رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[٨٣]

هداية نوريّة في مسألة

فقهيّة : مسألة ما لو قطع المصلّي

بعد القيام بأنّه ترك سجدة وشكّ في محلّها

لو قطع المصلّي بعد استقلاله قائماً بأنه ترك سجدة ، وشكّ في أنّها من الركعة التي قام عنها أم من ركعة قبلها؟ مضى في صلاته وقضى سجدة بعد التسليم وسجد للسهو ؛ لأنّها إن كانت من الركعة التي قام منها فهو شاكّ في السجدة بعد استقلاله قائماً ، فلا عبرة بشكّه ؛ لأنه شاكّ في سجدة من الركعة التي قام منها بعد استقلاله قائماً ، فلا عبرة بشكّه.

وإن كانت من ركعة قبلها فقد تجاوز محلّ استدراكها ؛ لدخوله في ركن آخر ، فيقضيها بعد التسليم ، ويسجد للسهو. والأحوط حينئذٍ الإتمام هكذا والإعادة ، بل هو أولى.

ولو كان هذا الشكّ قبل القيام سجد ؛ لأنه شاكّ في سجود الركعة التي هو فيها وهو في محلّ التلافي ، وبعد التسليم يقضي سجدة ؛ ليخلص من محذور كونها من (١) ركعة قبلها ، ثمّ يجسد للسهو ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط بعدها : ( سجدة قبلها ).

٢٦١
٢٦٢

مسائل الشيخ

عبد الله ابن الشيخ عباس الستراوي

٢٦٣
٢٦٤

[٨٤]

درر بحرانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

الدرّة الأُولى : هل تحريم الكلام في الصلاة من حين فرضها أم كان محلّلاً فنسخ؟

قوله : ( ما تقول في تحريم الكلام في الصلاة ، هل هو في ابتداء الإسلام ، أم كان محلّلاً فنسخ إلى التحريم؟ وهل بحث في هذه المسألة أحد من أصحابنا أم لا؟ ).

الجواب وبالله المستعان ـ : لا يحضرني من بحث في ذلك من أصحابنا ، ولا أرتاب في أن الكلام الخارج عن أجزاء الصلاة وعن ذكر الله والدعاء ينافي حقيقة الصلاة ؛ فإنّها « معراج المؤمن » (١) ، وعمود خيمة الأعمال (٢) الذي إذا سقط سقط سائرها ، وإن قبلت قبل ما سواها (٣). وهي الناهية عن الفحشاء والمنكر (٤) بحقيقتها وكنهها كما هو ظاهر لمن شمّ طيب عرفها.

__________________

(١) انظر بحار الأنوار ٧٩ : ٣٠٣ / ذيل الحديث : ٢.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٣٢٢ / ٥٥ ، وفيه : « الصلاة عمود الدين ».

(٣) الكافي ٣ : ٢٦٨ / ٤ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨ ، أبواب المواقيت ، ب ١ ، ح ٢ ، باختلاف.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ).

٢٦٥

وقد ورد تأويلها بالإمام (١). ولا ريب عند ذي لبّ أنه لا يتحقّق العروج ولا المعراج حال الالتفات والاشتغال بغير الغاية ، فلا يمكن أن يحلّ في حال من الأحوال فيها الكلام الخارجيّ حتّى يدخله النسخ.

نعم ، وقفت على حديثين من طرق العامّة أخرج كلّاً منهما مسلم : في صحيحه بطريقين ، لفظ أحدهما :

عن عبد الله : قال : كنّا نسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الصلاة فيردّ علينا ، فلمّا رجعنا من عند النجاشيّ : سلّمنا عليه ، فلم يردّ علينا ، فقلنا : يا رسول الله : كنّا نسلّم عليك في الصلاة فترد علينا فقال : « إنّ في الصلاة شغلاً » (٢).

وثانيهما : عن زيد بن أرقم : قال : كنّا نتكلّم في الصلاة ، يكلّم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة ، حتّى نزلت ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٣) ، فأُمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (٤).

وظاهر الأوّل وصريح الثاني ذلك. ولم أقف على هذا المعنى من طرق أصحابنا. وكيف يحلّ الكلام في أثنائها في حال أو زمان بغير ذكر الله ، وهي الجامعة لجميع عبادات المكلّفين من الملائكة الحافّين حول العرش إلى قرار الثرى ، ولجميع تكاليف الإسلام من العبادات ، كما يعلم ذلك أهل الأفئدة؟ ولا يسع الحال البيان. وقد بيّنا ذلك في بعض رسائلنا ، فتطلّب ، والله العالم.

الدرّة الثانية : هل يجب على الكافر الجنب الغسل بعد إسلامه أم لا؟

قوله سلّمه الله تعالى ـ : ( وفي الكافر إذا أسلم وهو يجنب حال كفره ، أعليه الغسل بعد إسلامه ، أم لا ؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله؟ وإن قلتم : إنه يجب عليه الغسل ، هل رأيتم ذلك في عبارة فقهيّة ، أو خبر في خصوص ذلك أم لا؟ ).

الجواب أنه يجب عليه الغسل إذا وجبت عليه الصلاة أو ما هو مشروط بالطهارة.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ١٤٧ / ٤٢٢.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣١٩ / ٣٤.

(٣) البقرة : ٢٣٨.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ / ٣٥.

٢٦٦

والدليل على ذلك إجماع الطائفة المحقّة في كلّ زمان ومكان وعمومات أوامر الكتاب والسنّة المحكمات من غير معارض ، وهي ظاهرة عند المتدبّر.

أمّا أن الإسلام يجبّ ما قبله فحقّ ، لكنّه لا يرفع الحدث ؛ إذ لا ريب أن رافع الحدث محصور في الطهارة وليس هو من أقسامها. فإذا أسلم بعد تحقّق الجنابة فهو جنب قطعاً بالفعل ، واستصحاباً لحاله السابق ، فإن كان إسلامه لا في وقت عبادة مشروط بالطهارة لم يجب عليه غسل ، فإذا حضر وقت عبادة مشروطة بها وجب عليه الغسل ؛ لأنه محدث قطعاً ، والإسلام ليس من روافع الحدث بالضرورة ، وإنّما هو مسقط [ لعقاب (١) ] الآخرة والدنيا ، ولِما يلزم قضاؤه من العبادات بالدليل ؛ تفضّلاً من الله.

ولا يتوهّم إمكان سقوط الغسل عنه على القول بوجوب غسل الجنابة لنفسه ، فإنّ القائل بذلك لا يقول بارتفاع حدثه بمجرّد إسلامه ، وإنّما يرتفع حدثه عنده كغيره بالغسل.

وأمّا من ذكر ذلك فغير واحد من أكابر العصابة كالعلّامة في ( قواعد الأحكام ) (٢) و ( التلخيص ) (٣) ، والشيخ علي في ( شرح القواعد ) (٤) وغيرهما (٥) ، كما يظهر للمتتبّع ، والله أعلم بحقائق أحكامه.

الدرّة الثالثة : طلاق من تضع ولم ترَ دماء

قوله سلمه الله تعالى ـ : ( وفي امرأة ولدت ولم يكن لها نفاس ؛ لعدم رؤية دم في ولادتها ، هل يصحّ لزوجها طلاقها من حيث مجرّد الولادة ، أم لا يصحّ لصدق كون الطلاق في طهر المواقعة وليست حاملاً الآن؟ وأفيدونا هل في خصوص هذه المسألة بحث أحد من أصحابنا أم لا؟ ).

__________________

(١) في المخطوط : ( لعتاب ).

(٢) قواعد الأحكام ١ : ٢١٠ ، ( حجري ).

(٣) تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٢٦ : ٢٦٥.

(٤) جامع المقاصد ١ : ٢٧٠.

(٥) مدارك الأحكام ١ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

٢٦٧

الجواب : لم أقف على من بحث في هذه المسألة ولا من ذكرها ، نعم سألتُ عنها شيخنا الشيخ محمّداً آل عبد الجبار : أيّده الله تعالى وشيخنا الشيخ محمّد بن أحمد آل سيف : نوّر الله ضريحه فحكما بصحّة الطلاق حينئذٍ ولو واقعها قبل الولادة بلا فصل. والظاهر أن وجهه استصحاب صحّة طلاقها حال حملها ، والاستصحاب يجري في موضع المسألة أيضاً كما هو المعروف بين العصابة ، وقام عليه الدليل عقلاً ، ونقلاً (١).

على أن الاستصحاب في الحكم آئل إلى الموضوع كما يظهر بالتأمّل. والذي يظهر لي على كثرة إضاعتي وقلّة بضاعتي ، فلست من أهل الاختيار ولا الاختبار أن المسألة فيها تفصيل ؛ فعلى القول بعدم مصاحبة الحيض للحمل لا يصحّ طلاقها ؛ لأنّها في طهر المواقعة ؛ لأنّ ذلك هو المفروض ، وليست من اللاتي يطلّقن على كلّ حال.

وعلى القول بالمصاحبة ؛ فإنْ حاضت بعد أن واقعها وطهرت ثمّ ولدت ولم ترَ نفاساً فإنّه يصحّ طلاقها لصدق أنّها في طهر لم يقربها فيه ، وإن لم تحض بعد المواقعة ولم تمض عليها ثلاثة بيض ، فولدت ولم تنفس لم يصحّ طلاقها ؛ لأنها لم تكن حاملاً فيصحّ طلاقها على كلّ حال مع أنها في طهر قد [ قاربها فيه (٢) ]. والقول بالمصاحبة أقوى ، والله العالم.

الدرّة الرابعة : هل يحرم على الحائض بعد تمام حيضها دخول المسجد قبل الغسل أم لا؟

قوله سلمه الله تعالى ـ : ( وأيضاً إن الحائض إذا طهرت يحرّمون عليها دخول المساجد ، مع أن ذلك إنّما هو محرّم على الحائض ، وهذه ليست بحائض لصحّة طلاقها إجماعاً ، وجواز نكاحها للشبق أو مطلقاً على كراهية على قول ).

الجواب ومن الله استمداد الصواب ـ : أن المشهور بين علمائنا أن استقرار

__________________

(١) انظر : وسائل الشيعة ٢٢ : ٥٩ ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ، ب ٢٧.

(٢) في المخطوط : ( قربها ).

٢٦٨

الحائض في المساجد ووضع شي‌ء فيها ومطلق دخول المسجدين محرّم حتّى تتطهّر. وذلك غاية من غايات الغسل كما هو ظاهر ، أو أنه عبادة مشروطة بذلك ، والطلاق والنكاح خرجا بدليل ؛ ولأنّهما غير عبادة.

والدليل على هذا بعد الأخبار (١) الإجماع ؛ إذ لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الشيخ إبراهيم القطيفيّ (٢) : فلا يضرّ به.

ولهم أيضاً ما هو المشهور ، بل نقل عليه الإجماع جماعة وظاهر عبارات جمع أيضاً أنه إجماع من صحّة إطلاق الحائض عليها حقيقة وإن كنّا حقّقنا خلاف المشهور ، ورجّحنا قول الأسترآبادي (٣) : من عدم صحّة إطلاق المشتقّ بعد زوال مبدأ الاشتقاق في بعض الرسائل ، لكنّه لا يضرّنا هنا بعد قيام الدليل نصّاً وفتوى على منعها من ذلك حتّى تتطهّر ، والله العالم.

الدرّة الخامسة : معنى : « لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام »

قوله سلّمه الله تعالى ـ : ( وما مَعْنى هذا الحديث « لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام » فإنّ بعض الفضلاء ذكر أن للجلب والجنب تأويلين : تأويلاً في الزكاة ، وتأويلاً في المسابقة؟ ففسّروا لنا حقيقتهما ).

الجواب اعلم أن الحديث ذكره الصدوق : في ( معاني الأخبار ) ، وعنون له باباً قال : ( باب : معنى قول الصادق عليه‌السلام « لا جَلَب ولا جَنَب ولا شغار في الإسلام » ).

وساق السند عن غياث : ( قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا جَلَب ولا جَنَب ولا شغار في الإسلام ».

قال : « الجَلَب : الذي يجلب مع الخيل يركض معها. والجَنَب : الذي يقوم في أعراض الخيل

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ٢ : ٢٠٥ ، أبواب الجنابة ، ب ١٥.

(٢) انظر الهادي إلى الرشاد في شرح الإرشاد ، الورقة : ١٥٣. مخطوط في مكتبة آستانة قدس برقم ٤٦٨ / ٢٦٧٨ ، ومصوّرته في دار المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله لإحياء التراث.

(٣) عنه في الحدائق الناضرة ١ : ١٢٢.

٢٦٩

فيصيح بها ، والشغار : كان يزوّج الرجل في الجاهلية ابنته بأُخته ».

قال محمّد بن علي : مصنّف هذا الكتاب : يعني أنه كان الرجل في الجاهلية يزوّج ابنته من رجل على أن يكون مهرها أن يزوّجه ذلك الرجل أُخته ) (١) ، انتهى.

وقال الهروي : في ( الغريبين ) : ( في الحديث : « لا جَلَب ولا جَنَب ». قال أبو عبيد : الجلب يكون في شيئين : في سباق الخيل وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ، فيكون في ذلك معونة للفرس على الجري ويكون في الصدقة ، وهو أن يقدم فينزل موضعاً ثمّ يرسل إلى المياه من يجلب أغنام المياه فيصدقها ، فنهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : عن ذلك ، وأمر أن يصدقوا على مياههم ) (٢) ، انتهى.

وقال في موضع آخر : ( في الحديث : « لا جلب ولا جنب » ، الجنب أن يجنب فرساً عرياً إلى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا فتر المركوب تحوّل إلى المجنوب ) (٣) ، انتهى.

وقال الفيروزآبادي : ( « لا جَلَب ولا جَنَب » هو أن يرسل في الحلبة [ فيجتمع (٤) ] له جماعة تصيح به ، ليردّ عن وجهه. أو هو ألّا تجلب الصدقة إلى المياه والأمصار ، ولكن يتصدّق بها في مراعيها. أو أن ينزل العامل موضعاً ثمّ يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها. أو أن يتبع الرجل فرسه فيركض [ خلفه ويزجره (٥) ] ويجلب عليه ) (٦).

ثمّ قال في موضعٍ آخر : ( والجَنَب محرّكة شبه الظّلَع : أن يشتدّ عطش الإبل حتّى تلزق الرئة بالجنب والقصير. وأن يجنب فرساً إلى فرسه في السباق ، فإذا فتر المركوب تحوّل إلى المجنوب. وفي الزكاة أن ينزل العامل بأقصى مواضع الصدقة ، ثمّ يأمر بالأموال أن تجنب إليه. أو أن يجنب ربّ المال بماله ، أي يبعده عن موضعه

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٧٤ / ١.

(٢) غريب الحديث ١ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

(٣) غريب الحديث ١ : ٤٣٥.

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : ( فيجمع ).

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( خلفها ويزجرها ).

(٦) القاموس المحيط ١ : ١٧٢ الجلب.

٢٧٠

حتّى يحتاج العامل إلى الإبعاد في طلبه ) (١) ، انتهى.

وقال الفيّوميّ : ( وفي حديث « لا جَلَبَ ولا جَنَبَ » بفتحتين فيهما فسّر بأنّ ربّ الماشية لا يكلّف جلبها إلى البلد ليأخذ الساعي منها الزكاة ، بل تؤخذ زكاتها عند المياه. وقوله : « ولا جنب » أي إذا كانت الماشية في الأفنية فتترك فيها ولا تخرج إلى المرعى ليخرج الساعي لأخذ الزكاة لما فيه من المشقّة ؛ فأمر بالرفق من الجانبين. وقيل : معنى « ولا جنب » أي لا يجنب أحدٌ فرساً إلى جانبه في السباق ، فإذا قرب من الغاية انتقل إليها ليسبق صاحبه. وقيل غير ذلك ) (٢) ، انتهى.

وقال السيوطيّ : في ( مجرّد النهاية ) : ( قال أبو عبيدة : الجلب يكون في شيئين : في سباق الخيل وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ، فيكون ذلك معونة للفرس على جريه.

ويكون في الصدقة وهو : أن يقدم المصدّق فينزل موضعاً ثمّ يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها ، فنهى عن ذلك وأمر أن يصدّقوا على مياههم.

وقال في موضع آخر : ( الجنب معروف ).

إلى أن قال : ( وفي السباق أن يجنب فرساً إلى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا فتر المركوب تحوّل إليه. وفي الزكاة : أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة ثمّ يأمر بالأموال أن تجنب إليه ، أي تحضر.

وقيل أن يجنب ربّ المال بماله أي يبعده عن موضعه حتّى يحتاج العامل إلى الإبعاد في اتّباعه ) ، انتهى.

فظهر لك من هذا معنى « الجلَب والجنَب » في الزكاة والسباق.

وأما ( الشغَار ) فعرفت معناه وهو في أكثر كتب الفقه (٣) مصرّح به ، وظنّي أن الحديث المشار إليه أخرجه الصدوق في ( العيون ) (٤) أيضاً ، والله العالم.

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ١٧٥ الجنب.

(٢) المصباح المنير : ١٠٤ جلبت.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٤٤ ، مسالك الأفهام ٧ : ٤٢٠.

(٤) لم نعثر عليه.

٢٧١

الدرّة السادسة : معنى عزل المرأة لماء الرجل.

قوله سلمه الله تعالى ـ : ( وفي عزل المرأة لنطفة الرجل ما حقيقته؟ فإنّ شارح ( اللمعة ) ذكره وذكر فيه قولاً بالكراهة وقولاً بالتحريم ؛ فإن كان حقيقته كعزل الرجل فكيف يتحقّق فيه الخلاف ، مع أن ذلك نشوز وهو محرّم قطعاً ، وإن كان له حقيقة أُخرى فتفضّلوا في التمثيل بها واذكروا ممّ (١) اخذتموها ).

الجواب ومن الله إلهام الصواب ـ : عبارة ( شرح اللمعة ) هكذا : ( وكذا [ يكره ] (٢) لها العزل بدون إذنه ، [ وهل (٣) ] يحرم لو (٤) قلنا به [ فيه (٥) ]؟ مقتضى الدليل الأوّل ذلك ، والأخبار خالية عنه. ومثله القول في دية النطفة ) (٦).

وهذه العبارة مجملة ولفظها محتمل (٧) لمعنيين :

أحدهما أن يراد : عزلها لنطفة الرجل. وهذا يتصوّر بأن تجذب نفسها حين تحسّ بتوجّه إنزال ماء الرجل ؛ فإن كانت قصدت به التبعّل والملاعبة فلا إشكال في حلّه ، وإن قصدت به الامتناع من تمكين الرجل من استكمال نكاحها واستكماله للذّته ؛ فإن تحقّق به عدم التمكين التامّ فلا إشكال في حرمته ؛ لما يلزمه من النشوز ، وإلّا ففي حرمته إشكال ؛ للأصل وعدم المعارض ، فلا دليل على الحرمة.

وإن قصدت به التحرّز من الحَبَل ؛ فإن استلزم النشوز أو ما يلزمه النشوز فلا شكّ في حرمته أيضاً ، وإلّا اجري فيه احتمال القولين : من الكراهة [ والحرمة (٨) ] إن لم يأذن لها. ولا شكّ في الكراهية ؛ لما في ذلك من تفويت أعظم مقاصد النكاح. ولا دليل على التحريم.

__________________

(١) في المخطوط : ( ممّا ).

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( مكره ).

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( وهو ).

(٤) في المخطوط : ( ولو ).

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( منه ).

(٦) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٥ : ١٠٣ ـ ١٠٤.

(٧) في المخطوط : ( محتملين ).

(٨) في المخطوط : ( والحرم ).

٢٧٢

ويتصوّر أيضاً بأن تساحق اخرى بعد إنزال الزوج بلا فصل وتُلقي نطفته في رحم الأُخرى. وهذا لا شكّ في حرمته ؛ لما يستلزمه من فعل المحرّم إجماعاً لا من حيث إلقاء نطفة الزوج ؛ إذ لا دليل على تحريمه وإن كان مكروهاً.

والثاني : أن يراد به : عزلها ماءها ، ويتصوّر بطريقين :

أحدهما : ما مرّ في تصوير الأوّل ، وتجري فيه الوجوه المذكورة ؛ إباحة وكراهة وحرمة.

والثاني : أن تستمني هي ببعض أعضاء الرجل ، غير الذكر. وهذا إن قصدت به الملاعبة والتبعّل أو قضاء شهوتها حين امتناعه عن نكاحها ، أو لشدّة استعجالها ؛ لشدّة شبقها ، فلا شك في حلّه ، للأصل المعتضد ببعض الأخبار (١).

وإن قصدت به التوصّل إلى عدم الحَبَل ، فلا شكّ في كراهته ؛ لمنافاته لأعظم مقاصد النكاح. ولا دليل على التحريم ، والله العالم.

الدرّة السابعة : ما الدليل على نقض المس للطهارة؟

قوله سلمه الله تعالى ـ : ( والأكثر من أصحابنا يقوّي أن مسّ الميّت ينقض الوضوء ، ما الدليل في ذلك؟ ).

الجواب وبالله المستعان ـ : أن وجوب الغسل على مَنْ مَسّ الميّت الآدميّ بعد برده وقبل غسله الصحيح ثابت بالنص (٢) والإجماع ، لا نعلم فيه مخالفاً ، ولا تعارض فيه نصّاً ولا فتوًى ، ويجب معه الوضوء على الأشهر الأظهر فتوًى (٣) ودليلاً.

أمّا أنه حدث ناقض للوضوء فيتوقّف عليه كما يتوقّف على الوضوء ، فجميع غاياته غاياته فثابت بالإجماع في سائر الأزمان والأصقاع. ولا دليل عليه غير

__________________

(١) انظر : وسائل الشيعة ٢ : ١٨٩ ، أبواب الجنابة ، ب ٧.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٢٨٩ ، أبواب غسل المسّ ، ب ١.

(٣) انظر : مختلف الشيعة ١ : ٣٣٩ ـ ٣٤٣.

٢٧٣

ذلك ، بل ظاهر بعض النصوص ينافي هذا ، كالحاصرة لنواقض الوضوء (١). ولكن تلك الظواهر لا تعارض مثل هذا الإجماع ، على أنه يمكن تأويلها بنوع عناية.

وأمّا توقّف غايات الغسل عليه وإن اقتضاه أكثر عبائر الأصحاب ، حيث أطلقت أن غايات الغسل على الإطلاق خمس فلا دليل عليه ؛ لا من العقل ، ولا من النصّ ، ولا من الإجماع. ولو قيل بأنه واجب لنفسه فقط ، كان قويّاً ؛ لأنّ ظواهر أكثر النصوص لا تدلّ على أكثر من ذلك ، ولكنّه لم يقل به أحد ، فعلم يقيناً أنه ليس من مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، والله العالم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٢٤٥ ـ ٢٩٨ ، أبواب نواقض الوضوء.

٢٧٤

[٨٥]

مسألة الشيخ محمّد الفرساني

درّة صفوانية في نور بحراني

النكتة في تقديم ( لَمْ يَلِدْ ) على ( لَمْ يُولَدْ )

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين ، والحمد لله ربّ العالمين.

لعلّ النكتة في تقديم ( لَمْ يَلِدْ ) على ( لَمْ يُولَدْ ) (١) في سورة ( الإخلاص ) وفي كثير من الأدعية والخُطب أنه لمّا كان لا ريب لعاقل في أن جميع الموجودات منتهية لواجب وجود هو مفيض كلّ كمال ووجود. والبرهان على ذلك متواتر من الكتب الثلاثة بالطرق الثلاثة ( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (٢) ، أي التي تبلغ كلّ مكلّف ويفهمها اختياراً.

وفي كلّ شي‌ء له آية

تدلّ على أنه واحد (٣)

فإذن النكتة في ذلك تظهر بطرق :

أحدها : أنه لمّا خلق الإنسان في ابتداء ولادته الدنيويّة عقلاً هيولانيّاً كان المناسب له الاستدلال بالأثر ، وهو برهان ( لِمَ ) ليقبله اختياراً ؛ لطفاً من الله ورحمة ،

__________________

(١) الإخلاص : ٣.

(٢) الأنعام : ١٤٩.

(٣) ديوان أبي العتاهية : ١٠٤ ، وفيه : ( الواحد ) بدل : ( واحد ).

٢٧٥

و ( لَمْ يَلِدْ ) برهان ( لِمَ ) حتّى إذا كمل انتقل إلى برهان ( إن ) وهو ( لَمْ يُولَدْ ) ؛ ولذلك أشار مولانا الحسين عليه‌السلام : بقوله : « أمرتَ بالرجوع إلى الآثار ، فانقلني إليك منها نقيّ السر من الأغيار » (١).

فالرجوع إلى الآثار هو برهان ( لم ) ، والانتقال برهان ( إن ) ، والأوّل هو السفر الثاني من الأسفار الثلاثة.

والثاني : هو أن رؤساء الفلاسفة من الزنادقة والصوفيّة فتنتهم أعظم الفتن ، وشبهتهم أعضل الشبه حيث زعموا أن الخلق من الحقّ كالموج من البحر والثوب من الغزل ، وسيعود الخلق إلى الحقّ ، وكلّ ما في الوجود شؤون الحقّ ومراتب ظهوره وتنزّلاته ، فليس في الوجود إلّا الحقّ وشؤونه ، وسبحان الله عما يصفون.

فالآية اقتضت الردّ عليهم حيث بدأت بـ ( لَمْ يَلِدْ ) وهو القوس البدئيّ ، وأُردفت بـ ( لَمْ يُولَدْ ) وهو قوس العود ، فأبطل وصفهم واعتقادهم فيهما معاً حيث زعموا أن الخلق من الحقّ أوّلاً ، والحقّ من الخلق ثانياً ، والترتيب الطبيعيّ المطابق لترتيب الوجود هو الابتداء بذكر قوس البدء ؛ إذ لا يمكن العكس.

الثالث : أنه لم يتوهّم أن واجب الوجود كان من شي‌ء ، بل وقع الوهم بأنّ شيئاً كان منه ، وهو أمر تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً. فناسب الترتيب أن يبدأ بنفي ما ظهر الوهم فيه ، ثمّ أردفه ببيان أنه الأوّل قبل كلّ شي‌ء ، والواحد بلا مثل ، والصمد الذي إليه تصمد الأشياء بأجمعها.

الرابع : أنه لمّا دلّ على وحدانيّته من كلّ جهة ، وعلى صمدانيّته كذلك والصمد : الذي لا جوف له (٢) بكلّ معنى ، والذي تصمد إليه الخلائق في جميع الحوائج (٣) ـ

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة : ٣٤٩ وفيه : « إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار ، فأرجعني إليك بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار ؛ حتّى أرجِع إليك منها كما دخلت إليك منها مصون السرّ عن النظر إليها ».

(٢) التوحيد ٩٣ / ٨ ، معاني الأخبار : ٦ / ٧ ، ٧ / ٧ ، لسان العرب ٧ : ٤٠٤ صمد.

(٣) مختار الصحاح : ٣٦٩ صمد ، لسان العرب ٧ : ٤٠٤ صمد.

٢٧٦

ناسب أن يردفه بأنه ( لَمْ يَلِدْ ) حيث منافاة الصمدانيّة له بمعنييها. ثمّ دلّ على أنه الأوّل قبل كلّ أوّل بقوله ( لَمْ يُولَدْ ). فظهر أن الترتيب المناسب أن يلي وصف الصمدانيّة ( لَمْ يَلِدْ ) ؛ فإنّ من يلد له جوف بوجه لكلّ معنًى أخذت الولادة.

الخامس : أنه لمّا دلّ على الوحدانيّة والصمدانيّة ، عقّبه بنفي ما يستلزم الكثرة. ولمّا كان الوالديّة أظهر في استلزام الكثرة من المولوديّة ، وأسرع إلى الأوهام الشيطانيّة حتّى قيل : الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى ، والمسيح عليه‌السلام : ابن الله ، وعزير عليه‌السلام : ابن الله تعالى وتقدّس عمّا يصفون ، قدّم الدلالة على نفيها.

وأيضاً الوالديّة تنافي الوحدانيّة ، والصمدانيّة أوّلاً بالذات ، والمولوديّة ثانياً بواسطة. فهي لازم لازمها ، والأولى لازمها بلا واسطة ، فكان تقديم ( لَمْ يَلِدْ ) أوّلاً.

٢٧٧
٢٧٨

[٨٦]

مسألة السيّد حسين الكويكبي

كواكب درّيّة : الرياء قنطرة الإخلاص

بسم الله الرحمن الرحيم

روى الحكيم الربّاني الشيخ ميثم البحراني : في شرح ( النهج ) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « الرياء قنطرة الإخلاص ».

ولعلّ معناه والله الهادي أن يريد صلى‌الله‌عليه‌وآله بـ الرياء : الدنيا ، وب ـ الإخلاص : الأُخرى من باب المجاز المرسل أو الاستعارة. ووجه الشبه كون كلّ من الرياء والدنيا مضمحلا فانياً لا قرار له ولا أصل ، بل هو كالسراب يحسبه الظمآن ماء ، وأن كلّاً من الأُخرى والإخلاص ثابت ؛ لأن كلّاً منهما الحقائق الثابتة الخالصة. والدنيا معبر الآخرة ومزرعتها والسبيل إليها.

أو يريد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرياء : إظهار الإسلام قهراً أو نفاقاً لغلبة أهل الإسلام كما هو معلوم من حال صدر الإسلام ، فإنّ إسلام من أسلم في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : خوفاً أو طمعاً من المنافقين منه ما كان سبيلاً إلى [ إخلاص (١) ] صاحبه بعدُ ، ومنه ما كان سبيلاً إلى إخلاص ذرّيّته ولو بعد طبقات. وربّما كان بعض النفاق والرياء سبيلاً إلى إخلاص صاحبه أو إخلاص عن صاحبه من ذرّيّته أو أتباعه أو نظرائه أو غيرهم.

ويمكن أن يريد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرياء : مثل أعمال الأطفال وعقائدهم التي أخذوها من

__________________

(١) في المخطوط : ( خالص ).

٢٧٩

المربّين المعلّمين لهم أو قهروهم عليها ؛ فإنّها سبيل إلى إخلاصهم بعد بلوغهم أوان التكليف والمعرفة بالدليل.

أو أن يريد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرياء : دولة الباطل والجهل ، وبالإخلاص : دولة الحقّ والعقل. فإنّه لا بدّ من سبق الاولى على [ الثانية (١) ] وهي الثانية في الدنيا ؛ لأنّها على العكس من عالم الغيب. فلا بدّ في الدنيا أن تسبق القوّةُ الفعلَ ، والعدمُ الوجودَ ، عكسه عالم النور والظهور. ووجه الشبه ظاهر ممّا مرّ ، فلا بدّ أن يظهر الله عبادته علانية كما أحبّ أن يعبد سرّاً.

وقال الحكيم الشيخ ميثم : بعد إيراد الخبر : ( معناه : أن الزهد الظاهريّ المشوب بالرياء والسمعة مطلوب للشارع أيضاً إذا كان وسيلةً إلى الزهد الحقيقيّ كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، انتهى.

وأقول : كأنّه بعد التأمّل أراد ما قرّرناه ، فإنّه لا ريب في أن ذلك مطلوب للشارع ، فعادة الله أن يدفع بمن يصلّي عمّن لا يصلّي ، [ وإبقاء (٢) ] من لا يزكّي رحمة وكرامة لمن يزكّي ، لكنّه يحتاج إلى إبدال لفظ الزهد بالإخلاص ليظهر كمال المطابقة لما قرّرناه. وإن أراد غير ذلك ، فلا يخفى أن العمل المشاب بالرياء والسمعة في نفسه غير مطلوب للشارع على حال ، بل لا يتصوّر كونه وسيلة إلى الإخلاص بوجه إلّا على نحو ما قرّرناه فتأمّل ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط : ( الاولى ).

(٢) في المخطوط : ( وأبقى ).

٢٨٠