رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩

١
٢

٣
٤

٥
٦

الرسالة التاسعة عشرة

مواليد المعصومين عليهم‌السلام ووفياتهم

٧
٨

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على باب الجود ومطالع السعود محمّد : وآله أُمناء المعبود ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.

وبعد : فيقول الأحقر أحمد بن صالح بن طوق : : هذه أوراق قليلة من نفس عليلة جعلتها هديّة لإمام الزمان عجّل الله فرجه تشتمل على أربعة عشر فصلاً ، تكفّل كلّ فصل بتاريخ مولد كلّ أصل من أفراد جود الله الجواد على جميع خلقه ، وتاريخ وفاته ، عدا خاتم الأئمّة الحجّة بن الحسن : عجّل الله فرجه ، وصبغ نفوسنا بفاضل نوره فإنّه موجود سهّل الله مخرجه كتبتها ليتحقّق بتحقّق موضوعها للمؤمنين مشاركةُ السادات المنعّمين في الأحزان والمسرّات ؛ فإنّه عنوان كمال الحبّ لامتناع تحقّقه إلّا به ، فهو البرهان ، والله المستعان.

ولنقدّم أمام المقصود مقدّمة نافعة فنقول :

٩
١٠

مقدمة

قال المجلسيّ رحمه‌الله : في (حاشية الأُصول) : (إن في التاريخ الهجري ثلاثة اصطلاحات :

الأوّل : أن يكون مبدؤه ربيع الأوّل ، فإنّ الهجرة إنّما كانت فيه ، وكان معروفاً بين الصحابة إلى سنتين.

الثاني : أن يكون مبدؤه شهر رمضان السابق على ربيع الأوّل الذي وقعت الهجرة فيه ؛ لأنه أوّل السنة الشرعيّة.

الثالث : ما اخترعه عمر ، وهو أن مبدأه المحرّم السابق موافقاً لما زعمه أهل الجاهليّة. وهذا ساقط وإن اشتهر بين العوام.

قال ابن الجوزي في (التلقيح) : (روى أبو بكر بن أبي خثيمة عن الشعبيّ والزهريّ قالا : لمّا هبط آدم عليه‌السلام من الجنّة وانتشر ولده ، أرّخ بنوه من هبوطه ، فكان ذلك التاريخ حتّى بُعث نوح عليه‌السلام ، فأرّخوا بمبعثه ، حتّى كان الغرق فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم عليه‌السلام. فلمّا كثر ولد إسماعيل عليه‌السلام افترقوا فأرّخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى مبعث يوسف عليه‌السلام ، ومنه إلى مبعث موسى عليه‌السلام ومنه إلى ملك سليمان عليه‌السلام ، ومنه إلى مبعث عيسى عليه‌السلام ، ومنه إلى مبعث محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأرّخ بنو إسماعيل عليه‌السلام من نار إبراهيم عليه‌السلام إلى بناء البيت ، حتّى تفرّقت معدّ.

وكانت للعرب أيّام وأعلام يعدّونها ، ثمّ أرّخوا من موت كعب بن لؤيّ إلى الفيل ،

١١

وكان التاريخ به (١) حتّى أرّخ عمر بن الخطاب من الهجرة. وإنّما أرّخ عمر بعد سبع عشرة سنة من مهاجر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله).

قال الشعبي : كتب أبو موسى إلى عمر أنه يأتينا من قبلك كتب ليس لها تاريخ ، فأرّخ. فاستشار عمر في ذلك ، فقال بعضهم : أرّخ لمبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقال بعضهم : لوفاته. فقال عمر : بل يؤرّخ لمهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن مهاجرة فرق بين الحقّ والباطل ، فأرّخ لذلك.

وقال سعيد بن المسيّب : كتب التاريخ بمشورة عليّ عليه‌السلام.

قال المدائنيّ : واختلفوا بأيّ شهر يبدؤون ، فقال عثمان : أرّخوا المحرّم أول السنة) ، انتهى.

ثمّ قال : (وكان التاريخ من شهر ربيع الأوّل ، إلّا إنّهم ردّوه إلى المحرّم ؛ لأنه أوّل السنّة) (٢) ، انتهى.

إلى هنا عبارة المجلسيّ ، رحمه‌الله تعالى.

وفيه أن نسبته التاريخ إلى عمر وأنه اخترعه وأنه ساقط ساقط ؛ لأنه إنّما وقع بمشورة أمير المؤمنين عليه‌السلام كما روي ، واعترف به غير واحد من العامّة (٣) فضلاً عن الخاصّة.

ولو فرض عدم ثبوته ، فلا شكّ في أن أهل البيت عليهم‌السلام من زمن أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى يومنا هذا قد أقرّوا الناس على هذا التاريخ ، بل هم عليهم‌السلام أرّخوا بذلك كثيراً كما يظهر بأدنى تتبّع. وتقريرهم وفعلهم كأمرهم في الحجّيّة ، بل المسألة إجماعيّة بين الأُمّة ، قد اتّفقت عليه جميع فرقها على تباينهم ، بل هو ملحق بالضروريّات كوجوب الوضوء ونحوه. فقد اتّفقت عليه نصوص الأُمّة والأئمّة ، وفتاواهم وعملهم في سائر الأصقاع والأزمان.

__________________

(١) أي في عام الفيل.

(٢) مرآة العقول ٥ : ٣٥٠.

(٣) انظر تاريخ الطبريّ ٢ : ٤ ٥ ، ٤٧٦.

١٢

وقد دلّت نصوص متعدّدة على أن أوّل السنّة شهرُ [المحرّم] (١) الحرام ، كما دلّت نصوص متعدّدة على أن أوّلها شهر رمضان المعظّم. هذا ، وقد نقل السيّد مهديّ في (المصابيح) عن المجلسيّ في كتاب (السماء والعالم) (٢) في طريق الجمع بين الأخبار المختلفة في أوّل السنة أنه قال : المشهور بين العرب أن أوّل سنتهم المحرّم. فيمكن أن يكون أوّل السنة الشرعيّة شهر رمضان ، وأوّل السنة العرفيّة المحرم ، وأوّل السنة التقديريّة ليلة القدر ، وأوّل سنة الأكل والشرب شهر شوّال. وأوّل السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان ، كما روى الصدوق في (العلل) (٣) بإسناده إلى الفضل بن شاذان في علّة صلاة العيد أنه أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب ؛ لأنّ أوّل شهور السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان.

وقال في علّة اختصاص شهر رمضان بالصوم : (إن فيه ليلة القدر ، وهي رأس السنة ، ويقدّر فيها ما يكون في السنة) (٤) ، انتهى.

ونُقل عنه أيضاً أنه قال فيما ورد من استحباب الغسل في أوّل يوم من السنة : (يحتمل أنه أوّل يوم من المحرّم أو من شهر رمضان) (٥).

وبين هذا وبين قوله ببدعيّة التاريخ بالمحرّم منافاة واضحة.

هذا ، وما فهمه من خبر (العلل) من دلالته [مردود].

وأمّا أن أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب يوم الفطر ، فصريح في أن أوّل السنة شهر رمضان ، لا شوّال كما توهّمه المجلسي رحمه‌الله.

وقال ابن طاوس في (الإقبال) : (ولنبدأ بالإشارة إلى بعض تأويل ما ورد من الاختلاف في الأخبار ؛ هل أوّل السنة شهر رمضان ، أو شهر المحرم؟ فنقول : قد ذكرنا في كتاب (المضمار) ما معناه أنه يمكن أن يكون أوّل السنة في العبادات

__________________

(١) في المخطوط : (محرّم).

(٢) بحار الأنوار ٥٥ : ٣٧٦ ، بتقديم وتأخير فيه.

(٣) علل الشرائع ١ : ٣١٣.

(٤) علل الشرائع ١ : ٣١٤.

(٥) بحار الأنوار ٧٨ : ١٨.

١٣

والطاعات شهر رمضان ، وأن يكون أوّل السنة لتواريخ أهل الإسلام ومتجدّدات العام شهر المحرم.

ورويت بعدّة أسانيد إلى الطبريّ من تاريخه ما هذا لفظه قال : (فيها كتب التاريخ في شهر ربيع الأوّل) (١).

يعني : سنة ستّ عشرةَ من الهجرة.

وقال : (حدّثني ابن أبي سبرة عن عثمان بن عبد الله بن أبي رافع عن ابن المسيّب قال : أوّل من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته فكتب لستة عشر من الهجرة بمشورة علي بن أبي طالب عليه‌السلام).

(حدّثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدّثنا نعيم بن حمّاد قال : حدّثنا الدراوردي عن عثمان بن أبي عبيد الله بن أبي رافع قال : سمعت ابن المسيب يقول : جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم من أي يوم نكتب؟ فقال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام من يوم هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وترك أرض الشرك.

فقبله عمر) (٢)) (٣) ، انتهى.

قلت : قد دلّ هذا كغيره [على] أن التاريخ بالمحرّم إنّما هو بنصّ أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد دلّت نصوصهم على أن المحرّم أوّل السنة أيضاً. وما جمع به السيّد رحمه‌الله جيّد ، ولعلّ سرّه أن شهر رمضان لما كانت ليلة القدر فيه وهي قلبه وهو قلب العام ، فليلة القدر بالنسبة إلى العام كالنفس الناطقة بالنسبة إلى الجسد ، أو قل : كالعقل. فشهر رمضان أوّل الشهور الغيبيّة والعام الدهريّ أعني : الشهور الّتي عند الله عدّتها يوم خلق السماوات اثنا عشر ولذا كان شهر رمضان شهر الله وأوّله ليلة القدر باعتبار ، وباعتبار عالم الزمان أوّل السنة شهر المحرم.

ولذا روي أن القائم عجّل الله فرجه يقوم في العاشر من [المحرّم (٤)]. فهذا دليل على أن المحرّم آخر عام من سنيّ الدنيا المحضة ، فإنّ قيامه عجّل الله فرجه أول

__________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢ : ٤٧٥ ٤٧٦.

(٢) تاريخ الطبريّ ٢ : ٤ ٥ ، ٤٧٦.

(٣) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ٢٢ ٢٣.

(٤) في المخطوط : (محرّم).

١٤

دور وكون آخر. فكونه نهاية ، دليل على أنه بداية ، فلا تنافي بين الروايات بوجه ، والله العالم.

تنبيه :

لمّا جرى ذكر التاريخ ، فلنذكر طرفاً من أحكامه ممّا ذكره أهل العربيّة فنقول : قال ابن مالك في (التسهيل) : (يؤرّخ بالليالي لسبقها ، فيقال أوّل الشهر : كتب لأوّل ليلة منه أو لغرّته أو مهلّة أو مستهلّه).

وقال الدماميني في شرحه : (اللام في (لأول) أو (لغرته) ؛ إمّا بمعنى (في) أو بمعنى (عند) ، قاله أبو الفتح.

وقال الرضيّ : (هذه هي اللام المفيدة للاختصاص ، والاختصاص على ثلاثة أضرب : إمّا أنه يختصّ الفعل بالزمان لوقوعه فيه نحو : كتب لغرّة كذا ، أو يختصّ به لوقوعه بعده نحو (لخمس خلون) ، أو يختص به لوقوعه قبله نحو (لليلة بقيت). فمع الإطلاق يكون الاختصاص لوقوعه فيه ، ومع قرينة نحو (خلت) ، لوقوعه بعده ، ومع قرينة نحو (بقيت) ، لوقوعه قبله) (١)).

ثمّ قال الدماميني بعد قوله : (أو لغرّته ، أي غرّة الشهر) ـ : (وهذا يقتضي أن الغرّة مختصّة بالليلة الأُولى منه. ويؤيّده قول الجوهري : (غرّة كلّ شي‌ء : أوّله) ، لكنه قال بأثر هذا : (والغرّة : ثلاث ليالٍ من أوّل الشهر) (٢).

وكذا قال غيره من أهل اللغة ، وهو صريح في عدم اختصاص الغرّة بالليلة الأُولى كما هو ظاهر كلام المصنّف. فالتاريخ بها إنّما يكون إذا لم يرد التحديد والتعيين ، بل أُريد الإعلام بأنّ ذلك الشي‌ء وقع في بعض هذه الليالي كما تقول : كان ذلك في أوائل الشهر ، وأمّا إن أردت التعيين ، فلا سبيل إلى ذلك.

__________________

(١) شرح الرضيّ على الكافية ٣ : ٣١٢ ٣١٣.

(٢) الصحاح ٢ : ٧٦٨ غرر. وفيه : (الغرر) بدل : (الغرة).

١٥

وقال ابن عصفور : (يقال : كتب غرّة كذا ، إذا مضى يوم أو يومان أو ثلاثة) (١).

وتبعه أبو حيّان. والظاهر أن اشتراط المضيّ سهو) ، انتهى.

قلت : لا منافاة بين كلامي الجوهريّ ، فإنّه لا ريب في إرادته الأوّليّة العرفيّة ، ومع هذا فلا بعد في إطلاق الغرّة في الشهر بخصوصه على ثلاثة من أوّله عرفاً ولغة ، فلا تنافيَ.

وأيضاً ، فليس كلام ابن مالك يقتضي اختصاص الغرّة بأوّل ليلة منه ؛ لأنه مع صدق الغرّة على أوّل ليلة لا ريب في أنه يجوز أن يكتب لغرّته لصدقه عليها قطعاً. غايته أنه بذلك لا يكون نصّاً في الأُولى ، وهذا لا يدلّ على اختصاص غرّة الشهر بأوّل ليلة منه. وأما كلام ابن عصفور فهو تجوّز قطعاً ، ولم يرد اشتراط المضيّ حقيقة. فلا مخالفة بينه وبين غيره بوجه.

ثمّ قال الدماميني بعد قول ابن مالك : (أو مهلة أو مستهله) ـ : (بفتح الهاء منهما على صيغة اسم المفعول ، فالأوّل من قولهم : أُهل الهلال ، ببناء الفعل للمفعول ، والثاني من قولهم : استُهل الهلال ، ببناء الفعل أيضاً لما لم يسمّ فاعله. فالمراد بقولك : كتب لمهَلّ شهر كذا أو مستهلّه : كتب لوقت إهلال هلال الشهر ، أو استهلاله. وقد أُولع المتأخّرون من البصريّين بالتلفّظ بالمستهِلّ بكسر الهاء.

فإن قلت : فهل له من وجه؟

قلت : يمكن أن يجعل المستهِلّ اسم فاعل من قولهم : استهل الهلال بمعنى تبيّن ذكره (٢) ، فيكون المراد بالمستهِل بكسر الهاء ـ : الهلال المتبيّن ، ويصير قولهم : كتب لمستهِلّ شهر كذا ، بمشابهة قولك : كتب لهلال كذا ، أي لوقت هلاله على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. والمراد بوقت الهلال : وقت ظهوره. وهذا غاية ما يظهر فيه).

__________________

(١) شرح جمل الزجّاج ٢ : ٨٠.

(٢) لسان العرب ١٥ : ١٢١ هلّ ، مجمع البحرين ٥ : ٥٠٠ هلّ.

١٦

ثمّ قال ابن مالك : (ثمّ لليلة خلت ، ثمّ لليلتين خلتا ، ثمّ لثلاث خلون .. وهكذا إلى العشرة ، ثمّ لإحدى عشرة خلت ، وهكذا إلى النصف من كذا).

قال الدمامينيّ : (والتعبير مع الثلاث إلى العشر بـ (خلون) ، ومع ما فوقها إلى النصف بـ (خلت) ، إنّما هو على سبيل الأولويّة ، ولك أن تقول : لثلاث خلت ، ولإحدى عشرة خلون. وإنّما كان الأوّل أولى ؛ لما قرّروه في الجمع المكسّر لغير الجمع العاقل أنه يعاد على سبيل الأولويّة ضمير الجمع إن كان جمع قلّة وضمير المفرد إن كان الجمع جمع كثرة ، فالأجذاع انكسرن ، أولى من انكسرت ، والجذوع انكسرت أولى من انكسرن.

وعلّله بعضهم بأنّك لو صرّحت بعدد القلّة من ثلاثة إلى عشرة كان مميّزه جمعاً نحو : ثلاثة أجذاع ، فتعيد عليه ضمير الجمع ، ولو صرّحت بعدد الكثرة أي ما فوق العشرة لكان مميّزه مفرداً نحو : ثلاثة عشر جذعاً ، فتعيد عليه ضمير المفرد ، ولا يخفاك ما فيه) ، انتهى كلام الدماميني.

قلت : لعلّه أشار إلى أن هذا التعليل لا يتمّ إلّا على القول بأنّ مبدأ عدد الكثرة ما فوق العشرة ، أمّا على القول باشتراك الجمعين في البداية ، و [أنهما (١)] يختلفان في النهاية كما هو قول المحقّقين فلا يتم.

ثمّ قال ابن مالك : (وهو يعني النصف من كذا أجود من نحو : خمس عشرة خلت ، أو بقيت ، ثمّ لأربع عشرة بقيت).

قال الدمامينيّ : (وبعضهم يقول : لستّ عشرة مضت ، فيؤرّخ بما مضى لتحقّقه ، وبعضهم يؤرّخ بالأقلّ ممّا مضى وممّا بقي).

ثمّ قال ابن مالك : (إلى عشر بقين إلى ليلة بقيت).

قال الدمامينيّ : (وهذا يقال في ليلة التاسع والعشرين وفي يومها ، والمعنى : لاستقبال ليلة بقيت).

__________________

(١) في المخطوط : (انما).

١٧

قال ابن مالك : (ثمّ لآخر ليلة).

قال الدمامينيّ : (وهذه ليلة الثلاثين ، فإن مضت وكتب في الثلاثين قيل : لآخر يوم منه ، وإذا كتب لآخر ليلة منه أو لآخر يوم منه علمنا أن الشهر كان تامّاً).

قال ابن مالك : (أو سلخه أو انسلاخه).

قال الدمامينيّ : (وكلّ منهما يقال بحسب الليالي ثمّ بحسب الأيّام ، فيحصل في التاريخ بهما اشتباه. وانتصابهما في قولك : كتب سلخَ شهر كذا وانسلاخَه كانتصاب (صلاة العصر) و (قدوم الحاجّ) في قولك : جئتك صلاةَ العصر وقدومَ الحاجّ ، أي على الظرف وقتَ كذا ، فحذف الظرف المضاف وأقيم المصدر المضاف إليه مقامه.

وأما قولك : كتب مهلّ كذا ومستهلّ كذا فمثل مقدم الحاجّ ، فلا يحتاج إلى تقدير مضاف ؛ لصلاحيّة اللفظ للزمن من غير تقدير. تقول : يوم الجمعة مقدمُ الحاجّ ، وليلة الجمعة مهلّ الشهر ومستهلّه أي زمن الإهلال والاستهلال).

ثمّ قال ابن مالك : (وقد تخلف التاءُ النونَ وبالعكس).

قال الدمامينيّ : (تقول في موضع خلون خلت ، وفي موضع بقين بقيت وبالعكس. وفي كتاب الزياديّ : كانت العرب تؤرّخ بالخصب وبالعامل يكون عليهم (١) وبالأمر المشهور ، وأرّخوا بعام الفيل وببناء الكعبة وبالفخار وبمبعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. وبينه وبين البناء خمس سنين ، وبين الفيل والفجار عشرون سنة. ولم يزل شأن العرب ذلك حتّى جاء عمر وفتح بلاد العجم ، فذُكر له أمر التاريخ.

حدّثنا أُميّة بن خالد الأزديّ وساق السند إلى ابن سيرين فقال : قام رجل إلى عمر فقال : أرّخوا. فقال : ما أرّخوا؟ فقال : شي‌ء تعمله الأعاجم يكتبون : في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر : حسن فأرّخوا. فقال بعضهم : من البعثة ، وقال قوم : من الوفاة. ثمّ أجمعوا على الهجرة.

ثمّ اختلفوا بأيّ شهر يبدؤون؟ فقيل : برمضان. وقيل بالمحرم. فأجمعوا عليه.

__________________

(١) كذا في المخطوط ، والمصدر غير متوفّر لدينا لضبط العبارة.

١٨

فالتاريخ قبل الهجرة بشهرين واثنتي عشرة ليلة).

ثمّ ساق أثراً عن الزهريّ بهذا. ثمّ قال : (فلا تزال في السنة حتّى ترى هلال المحرّم ، فإذا رأيته دخلت فيه السنة الثانية وانقضت السنة الأُولى.

وأمّا الشهور فلما بين الهلالين ، ويكتبون كلمة الشهر في كلٍّ من ثلاثة أشهر : الربيعين ورمضان ، ولا يكتبون الشهر في غيرها. والشهور كلّها مذكّرة إلّا الجماديين ، فيكتبون أوّل ليلة من كذا ، ومستهلّ شهر كذا ، ومهلّه ؛ لأنّهم يقولون : أهللنا هلال كذا واستهللنا ، ولا يقولون : أهلّ الهلال ولا استهلّ الهلال ، ولكن يقولون : أهلّ واستهلّ. فإذا أصبحوا كتبوا : كُتب يومَ الجمعة لليلة خلت ، وكتب يوم الجمعة أوّل يوم من كذا ، ولا يكتبون : مهلا ولا مستهلا. فإذا مضت ليلة أُخرى كتبوا : لليلتين خلتا ، فإذا توالت الليالي كتب : لثلاث خلون فإذا صرن إلى النصف ؛ فبعضهم يكتب لخمسَ عشرةَ ليلة خلت أو مضت ، وأكثرهم يكتب : النصف من كذا ، وهو أجود وأكثر. فإذا تجاوزت النصف ، كتبوا : لأربع عشرة بقيت .. وهكذا.

ويجوز في القياس : لعشرينَ مضت أو خلت ، ولكنهم يعتمدون على الأقلّ. ويكتب في الليلة الأخيرة : ليلة الجمعة ، آخر ليلة من كذا ، وسلخَ كذا وانسلاخه ، ولا يكتبون : لليلة بقيت وهم فيها ، كما لم يكتبوا : لليلة خلت أو مضت وهم فيها) ، انتهى.

[ثم قال] : (قلت : قوله : (إنّهم لا يكتبون كلمة الشهر إلّا مع الربيعين ورمضان) ، مخالف لما أسلفناه. وقوله : (إنهم لا يقولون : استهلّ الهلال) ، مخالف لقول الجوهريّ (١) من أنه يقال ذلك ، بمعنى : تبيّن الهلال) ، انتهى كلام الدمامينيّ ملخصاً.

وقوله : (مخالف لما أسلفناه) ، يعني به : قوله في باب المفعول المطلق في شرح قول ابن مالك : (ومظروف ما يصلح جواباً لـ (كم) واقع في جميعه تعميماً أو تقسيطاً ، وكذا ما يصلح جواباً لـ (متى) إن كان اسم شهر غير مضاف إليه شهر) ـ : (ومقتضى كلام المصنّف أن اسم الشهر إذا أُضيف إليه (شهر) لم يتعيّن كون العمل

__________________

(١) الصحاح ٥ : ١٨٥٢ هلل.

١٩

واقعاً في جميعه. بل يجوز أن يقع في بعضه كـ (سرت شهر رمضان). وهذا مذهب سيبويه والجمهور.

قال الصفّار : (ذكر سيبويه أن من المعدود أسماء الشهور كالمحرّم وصفر ، وأن كلّاً منها صار اسماً لثلاثين يوماً لإضافته إلى الثلاثين. فمعنى (سرت المحرّم) : سرت ثلاثين يوماً. فيكون جواب (كم). و (سرت شهر المحرّم) ، معناه : وقت المحرّم. وخرج الشهر عن أن يكون اسماً لثلاثين يوماً ، وإنّما يكون على وضعه الأصليّ وهو الوقت ، فشهر المحرّم بمنزلة وقت المحرم ، فهذا مختص يصلح جواباً لـ (متى).

وفرّق بين المحرّم وشهر المحرّم بكون الأوّل عدداً والآخر غير عدد. ولم يخالف في ذلك إلّا الزجّاج فزعم : أن المحرّم كشهر المحرّم.

قال الشارح : (ومقتضى كلام المصنّف جواز إضافة (شهر) إلى جميع أسماء الشهور ، وهو قول أكثر النحويّين. وقيل : يختصّ ذلك بما في أوّله (راء) وهو الربيعان ورمضان ، ولم يستعمله العرب مع غير ذلك. وقد تستعمله مع ذي القعدة).

هذا كلامه ، وصدره يقتضي جواز إضافة (شهر) إلى رجب ، وآخره يدفعه) ، انتهى كلام الدمامينيّ ملخصاً.

والأرجح عندي إلّا يكتب إلّا (لكذا ليلة خلت) في كلّ الشهر ؛ إذ لا علم للكاتب بما بقي من الشهر حتّى يجزم [به (١)] ، اللهم إلّا أن يقال : إذا توالت أربعة مضت قبل شهر التاريخ ناقصة بيقين. ويعوّل على ما قاله أهل الحساب من عدم إمكان توالي أكثر من ذلك في التمام والنقصان ، فيسوغ له حينئذٍ أن يجزم بما بقي. وليس الأصل التمام بل النقصان ، إلّا إن هذا مبنيّ على العموم في الشهور ولسائر المؤرّخين ، فلا يبنى على اصطلاح الفلكيّين ، فتأمّل.

وفيما عزاه للأكثر تأمّل ، وفيما نسبه للزجّاج قوّةٌ إن لم يثبت الإجماع على خلافه ؛ لأنّ إجماع أهل كلّ فنّ حجّة كما بيّناه في رسالة (الإجماع) فتدبّر.

__________________

(١) في المخطوط : (عليه).

٢٠