رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

أكبريّة الخارج أخيراً غير ما ذكر المنقول حجّة ، فيكون دليلاً على أكبريّة الخارج أخيراً غير ما ذكر ، فهو يعضد الخبر ويقوّي ضعفه.

والعجب من الشيخ سليمان : حيث اطّرح الخبر مع روايته في ( الكافي ) و ( التهذيب ) ، ويستند في فتواه بأكبريّة الخارج أوّلاً إلى قضيّة العرف من غير معارض ، وهذا خلاف المعلوم من طريقته. ومع هذا كلّه [ فالمسألة (١) ] لا تخلو من الإشكال ، والله الهادي وعليه الاتكال.

__________________

(١) في المخطوط : ( والمسألة ).

٤٨١
٤٨٢

[١٤٥]

دفع إشكال وبيان حال

مسألة لعن الكافر والدعاء عليه

مسألة : ورد في الشريعة التعبّد بلعن الكفار والدعاء عليهم بمضاعفة العذاب ؛ فإمّا أن يكون هذا اللعن والدعاء يزيد في عذابهم وبُعدهم من ساحل الرحمة ، أو لا.

وعلى الأوّل يلزم أنهم يعذّبون زيادة على ما استحقّوه بنيّاتهم وعقائدهم وأعمالهم ، وأنهم يعذّبون بحسنات غيرهم ، وهذا يعاند العدل ويناقضه.

وعلى الثاني تنتفي فائدة اللعن عليهم والدعاء بمضاعفة العذاب عليهم ، وقد تعبّد الله الخلق بذلك ، ومحال أن يتعبّد الله عباده بدعاء لا يستجاب ، بل يستحيل بروز حقيقته في الوجود بحسب قواعد العدل. والتعبّد بعمل لا تحقّق لحقيقته ولا فائدة فيه عبث ، تعالى الحكيم العدل عن ذلك.

قلت : قد أجاب (١) السيد نعمة الله : في حاشية ( الصحيفة ) عن هذا الإشكال حيث قال : ( بقي الكلام في فائدة اللعن لأعدائهم ، فقيل : إنه لا يزيد في عذابهم ، والحقّ خلافه بالتقريب المذكور ).

يعني به وجود الفاعل والقابل ، فكما أن مراتب فيض الفاعل سبحانه للثواب لا تقف [ عند ] حدّ ، فكذلك مراتب نقمته وعذابه لا تقف [ عند (٢) ] حدّ بحكم المقابلة والمضادّة.

قال رحمه‌الله : ( وأمّا ما يتراءى من منافاته لقاعدة العدل أنه كيف يكون فعل شخص

__________________

(١) في المخطوط بعدها : ( عن ذلك ).

(٢) في المخطوط : ( إلى ).

٤٨٣

سبباً لزيادة عذاب غيره ، مع أنه لا اختيار فيه؟ فالجواب عنه من وجهين :

الأوّل : أنه تعالى قدر لهم عذابين : عذاباً بإزاء أفعالهم ، وآخر بإزاء لعن اللاعنين ، وأسمعهم أنهم إن فعلوا ذلك الفعل القبيح أن يعذبهم بهما. وبعد هذا فأين الظلم؟

الثاني : أن لعنهم من باب شكاية المظلوم من ظالمه ، لأن منهم قد ثارت الفتن أوّلاً ، ومنهم استتر إمام العدل وبقي الناس في ظلم الجهالة ، فهم قد ظلمونا معاشر المسلمين. ولعمري إن ظلمهم علينا أشدّ من ظلمهم على أهل البيت عليهم‌السلام : لأن فوائدهم كانت تصل إلينا ) ، انتهى كلامه.

قلت : أما القول بأنه لا يزيد في عذابهم ، فواضح البطلان لما مرّ من استحالة التكليف والتعبّد بمثله.

وأمّا الوجه الأوّل ، ففيه أن العذاب الثاني إن كان بمقتضى عقائدهم وأعمالهم ونيّاتهم انتفت الاثنينية ، ولم يكن لهم عذاب إلّا بأعمالهم ، وإلّا استحال بمقتضى قواعد العدل والحكمة. فالقول به أشبه بتسليم الإشكال من دفعه.

وأمّا الوجه الثاني ففيه أن الدعاء باللعن ومضاعفة العذاب غيرُ الشكاية بالضرورة ، لتباين الحقيقتين شرعاً وعرفاً ولغةً ، فلا يفهم أحدٌ سمع آخر يلعن شخصاً أو يدعو عليه بمضاعفة العذاب أنه إنّما تشكّى من ظلمه له ، فكم لاعن داعٍ على آخر وليس قبَله ظلامه ، بل لعنه ودعاؤه ظلم.

وعلى فرض تسليمه ، إذا وقع من شيعة أهل البيت : عليهم‌السلام على ظالميهم لا يعمّ ولا يرفع الإشكال في اللعن والدعاء منا على فرعون : ونمرود : وبخت‌نصر : إلّا بوجه خفيّ هو إثبات أن كلّ ظلم وقع في العالم فهو ظلم لآل محمّد : صلى الله عليه وعليهم وشيعتهم ، فكلّ مؤمن في الخلق فهو شيعتهم ، وكلّ شريعة فهي شريعتهم. ولهذا كان أصل كلّ ظلم في العالم هو عدوهم ، ومنه بدأ وإليه يعود ، حتّى غواية إبليس : في عالم الأرواح ، فإن روحه أغوت روحه. ولكن الظاهر أن الشارح لم يلحظ هذا.

وأمّا أن الناس حال استتار الإمام في ظلم الجهالة ، فكلام ظاهريّ ؛ إذ لا فرق

٤٨٤

بين ظهوره وغيبته في وجوب هداية الخلق عليه وحفظه للشريعة ، فنور هدايته واصل [ إلى قلوب (١) ] شيعته ، خصوصاً نوّابه الّذين جعلهم الحجّة على الناس ، وأمرهم بالرجوع إليهم ، والأخذ عنهم. ولو كان الأمر كما هو ظاهر عبارته ، لكان كلّ من لم يرَ الإمام من أهل الآفاق في زمن الظهور في ضلالة ؛ إذ لا فرق بينهم وبين أهل زمن الغيبة.

ففوائدهم وهدايتهم وحفظهم للشريعة زمن ظهورهم وغيبتهم سواء من كلّ وجه ؛ إذ لو اختصّ وصول فوائدهم وهدايتهم إلينا بزمن الظهور ، لارتفع التكليف واندرست الشريعة وفني الخلق ؛ لارتفاع العامل بالحقّ ، وعدم فائدة وجود الحجّة في الأرض.

وأمّا أن ظُلمهم علينا أشدّ من ظلمهم على أهل البيت ، فضعفه ظاهر لكلّ ظلم وقع في العالم ، فهم عليهم‌السلام المظلومون به بالأصالة ، فكلّ من ظلم في العالم فضلاً عن امّة محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : فهو فرع ظلمهم وفاضله ، وتبع له. ينبّهك على هذا ما ورد عنهم في تشبيه نسبة شيعتهم منهم بورق الشجرة (٢) ، فهم الشجرة المباركة وشيعتهم ورقها ، فتنبه.

وقال المجلسي رحمه‌الله : في حاشية ( الصحيفة ) : ( تذنيب : وممّا يناسب هذا البحث ، حل إشكال يورد في اللعن على أعدائهم وسائر من يستحقّ اللعن ، وهو أنه هل يصير اللعن سبباً لزيادة عقابهم أم لا؟ وعلى [ الثاني (٣) ] يلزم أن يكون لغواً ، وعلى [ الأوّل (٤) ] يلزم أن يقاسوا من الشدائد والعذاب بفعل غيرهم ما لا يستحقونه.

ونختار في حله مسالك :

المسلك الأوّل أن نختار الشقّ الأوّل ، ويقال : الفائدة إظهار بغض أعداء الله ، وليس الغرض منه طلب العذاب ، بل محض إظهار عداوتهم ، فنستحق بذلك المثوبات العظيمة كما في ذكر كلمة التوحيد المخبر عمّا في الضمير من اعتقاد الحقّ.

__________________

(١) في المخطوط : ( أمد القلوب ).

(٢) بحار الأنوار ٢٤ : ١٣٦ ـ ١٤٣ / ب ٤٤.

(٣) في المخطوط : ( الأول ).

(٤) في المخطوط : ( الثاني ).

٤٨٥

المسلك الثاني : أن نختار الشقّ الثاني ، ويقال : إن مقادير العقوبات ليس إلّا بتقدير الشارع ، مثلاً الشارع قرّر على ترك الصلاة عقاب ألف سنة ، وقال لعبده : لا تتركها ، وإلّا اعاقبك كذا وكذا سنّة فيجد العقل حسن العقاب في تلك المدّة على تركها ، لأمره بها وتحذيره عن تركها ، وإعلامه كون ذلك العقاب بإزاء تركها ، فكذا هنا قرّر الشارع لهؤلاء الأشقياء على قبائح أعمالهم عقاباً في نفسه ، وعقاباً متوقّفاً على لعن من يلعنهم ، فهم يستحقّون كلّ عقاب [ يترتّب (١) ] على كلّ لعن.

المسلك الثالث : أن يقال : إن الله تعالى لا يعاقبهم على قدر استحقاقهم ، فكلّما لعنهم لاعن زيد بسببه في عقابهم لا يزيد على ما يستحقّونه من العقابات.

المسلك الرابع : أن يقال : إن لإعمال هؤلاء قبحاً في نفسه ، من حيث مخالفة أمر الله تعالى ، وقبحاً آخر من جهة الظلم على غيرهم ، ومنع الفوائد الّتي كانت تترتّب على اقتدار المعصوم واستيلائه ، وظهوره من المنافع الدنيويّة والأُخرويّة ، والهدايات ، ورفع الظلم ، وكشف الحيرة والجهالات. ولا يوجد أحد لم يصل إليه من ثمرة هذه الشجرة الملعونة شي‌ء ، بل في كلّ آن يصل إليهم من آثار ظلمهم شي‌ء ، كما ورد في الأخبار الكثيرة أنه ما زال حجر عن حجر ولا أُريقت محجمة دم إلّا وهو في أعناقهما (٢).

فكلّ الشيعة مظلومون ، طالبو حقوق ، وكلّ لعن طلب حقّ واستعداء عن ظلم فيزيد عقابهم على قدر لعن من يلعنهم. اللهم العن كلّ من ظلم نبيّك وأهل بيته صلوات الله عليهم وغصب حقوقهم لعناً وبيلاً ، وعذّبهم عذاباً أليماً ) ، انتهى كلام المجلسي.

وأقول :

أمّا الأوّل ، ففيه أن حقيقة الدعاء تكون ملغاة لا تحقّق لها في الخارج ، وإظهارُ

__________________

(١) في المخطوط : ( يترب ).

(٢) الكافي ٨ : ٨٨ ـ ٨٩ / ٧٥ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٣٤١ / ٣٢ ، وقريب منه في الجزء ٨٢ : ٢٦٤.

٤٨٦

[ بغض ] أعداءِ الله وعداوتِهم يتحقّق (١) بدون صورة الدعاء الّذي وعد الله المؤمنين إجابته ، ووعْد الله لا يُخلف ؛ فإن إظهار بغض أعداء الله يتحقّق بإظهار البراءة منهم ، ووصفِهم بما هم أهله ومجانبتِهم ، وشبه ذلك. ففي هذا الوجه إخراج للفظ الدعاء وضيعته عن [ مدلوله (٢) ] من غير دليل أيضاً.

وأمّا الثاني ، فهو عين الوجه الأوّل من وجهي السيّد نعمة الله : وفيه ما فيه ممّا ذكرنا ، ولا يصحّحه قوله : إني معذّبكم عذاباً بمقتضى كفركم ، وعذاباً بلعن اللاعنين. وإنه تعالى أكرم من أن يعذب أحداً إلّا بعذاب اقتضاه عمله ، بل عذابه بعين عمله ، فلا يزيد عليه ، وإلّا لكان السؤال مسلّماً لا مدفوعاً ، ولا يظلم ربك أحداً.

وأمّا الثالث ، فمحتمل ، لكنه يحتاج إلى تقرير بغير هذه العبارة ، وسيأتي إن شاء الله ما يوضح معناه بعبارة لا يرد على ظاهرها ما يرد على ظاهر هذه العبارة ، فإنه يرد عليها أنه يلزمها أن ما يستحقّه الكافر من العذاب بمقتضى كفره وعمله ونيّته ، منه ما هو موقوف على دعاء المؤمنين بإيقاعه بهم ، وليس الأمر كذلك ، فإنه لا ينفك من استلزام ما أُورد من سببيّة عمل الغير في عقابهم ، ولو على سبيل المشاركة ، فإنه ظاهر في أن سبب العذاب المتوقّف على دعاء المؤمن مركّب من عقائدهم وأعمالهم ومن لعن اللاعنين ، وهو عين الإشكال.

وأمّا الرابع ، فهو ثاني وجهي السيد نعمة الله : وفيه ما فيه.

ولعمري إنهم استحقّوا العذاب على ظلمهم للناس قبل لعن اللاعنين ، فهم يعذّبون عليه وإن لم يلعنوا ، فلو ظلموا طفلاً أو مجنوناً بقتل وغيره عذبوا بذلك. وإن لم يلعنهم المظلوم. أمّا عذابهم بلعن زيد ؛ لأنهم ظلموا عمراً (٣) فممنوع ، والإشكال وارد عليه.

ثمّ نقول وبالله الاعتصام ـ : اعلم أن العدل الحكيم سبحانه وتعالى لا يعذب

__________________

(١) في المخطوط بعدها : ( إظهارها ).

(٢) في المخطوط : ( مدلولها ).

(٣) كذا. هامش المخطوط.

٤٨٧

أحداً إلّا بما يقتضيه عمله ونيّته واعتقاده ، ولا ينعّم أحداً إلّا بما يقتضيه عمله واعتقاده ونيته وكرم الله ؛ فإن عمله واعتقاده ونيّته كرم من الله. كلّ ذلك بمقتضى عدله وحكمته ، بل عذاب المعذّبين ونعيم المنعّمين بوجه هو عين أعمالهم قال تعالى : ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١).

وفي الخبر في وصف الجنة ونعيمها : « إنّما هو العالم وما يخرج منه » (٢). ودوام نعيم الجنة وعذاب أهل النار بمقتضى نيّاتهم.

وعذاب الكفار متجدد لا ينقطع أبداً قال تعالى : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) (٣).

فهي هي ، وهي غيرها ، وكذلك نعيم أهل الجنة متجدّد لا ينقطع أبداً ، وليس شي‌ء من ذلك النعيم السرمديّ والعذاب الأبديّ بخارج عن مقتضى أعمالهم وعقائدهم ونيّاتهم ، ولا مباين لها ، وإنّما هو من قبيل بروز ما في القوّة إلى الفعل ، كما يدلّ عليه التجدّد والدوام ، ولأهل الجنة مزيد من كرم الله ، مع أنه في الحقيقة ليس بخارج عن مقتضى علمهم وعملهم وكرم الله. بل لأهل الجنّة أعمال من عبادة الله وشكره وحمده ، توجب لهم أن يتفضّل الله عليهم بالمزيد.

على أنه يكفي في سببيّة (٤) تكرّم الله عليهم بالمزيد دوامُ معرفتهم بالله وصفاته وأفعاله. وقد اقتضت حكمة الله وعدله ألّا يبرز ذلك النعيم وذلك العذاب بالفعل من كلّ وجه دفعة ، فإنه يستلزم الفساد ، وهو باطل بالضرورة ؛ لاستلزامه أنه ينتهي إلى حدّ ورتبة من الفعليّة.

إذا عرفت هذا ، قلنا : في حلّ هذا الإشكال ، وعلاج ذلك الدّاء العضال وجوه :

أحدها : أن يكون لعن المؤمنين ودعاؤهم بتضاعف العذاب عليهم معداً لهم لتعجيل بروز ما هو بالقوّة من عذابهم إلى الفعل ، فيتضاعف ما بالفعل من عذابهم ،

__________________

(١) الطور : ١٦.

(٢) بحار الأنوار ٢٤ : ١٠٤ / ١١.

(٣) النساء : ٥٦.

(٤) في المخطوط : ( سبيّته ).

٤٨٨

وكذلك دعاء بعض المؤمنين لبعض بزيادة الرفعة في درجات الرضوان ونعيم الجنان ، فإن الله عزّ اسمه مستجيب لهم فيهم ، فيعجل به بروز ما هو لهم من ذلك بالقوّة إلى الفعل. وجاز أن الله يتكرّم على المؤمن بسبب شفاعة أخيه له بدعائه له بكرامة لم يقتضها عمله ، فيكون هذا من باب ثواب الداعي بمقتضى عمله.

الثاني : أن يكون لعن المؤمن ودعاؤه عليهم نوعاً من دركات عذابهم ، فيكون المؤمن على هذا كالمعذّب لهم بهذا النوع من العذاب ، فهو حينئذٍ كأحد ملائكة العذاب.

الثالث : أن كلّ مؤمن مظلوم ، منهم ؛ فلعن المؤمن ودعاؤه عليهم طلبٌ للأخذ له بظلامته ، فإن الله برحمته جاز أن يؤخّر إظهار ما يستحقّه الكافر من العذاب بظلمه للمؤمن على طلب المؤمن لذلك بدعائه ، فإنه لو عُفي عمّن يستحقّ العفو رجي له العفو من الله ، كما هو واقع في كثير من الحدود والتعزيرات الدنيويّة.

٤٨٩
٤٩٠

[١٤٦]

كشف حال وبيان

مقال : عبارة القاضي في ( إِلّا مَنْ ظَلَمَ )

قال البيضاوي : في تفسير قوله تعالى : ( يا مُوسى : لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. إِلّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) : ـ ( استثناء منقطع استدرك به ما يختلج في الصّدر من نفي الخوف عن كلّهم ، وفيهم من فرطت منه صغيرة ، فإنهم وإن فعلوها اتبعوا فعلها ما يبطلها ، ويستحقّون به من الله مغفرة ورحمة ، وقصد تعريض موسى : عليه‌السلام بوكزة القبطيّ. وقيل : متصل ، و ( ثُمَّ بَدَّلَ ). مستأنف معطوف على محذوف ، أي من ظلم ثمّ بدّل ذنبه بالتوبة ) (٢) ، انتهى.

وأقول : ظاهر العبارة بمقتضى المتعارف عند أكثر النحويين من أن [ الاستثناء (٣) ] المنقطع هو إخراج ما ليس من جنس المستثنى منه من حكم المستثنى منه (٤) دفعاً لوهم دخوله فيه لمشاركته له في أمر آخر ، يعمه معه. فإن ظاهرها أن المستثنى من الرسل ، فكيف يحكم بأنه منقطع؟ ولا غرابة ، فإن الأشاعرة : مجمعون على أن الرسل غير معصومين عن الصغائر ، فعلى هذا تتناقض عبارته.

__________________

(١) النمل : ١٠ ـ ١١.

(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ١٧٢.

(٣) في المخطوط : ( من المستثنى ).

(٤) تمهيد القواعد : ١٩٧ / القاعدة : ٦٧ ، حاشية الصبّان على شرح الأشموني ٢ : ١٤٢ ـ ١٤٣.

٤٩١

ولعلّ الجواب أنه أراد أن المستثنى [ المنقطع (١) ] هو غير الرسل ، وفائدته دفع ما يختلج في بعض الصدور من الاستشكال في عموم نفي الخوف عن كلّ المرسلين ، مع أن فيهم من فرطت منه خطيئة ؛ إذ لا ينبغي ارتفاع الخوف عن العاقل إذا فرطت منه خطيئة ، فضلاً عن الرسل الّذين هم أشدّ الخلق خوفاً من الله. فلو لم يستثنِ ، لعمّ نفي الخوف جميع الرسل ، حتّى من فرطت منه صغيرة.

وقصد تعريض موسى عليه‌السلام : بوكزة القبطيّ ، فبشّره الله ورفع عن قلبه الخوف الحاصل من ذلك بما ذكره من الاستثناء المنقطع ، ودفع به ذلك الإشكال ؛ فإنه إذا ثبت أن من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء من سائر الخلق غير الرسل فإنه لا يخاف فإن الله غفور رحيم لكلّ من تاب وبدّل حسناً بعد سوء فالرسل أولى بذلك ؛ لأنهم لا بدّ أن يُتبعوها بما يمحوها ، ويستحقّون به الرحمة من الله تعالى.

فمن نكت هذا الاستثناء إذا قلنا : إنه منقطع نفي الخوف عمّن فرطت منه صغيرة من الرسل بنفيه [ عمّن (٢) ] سواهم. وفيه من اللطف وتعظيم الرسل ما لا يخفى ؛ إذ ليس في لفظه ما يصرّح بوقوع خطيئة من رسول ، بخلاف ما لو كان الاستثناء متّصلاً فإنه يكون تصريحاً بوقوع الخطيئة من بعض الرسل ، وفيه من كسر قلوبهم ، وفضيحتهم وحطّ بعض عالي قدرهم ما لا يخفى.

وقصد به تعريض موسى عليه‌السلام بوعده المغفرة والرحمة والأمن بوعد غيره من غير تصريح له بما فعل ، ولا أمثاله. وفيه من إعظام موسى عليه‌السلام : وملاطفته ما لا يخفى.

ومنها أنه إذا كان الاستثناء منقطعاً عمّت البشارة بالأمن ممّن لا يخلف الميعاد سائرَ من عصى من الخلق إذا تاب وبدّل حسناً بعد سوء ، بخلاف ما إذا كان متّصلاً ، فإن هذه النكتة تفوت. هذا كلّه على مقتضى مذهب [ القاضي ].

أما نحن فنقول : لا يمكن أن يفرط من رسول ولا معصوم خطيئة ، لا كبيرة ولا صغيرة في حال من أحواله أصلاً ، فلا يمكن أن يكون هذا الاستثناء متّصلاً بوجه

__________________

(١) في المخطوط : ( منقطع ).

(٢) في المخطوط : ( عما ).

٤٩٢

أصلاً ، فعمّم نفي الخوف عن جميع الرسل تصريحاً ، وأتبع بشارته للرسل بالأمن بالبشارة لجميع من تاب وعمل صالحاً ثمّ اهتدى وبدّل حسناً بعد سوء من الخلق.

وأشار بهذا الأُسلوب الحكيم [ و ] بهذه التبعيّة إلى أن كلّ من بدّل حسناً بعد سوء كان من أتباع الرسل ، ومختلطاً بهم ، حتّى صحّ استثناؤه بالاستثناء المنقطع ، فإنه لا يصحّ الاستثناء وإن كان منقطعاً لمن ليس له مع المستثنى منه علاقة بوجه أصلاً ، بل لا يصحّ إلّا مع وجود علاقة تجمعهما كما لا يخفى على من تأمّل كتب النحاة.

وممّا يؤيّد أن هذا الاستثناء منقطع أن جماعة من أئمّة العربيّة نصّوا على أن ( إلّا ) تكون عاطفة بمنزلة ( الواو ) ، منهم الجوهري (١) : والفيروزآبادي (٢) ، والفيّومي (٣) وابن هشام (٤) : ونقله غير واحد عن الكوفيين (٥). بل ظاهر بعضهم أنهم يقولون بذلك في كلّ استثناء منقطع ، ونقل ذلك عن جماعة من النحويّين القدماء مثل جمع من أئمّة العربية بهذه الآية لذلك كما يظهر من إتقان السيوطي (٦) : وابن هشام (٧) : وغيرهما ، وأن منه هذه الآية ، والعطف يقتضي المغايرة.

وقال القمّيّ : إن معناه : ( ولا من ظلم ) (٨).

والظاهر أن مقصده ومقصدهم واحد.

ومن نكت كون هذا الاستثناء منقطعاً نفي الخوف عن جميع الرسل مطلقاً ، وهذا يستلزم النصّ على أنهم لا تقع منهم معصية بوجه أصلاً ، وأن ما يوهم وقوع المعصية منهم إنّما هو من باب ترك الأولى بمقامهم الأعلى وإن كان ذلك من غيرهم ، بل منهم عند تنزّلهم إلى غير ذلك المقام الأرفع ؛ لغرض إكمال الحجّة على الخلق ، ولو بإبطال شبهة دعوى الربوبيّة فيهم من أقرب القربات وأحسن الحسنات. فهم

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢٥٤٥ إلّا.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٤٨٤ ألَّ.

(٣) المصباح المنير : ١٩.

(٤) مغني اللبيب : ١٠١.

(٥) المصباح المنير : ١٩ ، البحر المحيط ٨ : ٢١٤ ، ولم يصرّح بنسبته للكوفيين.

(٦) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ١٩٠.

(٧) مغني اللبيب : ١٠١.

(٨) تفسير القمّيّ ٢ : ١٢٧.

٤٩٣

يعدّون التفاتهم لما دون أعلى مقاماتهم ذنباً وتقصيراً ، فيستغفرون الله منه ، ويتوبون إليه.

وهذا مضاف لما سبق ذكره في توجيه عبارة القاضي : فلا تظهر هذه النكت لو قال قائل بأن الاستثناء متّصل ، بل يستلزم أضدادها من عدم عصمة الرسل من إظهار فضائحهم وعيوبهم المستلزم [ حطّ ] أقدارهم من القلوب ، المستلزم للاستخفاف بأوامرهم ونواهيهم وعدم الركون إلى صدقهم ، والله العالم.

وهذه التوجيهات كلّها على فرض أن ( إلّا ) حرف استثناء ، وأمّا على [ فرض ] أنها حرف عطف كما نصّ عليه كثير من أئمّة اللغة والعربيّة والتفسير بمنزلة الواو ، والمعنى : ( ولا الّذين ظلموا ) ، فالأمر سهل ، والمعنى ظاهر ، وهو الأرجح عندي ، حيث وضوح المعنى وارتفاع جميع الشبه والشكوك والإشكالات عنه ، ولأن المعروف من حال القمّيّ أنه لا يفسر إلّا برواية قد ثبتت عن أهل البيت عليهم‌السلام : عنده ، بل سمعت من بعض ثقات المعاصرين أنه مرويّ برواية صريحة عن أهل البيت عليهم سلام الله ـ : في غيبة النعماني.

وهذا أيضاً لا ينافر القول بالاستثناء المنقطع ، وهما ينافران القول بأن الاستثناء متّصل ، فيدلّ ذلك بوجه على بطلان القول بالاتّصال.

بقي في القول بالاستثناء مطلقاً [ إشكال (١) ] هو أن [ إلّا ] الاستثنائيّة ، يثبت لما بعدها من الحكم نقيض ما لما قبلها ، والحكم الثابت للمستثنى منه في هذه الآية هو نفي الخوف. فبمقتضى القاعدة المسلّمة يثبت الخوف للمستثنى ، فيكون المعنى : أن الرسل لا يخافون أبداً وأن من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء يخاف أبداً. وهذا ينافي وصفه تعالى نفسه في الآية بأنه غفور رحيم ، مع جميع أدلّة العدل.

ولعلّ الجواب من وجهين :

أحدهما : أن الخوف المنفيّ عن الرسل والمثبَت لمن ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء هو خوف عقاب المعاصي ، فهو إشارة إلى عصمة الرسل ، وترغيب في التوبة لغيرهم ،

__________________

(١) في المخطوط : ( سؤال ).

٤٩٤

وبشارة لهم بالمغفرة والرحمة إذا بدّلوا السيّئة بالحسنة. ومن الظاهر أنه لا يخاف من العقاب على المعصية إلّا من صدرت منه وتاب وندم وبدّل سوء المعصية بحسن التوبة وفعل الحسنة ، فهذا يخاف ، فوعده الله بالمغفرة والرحمة ليطمئن قلبه ويرغب في فعل الطاعة وترك المعصية.

أمّا من تصدر منه معصيته فلا يخاف عقاباً على معصية. وأمّا من عصى وأصرّ ولم يتب ولم يندم وعزّم على المعاودة ، فهو غير خائف حينئذٍ من عقابها ، ولا متألّم من فعلها ولا من تصوّر عقابها ، بل كثير من العصاة ، أو أكثرهم لا يؤمن بعقابها ، فلا يخاف منه كالكفّار وإخوانهم من امّة محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله :

الثاني : أن التقدير هكذا ( لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) ؛ لأن سبب الخوف من العقاب الظلم ، وهم عليهم‌السلام لا يقع منهم ظلم بحال لا لأنفسهم ولا لغيرهم ، وكلّ من ظلم يخاف عقابي ويحذر سطوتي إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم له. وبهذا يصحّ الاستثناء المنقطع ؛ فإنك ترى أهل العربية يقدّرون في مثل ( ما قام القوم إلّا حماراً ) : ( ما قام القوم ولا غيرهم إلّا حماراً ) حتّى يصحّ الاستثناء لعدم العلاقة بينهما بالكلّيّة ، فإنه حينئذٍ لا فائدة للاستثناء ولا معنى له.

٤٩٥
٤٩٦

[١٤٧]

دفع إشكال وبيان حال : « هذه يداي وعيناي »

ورد في بعض أدعية زين العابدين : صلوات الله تعالى وتسليماته عليه وعلى آبائه وأبنائه الأدلّاء على مرضاة الله أنه قال : « هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة ، وعيناي بالرجاء ممدودة » (١) ، فكيف يخبر عن المثنّى بالمفرد في الفقرتين؟ (٢) قلت وبالله المستعان ـ : اعلم أن كلّ طبقتين من طبقات الوجود ، أو نوعين ، أو صنفين أو شخصين فإن لكلّ واحد منهما لوازمَ وأحكاماً وصفاتٍ وتكاليفَ تخصّه ، فإذا نزل العالي منهما إلى رتبة النازل بسبب من الأسباب ، أو صعد النازل منهما إلى رتبة العالي بسبب من الأسباب تماثلا [ فتجانسا أو تناوعا (٣) ] أو تصانفا أو تشابها في المشخّصات ، كلّ ذلك بقدر درجات الصعود أو النزول ، فيتشابهان في اللوازم والخصائص والصفات والأحكام والتكاليف كذلك. بل ربما صدق نعت الوحدة عليهما إذا اشتدّ قرب أحدهما من الآخر وامتزاجه به ، فالصاعد تغلب عليه أحكام الرتبة التي صعد إليها حتّى يلحق بها وينسب إليها ، والنازل تغلب عليه أحكام الرتبة التي ينزل إليها حتّى يوصف بصفاتها ويحكم عليه بأحكامها.

وهذا باب تنفتح منه أبواب ، وبيان تندفع به شبهات وتنحل به إشكالات. فحينئذٍ

__________________

(١) الأمالي ( الصدوق ) : ٢٨٨ / ٣٢١ ، بحار الأنوار ٩١ : ٨٩ / ١.

(٢) كان الأولى أن يقول رحمه‌الله : فكيف يُعيد ضمير المفرد على المثنّى؟ كما يدل عليه تقريره بعد ذلك.

(٣) في المخطوط : ( فتجانس أو مناوعا ).

٤٩٧

نقول : لمّا حكم عليه‌السلام بامتلاء اليدين بظلمة الذنوب ، وبامتلاء العينين بنور الرجاء ، ومشابهة كلّ منهما للآخر في صفته وأحكامها كمال المشابهة ، أشار إلى اتّحادهما بذلك بتوحيد الضمير. فإعادته عليه‌السلام إليهما ضمير المفرد ؛ ليدلّ على هذا القانون ، وأن اليمين لمّا ملئت من الذنوب انسلخت عن وصف اليمينيّة وصانفت الشمال ، فحكم عليها أنها شمال ، فلا يمين لمن امتلأت يداه بالذنوب ، فوُحّد الراجع لهما باعتبار المصانفة.

وكذا الكلام في العينين ، فإنه لمّا امتلأتا بنور الرجاء أُلحقت الشمال باليمين ، وانسلخت بذلك عن وصف الشمالية فوُحّد الراجع لهما حينئذٍ باعتبار المصانفة ، حتّى كأنه لا شمال له. فمن هو كذلك لا يد يمين له ، ولا [ يد (١) ] شمال له ، بل كلّ منهما اتّحد بالأُخرى ضرباً من الاتّحاد يصدق عليهما بسببه نعت الوحدة ، فيعود عليه ضمير الواحد.

هذا وأنت إذا تدبّرت كلمات بلغاء العرب العرباء (٢) ، وجدتهم كثيراً ما [ يعيدون (٣) ] ضمير المفرد على كلّ ما في الرجل منه اثنان ، بل يعبّرون عنهما بالمفرد الظاهر ، ويشيرون لهما [ بما (٤) ] يشار به للمفرد ، فيقولون : هذا تحت يدك ، وبيدك وبعينك ، ومشى برجله ، وأشباه ذلك. فهو عليه‌السلام لمّا قال : « هذه يداي » وأشار لهما بما يشار به للمفرد أعاد عليهما ضمير المفرد ، وسر كلّ ذلك تماثلهما كمال المماثلة فيما يستعملان فيه ، فكأنهما شي‌ء واحد.

__________________

(١) في المخطوط : ( يمين ).

(٢) انظر فقه اللغة وسر العربيّة : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ / ٨١.

(٣) في المخطوط : ( يعودو ).

(٤) في المخطوط : ( ما ).

٤٩٨

[١٤٨]

هداية بيانية لتبصرة

فقهية : الهويّ والنهوض ليسا من الصلاة

قال علّامة زمانه ورائس إبّانه [ الآقا (١) ] باقر بن محمّد : أكمل في صلاتيّته : ( اعلم أن الهويّ إلى السجود ليس فعلاً من أفعاله ولا واجباً من واجباته ، وكذلك النهوض إلى القيام ؛ ولذا ما [ عددناهما (٢) ] من واجبات الصلاة.

نعم ، هما من مقدّمات فعل الصلاة ؛ إذ لا يتحقّق السجود من القائم إلّا به ، وكذا القيام من القاعد ؛ ولذا قلنا : من شكّ في الركوع وقد دخل في السجود ، ولم نقل : وقد دخل في الهويّ إلى الأرض منه. وكذا قلنا : من شكّ في السجدة أو في التشهّد وقد دخل في القيام ، ولم نقل : وقد دخل في النهوض ) ، انتهى.

قلت : مراده رحمه‌الله أن النهوض إلى القيام والانحطاط إلى السجود ليس شي‌ء منهما بواجب من واجبات الصلاة ولا جزء من أجزائها بالأصالة ، وإنّما كلّ منهما مقدّمة ضرورية لتحصيل واجب من واجباتها. فالناهض والهاوي حال نهوضه وهويّه ليس بخارج من الصلاة كما ربما [ يتوهّمه (٣) ] بعض الطلبة من عبارته ، وربما شنّع به على هذا الإمام المقدّم ؛ لأن النصّ والإجماع من الأُمّة في كلّ عصر بل الضرورة الدينيّة تدفع هذا التوهّم من عبارته.

__________________

(١) في المخطوط : ( آقا ).

(٢) في المخطوط : ( عديناهما ).

(٣) في المخطوط : ( يوهمه ).

٤٩٩

وما حقّقه رحمه‌الله هو المعروف من مذهب الإماميّة ، كما صرّح به الشهيد : في ( الروض ) (١) وفاضل المناهج. ولذا ترى كلّ من يقول : من شكّ في فعل من أفعال الصلاة وقد دخل في فعل آخر من أفعالها لم يلتفت ، لا يُمثّل لذلك بمن شكّ في [ السجود (٢) ] أو التشهّد وقد استقلّ قائماً لا يلتفت ، ومن شكّ في أحدهما وهو آخذ في النهوض رجع وأتى بالمشكوك فيه ؛ لأنه لم يدخل في فعل آخر من أفعالها حينئذٍ.

و (٣) بمن شكّ في الركوع وقد دخل في السجود [ فإنه ] لا يلتفت ، وإن كان آخذاً في الهويّ رجع فركع لأنه حينئذٍ لم يدخل في فعل من أفعاله.

وأيضاً تجدهم يحصرون عدد واجباتها ومندوباتها ولا يعدّون شيئاً من الهويّ والنهوض في شي‌ء منهما. والأخبار (٤) إذا تأمّلتها حقّ التّأمّل وجدتها تدلّ [ على ذلك خصوصاً أخبار الشكوك بل لم نجد خبراً يدلّ على أن النهوض أو الانحطاط واجب من واجبات الصلاة أو جزء منها بالأصالة.

وممّا يؤيّده جواز الانحطاط لمناولة الأعمى عصاه ، وقتل الحيّة والعقرب ، وشبه ذلك. فلو كان الانحطاط واجباً من واجباتها وجزءاً من ماهيّتها بالأصالة لمّا جاز تعمّد زيادته.

وبالجملة ، فالنهوض والهويّ ليسا بقيام ولا سجود بالضرورة ، والفقهاء (٥) حصروا واجبات الصلاة التي دلّت على وجوبها الأخبار ولم يعدّوا شيئاً منهما فيها.

فإذن ، ما قرّره ذلك الإمام المشار إليه إجماعيّ ، ومن ادّعى خلاف ذلك فعليه البيان.

__________________

(١) روض الجنان : ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٢) في المخطوط : ( سجود ).

(٣) أي ولا يمثّل بمن شكّ ..

(٤) انظر وسائل الشيعة ٥ : ٤٥٩ ـ ٤٧٣ ، أبواب أفعال الصلاة ، ب ١.

(٥) شرائع الإسلام ١ : ٦٨ ـ ٧٩ ، الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ) ٤ : ٥٤٦ ـ ٥٤٩.

٥٠٠