رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

ولذا ورد : « أوّلنا محمّد : ، وأوسطنا محمّد : ، وآخرنا محمّد : ، وكلّنا محمّد » (١) : على بعض وجوهه ، بل أوّلهم أمير المؤمنين : سلام الله عليه فكان رجب شهره. ولمّا كان رسول الله : هو الواسطة بين الله وبين عليّ : صلوات الله عليهما وآلهما وسلم وكان شعبان واسطةً بين رجب وبين شهر الله شهر رمضان ، كان شعبان شهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، ولا يمكن أن يكون بين عليّ : وبين الله تعالى وتقدّس أكثر من واسطة واحدة هو محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فاختصّ شعبان به. ولا يمكن أن شهره غير شعبان ؛ لما يلزم من وجود أكثر من واسطة واحدة بين شهر عليّ عليه‌السلام : وشهر الله تعالى.

وأيضاً رجب من الترجيب (٢) وهو الضمّ و [ التعظيم (٣) ] ، وشعبان من الشعب ، وهو جبر الكسر ، وهمّ جمعِ التفريق ، وإصلاح الفساد ، أو من الشعْب واحد الشعوب (٤) ، وهو أصل القبائل الجامع لها ، وكان مقام الرسالة جمع متفرّقات الأهواء ، وجبر كسر القلوب ، ووصل بعضها ببعض. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأصل الجامع [ للشهور ] (٥) الاثني عشر ، وكان مقام الولاية مقام ضمّ جزئيّات الرسالة وستر إسرارها ، بل هو سرّها الأعظم ووجب إظهار عظمتها إجمالاً. كان رجب شهر الولي ، وشعبان الذي تتشعّب وتتفنّن فيه البركات شهر الرسول.

وأيضاً لمّا كان الوجود إنّما يقوم بالتوحيد وهو التهليل ، وبالرسالة وبالخلافة ، ولا بدّ من اتّصالها وعدم التفرقة فيها ، كان مظهر ذلك في شهور الزمان في ثلاثة شهور متّصلة ، والخليفة يستمدّ من الله بواسطة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، كان نظمها كذلك ،

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٦ : ٦ ـ ٧ / ١.

(٢) لسان العرب ٥ : ١٣٩ رجب ، القاموس المحيط ١ : ٢٠٩ ، باب الباء / فصل الراء ، مجمع البحرين ٢ : ٦٨ ، كتاب الباء / باب ما أوّله الراء ، وفيها : ( ترجيب النخلة : ضمّ أعذاقها إلى سعفاتها ).

(٣) في المخطوط : ( التفطيم ).

(٤) المحكم والمحيط والأعظم ١ : ٢٣٥ / مقلوب العين والشين والباء ، لسان العرب ٧ : ١٢٥ شعب ، وفيهما : ( شعب : الجمع والتفريق ، والإصلاح والإفساد ) ، وليس فيهما : ( جبر الكسر ).

(٥) في المخطوط : ( المشهور ).

١٤١

وإلى الله المنتهى.

وأيضاً العرب تعظّم رجباً وتحترمه ، فنسب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام : أمراً لهم بتعظيمه بطريق أوْلى ، وإشارة لهم إلى أن عظمته إنّما نشأت من عظمته ، فهو أحقّ بالتعظيم. وهذه وجوه إقناعيّة ، والله العالم بأسرار أوليائه.

١٤٢

[٥١]

كشف شبهة وجمع

عدم تكليف الكافر بالفروع قبل الأُصول

( البحار ) من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (١) بطريقين إلى أبان بن تغلب : عن الصادق سلام الله عليه أنه قال وقد تلا قوله تعالى : ( وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) (٢) ـ : « يا أبان : ، هل ترى الله سبحانه طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يعبدون معه إلهاً غيره؟ ».

قال : قلت : فمن هم؟ قال : « ( وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) الذين أشركوا بالإمام الأوّل ، ولم يردّوا إلى الآخر ما قال فيه الأوّل وهم به كافرون » (٣).

قلت : لعلّه عليه سلام الله أراد : أن نائب الله لا يطلب من عبدة الأوثان الطهارة [ للعمل (٤) ] بالفروع قبل أن يطلب منهم الإقرار بالأُصول ، كما هو معلوم من سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، وقد مضى الكلام على مثل هذا فراجعه.

ولكن بقي هنا شي‌ء ، هو أنه ما الجمع بين ما استفاض بل تواتر مضمونه مثل هذا الخبر وشبهه ممّا دلّ على تأويل ( الشرك بالله ) بالشرك بالإمام ، وتأويل ( إلهين ) بإمامين ، وشبهه من تأويل ( إِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ ) (٥) بذكر عليّ عليه‌السلام : واشمئزاز

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة : ٥٢١.

(٢) فصّلت : ٦ ـ ٧.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٠٤ / ١٧.

(٤) في المخطوط : ( العمل ).

(٥) الزمر : ٤٥.

١٤٣

المنافقين منه ومن ولايته وذكرها (١) ، وهو لا يحصر كثرةً وبين ما في ( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (٢) بسنده عن حبيب الخثعميّ : قال : ذكرت لأبي عبد الله : عليه سلام الله ما يقول أبو الخطّاب : ، فقال : اذكر لي بعض ما يقول ، قلت : في قول الله عزوجل ( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ ) (٣) الآية ، يقول ( إِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ ) : أمير المؤمنين ( وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) : فلان وفلان ، فقال أبو عبد الله : سلام الله عليه ـ : « من قال هذا فهو مشرك ثلاثاً أنا إلى الله منه بري‌ء ثلاثاً بل عنى الله بذلك نفسه ، بل عنى الله بذلك نفسه ».

وأخبرته بالآية التي في حم ( ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) (٤) قلت : يعني بذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال أبو عبد الله : عليه سلام الله ـ : « من قال هذا فهو مشرك ثلاثاً أنا إلى الله منه بري‌ء ثلاثاً بل عنى بذلك نفسه » (٥).

قلت : لا منافاة بين هذه الأخبار ، فلعلّ المراد من هذا الخبر : الردّ على من اعتقد أن أمير المؤمنين : سلام الله عليه ربّ واجب الوجود بذاته ، وهم أكثر الغلاة ، والإنكار على من أذاع سرّهم ، أو كذب عليهم ، أو بيان فساد عقيدة أبي الخطّاب : وكفره وتعمّده الكذب عليهم ، وإضلال شيعتهم عن طريقهم.

وبتلك الأخبار : أن الشرك في الولاية مستلزم للشرك بالله ، فعبّر بالملزوم عن اللازم.

بل نقول : اعلم أنه لمّا تقدّس الواجب وتعالى عن [ مجانسة (٦) ] الخلق ومباشرتهم وعن أن يحيطوا به علماً بوجه فلا يعلم له حال ، ولا تضرب له الأمثال ، وتعالى عن وصف جميع الواصفين ، وعن جميع النسب والإضافات والأحكام ، فرتبة الأزل

__________________

(١) الكافي ٨ : ٢٥٣ / ٤٧١ ، تفسير البرهان ٤ : ٧١٤.

(٢) بصائر الدرجات : ٥٣٦ / ١١.

(٣) الزمر : ٤٥.

(٤) غافر : ١٢.

(٥) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٠٢ / ١٠.

(٦) في المخطوط : ( معاناة ) ، وما أثبتناه هو الأوفق بكلمات أهل العصمة عليهم‌السلام كما ورد في دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليه‌السلام. انظر بحار الأنوار ٨٤ : ٣٣٩ / ١٩ ، و ٩١ : ٢٤٣ / ١١.

١٤٤

لا يمكن فيها وجود نفي ولا إثبات بوجه ، بل لا يمكن [ اجتماع ] النقيضين ، بل يرتفعان ، فلا حكم هناك ولا لا حكم ، وكان من شأنه الوجود والرحمة خلق خلقاً ألبسه جميع صفات جلاله وجماله ، وفوّض إليه جميع أحكامه ، ليدلّ به عباده عليه ويهديهم به إليه ، فخلطه بنفسه ، وجعل أمره أمره ، ونهيه نهيه ، ورضاه رضاه ، وغضبه غضبه ، وأسفه أسفه ، وطاعته طاعته ، ومعصيته معصيته ، وولايته هي ولاية الله العظمى ؛ لأنه حامل لوائها ، وجعل (١) جنبه ووجهه وعينه وأُذنه ويده وقلبه محل مشيئته إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في كلمات أهل العصمة (٢).

كلّ ذلك على سبيل الحقيقة لا المجاز في الحقيقة ، مثال ذلك أن نفسك لمّا ألبست قواك وجوارحك ثوب قدرتها ، ظهرت منها وبها أفعالها فصحّ نسبة أفعالها إليها ، وجميع ما ينسب لقواك وجوارحك من الأفعال إنّما هي صفات نفسك وأفعالها ، وكلّ من فعل لجسدك شيئاً إنّما يفعله لنفسك التي أنت بها ، أنت والجسد سبيل إليها.

والملوك يضعون بعض العبيد لإنفاذ مناهيهم وأوامرهم تكرّماً عن مباشرة ما لا يليق بدواة الملوك ، وتمتّعاً بحجاب العزّة والعظمة ، فتدين له الرعية لمّا ألبسه الملك ثوب عزّه وهيبته وجلاله ، فلو عزله سقطت هيبته ، واستخفّ بأمره ، ما ذلك إلّا لأن هيبته وجلاله وقدرته وأمره ونهيه هو هيبة الملك ، وقدرته وأمره ونهيه حقيقة ، وخيانته ومصاحبة عدوه خلع لولاية الملك.

فما ورد في تأويل قوله عزّ اسمه وتعالى : ( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ) الآية ، من أن المراد : وإذا ذكر عليّ عليه‌السلام : وحده بالولاية ، وفي تأويل ( إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) بـ : إذا دعي عليّ عليه‌السلام : وحده بولاية الله وأمثالهما يراد به : وإذا ذكر وليّ الله وإذا دعي وليّ الله ، وحذف المضاف شائع. ولعل السرّ في حذف المضاف هو إظهار حقيقة الأمر في المجاز ، وأن ما يثبت أو ينفى

__________________

(١) في المخطوط : جعله.

(٢) بحار الأنوار ٢٤ : ١٩١ ـ ٢٠٣.

١٤٥

عن حامِل لواء الولاية العظماء ، أو عنه من أحكامها هو للحقّ وعنه (١) ؛ فإنّ الوليّ المطلق هو الظاهر بشؤون ولاية الله سبحانه وتقدّس ، وصفاتها وهو كنه العبوديّة التي ألفي المعبود في هويّتها وحقيقتها ومثاله وصفات جلاله وكماله ، فأظهر منها أفعاله ، فهو محل الحكم والإسناد والأمر ، وليس له من نفسه عند نفسه اعتبار بوجهه أصلاً.

فحذف لفظه من هذا الإسناد وشبهه ؛ لعدم ثبوت اعتبار المظهر والصفة والاسم عند ذكر الظاهر والموصوف والمسمّى ، وهو مقام : « لنا مع ربّنا حالات » (٢) ، فكلّ ما ظهر منهم في ذلك المقام [ هو (٣) ] شؤون الحقّ وصفاته ، فلا تنسب في ذلك المقام إلّا له ؛ لعدم اعتبارهم أنفسهم فيه بوجه ، فأقرب أشعة الشمس لها لا تنسب له ، نور في أدنى مقامات القرب ، بل لا تبقى له نسبة يصحّ اعتبارها حتّى عند نفسها. فدلّ بحذف ذكره على ذلك المقام الأعظم ، والله أعلم.

فهذا انموذج تظهر به غوامض وأسرار وكُشف به شبهات ، فتلطّف لكلّ مقام ما يليق به ، فإن بسطه ممّا يطول ، فالتأمت الأخبار ، وظهر السرّ في الإنكار.

فقوله عليه سلام الله ـ : « بل عنى بذلك نفسه » حقّ ، وهو مؤيّد لما قلناه ، وما ورد في التأويل لا منافيَ له ولغيره على من قال : ذلك حقّ ؛ لأنّ من اعتقد أن علياً : سلام الله عليه له من نفسه صفة كمال أو قدرة ، ليست هي من الله فهو كافر ملعون. فظهرت الأخبار وانكشف الغبار ، والله العالم ، ونسأله العفو والعصمة عن زلّة القدم ، فإن المقام بعيد المرام.

__________________

(١) كذا في المخطوط.

(٢) شرح العرشية ٢ : ١٣٢.

(٣) في المخطوط : ( هي ).

١٤٦

[٥٢]

ضياء شمسي ونور قمري

( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً )

( البحار ) من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (١) بسنده عن أبي عبد الله : سلام الله عليه في قوله تعالى : ( وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً ) (٢) ، قال سلام الله عليه ـ : « هم الأئمّة وهم الأعلام ، ولو لا صبرهم وانتظارهم الأمر أن يأتيهم من الله لقُتلوا جميعاً قال الله عزوجل ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (٣) » (٤).

ومن ( الكافي ) بسنده عن أبي جعفر : عليه سلام الله في قول الله عزوجل ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) قال : « اقسم [ بقبض (٥) ] محمّد إذا قبض »، الحديث.

وفيه : « ( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ ) بتفضيله أهل بيته ( وَما غَوى. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) يقول ما يتكلّم [ بفضل (٦) ] أهل بيته بهواه وهو قول الله عزوجل ( إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى ) (٧).

وقال الله عزوجل لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة : ٣٣٦.

(٢) الحجّ : ٤٠.

(٣) الحجّ : ٤٠.

(٤) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٥٩ / ٨٣.

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( بقبر ).

(٦) من المصدر ، وفي المخطوط : « بتفضيله ».

(٧) النجم : ١ ـ ٤.

١٤٧

وَبَيْنَكُمْ ) (١) قال : لو أني أُمرت أن أُعلمكم الّذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي ، لتظلموا أهل بيتي من بعدي فكان مثلكم : كما قال الله عزوجل ( كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ) (٢) يقول : أضاءت الأرض بنور محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : كما تضي‌ء الشمس ، فضرب مثل محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : الشمس ، ومثل الوصي عليه‌السلام : القمر ، وهو قوله عزّ ذكره ( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) (٣) » (٤) الحديث.

قلت : لعلّ الوجه في كون الشمس مثل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : وكون القمر مثل الوصيّ : سلام الله عليه أن نور القمر من نور الشمس ، كما قام عليه البرهان المتضاعف (٥) ، فلك أن تقول : إن نوره نورها حقيقةً وليس له من نفسه اعتبار ، وإنه نوره حقيقة ، فهو غير نورها حقيقة ؛ لأنه مظهره وفاضله ، وكذلك علم الوصيّ ونوره حقيقة من علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ونوره ، بل هو هو حقيقةً ؛ لأنه نفسه ، وهو أيضاً منه كرأسه الذي هو ينبوع العلم والإحساس من جسده ، فظهر وجه الشبه وصحّة ضربهما مثلاً لهما ، فأقبل الضياء أثر النور ، وصفته وظاهره ، فكيف توصف الشمس بالضياء ، والقمر بالنور ، مع أن نوره صفة نورها ومظهره وحكايته؟

قلت : لعلّه إشارة إلى أن الشمس تمدّ القمر بالنور ، ومن باطن باطن ظاهرها ومن جميع مراتب وجودها ، فهو حليفها ، وتميد منها في جميع مراتبه حتّى جرمه الظاهر من جرمها الظاهر ، وكذلك الوصيّ بالنسبة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فرسالة الرسول ظاهر نبوّته ، ونبوّته ظاهر ولايته التي هي ولاية الله العظمى ، ومظهرها وحامل لوائها في كلّ مقام الذي هو لواء الحمد هو الوصيّ عليه‌السلام : حتّى في الدنيا ، فنور الرسالة من نور الولاية وأثره وشعاعه ، فالنور للولاية والضوء للرسالة ، ونور الوصيّ عليه‌السلام : هو نور ولاية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فلذا كان نفسَه ورأسَه.

__________________

(١) الأنعام : ٥٨.

(٢) البقرة : ١٧.

(٣) يونس : ٥.

(٤) الكافي ٨ : ٣١١ / ٥٧٤.

(٥) انظر غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٣ : ٥٦٠.

١٤٨

ولما كانت الأبصار لا تدرك من النور إلّا ضياءَه وظاهره ، وكذلك البصائر لا تدرك نور ولاية الرسول ، وإنّما تدرك ضوءها وظاهرها وهو ضياء الرسالة. فحقيقة النور على الأبصار عمى ؛ ولذا أقرّ أكثرهم بالرسالة ، وأنكر ولاية الوليّ ، فآمنوا بالظاهر وأنكروا الباطن الظاهر بالظاهر ، وذلك لا يغنيهم شيئاً.

وفي هذا الخبر بعد المنقول بلا فصل : « وقوله ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (١) وقوله عزوجل ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) (٢). يعني : قبض محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فظهرت الظلمة فلم يبصروا (٣) ، أي عميت بصائرهم بدولتهم عن درك الولاية ، وغيره إشارة إلى ذلك. وإنّما عميت بصائرهم عن درك الولاية لأنّ نور البصائر (٤) مكتسب من نور العقل بمقتضى المقابلة وبقدرها. وهم أُمروا باستقباله والاقتباس من نوره ، فاستكبروا واستدبروه ، فاستقبلوا ظلمة الجهل ، فمالهم من نور. فظهر نسبة النور إلى قمر الولاية والضوء لشمسها ، وإن الكلّ نور شمس الوجود وضياؤها ، هذا لباطنها وهذا صفة ظاهرها.

بقي الكلام في نسبة الضياء إلى شمس الآفاق ، والنور لقمرها ، مع أن نوره من نورها ، كما هو مبرهن عند الحكماء ، فقال النيشابوري : ( الضياء أقوى من النور ) (٥).

وقال القاضي : ( النور أعمّ من الضياء يعني : أن النور يعمّ ما هو أضعف من الضياء وقيل : ما بالذات ضوء ، وما بالعرض نور ) (٦).

وفي ( مجمع البحرين ) : ( الضياء ما كان من ذات الشي‌ء ، والنور ما كان مكتسباً ) (٧).

وفي موضع آخر : ( الضياء أقوى من النور ) (٨).

__________________

(١) يس : ٣٧.

(٢) البقرة : ١٧.

(٣) الكافي ٨ : ٣١١ / ٧٤ ، بحار الأنوار : ٢٤ : ٣٧١.

(٤) في المخطوط بعده : ( من ).

(٥) تفسير غرائب القرآن ٣ : ٥٦٠.

(٦) تفسير البيضاوي ١ : ٤٢٨.

(٧) مجمع البحرين ١ : ٢٧٢ ضوء.

(٨) مجمع البحرين ٣ : ٥٠٤ نور.

١٤٩

ومن أهل اللغة من يفسّر النور بالضوء (١).

وعندي في كلّ هذا تأمّل ، فإنّ من أسمائه تعالى النور ، وهو نور السماوات والأرض ولم يرد إطلاق لفظ الضوء عليه تعالى وتقدّس. ولعلّ الوجه في جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً أن الشمس لا تدرك الأبصار نورها ، بل ضياءه وشعاعه وأثره ، والقمر يدرك نوره ، ونور الشمس بسببه ، فأُطلق على القمر النور ؛ لأنّ نوره مدرك بذاته وهو نور الشمس ؛ فبتوسّطه يدرك نورها ، وعلى الشمس الضياء لمّا لم يُدرك من نورها إلّا ضياؤه.

فباعتبار الإدراك كان الإطلاق ، لكنّه ربّ ضياء نور أنور بما شاء الله من ذات نور. وكذا لمّا لم يدرك نور الرسالة وإنّما يدرك ضوؤه بالذات ، وإنّما يدرك نور ولاية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : بواسطة الخليقة ، أُطلق القمر عليه والشمس على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، والله العالم.

__________________

(١) المصباح المنير : ٦٢٩ نور.

١٥٠

[٥٣]

شعب صدع وبيان ردع

ضرب المثل بالبعوضة والذباب

وقول : ما شاء الله وشاء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله

( البحار ) من ( تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام ) (١) في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ) إلى قوله ( أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (٢) قال الباقر عليه‌السلام : « فلمّا قال الله تعالى : ( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) (٣) وذكر الذباب في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ) (٤) الآية ولمّا قال ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ ) (٥) الآية وضرب المثل في هذه السورة [ بالذي (٦) استوقد ناراً وبالصيّب من السماء ، قالت النواصب والكفّار : وما هذا من الأمثال فتضرب! يريدون به الطعن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فقال الله : يا محمّد ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي ) لا يترك حياء ( أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ) ، للحقّ يوضّحه به عند عباده المؤمنين ( ما بَعُوضَةً ) ما هو بعوضة المثل ( فَما فَوْقَها ) فما فوق البعوضة وهو الذباب يضرب به المثل إذا علم أنّ فيه صلاح عباده ونفعهم » الحديث.

__________________

(١) التفسير المنسوب للإمام العسكري ٧ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٢) البقرة : ٢٦ ـ ٢٧.

(٣) الحجّ : ٧٣.

(٤) الحجّ : ٧٣.

(٥) العنكبوت : ٤١.

(٦) من المصدر ، وفي المخطوط : ( كالذي ).

١٥١

إلى أن قال عليه‌السلام : « فقيل للباقر عليه‌السلام : فإنّ بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أنّ البعوضة عليّ : ، وأنّ ما فوقها وهو الذباب محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فقال الباقر : عليه سلام الله ـ : سمع هؤلاء شيئاً لم يضعوه على وجهه ، إنّما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قاعداً ذات يوم وعليّ : ، إذ سمع قائلاً يقول : ما شاء الله وشاء محمّد : ، وسمع آخر يقول : ما شاء الله وشاء علي : ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقرنوا محمّداً : ولا علياً : بالله عزوجل ، قولوا : ما شاء الله ثمّ شاء محمّد : ما شاء الله ثمّ شاء علي : ، إن مشيئة الله هي القاهرة التي لا تساوى ولا تكافأ ولا تدانى ، وما محمّد رسول الله : في الله وقدرته إلّا كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة ، وما علي : في الله وفي قدرته إلّا كبعوضة في جملة هذه الممالك ، مع أن فضل الله تعالى على محمّد : وعليّ : هو الفضل الذي لا يفي به فضله على جميع خلقه من أوّل الدهر إلى آخره. هذا ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان ، فلا يدخل في قوله ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً ) (١) » الآية.

ومن ( تفسير علي بن إبراهيم ) (٢) بسنده عن أبي عبد الله : عليه سلام الله ـ : « إن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين : سلام الله عليه البعوضة : أمير المؤمنين : ، وما فوقها : رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، والدليل على ذلك قوله ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) يعني : أمير المؤمنين : سلام الله عليه كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الميثاق عليهم ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) ، فردّ الله عليهم فقال ( وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا ) الْفاسِقِينَ ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) ، يعني : من صلة أمير المؤمنين عليه‌السلام : والأئمّة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ ( وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٣) » (٤) الآية.

وجمع مستخرج درر ( البحار ) بين الخبرين : ( بأنه عليه سلام الله إنّما نفى كون هذا هو المراد من ظهر الآية لا بطنها ، ويكون في بطنها إشارة إلى ما ذكره عليه

__________________

(١) البقرة : ٢٦.

(٢) تفسير القمي ١ : ٦٤.

(٣) البقرة : ٢٦ ـ ٢٧.

(٤) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٨٨ ـ ٣٩٢ / ١١٢.

١٥٢

سلام الله من سبب هذا القول ) (١).

وحاصله أن الأوّل بحسب الظاهر ، والثاني بحسب الباطن ، وهو حسن ، ولعلّ الوجه في تخصيص البعوضة بمثل عليّ عليه‌السلام : والذبابة بمثل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن الرسالة من ظاهر الوجود ، فلها حكم الظاهر ، والذباب لا يظهر إلّا في النهار ، والولاية غيب غيب الرسالة ، والبعوض لا يظهر إلّا في الليل.

فالرسالة في ظاهر الوجود نهار ، والولاية ليلها ، ومنه يلوح وجه في إنزال القرآن على قلب محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : جملة وفي ليلة القدر ليلاً لا نهاراً ، فإنّ القدر من السرّ.

وأيضاً البعوض يشتقّ منه البعض ، وعليّ عليه‌السلام : كالرأس من جسد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهو نفسه ، فناسبه لفظ البعوض ؛ لأنه بعضه.

وأيضاً البعوض أغذاؤه من صفو الباطن وخلاصة الأغذية وهو الدم الذي هو مركّب الروح ، والولاية لا يصعد إليها إلّا ما خلص لله وصفا سرّه. والذباب أمّا من الذبّ والحماية والدفع ، يقال : رجل ذبّاب كشدّاد ـ : دفّاع عن الحريم (٢). أو يراد به النحل ، فإنّه يُسمّى ذباباً أيضاً. أو من ذباب السيف وهو حدّه. أو من ذباب العين : إنسانها. أو من رجل أذبّ : طويل. أو من حماية الجوار والأهل عن الأذى. أو من الذبذبة اللسان. أو من الذبابة كثمامة ـ : البقية من الدين (٣). والرسالة تناسبها هذه الاشتقاقات ، فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذابّ ومحامٍ ودفّاع عن الشريعة ، وهو النحل المنتحل لما فيه شفاء للناس ، وحدّ لسيف الله القاطع للشرك ، وإنسان عين الرحمة ، وذو الطول على جميع الخلق ، وهو لسان الله تعالى المعبّر عنه بالصدق في كلّ مقام ، وهو بقيّة الله. فظهر وجه مناسبة المثلين.

ثمّ الوجه في إنكاره صلى‌الله‌عليه‌وآله على من قال : ( ما شاء الله وشاء محمّد : ، وما شاء الله وشاء عليّ ) أن المتكلّم بذلك يعتقد أن لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي عليه‌السلام : مشيئةً مستقلّة تقارن

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٩٣.

(٢) لسان العرب ٥ : ١٩ ذبب.

(٣) القاموس المحيط ١ : ٢٠٢ ذبّ.

١٥٣

مشيئة الله ، ليست هي مشيئة الله ولا منها ولا بها بل مثلها. وهذا يستلزم مفاسد كثيرة لا تخفى على الفطن ، فهداه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن مشيئة الله تعالى هي القاهرة ، وأن مشيئة محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعليّ عليه‌السلام : تابعة لمشيئة الله ، وأنّها من الله ، فإذا شاء الله شاء محمّد : وعليّ : ، وإلى أن مشيئة الله ليس لها مثل في المخلوقات فلا تساويها مشيئة مخلوق ولا تشبهها ، فأبان له بهذا وحدانيّة الله تعالى وتنزيهه عن كلّ نقص في كلّ مقام بما يفهم من لغة عقله ومعانيها ، فهو يكلّم الناس على قدر عقولهم ، والله العالم.

١٥٤

[٥٤]

حكمة إسرائيليّة مصطفويّة

إسرائيل أحمد وبنو إسرائيل آل محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله

( البحار ) من ( العياشي ) (١) عن هارون بن محمّد الحلبيّ : سألت أبا عبد الله : عليه سلام الله عن قوله تعالى : ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) (٢) ، قال : « هم نحن خاصّة » (٣).

ومنه (٤) عن محمّد بن عليّ : سألت أبا عبد الله : عليه سلام الله عن قوله ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) قال : « هي خاصّة لآل محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٥).

ومنه (٦) عن أبي داود : عمن سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول : « أنا عبد الله اسمي أحمد : ، وأنا عبد الله اسمي إسرائيل ، فما أمره الله فقد أمرني ، وما نهاه فقد نهاني » (٧).

قلت : إسرائيل بمعنى : عبد الله ، وأيّ عبد أعبد من أحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فهو أحقّ بمصدوق هذا الاسم الذي هو أصدق الأسماء ؛ لأنّ عبوديّة جميع الرسل من فاضل عبوديّته وشعاعها ، والله العالم.

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ : ٦٢ / ٤٣.

(٢) البقرة : ٤٧ ، وغيرها.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٩٧ / ١١٧.

(٤) تفسير العيّاشيّ ١ : ٦٢ ـ ٦٤ / ٤٥ ، وفيه : « وما عناه فقد عناني » ، بدل : « وما نهاه فقد نهاني ».

(٥) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٩٧ / ١١٨ ، وفيه : « وما عناه فقد عناني » بدل : « وما نهاه فقد نهاني ».

(٦) تفسير العيّاشيّ ١ : ٦٢ ـ ٦٣ / ٤٥.

(٧) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٩٧ / ١١٩.

١٥٥
١٥٦

[٥٥]

فائدة هنيّة : الحيطان لها آذان

( البحار ) من ( تفسير فرات بن إبراهيم ) (١) بسنده عن أبي عبد الله : عليه سلام الله أنه قال في حديث طويل : « إنّ الحيطان لها آذان كآذان الناس » (٢).

قلت : لعلّه أراد أنها تسمع من خطابنا وتعيه بما جعل الله فيها من القوّة المدركة لذلك بحسب رتبة حياتها ووجودها وإحساسها وإن لم يكن كإحساس الناس ، فكلّ شي‌ء من الخلق له تكليف يخصّه ، فهو يحسّ ويسمع أوامر الله ونواهيه له بقدر رتبته. وهم الواسطة لجميع الخلق (٣). وليس في الوجود موات بحت لا يعرف بارئه ولا يعبده ، فتذكّر ، والله العالم.

__________________

(١) تفسير فرات الكوفي : ٥٥٢ / ٧٠٧.

(٢) بحار الأنوار ٢٥ : ٢ / ٤.

(٣) كذا في المخطوط.

١٥٧
١٥٨

[٥٦]

بيان نعمة فيها

دفع نقمة : لا يولد في الليلة

التي يولد فيها الإمام إلّا مؤمن

( البحار ) من أمالي الطوسيّ بسنده عن أبي بصير : قال : سمعت أبا عبد الله : سلام الله عليه يقول : « إنّ في الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد فيها مولود إلّا كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الإيمان ببركة الإمام » (١).

قلت : هذه هي الليلة الجزئية لا النوعية ، فلا يجري هذا في مثلها من العام القابل ، وهي كرامة من الله للإمام ، ونعمة امتنّ بها على الأنام. هذا بحسب الظاهر ، وبحسب الباطن هي كلّيّة ، فلا يولد في رتبة فاضل طين أبدانهم وشعاع نورهما من النفوس إلّا نفس مؤمنة ، فنفوس شيعتهم خلقت من فاضل طينة أبدانهم (٢). وعلى هذا فقوله : « وإن ولد في أرض الشرك » إلى آخره ، معناه : وإن كان أبواه كافرين ، فإن الله يخرج الحيّ من الميّت. فاشكر الله على هذه النعمة الكبرى ، ولله الحمد.

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٥ : ٣٦ / ١ ، الأمالي : ٤١٢ / ٩٢٥.

(٢) انظر : الكافي ١ : ٣٨٩ / ٢ ، الأمالي ( الطوسي ) : ٢٩٩ / ٥٨٨ ، بحار الأنوار ٦٥ : ٢٤ / ٤٣.

١٥٩
١٦٠