رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[٤٢]

بيان حكم ودفع

وهم : عدم قبول توبة المرتدّ

في ( المعاني ) بسنده إلى محمّد بن مسلم : عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : قلت له : أرأيت من جحد إماماً منكم ، ما حاله؟ قال : « من جحد إماماً من الله وبرأ منه ومن دينه فهو كافر مرتدّ عن الإسلام ؛ لأنّ الإمام من الله ، ودينه دين الله ، ومن برأ من دين الله فدمه مباح في تلك الحال إلّا أن يرجع ويتوب إلى الله ممّا قال » (١).

قلت : ظاهره مشعر بقبول توبة المرتدّ ودرء الحدّ عنه بها ، وهو خلاف مشهور العصابة ، ولعلّه محمول على إسقاط العقاب الأُخرويّ دون الدنيويّ ، أو على من يقبل منه الإمام التوبة ويسقط عنه الحدّ بمقتضى حكمة الله ، فقد جرى ذلك للأئمّة عليهم‌السلام في أُناس كثير. والإمام له العفو والقصاص ، والعطاء والمنع ، فلا ينافي أن نائبه ليس له ذلك. بل لا بدّ أن يقتل المرتدّ إذا تمكّن.

ويمكن حمله أيضاً على الكافر الأصليّ ، فإنّ إسلامه يحقن دمه إجماعاً وإنكاره يُعفى عنه ، دون من أظهر الإسلام وظهرت له دلائل الإمامة فأنكرها ، فلا منافاة.

ويمكن تخصيصه بالملّي في أيام مشروعيّة استتابته ، والله العالم.

__________________

(١) لم نعثر عليه في ( معاني الأخبار ) ، ووجدناه في الاختصاص : ٢٥٩ ، وبحار الأنوار ٧٦ : ٢٢٥ / ١٣ ، نقلاً عن الاختصاص.

١٢١
١٢٢

[٤٣]

بشارة وإنذار

من كان من ولد آدم عليه‌السلام : آمن

روى عليّ بن إبراهيم : بسنده عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنه قال : « من كان من ولد إبليس : فإنّه لا يصدّق بالأوصياء ولا يؤمن بهم أبداً ، وهم الذين أضلّهم الله. ومن كان من ولد آدم : آمن بالأوصياء وهُم على صراط مستقيم » (١).

قلت : هذا صريح في أن من أنكر ولاية أهل البيت عليهم‌السلام : فهو شرك شيطان ، وأن المؤمنين بها لن يشرك الشيطان آباءهم فيهم بوجه ، فيا بشرى للمؤمنين!

والمراد منه الولادة الروحانيّة لا الجسمانيّة ، وأنّها ولادة حقيقيّة في مرتبتها له عليه ، والله العالم.

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ : ٢٢٨ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٢٠٦ / ١.

١٢٣
١٢٤

[٤٤]

إيضاح وبيان

في ( البحار ) من العيّاشيّ (١) : عن عمر بن يزيد : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن قول الله تعالى : ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (٢) فقال : « كذبوا ما هكذا هي ، إذا كان ينسخها ويأتي بمثلها لم ينسخها ». قلت : هكذا. قال : « ليس هكذا قال تبارك وتعالى ». قلت : فكيف قال؟ قال : « ليس فيها ألف ولا واو قال : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها مثلها يقول : ما نمت من إمام أو ننسِ ذكره نأتِ بخير منه من صلبه مثله » (٣).

قلت : قال غائص ( البحار ) : ( لعلّ المراد أنه خير بحسب المصلحة لا بحسب الفضائل ) (٤) ، انتهى.

وهو كما ترى تكلّف بعيد ، ولعلّ ( من ) في « منه » ابتدائيّة كما يشعر به إبدال « من صلبه » من « منه » ، أو أن « منه » و « من صلبه » متعلقان بـ « نأت » ، أو الثاني متعلّق بالأول ، ومعاني الجميع واحد.

ولعلّ الحديث يعمّ جميع حجج الله من الأنبياء والأوصياء ؛ فالموت والإنساء على ظاهره. والإماتة أعمّ من الإنساء ، فتفطّن ، والله العالم.

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ : ٧٤ ـ ٧٥ / ٧٨.

(٢) البقرة : ١٠٦.

(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٠٨ / ١٠.

(٤) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٠٨.

١٢٥
١٢٦

[٤٥]

إيماض فيه إيقاظ : مسألة

عرض الأعمال في النصف من الشعبان

في ( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (١) بسنده إلى الحلبي : أن أبا عبد الله : عليه سلام الله قال : « إنّ الأعمال تعرض عليّ في كلّ خميس ، فإذا كان الهلال أكملت ـ في نسخة : « أجملت » بدل : « أكملت » فإذا كان النصف من شعبان عرضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعلى عليّ : عليه سلام الله ثمّ تنسخ في الذكر الحكيم (٢).

قلت : ورد في عدّة روايات (٣) أن الأعمال تعرض عليهم عليهم سلام الله في كلّ صباح ، وفي كثير منها : في كلّ صباح ومساء ، وفي جملة : في كلّ عشيّة خميس ، وفي الاثنين والخميس.

ولا منافاة بينها ؛ لأنّها تعرض عليهم في كلّ رتبة من رتب وجود العامل. وهذه الأوقات إشارة إلى تلك الرتب ، فإنّ الشهور مظاهر لها ، وكذا الأسابيع وساعات الليل والنهار ، فمنها جزئيّات ومنها كلّيّات ، وكلّيّات كلّيّات ، حتّى تنتهي طاعات أهل الإيمان إلى الذكر الحكيم ، والكفر والمعاصي تنقطع في سجّين ، فتكون مجتثّة ، وليس كلّ طاعة أو معصية تنتهي إلى ذلك ، بل منها ما لا يتجاوز أوّل مرتبة ، ومنها ما لا يتجاوز مرتبتين ، فينقطع ويُرَدّ وهكذا. ولكلّ عرض بنسبته ، وما يصعد أو ينزل

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٤٢٤ / ١.

(٢) بحار الأنوار ٢٣ : ٣٤٣ / ٢٩.

(٣) بصائر الدرجات : ٤٢٤ ـ ٤٢٦ / ب ٤.

١٢٧

يعرض في كلّ مرتبة من مراتبه بما يناسبها من لوازم وجوده فيها حتّى في الكلّيّة والجزئيّة والتفصيل والإجمال ، فلا اختلاف ولا تنافي ، والله العالم.

١٢٨

[٤٦]

إيقاظ وتنبيه ( تَسْنِيمٍ )

لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : صرف ولغيرهم ممزوج

وفي ( البحار ) من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (١) روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه قال : « تسنيم (٢) أشرف شراب في الجنّة ، يشربه محمّد : وآلُ محمّد : صرفاً ، ويمزج لأصحاب اليمين ولسائر أهل الجنّة » (٣).

وكتب عليه بعض المشايخ من المعاصرين : ( لهذا المزج معارِض أكثر وأقوى ، والعمل به أقرب للتقوى ) ، انتهى.

قلت : لو ساوى آل محمَّد عليهم‌السلام : غيرُهُم في صرافة ما يشربونه منه لماثلهم شرفاً ، وليس في الخلق من يداني شرفهم بوجه. ولا منافاة بين الأخبار ، فصرفٌ وأصرفُ .. حتّى ينتهي إلى قسطهم وهو الصرف المطلق من كلّ وجه خاصّة ، وصرافة ما سواه إضافية. ومن شرب من ( تَسْنِيمٍ ) جرعة ولو ممزوجة عرف ما قلناه ، وأنه لا منافاة.

ويمكن أن يدخل في آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم أُولو العزم ومن قاربهم من الأنبياء والرسل ، فقد ورد في شيث عليه‌السلام : وغيره أنه من أهل البيت : فلا منافاة ، لكن هذا ظاهري ، والأوّل ألصق بالحكمة ، والله العالم.

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة : ٧٥٣.

(٢) المطفّفين : ٢٧.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ٣ / ٨.

١٢٩
١٣٠

[٤٧]

تأييد وتسديد ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا )

في البحار من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (١) بسنده إلى سماعة قال : سمعت أبا عبد الله : سلام الله عليه يقول في قوله تعالى : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) (٢) قال : « يعني اسْتَقَامُوا على الولاية في الأصل عند الأظلّة حين أخذ الله الميثاق على ذريّة آدم : ( لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) يعني : لَأَسْقَيْنَاهُمْ من الماء الفرات العذب » (٣).

قال غائص ( البحار ) : ( أي صببنا على طينتهم الماء العذب الفرات ، لا الماء الملح الاجاج كما مرّ في أخبار الطينة ) (٤) ، انتهى.

قلت : يؤيّد هذا البيان ما أخرجه هو من الكتاب بسنده عن جابر عن أبي جعفر : عليهما سلام الله في هذه الآية الكريمة قال : « قال الله : لجعلنا أظلّتهم في الماء العذب لنفتنهم فيه ، [ و (٥) ] فتنهم في عليّ سلام الله عليه وما فتنوا فيه وكفروا ، إلّا بما أُنزل في ولايته » (٦).

وبمعناه روايات كثيرة (٧).

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة : ٧٠٣.

(٢) الجن : ١٦.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ٢٨ / ٥.

(٤) بحار الأنوار ٢٤ : ٢٨.

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : « لو ».

(٦) بحار الأنوار ٢٤ : ٢٩ / ٨.

(٧) بحار الأنوار ٢٤ : ٢٩ / ٧.

١٣١

وذلك الماء الفرات هو الماء الذي كان العرش عليه ، وهو ماء الحياة ، وهو نور الله المشار له فيما روي أن الله سبحانه وتعالى : « خلق الخلق في ظلمة ، ثمّ رشّ عليهم من نوره » (١) ، وهي ظلمة الإمكان أو الماهيّة ، وهو النور الذي خلق منه المؤمن المشار له في قولهم عليهم سلام الله ـ « المؤمن ينظر بنور الله » (٢).

وفي قولهم : « النور أبو المؤمن ، وأُمّه الرحمة » (٣).

وهو عنصر الأبرار المشار إليه في ( الجامعة الكبيرة ) أعني : عنصر الوجود وعلّته ومادّته على طبقاته وهو نور العلم وشعاع المعرفة ، كما في الكتاب أيضاً بسنده عن أبي بصير : عن أبي عبد الله : عليه سلام الله في الآية أيضاً ( لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) (٤) : « يعني لأمددناهم علماً كي يتعلّموه من الأئمّة عليهم سلام الله » (٥).

ومنه أيضاً بسنده عن بُريد : عن أبي عبد الله : سلام الله عليه في هذه الآية أيضاً قال : « ( عَلَى الطَّرِيقَةِ ) يعني على الولاية ، ( لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) قال عليه‌السلام : لأذقناهم علما كثيراً يتعلمونه من الأئمّة عليهم‌السلام (٦).

قلت : قوله ( لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ). قال : « إنّما هؤلاء يفتنهم فيه ، يعني المنافقين ».

وقد استفاض تفسير الماء في قوله عزّ اسمه ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ) (٧) الآية بعلم الإمام وبالإمام ، وفي غيرها أيضاً كثير ، فلا منافاة بين الأخبار ولكان كلّ واحد باعتبار مقام ، وأصل الجميع واحد ، والله العالم.

__________________

(١) جامع الأسرار ومنبع الأنوار : ٢٦٠.

(٢) الأمالي ( الطوسيّ ) : ٢٩٤ / ٥٧٤ ، بحار الأنوار ٧ : ٣٢٣ ، وفيهما : « اتّقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله » ، ٢٤ : ١٢٨ / ٩.

(٣) شرح الزيارة الجامعة ١ : ٦٢.

(٤) الجنّ : ١٦.

(٥) بحار الأنوار : ٢٤ : ٢٨ ـ ٢٩ / ٦ ، تأويل الآيات الظاهرة : ٧٠٣ ـ ٧٠٤.

(٦) بحار الأنوار ٢٤ : ٢٩ / ٧.

(٧) الملك : ٣٠.

١٣٢

[٤٨]

إيقاظ وتنبيه

( فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى )

البحار من ( تأويل الآيات الظاهرة (١) ) معاً بسنده إلى أبي عبد الله : عليه سلام الله ـ « ( فَأَمّا مَنْ أَعْطى ) الخُمس ، ( وَاتَّقى ) ولاية الطواغيت ، ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) بالولاية ، ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ) فلا يريد شيئاً من الخير إلّا تيسر له ، ( وَأَمّا مَنْ بَخِلَ ) بالخُمس ( وَاسْتَغْنى ) برأيه عن أولياء الله ، ( وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ) : بالولاية ، ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ) (٢) ، فلا يريد شيئاً من الشرّ إلّا تيسّر له » (٣) الحديث.

قلت : خصّ الخمس من العبادات ؛ لأنّ إعطاءه لأهله واعتقاد وجوبه لهم يدلّ صريحاً بل هو نصّ في التسليم لأهل البيت : سلام الله عليهم واعتقاد ولايتهم ، بخلاف غيره من العبادات فإنه ليس مثله في الصراحة والظهور.

ولعلّه أيضاً عبّر بالخمس عن إعطائه الإمام ما يستحقّه على الرعيّة من جميع الطاعات والعقائد ، ومعرفته كلّا بقدر طاقته ووسعه ، فتأمّل.

__________________

(١) ورد في المخطوط في هذا الموضع وفيما بعده من المواضع التي نقل فيها المصنّف عن ( البحار ) من كتاب ( تأويل الآيات الظاهرة ) الرمزُ ( كنز ) ، وقد أُشير في آخر كلّ جزءٍ من ( البحار ) إلى أنّ رمزُ ( كنز ) يعني ( كنز جامع الفوائد ) و ( تأويل الآيات الظاهرة ) معاً. وأشار الشيخ آقا بزرك في ذريعته إلى أنّ كتاب ( كنز جامع الفوائد ودافع المعاند ) للشيخ علم بن سيف بن منصور الحلي الذي اختصره من كتاب ( تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة ) ، وقد اكتفينا في تخريجنا به. انظر الذريعة ١٨ : ١٤٩.

(٢) الليل : ٥ ـ ١٠.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ٤٦ ، تأويل الآيات الظاهرة : ٧٨٢.

١٣٣

فليس أحد يؤدّى الخمس أو جميع الطاعة للإمام إلّا المؤمن ، فتأدية الخُمس لأهله متلازم مع الإيمان ، والله العالم.

١٣٤

[٤٩]

دفع إشكال وإيضاح

مقال : « لا تكون الدنيا إلّا وفيها إمامان »

( البحار ) بسنده إلى أبي بصير : قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام : يقول : « إنّ الدنيا لا تكون إلّا وفيها إمامان : برّ وفاجر ، فالبرّ الذي قال الله تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) (١) ، وأمّا الفاجر فالذي قال الله تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) (٢) » (٣).

ومنه بسنده إلى أبي عبد الله : سلام الله عليه قال ـ : « لا يُصلح الناسَ إلّا إمام عادل وإمام فاجر ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) ، وقال ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ ) (٤) ».

قلت : لعلّه عليه‌السلام أراد : الدنيا المحض ، فلا تدخل فيها دولة القائم عجّل الله فرجه : فإنّها ليست كالبرزخ بين الدنيا والآخرة ، بل أوّل ظهور الحشر والساعة ، بل هي الساعة الصغرى والحشر الأوّل. وقد استفاض إطلاق « الساعة » عليها في الأخبار (٥). وقد قال بعض الأعاظم من رؤساء الفرقة : إنّها المشار إليها بالأُولى في ( الجامعة الكبيرة ) حيث قال عليه سلام الله ـ « في الدنيا والآخرة والأولى » فجعلها قسماً ثالثاً

__________________

(١) الأنبياء : ٧٣.

(٢) القصص : ٤١.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ١٥٧ / ١٥.

(٤) بحار الأنوار ٢٤ : ١٥٧ / ١٦.

(٥) بحار الأنوار ٢٤ : ١٦٤ ـ ١٦٦.

١٣٥

بين الدنيا والآخرة.

وإن أدخلناها في الدنيا على النظر الجليل ، فلعلّه أراد أن الدنيا من حيث هي لا تتحقّق وتصلح ويكمل فيها الاختيار والاختبار والحجّة البالغة إلّا بتحقّق وجود دولة للجهل ، وسلاطينها من شياطين الإنس وطواغيتهم ، ليعبد الله فيها سرّاً. ودولة للعقل وسلاطينها الذين هم حجج الله على خلقه ، ليظهر بهم دينه ويعبد فيها الله جهراً ، وإن اختصّ كلّ دولة بزمان ، فأشار إلى الكلّيّتين.

ولمّا كانت أيّام القائم عجّل الله فرجه لا تكون إلّا بعد تميّز الذهب من التراب ، والدهن من اللبن ومزايلة الطينتين ، وتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وتقع المزايلة المشارُ لها في قوله عزّ اسمه ( لَوْ تَزَيَّلُوا ) (١) ، كانت سلطنة الجهل وسلطنة الطواغيت هي السابقة في دار التكليف ؛ لتكمل الحجّة وتتّضح المحجّة ، ويكمل الاختيار ويظهر الاختبار. ولأنّ المزايلة لا تكون إلّا بعد الممازجة والخلط. والنتيجة لا تتحقّق نتيجة إلّا بعد المقدّمات ، وإلّا لم تكن نتيجة ، ولم يقطع بحقّيّتها. فلا يرد أن دولة آل محمَّد عليهم‌السلام ليس فيها سلطان جور ، بل الحكم كلّه لله العليّ الكبير ، والله العالم.

__________________

(١) الفتح : ٢٥.

١٣٦

[٥٠]

دلالة على كنز : الليل والنهار

« اثنتا عشرة ساعة » أشرفها ساعة عليّ عليه‌السلام

( البحار ) من ( تفسير القمّيّ ) (١) بسنده عن أبي الصامت : قال : قال أبو عبد الله : عليه سلام الله ـ : « إنّ الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة ، وإنّ عليّ بن أبي طالب : عليه سلام الله أشرف ساعة منها ، وهو قوله تبارك وتعالى : ( بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً ) (٢) » (٣).

قلت : اعلم أن لفظ الساعة واليوم والشهر والعام غير مختصّ بجزئيّات حركة الفلك وأجزائهما كما هو متعارف اللغة ، بل المستفاد من الكتاب والسنّة والعقل الذي هو الحجّة الباطنة والشرع الباطن قال تعالى : ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللهِ ) (٤) أن في العالم أيّاماً إلهيّة هيَ المشار لها بقولهم سلام الله عليهم ـ : « نحن الأيّام فلا تعادوهم : السبت : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والأحَد : أمير المؤمنين : ، والاثنين : الحسن : والحسين : والثلاثاء : عليّ بن الحسين : ومحمّد بن عليّ الباقر : وجعفر بن محمّد الصادق : والأربعاء : عليّ بن موسى الرضا : ومحمّد بن عليّ الجواد : وعليّ بن محمّد الهادي : والخميس : أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ : ، والجمعة : الحجّة المهديّ بن الحسن »(٥).

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ : ١١٢.

(٢) الفرقان : ١١.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ / ٥٤.

(٤) إبراهيم : ٥.

(٥) بحار الأنوار ٢٤ : ٢٣٩ / ١ ، بتفاوت.

١٣٧

وهم عدد شهور العام (١) ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (٢) الآية.

وأيّاماً (٣) سرمديّة ، هي المشار لها في قوله تعالى : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ) (٤).

وأيّاماً دهريّة هي المشار لها في قوله سبحانه ( وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ) (٥).

وأيّاماً طبيعيّة هي الأيّام التي خلق سبحانه فيها السماوات والأرض :

يوم العقل الأوّل والوجود والنطفة.

ويوم الاثنين العلقة والنفس الكلّيّة والماهيّة.

ويوم الثلاثاء وهو يوم المضغة والطبيعة الكلّيّة.

والأربعاء وهو يوم العظام والمادّة الكلّيّة.

والخميس وهو يوم المثال وكسو العظام اللحم.

والجمعة وهو الجامع لجميع المراتب يومَ الخلق الآخر ، وهو يوم حشر الكلّ.

وأيّاماً برزخيّة فيها مساء وصباح ، وهي التي تروح أرواح المؤمنين في مسائها إلى الجنّة ، وتغدو إذا طلعت الشمس فيها إلى الغريّ.

وأيّاماً زمانيّة هي أعداد دورات المحدّد.

والدنيا كلّها ثلاثة أيّام بوجه : يوم دولة الجهل ، وهو اليوم الذي أحبّ الله أن يعبد فيه سرّاً. ويوم القائم ويوم الرجعة ، وهما اللذان أحبّ الله أن يعبد فيهما جهراً (٦).

ولكل أيّام رتبة أسابيع وشهوراً وأعواماً من صنفها وسنخها وساعات كذلك ،

__________________

(١) الغيبة ( الطوسيّ ) : ٣٦.

(٢) التوبة : ٣٦.

(٣) عطف على قوله : ( أياماً إلهية ).

(٤) السجدة : ٥.

(٥) الحجّ : ٤٧.

(٦) انظر : مختصر بصائر الدرجات : ٤١ ، وفيه : « أيّام الله ثلاثة ، يوم قيام القائم ، ويوم الكرّة ، ويوم الرجعة ».

١٣٨

وكلّ رتبة أعلى هي إجمال ما دونها وكلّيّاته ، وكلّ رتبة أنزل هي تفصيل ما فوقها ومظهرها ، ولكلّ رتبة لوازم تخصّها شمس وقمر وكواكب وأفلاك من سنخها ، وكلّها درجات الوجود وطبقاته ، ولكلّ رتبة عكوس وأظلال. والمجرّد له ظهور في المادّيّ والجسمانيّ بحسب قابليّته.

وقد ورد عنهم عليهم‌السلام نسبة كلّ ساعة من الساعات الاثنتي عشرة المستقيمة لواحد منهم عليهم‌السلام ، وأن شهر رجب شهر أمير المؤمنين عليه‌السلام : ، وشعبان شهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، وشهر رمضان شهر الله (١).

وورد تأويل شهور العام الاثني عشر التي فيها أربعة حرم بهم سلام الله عليهم والعام برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

إذا عرفت هذا عرفت أن النهار أبداً اثنتا عشرة ساعة مستوية ؛ لأنه العدد الذي دارت له أفلاك الوجود ، وقد خلق الله النهار قبل الليل ، بل ليس في نفس شي‌ء من هذه المراتب كلّها ليل ، بل لا ليل محسوس إلّا في بعض مراتب الزمان ، وهو ما ينقطع دونه مخروط ظلّ الأرض ، بل لا يتجاوز كرة البخار. ومع هذا فالليل إنّما هو من تعاكس النور والظلمة ، فهو ضدّ النهار بوجه ، وعدمه بوجه ، وبينهما نسبة الملكة والعدم بوجه.

فساعات الليل إنّما هي عكوس ساعات النهار ، وأضدادها وأظلالها بوجه ، وحكاياتها بوجه ، ففي الحقيقة ليس في الوجود إلّا اثنتا عشرة ساعة هي ساعات النهار ، وإن كان لنهار كلّ رتبة ليل يناسبه بحكم المقابلة والمعاكسة والتضادّ بين القبضتين أعني : قبضة العقل والجهل فيظهر في عكس العقل عكس بيان نهاره أيضاً ، فلك أن تقول : ليس للنهار والليل إلّا اثنتا عشرة ساعة ، ولك أن تقول : النهار

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧٣٤. ولم يرد فيه الإشارة إلى الساعات الاثنتي عشرة.

(٢) الغيبة ( الطوسيّ ) : ١٤٩ / ١١٠.

١٣٩

اثنتا عشرة ساعة ، والليل اثنتا عشرة ساعة غير ساعات النهار.

فظهر بما قرّرناه معنى قوله عليه‌السلام : « إنّ الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة ، وإنّ عليّ بن أبي طالب : سلام الله عليه أشرف ساعة منها » ، كما يشير إليه ما ورد عنهم سلام الله عليهم من نسبة كلّ ساعة من ساعات النهار إلى واحد منهم. ولم يرد مثل ذلك في ساعات الليل ؛ لأنه على هذا ليس إلّا ساعات النهار. وقد ورد تسمية الإمام سلام الله عليه بالساعة ، كما في هذا الحديث ، واستفاض تسمية القائم صلّى الله عليه ، وعجّل فرجه بالساعة (١) ، وهم روح أرواح جميع أيّام الوجود ولياليه.

فلعلّه أيضاً أراد بساعات الليل والنهار : أئمّة الليل والنهار المحسوسين ، أو أراد بالنهار : دولة أهل البيت سلام الله عليهم وبالليل : دولة الطواغيت ، فليس في الوجود أئمّة هم خلفاء الله ونوّابه سواهم ، أو أئمّة الدنيا والآخرة ، أو الغيب والشهادة ، أو المجرّد والماديّات ، أو العقل والنفس. فكلّ ليل مقابله نهار ، إلّا إن الغيب ليل الشهادة ، والشهادة ليل الغيب في الدنيا.

فظهر السرّ بأنّ القرآن انزل ليلاً في ليلة القدر ، والسرّ في كون القدر ليلاً ، فإنّ الغيب والسرّ لمّا كان ساتراً مستوراً ناسبه اسم الليل ، وناسب الظاهر والمحسوس اسم النهار. وسيكون الغيب شهادة والشهادة غيباً ، فينعكس الأمر بظهور السرّ ، والله العالم.

رجب شهر عليّ عليه‌السلام

بقيت مسألة هي : ما السرّ في نسبة رجب لأمير المؤمنين : سلام الله عليه وشعبان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، وشهر رمضان لله تعالى؟

قلت : لعلّ السرّ في ذلك أن رجباً لمّا كان من الأربعة الحرم وفي الأئمّة أربعة حرم ، وليس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من الأشهر الحرم ، بل ولا من الشهور ، بل هو العام كلّه ؛

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة : ٥٥٢.

١٤٠