رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[٢١]

كشف فيه لطف

نسخ ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ )

قال القمّيّ في قوله عزّ اسمه ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) (١) ـ : خلقهم للأمر والنهي والتكليف ، وليس خلقه بجبران لهم ، بل الاختيار لهم في الأمر والنهي. وفي حديث آخر : هي منسوخة بقوله تعالى : ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) (٢).

فإن قيل : ظاهر أن الآية الكريمة الاولى محكمة للإجماع الضروريّ ومحكمات الكتاب والسنّة المشهورة المستفيضة بل المتواترة مضموناً ، والبرهان المتضاعف المحكم الضروريّ ، فما معنى نسخها بالآية الكريمة الثانية؟

ولعلّ الجواب أن الله سبحانه وتعالى خلق الجنّ والإنس طرّاً على فطرة الإسلام ، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فكلّ مولود يولد على الفطرة ، وإنّما [ أبواه يهوّدانه إن تهوّدا وينصّرانه إن تنصّرا (٣) ] (٤) ، فلمّا وردوا موارد آبائهم ، واعوجّت فطرهم بإدبار نفوسهم ورين أعمالهم وامتدادهم ممّا امتدّ منه آباؤهم ، اختلفوا ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) (٥) لاختلاف موادّهم.

__________________

(١) الذاريات : ٥٦.

(٢) هود : ١١٨.

(٣) انظر : الفقيه ٢ : ٢٦ ـ ٢٧ / ٩٦ ، وسائل الشيعة ١٥ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، ب ٤٨ ، ح ٣.

(٤) في المخطوط : ( يهوّدانه إن تهود وينصّرانه إن تنصّر أبواه ).

(٥) هود : ١١٨.

٦١

فالضلال سبل ، والهدى سبيل واحد ( إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ ) ، أي للرحمة ( خَلَقَهُمْ ) (١) ، أي خلقهم من رحم الرحمة لمّا استعدّ لها وأخذ بأسبابها وسلك سبيل هدى الله ، فبقي على الفطرة الأُولى. فلعلّه سمّى اعوجاج فطرهم ، وتغيّر قوابلهم الاولى ، وانتكاس قلوبهم ، وامتدادهم من الجهل المركّب ، نسخاً لخلقهم الأوّل ، وهو الفطرة الاولى ، فذلك نسخ في حقائقهم وخلقهم ، لا في التكليف ولا لعلّة خلقهم.

فليس معناه النسخ المتعارف بين أهل الأُصول من رفع حكم الآية الأُولى بالأُخرى ؛ إذ ليس بين الآيتين تنافٍ.

ووجه آخر ، هو أن ظاهر الآية الأُولى إخبار عن الخلق أنّهم يعبدونه طرّاً ، والثانية إخبار عن عدم اتّفاقهم على ذلك ، وأن فيهم من لا يعبده.

ووجه آخر ، هو أن الآية الأُولى إخبار عن أن الجنّ والإنس يعبدونه طرّاً في مقام وإن اختلفت عبادتهم إخلاصاً ونفاقاً ، والثانية إخبار عن اختلافهم وإعلان بعضهم بسريرته.

ووجه آخر ، هو أن الآية الأُولى إخبار عن اتّفاقهم على عبادته بدلالة وجوداتهم على وحدانيّته والإقرار برسله ، والثانية إخبار عن اختلاف اختياراتهم في قبول التكليف التشريعيّ.

وفي كلّ هذا يصدق النسخ ، لا بالمعنى الأُصولي وإن تلازما بوجه ، والله العالم.

__________________

(١) هود : ١١٩.

٦٢

[٢٢]

كشف بيان وإسرار وإعلان

الوجه في عدّ الولاية من أركان الإسلام

إن قيل : ورد في بعض الأخبار (١) عن الأئمّة الأطهار عد أركان الإسلام خمسة : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحجّ ، والولاية ، وفي بعضها (٢) إبدال الولاية بالجهاد ، فما وجه الجمع؟

قلت : لعلّه والله الهادي أن الولاية وإن كانت هي أصل الإسلام وأُسّه لا من أركانه الفروعيّة ، لكنّها عدّت من أركانه جرياً على ظاهر أحكام الرسالة ، فإنّ الإسلام أعمّ من الإيمان ، كما استفاض الدليل عليه (٣) بل تواتر مضموناً بحسبها وهو المشهور بين فقهائنا.

فالولاية بهذا الاعتبار من أركانه ؛ لصدقه ظاهراً بحسب الأحكام الدنيويّة المحضة أعني : ظاهر الرسالة بدونها. وحذف الجهاد ؛ لأنه مخصوص بزمان ظهور المعصوم ، والإذن له فيه ، فليس بعد الحسين سلام الله عليه إذن فيه حتّى يقوم قائمهم ، عجّل الله فرجه.

فهو في هذا الزمان ليس من أركان الإسلام ؛ لسقوط الكليف به حينئذٍ ، فالولاية

__________________

(١) انظر : وسائل الشيعة ١ : ١٣ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ١.

(٢) انظر كنز العمّال ١ : ٢٨ ـ ٢٩ / ٢٨ ـ ٢٩ ، وفي غيره كثير.

(٣) الكافي ٢ : ٢٥ ـ ٢٧ / ١ ـ ٥.

٦٣

حينئذٍ هي الخامس.

أمّا إذا أذن الله لقائمهم سلام الله عليه وارتفع المانع من مشروعيّة الجهاد ، وترادف اسم الإسلام والإيمان كانت الولاية حينئذٍ أُسّ الإسلام وأصله ، لا من أركانه الفروعيّة ، بل يكون الجهاد حينئذٍ هو الركن الخامس ، فكلّ منهما ركن خامس باعتبار ، فلا منافاة. وبهذا ظهر الوجه في عدّ الولاية من أركان الإسلام ، مع أنها أصل الإيمان الأعظم ، والله العالم.

٦٤

[٢٣]

دفع وهم وإبانة فهم

العرش سقف الجنة ومنزل أهل البيت في الجنّة

إن قيل : ورد أن الجنّة « سقفها عرش الرحمن » (١) ، وأرضها الكرسي ، ومنزل محمّد : وآله صلّى الله عليهم أجمعين في الجنة ، فيلزم أن يكون شي‌ء من الخلق أعلى من منزلهم ؛ لأنّ السقف أعلى من المسقوف.

ولعلّ الجواب ، وبمحمّد : وآله أستمد الصواب أن ذلك العرش يراد به : باطن [ باطن (٢) ] المحدّد ، وذلك الكرسيّ : باطن باطن الكوكب ؛ فإن العرش والكرسيّ يطلقان في الأخبار (٣) على معانٍ متعدّده ، فقسط كلّ فرد من ذلك العرش هو سقف جنّته ، فإنّها متعدّدة بتعدّد سكّانها بوجه ، متّحدة بوجه ، وسقفها داخل فيها بوجه خارج منها بوجه ، كالكلّيّ وجزئيّاته. والرتبة العالية من رتب الوجود بالنسبة إلى مظهرها وما دونها من معلولاتها ، وكلّ فرد عقله أعلى مقاماته ، أو سره بوجه.

وبوجه آخر هو أن يراد بالعرش الذي هو سقف الجنّة بأسرها : منزلة محمّد : وأهل بيته صلّى الله عليهم أجمعين وبالكرسي : البرزخ بين الباطن والظاهر ، وهو آخر مظاهر العرش من حيث هو عرش ، وهو أوّل منازل الجنّة ودرجاتها ، والله العالم.

__________________

(١) بحار الأنوار ٨ : ٨٤.

(٢) في المخطوط : ( باض ).

(٣) التوحيد : ٣٢١ ـ ٣٢٦ / ٥٠ ، معاني الأخبار : ٢٩ ـ ٣٠ / باب معنى العرش والكرسيّ.

٦٥
٦٦

[٢٤]

إزاحة وهم : مرتبة

أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجنّة

إن قيل : إن محمّداً : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له أزواج في الجنّة ، فيلزم أن يكون أزواجه في رتبته لتحقّق المزاوجة وذلك يستلزم مساواة [ رتبهن (١) ] لرتبته ، وأن يكون أزواجه من الحور والآدميّات أعلى رتبة من النبيّين سواه ، والعقل والنقل يحيلانه.

قلت : لعلّ الجواب من وجهين :

أحدهما : أنا لا نسلّم ذلك التلازم ؛ لإمكان المزاوجة مع اختلاف الرتبة ، ولا مانع عقلاً ولا نقلاً من ذلك كما يشهد به سير اختلاف رتب المتزاوجات من الخلائق أجمع في كلّ مقام.

الثاني : أن محمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا كانت جميع مراتب الوجود والجود من فاضل وجوده وجوده وحكايات نوره وظهوره ؛ لأنه وآله صلّى الله عليهم أجمعين جود الله ، وهو تعالى الجواد فهو مع كلّ أحد من الخلائق في كلّ رتبة من رتب الوجود ، وليس أحد منهم معه. وهكذا شأن العلّة والمعلول ، والظاهر والمظهر ، بل والجنس وأنواعه ، والنوع وأشخاصه ، فإنّهما مع كلّ فرد من أفراده مع بقائهما في أنفسهما في مرتبتهما الصرفة على وحدتهما الصرفة ، ليس شي‌ء من أشخاصهما معهما فيها ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط : ( رتبهم ).

٦٧
٦٨

[٢٥]

إنارة ظلمة وسدّ

ثلمة : التحريم بعد التحليل

إن قيل : لا ريب أن الحسن والقبح عقليّان وأنهما ذاتيّان ، فما الوجه في قوله تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) (١) فإن كانت حسنة بذاتها عقلاً فلم حرّمها؟ وإن كانت قبيحة كذلك فلم أحلّها؟ فتحليلها وتحريمها يقتضي حسنها وقبحها ذاتاً ، وهو تناقض. وهذا الإشكال بعينه جارٍ في المنسوخ ، وفي غنائم أهل الحرب ؛ لاشتمالها قبل أن يغنمها المسلمون غالباً على محرّمات كالربا والسرقة والغصب ونحو ذلك ، وبعد ذلك أباحها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : واستباحها. وفي المال المختلط بالحرام وبعد التخميس هو وخمسه حلال ، ومثل المال المجهول المالك وبعد الصدقة به هو حلال ، وما أشبه ذلك.

ولعلّ الجواب ، ومن الله ونوّابه استمداد الصواب من وجوه :

أحدها : أن التحريم بَعْد التحليل في جميع موارده وباب النسخ برمّته دائر مدار مصالح المكلّفين ، وكمال النظام الجمليّ وحكمة الله في خلقه بما يخرجهم من القوّة إلى الفعل على كمال الاختيار ، فالعقل يحكم بحسن ما به وفيه استقامة الوجود وكماله ، وما به كمال التكليف بالعدل ، وكمال اختيار المكلّفين ، وقبح أضداد ذلك. وهذا يختلف باختلاف الأزمان والأصقاع والأشخاص ، وحالات المكلّف ، و [ أن ]

__________________

(١) النساء : ١٦٠.

٦٩

ما (١) لا يختلف فيه كذلك وهو ما يتساوى فيه مصلحة الخلق طرّاً ، ويقوم به نظام الكلّ ، وهو صفة الوجود الذاتيّة لا يقع فيه النسخ ولا التغيير بوجه وهو التوحيد والعدل ولوازمهما الذاتيّة.

الثاني : كثيراً ما يدور التحليل والتحريم والصحّة والفساد على الصفات والشرائط والقيود ، بل ذلك أغلبيّ في أبواب الفقه ، فما زال المكلّف متّصفاً بذلك الوصف وقائماً بذلك الشرط ، فالمشروط حلال له وحسن بالنسبة إليه عقلاً ؛ لأنّ الصفة والشرط علّة لما عُلّق عليهما من الحكم ، فحسنة وقبحه [ يدوران (٢) ] على الشرط والصفة وعدمهما ، فجاز كون ما ذكر في السؤال كلّه من هذا الباب.

فإذن قد اتّضح أنه لم يقبّح ما هو حسن ، ولم يحسّن ما هو قبيح ، ولا يتخلّف الذاتي عن ملزومه. فالصلاة مثلاً حسنة بشرط حصول جميع شرائط الصحّة ، وقبيحة بدونها ؛ ولذا قبحت من الحائض. فالصلاة الحسنة وهي المستجمعة الشرائط لا تقبح بحال ، ومع اختلالها فهي قبيحة لا تحسن بحال. فالقبيحة غير الحسنة ، فتحريم دخول المسجد على الجنب مثلاً ليس فيه انقلاب الحسن وهو دخوله مع الحدث الأكبر ؛ لعدم تحقّقه.

الثالث : قد يكون سبب التحريم حدوث المعصية أو الكفر ، أو كفر النعمة عقوبة ، ومضمونه يرجع إلى الجواب الثاني بوجه ، وهو أن حِلّ هذا الشي‌ء وحُسْنه مشروط بالاتّصاف بالإيمان ، أو عدم المعصية مثلاً.

الرابع وهو يختصّ بالآية الكريمة ـ : أن التحريم فيها بمعنى الحرمان ، كما يستفاد من خبر العيّاشي (٣) ولعلّه عقوبة لهم بكفرهم بنعمة الله فسلبها منهم ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط : ( أنه أما ).

(٢) في المخطوط : ( يدور ).

(٣) تفسير العيّاشي ١ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ٣٠٣.

٧٠

[٢٦]

جمع لفرقة

( أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ )

إن قيل : ما معنى ( أو ) في قوله عزّ اسمه ( أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (١).

قلت : لعلّ الجواب أن ( أو ) بمعنى : الواو ، وهو عربيّ شائع (٢).

أو بمعنى : ( بل ) (٣) ، وأشار به إلى أنه أرسله إلى مائة ألف ستزيد بالتوليد ، أو تزيد بالتبعيّة ، فالمخاطبون بالأصالة بتلك الرسالة مائة ألف ، ولهم أتباع كالنساء وأشباههن.

أو أن معنى الإضراب : الإشارة إلى زيادتهم من المحتوم.

أو أن الإضراب على حقيقته ، وهو إشارة إلى أن الزيادة ليست من المحتوم ، بل لله فيه البداء.

وإخباره رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك وكذلك بعد مضيّ الأمر وتحقّقه بروز لما سبق على إرساله يونس عليه‌السلام : ، أو إخبار عن تجدّد مثل قوم يونس عليه‌السلام : في العقائد على الختم والبَدء ، والله العالم.

__________________

(١) الصافّات : ١٤٧.

(٢) انظر مغني اللبيب : ٨٨.

(٣) انظر مغني اللبيب : ٩١.

٧١
٧٢

[٢٧]

تنفيس نفيس : ( فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ )

إن قلت : ما الوجه في إدخال حرف التنفيس في قوله تعالى : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (١)؟

قلت : لعلّ الجواب من وجوه :

أحدهما : أنه عبّر بالرؤية عن لازمها ، وهو العقاب على ما وقع التهديد عليه من العمل ، وظهوره للعاملين المهدّدين متأخّر. والقرينة على إرادة العقاب من الرؤية أن مجرّدها لا يهدّد به المجرمون ، والله سبحانَه هُو المعذّب لهم بيد رسوله والمؤمنين الذين هم خلفاؤه ، وهم الأئمّة المعصومون.

الثاني : أن ظهور رؤية الله ورسوله لعمل العاملين للعاملين على اليقين متأخّر إلى أن تبلغ أرواحهم التراقي ويحتضرون.

الثالث : أن عرض عملهم ذلك على الله ورسوله والمؤمنين ورؤيتهم له واقع في جميع رتب الوجود منذ أخذ عليهم العهد بالإقرار لله بالوحدانيّة ، فأشار لذلك بحرف التنفيس.

الرابع : أنه إشارة إلى أن رؤية الله ورسوله والمؤمنين لعملهم غير منقطع ، والله العالم.

__________________

(١) التوبة : ١٠٥.

٧٣

الخامس : أن ظهور عملهم متجوهراً مصوّراً إلى جميع الخلائق متأخّر ، فعبّر عنه بحرف التنفيس ، والله العالم.

٧٤

[٢٨]

بيان إجمال وتحقيق

مقال : لم يُبعث نبيّ إلّا بعد الأربعين

إن قيل : ما الوجه فيما روي أنه : « لم يبعث نبيّ إلّا بعد الأربعين »؟ (١)

قلت : لعلّ ذلك من وجهين :

أحدهما : أن « الأربعين » هي عدد أيّام تخمير طينة آدم عليه‌السلام (٢) : ، وأيّام ميعاد ميقات موسى عليه‌السلام (٣) : ، وعدد أجزاء الإيمان بما يشمل رتبة العصمة ، وعدد إدارة الأفلاك في إيجاد الطبائع الأربع ، فإنّها أُديرت عشر مرّات بعدد القبضات العشر الكلّيّة التي خلق منها الإنسان.

فإذن لا يظهر كمال بلوغه أشُدّه الذي به يبلغ عالمه ورعيّته ومن هو تحت حيطته أشُدّه الكلّيّ إلّا بعد الأربعين.

الثاني : أن ذلك أكمل لقبول رعيّته منه ، ولاختيارهم لما تقرّر في عامّة النفوس أن الأربعين نهاية زيادة عقل الإنسان وأوان كماله ، والله العالم.

__________________

(١) بحار الأنوار ١٣ : ٥٠ ، وفيه : « لم يبعث نبيّ إلّا على رأس أربعين ».

(٢) الكافي ٢ : ٧ / ٢.

(٣) إشارة لقوله تعالى : ( وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ). الأعراف : ١٤٢.

٧٥
٧٦

[٢٩]

هداية لمشورة : « شاوروهنّ وخالفوهن »

إن قيل : ما معنى ما روي عن أمير المؤمنين سلام الله عليه في النساء « فشاوروهنّ وخالفوهنّ »؟ (١).

قلت : لعلّ الجواب من وجوه :

أحدها : أنه أراد عليه‌السلام أنه إذا عمي وجه المصلحة في أمر عند تساوي المرجّحات بين الأمرين أو النقيضين من كلّ وجه ، أو لم يظهر مرجّح في أحدهما أصلاً فاجعلوا المرجّح وأمارة الصلاح أو الأصلح هو الأخذ بخلاف ما تشور به النساء ، باعتبار الجنس فإنّهن من أعظم سبل الشيطان المضلّ الصارف عن الرشاد. فالمرأة ضلع أعوج ، و « خلقت من ضلع أعوج » (٢) ، فطبعها الاعوجاج وهي من فاضل الرجل (٣) ، فنفسها أقرب إلى الأمّارة ، وإلى موافقة الشيطان ؛ فما أتى إبليس : لآدم عليه‌السلام : إلّا بسبيل مشورة حوّاء.

فكما جعل الشارع من المرجّحات في الأخذ بأحد المتعارضين عند عدم المرجّحات مخالفة قضاة الجور [ واطّراح (٤) ] ما وافقهم (٥) ، كذلك جعل ميزان الرشد

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٠ : ٢٦٢ / ٢٥ ، وفيه : « شاوروا النساء وخالفوهن » ، وهو مرويّ عن النبي ٩.

(٢) الاختصاص ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٢ : ٣٣٩ ، بحار الأنوار ١٣ : ٤٢٩ / ٢٣.

(٣) بحار الأنوار ١١ : ١١٦ / ٤٦.

(٤) في المخطوط : ( واضطراح ).

(٥) انظر : الكافي ١ : ٦٨ / ١ ، عوالي اللآلي ٤ : ١٣٤ / ٢٣١.

٧٧

عند عدم المرجّحات في خلاف النساء.

الثاني : « شاوروهنّ » [ يطمأننّ (١) ] إليكم وتسلموا من كيدهنّ ومكرهنّ وغرورهنّ وخدعهنّ ، وخالفوهن إذا ظهر لكم الصلاح في خلافهنّ ؛ فلعلّه تظهر المصلحة في الأمر بمعرفة [ مشورتهنّ (٢) ] وإن خالفتها ، فكثيراً ما تتنبّه النفس لبرهان الحقّ من إدراك شبهة الباطل.

الثالث : شاوروهنّ لتطيب أنفسُهنّ وتتمكّنوا من الاستمتاع بهنّ ، ولا تعملوا إلّا بما قام الدليل على رجحانه ، وذلك بمثابة مشورة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : لرعيّته مع أنه لا يفعل إلّا بأمرٍ إلهي في كلّ جزئيّ حركةً وسكوناً ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط : ( يطمئنوا ).

(٢) في المخطوط : ( اشوارهن ).

٧٨

[٣٠]

قسمة عادلة : الزلزلة

نصف القرآن والإخلاص ثلثه والجحد ربعه

إن قيل : ما الوجه فيما رواه ابن أبي جمهور : في العالي من أن « الزلزلة نصف القرآن ، والإخلاص ثلثه ، والجحد ربعه »؟ (١).

قلت : لعلّ الجواب أن الزلزلة تضمّنت حكم النشأة الأُخرى ، والقرآن نزل بأصلين هما حكم الآخرة ، وحكم الاولى لا غير ، فليس فيه ما يخرج عنهما ، والزلزلة تضمّنت أحدهما فهي نصفه ، فمن عرف معناها عرف أحد قسميه.

وأنه روي عنهم عليهم‌السلام : « إنّ القرآن على ثلاثة أقسام : معرفة الله ، ومخلوقاته ، وأحكامه » ، فهو : قسم قصص وأمثال ، وقسم أحكام وتكاليف ، وقسم توحيد وعقائد ، والإخلاص تضمّنت بيان التوحيد لا غير ، فهي ثلثُه ؛ لأنّها تضمّنت بيان ثلثه.

وهذه القسمة لا تنافي الاولى.

وأنه قد روي عنهم عليهم‌السلام أن القرآن أربعة أقسام : ربع فيهم ، وربع في عدوهم ، وربع قصص وأمثال ، وربع فرائض وأحكام (٢) ، والجحد تضمّنت بيان حكم عدوّهم خاصّة فهي ربعه.

أو أن القرآن يدور على أصلين : عقائد وأعمال ، والعقائد الحقّة لا تتحقّق إلّا

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ١٨٧ / ٢٦٣ ؛ بتفاوتٍ يسيرٍ.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ٢٠ / ١ ، بالمعنى.

٧٩

بالكفر بأضدادها ونقائضها ، فلزم بيان أحكامها ، فلا يتمّ الولاء ولا يتحقّق بدون البراءة ، فالجحد نصف النصف فهي ربعه ؛ لما تضمّنته من الكفر بالطاغوت الذي لا يتحقّق الإيمان بالله إلّا به.

وهذه القسمة أيضاً لا تنافي الأُوليين ، والله العالم.

٨٠