رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

الوجه الثاني : جريان التفضيل بما سبق ، لكن باعتبار اسمه الأعظم الذي هو غير ذاته ، وهو الجامع لباقي الأسماء والصفات ، فجرى التفضيل في سائر الأسماء والصفات من ذلك الاسم المكنون المخزون ، الذي استأثر الله به في علم الغيب عنده ، فلا يعلمه إلّا هو في مقام أنه هو ، وهو في ذاته ليس هو ، وهو الوجود المطلق. فصحّ التفضيل باعتبار هذا المقام ، لا باعتبار الذات المقدّسة عن إطلاق الصفات.

فالتفضيل على نحو ما سبق من معنى أفضلية محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : على جميع من خلق الله دونه.

فعلى هذا إذا قلت : الله أحسن الخالقين مثلاً ، كأنّك قلت : اسمه الأعظم المشار إليه أحسن الخالقين ؛ لأنه لا يعرف الله إلّا بسبيل معرفته. أمّا الذات المقدّسة عمّا يصف الواصفون ، فلا توصف بحال ولا تضرب لها الأمثال ، حتّى يجري إطلاق التفضيل هناك ؛ لأنه فرع الوصف بما له مفهوم في الجملة. فسبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله ربّ العالمين.

٤٠١
٤٠٢

[١٢٥]

إظهار نور وماء طهور : الماء المصعّد من الماء

مسألة : هل الماء المستخرج بالتصعيد من الماء المطلق مطلق أم مضاف؟

وجهان : للأوّل إطلاق عبائر الفقهاء (١) في تعريف المضاف بأنه الذي لا يصلح إطلاق الماء عليه [ مجرّداً ] عن الإضافة ، ولا يتميّز عن المطلق بدونها ، كماء الورد وماء الزعفران وشبههما ، وجعلوه العلّة في تسميته مضافاً. والمتبادر من هذا أن المضاف غير الماء المطلق ، مع أن مطلق الإضافة التغاير بين المتضايفين حقيقةً ، ولا مميّز ظاهراً بين الماء وما يصعّد منه حقيقة.

وماء الماء ، وإن صحّ فهو من قبيل ماء المطر ، وماء البحر وماء البئر وشبهه ، ولا يضاف هذا المصعد من الماء إلى غير الماء المطلق. ونمنع انحصار المطلق في النابع من الأرض والنازل من السحاب حسّا. فالصقيع ، وما نبع من بين أصابع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : وما نبع بكربلاء من خاتم الحسين : عليه‌السلام (٣) ، ومن النهر الذي شقّه من ظهره (٤) ، إذا قلنا : إنهما محسوسان ، ماء بلا شكّ. ولا نسلّم أن كلّ ما أصله بخار صاعد أو نازل ماء مضاف ، فالصقيع ماء مطلق بلا شكّ ، وهو كذلك ، بل والمطر أصله كذلك.

وللثاني إطلاق عبائرهم في تعريف المضاف أنه الماء المعتصر من الأجسام أو المخالط لها مخالطة تسلبه إطلاق الإطلاق عليه عرفاً ، مع تصريحهم في المعتصر

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٨٥ ، المدارك ١ : ١١٠ ، الحدائق الناضرة ١ : ٣٩١.

(٢) بحار الأنوار ١٨ : ٣٨ ـ ٣٩.

(٣) مدينة معاجز الأئمّة ٣ : ٤٩٦ / ٤٩٧ / ١٠١٠.

(٤) مدينة معاجز الأئمّة ٣ : ٤٩٥ ـ ٤٩٦ / ١٠٠٩ وفيه أنه عليه‌السلام شقّه خلف ظهره.

٤٠٣

بعدم الفرق بين المستخرج بالشدخ والمرس وشبههما ، وبين المستخرج بالتصعيد بالقرع والإنبيق ، فإنّه أيضاً معتصر من جسم فيدخل فيه المصعد من الماء المطلق ، فهو إذن مضاف ؛ لأنه مصعّد من جسم.

ويؤيّده أنه مساوٍ للمياه المصعّدة في صحّة إطلاق اسم العرق عليه. ونمنع صحّة إطلاق اسم الماء عليه بالإطلاق ، بل يقال : عرق الماء أو ماء الماء كماء الورد ، فيصحّ سلب الماء على الإطلاق عنه ، فيقال : ليس هذا بماء ، بل عرق ماء أو ماء ماء.

ولعلّ الأوّل أرجح ؛ لما ذكر ، أمّا إطلاق العبائر بأنه المعتصر من الأجسام ، فالظاهر منها والمتبادر إرادة الأجسام التي ليست بماء مطلق. ولو أُريد منها ما يشمل الماء المطلق لنبّهوا عليه ؛ لأنه فرد خفيّ جدّاً لا ينصرف الإطلاق ولا تتبادر الأذهان إليه ، وللزم سلب اسم الإطلاق عن ماء بحر وماء فرات مُزجا مزجاً يغيّر أحدهما إلى طعم الآخر أو لونه أو ريحه ، حيث قالوا في تعريف المضاف : إنه المصعّد من جسم أو المخالط له كذلك. وأيضاً فالظاهر أن المصعّد من المطلق لو أُضيف إلى المطلق غير المصعّد لم يسلبه اسم الإطلاق عرفاً وإن زاد قدره عليه.

وأمّا مساواته لغيره من المصعّدات في صحّة إطلاق العرق عليه فلا نسلّم أنّها تخرجه عن صحّة إطلاق المطلق عليه لغة وعرفاً. ولا نسلّم أن كلّ ماء أصله بخار يصحّ سلب إطلاق المطلق عليه عرفاً أو لغة ، بل ولا شرعاً ؛ لعدم الدليل عليه ، فهذا الصقيع أصله بخار [ استحال (١) ] ماءً ، بل والمطر أيضاً كذلك. بل لو قال قائل : إن كلّ ماء ينتفع به البشر في الأرض أصله بخار قد [ استحال (٢) ] ماءً ، لصدق.

فظهر ضعف صحّة سلب الماء عنه على الإطلاق وكذا تسميته عرفاً ماءً ، فإنّها ممنوعة على الإطلاق. هذا ، وللتوقّف مجال ، والأخذ بالاحتياط ويقين البراءة في العبادات مطلوب ، بل واجب مهما أمكن ، والله العالم.

__________________

(١) في المخطوط : ( احتال ).

(٢) في المخطوط : ( احتال ).

٤٠٤

[١٢٦]

نور فقهيّ وبيان جليّ

هل تعود ولاية الأب على الراشد بعد ذهاب عقله

مسألة : لو جنّ البالغ الرشيد ، أو سفه بعد رشده وبلوغه ، فهل تعود ولاية الأب والجدّ له عليه أم لا؟ قولان : أظهرهما وأشهرهما أنّها تعود. وهو مختار العلّامة : في ( التذكرة ) (١) و ( التحرير ) (٢) في الجنون ، واستقربه الفاضل في ( كشف اللثام ) ، قال رحمه‌الله : ( أمّا إنْ تجدّد الجنون بعد البلوغ ، ففي عود ولايتهما يعني : الأب والجد له نظر.

وفي ( التذكرة ) و ( التحرير ) أنّها تعود ، وهو الأقرب ، بل لا عود حقيقة ؛ لأن ولايتهما ذاتيّة منوطة بإشفاقهما وتضرّرهما بما يتضرّر به الولد ) (٣) ، انتهى.

وهو من الحسن بمكان ؛ إذ لا شكّ أن العلّة في ثبوت ولاية الأب والجدّ له على الولد القاصر عن درجة البلوغ والرشد ، هو الأُبوّة الذاتيّة المتحقّقة بالتوالد الصوريّ مع قصور المولى عليه عن كمال رشده ومعرفة صلاحه. فإذا كانت ذاتيّة ، فهي لا تزول ، بل هي بمثابة العلّة للبنوّة ، فلازمها تكميل المعلول وتدبيره وتعليمه ، وهي متحقّقة حال الجنون الطارئ بعد البلوغ والرشد. وإنّما منع من ظهورها فعليّة عقل المولى عليه ورشده المتحقّقة ببلوغه ، فيتحقّق معلولها وقعود صفة طفوليّة الابن

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٧ ( حجري ).

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ٨ ( حجري ).

(٣) كشف اللثام ٢ : ١٥ ( حجري ).

٤٠٥

فيعود تدبير الأب وتربيته كما كان أوّلاً.

ومن أجل ذلك لم يكن للحاكم ولاية على الصغير ولا على من اتّصل قصوره ببلوغه ، واستمرّ مع وجود الأب والجدّ له ، وإن كانا فاسقين ، ما لم يكونا سفيهين ، فإنّ الحاكم حينئذٍ وليّ عليهما فيما تحت سلطنتهما ، فلا يثبت لهما حينئذٍ ولاية على شي‌ء في أنفسهما ولا في غيرهما.

وأيضاً أنت إذا تأمّلت جميع موارد ما تسقط به ولايتهما ، وجدتها تعود بعد زوال المانع بلا خلاف يظهر فيما سوى المسألة المبحوث عنها ، كما لو منع من ولايتهما جنون أو إغماء طويل أو سفه أو كفر أو رِقّ لهما أو للولد أو إحرام منهما أو من الولد في التزويج. وما ذاك كلّه إلّا لأنّ ولايتهما ذاتيّة هي من لزوم الأُبوّة الذاتيّة.

والفرق بين هذه الموارد كلّها وبين المبحوث عنها غير معقول ، ولا دليل عليه. فما قيل من أن ولايتهما في المبحوث عنها عُدمت بالبلوغ والرشد ، وفيما سواها لم تُعدم ، وإنّما حال بينها وبين الظهور حجاب غير معقول ، لا دليل عليه ، بل حجاب البلوغ والرشد من المولى عليه أرقّ وأصفى من حجاب ذهاب عقل الوليّ ؛ لبقاء متعلّق تدبيره وتكليفه كما يشهد له قول جماعة ببقاء ولايته في النكاح مستقلا (١) أو مشتركاً بينها وبينه (٢). ويؤنس به الإجماع على رجحان عدم خروجها عن رأيه وما يختاره ، كما تشهد به الأخبار المتكثرة (٣).

وبالجملة ، فلا دليل على الفرق بين تلك الموارد ، بل ينبوعها واحد ، فالفرق تحكم.

فإن قلت : دليل الفرق أنه لا خلاف يظهر في عودها بعد زوال المسقط المانع في ما عدا محلّ النزاع.

قلت : إذا تمّ الإجماع في غير محلّ النزاع ، فهو مؤيّد للقول بعودها في محلّ

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٥٠ / ٢٥١ / ذيل الحديث : ١١٩٣ ، النهاية ( الطوسيّ ) : ٤٦٤ ـ ٤٦٥.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٩٢.

(٣) انظر وسائل الشيعة ٢٠ : ٢٨٤ ـ ٢٨٦ ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩.

٤٠٦

النزاع ، بل دليل كما قد لاح لك من وجوه دلالته ؛ فإنّه يدلّ على أن ولايتهما عليه لازم لُابوّتهما وبنوّته ما لم يمنع من ظهور فعليّتها مانع. وأُبوّتهما وبنوّته لازمتان لذاتيّهما مدّة الحياة.

فمتى تحقّقتا تحقّقت الولاية الذاتيّة التي مناطها الشفقة الذاتيّة بجهة المصدريّة والبعضيّة ، ما لم يمنع من ظهور فعليّتها مانع. فحال المانع هي بالقوّة القريبة من الفعل في طباع الأُبوّة والبنوّة ، وغريزة لهما بالذات أبداً ، بل إذا تأمّلت وجدت السرّ في تضايف الأُبوّة والبنوّة ، ولاية الأُبوّة على البنوّة وقاهريّتها لها وتابعيّة [ البنوّة للُابوّة (١) ] بحسب طباع ذلك التضايف. فالأب من حيث هو أب أولى إذن بالابن من حيث هو ابن من نفسه.

فمن تأمّل هذا يلوح له وجه لكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والوليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؛ لأنّهما [ أبواهم (٢) ] حقيقةً ؛ لأنّهما أبداً مربّيان ومدبّران للعقول والنفوس ، بل وللأبدان. لكن ذلك بالفعل من كلّ وجه ، إنّما هو في اتّباعهما ؛ إذ الكافر قطع كفرُه علاقةَ بنوّته ومحا نورها من نفسه وإن كان تحت قاهريّتهما أبداً كالمؤمن.

لكن انقهار المؤمن على سبيل الاختيار والإيمان والرضا ، والكافر بطريق القسر ؛ لأنه إنّما [ اختار ] الخروج عن طاعتهما والإنكار لأبوّتهما ولنعمة تربيتهما ، ورضي بذلك ؛ ولذلك قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم » (٣) ؛ لأنّ أولويّته بهم بالفعل من كلّ وجه وقد اختارها المؤمنون وسلّموها طوعاً ، بخلاف الكافر فإنّه اختار أن يخرج نفسه عن تلك الأولويّة والتبعيّة بكفره وإدباره عن الحقّ ، فلا تظهر فيه تلك الأولويّة بالفعل في الخارج وظرف الزمان.

وفي ذلك أيضاً من تعظيم المؤمنين وإبعاد الكافرين من تلك الرحمة ما لا يخفى ؛ لأنه خصّ المؤمنين بها فقال : « أولى بالمؤمنين » ولم يقل : أولى بالناس وإن كانوا في

__________________

(١) في المخطوط : ( الأُبوة للبنوة ).

(٢) في المخطوط : ( أبواهما ).

(٣) تفسير العياشي ١ : ١٥ / ٣ ، بحار الأنوار ٤٣ : ١٤١ / ٩٢.

٤٠٧

الواقع كذلك ، لكنه بطريق قوله تعالى : ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) (١).

والحاصل أن القول بأنّ ولاية الأب والجدّ له لا تعود بعد زوال الجنون الطارئ بعد البلوغ والرشد يفوح منه ترجيح المرجوح ، وأن البلوغ والرشد رافع لما في الذات في طباع الأُبوّة والبنوّة ، بل ولتحقّقها في الخارج ومزيل للتضايف الذاتيّ بينهما ، وموجب لمباينة كلّ منهما للآخر ومزايلتهما ، والكلّ محال.

وممّن اختار عدم العود الشهيد : واحتجّ عليه في مسالكه (٢) بعدم الدليل على عودها ، مع أنه رحمه‌الله استدلّ للقول بعودها بإطلاق النصّ بولايتهما.

ونحن نقول : تلك الإطلاقات كافية في الدلالة على تحقّق ولايتهما حال الجنون الطارئ بعد البلوغ والرشد ، لعدم انحصار الدلالة في الخاصّ بإجماع أهل البيت وأتباعهم بل العلماء. ولا معارض لتلك الإطلاقات والعمومات المؤيّدة بالاعتبار ، فلا معدل عنها ، كعموم قول أبي عبد الله عليه‌السلام : في خبر إبراهيم بن ميمون : « الجارية بين أبويها ليس لها مع أبويها أمر » (٣).

ولعلّه أراد : الأب والجدّ له ؛ إذ لا أمر للُامّ إجماعاً ، وعموم قول أحدهما عليهما‌السلام في خبر محمّد بن مسلم : « لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر » (٤).

وأمثالهما ممّا يطول نقله ؛ لشمولها محلّ النزاع قطعاً. ولا فرق في ذلك كلّه بين الجنون والسفه لو عرض بعد البلوغ والرشد ثمّ زال ؛ لجريان الأدلّة فيه أيضاً ، ولأنه ضرب من الجنون ، حتّى على القول بتوقّف الحجر على السفيه ، ورفعه عنه على حكم الحاكم ؛ إذ لا ملازمة بوجه بين كون وصفيّة الحجر للحاكم وولايته لأبيه

__________________

(١) الرعد : ١٥.

(٢) مسالك الأفهام ٧ : ١٤٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٧ : ٣٨٠ / ١٥٣٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٥ / ٨٤٨ ، وسائل الشيعة ٢٠ ، ٢٨٤ ، أبواب عقد النكاح ، وأولياء العقد ، ب ٩ ، ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٣ / ٢ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ٢٧٣ ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٤ ، ح ٢.

٤٠٨

وجدّه له ؛ إذ لا يستلزم كون وصفيّته له كونه وليّاً عليه بوجه ، ولا تدلّ عليه بشي‌ء من ضروب الدلالات ، لا منطوقاً بأقسامه ولا مفهوماً بأقسامه ولا فحوًى بأقسامه ، فكثير من تصرّفات الأب في حال الطفل والمجنون والسفيه حال تحقّق ولايته عليهم موقوف على حكم الحاكم كما يظهر بالتأمّل.

وممّا يستأنس به لعودها ما جاء في الخبر من قولهم عليهم‌السلام : « أنت ومالك لأبيك » (١) ، وشبهه.

فرع : مسألة ولاية جد الأب لأُمة

لا ولاية للأُمّ ولا لإبائها على الولد مطلقاً بحال ما سوى الحضانة والإرضاع بوجه. وهل لأبي أُمّ الأب ولاية على ولد ولد ابنته أم لا؟

وجهان من صدق أنه جدّ لأب ، ومن أنه لا ولاية له على ولد ابنته وهو أب الطفل فأولى بذلك ألّا يكون له ولاية على ولده وهو ولد ولد ابنته ؛ لأنّ ارتفاع [ ولايته ] عن أبيه تدلّ على ارتفاع ولايته عنه بطريق أولى.

ويؤيّد الأوّل إطلاقات الفتوى بولاية الجدّ للأب وإن علا ؛ لشمولها له ، وصدق كونه جدّ الأب في الجملة. والمسألة قويّة الإشكال والله الهادي.

ولعلّ الثاني أرجح ؛ لما ذكر ، ولأنّ المتبادر من إطلاق الجدّ للأب لعلّه هو أبو الأب وأبوه وأبوه فصاعداً.

ويؤيّده جعل جماعة ميراث أجداد الأب لُامّه كقرابة الامّ مطلقاً فلهم الثلث ، كما هو الأشهر ، وجماعة : إنّهم يقسمونه بالسويّة ، وأيضاً قال في ( كشف اللثام ) : ( في ( التذكرة ) (٢) : الوجه أن جدّ أُمّ [ الأب (٣) ] لا ولاية له مع جدّ أبي الأب ، ومع انفراده نظر ) (٤) ، انتهى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٥ / ٣ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، أبواب عقد النكاح ، ب ١١ ، ح ٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٧ ( حجري ).

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( أب ).

(٤) كشف اللثام ٢ : ١٥ ( حجري ).

٤٠٩

ومع تسليم عدم ولايته مع الاجتماع يحتاج ثبوتها مع الانفراد إلى دليل ، ولا دليل.

وأيضاً الأصل عدم ولايته ، فثبوتها يحتاج إلى دليل.

وأيضاً إذا سلّم أنّه ليس له مع جدّ الأب ولاية (١) فمات جدّ الأب ، استصحبنا عدم ولايته. ولا فرق بين هذا الفرض وغيره من حالات وجوده ، فحال انفراده ابتداءً يكون كذلك.

وأيضاً إذا كان ابن بنته وهو أبو الطفل ليس له عليه ولاية ؛ لأنّه جدّه لأُمّه ، فليس له ولاية على ما تحت يده من أطفاله. فإذا مات استصحبنا تلك الحالة ، فتحتاج إلى تجدّد ولاية جدّه لأُمّه على أطفاله إلى دليل ، ولا دليل.

__________________

(١) في المخطوط : ( ولايته ).

٤١٠

[١٢٧]

نور فقهيّ وبيان جليّ

هل للحاكم ولاية تزويج الصغيرين أم لا؟

مسألة : المشهور بين المتأخّرين أن الحاكم لا ولاية له في تزويج الصغيرين. قالوا : للأصل وعدم حاجتهما للنكاح. وفسّروا الحاكم بالإمام العادل ، أو نائبه الخاصّ ، أو العامّ ومنه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى. واتّفقت العصابة على إثبات الولاية له عليهما في المال ، وعلى ثبوت ولايته في المال والنكاح على من بلغ فاسدَ العقل ، أو سفيهاً ، أو تجدّد له ذلك بعد البلوغ والرشد ، وليس له أب ولا جدّ لأب ، واختلفوا في عود ولاية الأب والجدّ له بعد زوالها ، والحقّ عودها كما حقّق في غير هذا المحلّ (١). واستدلّوا على ثبوت ولاية الحاكم في النكاح على من بلغ قاصراً أو تجدّد له ذلك كذلك بأُمور ، منها : أنه وليّه في المال ، فيكون وليّه في النكاح ؛ لأنه من جملة مصالحه.

ومنها : صحيحة ابن سنان : عن الصادق عليه‌السلام : أنه قال : « الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها » (٢) ، ولا فارق بين الذكر والأنُثى.

ومنها : ما عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه قال : « السلطان وليّ من لا وليّ له »(٣).

__________________

(١) انظر العنوان السابق : ( هل تعود ولاية الأب على الراشد بعد ذهاب عقله ).

(٢) تهذيب الأحكام ٧ : ٣٩٢ / ١٥٧٠ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ٢٨٢ ، أبواب مقدّمات النكاح ، ب ٨ ، ح ٢.

(٣) سنن أبي داود : ٢ : ٢٢٩ / ٢٠٨٣.

٤١١

ومنها : أنه إن كان الحاكم هو الإمام عليه‌السلام فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وإن كان الفقيه فهو نائبه ، و [ القائم (١) ] مقامه ، بنصبه له ، والأمر بالرجوع إليه ، فيده يده.

وأقول : هذه الأدلّة كلّها جارية في الصغيرين مثبتة لولاية الحاكم عليهما حتّى في النكاح ، فكما أنه وليٌّ البالغ في المال فهو وليّ الطفل فيه إجماعاً ، فيكون وليّه في النكاح أيضاً كالبالغ. ولا ريب في إمكان وجود مصلحة للطفل في النكاح ، بل ربّما كان البالغ لا ترجى له حاجة في النكاح كالعنّين والخصيّ ومجبوب الذكر ، كلّه بخلاف الطفل ، فإنّه يُرجى له تجدد حاجة في النكاح ، وكما أن الحاكم وليّ أمر البالغ فهو وليّ أمر الطفل ، بل ولايته على أمر الطفل أولى وأوكد ؛ فدخل الطفل في دلالة صحيحة ابن سنان :

ولها مؤيّدات من النصّ (٢) وأُصول المذهب ، وصحيح المعقول لا تخفى على الفطن المتتبّع ، والطفل كالبالغ ليس له وليّ ، فالسلطان وليه. والإطلاق يشمل أمر النكاح ، فاستثناؤه من إطلاق ولاية السلطان يحتاج إلى دليل. والإمام عليه‌السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ولو كانوا بالغين رشيدين علماء حكماء ، فما ظنّك بالقاصرين خصوصاً الأطفال.

وقد فرضوا أنه لا ولاية له على الأطفال في النكاح. وهذا غريب عجيب ، لظهور مخالفته لأُصول الدين من المعقول الصحيح ، والمنقول الصريح. وإذا ثبت أن له الولاية في تزويج الصغيرين ثبت ولاية نائبه الخاصّ ، أو العامّ ومنه الفقيه الجامع في ذلك ؛ لعدم الفارق بينه وبينه في ذلك.

فالحقّ ثبوت ولاية الحاكم في تزويج الصغيرين ؛ لاقتضاء الأدلّة لعدم الفرق بين الصغير والكبير ، ولقيام الأدلّة الشاملة لهما. والفرق لا دليل عليه سوى الأصل المدّعى ، والأدلّة المتنوّعة ناقلة عنه ومسقطة لاعتباره.

__________________

(١) في المخطوط : ( قائم ).

(٢) انظر وسائل الشيعة ٢٦ : ٢٤٦ ـ ٢٥١ ، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ، ب ٣.

٤١٢

على أنّا نقول : الأصل ثبوت ولايته في نكاح الصغيرين كغيره من أحوالهما ؛ لأنّ المفروض أنه الإمام ، فالأصل ثبوت ولايته في كلّ شي‌ء.

وممّا يدلّ عليه ما اشتهر من حديث : « أنا وأنت يا عليّ أبوا هذه الأُمّة » (١).

ولا ريب أنّهما الأبوان الحقيقيان ، فإذا ثبت بالإجماع ولاية الأب الصوريّ في تزويج الصغيرين ، ثبت ولاية الأب الحقيقيّ فيه بطريق أولى. ونائبه في ذلك تابع له.

أمّا أنه لا حاجة للصغيرين في النكاح ، فكلام لا يخفى سقوطه في المقام ؛ لأنّ المدار على المصلحة ، وهي قد تتحقّق فيه للصغيرين ، والوجدان شاهد ، والله العالم.

ويمكن الاستدلال على عدم ولاية الحاكم على الطفل في النكاح بما دلّ على أن الصبيّين إذا زوّجهما غير أبيهما أو جدّهما له فهما بالخيار إذا كملا ، وإن مات أحدهما قبل ذلك بطل النكاح ، فلا مهر ولا ميراث ولا عدّة ، وهي أخبار عديدة في ( التهذيب ) (٢) و ( الكافي ) (٣) و ( الفقيه ) (٤). وعليها إجماع العصابة ؛ فلا معارض لها ، بل تضمّنت أن الحكم كذلك وإن زوّجهما وليّان غير الأب والجدّ له وهو شامل للحاكم. ولكن هذا غير جارٍ في ولاية الإمام عليه‌السلام ، فإنّه أولى بجميع الناس من أنفسهم ، والله الهادي. ولم أقف على من [ استند (٥) ] على هذا بهذه الأخبار فدخل عليهم الاعتراض ، والله العالم.

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٦ : ١١ ، وفيه : « يا عليّ ، أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ».

(٢) تهذيب الأحكام ٧ : ٣٨٨ / ١٥٥٥.

(٣) الكافي ٧ : ١٣١ ـ ١٣٢ / ١.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٢٧ / ٤.

(٥) في المخطوط : ( أسند ).

٤١٣
٤١٤

[١٢٨]

جمعُ بيان : مسألة

استقرار النطفة في الرحم : كم يوماً

مسألة : الذي يقتضيه البرهان العقليّ وأُصول الحكمة أن النطفة تكون في الرحم نطفةً أربعين يوماً ، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ، ثمّ عظماً ذا روح فتلجه الروح بعد كمال أربعة أشهر ، كما هو المشهور بين الفقهاء.

والدليل عليه من الاعتبار أن جسد الإنسان الحقيقيّ المستعدّ لقبول إفاضة روح عليه مركّب مجموع من صفو عشر :

طين واحدة من صفو مادّة جسم الأطلس ، وهي المعبّر عنها بما دون أعلى علّيّين في أخبار خلق المؤمن (١).

وواحدة من صفو مادّة المكوكب ، وهكذا إلى سماء الدنيا.

والعاشرة من صفو العناصر الأربعة.

ولا بدّ لكلّ واحدة منها أو لمجموعها باعتبار كلّ واحدة من أربعة أدوار حتّى يتحقّق بروزه في خارج الزمان. فهذه أربعون [ و ] هي التي عبّر عنها بتخمير طينة آدم : عليه‌السلام أربعين صباحاً ، والأدوار الأربعة المتضمّنة لحلّين وعقدين وتزويجات ثلاثة ؛ لأنّ الله سبحانه بكمال حكمته وسعة رحمته بنى الوجود وفطره على كمال الاختيار إيجاداً وتكليفاً رحمةً منه بالخلق ؛ ليطيقوا بلوغ كمال معرفته كلّاً بحسب

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ / ١ ـ ٤ ، ٢ : ٤ / ٤.

٤١٥

وسعه وطاقته الاختيارية ، فلا تطيق النواة أن تحمل رطباً حال كونها نواة اختياراً ، بل بعد أن تكون نخلة.

فلمّا أراد إبراز المكوّنات لينتجها كون الإنسان ، اخترع الحرارة التي حقيقتها صفة حركة الوجود الكونيّة ، أو هي هي ، أو قل : إقبال العقل وإدباره. فلمّا أدار الحرارة التي هي طبيعة الطاعة على نفسها ظهرت البرودة بجهة التضادّ ؛ إذ بوجود الضدّ يكمل ظهور الضدّ ، ومن لا ضدّ له لا تحيط به العقول بوجه. وبوجود العقل وجد الجهل بالعرض. ثمّ أدار الحرارة على البرودة وزوّجها بها ؛ فالحرارة ذكر والبرودة الأُنثى ، واستلزم إدارة البرودة على الحرارة بسرّ المزج. ولأن كلّاً من الزوجين لباس للآخر.

فظهر من النسبتين الرطوبة واليبوسة ، وبذلك يتحقّق دور ثانٍ ، وبه يظهر كون الطبائع الأربع ، وبإدارة بعضها على بعض. ومزج بعضها ببعض [ هو (١) ] إدارة كلّ واحدة منها على الباقين ، فيكمل للحرارة التي هي مادّة الحياة أربعة أدوار ، ومن تزويج الطبائع ومزج بعضها ببعض أربعة أطوار هي الرتب الأربع : المعدن والنبات والحيوان [ والإنسان ].

ومن ثمّ ظهر (٢) بهذا الإجمال أنه لا بدّ من أربعة أدوار في كمال تكوّن بدن الإنسان المستعدّ لقبول إفاضة روح الحياة والناطقة الجامعة للأرواح الأربعة ، وهي النفوس الأربع.

فمقابلةُ كلّ دور نفسٌ. ويختصّ المعصوم بخامسة هي أعلى من أعلى علّيّين ، فإذا تمّ لكلّ طينة أربعة أدوار كمل لتخمير طينته أربعين صباحاً هي كمال تخمير طينة آدم عليه‌السلام :

وكذا النطفة لا تنتقل عن الصورة النطفيّة ، و [ تتحقّق (٣) ] بكمال الحقيقة العلقيّة ،

__________________

(١) في المخطوط : ( هي ).

(٢) في المخطوط : ( فظهر ).

(٣) في المخطوط : ( وتحققه ).

٤١٦

وصورتها إلّا بعد أربعين يوماً ، وكذا العلقة هي علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ، وبعدها تكون عظاماً فيها روح هي مادّة النفس الإنسانية. فلا تزال تشتدّ إلى أوان كمال [ علقته (١) ].

فظهر وجه ما روي أن شارب الخمر لا يرفع له دعاء أربعين صباحاً (٢) ؛ لأنه لا تفنى الحقيقة الخمريّة ولوازمها من بدنه إلّا بعد تلك المدّة ، فما ظنّك بحال من شرْبُها ديدنه.

[ وكذا وجه (٣) ] ما ورد أن من أخلص لله أربعين صباحاً تفجّرت منه ينابيع الحكمة (٤) ؛ لأنه لا يخلص بالإخلاص من شوائب غيره وتتحقّق إخلاص عبوديته إلّا بعد الإخلاص أربعين صباحاً يتخمّر فيها الإخلاص في فطرته.

ويدلّ على أن لكلّ من النطفة والعلقة والمضغة أربعين صباحاً أخبار ، منها : ما في ( الكافي ) عن الباقر عليه‌السلام : « النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة ، فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوماً ، ثمّ تصير إلى علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة ، ثمّ تصير إلى عظم [ شقّ (٥) ] له السمع والبصر ورتّبت جوارحه » (٦).

وفيه أيضاً عنه عليه‌السلام : « إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً .. ثمّ مضغة أربعين يوماً ، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلّاقين فيقولان : ربّ ما نخلق ؛ ذكراً ، أم أُنثى؟ فيؤمران ، فيقولان : شقيّاً أم سعيداً؟ فيؤمران ، فيقولان : ما أجلُه وما رزقُه وكلّ شي‌ء من حاله؟ .. ويكتبان الميثاق بين عينيه » (٧).

وغير ذلك من الأخبار.

ويؤيّده إن لم يدلّ عليه مثل : مرسل أحمد بن محمّد : « إذا تمّ للسقط أربعة أشهر

__________________

(١) في المخطوط : ( علقة ).

(٢) بحار الأنوار ٧٦ : ١٥٠.

(٣) في المخطوط : ( كدوحه ).

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٦٩ / ٣٢١.

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( ويشقّ ).

(٦) الكافي : ٣٤٥ / ١٠.

(٧) الكافي ٦ : ١٣ / ٣.

٤١٧

غسّل ، وإذا تمّ له ستّة أشهر فهو تامّ » (١).

وعلى هذا مشهور العصابة فتوًى وعملاً. ولا يغسّل إلّا من ولجته الروح ثمّ خرجت ، كما تشير إليه أخبار تعليل غسل الميّت (٢).

أما قوله : « وإذا تمّ له ستّة أشهر فهو تامّ » ، فلعلّ معناه : أنه إذا غسّل الميت [ فيعني أنه (٣) ] تمت خلقته ، بتمام تحقّق جميع قواه التي لا يمكن أن يعيش بدون تحقّقها بالفعل ؛ من الطبائع الأربع ، وآلاتها ، وجميع القوى من الماسكة والهاضمة والغاذية والدافعة والمعدنيّة والمولدة ، وقوى الحيوانيّة أجمع ، والشهوة ، والغضب ، ونفس المدرج والقوى المدركة العشر ، وغير ذلك ؛ فإنّه قبل بلوغ ستّة أشهر لو سقط لا يمكن بقاؤه ؛ وما ذاك إلّا لعدم وجود جميع القوى التي لا يمكن أن يعيش الّا بها.

وإذا تمّت له ستّة أشهر أمكن أن يتمّ وجود تلك القوى ، فيعيش حينئذٍ.

وقد وجد من ولد لستّة أشهر فعاش. والظاهر أن الأجنّة تختلف في مدّة تحقّق وجود تلك القوى ؛ فلذلك ربّما عاش ابنُ ستّة ومات ابنُ سبعة فأكثر. فأطلق التمام على ابن ستّة لذلك ، وإن كان ذلك التمام ربّما كان بالفعل وربّما كان بالقوّة القريبة من الفعل.

وفي رواية أُخرى عن الصادق عليه‌السلام : « إذا [ سقط لستة (٤) ] أشهر فهو تام ، وذلك أنّ الحسين عليه‌السلام ولد [ وهو ابن ستة (٥) ] أشهر » (٦).

وأمّا حديث أبي شبل : المروي في ( من لا يحضره الفقيه ) عن الصادق عليه‌السلام : أنه سئل عن ذكر الحامل [ توكز ] فيسقط جنينها فلا تدري حيّاً كان أم لا ، فقال : « هيهات

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٣٢٨ / ٩٦٠ ، وسائل الشيعة ٢ : ٥٠٢ ، أبواب غسل الميّت ، ب ١٢ ، ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢ : ٥٠١ ـ ٥٠٣ ، أبواب غسل الميّت ، ب ١٢.

(٣) في المخطوط : ( أشهر ) ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : ( أسقط الستة ).

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( به لستة ).

(٦) تهذيب الأحكام ١ : ٣٢٨ / ٩٥٩ ، وسائل الشيعة ٢ : ٥٠٢ ، أبواب غسل الميّت ، ب ١٢ ، ح ٣.

٤١٨

يا أبا شبل : إذا تمّت خمسة أشهر فقد صار فيه الحياة ، وقد استوجب الدية » (١) ـ [ فغير (٢) معارض لما سبق ؛ لأنّ الأوّل هو مشهور الفتوى ، ولأنه أكثر رواية ، ولأنه أوفق بالمعقول وبالطبيعي. وإن هذا ليس فيه حصر.

ويمكن أن يراد بالحياة التي تصير فيه بتمام خمسة أشهر : هي النفس الناطقة الإنسانيّة ، وقبلها هو بمنزلة الحيوان وإن كان مستعدّاً لقبول الناطقة ، فباستعداده التامّ لها يثبت على مسقطة بغير حقّ دية الإنسان ، فبعد تحقّقها بكمال الخامس بطريق أولى.

أو لعلّ المراد بها : تركيب عقله فيه ، فمن البشر من خلط عقله بنطفته ، وهم الأقلّون عدداً الذين إذا القي لهم أوّل الكلام فهموا آخره.

ومنهم من ركب عقله فيه بعد تمام خلقته في بطن امّه ، وهم الأكثر الذين إذا القي لهم الكلام بتمامه فهموه.

ومنهم لا يركّب عقله فيه إلّا بعد الولادة.

فالكلّ درجات أيضاً ، فلعلّ الخبر جرى على حال الأكثر ، ونهاية تأخير تركيب عقله فيه كمال خمسة أشهر ، لأنه بعد كمال الخمسة يمكن أن يولد فيعيش مع أنه ممن ركّب [ عقله (٣) ] فيه وهو في بطن امّه ، فلا مخالفة في حديث أبي شبل.

وأمّا ما رواه في ( قرب الإسناد ) عن البزنطيّ : أنه سأل الرضا عليه‌السلام : أن يدعو اللهَ لامرأته ، فقال عليه‌السلام : « الدعاء ما لم تمضِ أربعة أشهر » ، ثمّ قال عليه‌السلام : « إنّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً ، وتكون علقة ثلاثين يوماً ، وتكون مضغة ثلاثين يوماً ، وتكون وغير مخلّقة ثلاثين يوماً ، فإذا تمّت الأربعة الأشهر بعث الله إليها ملكين خلّاقين يصوّرانه ويكتبان رزقه وأجله وشقيّاً أو سعيداً » (٤) ، فلعلّ معناه أنها تكون نطفة خالصة ثلاثين يوماً ، ثمّ عشرة برزخاً [ علقة

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٠٩ / ٣٦٦ ، باختلاف.

(٢) في المخطوط : ( غير ).

(٣) في المخطوط : ( علق له ).

(٤) قرب الإسناد : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ / ١٢٦٢.

٤١٩

مخلّقة (١) ] ، وهو أقصى مقام البدء في كونها علقة ، ثمّ ثلاثين يوماً علقة خالصة ، ثمّ عشرة برزخاً ، ثمّ مضغة خالصة ثلاثين يوماً ، ثمّ برزخاً بينها وبين العظام التي تلجها الروح عشرة ، فتمّ للبرازخ الثلاثة ثلاثون يوماً ، هي فيها مخلّقة رتبة أعلى ، أو غير مخلّقة ، وتمّ وكمل استعداده لنفخ الروح أربعة أشهر بتمامها ، يظهر [ فيها (٢) ] أوّل شعاع الروح والحياة ، فلا منافاة فيه.

__________________

(١) في المخطوط : ( مخلقة علقة ).

(٢) في المخطوط : ( فيه ).

٤٢٠