رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[ ١٢٩ ]

خبر طريف وسرّ

منيف مسجد الكوفة أفضل من البيت المعمور

في مزار ( البحار ) عن ( العياشي ) (١) عن الصادق عليه‌السلام : أنه قال : « مسجد الكوفة أفضل من بيت المعمور » (٢) انتهى.

لعلّه أراد به : غيبه باعتبار أنه مصلّى جميع النبيّين فما من نبيّ إلّا وقد صلّى فيه ، أو أراد به : قبر أمير المؤمنين : عليه‌السلام أو ما يعمّه ؛ لأنّ قبره عليه‌السلام روح له أو غيبة من ظاهر الكعبة ، والله العالم.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٣٠٢ / ١٣ ، وفيه أنه عليه‌السلام سئل عن بيت المقدس فقال سلام الله عليه ـ : « مسجد الكوفة أفضل منه ».

(٢) بحار الأنوار ٩٧ : ٤٠٥ / ٦٣ ، وفيه ما في تفسير العياشيّ.

٤٢١
٤٢٢

[١٣٠]

حكمةٌ قدسيّة وكلمة

إنسيّة : كراهية الدعاء للدنيا في الصلاة

في ( قرب الإسناد ) عن عليّ بن جعفر : عن أخيه موسى عليه‌السلام : قال : سألته عن الرجل يقول في صلاته : اللهم ردّ إلىّ مالي وولدي ، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال : « لا يفعل ، ذلك أحبّ إليّ » (١).

قلت وبالله المستعان ـ : ظاهر هذا الخبر أن الدعاء للدنيا في أثناء الصلاة مكروه ، وعليه فهو من باب مكروه العبادة ، ففيه أجر ؛ لأنه عبادة وكلّ عبادة لها أجر ، ولكن هذا الظاهر معارض بما استفاض مضمونه من الرخصة في الدعاء حال الصلاة للدين والدنيا ، والآخرة والأولى ، فإنّ الله عزّ اسمه ربّ الدنيا والآخرة ومالكهما.

ولعلّ وجه الجمع أن الدعاء للدنيا وذكر المال والولد لا يخلو من شائبة الالتفات لما هو المطلوب منها وتعلّق القلب به في الجملة ، وهذا مرجوح في نفسه بالنسبة إلى كمال الإخلاص ، والتوجّه إلى الله ، والإقبال عليه ، والتحقّق بمحض العبوديّة ، والذلّ بها بين يديه ، الذي هو حقيقة الصلاة الجامعة لعبادات جميع الخلق على تباين أصنافها ، لأنّها صفة الوجود الجامعة لجميع صفاته ، وهي التي يتحقّق بها عروج المصلّي وطيرانه في أُفق القدس والرحمة بالأجنحة التي هي ركعات الصلاة ،

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٩٤ / ٧٣٥.

٤٢٣

وأجنحة الأتقياء ، فإنّها مثنى وثلاث ورباع.

فلا تنافي بين هذه الكراهة والمرجوحيّة المأخوذة من مقام كمال الإخلاص ، ومرتبة الفؤاد ، وعدمها في مقام آخر ؛ فحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين (١). فربّما كان الشي‌ء مكروهاً في مقام بالنسبة لشخص بل حراماً ، ومستحبّاً في مقام ولشخص آخر بل واجباً. فصاحب الخمس من درج الإيمان لا يطيق حمل التاسعة ويحرم تحميله إيّاها ، وصاحب التسع لا يقبل منه تكاليف صاحب الخمس ، بل ربّما كانت في حقّه ذنباً يستغفر الله منه ، والله العالم.

__________________

(١) كشف الخفاء ١ : ٣٥٧ / ١١٣٧ ، ونقل عن ابن عساكر أنه من كلام أبي سعيد الخرّاز ، كما نقل عن الزركشي أنه للجنيد.

٤٢٤

[١٣١]

بيان إجمال ورزق

حلال ( معنيان للرزق الحلال )

محمّد بن أبي نصر : عن الرضا عليه‌السلام : قال : قلت له : جعلت فداك ادعُ الله أن يرزقني حلالاً. قال : « تدري ما الحلال؟ » قلت له : جعلت فداك ، أمّا الذي عندنا فالكسب الطيّب قال : « كان علي بن الحسين : عليهم‌السلام يقول : الحلال هو قوت المصطفين ، ولكن قل : أسألك من رزقك الواسع ». رواه في ( قرب الإسناد ) (١).

وأقول : هذا بظاهره يعطي المنع أو الكراهية من سؤال الرزق الحلال ، وهذا بظاهره يدفعه ما استفاض في الأخبار والدعوات المأثورة عن الأبرار التي أمروا الناس أن يدعوا الله بها (٢).

ولعلّ وجه الجمع أن الحلال له في الأخبار معنيان :

الأوّل : ما خلص من شوب سهم الشيطان ، فإنّ له سهماً في مطاعم البشر كما أشارت إليه قصته مع آدم (٣) : ومع نوح : عليهما‌السلام (٤) في غرس الكرم أو النخل ، وما ورد في شمّه عنقود العنب مع حوّاء ، وما ورد من مشاركته لهم فيما لم يسمّ عليه من المطاعم والمشارب (٥) ، وسهمه في المطاعم الحلال من كلّ مطعم ومشرب قدر خلطه في

__________________

(١) قرب الإسناد : ٣٨٠ / ١٣٤٢.

(٢) الكافي ٢ : ٥٥٠ ـ ٥٥٣ / ١ ـ ١٣.

(٣) الكافي ٦ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤ / ٢ ، قصص الأنبياء ( الجزائري ) : ٤٥.

(٤) الكافي ٦ : ٣٩٤ / ٣.

(٥) المحاسن ٢ : ٢٠٨ / ١٦٢١.

٤٢٥

أصل الخلق من الماء المالح ، كما ينبّهك عليه اختلاف قابليّة البشر للمعاصي وللكفران ، فإنّ تلك المطاعم والمشارب مادّة نطفة الكافر والمؤمن ، والبرّ والفاجر ، والطائع والعاصي.

فالحلال الحقيقيّ ما خلص من ذلك المزج بالكلّيّة ، والمعصوم لا يأكل إلّا الحلال بهذا المعنى ، حتّى لو أكل شقّ تمرة وأكل غيره الشقّ الآخر كان ما أكله المعصوم هو الحلال الخالص دون ما سواه. فإنّه ربّما كان مشوباً ، ولا يلزم من خلط جزء السمسمة خلط الجزء الآخر ، ولا من خلوص جزء خلوص جميع الأجزاء ، ولا يتيسّر قوت المعصوم لغيره ، ولا يعرفه إلّا هو ولا يخفى عليه بحال.

الثاني : ما هو المتعارف بين الفقهاء ، وهو الذي عبر عنه السائل بالكسب الطيّب ، وعبّرت عنه الآية الكريمة بقوله عزّ اسمه ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (١) ، وما حرّمه الكتاب والسنة من الطاعم والشارب.

__________________

(١) البقرة : ١٨٨.

٤٢٦

[١٣٢]

كشف وبيان : وجه تقييد

الطاعة بالمفترضة في قول الجواد عليه‌السلام

مسألةٌ : ما فائدة القيد في قول مولانا الجواد صلوات الله وتسليماته عليه وعلى آبائه وأبنائه الكرام ـ : « وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة » (١) ، فلو أطلق الطاعة لكان أعمّ بحسب بادئ الرأي ، مع أن واقع نفس الأمر أن موالاتهم شرط في قبول جميع الطاعات ؛ واجبها وندبها ، فما فائدة التقييد بالمفترضة؟

والجواب ومن الله الهداية لسبيل الصواب وبه العصمة من وجوه :

الأوّل : اعلم أمدّنا الله وإيّاك بهدايته أن الله عزّ اسمه خلق الوجود المطلق نوراً بحتاً لا يشوبه ظلمة بوجه ، إلّا إنه في ذاته ممكن مخلوق. وهو أوّل فائض من الواجب عزوجل ، وله فواضل نوريّة ، منها ما هو من لوازم ذاته ، وهي أصل جميع التكاليف الواجبة ، ومجمعها وجامعها الكلّيّ ، والعبارة عنه بلا إله إلّا الله محمّد رسول الله : علي أمير المؤمنين : فإنّ جميع التكاليف الواجبة تفاصيل هذه الكلمة التي عبّر بها عن التوحيد والعدل.

ولذلك أطلقت الأمانة تارة على الولاية ، وأُخرى على التكاليف بأجمعها. وأصل التكاليف الذاتيّة أركان الإسلام الخمسة. ثمّ إن لهذه الفرائض نوراً له فاضل وصفات مكمّلات له ومتمّمات يتمّ بها نوره في نفس العامل إذا انقضت فرائضه بما لم يقل

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ : ١٠٠ / ١٧٧ ، وهي ضمن الزيارة الجامعة المنسوبة للهادي عليه‌السلام : وليس للجواد :

٤٢٧

بصحّتها. فبها يثبت أصلها ، ويظهر بالفعل للمكلّف ، وتسلّم بها الفرائض ؛ لأنّها حماها ، وهي النوافل والسنن ؛ ولذا ورد أن النوافل متمّمات للفرائض فما نقص منها أُكمل بالنوافل (١).

ومعناه أن العامل إذا لم يأتِ بالفريضة على أكمل أحوالها التي أمر بها الشارع لم يبرز نورها في نفس العامل كمال البروز ؛ فإذا كان ذلك منه على وجه لا يوجب فساد الفريضة وإنّما ينقص فعليّة نوريّتها في نفس العامل وأتى بالنوافل ، أكمل اللهُ له برحمته وكرمه نوريّة الفريضة بنوريّة النافلة ، وأتمّه له ، فأدرك ثواب الفريضة الكاملة بفعل النافلة ، لا أن الفريضة في نفسها تتحقّق في الخارج ناقصة الذات ، والنافلة تكمل ذاتها ؛ لأنه يلزم من هذا كون النافلة حينئذٍ جزء ذات الفريضة ، وهذا خلف محال ؛ لأنّ عنوان الفرض والنفل ذاتيّ لهما ، وما بالذات لا يزول ، ولا تنقلب الحقائق.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه عليه سلام الله أشار بالقيد إلى أن الأصل في الطاعة الفريضة ، وأن النافلة تبع لها ، فإذا لم يقبل الأصل لم يقبل الفرع ؛ فنفي الأصل نفي الفرع بطريق أولى. والإطلاق لا يدلّ على هذا كمال الدلالة.

وأيضاً لو أطلق الطاعة عليه‌السلام لكان ربّما يتطرّق إلى بعض الأوهام احتمال أن الولاية شرط في قبول النفل دون الفرض ، فيكون الفرض تكليفاً ذاتيّاً لا يتوقّف على شي‌ء خارج ، بخلاف النفل ، فإنّ الوهم لا يعلم أن جميع الفرائض صفات ذاتيّة للولاية الكبرى التي هي الوجود المطلق.

فجميع فرائض الرسالة تفاصيل لَها وجزئيّات منها وفروع عليها باختلاف المقامات.

فلما عبّر عليه‌السلام بالقيد عُلم أن الولاية شرطٌ لقبول النفل أيضاً ؛ لأنه فرع الفرض وفاضل نوره ، وهي شرط في قبول الأصل بالذات ، وهي شرط في قبول الفرع

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٧١ ـ ٧٤ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٧ ، ح ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٨ ، ١٢.

٤٢٨

بطريق أولى. ففي التقييد دلالة على لزوم الفرض الولاية لذاته ، وإلى تبعيّة النفل له ، بخلاف الإطلاق.

الثاني : لعلّه عليه‌السلام أراد بالطاعة المفترضة : كلمة ( لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، أعني : الشهادتين [ اللتين (١) ] هما مناط الحكم في مقام ظاهر الرسالة في الإسلام ، وحقن الدماء وعصمة الفروج والأموال. فهما الفريضة الجامعة لكلّ فرض ، والنوافل تبع الفرائض وزيادة في كمالها للعالم العامل ، فأشار عليه‌السلام إلى أن كلمة الشهادتين لا تقبل إلّا بالولاية ، بل لا وجود لها ولا تتحقّق في مقام من مقامات الوجود إلّا بها ، فإنّ الولاية قطبها الأعظم وجزؤها الأتمّ وسرّها الأعلى.

بل الكلمتان بوجه عبارة عنها ؛ إذ هي باطن النبوّة التي هي باطن الرسالة ، فلا يتحقّق ( لا إله إلّا الله ) ولا يقبل ( محمّد (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلّا بالولاية ، فهي ركن التوحيد الأعظم وسرّه الأتم.

الثالث : لعلّه عليه‌السلام أراد بالطاعة المفترضة : طاعة الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله المذكورة في قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٣).

وفي قوله تعالى : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) (٤).

وهذه الطاعة المفترضة جامعة لجميع التكاليف ؛ فرضها ونفلها. ففي القيد إشارة إلى تلك الجامعيّة ، فلو ردّ أحد على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : قوله في فرضٍ أو نفلٍ ما كَفَرَ ولم ينفعه قبوله غيره. فأشار عليه سلام الله بالقيد إلى أن هذه الطاعة مفترضة على كلّ حال ، وإن اختلفت جزئيّاتها في عنوان الوجوب والنفل ، وأنّها لا تقبل أي لا تتحقّق إلّا بالولاية ، فلا ينفع نفساً إيمانها بكلّ شي‌ء ما لم تؤمن بالولاية ؛ لأنّها قلب ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولبّه وأُسّه وسنامه ، فلا تحقّق لشي‌ء من طاعة الله ورسوله ، ولا أخْذ لشي‌ء ممّا أتى به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : بدون طاعة الله ورسوله في قبول

__________________

(١) في المخطوط : ( التين ).

(٢) في المخطوط : ( الا بمحمد ).

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) الحشر : ٧.

٤٢٩

الولاية والتسليم لأُولي الأمر وطاعتهم. والإطلاق لا يفيد هذا.

الرابع : لعلّه عليه‌السلام أراد بالطاعة المفترضة : ما أخذه الله على العباد في الذرّ الأوّل والذرّ الثاني من العهد بالإقرار له بالوحدانيّة ، ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : بالرسالة الكبرى الشاملة لجميع رتب الوجود ؛ فإنّها لا تثبت ولا تتحقّق تلك الفريضة المفترضة هناك إلّا بالولاية والإيمان بها في كلّ مقام من مقامات الوجوب ، حتّى تظهر هنا ويعمل بمقتضاها ويؤمن بها. وتلك الفريضة شاملة لجميع تكاليف طبقات الوجود بأسرها ؛ فرضها ، ونفلها ، والإطلاق لا يفي بهذا التصريح والدلالة على هذا الأصل وتفرّع ما سواه عليه.

الخامس : لعلّه عليه‌السلام أراد بالطاعة : طاعة الرسل فيما أتوا به عن الله عزوجل على نهج ما أُمروا أو أمروا به من صفة وهيئة وزمان ومكان وغير ذلك ؛ أعمّ من أن تكون بعنوان الوجوب أو الندب. وكثيراً ما أُطلق الفرض في الأخبار على النفل وحده ، فإطلاقه على الواجب والندب أولى. وتلك هي الطاعة المشروط قبولها وتحقّقها بالولاية ، فمن أتى بطاعة كما أمر الله وكان موالياً قبلت طاعته ، وثبتت الطاعة في كلّ رتبة من الرتب العشر ، وإلّا ردّت. فيكون القيد احترازاً عن طاعة لا تأتي كما أمر الله من كلّ وجه ، فإنّها غير مقبولة ولو كانت من موالٍ ؛ فإنّ الله سبحانه إنّما يعبد من حيث أحبّ لا من حيث يحبّ العابد.

فما يعملُهُ العابد بقصد العبادة إذا لم يكن على الصفة التي جاءت بها الرسل كما أمر الله وأحبّ يسمّى عبادة أيضاً ، وصاحبها يثاب عليها لكن في الدنيا ، فإنّ الله لا يضيع عمل عامل ، وأقلّه عصمة دمه وماله وفرجه ، ودرء الحدّ عنه ، وإمهاله ، ورزقه بقاؤه ولو طرفة عين.

فيكون القيد في كلام الإمام عليه‌السلام لإخراج ما هو في صورة الطاعة ، أو أُريد به : الطاعة والقربة ، ولم يكن في صورة الطاعة ؛ فإنّ هذه تسمّى طاعة لكنّها غير مفترضة أي غير نازلة من الله على لسان خلفائه ، فهي تسمّى طاعة مجازاً ؛ لأنّ

٤٣٠

العامل قصد بها الطاعة والقربة أو أتى بها في صورة الطاعة ، وإن لم يقصد بها الطاعة فهي جسد بلا روح.

السادس : لعلّ التقييد بـ « المفترضة » لبيان الفرق بين الطاعة المتأصّلة التي هي صفة الوجود ، وهي ما أتت به الشريعة من الأوامر والنواهي ، وهي المفترضة ، وبين الطاعة بالعرض مثل علّان حيث استشار الإمام عليه‌السلام في الحجّ فنهاه عن الحجّ تلك السنة ، فخالف فذهب فقتل (١) ، فإن مثل هذا يصدق عليه طاعة ومعصية ، وإن لم تأتِ الشريعة بفرضها ، ولم يبلغ أمرها إلى الآخرة من الثواب والعقاب ، بل هو في الدنيا ما لم يبلغ المخالفة إلى الاستحقاق بأمر المعصوم ، فتؤول إلى الاولى من تلك الجهة.

وهذه ليست شرط قبولها ، وهو ترتّب الأثر من المصلحة الدنيويّة وعدمه ، وهو الضرر الدنيوي. فتحقّق الموالاة ، بل النجاة ، والعطب مترتّبان فيها بحسب الدنيا على نفس الفعل أو الترك ، والله العالم.

__________________

(١) هو أبو الحسن علي بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان. وهو ثقة عين ، له كتاب أخبار القائم عليه‌السلام ، وقد استأذن الإمام الصاحب عليه‌السلام للحجّ في سنته التي قتل فيها ، فجاء الجواب من الناحية المقدّسة : « توقف عنه في هذه السنة ». فخالف ، فقتل بطريق مكة. انظر رجال النجاشي : ٢٦٠ ـ ٢٦١ / ٦٨٢.

٤٣١
٤٣٢

[١٣٣]

حكمة يمانية وجوهرة سنيّة

حديثٌ في ظاهره أن شوّال من الأشهر الحرم

في ( الفقيه ) عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّه قال : « ما خلق الله في الأرض بقعة أحبّ إليه من الكعبة، ولا أكرم عليه منها ، ولها حرّم الله عزوجل الأشهر الحرم الأربعة في كتابه يوم خلق السماوات والأرض، ثلاثة منها متوالية للحجّ، وشهر مفرد للعمرة » (١).

أقول : يحتمل هذا الخبر وجهين :

أحدهما : أن المراد بقوله عليه‌السلام : « متوالية للحجّ » أي مكتنفة له ، وأنه واقع في وسطها ، فإنّ شهر الحجّ واقع في وسط الثلاثة ، والحجّ في وسطه أيضاً ، فإنّه قريب من وسطه الحقيقيّ.

الثاني : أن اللام في « للحجّ » تعليليّة ، علّل بها توالي الثلاثة أي أنه جعل ثلاثة منها متوالية لأجل الحجّ فيحجّ المسلمون في حال أمنٍ من قتال المشركين والكفّار ؛ فحجّ البيت علة [ توالي الثلاثة (٢) ] منها. ولمّا كانت المبتولة غير مرتبطة بالحجّ المعلوم في الأيام المعيّنة ، أفرد لها من الأشهر الحرم شهراً ؛ لأنّها حجّ للبيت أيضاً ، أي قصد له بنسك معلوم ، يشبه نسك الحجّ عند الكعبة من الطواف والصلاة والسعي.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٧٨ / ١٣٥٩.

(٢) في المخطوط : ( التوالي ثلاثة ).

٤٣٣

واعلم أن الصدوق : قال في باب علل الحجّ من كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) (١) : ( وإنّما صار الحاجّ لا يكتب عليه ذنب أربعة أشهر من يوم يحلق رأسه ؛ لأنّ الله عزوجل أباح للمشركين الأشهر الحرم أربعة أشهر ؛ إذ يقول ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (٢) فمن ثمّ وهب لمن يحجّ من المؤمنين البيت مسك الذنوب أربعة أشهر ) (٣) ، انتهى.

وقد قال في أوّل الباب إنه أخرج أسانيد الباب في كتاب ( جامع علل الحجّ ) (٤).

وظاهره أن أشهر السياحة تسمّى حرماً أيضاً ، أي أن الله حرّم القتال للمشركين فيها أو أراد أن الله أباح للمشركين مقداراً لأشهر الحرم أربعة أشهر ، وجعل للحاجّ أن يقيه مقارنة الذنب أربعة أشهر مقابلةَ ذلك ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط بعده لفظة : ( قال ).

(٢) التوبة : ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١٢٨ / ذيل الحديث : ٥٤٨.

(٤) الفقيه ٢ : ١٤٢.

٤٣٤

[١٣٤]

كنز ثمين في

حصن حصين : حديث الثقلين

مسألة : قد استفاض بين الأُمّة استفاضة أكيدة جدّاً لا يستطاع إنكارها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ، وأن اللطيف الخبير نبّأه (١) أنّهما لن يَفْترقا حتّى يردا عليه (٢) الحوض.

وأنه قال : « إنّ الثقل الأكبر كتاب الله ، والأصغر أهل بيتي » (٣).

وأنه قال : « لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كهاتين » وجمع بين مسبّحتيه « ولا أقول كهاتين فيفضل أحدهما على الآخر » وجمع بين المسبّحة والوسطى (٤).

وفي هذا الحديث الشريف المتلقّى بين الأُمّة بالقبول أسئلة :

الأوّل : ما معنى : أنّهما ثقلان؟

فنقول : الثقل في اللغة يطلق بإطلاقات كثيرة ، منها خزائن الأرض والسماوات وكنوزهما الخفيّة ، وكلّ عظيم كبير الشأن ثقل ، وكلّ شي‌ء نفيس مصون ثَقَل ، وكلّ خطير نفيس ثقل (٥) ، وكلّ ما لا تدرك حقيقته للخلق من الخلق ثقل ، وكلّ ما شقّ

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( ونبأه ).

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( عليّ ).

(٣) تفسير القمّيّ ١ : ٣٠ جواهر العقدين : ٢٣٩ ، باختلاف.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر ١ : ٢١٦ ثقل ، لسان العرب ٢ : ١١٤.

٤٣٥

تحمّله ثقل ، وكلّ ثقيل الوزن عظيم القدر ثقل. وكلّ واحد من هذه المعاني يناسب الحديث الشريف بوجه. بل قيل به في معناه.

وبالجملة ، لما كان الكتاب والعترة أعظم خزانة خزنت في السماوات والأرض لأنهما غاية الموجودات ، ولِما اشتملا عليه من خزائن أسرار الله ، وعلم الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ، والغيب والشهادة والمبدأ والمعاد كان أعظم الخلق وأكبره شأناً ، وأنفس نفائس الخلق وأكبره خطراً ، وأصون مصون في الخلق ، وأغمض شي‌ء فيه.

وقد اصين سرّهما وعلانيتهما عن جميع نقائص الخلق ، وعن أن يدرك حقيقتهما إلّا الله ورسوله ، وشقّ على الخلق تحمّل أسرارهما ، بل امتنع تحمّل جميع أسرارهما وتكاليفهما على من دون العترة ، وثقلا في ميزان الحقّ عملاً وصفة ؛ فإنّهما أخلص شي‌ء لله ، وأثقله في ميزان العدل.

فلمّا جمعا تلك الفواضل والأسرار والفضائل سمّي كلّ منهما ثقلاً بكلّ معنى من تلك المعاني ، على أنه متى كان أحدهما ثقلاً كان الآخر ثقلاً ، لتلازمهما وعدم إمكان افتراقهما عقلاً ونقلاً.

الثاني : كيف يكون الكتاب هو الثقل الأكبر والعترة هم الثقل الأصغر مع أن الإمام خازن الكتاب ومترجمه والسفر به من الحقّ إلى الخلق؟

والجواب من وجوه :

أحدها : أن الكتاب من حيث هو مضاف لله عزّ اسمه أكبر ثقلاً من العترة : من حيث هي مضافة لرسوله ، فالإضافة للمعبود أكبر من الإضافة للعابد. وهذه نكتة لفظيّة بيانيّة وإن كانت لا تخلو من مناسبة حكميّة إذا اصعدت ولوحظت بالنظر الدقيق ، وسقيت شجرتها بماء الحكمة.

الثاني : أنه لمّا كان كلّ واحد من العترة هو كتاب الله الناطق ، والقرآن هو كتاب الله الصامت ، والكتاب الصامت عربيّ عجزت البلغاء عن فصاحة ألفاظه ودرك بلاغة

٤٣٦

نظمه ، وله تخوم ، ولتخومه تخوم ، إلى سبعين بطناً ، لا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، ليس شي‌ء أبعد من عقول الرجال من درك معاني ألفاظه ، ومعرفة مقاصده ، أوّل الآية في معنى ، وآخرها في آخر ، هو نجوم مطبقة على مراتب التكليف وأزمانه ، [ كان (١) ] الكتاب الناطق هو القيّم بالصامت ، الخازن له ، المبيّن لمعانيه لكلّ أحد بحسب قسطه منه بلسان ، وما يناسب عقله وتكليفه ومصلحته وقبوله الهداية بكمال الاختيار ، بطناً فبطناً ، كلّ بحسب درجته من الإيمان ، ورتبته من الوجود والخلق مكلّفون بالعمل بأوامر الكتابين ونواهيهما ، فإنّهما حجّة الحقّ على الخلق ، ومناسبة المكلّفين للناطق أشدّ منها للصامت ، فقبولهم منه أيسر وأخفّ عليهم ، وفهمهم لمعاني خطابه أسهل وهم بلسانه أعرف ، وطبائعهم له أميل ؛ لأنه يخاطب كلّ واحد بلغته ولسانه وصفة عقله ولوازم وجوده ، بل يخاطب كلّ عقل بلسانه ، وكلّ نفس بلسانها ، وكلّ جسم بلسانه ، وكلّ شي‌ء بحسب فطرته ، والخلق إنّما يخاطبهم الكتاب الصامت بلسان من خاطبه الله به أوّلاً وبالذات ، وهو الحافظ له والخازن المبيّن لمعانيه المترجم عنه ، وهو الإمام.

ويكفيك في بيان ذلك ملاحظة صفتي النطق والصمت.

ولو كان المكلّفون يفهمون لسان القرآن ، ويقدرون على أخذ التكاليف واستنباط الحكم والمعارف منه بكمال الاختيار لا بواسطة الناطق السفير به لانتفت فائدة البعث.

وبالجملة ، فما خزن في الكتاب الصامت وأصين فيه وذخر وكنز من نفائس حقائق المعارف الدينيّة والدنيويّة ، والسياستين والرياستين ، والأخلاق والحكم الربانيّة ، أشدّ خفاء وأشقّ دركاً ، وأثقل استخراجاً وتحمّلاً ممّا في نفس الكتاب الناطق ؛ لأنّ القرآن له سبعون بطناً ، وفيه المحكم والمتشابه ، والخاصّ والعامّ ، والمجمَل والمبيّن ، والناسخ والمنسوخ ، والظاهر والباطن ، والتنزيل والتأويل ، وهو

__________________

(١) في المخطوط : ( و ) ، وما أثبتناه هو الأوفق ظاهراً ، فإنه جواب ( لما ) المار في قوله : ( أنه لما كان كل واحد من العترة هو كتاب الله الناطق .. ).

٤٣٧

مطبق على جميع طبقات العالم كل بحسب قسطه من الوجود والتكليف ؛ الأجناس ، والأنواع ، والأصناف ، والأزمان ، والأصقاع ، والأشخاص ، منه ما قد مضى ومنه ما هو حاضر ، ومنه ما هو آتٍ مستقبل لم يأتِ بعد وهو الغابر ، ولذا قال الله عزّ اسمه ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١).

والإمام مكلّف بأن يبيّن لكلّ شخص وصنف ونوع وجنس وطبقة وأهل كلّ زمان ومكان ما يخصّه منه بلسانه ، وقدر وسعه ، وما يقبله بكمال الاختيار بالبيان واللسان الذي يصلحه ، وتكمل به حجّة الله عليه ، ويقوم به وجوده بما لا يحتمل في حقّه في تلك الحال من تلك الجهة سواه.

فإذن صار أخذ المعارف والحكم والأخلاق والتكاليف من الإمام أخفّ ثقلاً ، وأقلّ خفاءً ، وأيسر تناولاً ، وأظهر بياناً. فصون ذلك واكتنازه وخفاؤه في القرآن ، وثقل استخراجه منه أكبر وأشدّ منها في نفس الإمام الناطق ؛ لأنّ عليه ومنه البيان ، فإذا بيّن كلّف بعد التبيين ، ولا يكلّف الله نفساً الّا وسعها.

فإذن ظهرت المناسبة والحكمة في وصف العترة : بأنّهم الثقل الأصغر ، والكتاب أنه الثقل الأكبر ، بكلّ معنى من المعاني المذكورة للثقل.

الثالث : اعلم أن القرآن العظيم صفة عقل العترة ، فهو عقل.

فمن حيث إن معناه عقلهم هو ثقل أثقل وأعظم من أجسامهم ؛ لأنّ عقل كلّ شخص أثقل وأعظم من جسمه بكلّ معنى ، لكن العاقل أشرف وأفضل من عقله ، فلا منافاة بين كونهم أفضل من القرآن وكون القرآن ثقلاً أثقل من أجسامهم وإن كانت أجسامهم ثقلاً ؛ لأنّ نفس المؤمنين خلقت من فاضل طينة أجسامهم ، فأجسامهم ثقل بكلّ معنى من معانيه.

ومن حيث إنه قرآن متلوّ ، والإمام هو الخازن المبيّن التالي له وإنه خُلُقهم وصفة نفوسهم ، هم أكبر وأفضل.

__________________

(١) آل عمران : ٧.

٤٣٨

ومن حيث إنه في مقام التفرقة مادّة علومهم ، وحجّتهم على الخلق ، ومرجعهم في الأحكام من الأُصول والفروع إليه ، هو أثقل وأكبر في النفوس ؛ لأنه حينئذٍ كتاب الله وكلامه.

وقد وقفت في هذا الحديث على كلام للشيخ الرئيس الشيخ أحمد بن زين الدين : منقولاً من ( شرح الجامعة الكبرى ) ، وصورة المنقول منه بخطّ بعض السادة [ الثقات (١) ] ، هكذا : ( قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الثقلين : الأصغر والأكبر ».

فنقول : المعنى : عقلهم ، واللفظ : قرآنهم ، فعقلهم قرآن ، وقرآنهم عَقل ، فلمّا تنزّل إلى عالم الشهادة كان الإمام شريك القرآن. فإن قسّمت هذه الحجّة الظاهرة إلى عقل وجسم كان العقل الذي هو القرآن الثقل الأكبر ، والجسم الحامل للقرآن الثقل الأصغر. فالعقل أكبر من الجسم وأفضل ، والعاقل أكبر من العقل وأفضل. ومن حيث إن القرآن قسيم عقلهم ، وإن جميع علومهم مستندة إليه ، فمن حيث ذلك حَسُنَ أن يقال : هو الثقل الأكبر ، مع أنه بالنسبة إلى أجسامهم عند الانقسام كذلك ، ومن حيث إنّهم الكتاب الناطق والعاقلون فهم مجموع القسمين أكبر وأفضل ، مع أن الحقيقة الجامعة للكلّ حقيقتهم ، وأن العقل والقرآن نور تلك الحقيقة وصفتها ، فهم أكبر وأفضل.

ولكن لمّا كان ما أخبروا به من العلوم وما أضمروه مستنداً إلى القرآن وإلى الوحي ، صحّ كون نسبته إليهم ثناءً عليهم وفخراً لهم. ولا منافاة ؛ فإنّ الشخص جميع ما عنده من العلوم ينسب إلى عقله ) (٢) ، انتهى صورة (٣) ما رأيته منقولاً منه ، وظنّي أن كلامي لا يخرج عنه.

الرابع : ورد أن القرآن خُلُق محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ؛ فمن حيث هو خُلُق محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : وصفة عقله هو أكبر من العترة : باعتبار موضوعه ؛ لأنّ موضوعه حينئذٍ أكبر ثقلاً من

__________________

(١) في المخطوط : ( الثقات ).

(٢) شرح الزيارة الجامعة الكبيرة ٣ : ٣٣٠ ـ ٣٣٢.

(٣) في المخطوط : ( الصورة ).

٤٣٩

عترته ، ومن حيث إنه قرآن محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : وآية من آياته ، ومعجز من معجزاته ، هم أكبر وأثقل ؛ إذ ليس لله آية هي أكبر من علي عليه‌السلام : وأولاده الأحد عشر عليهم‌السلام ، والزهراء عليها‌السلام في هذا المعنى [ مثلهم و (١) ] على مراتبهم في الفضل.

الثالث : كيف يكون أحدهما أكبر من الآخر ثقلاً وقد مثّل لهما بالمسبّحتين دون المسبّحة والوسطى ، فقال : « لا يفضل أحدهما على الآخر » ، ومقتضى التشبيه تساويهما مطلقاً مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الثقل الأكبر كتاب الله ، والأصغر عترتي » ، على أنه في الحقيقة الإمام أكبر من القرآن ؛ لما ذكر وغيره؟

والجواب أن المراد بالتمثيل بالمسبّحتين دون الوسطى والمسبّحة في الورود : أنهما يردان عليه الحوض دفعة ووروداً واحداً (٢) لا يفضل أحدهما على الآخر بالسبق إلى الورود عليه. وبرهانه ما أشرنا له من أنّهما يردان بعنوان الوحدة ، فالوارد العترة المتّصفة بالقرآن ، فالقرآن حينئذٍ صفة ذات ، أو جزء ذات هي وصفتها أو جزؤها موضوع الورود.

وبوجه آخر : معاني القرآن : عقلهم ، وألفاظه : قرآنهم كما عرفت من كلام معلّم الزمان ، وليس مقام الورود مقام تلاوة قرآن ، فلا ألفاظ هناك متلوّة ، فالوارد العاقل ؛ إذ لا يمكن أن يرد عليه الحوض العقل بدون الجسم ، ولا الجسم بدون العقل ، وإنّما يردان معاً.

فالوارد مجمعهما أو مجموعهما وهو العاقل.

فقد تبيّن أنه لا يمكن أن يسبق أحدهما بالورود عليه الآخر ، فأشار صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتمثيل بالمسبحتين دون الوسطى والمسبحة في صفة الورود إلى ذلك ، فلا منافاة بين التفاضل في مقام التعدّد وبين المساواة وعدم السبق لأحدهما في مقام الورود.

الرابع : ما معنى تَغَيّي نفي الافتراق عن العترة والكتاب بورود الحوض؟ فما فائدة التقييد بذلك؟

__________________

(١) في المخطوط : ( و ).

(٢) في المخطوط بعدها : ( بل ورود واحد ).

٤٤٠