رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[٧٥]

جمع ودفع : خمسة

أشياء تفرّد بعلمها الباري تعالى

ما الجمع بين ما دلّ من الأخبار (١) على أن خمسة أشياء تفرّد بعلمها الباري تعالى لم يُطلع عليها نبيّاً ولا ملكاً ، وهي المشار لها في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (٢) ، وبين ما دلّ على أن أهل البيت عليهم‌السلام عندهم علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى آخر الدهر (٣) ، وهذا مستفيض جدّاً بل متواتر المضمون؟

الجواب ومن الله استمداد الصواب من وجوه :

أحدها : أن ما دلّ على عدم علمهم بشي‌ء من ذلك آحاد ، أو متشابه ، أو مؤوّل بنفي علمهم به من أنفسهم ذاتاً ؛ إذ لا علم لهم إلّا ما علّمهم الله.

الثاني : أو أنّهم لا يعلمونها بحسب المقام البشري الذي سكنوه مع أبناء النوع ، وإن علموها من مقامٍ آخر. وعلى هذا يحمل ما ورد من طلبهم الجارية وقد تستّرت في بعض البيوت ، وقال لا أدري أين هي (٤).

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٦٧.

(٢) لقمان : ٣٤.

(٣) انظر الكافي ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ / باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون ..

(٤) الكافي ١ : ٢٥٧ / ٣.

٢٢١

ويمكن أن يكون بعض وجوه قوله عزّ اسمه ( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) (١).

الثالث : أو معنى نفي علمهم بها : اشتراط البداء فيها ، وإخبار بأنّها ليست من المحتوم.

الرابع : أو أنّهم لا يعلمونها بالجزئيّة الخاصّة الشخصيّة من كلّ وجه ؛ لأن ذلك لا يكون إلّا بعد الوجود الخارجي الجزئيّ ؛ إذ لا يكون علم بأنّ هذا الشي‌ء وقع في الزمان خارج الحسّ إلّا بعد كونه كذلك.

الخامس : أو أنّهم لا يعلمونها باعتبار مقام ( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (٢) ، ويعلمونها باعتبار مقام ( إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (٣).

وهذه الوجوه جاريات في جميع الجزئيات.

وإنّما خصّت الخمسة بالذكر ؛ لأنّ أربعة منها هي أركان الوجود وموادّه : الخلق ، والرزق ، والحياة ، والموت ( خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) (٤).

فإنزال الغيث إشارة إلى مادّة الحياة ؛ لأنّ منه مدد حياة المركّبات ؛ لأنّ به يحيي الله الأرض بعد موتها.

وعلم ( ما فِي الْأَرْحامِ ) إشارة إلى الخلق.

و ( ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ) إشارة إلى الرزق.

( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) من أراضي الآفاق والأنفس والطبائع ؛ لأنّها فطرت على الاختيار [ وكمال تحقّقه حين الوقوع (٥) ].

فهذه الأربع جمعت كلّيّات [ مواد (٦) ] العالم من الكلّيّ والجزئيّ.

__________________

(١) الشورى : ٥٢.

(٢) الجن : ٢٦.

(٣) الجن : ٢٧.

(٤) الروم : ٤٠.

(٥) هذه الإضافة من موضوع ( جمع وبيان ) اللاحق ، وهو في المطلب نفسه.

(٦) في المخطوط : ( موارد ).

٢٢٢

وأمّا الساعة فهي غاية الأربع الجامعة لعللها ، وهي سرّها وباطنها وغيبها ، فيجري فيها ذلك كلّه بما يناسبها ، فوقتها ومكانها يرجع إلى الرتبة مثلاً ، فإنّها ليست من الزمانيّات والمكانيّات المعروفة ( لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً ) (١) ولهذا ترى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا سئل عن زمانها أو مكانها يجيب بمثل هذا لعلمه صلى‌الله‌عليه‌وآله من السائل أنه يطلب لها زماناً ومكاناً (٢) بما يعقله منهما.

فنفي علمه بها على معنى أن ليس لها زمان ولا مكان ، وليست من الزمانيات ولا من المكانيات ، بل يستحيل كونها كذلك بالمعنى المتداول ، فهو يقول للسائل إنّها ليست زمانية ، فلا أعلم لها زماناً ، ولا مكانية فلا أعلم لها مكاناً حتّى أُخبرك بذلك ، بل هي فوق دائرتهما. والسائل يطلب بسؤاله عن زمانها ومكانها المستحيل ، لأنه يطلب زمان ما لا زمان له ، ومكان ما لا مكان له ، بل يستحيل أن يحويه الزمان والمكان ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيبه بألطف جواب وأجمع صواب ، وأبلغ خطاب وأجمل جلباب ، والله العالم بالصواب.

__________________

(١) الأعراف : ١٨٧.

(٢) أي أعلم أن ليس لها زمان وليس لها مكان فكيف أُخبرك عن هذا؟ فهو من قبيل ( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) الرعد : ٢ بناء على القول بأن ( تَرَوْنَها ) صفة لعمد فيكون المعنى : بعمد لا ترونها. انظر مجمع البيان ٥ : ٣٥٤ ، الكشاف ٢ : ٥١٢.

٢٢٣
٢٢٤

[٧٦]

جمع وبيان ( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ) (١)

مسألة : ما الجمع بين ما دلّ من الأخبار على أن خمسة أشياء تفرّد بعلمها الباري تعالى لم يُطلِع عليها نبيّاً مرسلاً ولا ملكاً مقرّباً ، وهي المشار لها في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ .. ) (٢) وبين ما دلّ منها على أن الأولياء والأنبياء أخبروا عن علمهم بذلك بل ربما أخبر غيرهم عن بعض الأربعة الأخيرة؟

والجواب ، وعلى الله التكلان من وجوه : منها أن ما دلّ على علم الأنبياء وخلفائهم بذلك لا يضبط كثرةً ، فهو مستفيض بل متواتر المضمون ، وأكثره نصّ محكم ، وما دلّ على عدمه آحاد أو من المتشابه ، ولا معارضة إلّا بعد المقاومة.

ومنها أن ما دلّ على نفي علمهم بذلك نفي علمهم من تلقاء أنفسهم ، وهذا لا ينافي علمهم به بتعليم العليم الخبير.

ومنها أنّهم لا يعلمون ذلك بحسب المقام البشري الصرف ويعلمونه مِن مقامٍ فوقه كقوله تعالى : ( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) (٣) ، ومن هذا نفيه عليه‌السلام (٤) علمه بالجارية حين هربت منه وتستّرت ببعض بيوت الدار (٥) ، ومنه نفي علمهم بالغيب ولعنهم من يدّعي فيهم ذلك (٦) ، وهذا يجري في الوجه الأوّل أيضاً ، وهو نفي علمهم

__________________

(١) مرّ الكلام عليه في العنوان السابق.

(٢) لقمان : ٣٤.

(٣) الشورى : ٥٢.

(٤) الكافي ١ : ٢٥٧ / ١.

(٥) الكافي ١ : ٢٥٧ / ٣.

(٦) الاحتجاج ٢ : ٥٥٠ / ٣٤٧ ، بحار الأنوار ٢٥ : ٢٦٧ / ٩.

٢٢٥

من تلقاء أنفسهم. وله وجه آخر هو أن يراد بالغيب : رتبة الوجوب.

ومنها أنّهم لا يعلمون ذلك ؛ [ لأنه (١) ] من المحتوم قبل أن يصل إلى رتبة الإمضاء لسرّ البداء ، ومنه سرّ خوفهم عليهم‌السلام كخوف موسى عليه‌السلام من العصا ، فإنّ البداء يجري في كلّ رتبة قبل إمضائها من جميع المراتب السبع ، فالبداء يجري في القضاء ما دام الشي‌ء مراداً ، وفي القدر ما دام مقضياً ، وهكذا. وهذا لا ينافي علمهم بما كان وما يكون ، فإنّهم يعلمون الشي‌ء وشروطه وعلله وإن كان ذلك مخزوناً في ينبوع البداء ، وهو باطن المشيئة ومقام منقطع الصفات.

ومنها أنّهم لا يعلمونها بمقام الإذن الجزئي من كلّ وجه ، أي لم يؤذن لهم بعد باعتبار عاشرة الوقوع مثلاً ، فإنّ كلّ واحدة من السبع في نفسها درج ورتب حتّى الإمضاء ، ونهايته نهاية كمال العلم. وهذا لا ينافي علمهم بها من كلّ وجه بمقام آخر.

ومنها أنّهم لا يعلمونها باعتبار مقام ( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (٢) ويعلمونها باعتبار مقام ( إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (٣) الآية.

والوجوه في هذه كثيرة.

وهذا كلّه عام لجميع جزئيّات العالم وكلّيّاته.

وإنّما خصّت هذه الخمسة بالذكر ؛ لأنّ أربعة منها هي أركان الوجود وموادّه : الخلق ، والرزق ، والحياة ، والموت ( خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) (٤).

فإنزال الغيث إشارة إلى الإحياء ؛ لأنّ الله تعالى يحيي به الأرض بعد موتها فهو مادّة الحياة.

وعلم ( ما فِي الْأَرْحامِ ) إشارة إلى الخلق ، لأنه تعالى : ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ) (٥).

__________________

(١) في المخطوط : ( أنه ).

(٢) الجنّ : ٢٦.

(٣) الجن : ٢٧.

(٤) الروم : ٤٠.

(٥) الزمر : ٦.

٢٢٦

و ( ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ) إشارة إلى الرزق ، ( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) (١).

( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) من أراضي الآفاق والأنفس والطبائع ؛ لأنها فطرت على الاختيار وكمال تحقّقه حين الوقوع.

فهذه الأربع جمعت كليّات العالم وجزئياته.

وأمّا الساعة : فهي غاية الأربع ومقام جامعيّتها وروحها وسرّها وباطنها وغيبها ، فيجري فيها ذلك كلّه بطريق أوْلى ، إلّا إنه في الرابع بالنسبة إليها [ بمعنًى (٢) ] غير الآن الزماني ، فإنّ زمانها ووقتها غير المعنى الزماني ، بل هو روحه وغيبه وباطنه وسرّه ، بل بمعنى الرتبة ظاهراً ، وإلّا فالزمان كغيره له روح في عالم الغيب وحقيقة ، فتزيد بأنّهم لا يعلمون زمانها ؛ لأنّها ليست من الزمانيّات ، فلا زمان لها حتّى يعلموه ( لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلّا هُوَ ) (٣).

ولهذا ترى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سأله سائل عن زمانها أو مكانها يجيبه بمثل ذلك في القرآن ، فليس هو يهمل الجواب ولا يردّ سائلاً عن بابه بل يجيب بأعلى جواب ، ويكشف الحال بأبلغ مقال ، ويخبره حينئذٍ أنها لا زمان لها ؛ إذ ليست من الزمانيات حتّى يخبره بزمانها ، ولا من المكانيّات حتّى يوقفه على مكانها ؛ لأنّها فوق نقطتي الزمان والمكان.

نعم لها مكانة ، والسائل يطلب معرفة زمانها أو مكانها ، وهو يطلب المحال ؛ لأنه يسأل عن زمان ما لا زمان له ومكان ما لا مكان له ، فيجيبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بألطف خطاب وأصوب صواب وأجمل جلباب ، والله العاصم والهادي.

__________________

(١) الذاريات : ٥٨.

(٢) في المخطوط : ( جمعنا ).

(٣) الأعراف : ١٨٧.

٢٢٧
٢٢٨

[٧٧]

نور فقهي وبيان

جلي : مسألة تحريم [ إدخال ] شي‌ء

ليس من جسد الناكح [ في ] فرج المنكوحة

هل يجوز للرجل أن يُدخل في فرج منكوحته شيئاً ليس من جسده ؛ كأن يربط على ذكره أو إصبعه شيئاً من خشبة أو نحوها من المستطرفات أو غيرها ، أو لحماً أو جلداً أو خرقة أو جرماً أو عظماً ، أو يلبس ذكره أو إصبعه شيئاً من ذلك أو يلفّه عليه ، فيدسّه في فرجها مع ذكره أو إصبعه ، أو وحده بدون إصبعه أو ذكره؟

الجواب أنه لا يجوز شي‌ء من ذلك بوجه من الوجوه ، ولا كيفيّة من الكيفيّات ولا نحو من الأنحاء أصلاً ما لم يكن لمعالجة داء كإخراج جنين ونحوه ممّا سوّغه الشارع للناكح أو غيره حال الضرورة ؛ حفظاً للحياة ، لأصالة عصمة الفروج وتحريمها إلّا فيما دلّ الدليل عليه من الكتاب أو السنّة أو الإجماع ، ولخصوص ما رواه الشيخ : في ( التهذيب ) بسنده عن عبيد الله بن زرارة : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون عنده جوارٍ فلا يقدر على أن يطأهن ، يعمل لهنّ شيئاً يلذذهن به؟ قال : « أمّا ما كان من جسده فلا بأس به » (١).

وما رواه في ( الكافي ) بسنده عن عبيد الله بن زرارة : أيضاً قال : كان لنا جار شيخ

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٧ : ٤٥٧ / ١٨٢٩ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ١١١ ، أبواب مقدّمات النكاح ، ب ٥١ ، ح ٣ ، وفيهما : ( عبيد بن زرارة ).

٢٢٩

له جارية فارهة قد أعطى بها ثلاثين ألف درهم ، وكان لا يبلغ منها ما يريد ، وكانت تقول له : اجعل يدك كذا بين شفري ؛ فإنّي أجد لذلك لذّة. وكان يكره أن يفعل ، فقال لزرارة : سل أبا عبد الله عليه‌السلام : عن هذا فسأله ، فقال لا بأس أن يستعين بكلّ شي‌ء من جسده عليها ، ولكن لا يستعين بغير جسده عليها (١).

فدل الخبران بمفهوميهما ومنطوق الثاني على تحريم ما يلذذهن به ممّا هو خارج عن جسده مطلقاً بأي نحو كان ، وتحريم الاستعانة على ذلك منهن بجميع ما ليس من جسده على كلّ حال ، فيدخل جميع ما ذكر في التحريم.

تنبيه : يستفاد من هذين الخبرين جواز استمتاع الزوجة وتلذّذها واستمنائها بجميع جسد الزوج ، وكذا كلّ منكوحة بنكاح صحيح مشروع ، وله أدلّة ومؤيّدات يأتي بيانها إن شاء الله تعالى ، والله العالم.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٩٧ / ١ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ١١١ ، أبواب مقدّمات النكاح ، ب ٥ ، ح ٣ ، وفيهما : ( عبيد بن زرارة ).

٢٣٠

[٧٨]

فواكه لذيذة ونور طورسيني

( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ )

( البحار ) من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال : « ( التِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) : الحسن والحسين عليهما‌السلام ( وَطُورِ سِينِينَ ) عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : والدين ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

ومنه (٣) بسنده عن محمّد بن الفضيل : قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله عزوجل ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) (٤) : فقال : « التين والزيتون : الحسن والحسين ». قلت ( وَطُورِ سِينِينَ ) (٥)؟ قال : « ليس هو طور سينين ، ولكنه طور سينا ». قلت : وما طور سينا؟ فقال : « نعم ، هو أمير المؤمنين ». قلت ( وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) (٦)؟ قال : « هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمن الناس به إذا طاعوه ». قلت ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) (٧)؟ قال : « ذاك أبو فضيل حين أخذ الله ميثاقه له بالربوبيّة ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة ولأوصيائه بالولاية ، فأقرّ وقال : نعم ، ألا ترى أنّه قال ( ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ) (٨)؟ يعني الدرك الأسفل حين نكص

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة : ٧٨٧ ، بتفاوت.

(٢) بحار الأنوار ٢٤ : ١٠٥ / ٣٠١٤.

(٣) تأويل الآيات الظاهرة : ٧٨٨.

(٤) التين : ١.

(٥) التين : ٢.

(٦) التين : ٣.

(٧) التين : ٤.

(٨) التين : ٥.

٢٣١

وفعل بآل محمّد ما فعل ». قلت ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) (١)؟ قال : « والله ، هو أمير المؤمنين : وشيعته فلهم أجر غير ممنون ». قلت ( فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) (٢)؟ قال : « مهلاً مهلاً لا تقل هكذا ، هذا هو الكفر بالله ، لا والله ما كذب رسول الله بالله طرفة عين » قلت : فكيف هي؟ قال : « أفمن يكذبك بعد بالدين؟ والدين أمير المؤمنين » (٣).

أقول وبالله المستعان ـ : اعلم أنّ لكلّ شي‌ء ظاهراً وباطناً ، والباطن الحقيقة ، والمظهر المجاز ، فكلّ ما في عالم الأجسام له حقيقة روحانيّة عقليّة هي كالروح والعلّة للجسمانيّ. ولعلّ تخصيص الحسن عليه‌السلام : بالتين ؛ لما فيه من كثرة المنافع والطيب واللذّة والسهولة ، والزيتون بالحسين عليه‌السلام : ؛ لما استجنّ فيه من النتيجة النورية والدهن المبارك. والحسين سلام الله عليه ـ : خصّ بكون الإمامة في صلبه ، وهذا هو الفرق بين التين والزيتون.

وعبّر عن علي عليه‌السلام : بطور سينا ؛ لأنه مظهر تجلّي الولاية العظمى. وطور سينا : من عرصات التجلي ومهابط الوحي ؛ ولأنه الذي تجلّى لموسى عليه‌السلام : في طور سينا من نوره مثل سم الإبرة ؛ ولذا ورد أن الغريّ المقدّس من طور سينا (٤) ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : عُبّر عنه بالبلد الأمين (٥) ؛ لأنه مدينة العلم كما قال (٦) ، وما كان الله معذبهم وهو فيهم (٧) ، فهو الأمين الجامع ، والأمان الشافع ، فمن استقام على طاعته سلك سبيل الأمن في الدنيا والآخرة.

وأمّا خلق الإنسان في أحسن تقويم ؛ فلأنّ الله خلقه في أكمل صورة وجامعيّة وقابليّة ليكمل له الاختيار لما هداه له من النجدين وتتمّ عليه الحجّة في الاختيار.

__________________

(١) التين : ٦.

(٢) التين : ٧.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ١٠٥ ـ ١٠٦ / ١٥.

(٤) معاني الأخبار : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ / ١ ، وفيه : « ( وَطُورِ سِينِينَ ) : الكوفة ».

(٥) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٤٤.

(٦) مناقب أمير المؤمنين ( ابن المغازلي ) : ٨٠ ـ ٨٥ / ١٢٠ ـ ١٢٦.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) الأنفال : ٣٣.

٢٣٢

فكلّ مولود يولد على فطرة الله القابلة لكمال الاختيار ؛ ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بينة.

وأبو فضيل وجميع فروعه أقرّوا لله بما أخذ عليهم من لا إله إلّا الله محمّد رسول الله : عليّ أمير المؤمنين : في مقام إيجادهم لغلبة وجودهم هناك على ماهيّتهم ، ولعلّه مقام ( أدبر ) ، فإنّه أدبر ولم يقدر على الامتناع ، لكنّه أجنّ الكفر ونافق. فإقراره هناك كإقراره في دار التكليف حين [ ظهور (١) ] نور الإسلام فطمع ، فظلاله (٢) هناك ساجد وقد ظهر منه الإنكار في الذرّ الثاني فأبى أن يثب في النار التي باطنها نور.

وأمّا قوله تعالى : ( فَما يُكَذِّبُكَ ) (٣) إلى آخره ، فظاهره أن ( ما ) بمعنى ( من ) ، وأنه استفهام إنكاري. وإنكار الإمام إنّما هو على من يعتقد أنها بمعنى : ( أي شي‌ء يكذّبك ) أي يحملك على التكذيب بالدين؟ وهو كما قال عليه‌السلام : « كفر » ، فلا منافاة بين ظاهرها [ وما في ] الخبر.

__________________

(١) في المخطوط : ( ظهره ).

(٢) كذا في المخطوط.

(٣) التين : ٧.

٢٣٣
٢٣٤

[٧٩]

ثمرة يمانيّة ورزق حسن

( كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً .. )

قال الله تعالى وتقدّس في صفة أهل الجنّة ( كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ) (١). قيل : كيف يقولون هذا مشيرين إلى ثمار الجنّة ، ويخبرون عنه بأنه الذي رزقوه من قبل ، مع تغاير الحقيقتين الدنيوية والأُخرويّة ذاتاً وصفة ، ولازماً وملزوماً. وأهل الجنة في تلك الحال لا تجري عليهم الظنون والأوهام والخيالات الفاسدة ؛ لكشف الغطاء عنهم ، وحدّة أبصارهم ، وفعليّة بصائرهم ، وخلوصها من الأغيار ، وارتفاع الغواشي عنهم ، وظهور الحقائق لديهم؟

قلت وبالله المستعان ـ : لعلّ الجواب من وجوه منها : أن الإشارة إلى ثمار الجنّة المتجدّدة ، [ والتي هي (٢) ] عبارة عن ثمارها السابقة المأكولة ، فهم يحكمون على الرتبة الأُخرى أو الصنف الآخر أو المأكول الآخر بأنه السابق المحصّل لهم قبله ، حيث إن ثمارها تقطف وتعود ، كما كانت ولا تنقص ، ومثلها كالسراج يشعل منه ألف سراج ، ولا ينقص منه ، وحيث إنه يؤتى لهم بثمرة فيأكلون منها ، ويشتهون اخرى فيؤتى لهم بتلك فيقال : كلوا فاللون واحد والطعم مختلف.

فإنّ قلت : هذا لا يصحّ بالنسبة إلى أوّل شي‌ء يأكلونه من ثمارها.

فالجواب من وجهين :

__________________

(١) البقرة : ٢٥.

(٢) في المخطوط : ( والذي ).

٢٣٥

أحدهما : عدم ضرر ذلك ، فلعلّهم إنّما قالوا ذلك عند ثاني مأكول ، ولعلّ في قوله ( كُلَّما رُزِقُوا ) إشارة إلى التجدّد المخرج لأوّل مرزوق عن ذلك القول ، ولا منافاة.

الثاني : أن يراد بالقبْليّة حالة البدء ، فأخبروا بأنّهم انكشف لهم أنّهم عادوا إلى ما بدؤوا منه ؛ فكلّ شي‌ء عائد إلى ما منه بدأ ، والبداية طبق الغاية ، بل هي هي بوجه ، والغاية علّة فاعليّة الفاعل ، قال الله تعالى : ( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) (١).

وورد أن الجنّة ما خلت من سكّانها ، وممّا رزقوه من قبل ما رزقوه حين الميثاق ، وقيل لهم ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (٢) فدخل أوّل رزق منها أيضاً.

ومنها أن يراد بضمير مِنْهَا : الجنة ، و ( بِمَا رُزِقُوه مِنْ قَبْلُ ) : ما رزقوه من حقائق العلم والعمل وثمراتهما في الدنيا ، فـ ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣). وإنّما هي أعمالهم ردّت إليهم (٤) ، وإنّما هو العالم وما يخرج منه ، ومن سبّح تسبيحة غرست له شجرة في الجنة ، ولله ملائكة يبنون في الجنة كلّما عمل ابن آدم : كذا ، فإذا أمسك أمسكوا ، وقالوا ننتظر الميرة والمادة. ومن هذا يظهر وجه في قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ) (٥).

فالأرض هي المعهودة وغراستهم إيّاها (٦) ، فهم الكاملون المستكملون لقواها المستجنّة ، الجامعون لما فيها من المراتب الوجوديّة ، الباسطون فيها العدل ، المطهّرون لها من الشرك ؛ فهم سكّان الجنّة أبداً يتبوّأون منها فنون علومهم وأعمالهم في جميع الطبقات.

ولعلّ في قوله ( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) (٧) إشارة إلى ذلك ، فالأرض جامعة لجميع قوى العالم ورتبه القابلة لجميع آثار الفواعل ، فإنّها نهاية الوجود الحسّيّ.

__________________

(١) الأعراف : ٢٩.

(٢) الأعراف : ١٧٢.

(٣) الطور : ١٦.

(٤) انظر : توحيد المفضل : ٥٠ ، بحار الأنوار ٣ : ٩٠.

(٥) الزمر : ٧٤.

(٦) كذا في المصدر.

(٧) آل عمران : ١٣٦.

٢٣٦

ويمكن أن يراد بها : أرض الجنّة [ التي (١) ] أرضها الكرسي ، وسقفها عرش الرحمن. وأن يراد بها : الأرض التي يحشرون فيها ؛ فإنّ لكلّ أرض سكّاناً تناسبها. وعلى هذا كلّه فسكّان هذه الأرض المذكورة يتبوّأون من ثمار الجنّة بلا إشكال ، والكتاب والسنة على هذا كثير ، والاعتبار محكم.

ومنها أن هذا القول صدر منهم حين ترقّيهم في درجات العلم والعمل ، ويراد بها : صفة الذكرى ، فالقرآن تذكرة وذكر وذكرى ، واللبيب يحسّ من نفسه إذا أدرك شيئاً من المعارف أن المدرك الوارد على قلبه من وراء حجب الغيوب كأنّه شي‌ء مخزون في نفسه قد نسيه وذهل عنه ثمّ ذكره واستحضره. فيراد بـ ( من قبل ) أن العالم لا يدرك إلّا فيما وسعه قوّته (٢) وقابليّته ، واستجنّ بالقوّة في طبيعته وقابليّته ونفسه وعقله ، فهو اعتراف لله تعالى بكمال العدل والعبوديّة له ، فهو شكر ، وهو من جملة ( آخِرُ دَعْواهُمْ ) (٣) لتطابق الشكر والحمد حينئذٍ ، وترادفهما ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) وما تستطيعه وتقبله اختياراً ؛ إيجاداً وتكليفاً ، وحياة وموتاً ورزقاً.

أو يراد به المراتب السابقة على تلك الحالة من مراتب وجوده ، كرتبة عالم الذرّ ، ومقام أخذ العهد والميثاق الأوّل (٤) ، وامتثال الأمر بالإقبال والإدبار (٥). وهم في أطوارهم لا يتعدّونها أبداً ، فتعدّيها ظلم.

ويمكن أن يراد بـ ( ما رُزقوا منْ قبلُ ) : ثمار الدنيا وأرزاقها الحلال ؛ لأنّ جميع ما في عالم الشهادة والأجسام له حقائق وأرواح وأشباح وعلل ووجود في عالم العقول والغيب بوجه أعلى.

فأمّا قوله ( مُتَشابِهاً ) فيحتمل معنيين :

__________________

(١) في المخطوط : ( و ).

(٢) في المخطوط : ( وقوّته ) بدل : ( قوّته ).

(٣) يونس : ١٠.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) الأعراف : ١٧٢.

(٥) انظر الكافي : ١ : ١٠ / ١ ، و ١ : ٢٠ ـ ٢١ / ١٤ ، و ١ : ٢٦ / ٢٦ ، و ١ : ٢٧ ـ ٢٨ / ٣٢.

٢٣٧

أحدهما : أنه بمعنى يشبه بعضه بعضاً ، فإنّ ثمار الجنّة وأُصول المعارف والأعمال غير متباينة بل متناسبة ترجع إلى أصل واحد كما بدأت منه ، فهي واحدة بالصنف أو النوع أو الجنس بحسب المراتب. والمشبّه عين المشبّه به من وجه ، وغيره من وجه ، لكن لا يباينه ، بل في الحقيقة هو هو ؛ إذ لا يصحّ التشبيه من جهة المباينة ، بل من جهة الاتّحاد.

وورد في ثمرات الجنة : اللون واحد والطعم مختلف ، وإن الشجرة الواحدة تحمل أصنافاً متعدّدةً ، بل اللون الواحد كلّما أراد الآكل منه لوناً آخر كان هو ، والشراب الواحد في الكأس الواحد يشرب منه الشارب أيّ نوع شاء من الشراب (١).

وورد في غيرها ( يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ) ، و ( نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ) (٢).

الثاني : أن يكون من الاشتباه ، فإنّ في اتّحاد الأصناف المتمايزة في حقائقها بوجوداتها الخاصّة ، واتّحاد شجرتها ، وفي اتّحاد أصناف العلوم والأعمال ، مع رجوعها كلّها مع تمايزها بوجوداتها الخاصّة إلى شي‌ء واحد هو مادّة وجود الإنسان بما هو إنسان ، وإلى وجود العقل بالفعل ، وهو في مرتبته شي‌ء واحد ، وفي كونها بحسب الغاية والمعاد جواهر قائمة [ كما (٣) ] صرّح بها الكتاب والأخبار ، وأسفر عنها واضح الاعتبار فالله تعالى يخلق من كلّ قطرة من ماء الغسل ملكاً يسبّحه نوع (٤) اشتباه وغرابة بالنسبة إلى أوّل الفكر والنظر. ونظيرها كون النتيجة عين المقدّمات نهاية ، وغيرها بداية ، وحال الاستدلال عليها بها ورجوع العلل الثلاث إلى الغائيّة ، واتّحادها بها ضرب من الاتّحاد في النهاية ، مع تمايزها بمراتبها فيها ، والله العالم.

__________________

(١) في صفة الجنة ونعيمها انظر بحار الأنوار ٨ : ١١٦ ـ ٢٢١.

(٢) الرعد : ٤.

(٣) في المخطوط : ( كلّما ).

(٤) اسم ( إن ) المؤخر عن خبرها في قوله : ( فإن في اتحاد الأصناف المتمايزة .. ).

٢٣٨

[٨٠]

أجل حقّ ووعد صدق ( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ )

قال تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) (١). قيل : إن وقت حضور الأجل يمتنع عقلاً وقوعه قبله ، فمعنى ( لا يَسْتَأْخِرُونَ ) ظاهر ، فما معنى ( لا يَسْتَقْدِمُونَ )؟ وأي فائدة في هذا ونفي الاستقدام ملحق بالضروريات ، فمن الضروري نفي إعادة ما عدم من الزمان؟

قلت : قال النظّام النيسابوري : ( أُجيب بأنّ مجي‌ء الأجل محمول على قرب حضوره ؛ كقول العرب : ( جاء الشتاء ) إذا قارب وقته ، ومع مقاربة الأجل يصحّ التقدّم على ذلك الوقت تارة ، والتأخّر عنه أُخرى ) (٢) ، انتهى.

وفيه أن مقتضاه أن الآية مجاز ، والأصل الحقيقة حتّى يقوم دليل المجاز ؛ لأنّ معنى الإشكال : أنه كيف يترتّب السبق على المجي‌ء ؛ إذْ الاستقدام معطوف على جواب الشرط الذي هو مجي‌ء الأجل؟

ويمكن أن يجاب بأنّ الدليل العقليّ قائم على [ استحالة (٣) ] الحقيقة بحسب الظاهر وبادئ الرأي ، وهو قرينة المجاز. وفيه ما لا يخفى ، فهو ضعيف.

وقال القاضي : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ) مدّة أو وقت لنزول العذاب بهم ، ( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ ) : انقرضت مدّتهم ، أو حان وقتهم ، ( لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) (٤)

__________________

(١) الأعراف : ٣٤.

(٢) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٣ : ٢٢٨.

(٣) في المخطوط : ( استقالة ).

(٤) الأعراف : ٣٤.

٢٣٩

لا يتأخّرون ولا يتقدّمون أقصر وقت ، أو لا يطلبون التأخّر والتقدّم ؛ لشدّة الهول ) (١) ، انتهى.

وفيه أنه حمل على المجازيّة أيضاً مع أنه غير دافع ؛ لأنّ امتناع ترتّب السبق على الحضور من ضروريّ فطر العقول فلا يطلب حينئذٍ بالضرورة.

وقيل : إنّ ( يستقدمون ) معطوف على جملة الشرط والجزاء وهو وجه ، ولكنّه ظاهريّ ، وعليه يكون التقييد بالساعة للتأخّر ، فيطلب له وجه أيضاً.

ويمكن الجواب عن أصل الإشكال بوجوه :

منها : أن الأجل يطلق على معنيين :

أحدهما : مجموع ما بين البداية والنهاية ، فأجل الدين ومدّة الإجارة مثلاً ، وكذا مجموع عمر الإنسان من أوّله إلى آخره مع البداية والنهاية.

والثاني : نفس النهاية فقط ، كأوّل جزء تحلّ فيه المطابقة بالدين المؤجّل مثلاً ، وكآخِر آنٍ من عمر الإنسان ، هذا بالنسبة إلى الزمان ، وفي غيره يراد به : مجموع الرتبة والطبقة أو نهايتها ، وهو طرف الحدّ المشترك بين الدرجتين. ولكلّ كور ودور سكّان ، فلا يستأخر موجود من الخلق عن رتبته ولا يستقدم ؛ زمانيةً كانت أو غيرها.

فعلى الأوّل إذا وصل قوس الوجود إلى رتبة ، أو دور الفلك إلى زمان لا يستأخر أهله عنه ساعة ولا يستقدمون ، بمعنى : أن كلّ موجود له رتبة أو زمان لا يتعدّاه بسبق ولا لحوق ، ( وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (٢) أفاض الوجود على قدر وسع القابليّات وطاقتها فقبلته باختيار رحمة منه تعالى ، فهو مختار ، فليس في صنعة جبر بوجه ولا اعتبار أصلاً.

فلو تعدّى موجود رتبته ، لزم كون أهل الرتبة المعيّنة والزمان المعيّن [ ليسوا (٣) ]

__________________

(١) تفسير البيضاوي ١ : ٣٣٧.

(٢) فصّلت : ٤٦.

(٣) في المخطوط : ( ليس ).

٢٤٠