رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

فإن قلت : ورد في خبر معتبر بل صحيح أنه سئل الإمام عليه‌السلام عمّن شك في الركوع وقد هوى إلى السجود ، فقال عليه‌السلام : « بلى قد ركع » (١).

قال الآقا المذكور : ( ليس مراده به : أن الهويّ فعل آخر ، بل مراده : أن الهويّ إلى السجود من دون ركوع بعيد أن يكون الإنسان مجرد أن يفرغ من القراءة مثلاً يبادر بالهويّ إلى السجود ، لكونه خلاف العادة ، بل الظاهر أنه ركع ؛ ولذا قال الإمام عليه‌السلام : « بلى قد ركع ».

ووقع نظير ذلك في الشكّ في تكبيرة الإحرام أنه بعيد أن يتركها مع كونها أوّل الصلاة ) ، انتهى.

وأقول : ظاهر إطلاق قوله في الحديث : ( وقد هوى ) يقتضي أن الشك إنما عرض له بعد استكمال الهوىّ ، فإنه الفرد الكامل الّذي ينصرف إليه الإطلاق ، ويجب حمله عليه. واستكمال الهويّ إنما يتحقّق بالدخول في السجود ، وهو فعل آخر يقتضي الدخول فيه إلغاء الشك العارض ، فيه وهو وجه ظاهر.

ويدلّ عليه أن أحداً من الفقهاء لم يفهم منه إرادة أن الهويّ فعل آخر يقتضي إلغاء الشكّ العارض حالته ، وإلّا لعُدّ من واجباتها ، ولم يُعدّ منها ، والخبر بمرأى منهم ومسمع. على أن ظاهره متشابه ، وليس فيه دلالة على أن الهويّ من واجبات الصلاة الأصليّة وماهيّتها الحقيقيّة بوجه من وجوه الدلالات ، والله العالم.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ١٥١ / ٥٩٦ ، الإستبصار ١ : ٣٥٨ / ١٣٥٨ ، وسائل الشيعة ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٦ ، وفي الجميع : « قد ركع ».

٥٠١
٥٠٢

[١٤٩]

كشف التباس وبنيان

أساس : مسألة تحليل الشريك حصّته من الأمة

لو حلّل أحد الشريكين في الأمة حصّته لشريكه فهل تحل له أم لا؟ أشهرهما الثاني ، وقد نسبه للسيد المرتضى ، وأكثرِ الأصحاب غيرُ واحد (١) ، والتتبع يشهد به.

يدلّ على ذلك أن المفهوم من الأخبار وفتاوى الفرقة أن سبب حلّ النكاح لا يكون إلّا واحداً بسيطاً ، وقد حصروه في عقد دائماً أو منقطعاً وملك جميع عين المنكوحة ، وإباحة مالك العين له. وكلّ سبب منها مستقلّ بنفسِه بسيط ؛ فإن الإباحة عقد ، بل يمكن حصر سببه في سببين كلّ منهما مستقل بنفسه بسيط. وظاهر المذهب نصّاً (٢) وفتوى أن البضع لا يتبعّض ، ولا بسبب مركّب من سببين ؛ بحيث يباح بعضها بسبب وبعضها بسبب آخر. ولا ريب أن الشريك لا يمكن أن يقال فيه : إنه أباح حصّة مالك الحصّة له ؛ إذ لا إباحة إلّا فيما يملك ، وهو لا يملك حصّة شريكه حتّى يحلّها له.

وأيضاً حصّة الشريك مباحة له بالملك قبل تحليل الشريك لولا الشراكة فإن مقتضى الملك إباحة المملوكة لولا شراكة الغير.

__________________

(١) أجوبة المسائل المهنّائيّة : ١٥٣ / المسألة : ٢٦.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ : ١٤٢ ـ ١٤٤ ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤١ ، و ٢١ : ١٥٣ ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٦.

٥٠٣

فإذن ، الشريك لا يمكن أن يتحقّق منه إلّا إباحة حصّته خاصّة ؛ فالشريك مع إباحة شريكه لو قلنا بحلها له كان ناكحاً لها بتحليل شريكه له حصّته ، وبملكه هو لحصة نفسه. ولا ريب أنّهما سببان متباينان ؛ فيتبعّض البضع ؛ إذ لا ريب في تباين السببين ، فيلزم تركّب سبب حلّ البضع ، ونحن نمنع حل البضع بسبب مركّب.

فإن قلت : الإباحة تمليك للمنفعة ، فيكون الشريك إنما نكحها بالملك ، وهو سبب بسيط.

قلت : التحليل إباحة ، والإباحة ، تمليك للانتفاع وتسليط عليه. والفرق بينه وبين ملك العين جليّ فإن ملك المنفعة بالتمليك ملك غير حقيقي ولو كان بعقد لازم فضلاً عن العقد الجائز ، وملك العين والمنفعة الناشئ من ملك العين حقيقيّ. فبالضرورة معنيان متباينان ، وحقيقتان متغايرتان ، لا تتّحد أحدهما بالأُخرى ، ولا تستلزمها ولا تدلّ عليها ، فلا شكّ أنهما شيئان. فاستباحة البضع بهما يستلزم استباحته بسببين ، أو قل : سبب مركّب ، ولا شي‌ء من البضع يحلّ بسببين ، ولا سبب مركّب.

هذا على المشهور المنصور ، وأمّا على مذهب المرتضى : من القول [ بأن ] (١) التحليل عقد متعة (٢) ، فالتباين وتعدّد السبب أو تركّبه عليه أوضح.

وأيضاً الإباحة والتحليل في الحقيقة عقد من جملة العقود الجائزة ، فيلزم أن الشريك نكحها بعقد وملك فقد تعدّد السبب ، أو تركّب وتبعّض البضع ، بلا إشكال. وما يدلّ على عدم حلّها لكلّ واحد من الشريكين إطلاق خبر مسعدة بن زياد : عن الصادق : عليه‌السلام : « يحرم من الإماء عشر ... ».

و [ عدّهن (٣) ] إلى أن قال : « ولا أمتك ولك فيها شريك » (٤).

__________________

(١) في المخطوط : ( فان ).

(٢) عنه في المسالك ٨ : ٩٢.

(٣) في المخطوط : ( عندهم ).

(٤) الفقيه ٣ : ٢٨٦ / ١٣٦٠ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١٩٨ / ٦٩٥ ، وسائل الشيعة ٢١ : ١٠٦ ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ١٩ ، ح ١.

٥٠٤

قال في ( كشف اللثام ) : ( ونحو منه (١) عن مسمع كردين (٢) : عنه عليه‌السلام ).

وفي ( التهذيب ) : مزرعة : عن سماعة قال : سألته عن رجلين بينهما أمة فزوّجاها من رجل ، ثمّ إن الرجل اشترى بعض السهمين. قال حرمت عليه [ باشترائه (٣) ] إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها ، إلّا أن يشتريهما جميعاً (٤).

وذلك صريح في تحريمها على مشتري السهم ، إلّا أن يشري المجموع. فحظر حلّها على الشريك إلّا حالَ شراء الكلّ.

وممّا يؤيّده أنها لا تحلّ للشريك بنكاح دائم ولا منقطع إجماعاً ، وهما أقوى سببيّة في حلّ الفرج من التحليل. فإذا امتنع تأثير السبب الأقوى ولم يعمل امتنع تأثير الأضعف بطريق أولى ، بل هذا عند التأمّل يدلّ على المطلوب.

وبالجملة ، أنت إذا تأمّلت الأخبار وقواعد الفقه ، بل والاعتبار ، وجدتها كلّها دالة بعمومها أو إطلاقها على عدم حلّ الأمة بين شريكين بسبب من أسباب حلّ الفرج ، والأصلُ تحريم الفروج حتّى يقوم دليل قاطع على الحلّ. ولا شكّ أن تجويزه بأيّ سبب من أسباب حلّ النكاح قول بتبعيض ما لا يتبعّض.

وقال في ( أزهار الرياض ) : ( إذا حلّل أحد الشريكين الأمة لصاحبه فهل تحلّ له؟ ذهب السيد المرتضى (٥) : وأكثر الأصحاب إلى عدم الحلّ ، وذهب الشيخ (٦) : وابن إدريس (٧) : إلى الجواز ، وهو الأقوى.

احتجّ الأوّلون باستلزام ذلك تبعيض سبب إباحة البضع بمعنى حصوله بأمرين ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٤ / ٩ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١٩٨ / ٦٩٦ ، وسائل الشيعة ٢١ : ١٠٧ ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ١٩ ، ح ٢.

(٢) في المخطوط : ( مسمع ابن كردين ) ، وما أثبتناه وفق المصدر.

(٣) في المخطوط : ( واشترابه ).

(٤) تهذيب الأحكام ٨ : ١٩٩ / ٦٩٩ ، وسائل الشيعة ٢١ : ١٥٣ ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٦ ، ح ٢.

(٥) عنه في أجوبة المسائل المهنّائيّة : ١٥٣ / المسألة : ٢٦.

(٦) النهاية : ٤٨٠.

(٧) السرائر ٢ : ٦٠٣.

٥٠٥

وهو لا يتبعّض ؛ لقوله تعالى : ( إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (١) ، والتفصيل قاطع فلا يكون الملفّق منهما سبباً للإباحة. وهذه المنفصلة وإن احتملت أن تكون حقيقة ومانعة خلوّ إلّا إن هذا يوجب الشكّ في الإباحة ، فيرجع إلى أصل المنع.

وفيه نظر ؛ إذ مآل ذلك إلى أصالة المنع ، وعدم دلالة الآية على جواز التبعيض ، لا على دلالتها على عدمه ، فتأمل.

وتعبيرنا بال ـ ( حقيقة ) أولى من تعبير الشهيد الثاني : بـ ( مانعة الجمع ) فإنها ظاهرة في مانعته خاصّة ، وليس بمراد. وفي ( شرح الشرائع ) (٢) : ( إن المعلوم من الآية إرادة منع الخلو والجمع معاً ؛ لأن المنفصلة وإن احتملت الأمرين ألّا إن هذا المعنى متيقّن ، ومنع الخلوّ خاصّة غير متيقّن ، والأصل تحريم الفروج بغير سبب محلّل ) (٣).

وورود الاعتراض عليه لا يخفى.

احتجّ الآخرون برواية محمّد بن مسلم : عن الباقر عليه‌السلام : في جارية بين رجلين دبّراها جميعاً ثمّ أحلّ أحدهما فرجها لصاحبه قال : « هو له حلال » (٤).

وأجاب الشهيد الثاني عنها في الشرحين (٥) بأنها ضعيفة السند.

وفيه نظر ؛ فإنها مروية في ( الكافي ) (٦) و ( الفقيه ) (٧) و ( التهذيب ) (٨) في باب السراري وملك الأيمان بطريق واضح الصحّة. ثمّ إنهم أجابوا عن حجّة الأوّلين بأن التحليل شعبة من الملك من حيث إنه يملك المنفعة ومن ثمّ لم تخرج عن الحصر

__________________

(١) المؤمنون : ٦.

(٢) مسالك الأفهام ٨ : ٢٩.

(٣) مسالك الأفهام ٨ : ٢٩.

(٤) الكافي ٥ : ٤٨٢ / ٣ ، وسائل الشيعة ٢١ : ١٤٢ ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤١ ، ح ١.

(٥) مسالك الأفهام ٨ : ٣٠ ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٥ : ٣٢٣.

(٦) الكافي ٥ : ٤٨٢ / ٣.

(٧) الفقيه ٣ : ٢٩٠ / ١٣٨٠.

(٨) تهذيب الأحكام ٨ : ٢٠٣ / ٧١٧.

٥٠٦

المذكور في الآية. وابن إدريس : جعله دليلاً على المدّعى ، وهو بالجوابية أنسب ، وعلى كلّ حال فهو متوجّه.

وأمّا ما قيل في رده من بقاء التبعيض من حيث إن بعضها مستباح بملك الرقبة والآخر بملك المنفعة ، ولا ريب في أنهما متغايران ، وأن التحليل إمّا عقد أو إباحة ، وكلاهما مغاير لملك الرقبة فيلزم التبعيض فمردود ، وبأن التبعيض المنفيّ هو الخارج عن القسمين المذكورين في المنفصلة الواقعة في الآية الكريمة لإمكان [ .. (١) ].

والأوّل منتفٍ ؛ لأن الفرض رجوع ما جعل سبباً للحِلّ إلى أحد القسمين ، وهو تألى المنفصلة. وهذا كما جُعل التحليل راجعاً إلى ملك اليمين لئلّا يخرج من القسمين ، وإذا كان كذلك كان مجموع ما يقع من أفراده سبباً واحداً ، سواء كان مستنداً إلى ملك الرقبة ، أو إلى التحليل ، أو إليهما ، أو نحو ذلك.

وفي جواب ( مسائل السيد مهنا بن سنان ) للعلّامة : قوّى القول بالإباحة قال : ( وكنت رأيت والدي في النوم بعد وفاته وهو يبحث لنا ، فبحث عن هذه المسألة ، ونقل الخلاف ، وذكر أن المرتضى : منع من إباحتها والشيخ : أجاز وطأها ، فقلت له : الحقّ مذهب المرتضى : فقال : لم؟ فقلت : لأن سبب البضع لا يتبعّض ، فلا يقال : زوجتك ، أو أنكحتك نصف هذه الجارية ويكون الباقي مباحاً بالملك ، فقال : هذا غلط ، نحن لا نقول : إنه إذا ملك بعضها يحرم بعضها ويحلّ بعضها ، بل لو كان فيها لغيره أقلّ جزء منها كانت بأسرها حراماً ، فيكون التحليل مبيحاً للجميع لا للبعض ) (٢) ، انتهى.

وذكر الشهيد الأوّل : في ( شرح الإرشاد ) (٣) أن العلّامة : كتب هذا المنام بخطّه على

__________________

(١) بياض في المخطوط ، والعبارة في المصدر غير مقروءة.

(٢) أجوبة المسائل المهنّائيّة : ١٥٢ ـ ١٥٣ / المسألة : ٢٦.

(٣) غاية المراد ٣ : ٩٤ ، وقد أورده أحد المحشين على القواعد في هامش النسخة الحجرية وذيّله بالرمز ( ع ل ).

٥٠٧

كتاب ( القواعد ) (١) ، وأنت خبير بما فيه ؛ فإن تحريمها قبل التحليل لعدم تمام السبب ، حيث إن بعضها مملوك له ، وبعضها لغيره ، وتحليل الشريك أوجب تمام السبب لا أنه سبب تامّ في الحلّ كما ظنّه ؛ فإنه ظاهر السقوط. ومن ثمّ لو كانت لشريكين فأحلّها أحدهما لم تحلّ قطعاً ، وكذا لو زوّجها أحدهما وأحلّها الآخر.

فعلم أن حلها في الصورة المذكورة إنّما هو تمام السبب حينئذٍ لا لكونه سبباً تامّاً. وهذا كما أن المعلول معدوم قطعاً قبل الجزء الأخير من العلّة التامة ، ومعه يوجد قطعاً بل تمام العلّة ، ولو تمّ ما ذكره من التقريب لجرى في عدم تركّب العلّة التامّة البتّة ، ولأوجب أن يكون العلّة التامّة هو الجزء الأخير.

والحاصل أن اللازم من ذلك كونها تمام السبب أو العلّة التامّة ، لا أنها سبب تامّ وعلّة تامّة. وبين الأمرين بون ظاهر لا يشتبه على ذي مسكة.

والمدّعى إنّما يتمّ بالأمر الثاني لا الأوّل. ويزيد ما ذكرناه وضوحاً ما ذكره الشهيد : في ( شرح الإرشاد ) : ( إن التحليل مخصوص بالشخص المملوك ) (٢) ضرورةً ؛ لعدم نفوذ التحليل في شقص الغير بالضرورة ، فلا يتوهّم كونه سبباً تامّاً في الحلّ في الصورة المذكورة. وقد ظهر ممّا حرّرناه أن الحقّ ما اختاره الشيخ : وابن إدريس : ؛ لصحّة الرواية وقصور ما ذكروه من الاعتبار في جنبها مع ما فيه من الكلام ، فتأمّل المقام بالتأمّل التام ) (٣) ، إلى هنا كلام ( زهر الرياض ) ، شكر الله سعيه.

وأقول : تأمّلناه بما أنعم الله به علينا من الأفهام ، وتحريرُ المقام فيما قرّره في هذا الكلام أن المشهور استدلّوا على عدم الحِلّ بالقاعدة المجمع عليها بين الفرقة في سائر الأعصار ، وهي أن ( البضع لا يتبعّض ) بمعنى : أنه لا يحلّ إلّا بسبب واحد بسيط فلا يحلّ بسببين أي بمجموعهما حتّى يكون سبب حله مركّباً من أمرين. وقد عرفت أن سببيّة ملك الرقبة يغاير سببية الإباحة ، بحيث لا يمكن اتّحادهما في

__________________

(١) انظر قواعد الأحكام ٢ : ٣١ ( حجري ) ، ولم يذيّل الهامش بما يشير إلى كونه من المصنّف رحمه‌الله.

(٢) غاية المراد ٣ : ٩٥.

(٣) أزهار الرياض ٦٢ ـ ٦٥ ( مخطوط ).

٥٠٨

حال ؛ لما عرفت ، ولأنهما اثنان قطعاً ، والاثنان لا يتّحدان بحيث [ يكونان ] (١) واحداً بسيطاً بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً. والقول بأنه شعبة من الملك ، من حيث إنه يملك المنفعة لا يثمر نفعاً في اتّحاد السبب ؛ لوضوح المغايرة بين ملكي الشقصين حينئذٍ ؛ لأنه لا ينتج اتّحاد الملك ، بل هما ملكان متغايران بالضرورة.

ولنا أن نمنع أنه ملك أصلاً حتّى للمنفعة ، لظهور المغايرة بين الملك بالإجارة أو الوقف أو الوصيّة أو العمرى أو الرقبى ، وبين إباحة المنفعة كالعارية ؛ فإن ملك الشقصين لا يمكن أن يكون لاثنين ، فكلّ من ملك شيئاً كان خارجاً عن ملك غيره بالضرورة. وليس منافع المعار والمباح بخارجة عن ملك المبيح والمعير وسلطنتهما البتّة. ولو كان زوج الأمة أو المحلّلة له مالكاً لمنافع بضعها ، لكان له مهرها إذا وطئت بشبهة ، وليس كذلك إجماعاً. وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم.

فاستحقاق السيّد حينئذٍ لمهرها دليل على بقاء ملكه لمنافع بضعها ، وأنها لم تخرج عن ملكه ؛ فالزوج والمحلّل له إنّما يملك الانتفاع كالمستعير. وهذا في الناكح بالتحليل أظهر.

هذا ، مع أن تسليم أن الإباحة شعبةٌ من الملك إقرارٌ بأنها ليست بملك ، فيكون نكاح الشريك بتحليل شريكه حلّا بملك ، وشعبة من الملك ، فيتركّب سبب حلّ الفرج ، فيتبعّض البضع فلا يدخل في شي‌ء من قسمي المنفصلة ؛ لتركّبه ، وسبب حلّ البضع لا يكون إلّا واحداً بسيطاً ، والتحليل لا يوجب اتّحاد الملك والشعبة من الملك ، حتّى [ يكونا (٢) ] سبباً واحداً بسيطاً ، وإلّا لحلّت للشريك بالنكاح من شريكه على [ البتّة (٣) ] أو منقطعاً أو بهبة المنفعة والصدقة بها ، وشي‌ء من ذلك لا يحلّ به نكاح الشريك إجماعاً. وكذا العارية ؛ لأن كلّ واحد ممّا ذكر أقوى في شبه الملك وملك المنفعة من الإباحة.

__________________

(١) في المخطوط : ( يكونا ).

(٢) في المخطوط : ( يكونان ).

(٣) في المخطوط : ( البت ).

٥٠٩

وكيف يمكن شي‌ء ممّا ذكروا من إباحة الشقص وهو غير متميّز عن الشقص الآخر بوجه أصلاً؟ فإن كلّ جزء من فرجها وإن قلّ إلى غير النهاية أو إلى أن ينتهي إلى جزء لا يتجزّأ على رأي المتكلّمين مملوك لهما. فحصّة كلّ واحد منهما غير معلومة بعينها ، فكيف تصحّ إباحته أو إجازته أو تزويجه؟ ولو صحّ من مالك الشقص إباحته لمالك الشقص الآخر لصحّ منها ، وليس لها أن تبيح فرجها ولو لمالك بعضها إجماعاً ، وليس للمرأة فرجان.

وأمّا حديث رؤيا العلّامة : وما قرّره له والده في المنام فأضغاث أحلام ؛ إذ ليس إباحة الشريك سبباً تامّاً لحلّ الفرج كما هو واضح مسلم عند الخصم. وأمّا أنه تمام السبب فسقوطه ظاهر ؛ إذ ليس الفرج سبباً مركّباً كما عرفت ، ولا يحلّ بسبب مركّب ، وإنّما يحلّ بسبب بسيط. فالقول بأنه تمام السبب ، يستلزم القول بجواز تركيب سبب حلّه وهو يستلزم تبعيض البضع.

فظهر أن القول بأن تحليل الشريك سبب تامّ ، ظاهر السقوط ، كما قال العلّامة الشيخ سليمان : وما ذكره هو رحمه‌الله في ردّه كافٍ كالّذي نقله عن الشهيد رحمه‌الله : وإن كان تشبيهه لتحليل الشريك بالجزء الأخير من العلّة المركبة غير جيّد ؛ لأن معلول العلّة المركّبة معلول لمجموع الأجزاء ، لا لجميعها بل للهيئة الاجتماعيّة ؛ فمجموعه علّة لمجموعها ، لا أن جميعه معلول لجميعها ، وإلّا لكان كلّ جزء من العلّة علّة لجزء مخصوص.

هذا ، إن سلمنا وجود علّة مركّبة ، وأنت إذا نظرت بعين الحكمة في كتاب الموعظة ، وتدبّرت آيات الآفاق والأنفس ، لم تجد علّة مركّبة. وعلى كلّ حال ، فهو غير مجدٍ في تسويغ النكاح بسببين مختلفين. وما أورده الشيخ سليمان : على القول بأن التحليل سبب تامّ من قوله : ( ومن ثمّ لو أحلّها أحد الشريكين ) إلى آخره واردٌ على القول بأنه تمام السبب ، فتأمّله.

واستدلّ المشهور أيضاً بالآية الشريفة ، وهي قوله تعالى في سورة قَد أفلح :

٥١٠

( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (١) [ و ] دلالتها إنّما دلّت بمنطوقها على وجوب حفظ الفرج [ عن (٢) ] كلّ شي‌ء إلّا الأزواج وملك اليمين ، فكلّ شي‌ء محرّم على الفرج من كلّ وجه من وجوه الاستمتاع إلّا الأزواج وملك الأيمان. والملك المطلق فيها يجب صرفه إلى أكمل الأفراد ، وهو ملك جميع المنكوحة ملكاً حقيقيّا ، وهو ملك العين عقلاً ، وإلّا لزم الترجيح لا لمرجح لو صرفناه إلى فرد من أفراد الملك في الجملة دون غيره.

وأمّا صرفه ، [ إلى ] نوع من أنواع الملك المجازيّ ، [ فواضح (٣) ] الامتناع ، ولأن الفرد الأكمل هو المتبادر إلى أفهام كافّة المخاطبين بها ، فيجب صرف الإطلاق إليه ، والإلجاء : التكليف قبل البيان ، وهو محال عقلاً ونقلاً (٤). ومن أجل هذا وغيره كان المطلق يدلّ على العموم ما لم يقيّد. فدلّت الآية الكريمة على منفصلة حقيقيّة قائلة : إما أن يكون الشي‌ء حراماً على الفرج ، أو يكون زوجة أو ملك يمين ، فالمحرم على الفرج أحد جزأيها والزوجة وملك اليمين الحقيقيّ الكامل [ جزؤها ] الآخر.

فدلّت بمنطوقها على أن المحلّل على الفرج منحصر في قسمين : الأزواج ، وملك اليمين الكامل ، فتضمّنت منفصلة اخرى حقيقيّة قائله : إن المحلّل للفرج إما الأزواج ، أو ملك اليمين ، بحيث لا يجتمعان في موضع ولا يرتفعان عن موضع من أفراد المحلّل للفرج.

أما مانعة الخلوّ منها فدلّ عليها حصر الآيةِ الكريمة المحلّلَ للفرج في القسمين بمنعها بمنطوقها عمّا سواهما ، وأمّا مانعة الجمع منها فضروريّة ؛ ولأن الإجماع في كلّ زمان ومكان والنصّ المتطابق المستفيض قائمان من غير معارض على عدم

__________________

(١) المؤمنون : ٥ ـ ٧.

(٢) في المخطوط : ( على ).

(٣) في المخطوط : ( فوضح ).

(٤) كما في قوله تعالى : ( وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء : ١٥ ، الخصال ٢ : ٤١٧ / ٩ ، أبواب التسعة.

٥١١

حلّ الفرج ولوازمه بالملك والتزويج دواماً ومنقطعاً. فدلّت الآية الكريمة بدلالة واضحة على أنه لا تحلّ للفرج إلّا ما كان زوجة خالصة ، أو ملكاً خالصاً ؛ فدلّت على تحريم المركّب منهما ، وعلى عدم جواز تبعيض البضع ؛ فدلّت على عدم جواز نكاح الأمة المشتركة ولو أباح لشريكه حصّته.

فإذا تأمّلت هذا حقّ التأمّل ظهر لك أن مانعة خلوّها تدلّ على منع حِلّ الأمة بين الشريكين لأحدهما ، ولو بتحليل الشريك قسطه منها ، وعلى منع التبعيض ، وكذلك مانعة [ جمعها (١) ] فلا ترجع باحتمال أحدهما إلى أصالة المنع ، بل دليل مستقلّ على عدم حلّ الأمة المشتركة لأحدهما ولو أحلّه الآخر ؛ فإن الكتاب والسنّة المجمع عليها ، والإجماع في كلّ زمان ، والعقل [ نقلتنا (٢) ] عن أصل الإباحة في الفروج إلى أصل التحريم إلّا بدليل.

فهذا الأصل والكتاب منع من حلّ الأمة المبحوث عنها إلّا بدليل ، ولا دليل على حلّها ، ورواية محمّد بن مسلم : ولو كانت صحيحة لا تعارض ظاهر الكتاب وهذا الأصل والقاعدة المسلّمين خصوصاً مع مخالفتها لمشهور العصابة في كلّ زمان واطّراحهم لظاهرها. وقد صرّح جماعة بأن حصر المحلّلات على الفروج في الأزواج وملك الأيمان على سبيل الانفصال الحقيقيّ ، منهم [ صاحب (٣) ] المسالك كما مرّ النقل عنه في كلام الشيخ سليمان : ومنهم السيوريّ : في ( كنز العرفان ) قال رحمه‌الله : ( الآية صريحة في انحصار سبب الإباحة في القسمين المذكورين ، وهما الزواج ، وملك اليمين على سبيل الانفصال الحقيقيّ أي إمّا زواج ، أو ملك يمين ، بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان وأكّد ذلك بقوله ( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (٤) ).

إلى أن قال رحمه‌الله : ( ظهر ممّا ذكرناه أن البضع لا يتبعّض ، فلو ملك بعض أمة لم

__________________

(١) في المخطوط : ( خلوها ).

(٢) في المخطوط : ( نقلنا ).

(٣) في المخطوط : ( شرح ).

(٤) المؤمنون : ٧.

٥١٢

يحلّ له العقد على باقيها ، وإلّا لزم التبعيض فيستبيح بعضاً بالملك ، وبعضاً بالعقد وهو باطل.

واختلف الأصحاب في تحليل الشريك له حصّته ، هل يبيحه [ الوطء (١) ] ، أم لا؟ قال الجماعة : لا يبيح ، وإلّا لزم التبعيض. وقيل : يبيح ، وهو قول ابن إدريس (٢) : والشهيد (٣) : وهو الأقوى عندي ؛ لما قلناه : إن الإباحة داخلة في الملك ، فيكون مستبيحاً لها بالملك. ولا يضرّنا كون بعضه تبعاً للعين وبعضه منفرداً ؛ لأن الملك له أسباب كالشراء والانتهاب والإرث ، ومن جملتها التحليل ، إلّا إنه سبب ملك منفعة البضع ، وتبعّض سبب الملك ليس بضارّ ، وإلّا لزم تحريم بضعها إذا كان بعضها بالشراء وبعضها بالإرث ، وليس كذلك اتّفاقاً ) (٤) ، انتهى.

وأنت [ بعد (٥) ] الإحاطة بما قررناه خبير بضعفه وبما يرد عليه ، وكيف يجتمع القول بحِلّ الأمة المشتركة بتحليل الشريك مع القول بأن المنفصلة حقيقته؟ فالقول والاستدلال بها على حِلّ المشتركة بتحليل الشريك ممّا لا يرجى التئامه؟

أمّا القول بأن التحليل داخل في الملك فلا يجدي نفعاً في دخوله في المنفصلة ، لوضوح مغايرة هذا الملك للملك المذكور فيها ، فلا يرفع تبعيض البضع لمغايرة حقيقتي الملكين بالضرورة ، بل ليس الإباحة تمليكاً حقيقياً ، فليست ملكاً حقيقياً ، فلا توجب [ اتّحاد (٦) ] الملكين وصيرورتهما ملكاً واحداً ، بخلاف اختلاف أسباب الملك الحقيقيّ الواقع على العين والمنفعة معاً ؛ فإن شراء البعض وإرث البعض الآخر أو [ إيهابه يصيّرانه (٧) ] ملكاً واحداً للعين والمنفعة ، بخلاف ملك البعض وإباحة البعض ، فإنه لا يصيّر الملكين ملكاً واحداً ؛ لاختلاف حقيقتي الملكين.

__________________

(١) في المخطوط : ( الوطي ).

(٢) السرائر ٢ : ٦٠٢ ـ ٦٠٣.

(٣) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٥ : ٣٢٢.

(٤) كنز العرفان ٢ : ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٥) في المخطوط : ( بعض ).

(٦) في المخطوط : ( التحاد ).

(٧) في المخطوط ( اتهابه يصيّراه ).

٥١٣

والفرق بينهما واضح ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، ولا يدلّ عليه بوجه من وجوه الدلالة ، وليس بينهما تلازم. فالقول بعدم حلّها للشريك بتحليل شريكه لا يستلزم عدم حلّها للمالك لجميعها عيناً ومنفعة بغير وجه التحليل. على أن كون تمليك البعض مثل القبلة المحضة أو اللمس أو النظر فقط غير واضح ، مع أنها تباح بالتحليل ؛ للنصوص الصحيحة وإدخاله في الملك أشكل ، وإدخال المستأجرة بجميع منافعها أولى منها. وهو ظاهر ، فلا بدّ من التخصيص.

ولكن لمّا ثبت التحليل ، فلا بدّ من التأويل وإن كان بعيداً ، فيمكن جعله قسماً آخر بنفسه. و [ أمّا ] تخصيص هذه الآية فإنه غير عزيز على ما اشتهر من أنه ما من عام إلّا وقد خصّ ، حتّى هذا فتأمل ). إلى هنا كلام الأردبيلي رحمه‌الله (١) : وفيه فوائد لا تخفى.

وهو ظاهر في أنه فهم من الآية الكريمة الانفصال الحقيقيّ ، وأن المراد بملك الأيمان : الملك الحقيقيّ للعين والمنافع التابعة له ، وهو الملك المتعارف المتبادر لفهوم جميع المخاطبين ، فيخرج منه المملوكُ جزؤها عيناً المحلّل جزؤها الآخر بالضرورة ، فإنها ليست ملكاً كذلك ولا سُرّيّة بالضرورة ، بل تراه صرّح بخروج المحلّلة كلّها عن المنفصلة مع أنها حلال بالنصّ والإجماع المستفيضين.

وحينئذٍ إما أن نقول بعدم دخول المحلّلة كلّها في المنفصلة وإنّما يثبت كونه سبباً لحلّ الفرج بالنصّ والإجماع ؛ فهما مخصّصان للآية الكريمة ، ونظائره كثيرة في الشرعيات ، وهذا هو الأظهر ، بل الظاهر خروج المتمتّع بها عنها أيضاً وإنّما ثبت حِلّها بالنصّ والإجماع المستفيضين ، وبقوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٢).

وكلّ واحد من الثلاثة صالح لتخصيص هذه الآية ، فإن المتبادر إلى الأفهام من لفظ الزوجة إنّما هو الدوام ، فهو الحقيقة ، وهو المتيقّن. والمنقطعة زوجة مجازاً والدليل

__________________

(١) لم تسبق الإشارة منه رحمه‌الله إلى الأردبيلي.

(٢) النساء : ٢٤.

٥١٤

على [ مجازيّتها (١) ] ما ورد في جملة أخبار أنهن مستأجرات (٢) ، وأنهن بمنزلة الإماء (٣) ، ويدلّ على أن المراد بالأزواج في هذه الآية : المنكوحات بالعقد الدائم قوله ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٤).

وإمّا أن نقول : المراد بالأزواج وما ملكت الأيمان في الآية الكريمة : ما هو أعمّ من الحقيقة فتدخل المتمتّع بها والمحلّلة كلّها ، فإن إطلاق الزوجة على المتمتّع بها ، والملك على المحلّلة كلّها بالنسبة إلى المنافع المقصودة في النكاح من المجاز الشائع ؛ فتكون الآية من باب عموم المجاز ، والقرينة عليه النصّ والإجماع على حلّهما.

وعلى كلّ حال ، لا تدخل [ الأمة (٥) ] بين الشريكين إذا أحلّها الشريك لشريكه في محلّل الآية ، ولا محلّل ما قام عليه النصّ والإجماع من عقد المتعة والملك البسيط للعين أو المنفعة ، وإنّما هي داخلة في محرّمات الآية ، والأصل والقاعدة المسلّمة بالإجماع على عدم حلّ الفرج إلّا بسبب واحد بسيط ، فنحتاج في حلّها إلى دليل أقوى ممّا ذكر ، حتّى نخصّص به الكتاب والسنّة المجمع عليها ، ولا دليل.

والعجب من الشهيد : في ( نكت الإرشاد ) حيث قال في شرح قول العلّامة (٦) : ( ولو اشترى حصّة من زوجته بطل العقد وحرم وطؤها وإن أباحه الشريك أو أجاز العقد على رأي ) ـ : ( لا سبيل إلى حلّه بإباحة الشريك أو إجازته العقد ، وهو فتوى ابن الجنيد (٧) : والمحقّق (٨) : ؛ لعدم تبعيض سبب البضع ، للمنع منه في قوله تعالى :

__________________

(١) في المخطوط : ( مجازيّته ).

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٢ / ٧ ، تهذيب الأحكام ٧ : ٢٥٨ / ١١٢٠ ، الإستبصار ٣ : ١٤٧ / ٥٣٨ ، وسائل الشيعة ٢١ : ١٨ ، أبواب المتعة ، ب ٤ ، ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥١ / ١ ، وسائل الشيعة ٢١ : ١٩ ، أبواب المتعة ، ب ٤ ، ح ٦.

(٤) النساء : ٣.

(٥) في المخطوط : ( الآية ).

(٦) إرشاد الأذهان ٢ : ١٠.

(٧) عنه في مختلف الشيعة ٧ : ٢٦٨.

(٨) شرائع الإسلام ٢ : ٢٥٥.

٥١٥

( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١).

والتفصيل بقطع الشركة ، والمراد به هنا : منع الخلو في الاستباحة عن الزوجة والملك ، ومنع الجمع بينهما ) (٢).

ثمّ ساق تفصيل الخلاف ، ثمّ قال في آخر بحثه : ( والجواز هو المختار ) (٣) ، يعني : في حلّها بتحليل الشريك وهو أخبر بما قال ، والمعصوم من عصمه الله.

وممّن ظاهره أنها منفصلة حقيقيّة محصورة في الزوجة وملك العين أجمع ملكاً بسيطاً الطبرسيّ في ( جامع الجوامع ) حيث قال في تفسيرها : ( والمعنى : أنهم لفروجهم حافظون في جميع الأحوال إلّا في حال تزويجهم أو تسرّيهم ؛ إذ من اليقين أن المبحوث عنها ليست بزوجة ولا سُرّيّة لا شرعاً ولا عرفاً ولا لغة ) (٤) ، انتهى.

ومثل هذه الظواهر في كلام المفسّرين والأصحاب كثير لا يحصى كما لا يخفى على المتتبّع المتأمّل فلا نطوّل بنقل عباراتهم.

تنبيهان

التنبيه الأول : جواز الاستمناء بغير الفرج من أعضاء المنكوحة

كما دلت الآية على وجوب حفظ الفرج عمّا سوى المحلّل بالإجماع والكتاب والسنّة ، وهو المستثنى من المحرمات على الفرج ، وتحريم استمتاع الفرج بغيره مطلقاً إيلاجاً حتّى في الجدر والحشايا واللحم الميّت وكلّ شي‌ء يقصد به الاستمناء كذلك ولو بالفرك في ظاهر البشرة ، أو الجلد ولو مسلوخاً ، أو الخرق أو غير ذلك مطلقاً. وكذا عن لمس المكلّف ونظره ؛ للأمر بحفظ الفرج عمّا سوى المستثنى على الإطلاق ، ووصف من لم يحفظه مطلقاً عمّا سواه بالعدوانِ ، دلّت أيضاً على عدم قبح عدم حفظه عنه ، بل على حسن عدم حفظه عنه مطلقاً ، بمقتضى المقابلة ، فهي

__________________

(١) المؤمنون : ٥ ـ ٦.

(٢) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ٣ : ٦٣.

(٣) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ٣ : ٦٥.

(٤) المصدر الموجود لدينا غير تامّ ، انظر مجمع البيان ٧ : ١٣٢ ـ ١٣٣.

٥١٦

صريحة بإطلاقها في حلّ استمتاع الفرج بجميع جسد الزوجة والسرّيّة إيلاجاً واستمناء ، ما لم يستلزم ضرراً كما هو ظاهر المذهب ، لا نعلم فيه مخالفاً.

ونقلُ الإجماع على جواز الاستمتاع على الإطلاق من الحائض بما فوق السرة وتحت الركبة مستفيض ، قال في ( المدارك ) بعد قول المحقّق : في أحكام الحائض : ( ويجوز له الاستمتاع بما [ عدا (١) ] القبل ) (٢) ـ : ( اتّفق العلماء كافّة على جواز الاستمتاع من الحائض بما فوق السرّة وتحت الركبة ، واختلفوا فيما بينهما خلا موضع الدم ؛ فذهب الأكثر إلى جواز الاستمتاع به أيضاً ، وقال السيد المرتضى : في ( شرح الرسالة ) : ( لا يحلّ الاستمتاع منها إلّا بما فوق المئزر ) (٣) ، ومنه [ الوطء (٤) ] في الدبر.

احتجّ المجوزون بأصالة الإباحة ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) ، وهو صريح في نفي اللوم عن الاستمتاع كيف كان. [ فترك (٥) ] العمل به في موضع الحيض بالإجماع ، فيبقى ما عداه على الجواز. وقد ورد بذلك روايات كثيرة ، كموثّقة عبد الله بن بكير : عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : « إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّقى موضع الدم » (٦).

ورواية عبد الملك بن عمرو : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عمّا لصاحب المرأة الحائض منها ، فقال : « كلّ شي‌ء ما [ عدا (٧) ] القبل بعينه » (٨).

وصحيحة عمر بن يزيد : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما للرجل من الحائض؟

__________________

(١) في المخطوط : ( عدى ).

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٢٣.

(٣) عنه في المعتبر ١ : ٢٤٤.

(٤) في المخطوط : ( الوطي ).

(٥) في المخطوط : ( ترك ).

(٦) تهذيب الأحكام ١ : ١٥٤ / ٤٣٦ ، وسائل الشيعة ٢ : ٣٢٢ ، أبواب الحيض ، ب ٢٥ ، ح ٥.

(٧) في المخطوط : ( عدى ).

(٨) الكافي ٥ : ٥٣٨ / ١ ، وسائل الشيعة ٢ : ٣٢١ ، أبواب الحيض ، ب ٢٥ ، ح ١.

٥١٧

قال : « ما بين إليتيها ولا ينقب » (١) ) (٢) ، انتهى.

وهو صريح في الإجماع على المدّعى.

ومثل هذه العبارة في دعوى الإجماع على جواز الاستمتاع بجميع جسد المنكوحة مطلقاً ، حتّى الاستمناء كثير لا يحصى ، ولو أردنا نقل عبارات الفقهاء في هذا لطال الكلام وحصل الملالة ، مع أنها [ بمرأى (٣) ] من الناظر ، وإنّما أردنا التنبيه على مظانّها ، وهو المطابق لظاهر قوله تعالى : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (٤) ، بل صريحها. والأخبار به مستفيضة ، بل بالغة حدّ التواتر المعنويّ ، كما يظهر لمن تتبّع أخبار موجبات الجنابة (٥) ، وأخبار ما يحلّ الاستمتاع به من الحائض (٦) ، وأخبار النكاح (٧) ، وكلّ باب منها كثير. من ذلك صحيحة الحلبيّ : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الحائض ، ما يحلّ لزوجها منها؟ قال : « تتزر بإزار إلى الركبتين ، وتخرج سرّتها ، ثمّ له ما فوق الإزار » (٨).

هذا المضمون في أخبار ما يحلّ [ للناكح (٩) ] كثير لا نطوّل بذكرها ، منها [ ما ] في باب ما يوجب الجنابة صحيحة الحلبيّ : أو حسنته : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن المفخّذ عليه غسل؟ قال : « نعم إذا أنزل » (١٠).

وفي ( الجعفريات ) على ما نقله في ( الرواشح السماوية ) بسنده المشهور أن عليّاً عليه‌السلام سُئل عن الرجل يجامع امرأته أو أهله فيما دون الفرج ، فيقضى شهوته قال

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ١٥٥ / ٤٤٣ ، وسائل الشيعة ٢ : ٣٢٢ ، أبواب الحيض ، ب ٢٥ ، ح ٨.

(٢) المدارك ١ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

(٣) في المخطوط : ( بمرئا ).

(٤) البقرة : ٢٢٣.

(٥) وسائل الشيعة ٢ : ١٨٦ ، أبواب الجنابة ، ب ٧.

(٦) وسائل الشيعة ٢ : ٣٢١ ، أبواب الحيض ، ب ٢٥.

(٧) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٤١ ـ ١٤٨ ، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، ب ٧٢ ، ب ٧٣.

(٨) تهذيب الأحكام ١ : ١٥٤ / ٤٣٩ ، وسائل الشيعة ٢ : ٣٢٣ ، أبواب الحيض ، ب ٢٦ ، ح ١.

(٩) في المخطوط : ( لناكح ).

(١٠) الكافي ٣ : ٤٦ / ٤ ، وسائل الشيعة ٢ : ١٨٦ ، أبواب الجنابة ، ب ٧ ، ح ١.

٥١٨

« عليه الغسل ، وعلى المرأة أن تغسل ذلك الموضع إذا أصابها ، فإن أنزلت من الشهوة كما أنزل الرجل فعليها الغسل » (١).

وصحيح ابن بزيغ : عن أبي الحسن عليه‌السلام : سألته عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج ، وتنزل المرأة ، عليها الغسل؟ قال : « نعم » (٢).

التنبيه الثاني : جواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل

وخبر محمّد بن الفضيل : كما في ( التهذيب ) و ( قرب الإسناد ) عن أبي الحسن عليه‌السلام : سأله وقال : تلزمني المرأة والجارية من خلفي ، وأنا متّكٍ على جنبي ، فتتحرّك على ظهري ، فتأتيها الشهوة فتنزل الماء أفعليها الغسل أم لا؟ قال : « نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل » (٣).

ولفظ هذه الرواية في ( الكافي ) هكذا : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : عن المرأة تعانق زوجها من خلفه ، فتتحرّك على ظهره فتأتيها الشهوة فتنزل الماء ، عليها غسل ، أو لا يجب عليها الغسل؟ قال : « إذا جاءتها الشهوة فأنزلت وجب عليها الغسل » (٤).

وبالجملة ، فالأخبار بهذا المضمون كثيرة ، ووجه الدلالة في الخبر الأخير أنه دلّ على جواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل بلازم التقرير. فإذا ثبت جواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل جاز استمناء الرجل بسائر أعضاء المرأة بطريق أولى.

ولعلّ في جواز مباشرة الرجل لفرج المرأة بسائر أعضائه كما دلّ عليه النصّ (٥) والإجماع دلالة على جواز استمنائها بسائر أعضائه للتلازم غالباً ، أو لدفع الحرج.

__________________

(١) عنه في مستدرك وسائل الشيعة ١ : ٤٥٤ ، أبواب الجنابة ، ب ٤ ، ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٧ / ٦ ، وسائل الشيعة ٢ : ١٨٦ ، أبواب الجنابة ، ب ٧ ، ح ٣.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ١٢٠ / ٣٢٠ ، قرب الإسناد : ٣٩٥ / ١٣٨٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٧ / ٧ ، وسائل الشيعة ٢ : ١٨٧ ، أبواب الجنابة ، ب ٧ ، ح ٤.

(٥) الوسائل ٢٠ : ١١٠ ـ ١١١ ، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، ب ٥١.

٥١٩

ولا يحضرني من نصّ على هذه المسألة إلّا الكاشاني : في نخبته (١) فإنه صرّح بجواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل. ويمكن أن نستدلّ بظاهر الآية عليه إذا التفتنا إلى الإجماع على مساواة المرأة للرجل في ( إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ ). فما ثبت للرجل من الاستمتاع منها ، ثبت لها منه ، والله العالم.

__________________

(١) النخبة : ٢٢٣.

٥٢٠