مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

ولا تقطع الّا بعد مطالبة المالك وان قامت البيّنة أو أقر.

ولو وهبه المال أو عفا عن القطع سقط ان كان قبل المرافعة لا بعده ولو ملكه بعد المرافعة لم يسقط.

ولو أعاده إلى الحرز قيل : لا يسقط ، ويشكل من حيث توقفه على المرافعة.

______________________________________________________

وتوقفه هنا والشيخ في الخلاف : ما كان ينبغي ، ولا يضرّ لصحيحة الحلبي ، وكذا الأصل والدرء بالشبهة ومطعونيّة الخبر ، فتأمّل.

وفيها دلالة على قطع اليمنى ، ثم الرجل اليسرى ، ونفي السارق ، والقائل به غير معلوم.

ويمكن الحمل على الاستحباب لأنه أردع إذا رآه الامام كذلك ، فتأمّل.

قوله : «ولا يقطع الّا بعد مطالبة المالك إلخ» وجه عدم القطع الّا بعد مطالبة المالك المال المسروق أو وليّه ووكيله ، هو انّ الحق له ، ولهذا لو وهب قبل المرافعة يسقط كما مرّ ولا فرق في ذلك بين ثبوته بالشهود أو الإقرار.

قوله : «ولو وهبه المال إلخ» قد مرّ دليل سقوط القطع بالعفو قبل المرافعة ووجه سقوطه بهبة المال المسروق له قبل المرافعة من السارق أظهر لأن فيه ، العفو عن القطع والزيادة.

ووجه عدمه ـ ان كان بعدها ـ استصحاب الثبوت ، وأصل عدم سقوطه وعدم الدليل عليه ، وما مرّ من عدم سقوطه بالعفو قوله : (ولو ملكه إلخ) بعد ذكر قوله : لا بعدها لا يحتاج إليه ، ولو ذكره بالفاء حتّى يكون متفرعا عليه ، لكان أولى فتأمّل.

قوله : «ولو أعاده إلى الحرز إلخ» إذا سرق السارق النصاب من الحرز ثم اعاده إليه قبل المرافعة ، قيل : لا يسقط القطع ، لحصول السبب التام ، وهو إخراج

٢٨١

ولو أكذب الشاهد لم يسقط.

اما لو ادّعى ما يخفى عنه كالاتهاب من المالك أو نفي الملك من المالك سقط.

______________________________________________________

النصاب من الحرز سرّا ، ولا دليل على سقوطه بالرد الى الحرز.

ويشكل من حيث أن القطع موقوف على المرافعة ، ولا معنى لها بعد ردّ المال اليه والى حرزه.

ويمكن أن يقال : إن رد المال على وجه صار بيد المالك أو وكيله بحيث سقط ضمانه فلا مرافعة ولا قطع فيرافع ويقطع ، فإذا تلف من الحرز بعد الرد يمكن المرافعة والقطع وان كان وقع بيد المالك أو وكيله فلا ، ويحتمل ذلك أيضا مع وجوده في حرزه ، فتأمّل.

قال الشارح : التحقيق أنّ النزاع لفظي فإن الرّد ان تضمّن براءة ذمّة السارق من المال قبل المرافعة ، فلا مرافعة ولا قطع ، ويمنع حصول السبب التام للقطع لأنه مشروط بالمرافعة وكيف يتم السبب أعني الّذي يحصل عنده المسبب مع فقد شرطه وان لم يتضمن البراءة من ذلك قطع لحصول السبب التام لإضافة الشرط اليه.

قوله : «ولو أكذب الشاهد إلخ» إذا شهد الشاهد بالسرقة شهادة تامة مفصّلة ثم كذب نفسه لم يضرّ التكذيب ، بل يلزم المال ، والغرم ، والقطع بالشهادة ، ولا يلتفت إلى التكذيب والإنكار ، لأنه قد ثبت القطع فلا يسقط بمثل ذلك.

ولكن يمكن رجوع السارق إليه في المال في دية اليد أيضا ، بل يمكن الاقتصاص منه على تقدير التعمّد ، فتأمّل.

امّا لو ادّعى الشاهد بعد الشهادة ما يخفى عليه عادة مثل ان المالك كان وهب المال المسروق من المسروق منه أو نفى المالك ملكيّة ذلك المال عن نفسه ، فان

٢٨٢

ولا يقبل إقرار العبد في القطع ، ولا الغرم ، ولا السيّد عليه ، ولو اتفقا قطع.

______________________________________________________

مثل هذه الأمور الخفيّة على غير المالك المتصرف ، وفي بيته وحرزه ، قد يخفى على الشاهد ويبتني (يبني ـ خ) في الشهادة على الظاهر قبل منه وسقط منه الحدّ بذلك فتأمّل ، فلا ينبغي للعدول ان يشهدوا مع هذه الاحتمالات بالسرقة المفصّلة الموجبة للقطع والغرم ، بل انما يشهد عن يقين.

قوله : «ولا يقبل إقرار العبد إلخ» الروايات في قبول إقرار العبد في القطع بالسرقة مختلفة وقد مرّ البعض.

والتي تدل على القطع صحيحة الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة انه قد سرق قطعه ، والأمة إذا أقرّت على نفسها عند الامام قطعها (١).

حملها الشيخ على انضمام الشهادة مع الإقرار لدفع الثبوت بالإقرار مرّة واحدة لصحيحة الفضيل ـ كأنه ابن يسار الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا أقرّ العبد (المملوك ـ خ) على نفسه بالسرقة لم يقطع ، وإذا شهد عليه شاهدان قطع (٢).

ويمكن الجمع بالحمل على اذن المولى في الإقرار وانضمام إقرار المولى بذلك ، فإن إقراره فقط إقرار على مال السيّد لا يقبل ، وإقرار السيد عليه إضرار به في القطع فلا يقبل.

نعم يقبل في المال ان كان بحيث يلزم المولى ، وإذا اجتمعا فيقبل ، وعليه تحمل الاخبار ، وهو جمع جيّد.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٤٨٧.

(٢) الوسائل باب ٣٥ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٣٢.

٢٨٣

ويستحبّ للحاكم التعريض بالإنكار مثل ما أظنك سرقت.

ويستوي في القطع الذكر والأنثى ، والحرّ والعبد ، والمسلم والكافر.

______________________________________________________

لكن يشكل الثبوت بمرّة واحدة ، وقد مرّ البحث في ذلك ، فإنه يمكن القبول إذا سمع الامام بنفسه ، فتذكر.

ثمّ انه قد تقرر ان المملوك إذا سرق من مولاه فهو غير موجب للقطع ، ولا الغرم وقد مرّ ما يدلّ على ذلك وتدلّ عليه أيضا مرسلة يونس عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : المملوك إذا سرق من مواليه لم يقطع ، وإذا سرق من غير مواليه قطع (١).

وصحيحة محمّد بن قيس ـ الثقة ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : إذا أخذ رقيق الامام لم يقطع وإذا سرق واحد من رقيقي من مال الإمام (الامارة ـ يب) قطعت يده ، قال : وسمعته يقول : إذا سرق عبد (أو حرّ وأجير) (أو أجير ـ ئل) من مال صاحبه فليس عليه قطع (٢).

كأنه محمول في الأخيرين على عدم الحرز ، فتأمّل.

قوله : «ويستحبّ للحاكم إلخ» دليل استحباب تعريض الحاكم وإشارته وإيمائه اليه وإعطائه ما يفهم انه منكر ولا يقرّ ـ مثل قوله : (ما أظنّك سارقا) ـ ما تقدم في الإقرار بالزنا الموجب للحدّ والرجم ، وما تقدم في بعض الاخبار من قوله : (هل به جنون) (٣) ونحو ذلك فتذكر.

قوله : «ويستوي في القطع إلخ» دليل استواء الذكر والأنثى ، والمسلم والكافر ، والمملوك والحرّ في القطع وموجبه وشرائطه هو عموم الأدلة المشتركة بين

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٧.

(٢) الوسائل باب ٢٩ حديث ٥ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٧.

(٣) الوسائل باب ١٦ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٧٩ وفيه «أبك جنّة».

٢٨٤

ولو قصد بسرقة آنية الذهب الكسر فلا قطع.

ولو سرق ما وضع في القبر أو ما ليس للميّت (الميّت ـ خ ل) به غير الكفن فلا قطع.

______________________________________________________

الكلّ ، والإجماع.

الّا انه قد مرّ انّ المملوك لا يقطع بالإقرار ، بل إذا انضم إليه إقرار مولاه وتسليمه ، وهو لا يحتاج الى الاستثناء.

قوله : «ولو قصد بسرقة إلخ» إذا قصد سارق بسرقته آنية الذهب والفضة المحرّمة كسرها لا ليأخذها وينتفع بها ، فلا قطع عليه ، لانه ما سرق حقيقة شيئا ، بل انّما أراد دفع منكر ومحرّم ، وان كان غلط ففيها شبهة مسقطة للحدّ ، وهو ظاهر.

ومنه علم شرط آخر للسرقة ، ويمكن إدخاله في السرقة ، فإن ذلك لا يسمّى سرقة وهو ظاهر.

قوله : «ولو سرق ما وضع إلخ» دليل عدم القطع بسرقة غير الكفن من القبر ممّا يوضع فيه مع الميّت ، انه ليس بحرز لذلك فالسرقة من غير حرز ، فلا يوجب القطع ، وامّا الكفن فقد مرّ بحثه ، فتذكر.

٢٨٥

المقصد السابع

في المحارب

وفيه بحثان :

الأوّل في ماهيّته.

وهو كلّ من جرّد السلاح لإخافة الناس في برّ أو بحر ، ليلا أو نهارا ، في مصر وغيره ، ذكرا وأنثى ، ولو أخذ في بلد مالا بالمقاهرة فهو محارب.

______________________________________________________

قوله : «وهو كلّ من جرّد السلاح إلخ» ويتحقق المحارب بتجريد السلاح أي آلة الحرب والقتل وما يقاتل به ويضرب به مطلقا وان كان عصا أو حجرا يقصد اخافة الناس كما يفهم من شرح الشرائع.

والظاهر انه لا بدّ من صدق المحارب عرفا فلا بدّ من إظهار السلاح العرفي واخافة الناس بالفعل لأخذ ماله بحيث لو منعوه لقتلهم ، لا مجرد أخذ ما يمكن ان يضرب به احد بقصد ذلك وان لم يظهر السلاح العرفي أو ظهر ولكن ما أخاف أو

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أخاف ولكن لا لقصد أخذ المال ، بل لمجرّد المزاح والامتحان ونحو ذلك كما يفهم من شرح الشرائع.

وبعد تحقق ذلك لا فرق بين الواحد والمتعدد ، والذكر والأنثى ، والحرّ والعبد ، والضعيف والقويّ ، وبين ان يكون في البرّ أو البحر ، ليلا أو نهارا.

فلا اعتبار بخلاف من خصّص الحكم بالمذكّر لوجود لفظ المذكر في الآية ، فإن أحكام النساء داخلة في أحكام الرجال غالبا بطريق التغليب المتعارف.

ولا بخلاف من خصّصه بالبرّ.

ولا اشتراط كونه من أهل الريبة والفتنة وان كان في رواية ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : من حمل السلاح بالليل فهو محارب الّا ان يكون رجلا ليس من أهل الفتنة (الريبة ـ ئل) (١).

يشعر (٢) بكونه في الليل ومن أهل الفتنة.

وفي الطريق سهل بن زياد (٣).

على انه يمكن حملها على من ليس قصده ، الضرب والفتنة ، وأخذ المال لكونه صالحا بل أمر آخر.

ولا كونه قويا لا ضعيفا.

وتردّد في الشرائع في ثبوت الحكم في المجرد الضعيف عن الإخافة ورجح الثبوت بمجرد قصده للاخافة ، وقوّاه شارحه أيضا ، مع انه سلّم ان المكتفي بمجرد قصده للاخافة محارب مجازا.

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب حدّ المحارب ج ١٨ ص ٥٣٧ بالسند الثاني.

(٢) الأصوب (ما يشعر) ليصير اسما لكان في قوله قدّس سرّه : (وان كان في رواية إلخ).

(٣) طريقها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب عن ضريس.

٢٨٧

وتثبت المحاربة بشاهدين عدلين ، وبالإقرار مرّة من أهله.

ولو شهد بعض اللصوص على بعض أو بعض المأخوذين لبعض لم تقبل.

______________________________________________________

وفيه تأمّل فإنه لا يقال : انه محارب عرفا كما سلم ، والمتبادر منه حقيقته فلا يدخل المحارب مجازا ، تحته ، وهو ظاهر.

والظاهر انه مقيّد بالمكلّف كسائر الأحكام خصوصا حدّ السرقة والزنا والشرب ، فلا يدخل الصبي والمجنون تحته ، فلا يثبت الحكم فيهما.

مع احتمال ذلك في الصبيّ المميّز إذا وجدت شروط المحارب المتقدمة كما في القصاص ، لعموم الأدلّة ظاهرا ولما تقدم في الاخبار الدالة على اعتبار حدّ السارق فيه وان كان في بعضها خلاف ذلك مثل قطع الأنملة وحكّها ، فتذكر.

ولا يشترط الأخذ في البرّ بل الأخذ في البلد والمصر أيضا بإظهار السلاح للاخافة ، داخل في عموم الأدلّة ، وداخل في خصوص صحيحة محمّد بن مسلم الآتية فإنها صريحة في ذلك ، فافهم.

قوله : «وتثبت المحاربة إلخ» ثبوت المحاربة بالشاهدين ، لأنه حجّة شرعيّة.

وكذا بالإقرار مرّة واحدة إذا كان ممن يقبل إقراره ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، ولا شك في صدقه بالمرة الواحدة ، وانما يحتاج إلى الأكثر في بعض المواضع الذي تقدم لدليل خاص تقدم ، فتذكر.

قوله : «ولو شهد بعض اللصوص إلخ» دليل عدم قبول شهادة بعض اللصوص على بعض ، ظاهر ، وهو الفسق المانع من القبول.

ودليل عدم قبول شهادة بعض الرفقاء المأخوذين على البعض على اللصوص ، هو العداوة الظاهرة المانعة من قبول الشهادة وقد مرّ ذلك مفصلا فتذكر.

٢٨٨

واللص محارب ، فإذا دخل دارا متغلّبا ، فلصاحبه المحاربة ، فإن قتل فهدر ، ويضمن لو جنى.

ويجوز الكف عنه الّا أن يطلب النفس ولا مهرب فيحرم الاستسلام.

ولو عجز عن المقاومة وأمكن الهرب وجب.

______________________________________________________

قوله : «واللص محارب إلخ» واللص إذا جرّد السلاح لإخافة الناس ليأخذ المال ، محارب ، فإذا دخل دار انسان متغلّبا مجرّدا سلاحه مخوّفا ، فهو محارب ، فلصاحب الدار محاربته بإخراجه ومنعه عن أخذه ماله ، فلو قتل بالدفع فدمه هدر ، ولو قتل هو صاحبها أو جرح ، ضمن.

ويجوز لصاحبها الكف عن دفعه وترك محاربته ويخلّى أن يأخذ المال الّا أن يريد قتل النفس ولم يكن له استخلاص بالهرب وغيره الّا بالقتل فلا يجوز الاستسلام بل يجب (يجوز ـ خ ل) المدافعة والمحاربة حتّى يقتل أو يقتل.

وان عجز عن المقاومة ولا يمكن الخلاص منه الّا بالهرب ، يجب والّا يجوز المحاربة مع ظنّ السّلامة.

يفهم من هذا المتن انه إذا تمكّن من تخليص النفس بوجه آخر غير القتل ، يجوز القتل والترك.

والظاهر انه مع ظنّ السلامة.

وإذا لم يتمكن إلّا بأحدهما فتعيّن (١).

وانه إذا أراد المال يجوز الترك والاستسلام مطلقا.

ولا شك انه مقيّد بما إذا لم يكن موقوفا عليه الحياة وحينئذ مثل ارادة القتل وامّا إذا لم يكن كذلك يجوز ترك ذلك وان ظنّ السلامة وعدم القتل والجرح فلم

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب يتعيّن كما لا يخفى.

٢٨٩

والأقرب عدم اشتراط كونه من أهل الريبة.

وعدم اشتراط قوّته ، فلو ضعف عن الإخافة وقصدها فمحارب ، على إشكال.

______________________________________________________

يكن حفظ المال واجبا مطلقا ، فكأنه مثل ترك الإنماء ، وترك التحصيل ، فتأمّل فيه.

قوله : «والأقرب إلخ» قد مرّ دليل كون الأقرب عدم اشتراط عدم الريبة ، وهو عموم الأدلّة مثل الآية والاخبار الآتيتين.

وقيل : بالاشتراط للشبهة ، وللرواية الضعيفة المتقدمة.

وقد يقال : لا يكاد يتحقّق النزاع ، فإنه لا بدّ من تجريد السلاح بقصد الإخافة ، بل الإخافة بالفعل فهو من أهل الفساد والريبة.

وان لم يظهر ولا يقصد فليس بمحارب ، سواء كان من أهلها أم لا.

ويمكن حمل الرواية على من لا يخيف ولا يقدر ، فتأمّل.

قوله : «وعدم اشتراط إلخ» أي الأقرب عدم اشتراط قوّته ، فلو ضعف عن (على ـ خ) الإخافة وقصد الإخافة بتجريد السلاح ، فهو محارب ، ولكن استشكله ، وقال : (على اشكال) أي مع كونه أقرب ، لا يخلو عن اشكال ، فهو إشارة إلى بقاء احتمال ضعيف مع قوّة الطرف الآخر.

والمصنف يفعل مثل ذلك في كتبه كثيرا ، ولو لم يقل : (على اشكال) لكان أظهر.

ولعلّه لإظهار قوّة الاحتمال في الجملة وبالنسبة بخلاف الاحتمال المفهوم من لفظ (الأقرب) فتأمّل ، والأمر في ذلك هيّن.

والظاهر في المسألة أنه ينبغي ان يكون إذا أظهر السلاح وأخاف بحيث يتحقق مفهوم المحارب المذكور في الآية والاخبار فهو محارب ولا يشترط القوّة والّا

٢٩٠

والطليع ليس بمحارب ، والمستلب والمختلس والمحتال بالتزوير والرسائل الكاذبة والمبنّج ، وساقي المرقد ، لا قطع عليهم ، بل التعزير واعادة المال وضمان الجناية ان وقعت.

______________________________________________________

فلا (١) فيشترط ، فتأمّل.

قوله : «والطليع إلخ» الطليع هو الذي يطّلع على الطريق وينظر فيه ان جاء أحد يخبر اللص والمحارب ، فيهرب ولا يأخذ.

والمستلب قيل : هو الذي يسلب المال من القدام.

والمختلس هو الذي يسلبه من الخلف.

والمحتال هو الذي يستعمل الحيلة والتزوير حتّى يأخذ المال أو يصنع الرسائل والكتب الكاذبة بأن فلانا طلب منك كذا وكذا دينا ، فيأخذ من غير ان يكون لفلان خبر بذلك.

والمبنج هو الذي يطعم البنج صاحب المال حتّى يأخذ ماله.

وساقي المرقد هو الذي يسقي المرقد لصاحبه حتّى يأخذ ماله.

دليل عدم كونهم محاربا ، بل سارقا أيضا ـ فلا قطع أيضا عليهم كما لا حدّ عليهم حدّ المحارب ـ ظاهر ، وهو عدم صدق المحارب والسارق.

نعم يلزمهم التعزير على ما يراه الحاكم قطعا للفساد والفتنة ولزومه في كلّ محرّم كما مرّ.

ولو رأى القطع تعزيرا لا حدّا لدفع الفتنة فلا يبعد لما دلّ عليه الخبر المتقدم ، فتذكر من انه جاء شخص الى آخر وقال : انا رسول فلان إليك لتعطيه كذا وكذا فأخذ ثم قال للمرسل : ان فلانا جاء معك بكذا وكذا وأعطيته بكذا ، فقال : ما أرسلته إليك فأمر بالقطع بعد الشهود (٢).

__________________

(١) أي فلا يكون محاربا فيشترط كذا في هامش بعض النسخ.

(٢) راجع الوسائل باب ١٥ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٠٧ والحديث منقول بالمعنى.

٢٩١

البحث الثاني : في الحدّ

وفيه قولان : التخيير بين القتل والصلب ، وقطع اليد اليمنى ، والرجل اليسرى والنفي عن بلده ثم يكتب إلى كلّ بلد يقصده بالمنع من مؤاكلته ومشاربته ومعاملته ومجالسته الى أن يتوب ويمنع من بلاد الحرب ، ويقاتلون لو أدخلوه.

______________________________________________________

نعم على كلّ منهم ضمان المال المأخوذ ، فيجب اعادته على صاحبه مع البقاء ، والّا فعوضه مثلا أو قيمة.

وكذا يلزم عوض جناية وقعت منهم على صاحب المال وان وقعت عليهم فهي هدر وكلّ ذلك ظاهر ، الحمد لله.

قوله : «وفيه قولان إلخ» أي في تعيين حدّ المحارب قولان للأصحاب : (أحدهما) ، التخيير بين القتل وبين الصلب ، وبين قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، وبين النفي عن بلده الّذي حارب فيه ثم يكتب الى كلّ بلد يقصده أن يمنعه أهله من مؤاكلته ، ومشاربته ، ومعاملته ، ومصاحبته الى ان يتوب وفي الرواية إلى سنة (١) حملت على التوبة ، والّا فإلى أن يتوب لظاهر الآية لعموم النفي قيّد بعدم التوبة لبعض الاخبار ، كأنه الإجماع أيضا.

ولو قصد دخول دار الحرب ، منع من ذلك ، فان دخل اخرج منه ، وان منع أهل الحرب عن ذلك وعاونوه يقتلون على ذلك حتّى تخرج من بيتهم (بينهم ـ خ ل).

دليله ظاهر الآية فإنّ (أو) في الآية صريحة في التخيير ، لانه معناها وقد ورد في بعض الاخبار الصحيح ان كلّ (أو) في القرآن للتخيير كأنه في بحث كفارة شهر رمضان (٢).

__________________

(١) تأتي عن قريب ان شاء الله.

(٢) وسائل الشيعة : ب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام ج ٩ ص ٢٩٥.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي قوله تعالى (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) (١)

وتدلّ عليه الأخبار أيضا ، مثل رواية أبي صالح ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : انها نزلت في بني ضبّة ، فاختار رسول الله صلّى الله عليه وآله ، القطع فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف (٢).

وحسنة جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قول الله عزّ وجلّ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ) الآية ، فقلت : أيّ شي‌ء عليهم من هذه الحدود التي سمّي الله عزّ وجلّ؟ قال : ذلك الى الامام ، ان شاء قطع ، وان شاء صلب ، وان شاء نفى ، وان شاء قتل ، قلت : النفي إلى أين؟ قال : (ينفى ـ خ) من مصر الى مصر آخر ، وقال : ان عليّا عليه السّلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة (٣).

وفي حسنة حنّان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية ، قال : لا يبايع ولا يؤوى (ولا يطعم ـ خ) ولا يتصدق عليه (٤).

وصحيحة بريد بن معاوية قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن قول الله عزّ وجلّ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ؟) قال : ذلك الى الامام يفعل ما يشاء ، قلت : فمفوّض ذلك اليه؟ قال : لا ، ولكن نحو الجناية (٥).

أوّل الخبر دليل التخيير مطلقا ، ولكن قوله : (قال) لا يدلّ على الترتيب في

__________________

(١) المائدة : ٣٣.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب حدّ المحارب ج ١٨ ص ٥٣٥.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب حدّ المحارب ج ١٨ ص ٥٣٣.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب حدّ المحارب ج ١٨ ص ٥٣٩.

(٥) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب حدّ المحارب ج ١٨ ص ٥٣٣.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الجملة ، فيحتمل ان يكون المراد التخيير ، ولكن على وجه المصلحة لا مطلقا ، فتأمّل.

وامّا دليل الترتيب فهو بعض الروايات الضعيفة والمختلفة في ذلك مع عدم موافقة للقول به.

وهي رواية عبيد الله (عبد الله ـ خ) بن إسحاق المدائني ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال : سئل عن قول الله عزّ وجلّ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) الآية فما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع؟ فقال : إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقتل ، قتل به وان قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وان أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وان شهر السيف وحارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي من الأرض ، فقلت (قلت ـ ئل) ينفى؟ وما حدّ نفيه؟ قال : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل الى مصر غيره ويكتب الى أهل ذلك المصر أنه (بأنه ـ خ) منفي فلا تجالسوه ، ولا تبايعوه ، ولا تناكحوه ، ولا تؤاكلوه ، ولا تشاربوه فيفعل ذلك به سنة ، فان خرج من ذلك المصر الى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتّى تتم السنة ، قلت : فان توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها؟ قال : ان توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها (١).

وروايته ، عن أبي الحسن عليه السّلام مثله الّا انه في آخره : يفعل به ذلك سنة ، فإنه سيتوب قبل ذلك وهو صاغر ، قال : قلت : فإن أمّ أرض الشرك يدخلها؟ قال : يقتل (٢) وهو نقل مثل هذه أيضا عن أبي عبد الله أيضا (٣).

__________________

(١) الوسائل أورد صدرها في باب ١ حديث ٤ وذيلها في باب ٤ حديث ٢ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٣٤ وص ٥٣٩.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٤ بالسند الثاني وقد جعله في الوسائل نحوه من غير نقل اختلاف العبارات.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٢ بالسند الثالث.

٢٩٤

والترتيب ، فيقتل ان قتل ، ولو عفا الولي قتل حدّا ، ويقتل ان

______________________________________________________

والسند ضعيف بجهل عبيد الله وغيره.

وضعيفة عبيد بن بشر الخثعمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قاطع الطريق وقلت : الناس يقولون : ان الامام فيه مخيّر أيّ شي‌ء شاء صنع قال : ليس أي شي‌ء شاء صنع ، ولكنه يصنع بهم على قدر جنايتهم ، من قطع الطريق فقتل وأخذ المال ، قطعت يده ورجله وصلّب ، ومن قطع الطريق فقتل ولم يأخذ المال قتل ، ومن قطع الطريق فأخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ، ومن قطع الطريق فلم يأخذ مالا ولم يقتل ، نفي من الأرض (١).

وضعيفة داود الطائي ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن المحارب وقلت له : انّ أصحابنا يقولون : إنّ الامام مخيّر فيه ان شاء قطع وان شاء صلّب ، وان شاء قتل؟ فقال : لا ان هذه أشياء محدودة في كتاب الله عزّ وجلّ ، فإذا ما هو قتل وأخذ ، قتل وصلب ، وإذا قتل ولم يأخذ ، قتل وإذا أخذ ولم يقتل قطع ، وان هو فرّ ولم يقدر عليه ثم أخذ قطع الّا ان يتوب ، فان تاب لم يقطع (٢).

وكلّها مشتركة في الضعف من وجوه مع الاختلاف الذي تراه ولم يوافق القائل بالترتيب كما ترى.

ورواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه ونفي من تلك المدينة ، ومن شهر السلاح في غير الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل ، فهو محارب ، فجزاؤه جزاء المحارب وأمره الى الامام ان شاء قتله وصلبه ، وان شاء قطع يده ورجله ، قال : وان ضرب وقتل وأخذ المال فعلى الامام ان يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم يدفعه إلى أولياء المقتول

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٣٤.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٣٥.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه ، قال : فقال له أبو عبيدة : (أصلحك الله ـ خ) : ان عفى عنه أولياء المقتول؟ قال : فقال أبو جعفر عليه السّلام : ان عفوا عنه فان (كان ـ خ) على الامام أن يقتله ، لأنه قد حارب (الله ـ خ) وقتل وسرق قال : فقال له أبو عبيدة : أن أراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية ويدعونه ألهم ذلك؟ قال : فقال : لا ، عليه القتل (١).

وهي صحيحة ، ولكن القائل بها غير ظاهر حيث فرّق بين تشهير السلاح في مصر من الأمصار مفتر ، واختصاص ذلك بالاقتصاص والنفي من تلك البلاد ، وبين تشهيره في غير الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال ، فهو محارب فجعل مع ذلك المحارب منحصرا فيما ذكره وجعل الامام مخيّرا بين المذكورات في الآية غير القتل والصلب ، فإنه جمع بينهما ، فهو موافق لحملها على التخيير في الجملة.

ولكن وقع المخالفة فيما ذكرناه ، فلو أريد الجمع بين الاخبار المعتبرة ، فهو ممكن بتخصيص ما تقدم بهذه ، فتأمّل.

وبعد ما سمعت الآية وهذه الأخبار وتأمّلتها ، عرفت أنه لا يمكن الجمع بينها.

ونقل في الاستبصار رواية عبيد الله ، ثم حمل رواية جميل أوّلا على التقيّة وأيّده برواية داود وثانيا على ان الامام مخيّر إذا حارب وشهر السلاح وضرب وعقر وأخذ المال ، فان لم يقتل فإنه يكون أمره الى الامام.

والحمل الثاني غير ظاهر ، وكذا تأييده : والأوّل ممكن.

وينبغي حمل الروايات الباقية الدالة على التخيير أيضا ، فتأمّل.

وقد عرفت أيضا ان لا دليل للقول بالترتيب فإن الآية ظاهرة كالاخبار

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٣٢.

٢٩٦

أخذ المال بعد استعادته وقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، ثم يصلب بعد قتله ، وان أخذ المال خاصّة قطع مخالفا ونفي ، وان جرح خاصّة اقتصّ منه ونفي ، وان أشهر السلاح خاصّة نفي.

______________________________________________________

المعتبرة في التخيير ، واخبار الترتيب ضعيفة ويخالف بعضها بعضا ولم يوافق شي‌ء منها ـ فضلا عن الكلّ ـ القول بالترتيب المنقول في الكتاب وغيره ، فإنه على ما ذكر ان قتل فقط قتل قصاصا.

وان عفى الوليّ قتل حدّا.

وان أخذ مع ذلك المال أخذ المال وقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ثم قتل ثم صلب مقتولا.

وان أخذ المال فقط قطع مخالفا ونفي من بلد الى آخر.

وان جرح فقط اقتصّ منه ولكن مع الإمكان والّا أخذ أرشه وديته ثم نفي.

وان شهر فقط ، نفي فقط.

ومعلوم عدم مطابقته لخبر من الاخبار المتقدمة مع عدم حصره للاحتمال الممكن وهو ظاهر.

فالظاهر هو التخيير ولكن بعد تحقيق معنى المحارب.

وأظن انه ليس بالعموم الذي نقلناه سابقا والمتبادر مطلقا قاطع الطريق الذي يفسد كما فهم من صحيحة محمد المتقدمة.

وانه إنما يكون ذلك بعد صدور ذلك منهم ، لا كلّ من جرّد وأخذ السلاح وقصد اخافة الناس.

وان لم يفعل شيئا ولم يخوّف أصلا أو كان في بلد بين الناس ولكن إذا وقع منه القطع والقتل والأخذ والفساد في البلاد ، يكون قاطع الطريق.

واعلم ان تحقيق هذه المسألة مشكل للخلاف فيها ، واختلاف الروايات

٢٩٧

ولو تاب قبل القدرة عليه سقط الحدّ دون المال والقصاص ، ولو تاب بعدها لم يسقط ، ولا يعتبر في قطعه أخذ النصاب ، ولا الحرز.

______________________________________________________

والآية بحيث لا يمكن الجمع مع اعتبار سند في البعض.

ولكن لما كان الأمر الى الامام ـ كما يظهر في الرواية ـ فلا يضرّ اشكاله علينا ، غاية الأمر انه يلزم جهلنا بها والمجهولات كثيرة ، فتأمّل.

قوله : «ولو تاب قبل القدرة إلخ» لو تاب المحارب بعد ان يقدر عليه وأخذ لم يسقط الحكم المذكور عنه بالتوبة ، بخلاف ما لو تاب ثم قدر عليه ، فإنه يسقط الحكم بالتوبة لقوله تعالى بعد هذه الآية (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) (١) فإنها ظاهرة في سقوط هذه الأحكام بالتوبة قبل القدرة ، وعدمه بعدها.

ولكن الظاهر ان الساقط ، الاحكام التي تكون حدودا ، وحقّ الله ، دون حقوق الناس مثل القصاص والمال.

ولأنها مسقطة لأعظم العقوبتين ـ وهي عقوبة الآخرة ـ فالدنيا بالطريق الأولى ، فتأمّل.

ولما مرّ من سقوط الحدّ بالتوبة ، فتذكر.

ولما في رواية داود المتقدّمة : (الّا ان يتوب فان تاب لم يقطع) (٢).

وللدرء بالشبهة ، والاحتياط ، وبناء الحدود على التخفيف والتحقيق ولعلّ يكون مجمعا عليه أيضا ولا يسقط القصاص والمال على كلّ حال وهو ظاهر.

واعلم ان القطع الذي فيه ليس مشروطا بأخذ المال من الحرز ، وكونه نصابا على تقدير كونه شرطا لقطع السرقة كما يظهر من القول بالترتيب فإنه ليس بقطع السارق وهو ظاهر ، ولهذا يقطع اليد والرجل معا.

__________________

(١) المائدة : ٣٤.

(٢) الوسائل باب ١ ذيل حديث ٦ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٣٥.

٢٩٨

ولو فقد احد العضوين اقتصر على الآخر.

ولو قتل للمال اقتصّ ان كان المقتول كفوا ، ولو عفا الولي قتل حدّا وان لم يكن كفوا.

ولو قتل لا له ، فهو عامد امره الى الولي.

______________________________________________________

وعلى القول بالتخيير ، فعدم الاشتراط أظهر ، فإنه غير موقوف على أخذ المال فكيف النصاب والحرز.

قوله : «ولو فقد احد العضوين إلخ» على تقدير وجوب قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ان لم يكن أحدهما قطع ، الموجود ولا يسقط لعدم الآخر ، وهو ظاهر.

ولا يقطع بدل المعدوم موجودا من اليسرى أو الرجل اليمنى ، لأن الذي يجب قطعه غيرهما وليستا بموجودتين ، فلا قطع فهو بمنزلة من لا يد له أصلا والأصل عدم وجوب البدل.

ويحتمله لصدق اليد والرجل وعدم تعيينه في الآية.

هذا متوجّه لو لم يتعيّن كون المراد بالآية إيّاهما بالإجماع والخبر ، وقد مرّ الخبر الّا ان يخص بالموجود ، وذلك غير بعيد ، وقد مرّ مثله في السارق ، فتذكر.

قوله : «ولو قتل للمال اقتصّ إلخ» لو قتل المحارب شخصا لأخذ ماله ، يقتل قصاصا ان كان المقتول كفوا له مثل ان يكونا مسلمين حرّين أو المحارب كافرا أو مملوكا وصاحب المال المقتول حرّا مسلما وبالجملة يكون ممن يجوز قتله به.

وان لم يكن كفوا يجوز قتله قصاصا ، قتل حدّا وأخذ معه الدية وان عفى عنه قتل حدّا أيضا وان لم يكن كفوا أيضا.

وان قتله لا لأخذ المال ، بل تعمّد قتله لا بسبب أو بسبب غير المال فهو قاتل عمدا وأمره الى ولي الدم ليس للحاكم من حيث الحدّ دخل أصلا ، فلو عفا أو

٢٩٩

ولو جرح للمال اقتصّ الولي ، فإن عفا سقط.

خاتمة

للإنسان ان يدفع عن نفسه وماله وحريمه بقدر المكنة.

ولا يجوز التخطّي إلى الأشق مع إفادة الأسهل ، فيقتصر على الصياح إن أفاد ، والّا فالضرب باليد أو العصا أو السلاح مع الحاجة.

______________________________________________________

أخذ الدية سقط القتل ولا يجوز قتله حدّا.

وكذا لو جرح لأخذ ماله اقتصّ ان كان قابلا للاقتصاص ، والّا أخذ الدية ، فإن عفا سقط بالكليّة ، وليس للإمام الاقتصاص حدّا ، وهو ظاهر.

قوله : «للإنسان ان يدفع إلخ» دليل جواز دفع الإنسان عن نفسه وماله وحريمه وعرضه بقدر المكنة ، ظاهر من عموم النقل وخصوصه.

مثل رواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام ، قال : إذا دخل عليك اللصّ يريد أهلك ومالك ، فان استطعت ان تبدره وتضربه فابدره واضربه ، وقال : اللصّ محارب لله ورسوله فاقتله فما ذهب (مسك ـ يب) منه ، فهو علي (١).

وانه دفع ضرر ممكن ، وهو جائز ، بل واجب عقلا ونقلا عن النفس.

بل يجوز ذلك عن نفس غيره قريبا أو بعيدا ، بل عن ماله وبضعه كذلك.

بل قد يجب من باب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.

بل قد يجوز الترك ، عن ماله ، لجواز التسامح في ماله ، بأن يراه محتاجا وغيره ويخلّى له ذلك باختياره ، بخلاف مال الناس المحفوظ ما لهم من المسلمين والمعاهدين والمأمومين.

ولا بدّ ان يقتصر في الدفع ـ سواء كان واجبا أم لا ـ على الأسهل والأسهل ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ٢ من أبواب حدّ المحارب ج ١٨ ص ٥٤٣.

٣٠٠