مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

والإسلام ، والعفة ، فلو قذف صبيّا ، أو عبدا ، أو مجنونا ، أو كافرا ، أو متظاهرا بالزنا عزّر.

______________________________________________________

دليل ذلك كلّه آية (١) القذف المشتملة على الإحصان المفسر بها كلّها ، المؤيّدة بالاخبار والاشتهار ، بل الإجماع.

ولو قذف من استجمع شرائط القاذف غير المكلف ، لم يحدّ بل يعزّر.

امّا انتفاء الحدّ ، فلمّا تقدم ، ولصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في الرجل يقذف الصبيّة ، يجلد؟ قال : لا حتّى تبلغ (٢).

وصحيحة فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لا حد لمن لا حدّ عليه يعني لو انّ مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا ، ولو قذفه رجل فقال له : يا زان لم يكن عليه حدّ (٣).

ورواية أبي مريم الأنصاري ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الغلام لم يحتلم فقذف (يقذف ـ ئل) الرجل ، هل يجلد؟ قال : لا وذلك (كما ان ـ خ) لو ان رجلا قذف الغلام لم يجلد (٤).

وفيها دلالة على اشتراط تكليف القاذف أيضا.

وما في رواية أبي بصير ، قال : وسألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل

__________________

(١) وهي قوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» النور : ٤.

وفي مجمع البيان للطبرسي ج ٧ هكذا : (المعنى) لما تقدم ذكر حدّ الزنا عقبه سبحانه بذكر حدّ القاذف بالزنا فقال سبحانه «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» أي يقذفون العفائف من النساء بالفجور والزنا وحذف لدلالة الكلام عليه. إلخ. ج ٧ ص ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٠.

(٣) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٢.

(٤) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٣٩.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

يقذف الجارية الصغيرة فقال : لا يجلد الّا أن قد أدركت أو قاربت (١).

ولعلّه يريد ب (قاربت) انّها بلغت ولكن بعد ، ما كملت وأدركت بحيث ترشد وتعرف الأمور وجرت عليها ما يجري على النساء بحسب العادة من مجي‌ء الحيض ونحوه فتأمّل.

وامّا ما يدلّ على ثبوت التعزير ، فلمّا مرّ ، ولما سيأتي.

ولو قذف كافرا فعل حراما ، فلا حدّ عليه ، ويعزر لما مرّ ، ولرواية إسماعيل بن فضيل (الفضل ـ ئل) قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الافتراء على أهل الذمة وأهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟ قال : لا ولكن يعزّر (٢).

وورد في الصحيح ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انّه نهى عن قذف من ليس على الإسلام الّا ان يطلع على ذلك منهم ، فقال : أيسر ما يكون ان يكون قد كذب (٣).

وفي الحسن عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام الّا ان تكون قد اطلعت على ذلك منه (٤).

وهما يدلّان على الجواز على تقدير العلم بأنّه زنى.

وينبغي تقييدهما بما إذا لم يكن بالنسبة إلى مذهبهم أيضا نكاحا كما دلّ عليه رواية أبي الحسن الحذّاء ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فسألني رجل ما فعل غريمك؟ قلت : ذاك ابن الفاعلة ، فنظر إليّ أبو عبد الله عليه السّلام نظرا

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٣ بالسند الثالث ج ١٨ ص ٤٣٩.

(٢) الوسائل باب ١٧ حديث ٤ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٠.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٣٠.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٣٠.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

شديدا ، قال : فقلت : جعلت فداك انّه مجوسي أمّه ، أخته ، فقال : أو ليس ذاك (ذلك ـ ئل) في دينهم نكاح؟ (١).

ويمكن حملها على الجواز على سبيل الشهادة كما في المسلمين ، فتأمّل.

وتدلّ عليهما ـ لو كان المقذوف مملوكا ـ رواية عبيد بن زرارة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لو أتيت برجل قذف عبدا مسلما بالزنا لا نعلم ، منه الا خيرا لضربته الحدّ حدّ الحرّ الّا سوطا (٢).

وفي طريق التهذيب والكافي : (عبد العزيز العبدي) (٣) ، وهي صحيحة في الفقيه.

وفيها دلالة مّا على عدم مثل هذا التعزير في العبد الكافر.

وعلى إطلاق الحدّ على التعزير.

وعلى اشتراط العفّة في الحرّ ، والتعزير (٤).

وانّ المراد بالعفّة عدم العلم منه الّا خيرا ، وتعيين التعزير في الجملة.

ويدلّ أيضا على نفي الحدّ ـ على تقدير انتفاء العفّة ـ الأصل ، ومفهوم الآية ، وقول الأصحاب.

وعلى إثبات العزير ، ما تقدم من القاعدة ، وما سيجي‌ء.

وانّه قد يثبت التعزير في رمي الكافر بالزنا ، ففي المسلم المتظاهر بالطريق الأولى.

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٣٠.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٢ منها بطريق الصدوق بالسند الثاني ص ٣٤.

(٣) سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عبيد بن زرارة ولم ينقلها في الوسائل من التهذيب.

(٤) يعني يدل على اشتراط العفة في التعزير.

١٤٣

ولو قال لمسلم حرّ : يا ابن الزانية وكانت كافرة أو أمة عزّر على رأي.

______________________________________________________

وقد يمنع ذلك وليس بإجماعيّ ، وإليه أشار بقوله : (على رأي).

ونقل النظر من الشهيد رحمه الله ، لما روي عن الصادق عليه السّلام : إذا ظاهر الفاسق بفسقه ، فلا حرمة له ولا غيبة (١).

وما في بعض الاخبار (٢) : تمام العبارة ، الوقيعة في أهل الريب.

ويأتي ما معناه أيضا ، وسيجي‌ء زيادة التحقيق ، وقد صرّح في القواعد والنهاية أيضا ثبوت التعزير لعدم صحّة الخبر وصراحتها في ذلك.

ويحتمل أن يكون المراد غير الرمي في الزنا لفحشه ، وعدم الحرمة له لا يستلزم جواز فحشه وكذا الوقيعة فيه ، فتأمّل.

ثم انّ الظاهر ان المتظاهر باللواط يكون مثل المتظاهر بالزنا ، فلا حدّ على قاذفه بذلك كالرمي بالزنا للمتظاهر ، لان حكمه حكمه.

ويحتمل العدم ، فيحد دائما لأنّه أفحش.

ولأنّ الإحصان إنّما قيّد في الزنا في اللواط فيبقى عموم أدلّة الحد به على حاله.

وعلى تقدير سقوطه فالظاهر عدم سقوط التعزير.

ويحتمل سقوطه أيضا مع القول بسقوطه بالرمي بالزنا مع التظاهر.

وامّا رمي الرجل بالزنا ، فالظاهر عدم اشتراط حدّه بالإحصان أيضا كالمرأة لأنّه زنى وان كانت الآية في النساء فحكمه معلوم من حكمها ، قياسا ، ومن بعض الأخبار ، وكأنّه للإجماع وعدم القائل بالفرق.

قوله : «ولو قال لمسلم حرّ إلخ» ولو قال شخص لمسلم حرّ : يا ابن الزانية

__________________

(١) الوسائل باب ١٥٤ حديث ٤ من أبواب أحكام العشرة ج ٨ ص ٦٠٤ وفيه : إذا جاهر الفاسق إلخ.

(٢) يستفاد ذلك من حديث ١ من باب ٣٩ من أبواب الأمر والنهي من الوسائل : أيضا ج ١١ ص ٥٠٨.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وكانت أمة كافرة أو أمة ، لم يلزم بقذفهما الحدّ ويجب عليه التعزير.

اما التعزير ، فلما مرّ وسيأتي من أن توجيه مثل هذا الكلام الى مخاطب مسلم إذا لم يكن موجبا للحدّ ، موجب للتعزير.

واما عدم الحدّ فإن موجبه القذف بالزنا ولا شكّ انه ليس برمي للمخاطب بالزنا فإنه ليس ممّا وضع له ، لا لغة ، ولا عرفا ، ولا شرعا.

نعم هو قذف بالنسبة إلى امّه وهي كافرة أو أمة بالفرض وهما ممن لا يجب بقذفهما الحدّ ، لعدم الإحصان وهو شرط كما مرّ ، والأصل ، والدرء ، والتخفيف مؤيّد ، وهذا واضح.

ومع ذلك نقل عن الشيخ في النهاية ، الحدّ لحرمة الولد وقد عرفت انها لا توجب الحدّ بل التعزير.

ولرواية محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : النصرانية واليهودية تكون تحت المسلم فيقذف ابنها (قال ـ خ) ، يضرب القاذف (الحد ـ خ) ، لأن المسلم قد حصنها (١).

هكذا وجدتها في التهذيب (٢) ، وفي الطريق ، معلّى بن محمّد وابان المشترك ، والقطع (٣) بعدم النقل عن الإمام عليه السّلام.

وفي الكافي كذا الّا بتغيير ، مثل عدم معلّى بن محمّد في الطريق (٤) ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ٦ من أبواب حدّ القذف بالسند الثاني ج ١٨ ص ٤٥٠.

(٢) في التهذيب الذي عندنا المطبوع بالطبع الحجري ص ٤١٠ بالسند المذكور ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام وكذا في التهذيب المطبوع بالطبع الجديد ج ١٠ ص ٧٥ حديث ٥٥ وص ٦٧ حديث ١٣.

(٣) بناء على النسخة التي ذكرنا لا قطع.

(٤) لكن في فروع الكافي المطبوع في مجلّدين ج ٢ ص ٢٩٦ وج ٧ ص ٢٠٩ بالطبع الجديد هكذا : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء عن ابان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام.

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر انه ساقط ، ولهذا نقل في التهذيب عنه ، ووجوده في مثل هذا السند كثير وبعد نقل الحسين عن الوشاء ووجود (فيجلد) قبل (فيقذف) و (الحدّ) بدل (حدّ).

وفي الدلالة أيضا مناقشة حيث قال : (ابنها) فليس بصريح في قذف الأم وان كان قوله : (لأنّ المسلم حصّنها) يدلّ على أنّ المراد من قذف ابنها قذفه فيها فهو قذفها.

ويمكن حمل الحدّ على التعزير جمعا بين الأدلة.

ونقل في شرح الإرشاد والشرائع ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن اليهوديّة والنصرانيّة تحت المسلم فيقذف ابنها؟ قال : يضرب القاذف لان المسلم قد حصّنها (١).

وقال فيهما : ضرب القاذف ليس بصريح في الحدّ.

وقال في شرح الشرائع : فيها قصور في السند والدلالة ، امّا الأوّل ، فلأن في طريقها بنان بن محمّد ، وحاله مجهول ، وابان وهو مشترك بين الثقة وغيره (٢).

وامّا الثاني ، فلما قلناه من الوجهين من قوله : (يقذف ابنها) ليس بصريح في قذفها ، وضرب القاذف ليس بصريح في الحدّ ، قال : هذا على الرواية التي رواها في التهذيب ، واما الكليني ، فإنه رواها بطريق آخر ليس فيها (بنان) وذكر في متنها بدل (ويضرب القاذف) (ويضرب الحدّ إلخ) (٣) وقد رأيتها فيهما بطريق واحد متنا وسندا كما ذكرت ثم رأيت في التهذيب الرواية على الوجه الذي ذكراه (٤) فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ٦ بالسند الأول من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٠.

(٢) سندها كما في التهذيب باب الحدّ في الفرية إلخ هكذا : محمّد بن علي بن محبوب ، عن بنان بن محمّد ، عن موسى بن القاسم بن الحكم جميعا ، عن ابان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام وفي الوسائل موسى بن القاسم وعلي بن الحكم جميعا إلخ وكذا في الوافي ج ٣ ص ٥٦.

(٣) الكافي باب حد القاذف حديث ٢١ من كتاب الحدود ج ٢ ص ٢٩٦.

(٤) يعني شارح الإرشاد والشرائع.

١٤٦

ولو قال للكافر وامه مسلمة حرّة ، حدّ.

ولو قال لابن الملاعنة ، أو لابن المحدودة بعد التوبة ، حدّ لا قبلها.

______________________________________________________

الظاهر أنّ تقييد الولد بالمسلم الحرّ ليكون ممن يجب الحدّ له لو قذف حتّى يجري فيه الخلاف لو قذف بأمها ، وترك في الشرائع ، كأنّه للظهور كما في الرواية فيحتمل في المطلق ، فتأمّل.

واما وجوب حدّ القذف لامّ المواجه ، على تقدير كون المواجه كافرا وامه مسلمة حرّة محصنة ، فهو (وهو ـ خ) ظاهر فان القذف للام وقد وجدت فيها الشرائط ، وكفر الولد المواجه لا يمنع ذلك ، نعم قد يمنع من التعزير للمواجه ، فتأمّل.

قوله : «ولو قال لابن الملاعنة إلخ» أي لو قال قاذف لابن الملاعنة التي لاعن زوجها : يا ابن الزانية أو قال لابن الزانية التي حدّت وتابت ذلك ، حدّ في الموضعين.

ولو قذف المحدودة قبل التوبة لا حدّ عليه.

امّا الأوّل فظاهر ، لأنّ الفرض وجود شرائط الحدّ بالقذف الّا انّها ملاعنة ، ومعلوم أنّ كونها ملاعنة لا يمنع الحدّ ، فإنه باللعان لا تصير معروفة بالزنا حتّى تخرج عن كونها محصنة ولم تصر مشهورة بالزنا ، وعدم تنافيه لباقي الشرائط ، أظهر.

وتدلّ عليه أيضا رواية سليمان (١) عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : يجلد القاذف للملاعنة (٢).

وسليمان مشترك ولا يضر ، فتأمّل.

وعن ابن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال :

__________________

(١) في الوسائل ـ يعني ابن خالد.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٢.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يجلد قاذف ابن الملاعنة (١).

وامّا الثاني ، فلأنّ الحدّ والتوبة قد أسقطا عنها الذنب فصارت عفيفة كمن لم يزن ، فانّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، فهي محصنة ، وباقي الشرائط موجود فيحدّ قاذفها.

وتدلّ عليه رواية إسماعيل الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام وأبا الحسن عليه السّلام ، عن امرأة زنت فأتت بولد وأقرّت عند امام المسلمين بأنّها زنت وأنّ ولدها ذلك من الزنا ، فأقيم عليها الحدّ ، وانّ ذلك الولد نشأ حتى صار رجلا فافترى عليه رجل ، هل يجلد من افترى عليه؟ فقال : يجلد ولا يجلد ، فقلت كيف يجلد ولا يجلد. قال : فقال : من قال له : يا ولد الزنا لم يجلد ، انّما (وـ خ) يعزّر وهو دون الحدّ ، ومن قال له : يا ابن الزانية جلد الحدّ تامّا (كاملا ـ ئل) ، فقلت : كيف صار هذا هكذا؟ فقال : انّه إذا قال : يا ولد الزنا كان قد صدق فيه وعزّر على تعييره أمّه ثانية وقد أقيم عليها الحدّ وإذا قال له : يا ابن الزانية جلد الحدّ تامّا لفريته عليها بعد إظهارها التوبة واقامة الامام عليها الحدّ (٢).

وفي السند والمتن تأمّل ، بخلاف ما إذا كان القذف قبل التوبة فإنّها حينئذ غير عفيفة لثبوت الزنا عليها شرعا ولم تخرج عن حكمها بالتوبة فلم تكن محصنة فلا يوجد شرط حد قذفها.

ومنه يعلم ان ليس للحدّ دخل ، فانّ المدار على التوبة ، فإنّها متى وجدت توبة مقبولة مسقطة ، كانت محصنة فيحدّ قاذفها ، والّا فلا الّا انّ التوبة بدون الحدّ نادرة فيقيّد به ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٢ وفيه : قاذف اللقيط ويحد قاذف الملاعنة.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤١.

١٤٨

ويعزر الأب لو قذف ولده أو (وـ خ) زوجته الميتة إذا كان هو الوارث ، ولو كان غيره حد له تامّا.

______________________________________________________

ثم انّه يمكن التعزير للمواجه ، سواء حدّ لتحقيق شروط القذف أم لا ، فتأمّل.

قوله : «ويعزر الأب إلخ» لو قذف أب ، ولده لم يحدّ الأب للولد مع تحقق شرائط الحدّ ، لأنّ الأب لو قتل الولد لم يقتل به فلا يحدّ له ، نعم يعزر لانه فعل غير مشروع (به ـ خ) موجب للتعزير وليس هذا حق الولد ، بل حقّ الله المحض ، ولسد باب القذف ، فتأمّل.

ويدلّ على عدم الحدّ حسنة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قذف ابنه بالزنا؟ فقال : لو قتله ما قتل به ، وان قذفه لم يجلد له ، قلت : فان قذف أبوه أمّه؟ فقال : ان قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا ولم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه وفرّق بينهما ولم يجلد له (١) ، قال وان كان قال لابنه وامّه حيّة : يا ابن الزانية ولم ينتف من ولدها جلد الحدّ لها ولم يفرّق بينهما ، قال : وان كان قال لابنه : يا ابن الزانية وامّه ميّتة ولم يكن لها من يأخذ بحقها منه الّا ولدها منه ، فإنّه لا يقام عليه الحدّ ، لانّ حق الحدّ قد صار لولده منها ، فان كان لها ولد من غيره ، فهو وليها يجلد له ، وان لم يكن لها ولد من غيره وكان لها قرابة يقومون بأخذ الحدّ ، جلد لهم (٢).

وكذا لو قذف الأب زوجته التي هي أم ولده وهي ميتة ليس لها وارث غير الولد الذي منه ، لا يحدّ الأب ، لأنّ الحق صار إليه وقد عرفت انّه لا يحد إذا قذفه ولا يقتل إذا قتله ، فعدم الحدّ لقذف أمّه الذي هو حقه ، بالطريق الاولى ، وهنا أيضا يتوجه التعزير لما مرّ.

__________________

(١) (ولم تحلّ له ابدأ) بدل (ولم تجلد له) الوسائل.

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٤٧.

١٤٩

ويحدّ الولد بقذف الوالد ، والام بقذف الولد ، وبالعكس.

______________________________________________________

ولو كان لها وارث غير الولد الذي له من الزوج القاذف يحدّ له حدّا تامّا فإنّه إذا لم يكن ، حدّ الأب للولد ، ينتقل تمام الحدّ الى وارثها الذي غير ذلك الولد ، فان حق غير ولده لم يسقط ، والحدّ لم يتبعّض فإنّه ليس بحق الناس محضا.

وتدلّ عليه رواية عمار (الساباطي ـ ئل) ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : لو ان رجلا قال لرجل : يا ابن الفاعلة ـ يعني الزنا ـ وكان للمقذوف أخ لأبيه وامّه فعفي أحدهما عن القاذف وأراد أحدهما ان يقدّمه إلى الوالي ويجلده كان له ذلك؟ فقال : أليس أمّه هي أم الذي عفى ثم قال : ان العفو إليهما جميعا إذا كانت أمّهما ميتة فالأمر إليهما في العفو وان كانت حيّة ، فالأمر إليها في العفو (١).

وفي أخرى له عنه عليه السّلام قال : سمعته يقول : انّ الحدّ لا يورث كما يورث الدية والمال (والعقار ـ خ) ولكن من قام به من الورثة وطلبه ، فهو وليّه ، ومن تركه ولم يطلبه فلا حق له وذلك مثل رجل قذف (رجلا ـ خ) وللمقذوف أخ (اخوان ـ خ ل ئل) فان عفا عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقه ، لأنّها أمّهما جميعا ، والعفو إليهما جميعا (٢).

وعن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الحدّ لا يورث (٣).

قوله : «ويحدّ الولد والام إلخ» حدّ الولد بقذف الوالد ظاهر ، لوجود الشرائط ، بل كان ينبغي ان يكون أكثر وأغلظ ، ولكن التغليظ والكثرة يحتاج إلى النص وما وجد ، فاقتصر على الحدّ المشهور والمعلوم.

وكذا لو قذف الام.

وتحدّ الأمّ أيضا لو قذفت ولدها لما مرّ ولم يثبت أن الأم مثل الأب ، فإن

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٦.

(٢) الوسائل باب ٢٢ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٦.

(٣) الوسائل باب ٢٢ حديث ٣ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٧.

١٥٠

المطلب الثاني : في الأحكام

يجب بالقذف مع الشرائط ثمانون جلدة متوسّطا بثيابه.

______________________________________________________

مجرد ثبوت حقها عليه لا يوجب ذلك ، لعموم أدلة الحدّ وعدم ثبوت كون ذلك مسقطا شرعا ، وهو ظاهر.

قوله : «يجب بالقذف إلخ» دليل كون الحدّ ثمانين جلدة هو الكتاب (١) ، والسنة ، والإجماع.

ودليل كون الجلد ، المتوسط مع الثياب دون التجرد ، هو الصدق ، فيكفي مع قلّة الاذاء الذي الأصل عدمه ، والروايات.

مثل رواية الشعيري ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا ينزع من ثياب القاذف الّا الرداء (٢)

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (أبي الحسن عليه السّلام ـ كا ـ يب ـ ئل) ، قال : المفتري يضرب بين الضربين ، يضرب جسده كلّه فوق ثيابه (٣).

ومثلها اخرى له عنه عليه السّلام (٤).

ومضمرة سماعة بن مهران ، قال : سألته عن الرجل (رجل ـ كا) يفتري كيف ينبغي للإمام ان يضربه؟ قال : جلد بين جلدين (٥) (الجلدين ـ ئل).

__________________

(١) اما الكتاب فقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) الآية ، سورة النور : ٤ ، واما السنة والإجماع فمعلومان كما تقدّم.

(٢) الوسائل باب ١٥ مثل حديث ٤ بالسند الثاني ج ١٨ ص ٤٤٨.

(٣) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٨٨.

(٤) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٨٨ الى قوله : (كلّه).

(٥) الوسائل باب ١٥ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٨٨ ، وفيه : سألت أبا عبد الله عليه السّلام.

١٥١

ويشهر لتجتنب (ليجتنب ـ خ ل) شهادته.

ويثبت بإقرار المكلف الحرّ المختار مرّتين ، وبشهادة عدلين.

______________________________________________________

وفي رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الزاني أشدّ ضربا من شارب الخمر ، وشارب الخمر أشدّ ضربا من القاذف ، والقاذف أشدّ ضربا من التعزير (١).

وامّا تشهيره ليجتنب شهادته فلم أقف على دليل له فكأنّه ، ما ذكره ، وذلك غير مثبت له ، فتأمّل.

قوله : «ويثبت بإقرار المكلّف إلخ» لا شك في ثبوت القذف بإقرار المقرّ المتصف بشرائط صحّة الإقرار ، المتقدمة ، مرتين به على وجه لا يحتمل غيره لغة ، وعرفا أو شرعا.

وكذا بالشاهدين العدلين ، لما تقدم من أنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، أي ماض.

وقد دل عليه الكتاب (٢) ، والسنة ، والإجماع.

وأنّ العدلين حجّة شرعيّة يثبت بهما كلّ شي‌ء إلّا ما خرج عنه بالدليل وهو الزنا ، فإنّه كان محتاجا إلى الأربعة.

وإنّما البحث في ثبوته بغيرهما ، فيحتمل ثبوته بالإقرار مرّة ، لما مرّ عن غير دليل يقتضي التكرار ، فإنّه كان في الزنا فقط ، والقياس ليس بحجّة إن أمكن.

الّا أن يقال : لا نصّ فيها على خصوص سماع الإقرار هنا ، ولا عموم بحيث يشمل ، بل انّما هو بعض الإطلاقات ، والتخفيف في الحدود والدرء بالشبهة ، والاحتياط تقتضي عدم الخروج عن الشهرة ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٥ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٨٨.

(٢) لعله قدّس سرّه نظر الى عموم الكتاب الدال على الاستشهاد بعدلين مثل قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).

١٥٢

ولو تقاذفا عزّرا.

ولا يسقط الحدّ إلّا بالبينة المصدّقة أو تصديق المقذوف أو العفو ، ويسقط بذلك.

______________________________________________________

وامّا عدم ثبوته بغير العدلين ، مثل العدل الواحد واليمين ، فهو ظاهر لما مرّ ، مع انه لا يمين في حدّ كما مرّ ، وانّما يثبت بهما الحقوق الماليّة.

وكذا غيره من الرجل والمرأتين ، لما مرّ من انّ الاحتياط في الحدود وعدم ثبوته ، حجّة شرعيّة مطلقا ، وكذا الأربع من النساء.

قوله : «ولو تقاذفا عزّرا» يعني إذا قذف احد الشخصين صاحبه قذفا موجبا للحد وكذا قذفه صاحبه ، لا يثبت على أحدهما الحدّ للتعارض الموجب للتساقط ، ويعزّران لفعلهما المحرّم الموجب للتعزير لعمومه.

وتدلّ عليهما صحيحة أبي ولاد الحنّاط ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : اتي أمير المؤمنين عليه السّلام برجلين قذف كلّ واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه؟ قال : فدرأ عنهما الحدّ ، وعزّرهما (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجلين افترى كلّ واحد منهما على صاحبه؟ فقال : يدرأ عنهما الحدّ ويعزّران (٢).

قوله : «ولا يسقط إلّا بالبيّنة إلخ» أي إذا ثبت الحدّ بموجبه لا يسقط بعده إلّا بأمور : (الأوّل) البيّنة الشرعيّة ، المثبتة للزنا والمصدّقة ـ يحتمل بكسر الدال وفتحه ـ أي صدّقه القاذف أو صدّقها الشارع وقبلها ، وهي البيّنة التي يثبت بها الزنا وقد تقدم شرائطها وعددها.

فإذا قذف أحد شخصا بالزنا وجاء بأربعة شهداء المعتبرة يثبت بها الزنا على المقذوف ولم يثبت الحدّ على القاذف ، ولا على الشهود وان لم تكن مقبولة

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥١.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥١.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حدّت الشهود والقاذف ولا يجوز الرمي به الّا للشهود والمدّعي الذي له شهود يشهدون على الوجه الذي يقبل عند الشارع وان كان صادقا ورأي ما قال الّا للزوج مع التلاعن.

ويجوز الشهادة بدون المدّعي فيجتمع الشهود المعتبرة ويشهدون ويثبت بذلك ، ولا حدّ عليهم.

(الثاني) تصديق المقذوف وإقراره بما نسب إليه من الفعل القبيح ولو مرّة واحدة وقلنا : لا يثبت عليه الحدّ الّا بمرّتين فانّ ذلك موجب لتصديقه فلا معنى (نفع ـ خ) للمؤاخذة بالافتراء عليه ، فتأمّل.

(الثالث) عفو صاحب الحق فإنّه حق الناس كما سمعت.

ويسقط بإسقاط مستحقه وتدلّ عليه الاخبار أيضا وقد تقدم بعضها.

ورواية سماعة ، قال : سألته عن الرجل يفتري على الرجل ، ثم يعفو عنه ، ثم يريد ان يجلده بعد العفو؟ قال : ليس له ذلك بعد العفو (١).

وما في أخرى له ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ليس له حد ، بعد العفو وقال : العفو الى امه (الامام ـ خ) وان كانت قد ماتت ، فإنه ولي أمرها يجوز عفوه (٢)

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قلت له : رجل جنى عليّ أعفو عنه أو أرفعه إلى السلطان؟ قال : هو حقك ان عفوت عنه فحسن ، وان رفعته الى الامام فإنّما طلبت حقك وكيف لك بالإمام (٣)!

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٥.

(٢) الوسائل باب ٢٠ قطعة من حديث ٣ من أبواب حدّ القذف والظاهر ان في النقل سقطا فان الحديث هكذا : ليس له حدّ بعد العفو قلت : أرأيت ان هو قال : يا ابن الزانية فعفا عنه وترك ذلك لله؟ فقال : ان كانت امه حيّة فليس له ان يعفو ، العفو الى امه متى شاءت أخذت بحقها فان كانت امه قد ماتت فإنه وليّ أمرها يجوز عفوه.

(٣) الوسائل باب ٢٠ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٤.

١٥٤

وباللعان في الزوجة.

______________________________________________________

فهي تدلّ على أن العفو حسن ، وانّه لا يحتاج إلى الامام.

والظاهر ان الجناية تعمّ القذف ، الله يعلم.

وكأنه لذلك نقلها الشيخ في باب القذف ، فتأمّل.

وصحيحة ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام ، فأمّا ما كان من حق (حقوق ـ ئل) الناس في حدّ فلا بأس ان يعفى عنه دون الامام (١).

ورواية عمّار الساباطي وقد مرّت.

وفي كثير من الأخبار انّه من حقوق الناس ، وانّه يوفى ، كما سيجي‌ء.

وامّا صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الرجل يقذف امرأته؟ قال : يجلد ، قلت : أرأيت ان عفت عنه؟ قال : لا ولا كرامة (٢).

فهي مضمرة وان كان الظاهر انه عن الامام عليه السّلام ، وواحدة في مقابل أخبار كثيرة ، وأظن انّها ليست بصريحة في عدم السقوط بالعفو ، بل ولا ظاهرة فيمكن حملها على الكراهة أو القول بمضمونها في مادّة الزوجة.

وقال الشيخ : انّه إذا كان بعد الرفع الى الحاكم فلا عفو ، وقبله له العفو ، وجمع بين الاخبار بذلك فذهب إلى عدم العفو مطلقا إذا كان بعد الرفع الى الحاكم ، لرواية محمّد (٣).

وهي قاصرة عن ذلك كما ترى.

وحمل الاولى على القتل ، وهو بعيد ، وسيجي‌ء ذلك في العفو عن السرقة.

(الرابع) اللعان وهو مخصوص في رمي الزوجة.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٤.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٤.

(٣) قد تقدمت آنفا.

١٥٥

وكلّ تعريض بما يكرهه المواجه يوجب التعزير ، كأنت ولد حرام ، أو حملت بك أمك في حيضها ، أو لم أجدك عذراء ، أو احتلمت بأمك البارحة ، أو يا فاسق ، أو يا كافر أو يا خنزير ، أو يا حقير ، أو يا وضيع ، أو يا أجذم ، أو يا أبرص.

______________________________________________________

فالحدّ (١) يسقط بالثلاثة المتقدمة وباللعان ، وإليه أشار بقوله : (ويسقط بذلك وباللعان في الزوجة).

وتدلّ عليه الاخبار ، بل الكتاب (٢) ، وقد مرّ في بحث اللعان طرف منها فتذكر وترك استثناء التقاذف ، بناء على الظهور.

قوله : «وكلّ تعريض بما يكره إلخ» هو الإهانة والعقوبة التي لا تقدير لها شرعا غالبا ، بخلاف الحدّ ، وموجبه كلّ تعريض مخاطب بخطاب يكرهه ولم يكن قذفا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، فإنّه إذا كان كذلك يكون موجبا للحدّ لا التعزير.

والظاهر انّ كلّ ما يؤذي المسلم بغير حق ، بل كلّ ذنب غير موجب للحدّ ، موجب للتعزير وليس بمخصوص بالخطاب الى مواجه بما يكرهه كما يفهم من تضاعيف الأبحاث.

ولانّه لا خصوصيّة له بالمخاطب ، بل باللفظ والكلام أيضا ، فإنّ سببه كونه معصية وذنبا فيؤخذ أينما وجد.

وامّا الدليل على الكليّة فلا يكاد ان يوجد ما يكون نصّا فيه.

نعم قد يوجد في الاخبار ما يمكن فهمه منها ، وقد مرّ بعضها.

مثل صحيحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن

__________________

(١) وفي بعض النسخ هكذا : فالحدّ بقذف الزوجة يسقط إلخ.

(٢) يعني بها آية اللّعان.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

رجلين افترى كلّ واحد منهما (على ـ ئل) صاحبه؟ فقال : يدرأ عنهما الحدّ ويعزّران (١).

ومثلها صحيحة أبي ولاد الحنّاط (٢) وقد تقدمت.

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ـ ئل) ، عن رجل سبّ رجلا بغير قذف يعرض به هل يجلد؟ قال : عليه تعزير (٣).

ورواية إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الافتراء على أهل الذمة ، وأهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟ قال : لا ولكن يعزّر (٤).

ورواية جرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قال للرجل : أنت خبيث (خنث ـ خ ل ئل) أو أنت خنزير فليس فيه حدّ ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة (٥).

ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن شهود الزور (زور ـ ئل) فقال : يجلدون حدّا ، ليس له وقت وذلك الى الامام ويطاف بهم حتّى يعرفهم الناس إلخ (٦).

هذا في غير المواجه.

ورواية منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل تزوّج ذميّة على مسلمة ولم يستأمرها ، قال : يفرق بينهما ، قال : قلت : فعليه

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥١.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥١.

(٣) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٢.

(٤) الوسائل باب ١٧ حديث ٤ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٠.

(٥) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٢.

(٦) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ج ١٨ ص ٥٨٤.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أدب؟ قال : نعم اثنا عشر سوطا ونصف ، ثمن حدّ الزاني وهو صاغر ، قلت : فان رضيت المرأة الحرّة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟ قال : لا يضرب ، ولا يفرق بينهما يبقيان على النكاح الأوّل (١) ، كذا في الكافي.

وفي التهذيب بدلها (أمه) (الأمة ـ ئل) ، وهو الأصح.

هذا أيضا في غير المواجه وغير الكلام ، ومن (٢) المواضع التي عيّن فيها التعزير.

وفي مضمونها تأمّل ، وفي سندها جهالة ، وإرسال وهو صالح بن سعيد ، عن بعض أصحابنا (٣) وفي مضمرة إسحاق وسماعة وأبي بصير : انّ آكل الربا بعد البيّنة يؤدّب (٤).

وفي رواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : انّه قال : آكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير عليه (عليهم ـ ئل) أدب ، فإن عاد أدّب وليس عليه حدّ (٥).

ورواية أبي مخلد السّراج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل دعى آخر ، ابن المجنون فقال له الآخر : أنت ابن المجنون فأمر الأوّل ان يجلد صاحبه عشرين جلدة ، وقال له : اعلم انّه ستعقب (مستعقب ـ ئل) مثلها عشرين فلمّا جلده أعطى المجلود السوط فجلده عشرين ،

__________________

(١) الوسائل باب ٤٩ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٤١٥.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه في غير المواجه يعني هذا من المواضع التي إلخ.

(٣) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن سعيد عن بعض أصحابنا ، عن منصور بن حازم.

(٤) راجع الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨١ وفيه وسماعة عن أبي بصير بدل (وأبي بصير).

(٥) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨١.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

نكالا ، ينكل بهما (١).

والأوليان في غير المواجه وغير الكلام أيضا ، وفي الأخيرة تعيين التعزير فتأمل.

ورواية مفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل أتى امرأته وهي صائمة وهو صائم؟ قال : ان كان استكرهها فعليه كفّارتان وان لم يستكرهها فعليه كفارة وعليها كفارة وان كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ وان كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة وعشرين سوطا (٢).

هذا أيضا في غير المواجه وغير الكلام ، وفيه أيضا تعيين التعزير ، وتحمّل الرجل تعزير المرأة وكفارتها مع الإكراه.

ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل أتى اهله وهي حائض؟ قال : يستغفر الله ولا يعود ، قلت : فعليه أدب؟ قال : نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حدّ الزاني وهو صاغر ، لانّه اتى سفاحا (٣).

وهذه أيضا غير المواجه وغير الكلام مع تعيين التعزير.

ورواية أبي حنيفة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل قال لآخر : يا فاسق قال : لا حدّ عليه ويعزّر (٤).

ورواية أبي مريم قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الهجاء (على ـ خ) التعزير (٥) هذا أيضا في غير المواجه.

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ٣ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٢.

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨٥.

(٣) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٨ ص ٥٨٦.

(٤) الوسائل باب ١٩ حديث ٤ من أبواب حدّ القذف ص ٤٥٣.

(٥) الوسائل باب ١٩ حديث ٥ من أبواب حدّ القذف ص ٤٥٣.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يأتي المرأة وهي حائض؟ قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي استدباره نصف دينار ، قال : قلت : جعلت فداك يجب عليه شي‌ء من الحدّ؟ قال : نعم خمس وعشرون سوطا ربع حدّ الزاني ، لانّه اتى سفاحا (١).

هذه في غير المواجه وفي غير الكلام.

وفيها وجوب التعزير ، وتسميته حدّا ، والكفارة في الحيض بالتفصيل في الجملة فإنّه ما ذكر في آخره شيئا.

ولعلّها (لعل ـ خ) حملها على الاستحباب من قال بالاستحباب للقصور متنا وسندا للجهل بمحمّد بن جعفر وأبي حبيب (٢) فتأمّل ، وقد مرّ البحث في ذلك في أوّل الكتاب.

ويفهم التعزير في كلّ ما يؤذي المسلمين ، من رواية الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : انّ رجلا لقي رجلا على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : انّ هذا افترى علي؟ قال : وما قال لك؟ قال : انّه احتلم بأم الآخر ، قال : ان في العدل ان شئت جلدت ظلّه ، فانّ الحلم انما هو مثل الظل ولكنا سنوجعه ضربا وجيعا حتّى لا يؤذي المسلمين فضربه ضربا وجيعا (٣).

فيمكن استفادة الكليّة من هذه الاخبار ، وكأن ذلك مرادهم وأشار (٤) الى ذلك بكثرة الأمثلة ، مثل أن قال لمخاطب : أنت ولد حرام فانّ ذلك ليس

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب بقيّة الحدود ج ١٥ ص ٥٨٦.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن جعفر ، عن أبي حبيب عن محمّد بن مسلم.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب حدّ القذف ج ١٨ ص ٤٥٨.

(٤) يعني المصنف في المتن.

١٦٠