مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

ولو قتل المرتدّ مسلما عمدا قتل به ، فان عفا الولي قتل حدّا ، وان قتل خطأ فالدية في ماله مخفّفة وتحلّ بقتله أو موته.

______________________________________________________

فان لم يقبل وينكر بعد ذلك ، يحكم بارتداده ، ومعلوم ان ذلك ليس بارتداد إذا كان ممن يمكن خفاء ذلك عليه وغفلته.

وكذا لو أنكر وجوده بان قال : بعد ما بعث وسيبعث كما أنكر في الأوّل عمومه ، وقال : أنه مبعوث الى العرب فقط.

وفيه إشكال ، فإن ذلك غير مخفي على احد ، وان ذلك موجب لإنكار نبوته بالطريق الاولى ، ومنكره مرتد فكيف منكر وجوده.

ويمكن ان يقال : إنما ذلك التنبيه والاعلام فيمن يسلم وكان كافرا.

وامّا المسلم إذا أنكر أحدهما فيحكم بارتداده الّا ان يدّعي شبهة محتملة كما في غيرهما ، فتأمل.

ويمكن ان يكون مراده انه إذا ارتدّ بسبب إنكار عموم النبوة ، وقال : انه مبعوث الى العرب فقط كما قال بعض : ان محمدا حق ولكن ما وجد وما بعث بعد وسيبعث ، فلا يكفيه في إسلامه ، وتوبته ، الشهادتان ، بل لا بد من ضم انه مبعوث على كلّ مكلّف ، وانه مبعوث منذ كم سنة كما صرّح في غير المتن.

قوله : «ولو قتل المرتدّ مسلما إلخ» قتل المرتدّ ـ بقتله مسلما عمدا قصاصا ـ ظاهر ، وانما ذكره للإشعار بتقديمه على الحدّ ، فان حق الآدمي مقدم على الحدّ وحقّ الله ، وهو مقرر عندهم ، ولذكر ان عفا له الولي ذلك قتل حدّا ، سواء كان العفو مجانا أو على دية ، فإن قتل المرتدّ قد وجب حدّا ، لارتداده وما وجد سبب آخر أقوى منه وهو حق الآدمي قدم عليه ، وإذا سقط ذلك الحق بقي القتل حدّا الذي كان عليه.

وان قتل المسلم خطأ يجب عليه دية المسلم في ماله لا على عاقلته ، مخفّفة أي مؤجّلة ومؤدّاة في ثلاث سنين.

٣٤١

ولو قتله من يعتقد بقاءه (على الردة ـ خ) بعد توبته ففي القصاص إشكال.

______________________________________________________

ولكن إذا قتل أو مات تحلّ الدية المؤجّلة ويصير حاله كسائر ديونه كما هو المقرر في جميع المديونين انه إذا قتل (قتله ـ خ) أو مات يحلّ ما عليه من الديون.

وكأن وجه كونه في ماله لا على عاقلته ، لقطع علاقة العاقلة بالارتداد كأنه ليس بقريب منه.

فتأمّل فإنه لو مات يرثه عاقلته المسلم ان لم يكن أولى منه.

ويحتمل النص والإجماع وما أعلمهما الآن.

ويشكل ذلك في المرتدّ الفطري حيث لا مال له عندهم.

وقد يدفع بناء على احتمال تملّكه المتجدّد من الأموال بكسبه وغيره كما سيجي‌ء الّا ان يكون حال القتل معسرا ان لم يتجدّد له مال فيعمل معه ما يعمل بالمعسر أو يقال : يؤخذ من بيت المال ، فإنه لا يبطل دم امرئ مسلم.

ويحتمل من ماله ، ويكون الانتقال إلى الورثة متزلزلا ، وهو بعيد.

قوله : «ولو قتله من يعتقد إلخ» لو تاب المرتدّ الملّي ثم قتله مسلم باعتقاد انه باق على ارتداده ولم يرجع ولم يتب ، ففي قصاص المسلم القاتل له ، اشكال من حيث انه قتل هو مسلما عمدا ، وذلك ، هو الموجب للقصاص.

ومن حيث انه ما قصد قتل مسلم ، فهو ليس بقاتل مسلم باعتقاده ، فلا عمد الى ما قتل المسلم مع علمه بكونه مسلما فليس بعمد ، فيؤخذ الدية لعدم بطلان دم امرئ مسلم.

والظاهر انه يكون في ماله ، لا على العاقلة.

ويحتمل ترجيح الأوّل للنَّفس بالنَّفس (١) ، وخرج منه ما خرج بالنص

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والإجماع وبقي غيره ، وما نحن فيه منه.

ويؤيّده أنه لا يجوز له قتله ، وأصل عدم اشتراط العلم بكونه مسلما وقصده باعتقاد ذلك في القصاص ، والّا لو يدّعي قاتل مسلم انه ما كان يعتقد إسلامه حين قتله ، لزم عدم قصاصه ، فتأمّل.

وليس قتله قصاصا ، حدّا حتّى يسقط بالشبهة كما قيل في شرح الشرائع (١).

قال في الشرح : الفظة (بعد) (٢) متعلقة ب (قتله) لا بلفظ (يعتقد) ولا ب (بقائه) (٣) وتحرير المسألة ان قتل المكافي ـ في غير زعم القاتل ، مباحا كان كالفرض المذكور أو غيره كمعتقد بقاء الذمي على الذمة أو العبد على العبوديّة حال إسلامه وحرّيته ـ هل يوجب القود أم لا؟ فيه وجهان ، نعم لتحقق قتل المكافي ظلما ، ولعموم قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٤) ، و (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) (٥) ، (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٦) ، وقوله عليه السّلام : الى قوله (٧) : وقول الصادق عليه السّلام في صحيحة الحلبي وعبد الله بن سنان : من قتل مؤمنا متعمّدا أقيد به (٨) ، ولا لعدم القصد الى قتله الذي هو شرط في القصاص ، والقصد الذي

__________________

(١) في المسالك عند شرح قول المحقّق : (إذا قتل المرتدّ مسلما عمدا فالوجه قتله) : بعد بيان وجه جواز قتله قال : ووجه العدم عدم القصد الى قتله على الحالة المحرّمة ، وان قصد مطلق القتل وان القصاص حدّ لتحقق معناه فيه ، والظن شبهة فيدرأ بها وهذا أقوى وحينئذ فيجب الدية في ماله مغلّظة لأنه شبيه عمد (انتهى).

(٢) يعني في قول المصنف : ولو قتله من يعتقد بقائه على الردّة بعد توبته ففي القصاص اشكال.

(٣) هكذا في النسخ كلّها ولكن في الشرح : لا بلفظ (يعتقد بقائه).

(٤) البقرة : ١٧٩.

(٥) البقرة : ١٧٨.

(٦) المائدة : ٤٥.

(٧) في الشرح وقوله عليه السّلام : فأهله بين حرّتين وقول الصادق عليه السّلام إلخ.

(٨) الوسائل باب ١٩ حديث ٣ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٣٧ وفيه قيد منه الّا ان

٣٤٣

ولو طلب الاسترشاد احتمل عدم الإجابة بل يكلّف الإسلام ثم يستكشف.

______________________________________________________

هو الى مطلق القتل ، لا يستلزم القصد إلى مقيّدة ، ولان القصاص حدّ ، لاستعماله فيه ، ولتحقّق المعنى المشتق منه إذ الحدّ هو المنع ، وهو حاصل في القصاص ، والظنّ شبهة ، والشيخ في المبسوط قويّ القصاص محتجا بالعموم ، وبان الظاهر من حاله انه لا يطلق من قبضة السلطان الّا بعد الإسلام فكان (فكأنّ ـ خ) القصد الى قتل المكافي متحقّقا (متحقق ـ خ) ، وبه افتى في المختلف ، واعلم انه مع عدم القول بالقصاص يجب الدية مغلّظة في ماله وعليه نصّ في المبسوط (انتهى) (١).

ولا يخفى أن القصاص أظهر ، لما مرّ من العمومات بل الخصوصات مع عدم العلم بان مثل ذلك مسقط.

وان الشبهة على تقدير تسليمها لا تسقط القصاص الذي هو حق الآدميّ وان سمّي حدا.

والقصد الى القيد (المقيد ـ خ) واقع في نفس الأمر ، وهو الموجب وان لم يعلم القاصد ذلك.

ولا يعتبر في تعلّق قصد شخص بشي‌ء علمه به ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

قوله : «ولو طلب الاسترشاد إلخ» إذا طلب المرتدّ الملّي الاسترشاد وطلب كشف الغطاء عن الحق ورفع شكوكه وشبهته وإظهار الحق ليقول به ويرتدع عما فعله ممّا يوجب الارتداد ، يحتمل عدم الالتفات اليه وعدم الإصغاء اليه ، وعدم سماع كلامه.

قال في الشرح : وجه الاحتمال تضييق الإسلام أو القتل لقوله

__________________

يرضى أولياء المقتول ان يقبلوا الدية ، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفا وألف دينار.

(١) الى هنا عبارة الشارح رحمه الله الذي نقله عنه هذا الشارح قدّس سرّه.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام : (ومن بدل دينه فاقتلوه) ، والفاء للتعقيب رواه ابن عباس فيقدم ، ولان الخيالات لا تنحصر ، فيؤدّي إلى طول البقاء على الكفر (والإزالة ممكنة بعده ـ شرح) ، ومن انه عذر في التأخير فيرشده ولأن الاستتابة إنما شرعت وفرض لها وقت إمّا مقدرا أو بحسب ما يؤمل معه الرجوع لدفع الشبهات بنظر أو تنبيه ، وهو ظاهر المبسوط ، والتحقيق أن مبنى (١) المسألة أن الاستتابة واجبة أم لا؟ الإجماع من المسلمين الّا من شذّ على الوجوب ، فحينئذ هل لها مقدّر أم لا؟ ظاهر فتاوى الأصحاب عدم التقدير ، بل القدر الذي يؤمل معه الرجوع ، وهو صريح المبسوط وظاهر الخلاف عدم تقديره أصلا ، واحتاط في المبسوط بثلاثة أيّام ، وهو موجود في رواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان عليّا عليه السّلام قال : المرتد عن الإسلام يعزل (عنه ـ ئل) امرأته ولا تؤكل ذبيحته ويستتاب ثلاثة أيّام (٢) وحينئذ هل ذلك واجب أم لا؟ ظاهرهم الوجوب أيضا فنقول : ان كان السؤال عن المناظرة دخل الشبهة قبل انقضاء الثلاثة أو القدر الذي يمكن معه الرجوع ، فالأجود الإجابة ، وان كان بعد انقضائهما فالأجود (فالأقرب ـ شرح) عدمه ، والّا أدّى الى طول الاستمرار على الكفر ، ولانه متخاذل في هذه المدّة عن السؤال إذ قد مضى عليه ما يمكن فيه التذكر (٣).

ولا يخفى ان التضييق غير مسلم فإنه أوّل البحث.

والرواية ـ مع الجهل بسندها ـ (٤) لا تدلّ على المطلوب.

__________________

(١) ان مبنى هذه المسألة على الاستتابة هل هي واجبة أم لا (الشرح).

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٥ من أبواب حدّ المرتد ج ١٨ ص ٥٤٨ وتمامه : فان تاب والا قتل يوم الرابع.

(٣) الى هنا عبارة الشارح رحمه الله الذي نقله عنه هذا الشارح قدّس سرّه.

(٤) سنده كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن مسمع بن عبد الملك.

٣٤٥

ويملك ما يكتسبه حال ردّته عن غير فطرة ، وعنها اشكال.

______________________________________________________

وأنه يمكن ان يسترشد مقدار ما يمكن فيه الفهم والإرشاد ، فإن حصل ، والّا فلا يسمع بعد ذلك فلا يؤدّي الى الطول ، فدليل السماع أظهر.

ويؤيّده ان العقل يحكم بحسن اجابة من استرشد وطلب الهداية ، وقبح ردّه عقلا ونقلا (١) حتّى يظهر انه معاند الّا ان يكون ممّا علم عدم فائدة إرشاده ، وهو ظاهر.

ولهذا قال : (ان الاستتابة واجبة بإجماع المسلمين).

وان التقدير بثلاثة أيّام مذهب المتن فليس فتوى الأصحاب عدم التقدير.

فالأجود أن يحال الى نظر الحاكم ، فان احتمل عنده الرجوع والارتداع (الارتداد ـ خ) وانه يسئل عن الإرشاد معتقدا له ومريدا لازالة شبهته بفعل مقدار ما يمكن دفع مثله بمثله ، لان ردعه واجب ، وهو موقوف على ذلك بظنه ، فلا بدّ من فعله.

وان رأى عدم التأثير والعناد وعدم التوجّه الى التحقيق والاستكشاف لا يسمع قوله بل يقتله ، فهذا هو التحقيق ، فافهم.

قوله : «ويملك ما يكتسبه إلخ» قال في الشرح : أمّا الأوّل ـ (أي تملّك الملّي ما يكتسبه من الأموال المتجدّدة بالاتّهاب والاحتطاب ، والاحتشاش وغيرها) ـ فلعدم زوال ملكه عنه ، وامّا الثاني ـ (أي تملك الفطري ما يكتسبه ويحصل له من الأموال بعد الردّة) ـ فمنشأ الإشكال زوال الملك عن أملاكه الحاصلة فعدم دخول المتجددة أولى ، لأن حفظ الباقي أضعف من إيجاد الحادث خصوصا مع القول باستغناء الباقي عن المؤثر ، ولأنه يجري عليه أحكام الميّت بالنسبة إلى أمواله فلا يملك كما لا يملك الميّت ومن وجود سبب الملك ، وهو استيلاء الآدميّ على مباح

__________________

(١) راجع أصول الكافي باب بذل العلم ج ١ ص ٤١ طبع الآخوندي.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وشبهه مع وجود نيّة التملّك فيثبت مسبّبه ، ولان انتقال الملك الى غيره لا ينافي تملكه ، وتكون فائدته ذلك الانتقال والأصحّ انه لا يملك أصلا ، وهو أقرب وجهي القواعد ، لان الاستيلاء مع وجود النيّة ليس علّة تامّة في الملك إذا لم يكن القابل حاصلا كالعبد ، وهاهنا ، القابل ممتنع القبول ، وفي قول المصنف (يكتسبه) فائدة ، هي ان القهري كالإرث ، والضمني كإيفاء الدين لا شك في الحكم فيهما ، وهو عدم الملك في الأوّل وثبوت الملك الضمني في الثاني كثبوته في الميّت ، ويتفرّع على الاشكال انتقاله الى الوارث وعدمه (١).

واعلم أنّ عموم أدلّة تملّك الإنسان ما يتملّك لسائر الاكتسابات ـ مثل الاحتطاب والاصطياد مع النيّة أو عدم نيّة الغير والاستيجار ـ يشمل المرتدّ كغيره.

ولا شك ان ذلك علّة ما لم يدلّ دليل على عدمها مع (من ـ خ) شرط آخر معدوم ، أو وجود مانع ، وهو ظاهر.

ولا يصحّ خروج ما كان ملكا له عن ملكه مانعا لذلك ، إذ يجوز في نظر العقل ان يزول ملكه عنه ويتملّك ما يتجدّد بسبب ، لاحتمال مدخليّة ورود الارتداد على ما يملك ، دخلا في الإزالة وعدم بقاء التملك.

وبالجملة قد يكون سببا لزوال أمر في وقت ولم يكن مانعا لوجوده في وقت آخر لاحتمال تأثير ما كان معه في ذلك ، مثل وجود المال حال الارتداد أو نفس الوقت ، وهو ظاهر.

أو يتملّك ولم يبق ، فكون الحفظ أضعف من الإيجاد ، لا يدلّ على ذلك خصوصا عند من قال : ان البقاء يحتاج إلى العلّة كما هو الحق ، لأن علّة الاحتياج هو الإمكان ، لا الحدوث كما حقّق في محلّه.

__________________

(١) الى هنا عبارة الشارح رحمه الله التي نقلها هذا الشارح قدّس سرّه.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم ان انتقاله إلى الورثة ـ وهو حيّ ـ غير ظاهر ، ووجود الدليل على انتقال الأملاك التي قبل حال الارتداد لا يدلّ على ذلك.

وكذا كونه في حكم الميّت في بعض الأمور ، فإنه يجوز ان يكون حكمه حكم الميّت في بعض احكامه دون البعض ، ولهذا لا يجب بمسّه الغسل ، ولا يجب غسله وتكفينه ودفنه.

ويؤيّد التملّك وعدم الانتقال ، انه حيّ يحتاج إلى النفقة فيبعد ان لا يكون له صلاحيّة التملّك ، خصوصا مع عدم وجوب نفقته على غيره ووجوبه عليه.

الّا ان يقال : انه لا يجب عليه ، بل لا يجوز ، فإنه يجب انعدامه فلا يجوز ان يقال : حتّى يموت ، أو يقال : نفقته على بيت المال فتأمّل وان في ـ الفائدة أيضا ـ تأملا فإن الأول أي المرتدّ الملّي يحتمل ان يملك القهري في الجملة ، مثل ان كان مورثه كافرا أصليّا أو مرتدا ، فالتقييد بالكسب مضرّ من جهة ، وان كان نافعا من جهة أخرى.

وان لفظة (إشكال) في المتن غير ظاهر الإعراب ، فإنّ تقديره : (ويملك ما يكتسبه حال ردّته عن غير فطرة وعنها ـ أي عن فطرة ـ إشكال) فالعبارة غير جيّد (١) والمقصود ظاهر وهو ان في تملّك المرتدّ الفطري ما يكتسبه بعد زمان ردّته اشكال.

__________________

(١) نعم لكن في النسخة المطبوعة أوّلا بالطبع الحجري ، وضع لفظة (على ـ خ) قبل قوله : اشكال وعلى هذه النسخة يرتفع الاشكال كما لا يخفى.

٣٤٨

المقصد التاسع في وطء

البهائم والأموات

من وطأ من العقلاء البالغين دابّة مأكولة اللّحم ، عزّر وغرم قيمتها ان لم تكن له ، وحرمت ، ونسلها المتجدد ، ولبنها ، وذبحت وأحرقت وإن كانت غير مأكولة اللحم كالخيل ، والبغال ، والحمير ، أخرجت من البلد وبيعت في غيره واغرم ثمنها لمالكها ويتصدق بما يباع به على رأي ، ودفع اليه على رأي.

______________________________________________________

قوله : «من وطأ من العقلاء البالغين إلخ» من المحرّمات الموجبة للتعزير والحدّ وغيرهما من الأحكام الآتية ، وطء البهائم ، جمع بهيمة ، وهو الحيوان غير الإنسان.

أمّا الفاعل وهو العاقل البالغ فلا يثبت الحكم المذكور عنده للصبيّ والمجنون ، وهو ظاهر.

ولا يحتاج الى الدليل بالنسبة الى أن فعلهما حرام وموجب للتعزير أو الحدّ

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على ما سيأتي ، فإن فعلهما لا يوصف به ، وانهما لا يعزّران ، ولا يحدّان لأنهما غير مكلّفين ، وهما في فعل المكلّف ، نعم يؤدّبان لدفع الفتنة والاستصلاح.

وامّا بالنسبة إلى سائر الأحكام من تحريم الموطوءة ، وتحريقها ، والتغريم لصاحبها ، فليس بواضح وسيأتي دليلها ، فتأمّل في شمولهما.

وامّا المفعول ، فقد علم انه مطلق الحيوان غير الإنسان.

وامّا أحكامه ، فهي انه ان كانت الموطوءة دابّة أي حيوانا مأكولة اللحم أي المطلوب منها أكل لحمها ، وانه المتعارف منها مثل الغنم ، والبقر ، والناقة مذكّرا كان أو مؤنثا ، فبمجرّد تحقق ما يصدق عليه الوطء دبرا كان أو قبلا ، عزّر الفاعل ، وغرم لصاحبها قيمتها ان لم تكن له وحرم نسلها المتجدد بعد الوطء بان تحمل حينئذ.

ويحتمل تحريم نسل الفحل الموطوء الذي حصل بعده ، فتأمّل.

وكذا لبنها الذي حصل بعد الوطء ، وذبحت وأحرقت.

وان كانت غير مأكولة اللحم ـ أي لا يكون المقصود منه الأكل ولم يكن متعارفا أكل لحمها وان كان لحمه حلالا مثل الخيل والبغال والحمير ـ أخرجت من البلد ، بدل الذبح ، والتحريق في الاولى وباقي الاحكام مشترك.

وتباع ويتصدق بما يباع به من الثمن على رأي.

لعلّ البائع هو المالك أو وكيله ، ويحتمل الحاكم والغارم ، وكذا المتصدق ورأي آخر انه (١) يدفع الى الغارم الواطي ، وعلى هذا ينبغي أن يكون هو البائع فكأنه بعد إعطاء قيمتها صارت له ، فتأمّل.

أمّا دليل هذه الأحكام ، فهي رواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام والحسن (الحسين ـ ئل) بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام ،

__________________

(١) يعني الحيوان الغير المأكول اللحم الموطوء.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وإسحاق بن عمار ، عن أبي إبراهيم موسى عليه السّلام في الرجل يأتي البهيمة؟ فقالوا جميعا : ان كانت البهيمة للفاعل ذبحت ، فإذا ماتت أحرقت بالنار ولم ينتفع بها ، وضرب هو خمسة وعشرين سوطا ربع حدّ الزاني وان لم تكن البهيمة له قوّمت عليه وأخذ ثمنها منه ودفع الى صاحبها وذبحت وأحرقت بالنار ، وضرب خمسة وعشرين سوطا ، فقلت : فما ذنب البهيمة؟ قال : لا ذنب لها ، ولكن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فعل هكذا وأمر به لكيلا يجترئ الناس بالبهائم وينقطع النسل (١).

ولا يضرّ جهل (الحسن) والقول في (إسحاق) فإنها صحيحة بطريق (عبد الله بن سنان) ولا يضرّ يونس بن عبد الرحمن (٢) ، بل محمّد بن عيسى عنه (٣) أيضا ، فتأمّل.

وهي لا تدلّ على جميع الأحكام المذكورة ، مثل تحريم النسل واللبن ، ولكن يمكن ادعاء ذلك فإنه قال : (ذبحت ولم ينتفع بها) وأكل النسل واللبن انتفاع بها.

ولأنّه لولاه لما جاز ذبحها فافهم.

وأيضا ما تدلّ على الفرق المذكور بين المأكول وغيره ، بل تدلّ على ان الحكم واحد ، وهو المذكور في الأوّل ، فتأمّل.

ورواية سماعة ـ كأنها موثقة له ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل يأتي بهيمة ، شاة أو ناقة أو بقرة؟ قال : فقال : عليه ان يجلد حدّا غير الحدّ ثم ينفى من بلاده الى غيرها وذكروا (وذكر ـ خ) أن لحم تلك البهيمة محرّم ولبنها (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب نكاح البهائم ج ١٨ ص ٥٧٠.

(٢) سنده كما في التهذيب هكذا : يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان.

(٣) أورد في مشيخة التهذيب والاستبصار طريقه الى يونس بن عبد الرحمن بأربعة طرق في اثنين منها ينتهي الى محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني عن يونس بن عبد الرحمن فراجع أو أخر المشيخة من الكتابين.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧١.

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه مع ضعفها ما تدلّ على تمام الحكم المشهور ، بل على تحريم لحمها ولبنها ، وتدلّ على غير المشهور ، وهو نفي الفاعل في البهيمة المأكولة ، وما نرى قائلا به ، وانه يحدّ.

والظاهر أن المراد به التعزير ، ولهذا قال : غير الحدّ فيحمل على ما تقدّم من خمسة وعشرين سوطا.

ورواية سدير ، عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يأتي البهيمة؟ قال : يجلد دون الحدّ ويغرّم قيمة البهيمة لصاحبها ، لأنه أفسدها عليه ، وتذبح وتحرق ، (وتدفن ـ خ) ان كانت ممّا يؤكل لحمه ، وان كانت ممّا يركب ظهره اغرم قيمتها وجلد دون الحدّ وأخرجها من المدينة التي فعل بها فيها الى بلاد اخرى حيث لا تعرف ، فيبيعها فيها كي لا يعيّر بها صاحبها (١).

وفي الطريق إسحاق بن جرير (٢) ، مع سدير ، ولا تدلّ على كلّ الاحكام فافهم.

وتدلّ على الحدّ المجهول ، وكأنّه يريد بالحدّ ، (دون الحدّ) ، التعزير المتقدم ورواية (العلاء بن ـ ئل يب) الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل يقع على بهيمة؟ قال : فقال : ليس عليه حدّ ، ولكن تعزير (٣).

وفي الطريق يونس ، عن محمّد بن سنان (٤) ، ولا يضرّ ، فإنها لا تدلّ الّا على التعزير ، وهو ظاهر ، وكذا رواية الفضيل (بن يسار ـ ئل) وربعي بن عبد الله ، عن

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧١.

(٢) طريقه كما في التهذيب هكذا : احمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن جرير ، عن حريز عن سدير.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧١.

(٤) طريقه كما في التهذيب هكذا : يونس بن عبد الرحمن ، عن محمّد بن سنان ، عن العلاء بن الفضيل.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أبي عبد الله عليه السّلام في رجل يقع على البهيمة؟ قال : ليس عليه حدّ ، ولكن يضرب تعزيرا (١).

لعلّ المراد ب (الرجل) هو البالغ ، لانه المتبادر منه لا الصبي أيضا ، والعاقل لدلالة العقل عليه ، فيكون التعزير المذكور بل الاحكام كلها مخصوصا بالبالغ العاقل.

ويؤيّده الأصل وسقوط الحدّ وبنائه على التحقيق والتخفيف ، والتعزير كذلك.

وتدلّ على القتل صحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل أتى بهيمة؟ قال : يقتل (٢).

وكذا مرسلة سليمان بن هلال ـ الضعيفة ـ قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يأتي البهيمة؟ فقال : يقام قائما ثم يضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ ، قال : فقلت : هو القتل؟ قال : هو ذاك (٣).

ورواية أبي فروة ، تدلّ على حدّ الزاني (٤).

وكذا صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل أتى بهيمة فأولج؟ قال : عليه الحدّ (٥).

كأنّ المراد حدّ الزنا كما يدلّ عليه روايته الأخرى ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في الذي يأتي البهيمة فيولج؟ قال : عليه حدّ الزاني (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب نكاح البهائم ج ١٨ ص ٥٧١.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٢.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٢.

(٤) راجع الوسائل باب ١ حديث ٩ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٢.

(٥) راجع الوسائل باب ١ حديث ٨ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٢.

(٦) راجع الوسائل باب ١ حديث ٨ بالسند الثاني من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٢.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والشيخ جمع بينها بأحد الأمرين ، (إمّا) حمل الأخيرة على الوطء والإدخال ، كأنه يريد مجرد الدخول ، ويحتمل غيبوبة الحشفة فيكون الامام مخيّرا بين القتل وحدّ الزاني إن أولج وأيّده بالتصريح في روايتي أبي بصير ، فكأنها تدلّ على انه إذا كان دون الإيلاج ، لا يحدّ وحمل الأوّل على عدم الدخول والإيلاج فيكون ذلك موجبا للتعزير فقط.

(واما) حمل الأوّل على المرّة الواحدة أو الاثنين والأخيرة على من تكرّر منه ذلك مع الحدّ فيقتل في المرّة الثالثة ، لما مرّ في صحيحة يونس ان صاحب الكبيرة يقتل في الثالثة.

وقيل : في الرابعة ان يريد بحدّ الزنا حينئذ ، القتل ، والرجم لانه حدّ الزاني المحصن.

وهو لا يخلو عن بعد.

والتخيير بين القتل ومائة جلدة ان لم يزد ذلك ، وهو وان لم يكن (كان ـ خ) بعيدا الّا انه لا يناسب تعيين القتل لرواية يونس (١).

واعلم أن بعض الروايات الدالة على الحدّ والقتل صحيحة ، الّا انها خلاف المشهور ، والأصل ، والتخفيف ، والتحقيق ، والاحتياط.

والظاهر ان ذلك كلّه لا يضرّ عند من أثبت حجيّة خبر الواحد ولم يقل بحجيّة الشهرة فالجمع لا بدّ منه لصحّة الروايات وان كان بعيدا ، وقد مرّ جمع الشيخ.

ويمكن حمل القتل على الضرب ، وهو أيضا بعيد في صحيحة جميل (٢) ،

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٣.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٢.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو (١) الآن متعارف الناس.

وكذا مرسلة سليمان بن هلال (٢) إن أمكن ، وان لم يمكن فنحذفها لضعفها.

ويمكن المناقشة في صحة رواية أبي بصير (٣) ، لاشتراكه ، واشتراك يونس وابن مسكان (٤) ، وما ذكر من الشهرة وغيرها مؤيدة ، فتأمّل.

وامّا بيع غير المأكول ، ودفع القيمة إلى الواطئ بعد ان يغرم القيمة ، فظاهر.

وامّا التصدق بها ، فما دلّ عليه شي‌ء من الروايات وغيرها وبالجملة لا دليل له.

فالذي يقتضيه النظر أن تكون القيمة ، بل الدابّة بعد أخذ قيمتها من الواطئ لصاحبها ، له يفعل بها ما يريد ، ولكن بعد إخراجها من تلك البلدة ، لأنه إذا دفع عوضها وقيمتها فصارت هي له.

ولعلّ مجرد الدفع موجب للانتقال ، ولا يحتاج إلى شي‌ء من العقود الناقلة ، بل بالوطء فقط فيكون قيمتها عليه ، دفعها أم لا.

ويحتمل ان تكون الدابّة لمالكها ويكون أخذ القيمة للحيلولة فيه ، ففرّع عليه انه بعد بيعها بالزيادة لمن تكون فتأمّل.

ويحتمل التصدّق بالقيمة ، لأن الواطئ خان ، والتغريم لما فعل من القبيح

__________________

(١) الظاهر ان المراد ان الضرب متعارف الناس لا القتل.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٢.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٨ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٢.

(٤) فان سندها كما في التهذيب هكذا احمد بن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير.

٣٥٥

ويثبت بعدلين وبالإقرار مرّة إن كانت ملكه والّا ثبت التعزير.

ويقتل مع تخلّل التعزير ثلاثا.

ووطء الميتة كالحيّة ، بل يغلظ في العقوبة في غير المحصن ولو كانت زوجة عزّر.

______________________________________________________

وأسقط انتفاع صاحبها ، فلا عوض له ، ولهذا لم يصل اليه عوض في المأكولة ، وليس للمالك أيضا ، إذ فيه جمع بين العوض والمعوّض ، فيكون في سبيل الله فيتصدّق به.

وفيه تأمّل ، إذ الظاهر انه للغارم ، فإنه غرم لمالكها ، فيكون الثمن له ، وعقوبته هي حدّه وتعزيره.

قوله : «ويثبت بعدلين إلخ» ثبوت وطء البهيمة امّا بعدلين ، فظاهر فإنهما حجّة شرعيّة وامّا بإقرار الواطئ فان كانت الدابّة الموطوءة ، ملكه يثبت بالإقرار مرّة ان كان ممن يقبل إقرار لإقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، والّا لم يثبت الوطء ، فإن إقرار العقلاء في حق مال الغير غير مقبول ، فلا يلزم شي‌ء من الاحكام الّا التعزير فإنه يثبت بذلك ، فإنه إقرار في حقّه بموجب ذلك وان لم يسمع بالنسبة إلى باقي الاحكام ، وهو ظاهر ، وله نظائر.

ولكن لم ينتفع هو بتلك الدابّة وان انتقلت اليه يفعل بها ما تقدم.

ويحتمل ان يلزمه القيمة أيضا بينه وبين الله فيوصلها اليه.

ويحتمل العدم فإنه ما أخرجت الدابة من يد صاحبها فلا عوض له ، والّا يلزم الجمع بين العوض والمعوّض.

قوله : «ويقتل إلخ» قد مرّ ان القتل في الثالثة أو الرابعة في مطلق الكبائر ، فتأمّل.

قوله : «ووطء الميتة كالحيّة إلخ» تدلّ على ذلك رواية عبد الله بن

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

محمّد الجعفي ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السّلام وجاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها و (ثم ـ ئل) نكحها ، فان الناس قد اختلفوا علينا (هاهنا ـ كا) في هذا فطائفة قالوا : اقتلوه ، وطائفة قالوا : أحرقوه بالنّار؟ فكتب إليه أبو جعفر عليه السّلام : ان حرمة الميّت كحرمة الحيّ ، حدّه ان يقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحدّ في الزنا ، ان أحصن رجم ، وان لم يكن أحصن ، جلد مائة (١)

ولا يضرّ الضعف بجهل آدم بن إسحاق وعبد الله (٢).

ومرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في الذي يأتي المرأة وهي ميّتة؟ فقال : وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها وهي حيّة (٣).

ولا يضرّ الإرسال ، ولا وجود الحسن بن علي بن فضال (٤).

فإذا كان وزره أعظم من الزاني بحيّة ، تكون عقوبته ، وحدّه كذلك ، والزيادة على الرجم لم يثبت ، فالمحصن يرجم ، وفي الجلد يزاد في الجملة كمّا أو كيفا.

واليه أشار بقوله : (بل يغلظ في العقوبة في غير المحصن).

هذا في غير الزوجة ، ولو كانت الميتة الموطوءة زوجة الواطي لا يحدّ ، لأنه

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٣.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الله بن محمّد الجعفي.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٤.

(٤) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن علي بن محبوب ، عن أيوب بن نوح ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السّلام.

٣٥٧

ويثبت بما يثبت به الزنا على رأي.

______________________________________________________

ليس بالزنا كوطء زوجته في الحيض ، الّا انه لما كان حراما عزّر كما في غيره.

فعلم أن حكمها حكم الحيّة.

وعلى الزوجة حمل الشيخ ـ تارة ـ رواية أبي حنيفة قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل زنى بميّتة؟ قال : لا حدّ عليه (١).

وتارة حملها على عدم تعيين حدّ واحد ، فإنه ـ تارة ـ رجم ـ وتارة ـ جلد.

وهما بعيدان ، فانّ وطء الزوجة الموطوءة لا يقال له الزنا ولو كان الزنا لكان فيه الحدّ أيضا.

وظاهر نفي الحدّ هو الجلد والرجم معا.

ويمكن ان يقال : بحذفها ، للضعف بأبي حنيفة (٢) ونعمان بن عبد السّلام وسليمان بن خالد داود ، والقاسم بن محمّد ، وعلي بن محمّد القاساني.

وعدم دليل حدّ (٣) على الواطئ زوجته الميتة ، هو الأصل مع عدم دليل عليه ، فان الخبر السابق لا يدل عليه ، لعدم العموم والصحّة ، وعدم صدق الزنا ، فتأمّل.

قوله : «ويثبت بما يثبت به الزنا إلخ» الظاهر ان مذهب أكثر الأصحاب ان وطء الميتة يثبت بما يثبت به الزنا من الشهود الأربعة ، والإقرار به بأربعة مرّات ، لا أقل عن ذلك ، لعموم ما يدل على ان الزنا إنما يثبت بذلك ، أعم من ان يكون بالميتة أو بالحيّة والوطء بالميتة زنا.

وللأصل والاحتياط في الحدود ، وسقوطها بالشبهة.

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات ج ١٨ ص ٥٧٤.

(٢) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن علي بن محبوب ، عن علي بن محمّد القاساني ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود ، عن النعمان بن عبد السلام ، عن أبي حنيفة.

(٣) هكذا في النسخ والصواب هكذا : (ودليل عدم حدّ إلخ».

٣٥٨

وبعدلين أو الإقرار مرّتين على رأي.

واللائط بالميّت كالحيّ ويغلّظ لو لم يوقب.

______________________________________________________

ولما مرّ في الإقرار بالزنا من المبالغة لعدم ثبوته والتعريض لإنكاره وعدم الإقرار به.

ولخفاء الأمر ، ولتحقق حدّ القذف بالزنا والأصل عدم سقوطه حتّى يتيقّن ذلك ، وانما ذلك بالأربعة.

وقال بعض آخر : بالثبوت بالشاهدين ، والإقرار مرّتين ، لعموم كونهما حجّة شرعية و (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (١) كأنه لا قائل بالمرّة فيثبت بالمرّتين.

وقد يمنع العموم ، وبعد التسليم يخصّص بما خصّص به الزنا ، فتأمّل.

وقد فرق بين الزنا بالحيّة والميتة بأن الأربعة للحيّة لإثبات زنا الرجل والمرأة ، وفي الميتة بالواحد.

وهو ضعيف ، وكأنّ وجه مناسبته بعد إقامة الدليل لا استدلال ، ولهذا لا بدّ من الأربعة ولو كان المشهود عليه زنا أحدهما فقط والآخر يكون مكرها أو مشتبها عليه أو مجنونا.

ولانه لو كان كذلك لزم ثبوت زنا أحدهما لو شهد اثنان بزنا أحدهما والحال انه لا بدّ من اجتماع الكلّ على واحد وهو ظاهر.

قوله : «واللائط بالميّت إلخ» يعلم دليله والبحث فيه من المقايسة بالزنا بالميتة ، فإن ذلك مثل اللواط بالحيّ الّا انه يغلظ في الميّت لو لم يوقب ، لانه أفحش ، وفي الإيقاب لزم القتل فلا تغليظ.

ويحتمل التغليظ بان يقدّم التعزير ثم يقتل ، وكذا في الزنا بالميتة كما يجمع بين الجلد والرجم فتأمّل فيثبت بما يثبت اللواط في الحيّ فهو مثله في الاحكام وما

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢ طبع مطبعة سيد الشهداء.

٣٥٩

ويعزّر المستمني بيده.

______________________________________________________

نقل هنا الخلاف وهذا مؤيّد لكون الزنا بالميتة مثله بالحيّة.

قوله : «ويعزّر المستمني إلخ» دليل التعزير في الاستمناء باليد فأمنى ، هو ثبوت التعزير في مطلق المحرّمات وهو منها ، كأنه للإجماع والخبر مثل ما روي عنه عليه السّلام : لعن الناكح بالكف (١) (بكفه ـ خ).

قال في شرح الشرائع : الاستمناء باليد وغيرها من أعضاء المستمني وغيره عدا الزوجة والأمة محرّم (محرّمة ـ خ) تحريما مؤكّدا ، قال الله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ) (إلى قوله) (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (٢) وهذا الفعل ممّا وراء ذلك.

وعن النبي صلّى الله عليه وآله (الخبر المتقدم) (٣).

تحريم جميع الأعضاء من الجميع ، غيرهما (غيرها ـ خ) ، غير ظاهر وان كان قريبا.

والآية غير صريحة ، بل غير ظاهرة أيضا ، نعم الخبر دلّ على التحريم بكفّه لو صح.

وتدلّ عليه أيضا بخصوصه رواية طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام اتي برجل عبث بذكره فضرب يده حتّى احمرّت ثم زوّجه من بيت المال (٤).

ورواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : إنّ عليّا عليه السّلام اتي

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣٨ ج ١ ص ٢٦٠.

(٢) المؤمنون : ٤ ـ ٧.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب نكاح البهائم إلخ ج ١٨ ص ٥٧٤.

٣٦٠