رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[٣١]

إنارة بهمة وإسفار ظلمة

قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا جبرئيل : »

إن قيل : ما الوجه فيما روي أن أمير المؤمنين : سلام الله عليه قال يوم أحد : « يا الله ثلاثاً يا محمّد ثلاثاً يا جبرئيل » ـ ثلاثاً » ، فكيف يستعين ويستغيث بجبرئيل؟

قلت : لعلّ الجواب من وجوه :

أحدها : أن جبرئيل عليه‌السلام : من خدّام أمير المؤمنين (١) : سلام الله عليه وهذا أمر منه له كأمر السيّد لعبده ، لا استغاثة ودعاء ، بل تشريف له بتكليف.

الثاني : أنه تلقّى منه كتلقّي الرسل الوحي منه ، فكأنّه استأذن الله بلسان جبرئيل عليه‌السلام : فيما فعل يومئذ. وهذا منه تشريف لجبرئيل عليه‌السلام : أيضاً.

وبعبارة اخرى : أنه من قبيل استمداد جهة الملك لجهة الملكوت ، وهما جهتاه.

الثالث : أنه عليه‌السلام فعل ذلك ليظهر للناس ويعلمهم أن الله تعالى أمدّه برؤساء الملائكة ، أو ليظهر للناس أنه متمكّن في أفعاله كإهلاك من أهلكه يومئذ للقوّة الربّانيّة والجبروتيّة والملكوتيّة والملكيّة البدنية.

الرابع : أنه عليه‌السلام أراد بذلك تعليم البشر وهدايتهم إلى أنهم يلجئون في حوائجهم

__________________

(١) انظر : بحار الأنوار ٣٩ : ٩٢ ـ ١١٤.

٨١

ونوازلهم إلى الله ويتوسّلون له برسله وملائكته وأوليائه ، ويأتونه من أبوابهم ، فهم الدعاة إليه والأدلّاء عليه ، والله العالم.

٨٢

[٣٢]

حكمة منطقيّة

زيادة لفظة ( إنما ) في الحمليات

قال ابن سينا : في ( الإشارات ) : ( إنه قد يزاد في الحمليات لفظة ( إنّما ) ، فيقال : ( إنّما يكون الإنسان حيواناً ) و: ( إنّما يكون بعض الناس كاتباً ) فيتبع ذلك زيادة في المعنى لم تكن مقتضاه قبل هذه الزيادة بمجرّد الحمل ؛ لأنّ هذه الزيادة تجعل الحمل مساوياً أو خاصّاً بالموضوع.

وكذلك قد تقول : ( إن الإنسان هو الضاحك ) بالألف واللام في لغة العرب فيدلّ على أن المحمول مساوٍ للموضوع.

وكذلك تقول (١) : ( ليس إنّما يكون الإنسان حيواناً ) ، أو تقول : ( ليس الإنسان هو الضاحك ) ، فيدلّ على سلب الدلالة الاولى في الإيجابين ) (٢) ، انتهى.

وقال المحقّق الطوسيّ : في شرح هذه العبارة : ( المحمول قد يكون أعمّ من موضوعه كالأجناس والأعراض العامّة ، وقد يكون مساوياً له كالفصول والخواصّ المساوية ، وقد يكون أخصّ منه كالخواصّ غير المساوية ، فلفظة ( إنّما ) إذا دخلت على القضية دلّت على نفي العموم عن المحمول ، وهو معنى قوله ( تجعل الحمل مساوياً أو خاصّا بالموضوع ، وليس إذا دخلت عليها دلّت على نفي دلالتها تلك ، فأثبت العموم.

__________________

(١) ورد في المخطوط بعدها : ( قد تقول ) ، ولم ترد في نسختي المصدر اللتين بين يدينا من ( الإشارات ).

(٢) الإشارات والتنبيهات ( المتن ) ١ : ١٣٨ ، باختلاف يسير.

٨٣

وقوله (١) : ( وتقول أيضاً : ( ليس الإنسان إلّا الناطق ) ، فيفهم منه أحد معنيين :

أحدهما : أنه ليس معنى الإنسان إلّا معنى النّاطق ، وليس تقتضي الإنسانيّة معنى آخر.

والثاني : أنه ليس يوجد إنسان غير ناطق ، بل كلّ إنسان ناطق ) (٢) ، يريد أن هذه الصيغة تفيد أمّا المساواة في المعنى كما بين الإنسان والحيوان الناطق ، وإما المساواة في الدلالة كما بين الضاحك والناطق ) (٣) ، انتهى.

وقال قطب الدين : في ( المحاكمات ) : ( قوله : وقد تزاد في الحمليّات لفظة : ( إنّما ) وتفيد أن المحمول إمّا مساوٍ للموضوع أو خاصّ به ، فهو دالّ على نفي العموم ، أي على أن المحمول ليس أعمّ من الموضوع ، وإذا دخلها حرف السلب سلب دلالتها على نفي العموم عن المحمول ، وإذا سلب نفي العموم ثبت العموم.

وهناك نظر ؛ لأنّ لفظة ( إنّما ) في قولنا : ( إنّما الإنسان حيوان ) على ما تقتضيه قواعد العربيّة لا تفيد إلّا حصر الإنسان وهو المسند إليه في الحيوان الذي هو المسند حتّى يجوز أن يكون غير الإنسان حيواناً ، لا على حصر المسند في المسند إليه ، ليمتنع أن يكون غير الإنسان حيواناً. فهي لا تدلّ على مساواة الحيوان للإنسان ، ولا على كونه أخصّ منه.

وعلى هذا ليس ( إنّما ) لا يدلّ على العموم ، بل لمّا كان معنى الحصر إيجاباً وهو في المثال المذكور أن الإنسان حيوان ، وسلباً وهو ليس الإنسان غير حيوان ، فليس ( إنّما ) إمّا رفعاً لذلك الإيجاب ، أو رفعاً لهذا السلب.

وإذا قلت : ( ليس الإنسان إلّا الناطق ) ، يفهم منه حصر الإنسان في الناطق ؛ إمّا بحسب المعنى ؛ حتّى لا يكون للإنسان معنًى غير الناطق ، وإمّا بحسب الصدق ؛ حتّى لا يكون إنسان غير ناطق ، وهذا مستقيم على قاعدة العربيّة.

__________________

(١) أي ابن سينا.

(٢) الإشارات والتنبيهات. ( المتن ) ١ : ١٣٩

(٣) الإشارات والتنبيهات ( الشرح ) ١ : ١٣٨.

٨٤

والعجب أن ( إنّما ) عندهم منزل بمنزلة ( ما ) و ( إلّا ) وهما ليسا يدلّان (١) على حصر المسند إليه في المسند ، وإنّما [ يدلّان (٢) ] على حصر المسند في المسند إليه.

[ وعنى (٣) ] الشارح (٤) بقوله : ( وإمّا المساواة في الدلالة .. ) : المساواة في الصدق حتّى يصدق ( كلّ إنسان ناطق ) ، وهو شرح ليس يطابق المتن ؛ فإن المساواة ليست تفهم من ( ليس ) و ( الّا ) [ إلّا ما (٥) ] ذكره في المتن ) (٦) ، انتهى.

وقال العلّامة الحلّيّ : في ( بسط الإشارات ) في هذا المقام ما ملخّصه : الأدوات ألفاظ تلحق القضايا ، هيئاتٍ زائدةً على ما يفهم من طرفيها ، ولمّا كان المنطقيّ إنّما ينظر بالذات في المقاصد للهيئات دون الأدوات بالذكر ، ثمّ في التفصيل بحث عن الأدوات ، مثل ( إنّما ) تزاد في الحمليّات ، فيقال : ( إنّما يكون الإنسان حيواناً ) ، و: ( إنّما يكون بعض الناس كاتباً ) ، فيتبع ذلك زيادة في المعنى لم تكن مقتضاه قبل هذه الزيادة بمجرّد الحمل ؛ فإن المحمول قد يكون أعمّ من الموضوع ، وقد يكون مساوياً ، وقد يكون أخصّ كالخواصّ القاصرة.

فلفظ ( إنّما ) يدلّ على نفي العموم عن المحمول ويجعله مساوياً أو خاصّاً بالموضوع.

وكذلك قد تقول : ( إن الإنسان هو الضاحك ) بالألف واللام في الخبر فيدلّ في لغة العرب على مساواة المحمول للموضوع. وإذا دخل حرف السلب دلّ على نفي الزيادة ، فأثبت العموم ، مثل ( ليس إنّما يكون الإنسان حيواناً ) ، و: ( ليس الإنسان هو الضاحك ). وقد يدخل حرف السلب على القضيّة وينقض بحرف الاستثناء ، ويفهم منه أمران :

أحدهما : المساواة في المفهوم ، مثل : ( ليس الإنسان إلّا الحيوان الناطق ).

__________________

(١) في المخطوط بعده : ( الا ).

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( يدل ).

(٣) في المخطوط : ( على ).

(٤) يعني : المحقّق نصير الدين الطوسيّ.

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( ولا ممّا ).

(٦) الإشارات والتنبيهات ١ : ١٣٨ ـ ١٣٩ / الهامش : ١.

٨٥

والثاني : المساواة في العموم ، مثل : ( ليس الإنسان إلّا الناطق ) ، فلا يوجد أحد إلّا مع صاحبه. انتهى.

وقال السيّد الداماد : في حواشيه على كتابه ( الأُفق المبين ) : ( من العجائب أن برعة علماء (١) اللسان لم يسع قسطهم من العلم أن يذهلوا عن إدراك الحمل الأوّل ، وبعض من يدرج نفسه في علماء الحقائق يتكلّف أن يستنكره.

قال إمام فَنّي المعاني والبيان وهما سيّدا علوم اللسان الشيخ البارع الفائق عبد القاهر الجرجانيّ : في كتاب ( دلائل الإعجاز ) قولاً مبسوطاً تلخيصه أن الخبر المعرّف باللام قد يراد به العهد ، كقولك : ( زيد المنطلق ) ، لمن علم أنه كان الانطلاق ولم يعلم أنه ممّن كان.

وقد يراد به حصر مفهومه في المبتدأ على أنه لم يحصل لغيره أصلاً أو على الكمال ، كقولك : ( زيد الشجاع ).

وقد يراد به ظهور اتّصاف المبتدأ كقوله : ( والدك العبد ) ، أي ظاهر اتّصافه بالعبديّة.

وقد يراد به معنًى آخر دقيق يكون المتأمّل عنده كما يقال : ( يعرف [ وينكر (٢) ] ) ، كقولك : ( هو البطل المحامي ) ، فإنك لا تريد به عهداً ولا حصر جنس ، ولا ظهور اتّصاف ، بل تريد أن تقول لصاحبك : ( هل سمعت بالبطل المحامي؟ ) ، و: ( هل تتصوّر حقيقته ما هي؟ ) فإن كنت أحطت بكنهه خبراً فعليك بعلان واشدد به يدك ، فهو ضالّتك وعنده بغيتك. وطريقته طريقة قولك : ( هل سمعت بالأسد؟ ) ، و: ( هل تعرف ما هو؟ ) فإن كنت تعرفه فزيد هو هو بعينه ، لا حقيقة له وراءه (٣).

وقال بعض من لحقه وسبق اللاحقين في العلوم العربية : ( المسند المعرّف بلام الجنس قد يقصد به تارة حصره في المسند إليه ؛ إمّا حقيقة ، أو ادّعاء نحو : ( زيد

__________________

(١) في المخطوط : ( العلماء ).

(٢) في المخطوط : ( دينك ).

(٣) دلائل الإعجاز : ١٤٠ ـ ١٤١.

٨٦

الأمير ) ، إذا انحصرت الإمارة فيه ، أو كان كاملاً فيها ، كأنّه قيل : ( زيد كلّ الأمير ). وقد يقصد به اخرى أن المبتدأ هو غير ذلك الجنس ومتّحد به ، لا أن ذلك الجنس مفهوم مغاير للمتبدإ منحصر فيه على أحد الوجهين. فهذا معنى آخر للخبر المعرّف بلام الجنس ).

فهذا ملخّص أقوالهم ، فهم قد أوردوا هذا المعنى الدقيق ، لكنّهم اعتبروا في التعبير عنه تعريف الخبر بلام الجنس. وعلماء الحقيقة ليسوا يوجبون في هذا الحمل إدخال اللام على المحمول اللهجي ، فقولنا : ( الجزئيّ جزئيّ ) على معنى أن حقيقة الجزئيّ هي بعينها مفهوم ما يمنع نفس تصوّره الشركَة فيه ـ [ يفيد (١) ] هذا المقصود عند علماء الحقيقة ، وليس يفيده ما لم يعرف المحمول باللام عند علماء اللسان ) انتهى.

وأقول : لعلّ الوجه في ذلك أن المحمول ؛ إمّا أخصّ ، أو مساوٍ ، أو أعمّ ، فحصر الموضوع فيه على الأوّلين لا ريب في إفادته المساواة ، لا يختلف فيه أهل العربيّة والمعاني والبيان ولا غيرهم. وعلى الثالث ، فوجهه أن الخاصّ هو العامّ مع قيد هو المميّز له من أفراد العامّ.

ومعنى حصر شي‌ء في شي‌ء : نفي ما سوى المحصور فيه عن المحصور ، فيكون معنى حصر الخاصّ في العامّ نفي جميع ما عدا العامّ عن الخاصّ وليس إلّا المخصّص. فإذا انتفى المخصّص عن الخاصّ بقي التساوي ، فإذا قلت : إنّما الإنسان حيوان ، كان معناه : أنك تنفي ما عدا الحيوانيّة عن الإنسان ، إمّا حقيقةً أو ادّعاءً ، ومفاده التساوي. ولنا أن نقول : لا يكون المحمول باعتبار أصل الوجود ورتبه الكلّيّة والجزئيّة إلّا أخصّ من الموضوع.

هذا باعتبار هذا الموضوع ووضعه لهذا المحمول ، وباعتبار هذا المحمول من حيث هو محمول على هذا الموضوع ، فإذا وُجدت أداة الحصر أفادت المساواة.

__________________

(١) في المخطوط : ( تعيد ).

٨٧

وبرهان [ هذه (١) ] الدعوى أنه لا يجوز بل لا يمكن أن يحمل على الشخصيّ إلّا صفته ولازمه الخاصّ به ، فلا يحمل على الإنسان حيوانيّة الفرس عند قولك : الإنسان حيوان ، بل الحيوانيّة من حيث هي حيوانيّة الإنسانيّة ، وبالضرورة الإنسان أعمّ منها ، وهذا لا ينافي كلام أهل البيان واللسان.

هذا كلّه في حمل ( ذو ) ، وأمّا حمل ( هو هو ) فالحقيقيّ منه خارج عن موضوع المنطق وما يدخل منه فيه فمجاز ؛ لأنّ حقيقة الحمل من حيث هو تقتضي المغايرة بحسب الحقيقة إلّا في المترادف ، بل وفي المترادف بوجه.

وهذا جارٍ في كلّ ما قصد به الحصر سواء دلّ عليه بأداة أم بقرينة حاليّة أو مقاليّة ليست من أدوات الحصر. وقد يقصد الحصر بغير الأدوات التي وضعت لذلك كما لا يخفى على متتبّع مقاصد العقلاء. وهذا لا ينافي كلام أهل العربيّة وفنون البلاغة ؛ لأنّ هذا باعتبار الصدق والمصدوقيّة بحسب الواقع والتحقّق ، وكلام أهل فنون العربيّة بحسب مجرّد مفاهيم الألفاظ ووضعها بإزاء ما وضعت له ، فلا منافاة. أو أن الاختلاف بحسب مقاصد العقلاء كما عرفته من كلام عبد القاهر (٢) : وغيره ؛ فلا منافاة ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط : ( هذا ).

(٢) دلائل الإعجاز : ١٤٠ ـ ١٤١.

٨٨

[٣٣]

عقد درر : أحاديث مسجد السهلة

في ( الكافي ) بسنده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال في مسجد السهلة : « إنّه موضع لإدريس النبيّ عليه‌السلام : الذي كان يخيط فيه ، ومنه سار إبراهيم عليه‌السلام : إلى اليمن للعمالقة ، ومنه سار داود عليه‌السلام : إلى جالوت : ، وإنّ فيه لصخرة خضراء فيها مثال كلّ نبيّ ، ومن تحت تلك الصخرة أُخذت طينة كلّ نبيّ ، وإنّه لمناخ الراكب ». قيل : ومن الراكب؟ قال : « الخضر : عليه‌السلام » (١).

وفي ( الفقيه ) : أمّا مسجد السهلة فقد قال الصادق عليه‌السلام : « ذلك موضع بيت إدريس عليه‌السلام : الذي كان يخيط فيه ، وهو الموضع الذي خرج منه إبراهيم عليه‌السلام : إلى العمالقة وهو الموضع الذي خرج منه داود عليه‌السلام : إلى طالوت : ، وتحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كلّ نبيّ خلقه الله عزوجل ، ومن تحته أُخذت طينة كلّ نبيّ ، وهو موضع الراكب » فقيل له : وما الراكب؟ قال : « الخضر عليه‌السلام » (٢)

وفي ( التهذيب ) عن ابن قولويه : بسنده أن أبا حمزة الثماليّ : قال للصادق عليه‌السلام : بأبي أنت وأُمّي ، هذا مسجد السهلة؟ قال : « نعم ، فيه بيت إبراهيم عليه‌السلام : الذي كان يخرج منه إلى العمالقة ، وفيه بيت إدريس عليه‌السلام الذي كان يخيط فيه ، وفيه صخرة خضراء فيها صورة جميع النبيّين عليهم‌السلام وتحت الصخرة الطينة التي خلق الله منها النبيّين عليهم‌السلام ، وفيه المعراج وهو الفاروق موضع منه ، وهو ممرّ الناس ، وهو من كوفان ، وفيه ينفخ في الصور ، وإليه المحشر ، ويحشر من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٤ / ١ ، وسائل الشيعة ٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، أبواب أحكام المساجد ، ب ٤٩ ، ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٥١ / ٦٩٨ ، وسائل الشيعة ٥ : ٢٦٧ ، أبواب أحكام المساجد ، ب ٤٩ ، ح ٣.

٨٩

جانبه سبعون ألفاً يدخلون الجنّة. وفي نسخة : « بغير حساب » (١).

أقول : لعلّه عليه‌السلام أراد بالصخرة : دائرة رتبة المثال منهم عليهم‌السلام ، وهي وجههم الذي يستقبلون به الخلق ، وهي صورة نفوسهم ومظهرها وخضرتها ؛ لشوبها من بياض نفوسهم وسواد الجسمانيّة البشريّة وإن كانت أجسامهم عليهم‌السلام أنور من الشمس ، لكن ذلك بالنسبة لنفوسهم ، ففي بعض ما رواه الشيخ : عن الصادق عليه‌السلام : « أما تحبّ أن يرى الله شخصك وسوادك » (٢).

وبالطينة التي تحتها : مادّة نفوسهم ، وهي أدنى درجات أعلى علّيّين إن (٣) أخرجنا منهم محمّداً : صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصياءه عليهم‌السلام ، فإنّهم (٤) أعلى من ذلك ، وإن أدخلناهم كما هو ظاهر الحديث كان المراد : أعلى علّيّين بالكلّيّة النوعيّة ، ومعراجهم كلّهم من دائرة مثالهم بوجه أو نقطة نفوسهم أو وجودهم بوجه آخر ، ولا منافاة. وكلّ إنسان يحشر إلى ما منه بدأ ومنه [ نشأ ] ، فهو مبدأ محشر النبيّين بوجه وإليه بوجه آخر ، فلا منافاة بينه وبين ما دلّ على أن المحشر في غيره.

فهذا أحد رتب المحشر ، وسمّى ما منه محشرهم : « الفاروق » أي البرزخ ، فمنه مبدأ افتراق الخلائق ؛ ولذا قال : إنه على « ممرّ الناس » ؛ إذ لا يمكن أن يكون أحد من الناس لا يمرّ بالبرزخ. أو لعلّه أراد بالمحشر : قيام القائم عجّل الله فرجه فإنّه القيامة الصغرى ، ومنه يبتدئ النفخ في الصور فتحيا الأموات.

أو أراد : أيّام الرجعة بالتقريب المذكور ، ومأوى الخلق منذ يقوم القائم عجّل الله فرجه ـ : الكوفة. أمّا كون ذلك [ منسوباً (٥) ] إلى هذا الموضع بخصوصه أعني : مسجد السهلة فلأنّ الأرض لمّا كانت مجمعَ مستجنّ الخلائق وخزانة القوى العلويّة كان فيها مظاهر جزئيّة لعالم الغيب ، ولكلّ بقعة منها مناسبة خاصّة لجهة من

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ : ٣٧ ـ ٣٨ / ٧٦ ، وسائل الشيعة ٥ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، أبواب أحكام المساجد ، ب ٤٩ ، ح ١.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ : ٤٧ / ١٠٣.

(٣) في المخطوط بعدها : ( أمرن ).

(٤) في المخطوط بعدها : ( من ).

(٥) في المخطوط : ( منوباً ).

٩٠

جهات الغيب. فكما أن ما بين القبر الأشرف والمنبر الأعظم روضة من رياض الجنّة (١) ، وقبور الأئمّة عليهم‌السلام روضات من رياض الجنّة ، كذلك برهوت (٢) وضجنان واديان من أودية النار (٣) ، وبسط هذا ممّا يطول ، والله العالم.

__________________

(١) انظر : كامل الزيارات : ٥١ / ٢٨.

(٢) برهوت : وادٍ باليمن يوضع فيه أرواح الكفّار ، وقيل : بئر بحضرموت. معجم البلدان ١ : ٤٠٥ برهوت.

(٣) بصائر الدرجات : ٢٨٥ / ٣ ، الوسائل ٥ : ١٥٧ ، أبواب مكان المصلّي ، ب ٢٣ ، ح ١١.

٩١
٩٢

[٣٤]

سرّ يَمَاني لنفي

أمانٍ : حديث الملكين العادل والجائر

روى الكليني : بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال : « إنّ الله عزوجل جعل لمن جعل له سلطاناً أجلاً ومدّة من الليالي والأيّام والسنين والشهور ، فإن عدلوا في الناس أمر الله عزوجل صاحب الفلك فأبطأ بإدارته فطالت أيّامهم ولياليهم وسنونهم وشهورهم ، وإن جاروا في الناس ولم يعدلوا أمر الله تعالى صاحب الفلك فأسرع بإدارته فقصرت أيّامهم ولياليهم وسنونهم وشهورهم ، وقد وفى الله بعدد الليالي والشهور » (١).

أقول وبالله المستعان ـ : نقل السيّد نعمة الله : عن بعض معاصريه في معناه أنه قال : ( لعلّ المراد بسرعة إدارة الفلك وبطئها : تعجيل أسباب زوال الملك أو عكسه ، ويجوز أن يكون لكلّ دولة فلك غير الأفلاك المعروفة الحركات ، فيكون سرعة الأداة وبطؤها عارضين لذلك الفلك ) (٢) ، انتهى.

قال السيّد : ( وكأنّه أراد دفع الاعتراض عن ظاهر الحديث من وجهين :

الأوّل : ما ذهب إليه الحكماء والمنجّمون من أن الفلك لا يمكن أن يزول عن الحركة التي هو عليها الآن ، وبرهنوا بزعمهم على هذا.

والثاني : أنه ربّما كان سلطان جائر في بلاد وسلطان عادل في بلاد اخرى ، فكيف

__________________

(١) الكافي ٨ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ / ٤٠٠. وفيه : « وسنينهم » بدل : « سنونهم » في الموضعين.

(٢) الأنوار النعمانيّة ٣ : ٣١٨.

٩٣

يكون جور هذا وظلمه سبباً في زوال ملك الآخر ونقص عمره مع أن رعيّة الجائر أيضاً ليس لهم ذنب في الجور؟ فكيف تنقضي أيّام أعمارهم على طريقة السرعة؟

والجواب عن الأوّل أنه قد ورد في الأخبار المستفيضة : أن أيّام دولة المهديّ تكون كلّ سنة تعادل سبع سنين. فقيل له : يا بن رسول الله ، إن الفلك لا يزول عن حركته هذه ، ولو زال لفسد. فقال عليه‌السلام : « هذا قول الزنادقة والمنجّمين » (١).

وأمّا الإشكال الثاني ، فالجواب عنه [ أن (٢) ] غير الجائر من الرعيّة والملوك إن قدروا على إزالته عن الملك وسكتوا عنه مداهنةً ، فالذي يصيبهم من قصر الأعمار والملك إنّما هو بسبب المداهنة ، وقد عذّب الله تعالى في الأُمم السابقة من أذنب ومن داهن ، وجعلهم في العذاب سواء. وأمّا من لم يقدر على إزالته عن الملك فكان ينبغي له أن يفرّ عن بلاده ويطلب بلاد الله ؛ لأنّ السكنى مع الظالمين ذنب ، حتّى إنه ورد في الحديث : لو أن الجُعل بنى بيتاً في محلّة الظالمين لعذّبه الله تعالى بعذابهم (٣).

وأمّا من لم يقدر على الفرار ، أو كان الظلم قد عمّ البلاد والعباد ، فيجوز أن يكون سبحانه وتعالى يضيف إلى أعمار هؤلاء الذين لم يذنبوا بوجه من الوجوه بقيّة أيّامهم التي أسرع عليها الفلك بحركته ، فيعوّضهم أيّاماً ولياليَ بدلها في دولة من يأتي من الملوك.

ويظهر من هذا الخبر وغيره أن أيّام دولة الولاة مكتوب عند الله تعالى : لا تزيد ولا تنقص إلّا بالجور والعدل. أمّا لو أراد الناس والرعيّة والعساكر زواله ما قدروا عليه بوجه من الوجوه كما هو المشاهد حتّى تنقضي الأيّام ويأذن الله تعالى بزوال ذلك الملك ، فعند ذلك يزول بأنقص الأسباب وأدناها.

فلا ينبغي أن يخطر بخاطر أحد من الولاة أنه إذا فعل الفعل الفلانيّ كان سبباً

__________________

(١) الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١١ / ٢ : ٣٨٥ ، بحار الأنوار ٥٥ : ٩١ ـ ٩٢ / ١١.

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( أنّه ).

(٣) انظر : الكافي ٢ : ٢٧٢ / ١٥ ، الأمالي ( الصدوق ) : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ / ٤٩٣ ، بحار الأنوار ٧٠ : ٣٧٢ / ٥.

٩٤

لزوال ملكه إلّا أن يكون ظالماً في ذلك الفعل ، فحينئذٍ يجب على الوالي دفع الظالمين الذين يظلمون الرعية ، فإن لم يدفعهم عن ظلمهم كان له الحظّ الأوفر من العقاب ، وتكون مداهنته معهم [ هي (١) ] السبب الأقوى في زوال ملكه ، مع أنه قد ظنّ أنه سبب لبقاء ملكه ) (٢) ، انتهى كلام السيّد وهو من أنواره.

وأقول : إنّا نقرّر الإشكال في ظاهر الحديث من وجهين :

أحدهما : لزوم اجتماع الضدّين باجتماع ملِكين : أحدهما في نهاية العدل والآخر في نهاية الظلم ، وليس للعادل قدرة على زوال الظالم ، فيلزم منه اجتماع البطء والإسراع في حركة الفلك في آنات ملكهما ، فيجتمع الضدّان بالنقيضين وهما عين كلّ منهما. وملزوم الآخر والثاني أنه يلزم مؤاخذة من لا ذنب له بذنب غيره.

وأيضاً فإنّ المحسوس المشاهَد على مرّ الأزمان عدم اختلاف حركة الفلك بالسرعة والبطء حتّى لأصحاب الأرصاد المهرة في فن الفلكيّات مع وجود سببيهما بالضرورة. ولو كان ذلك لعُلم أو نُقل ، ولم يمكن ضبط التقاويم من الكسوفات والأهلّة وغير ذلك من ساعات أيّام السنة ولياليها وغيرها.

فإذا تأمّلت جواب السيّد السند وجدته غير دافع لشي‌ء من الإشكالات. وأمّا جوابه الأوّل بما ورد من طول سنيّ صاحب الزمان عجّل الله فرجه فهو علاج جرح بقرح ، فإنّ الإشكال الذي صوّره واردٌ أيضاً على ظاهر ما أجاب به من الوارد ، فهو أوّل المسألة ، وبقيّة كلامه ضعفه ظاهر ، أعلى الله مقامه وشكر سعيه.

وما استضعفه من جواب معاصره أقوى وأظهر من جوابه ، لكنّه نبّه أخيراً على الرمز الغير المفهوم إلّا [ لأفراد (٣) ].

ولعلّ الجواب عن الأوّل من وجوه : منها أن رحمة الله وسعت كلّ شي‌ء ، وحلمه سبق غضبه ، فالله بكرمه يدفع عمّن لا يصلّي بمن يصلّي ، وبمن يزكّي عمّن لا يزكّي ،

__________________

(١) في المخطوط : ( هو ).

(٢) الأنوار النعمانيّة ٣ : ٣١٨ ـ ٣١٩.

(٣) في المخطوط : ( الأفراد ).

٩٥

ويمهل للظالم حلماً ورحمةً لغيره ، فجاز حينئذٍ أن يأمر الملك بالإبطاء بحركة الفلك ، بمقتضى عدل العادل ، ويمهل للظالم.

ومنها : أنه جاز أن يبطئ بحركته على قوم ويسرع على قوم بحسب اختلاف آفاقهم وأقاليمهم ، وهذا لا ينافي تشابه حركته في ذاته أعني : الكلّيّة والله على كلّ شي‌ء قدير. ولا يستلزم هذا فساد شي‌ء من عالم الكون والفساد ؛ فإنّ الله تعالى سبب من لا سبب له ، ومسبّب الأسباب من غير سبب ، فجاز أن يقيم سبباً مقام سبب.

وإن أردت كسر سَورة الاستبعاد فتأمّل في حركة الشمس تجدها تختلف سرعة وبطئاً بحسب اختلاف الآفاق في برج واحد ، بل في يوم واحد ، بل في أُفق واحد ، بحسب ساعات النهار ، وانظر إلى الخمسة المتحيّرة ، تجدها تارة مقيمة وأُخرى مستقيمة ، وطوراً راجعة مع تشابه حركتها الكلّيّة في ذاتها أبداً. فإذا علمت أن النهار الواحد يكون في أُفقٍ خمسَ ساعات مثلاً ، وفي آخرَ خمس عشرة ساعة ، فلا تستنكر هذا بل ما ذكرناه يجري بحسب قدرة الله وحكمته ، فتأمّله.

ومنها : جواز أن يراد بالفلك : غير الجسمانيّ ، وبالأيّام والشهور والسنين : غير المعروفة ، بل يراد بها فلك وأيّام وشهور وسنون غيبيّة ، هي غيب هذه وأُصولها ومبادئها وعللها الغيبيّة ، فإنّ عند الله أيّاماً ولياليَ وشهوراً وسنين غير ما يعرف أكثر الناس ( وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ) (١).

( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (٢).

فجاز ، بل لا بدّ لها من أفلاك من جنسها ، فجاز إرادتها من الحديث الشريف ، فلا بعد في اختلاف فلكي العادل والجائر وأيّامهما سرعةً وبطئاً وطولاً وقصراً. وليس هذا أحد وجهي ما نقله السيّد عن معاصره بحسب الظاهر.

__________________

(١) الحجّ : ٤٧.

(٢) التوبة : ٣٦.

٩٦

ولله تعالى من وراء شمسنا المحسوسة شموس (١) ، ومن وراء عالمنا هذا اثنا عشر ألف عالم (٢) ، كلّها مرتبطة بهذا العالم ، ومرتبط بعضها ببعض ، ولكلّ منها شمس وقمر وأفلاك ، وحركات أفلاك هذا العالم متسبّبة عن حركات أفلاكها.

ومنها : أنه جاز أن يكون حركة الفلك تارة بطيئة وتارة مسرعة في يوم واحد ، أو يوماً ويوماً ، أو شهراً وشهراً ، أو سنةً وسنةً بحسب مقتضى عدل العادل وظلم الجائر ، والحسنات يذهبن السيّئات ، وقد سبقت رحمته غضبه. فلا أقلّ من جريه حينئذٍ على الاستقامة من غير ظهور إسراع ولا بطء حتّى تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ويغلب الجور ، فيجري الحكم على العموم الغالب دون النادر ، فيأتي الله بالفرج بظهور وليّ الأمر : والعدل ، فيتأنّى الفلك ويجري على الاستقامة والعدل ، وتظهر آثار برد الرحمة.

على أنه يمكن أن يراد بالعادل : نائب الله المعصوم ؛ لأنّ كلّ ملك سواه ظالم غاصب لمنصب المعصوم مبتزّ له ، فلا منافاة بين السرعة والبطء ؛ لاختلاف سنيّ ظهور الدولتين. فالله سبب من لا سبب له ، والفلك مطيع أبداً ، ولا دليل على استحالة قبول الفلك لغير هذه الحركة المعهودة المرصودة. وممّا قرّرناه يظهر الجواب عن الثاني ، فتأمّله.

وأمّا الوجه الأخير ، فالإسراع والبطء لا [ ينافيان (٣) ] ظهور التساوي والتشابه في حركات الأيّام بحسب مقتضى كلّ زمان. [ و ] نمنع استحالة التغيّر في الحركة ووجوب التشابه من أوّل الخلق إلى آخره ؛ فإنّ حركات الأفلاك طاعات اختياريّة ، وعلى القول بأنها طبيعيّة أو قسريّة ، فلله بحسب حكمته أن يبدّل الطبيعة ويعكس القسر ؛ لأنه [ المطبّع (٤) ] والقاسر لها ، فلا ضرر في ذلك ولا يفسد به نظام الكون ؛ لأنّ نظامه بمقتضى حكمة الحكيم ، وتغييره من مقتضاها ، والله العالم.

__________________

(١) انظر بصائر الدرجات : ٤٩٣ / ٩.

(٢) انظر الخصال ٢ : ٤٩٠ / ٦٨ ، أبواب الاثني عشر.

(٣) في المخطوط : ( ينافي ).

(٤) في المخطوط : ( المطيع ).

٩٧

ثمّ إنّي بعد ذلك وقفت على مجلّد من ( البحار ) ، فيه ما صورته : ( علل الشرائع ) (١) عن الصادق عليه‌السلام « إنّ الله عزوجل جعل لمن له سلطان مدّة من ليالٍ وأيّام وسنين وشهورٍ ؛ فإن عدلوا في الناس أمر صاحب الفلك بإدارته فطالت أيّامهم ولياليهم وسنونهم وأشهرهم ، وإن هم جاروا أمر صاحب الفلك ، فأسرع بإدارته وأسرع فناء لياليهم » إلى آخره.

بيان

لعلّ المراد بالسرعة : تسبيب أسباب زوال ملكهم ، وبالعكس على الاستعارة التمثيليّة ، فالمراد بالوفاء [ بعدد (٢) ] شهورهم إلى آخره : أن تلك السنين والشهور الّتي كانت مقدّرة قبل ذلك كانت مشروطة بعدم الإتيان بتلك الأفعال ، وقد أخبر تعالى بنقصان ملكهم مع الإتيان بها ، فلم يخلف ما وعدهم لهم.

ويحتمل أن يكون لكلّ دولة فلك ما سوى الأفلاك المعروفة الحركات ، وقد قدّر لدولتهم عدداً من الدورات. ويحتمل أن يكون إذا أراد إطالة مدّتهم أمر بإبطائه في الحركة ، وإذا أراد سرعة فنائها أمر بإسراعه ) (٣) ، انتهى.

قلت : أمّا الوجه الأوّل ، [ فظاهر (٤) ] الحديث ينافيه.

وأمّا الثاني ، فلعلّه ما نسبه السيّد لبعض معاصريه.

ثمّ وجدت بعد ذلك كلاماً لرئيس الحكمة شيخنا الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيّ : على هذا الحديث قال فيه : ( وإنّما العادل هو الحجّة عليه‌السلام : وهو الآن غير متمكّن من إقامة العدل ، فالحكم لمقتضى الجائر. ولو فرض العادل والجائر فإن كان العادل متمكناً من دفع الجائر ولم يدفعه بالعدل فهو جائر ، وإن لم يتمكّن فلا مقتضى لعدله. وعلى فرض المقتضى يكون الإسراع من المقتضَيَين فيكون أقلّ إسراعاً ممّا لو انفرد الجائر ، فلا تناقض ولا تنافي ) ، انتهى كلامه أعلى الله مقامه ، والله العالم.

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٢٨٨ ، ب ٣٦٧ ، ح ١ ، باختلاف.

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( بعدهم ).

(٣) بحار الأنوار ٤ : ١٠٣ / ١٦ باختلاف.

(٤) في المخطوط : ( وظاهر ).

٩٨

[٣٥]

إظهار كمال وتحقيق

حال : تفضيل كربلاء على الكعبة

روى الشيخ : في ( التهذيب ) بسنده عن الباقر عليه‌السلام : أنه قال : « خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدّسها وبارك عليها ، فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدّسة مباركة ولا تزال كذلك ، وجعلها أفضل الأرض في الجنّة » (١).

قلت : لعلّ المراد بالأعوام هنا : غيب الأعوام المعهودة وعللها ، وهي رتب الوجود المتحرّكة على نقطة ، وهي سنيّ الشهور الاثني عشر التي عند الله ، وسنيّ الأيّام التي خلق الله فيها السماوات والأرض. وذكر مثل هذه السنين متكرّر في الأخبار جدّاً ، فتلطّف لكلّ موضع ما يناسبه من السرمديّات والدهريّات والزمانيّات.

ولعلّ الجمع بين ما دلّ بإطلاقه وتخصيصه على فضل كربلاء على الكعبة (٢) ، وبين ما دلّ بإطلاقه على أن الكعبة أفضل بقاع الأرض (٣) وقد نقل على مضمونه الشهيد : رحمه‌الله في قواعده الإجماع (٤) أن المراد بالمفضّلة على الكعبة خصوص قبر الحسين عليه‌السلام : ، وهو محطّ جسده الشريف ، ولا ينافيه مشاركةً محاطّ قبور أجساد

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ : ٧٢ / ١٣٧ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٥١٦ ، أبواب المزار وما يناسبه ، ب ٦٨ ، ح ٥.

(٢) كامل الزيارات : ٤٥٠ / ٦٧٥.

(٣) ثواب الأعمال : ٢٤٤ / ٣ ، بحار الأنوار ٢٧ : ١٧٧ / ٢٥.

(٤) القواعد والفوائد ٢ : ١١٧ / القاعدة : ١٨٩.

٩٩

جميع أهل البيت عليهم‌السلام : له في ذلك ؛ لعدم الحصر ، ولأنّ كربلاء الحقيقيّة هي موضع جميع قبورهم ، فقد روي عنهم عليهم‌السلام أنهم دفنوا في كربلاء كلّهم ، وأنّها فرّقت على قبورهم.

أو يراد : الكعبة باعتبار ظاهر الأرض وجسدها ، وكربلاء باعتبار نفسها ، فالكعبة للأرض بمثابة القلب الصنوبريّ من جسد الإنسان (١) ؛ فلذا ورد أنها دحيت من تحت الكعبة ، كما أنه أوّل ما يتكوّن من جسم الإنسان قلبه ثمّ يبني عليه الجسم. وكربلاء المشار لها للأرض بمثابة رتبة الخيال أو الروح الحيوانيّ من جسد الإنسان ، فلا تنافيَ ، وبان سبق كربلاء وتقدّسها على سائر الأرض ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط بعدها : ( لجسد الإنسان ).

١٠٠