضمان على احد.

قال في الشرائع : وفي هذا الفرض منافاة للمذهب فإن الإمام عليه السّلام لم يجبر أحدا على ذلك فيقدر فرضه في النائب.

ويمكن ان يقال : قد تقتضي مصلحة المسلمين مثلا ذلك ولم يفعله احد برضاه فللإمام ان يقهره عليه فإنه يجوز له قهر الناس على الجهاد مثلا وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبعث الى الآفاق.

نعم قد يناقش في لزوم الدية ، حينئذ.

ويمكن ان يقال : ويجوز ان يكون ذلك جائزا هنا ، بل يجب دفع ذلك ، يترتب عليه الضمان ويكون من بيت مال المسلمين لكونه لمصالحهم أيضا مع الضمان ، إذ لا تنافي بين الجواز والضمان كما في التأديب بل وبين الإيجاب والضمان كما في الختان والطبيب ، والبيطار فتأمّل.

٣١٠

ولو أدّب زوجته أو ولده ، ضمن الجناية.

ولا ضمان على المأمور بقطع السلعة.

ولو قطعها الأب أو الجدّ أو الأجنبي عن الصغير والمجنون ، ضمنوا.

______________________________________________________

نعم لا بد من دليل ، ولا يكفي مجرّد تلفه.

ولو لم يكرهه ، بل هو صعد أو نزل باختيار نفسه ، فلا دية له ولا ضمان على احد.

ولو كان بأمر الإمام من غير اكراه للمصالح مع حصره في ذلك وعدمه ، يحتمل الضمان أيضا ، ويمكن إرجاعه إلى الإكراه ، فتأمّل.

قوله : «ولو أدّب زوجته إلخ» أي لو أدّب من له التأديب مثل الزوج أدّب زوجته والولي أي الأب والجدّ له بل الوصي منهما أيضا ، فأدّى إلى تلف النفس أو الجرح الموجب للضمان يضمن المؤدّب جنايته ، لانه تعدّ موجب للضمان ، يضمن ولا ينافيه جواز أصل التأديب ، فان الجواز هو التأديب لا الإتلاف ولو فرض ذلك لم يرخّص له ذلك ، فتأمّل.

قوله : «ولا ضمان على المأمور إلخ» لو أمر صاحب السلعة البالغ العاقل ـ وهي كالغدد في الجسد ـ شخصا بقطعها فقطعها وسرت حتّى تلف أو تلف العضو الذي هو فيه ـ وبالجملة ثبت عليه ضرر ـ لم يضمنه المأمور ، فإنه فعل بأمر صاحبها للمكلّف البالغ الذي له الأمر والاذن بمثل ذلك ، فإنه دفع ضرر عن نفس بالفعل المأذون من المفعول به ولم يتعدّ الى غيره بوجه أصلا بالفرض.

ولا يعقل التضمين لفعل مأمور به بأمر من له ذلك مع عدم التعدّي بوجه ، إذ يأباه العقل والنقل ظاهرا ، فان وجد خلافه في مادّة لنصّ ، لا ينافي ذلك ، فتأمّل.

٣١١

ولو ادعى القاتل ارادة نفسه أو ماله واقام البيّنة بدخوله مع سيف مشهّرا مقبلا على صاحب المنزل ، فلا ضمان.

______________________________________________________

ولكن ينبغي ان يكون لإصلاحه مع عدم كونه مضرّا ، بل نافعا ، بل غالبا وعادة ولكن اتفق الضرر.

وان لم يكن بإذنه ، فالظاهر ، الدية فقط.

هذا إذا لم يكن قاتلا غالبا.

وإذا كان قاتلا غالبا يحتمل الضمان قويا.

وامّا إذا قطعها الولي مثل الأب والجدّ والوصيّ ، والأجنبي بالطريق الاولى ـ وان كان بإذن الولي من غير البالغ أو المجنون ـ ضمنوا دية ما حصل من الإتلاف نفسا أو غيره ، لانه غير مأمون من ترتب مثل هذا الضرر عليه وليس له الّا فعل ما فيه المصلحة الخالية عن المفسدة المعلومة مثل هذه المفاسد وليس له قابليّة الاذن فلو اذن أيضا ، فلا اثر له الّا انه لما لم يكن عمدا عدوانا ، بل لمصلحة لم يلزم الّا الدية.

والظاهر انه في ماله لا على العاقلة ، لما سيجي‌ء من ان مثل ذلك عليه ، لا عليها ، فتأمّل.

ويحتمل في الأجنبي أيضا على الوليّ ان كان بإذنه ، فكأن الجواز له والمأذون ، مشروطا بالسلامة.

وقد يشكل في موضع يظن أو يعلم بحسب العادة عدم الضرر والمصلحة وعدم التقصير بوجه ، فيحتمل عدم الضمان حينئذ ، وعلى تقدير الضمان ، فالدية في جميع الصور ، لا القصاص ، فان القصاص انما يكون مع قصد القتل ، والفرض عدمه ، فتأمّل.

قوله : «ولو ادعى القاتل إلخ» أي إذا قتل شخص شخصا فادعى عليه ذلك وقبل ذلك ، ولكن ادعى ان المقتول أراد نفسي أو مالي أو عرضي وبضعي أو

٣١٢

المقصد الثامن

في الارتداد

وهو قطع الإسلام من مكلّف إمّا بفعل كالسجود للضم وعبادة الشمس وإلقاء المصحف في القاذورات وشبه ذلك ممّا يدلّ على الاستهزاء.

______________________________________________________

شيئا يجوز له قتله لذلك ، وأقام القاتل بيّنة بدخوله عليه وبيده سيف مشهّر مقبلا على القاتل الذي هو صاحب المنزل الذي هو دخل فيه وقتل.

فلا ضمان في هذه الصورة على القاتل ، لان العلم بان المقتول قتله متعسّر ، بل متعذر فلا يمكن الشهادة في أمثال ذلك الّا على هذا الوجه في أكثر الأوقات فالاكتفاء بمثل هذه القرائن القوية في مثل هذه الشهادة ، ممّا ينبغي والّا يبعد إثبات مثل هذا المطلب فيقع الفساد ، فتأمّل.

ولو لم تكن البيّنة فيكون القول قول الوارث مع اليمين بعدم علمه بان المقتول قصد أحد الأمور المذكورة التي يدّعيها القاتل لأصل عصمة المسلم ، فتأمّل.

قوله : «وهو قطع الإسلام إلخ» الارتداد ، هو قطع الإسلام من مسلم

٣١٣

واما بقول عنادا أو استهزاء أو اعتقادا.

ولا عبرة بردّة الصبيّ والمجنون والمكره والسكران.

ولو كذّب الشاهدين بالردّة لم يقبل.

______________________________________________________

مكلّف أي بالغ عاقل ، إمّا بفعل دالّ عليه ، مثل عبادة غير الله تعالى كعبادة الأصنام والسجود لها وعبادة الشمس والقمر ، وإلقاء المصحف عمدا عالما في القاذورات وضربه بالرجل وتمزيقه إهانة واعراضا ونحو ذلك ممّا يدل على الاستهزاء بالشرع والشارع.

وامّا بقول دالّ على الخروج من الإسلام والإهانة بالشرع والشارع والاستهزاء به ، سواء كان عنادا أو تمسخرا أو اعتقادا مثل ان يقول : (الله ليس بموجود) أو (له شريك) أو (ليس شي‌ء) أو محمّد صلّى الله عليه وآله ليس بحقّ أو الإسلام ليس بحقّ ونحو ذلك أو ينكر ما علم من الدين ضرورة مثل إنكار وجوب الصلاة ، والصوم ، والزكاة.

وبالجملة ما يدلّ على قصده إهانة الشرع وعدم اعتقاد حقيّته والاعتداد به ، فعلا كان أو قولا ، سواء كان معتقدا له أم لا ، بل مجرد هزل ومزاح لعدم الاعتداد بشأنه.

ولا عبرة بفعل الصبيّ وقوله ما لم يبلغ ، وكذا المجنون ما لم يفق ، وكذا المكره ما لم يرتفع إكراهه ، والسكران ما لم يترك سكره ، للعقل والنقل ، فتأمّل.

قوله : «ولو كذّب الشاهدين إلخ» إذا شهد الشاهدان ـ بان فلانا مرتدّ أو ارتدّ ـ شهادة مقبولة شرعا ، وكذّبهما المشهود عليه لم يقبل تكذيبه ولم يسمع ، بل يحكم عليه بها ويلزم بأحكامها كما لا يسمع تكذيب المشهود عليه شاهديه في سائر الشهادات إلّا في الحدود لدرئها بالشبهة ، وبنائها على التخفيف.

إذ لا يمكن ردّ الحجّة الشرعيّة بمجرد دعوى المدّعى عليه أنّ الشاهد كاذب ، والّا فلا يمكن إثبات حكم بها وهو ظاهر.

٣١٤

ولو ادّعى الإكراه قبل ، مع الامارة.

ولو نقل الشاهد لفظه فصدّقه وادّعى الإكراه قبل ، إذ لا تكذيب فيه بخلاف الشهادة بالردّة ، فإنّ الإكراه ينفي الردّة دون اللفظ ولا تسمع الشهادة إلّا مفصّلة.

______________________________________________________

ويدلّ عليه أيضا ما سيجي‌ء في الارتداد في خبر جابر عنه عليه السّلام (لو كذّبت الشهود لضربت عنقك) (١).

امّا لو ادّعى الإكراه ، وقال : انا كنت مكرها في الارتداد فتلفظت بلفظ دالّ أو فعلت فعلا دالّا عليه مكرها قبل وسمع ذلك ان كان هناك أمارة دالّة عليه ، مثل كونه أسيرا بيد الكفار المكرهين على ذلك ، ولا يسمع بدون ذلك ، فإن سماعه حينئذ ردّ حجّة شرعيّة بدعوى المدّعى عليه ، لأن الشهادة على الردّة شهادة على عدم الإكراه.

ولا يبعد السماع حينئذ أيضا إذا لم يصرحا بعدم الإكراه وكان ذلك محتملا وحمل كلامهما على ظاهر الأمر وعدم اطلاعهما على الإكراه فبنيا على أصل العدم فشهدا بها وفيه جمع بين قوله وقول الشاهدين وليس بردّ الحجّة ، وهو ظاهر ويؤيّده الاحتياط في الدم ، وبعد الحكم بكفر شخص مع احتمال عدمه فان شهادتهما على الوجه الذي ذكرناه غير بعيد ، بل غير حرام فلا بعد في ذلك بوجه.

ولو علم انهما لم يشهدا بها الّا مع العلم بعدم الإكراه ، فلا يسمع منه.

امّا إذا نقلا اللّفظ الدالّ عليها وقال : سمعنا منه هذه فصدقهما في ذلك ، وادعى هو الإكراه على ذلك قبل وسمع ذلك ، إذ لا منافاة بين الشهادة بصدور اللفظ وكونه بالإكراه والجمع بينهما مع الإمكان متعيّن فلا يحكم بالردة ، بل يحكم بعدمها كما كان.

__________________

(١) الكافي : حد المرتد ح ٩ ج ٧ ص ٢٥٧.

٣١٥

ولو اكره الكافر على الإسلام قبل منه ان لم يكن ممّن يقرّ على دينه ، والّا فلا.

______________________________________________________

ولهذا لا تسمع الشهادة إلّا مفصّلة أي مشتملة على شرائط حصول الردّة ، مثل ان يقول : فعل فعلا ، وقال قولا يوجب الردّة وهو مكلّف بالغ عاقل مختار عامد ، لانه قد لا يكون متصفا بشرائط قبولها وصدر منه الردّة والاحتياط في الدماء والحكم (١) بكفر المسلم يقتضي ذلك.

ومنه يعلم انه إذا كذّب الشاهدين في شهادة مجملة بأنه مرتد مثلا ، أو ارتد قبل لأنها غير مقبولة فكيف إذا كذبهما المشهود عليه والحال انه منع من ذلك ، وقال : لا يسمع التكذيب.

وأيضا يلزم كون كلّ شهادة فيها شرائط لقبولها ، لم تسمع مجملة وهم لا يقولون به وينبغي ذلك.

ويمكن الاكتفاء بها مجملة إذا كان الشهود بحيث علم من حالهم انه لو لم يكن الشرائط متحققة لم يشهدوا مجملة أيضا البتة.

وكذا البحث في دعوى العمد والنسيان وعدم التكليف حال وقوع صدور ما يدلّ عليها ، بل هنا أولى ، السماع لأنّ الأصل عدم التكليف مع احتمال الشهود ، البناء على الظاهر.

قوله : «ولو اكره الكافر إلخ» إذا أكره الكافر على الإسلام ، فإن كان حربيّا وليس بذميّ يقرّ على دينه ولا يزاحم أو لم يكن كذلك ، بل ذميّا يقرّ على دينه.

(فالأوّل) يقبل منه الإسلام وحكم بإسلامه بمجرّد ذلك ، فإن إلزامهم على ذلك جائز بل واجب ولذلك يقاتلون حتّى يقولون : لا إله إلّا الله.

__________________

(١) لعله عطف على قوله : (في الدماء) لا على الاحتياط.

٣١٦

ولو صلّى بعد ارتداده لم يحكم بإسلامه.

والمرتد إمّا عن فطرة ـ وهو المولود على الإسلام.

______________________________________________________

وان قالوا ذلك ، خوفا واكراها لحفظ أموالهم وأنفسهم وصاروا بحكم المسلم في الأحكام الظاهرة الدنيوية فيترتب على الإكراه والجبر اثر امّا بالنسبة إلى الآخرة فلا بد من الرضا به والإقرار به وقبول ذلك حتّى ينفع ، والّا فلا ينفع بل يصير منافقا وهو أقبح من الكفر الحقيقي.

(الثاني) من أقرّ على دينه مثل اليهودي ، فإنه إذا أسلم كرها لا يقبل منه ذلك ولم يصر بذلك مسلما وبحكمه ، إذ لا يجوز اكراههم عليه ولم يتحقق معه الإسلام الحقيقي ، فإن المكره على شي‌ء لم يقل به بل ينكره ويكرهه فتأمّل.

قوله : «ولو صلّى إلخ» لو حكم بارتداد شخص ثم رأى ، انه صلّى لم يحكم بإسلامه وعوده اليه وتوبته بمجرد ذلك وان كان ممن يقبل ذلك منه ، إذ لا دلالة لها على الإسلام والرجوع ، لاحتمال ان يعتقد عدم كفره فيأتي بها ، أو انه ارتد باعتبار إنكاره ضرورية من ضروريات الدين أو أهان الشرع بإلقاء المصحف ونحو ذلك ، وهو لا ينافي الصلاة بحسب الظاهر ، ويحتمل باعتقاده أيضا ، فتأمّل.

بل قالوا : فعلها لا يدلّ على الإسلام عن الكفر ولو سمعت منه الشهادتان أيضا وكان سبب كفره إنكار الصلاة ، لاحتمال الاستهزاء أو السخرية والتقيّة والاراءة وتقليد المسلمين في ذلك.

فتأمّل فيه فان الأصل بل الظاهر أيضا عدم ذلك ، وهي علامة واضحة للإسلام فلو لم تكن هناك قرينة دالّة على العلم بعدم الاعتقاد والاستهزاء ونحو ذلك يمكن ان يحكم بها ، به ، وهو ظاهر.

وكذا إذا أذّن أو أقام واسمع الشهادتان منه ولم يظهر هناك ما يخرجه عن ظاهر الإسلام مثل التمسخر ونحوه.

قوله : «والمرتد امّا عن فطرة إلخ» يريد ان يبيّن قسمي الارتداد

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأحكامهما.

والمشهور ان له قسمين ، فطري ومليّ والمشهور في تعريف الأوّل ، هو المرتد الذي ارتدّ بعد ان ولد على الإسلام أي ولد واحد أبويه مسلم.

وقريب منه انعقد نطفته حال إسلام أحد أبويه.

والثاني ، هو الذي لم يكن كذلك ، بل أسلم عن كفر ثم كفر.

ومأخذ التعريفين ليس اللّغة ، فان معناهما اللغوي ليس ذلك وهو ظاهر.

وليس باصطلاح أيضا ، ولا يكون لأهله أن يصطلح ، بل لا بدّ ان يكون مأخوذا من الشرع ، فان لكلّ واحد منهما أحكاما مخصوصة شرعيّة ، وما نجد الآن له مأخذا غير ما سيجي‌ء في بعض الروايات مثل موثقة عمار ومكاتبة الحسين بن سعيد وكلامهم رحمهم الله.

لعلّ لهم مأخذا آخر الله يفتح ، مع انه لا يخلو عن خفاء.

فالظاهر من تعريف الأوّل انه إذا كان أحد أبويه وقت انعقاد نطفته يعني حين صار مبدأ الإنسان وحملا مسلما ، فهو فطري وان صار بعد ذلك كافرا.

وانه إذا أسلم أحدهما أو هما بعد ذلك ثم يصير فطريّا وذلك غير ظاهر ، بل يظهر خلاف ذلك من كلامهم.

فلعلّ مرادهم انه بقي من حين انعقاد النطفة أحد أبويه مسلما الى ان يبلغ أو يسلم قبل بلوغه ان لم يكن قبل ذلك وبقي إلى حين بلوغه.

بل لو أسلم أحد أبويه فبلغ هو بغير فصل ، هو فطري.

وأيضا ظاهر كلامهم بل صريحه أن مجرّد إسلامه كاف ولا يحتاج الى تقييده به ومعرفة إمكانه.

وهو أيضا لا يخلو عن شي‌ء.

ولا شك في كونه فطريّا إذا كان أحد أبويه مسلما من حين العلوق الى ان

٣١٨

فهذا يجب قتله ، ولا تقبل توبته ، وتعتد في الحال زوجته عدّة الوفاة وتنتقل تركته الى ورثته.

وإمّا عن غير فطرة ـ وهو من أسلم عن كفر ثمّ ارتد.

______________________________________________________

يبلغ وكان مقيّدا بالشرع ويعرف أحكام الإسلام ، يعمل به وهذا أيضا ظاهر كلامهم فتأمّل.

قوله : «فهذا يجب قتله إلخ» هذا بيان أحكام القسم الأوّل ، لا شك في كفر المرتدّ مطلقا وجريان بعض أحكام الكفر الأصلي عليه ، مثل عدم قتل المسلم به وكونه من أهل النار.

وجهه ظاهر كتابا وسنة ، فان الآيات (١) في ذلك كثيرة وسنة كما تدلّ عليه الأخبار الكثيرة (٢) ، والإجماع كما يظهر من قولهم.

وامّا الأحكام الخاصّة ، مثل وجوب قتله في الحال ، ووجوب قسمة تركته على ورثته ، وفراق زوجته ، والحكم عليها بعدّة وفاته ، وعدم تملكه شيئا ، بل كلما يتملك ويكتسب ينتقل الى ورثته كما يظهر من بعض المواضع ، وعدم استتابته ، وقبول توبته ، وعدم سقوط الكفر من النجاسة وغيرها.

فدليله (٣) من الكتاب غير ظاهر ، وكذا الإجماع أيضا في ذلك بحيث يشمل جميع أقسامه واحكامه ، وكذا السنة.

نعم يدلّ على بعض ذلك في بعض أقسامه بعض الرّوايات مثل حسنة

__________________

(١) قال الله عزّ وجلّ (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) ـ آل عمران : ١٠٠ وقال عز من قائل (وَدَّ كَثِيرٌ ، مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً) ـ البقرة : ١٠٩ وقال تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ ، فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الآية البقرة : ٢١٧ وغيرها من الآيات.

(٢) راجع الوسائل باب ١ وباب ١٠ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٤ و ٥٥٧.

(٣) جواب لقوله قدّس سرّه : واما الأحكام الخاصّة.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام؟ فقال : من رغب عن الإسلام وكفر على ما أنزل على محمّد صلّى الله عليه وآله بعد إسلامه ، فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته ويقسّم ما ترك ، على ولده (١).

هذه ـ مع عدم صحّتها ـ تشعر بأن المرتد الفطري هو الذي كفر بعد إسلامه ، والمتبادر منه هو الإسلام الحقيق لا حكم الإسلام بإسلام أحد أبويه ، فهو يشمل القسمين ، وما يقولون به.

وانه مرتدّ خاصّ وهو الكافر بما انزل عليه صلّى الله عليه وآله ، وكأنه تفسير الراغب عن الإسلام ، وبالجملة يبعد إدخال جميع افراده فقط فيها ، فتأمّل.

وان المراد بقسمة تركته لا ولادة ان كانوا هم الورثة فقط.

وموثّقة عمار الساباطي (له) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّدا صلّى الله عليه وآله نبوّته ، وكذّبه ، فإن دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ (فلا تقربه ـ خ) ، ويقسّم ماله على ورثته وتعتدّ امرأته عدّة المتوفى عنها زوجها ، وعلى الامام ان يقتله ولا يستتيبه (٢).

هذه ـ مع ضعفها ب (عمار) ـ ليس فيها التفصيل وتخصيص الحكم المذكور بالمرتدّ الفطري عندهم.

ولم تشتمل جميع أقسامه كالأولى ومشتملة على جواز قتله لكلّ من سمع وذلك غير معلوم أنه المفتي به ، بل المشهور أن قتله الى الامام كما يشعر به آخر هذه فأولها لا يلائم آخرها ، ويحتمل النائب أيضا ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٤.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٥.

٣٢٠