رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[٣٦]

بيان شؤون وإظهار مكنون

في ليلة نصف شعبان تقسم الأرزاق

روى ابن طاوس : في ( الإقبال ) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه قال : « كنت نائماً ليلة النصف من شعبان فأتاني جبرئيل عليه‌السلام : ، فقال : يا محمّد : ، أتنام في هذه الليلة؟ فقلت : يا جبرئيل : ، وما هذه الليلة؟ قال : هي ليلة النصف من شعبان ، قم يا محمّد : ، فأقامني ، ثمّ ذهب بي إلى البقيع ، ثمّ قال لي : ارفع رأسك فإنّ هذه ليلة تفتح فيها أبواب السماء ، فيفتح فيها أبواب الرحمة ، وباب الرضوان ، وباب المغفرة ، وباب الفضل ، وباب التوبة ، وباب النعمة ، وباب الجود ، وباب الإحسان ، يعتق الله فيها بعدد شعور النعم وأصوافها ، يثبت الله فيها الآجال ، ويقسم فيها الأرزاق من السنة إلى السنة ، وينزل ما يحدث في السنة كلّها » (١) الخبر.

ثمّ قال : وجدت رواية هذا لفظها : قال كميل بن زياد : كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه : في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه فقال بعضهم : ما معنى قول الله عزوجل ( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) (٢)؟ قال عليه‌السلام : « ليلة النصف من شعبان. والذي نفس عليّ بيده ، إنّه ما من عبد إلّا وجميع ما يجري عليه من خير وشرّ مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة ، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه‌السلام : إلّا أُجيب له ».

فلمّا انصرف طرقته ليلاً ، فقال عليه‌السلام : « ما جاء بك يا كميل؟ » قلت : يا أمير المؤمنين : ،

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ٣٣١ ـ ٣٣٨.

(٢) الدخان : ٤.

١٠١

علّمني دعاء الخضر عليه‌السلام : ، فقال : « اجلس. يا كميل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادعُ به كلّ ليلة جمعة أو في الشهر مرّة أو في السنة مرّة أو في عمرك مرّة تُكفَ وتُنصرْ وتُرزقْ ولن تُعدمِ المغفرة. يا كميل : ، أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود بما سألت ، ثمّ قال : اكتب : اللهُمّ إنّي أسألك بِرَحْمَتِكَ الّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْ‌ءٍ » (١) إلى آخره.

ونقل من كتاب الطرازي دعاءً يدعى به ليلة النصف من شعبان ، وفيه : « وَارْزُقْنِي ، فَإنّكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كُلّ أمْرٍ تَفْرُقُ ، وَمَنْ تَشَاءُ مِنْ خَلْقِكَ تَرْزُقُ » (٢).

وروى بسنده عن الشيخ (٣) فيما رواه أبان بن تغلب : عن الصادق عليه‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال لبعض نسائه ليلة النصف من شعبان : « أما تعلمين أيّ ليلة هذه؟ هذه ليلة النصف من شعبان ، فيها تقسم الأرزاق ، وفيها تكتب الآجال ، وفيها يكتب وفد الحاجّ » (٤) الحديث.

وفيما رواه الشيخ : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه قال لبعض نسائه فيها : « أتدرين أيّ ليلة هذه؟ هذه ليلة النصف من شعبان ، فيها تنسخ الأعمال ، وتقسم الأرزاق ، وتكتب الآجال » (٥) الحديث.

قال ابن طاوس : في ( الإقبال ) ( إن قيل : ما تأويل أن ليلة النصف من شعبان تقسم الآجال والأرزاق ، وقد تظاهرت الروايات أن قسم الآجال والأرْزاق ليلة القدر في شهر رمضان؟

فالجواب لعلّ المراد : أن قسمة الآجال والأرزاق التي يحتمل أن تمحى وتثبت ليلة نصف شعبان ، والآجال والأرزاق المحتومة ليلة القدر.

أو لعلّ قسمتها في علم الله جلّ جلاله ليلة نصف شعبان ، وقسمتها بين عباده ليلة القدر.

أو لعلّ قسمتها في اللوح المحفوظ ليلة نصف شعبان ، وقسمتها بتفريقها بين عباده ليلة القدر.

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ٣٣١ ـ ٣٣٨.

(٢) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ٣١٩.

(٣) مصباح المتهجّد ( حجريّ ) : ٧٧٣.

(٤) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ٣٢٥ / ٤٧.

(٥) مصباح المتهجّد ( حجري ) : ٧٧٢.

١٠٢

أو لعلّ معناه أن قسمتها ليلة القدر كان ابتداء الوعد به ، أو تقدير : ليلة النصف من شعبان ، فيصحّ أن يقال عن الليلتين : إن ذلك قسم فيهما ) (١).

وقال قدس‌سره في باب أعمال ليلة تسع عشرة من شهر رمضان من الكتاب المذكور ، بعد أن روى حديثاً عن عليّ بن عبد الواحد النهديّ : في كتاب عمل شهر رمضان بسنده عن عبد الله بن سنان : قال أبو عبد الله عليه‌السلام « إذا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان أُنزلت صكاك الحاجّ وكتبت الآجال والأرزاق » (٢) الحديث.

أقول : وقد مضى في كتابنا هذا وغيره أن [ في ] ليلة النصف من شعبان تكتب الآجال وتقسم الأرزاق ، وتكتب أعمال السنة ، ويحتمل أن يكون في ليلة نصف شعبان تكون البشارة بأنّ في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان تكتب الآجال وتقسم الأرزاق ، وتكون ليلة نصف شعبان ليلة البشارة بالوعد ، وليلة تسع عشرة من شهر رمضان وقت إنجاز ذلك الوعد.

أو يكون في تلك الليلة تكتب آجال قوم وتقسم أرزاق قوم ، وفي ليلة تسع عشرة تكتب آجال الجميع وأرزاقهم أو غير ذلك ممّا لم نذكره. فإنّ الخبر ورد صحيحاً صريحاً بأنّ الآجال والأرزاق تقسم في ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان ، وسنذكر هاهنا بعضها فنقول :

روي أيضاً عن عبد الواحد النهديّ : في كتاب ( عمل شهر رمضان ) وساق السند عن إسحاق بن عمّار : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سمعته يقول ، وناس يسألونه يقولون : إن الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان ، [ فقال (٣) ] : « لا والله ، ما ذلك إلّا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ؛ فإنّ في ليلة تسع عشرة يلتقي الجمعان ، وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق كلّ أمر حكيم ، وفي ليلة [ ثلاث (٤) ] وعشرين يمضي ما أراد الله جلّ جلاله من ذلك وهي ليلة القدر التي قال الله ( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ).

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ٣٢٢.

(٢) الإقبال بالأعمال الحسنة ١ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( وقال ).

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : « ثمان ».

١٠٣

قلت : ما معنى قولك : « يلتقي الجمعان؟ » قال : « يجمع الله فيها ما أراد الله من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه ». قلت : وما معنى : يمضيه في ليلة ثلاث وعشرين؟ قال : « إنّه يفرّق في ليلة إحدى وعشرين ، ويكون له فيه البداء ، فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين أمضاه فيكون من المحتوم الذي لا يبدو له فيه تبارك وتعالى » (١). انتهى كلام السيّد.

قلت : [ جواباته (٢) ] كلّها قدس‌سره مشتركة في الضعف ، وظواهر النصوص تردّها خصوصاً الأوّل والأخير ، ولعلّ وجه الجمع أن قسمتها في ليلة نصف شعبان بحسب مقام الولاية المطلقة التي حمل لواءها الوليّ والخليفة وهي باطن باطن الرسالة ، وقسمتها في ليلة القدر بحسب مقام الرسالة ، والأول سابق في قوس البدء ، لاحق في قوس العود ، وهما متلازمان ؛ لأنّ الولاية من لوازم الرسالة المساوية كما أنّها نفسها باعتبار آخر فعلي نفس الرسول.

ولذا كانت ليلة نصف شعبان ليلة مولد خاتم الأئمّة ، ويدلّ عليه ما رواه ابن طاوس : بسنده إلى أبي جعفر الطوسيّ : فيما رواه بسنده عن أبي يحيى : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سئل الباقر عليه‌السلام : عن فضل ليلة النصف من شعبان ، فقال : « هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر ، فيها يمنح الله العباد فضله » الحديث.

إلى أن قال عليه‌السلام : « وإنّها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣) الحديث.

وورد أن فيها تعرض أعمال العباد في الحول ، وذلك لينطبق البدء على العود. ولا ينافي هذا ما ثبت نصّاً (٤) وعقلاً وإجماعاً أن الملائكة تنزّل بالروح على إمام الزمان بجميع ما يحدث في السنة ليلة القدر ، فإنّ الأئمّة ورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فهم في ليلة النصف من شعبان يتلقّون ذلك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام الولاية ، وليلة القدر يتلقّونه منه من مقام الرسالة.

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة ١ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) في المخطوط : ( جوابا ).

(٣) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ٣١٥.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ : ٢٩٥ ، ٤٦٦.

١٠٤

فكما أن علومهم أجمع وراثة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهم يتلقّونها منه في كلّ مقام ، وهذا من ذاك ، ومؤيّدات هذا كثيرة ، فالأمر في قوس النزول والبدء ينزل إلى مقام الرسالة من مقام الولاية ، وفي قوس الصعود والعود يصعد من مقام الرسالة إلى مقام الولاية ، فجميع ما في الثاني مبادئه وموادّه ، كلّيّاته وجزئيّاته ، وتحقّق الأوّل وكمال ظهوره ووجوده المستجمع لرتب الوجود بجميع كمالاتها بالثاني.

ومن هذا يظهر وجهان آخران :

أحدهما : أن نزول الكلّيّات والمجملات وموادّ الواقعات وجميع ما فيه البداء يكون ليلة نصف شعبان في مقام الولاية العامّة ؛ لأنه منها بدأ ، وتفاصيل ذلك وجزئيّاته وكمال وجوده الظهوريّ الذي لا بدء فيه ليلة القدر ، وأوّل تمايز ما فيه البداء ممّا ليس فيه ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وكمال تميّزهما ليلة إحدى وعشرين منه ، ويقع الحتم والإمضاء ليلة الثالث (١) والعشرين منه.

الثاني : أن الإمام عليه‌السلام يتلقّى ذلك في مقام الولاية ليلة النصف من شعبان من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : مجملاً ، ويتلقّى ذلك منه من مقام الرسالة مفصّلاً ليلة القدر ، بسبيل الإذن الملكيّ البادئ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، ثمّ بواحد واحد من الأئمّة حتّى ينتهي إلى إمام الزمان عليه‌السلام (٢) : ، والله العالم.

هذا ، وفي الظاهر لم نقف على عامل من الأصحاب بظواهر نصوص ليلة نصف شعبان ، بل الظاهر أنّهم مجمعون على العمل بأخبار ليالي شهر رمضان الثلاث ، وعلى تأويل أحاديث نصف شعبان ، والتأويل طرح الآية مع إمكانه أوْلى من مجرّد الطرح ، والله العالم.

نعم ، اشتهر بين العامّة والعوام أن ليلة نصف شعبان تقسم الأرزاق ، والله العالم بحقائق أحكامه.

__________________

(١) في المخطوط : ( الثالثة ).

(٢) انظر : تفسير القمّيّ ٢ : ٤٦٦.

١٠٥
١٠٦

[٣٧]

إيقاظ وتنبيه

لا تبقى الأرض بلا عالم حيّ ظاهر

في ( البحار ) من ( العلل ) بسنده إلى يعقوب السرّاج : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تبقى الأرض بلا عالم حيّ ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال لي : « إذن لا يعبد الله يا أبا يوسف » (١).

ومنه بسنده إلى أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : « إنّ الله لا يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم ، وإذا أنقصوا أكمله لهم ، فقال : خذوه كاملاً ، ولو لا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم ، ولم يفرّق بين الحقّ والباطل » (٢).

فإن قلت : ظاهر الخبرين ينافي ما هو ضروريّ وجدانيّ من غيبة إمام الزمان : عجّل الله فرجه وما تواتر مضمونه عقلاً ونقلاً وإجماعاً من أنه لا تخلو الأرض من حجّة لله ؛ إمّا ظاهر مشهور أو غائب مستور أو مغمور (٣) ، وأن الله عزّ اسمه يحب أن يعبد سرّاً كما يحب أن يعبد جهراً ، حيث قال في الأوّل ( ظاهر ) وفي الثاني « فقال : خذوه » ؛ لأنّ ظاهره الشفاه العيانيّ.

قلت : يحتمل الحديثان معنيين :

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٣ : ٢١ / ١٨ ، علل الشرائع ١ : ٢٣١ / ٣.

(٢) علل الشرائع ١ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ / ٢٢ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٢٤ / ٣١. وفيهما : « لم » ، بدل : « لا ».

(٣) نهج البلاغة : ٦٨٦ ـ ٦٨٧ / الحكمة : ١٤٧.

١٠٧

أحدهما : أن يريد بالعالم : المجتهد ، فإنّ المجتهدين أبواب مَن سواهم ووسائطهم إلى المعصوم ، وهم القرى الظاهرة التي هي بين الناس وبين القرى التي بارك الله فيها (١) ، والقرينة : وصفه بالحياة ، والظهور في الأوّل ، وقوله : « فقال خذوه كاملاً » فإنّه ظاهر في الحسّي الشفاهي ، فيكون دليلاً على القول بعدم جواز خلوّ زمن من أزمان التكليف من المجتهد ، كما هو المشهور بين العصابة قديماً وحادثاً ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل هو إجماع مشهوريّ ، وخلاف بعض متأخّري المتأخّرين (٢) شاذّ تردّه الأدلّة عقلاً ونقلاً.

ولفظ الخبر الثاني رواه في ( البحار ) (٣) بعدّة طرق تنيف على عشرة من عدّة طرق تزيد على سبعة في باب واحد.

ومثل الحديث الأوّل ما رواه المجلسيّ : من ( كمال الدين وتمام النعمة ) بسنده إلى أبي حمزة الثماليّ : قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام : يقول : « لن تخلو الأرض إلّا وفيها منّا رجل يعرف الحقّ فإذا زاد الناس فيه قال : قد زادوا. وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا. وإذا جاؤوا به صدّقهم ، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يعرف الحقّ من الباطل » (٤) في احتماله الوجهين كما هو ظاهر.

الثاني : أن يراد بالعالم : المعصوم ، وبالناس في الأوّل والمؤمنين في الثاني : خواصّ المؤمنين ، وهم العلماء العاملون المجتهدون ، فإنّ الزيادة والنقصان إنّما تجري منهم ، والإمام هو الذي خالف بينهم ؛ ليسلموا. ولكن لا بدّ في الأرض من قائل بالحقّ عامل به غير معصوم كما دلّ عليه النصّ (٥) والبرهان ، وإطلاق المؤمنين على العلماء العاملين منهم خاصّة غير عزيز في النصّ.

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ). سبأ : ١٨. انظر : الغيبة ( الطوسيّ ) : ٣٤٥ / ٢٩٥ ، تأويل الآيات الظاهرة : ٤٦١ ـ ٤٦٢.

(٢) قوانين الأُصول : ٤٢٩.

(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٤ ـ ٢٧.

(٤) كمال الدين : ٢٢٣ / ١٢ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٣٩ / ٦٩.

(٥) كمال الدين : ١٦١ / ٢٠ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٣٣ / ٥٤.

١٠٨

والناس يطلق في النصّ بإطلاقات :

منها : عموم البشر ، وهو كثير.

ومنها : خواصّ المؤمنين كما في هذا ، وغيره (١).

ومنها : خصوص أهل البيت كما في ( أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ ) (٢) كما ورد أنّهم الناس المحسودون (٣) ، وغيرها.

ففي الأخير الشيعة مطلقاً أشباه الناس كما روي ، وأعداؤهم النسناس (٤) ، وفي الأوسط سائر الشيعة أشباه الناس ، وما سواهم النسناس ؛ فيكون الخبران مطابقين لما استفاض طريقاً وتواتر مضموناً نصّاً وعقلاً وإجماعاً من أن الأرض لا تخلو من حجّة لله ؛ كيما « إن زاد المؤمنون ردّهم وإن نقصوا [ أكمله (٥) ] لهم ».

وعلى كلّ حال ، فما ورد من ذلك كلّه يدلّ على عدم جواز خلوّ زمن من أزمان التكليف من مجتهد هو الحجّة على الناس ، والمعصوم حجّة عليه. والذي يدلّ على هذا مضامين كثيرة ليس هنا موضع بيانها ، كحديث : « انظروا إلى رجل .. » (٦) فإنّ الخطاب عامّ لأهل الأزمان وغيره. وهذا وشبهه كلّه يدلّ على اشتراط حياة المجتهد المرجع الذي جعله الإمام حاكماً ؛ فإنّه قال : « انظروا » وهو يقتضي صلوحه للمشافهة حال الحكم. وأيضاً الميّت لا يصلح لأن يكون حاكماً على الأحياء كما هو ظاهر ، وليس هنا موضع بيان المسألة.

بقي الكلام في معنى ظهوره حينئذٍ ، فنقول : لعله ظهوره بالبرهان لدى طالبيه في آيات الآفاق والأنفس ، والكتاب والسنّة ، فمن طلبه من الطريق الذي شرع وجده البتّة ، وظهر له بحسب رتبته من الإيمان. فظهر بهذا عدم منافاة هذا الوجه لما رواه المجلسيّ

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٢) النساء : ٥٤.

(٣) تأويل الآيات الظاهرة : ١٣٧.

(٤) تفسير فرات الكوفي : ٦٤ ، وفيه « فقال علي عليه‌السلام : أجبه يا حسن ». الكافي ٨ : ٢٠٤ / ٣٢٩ ، وفيه : « فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أجبه يا حسين ».

(٥) في المخطوط : « أتمه ».

(٦) الفقيه ٣ : ٢ / ١ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣ ـ ١٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١ ، ح ٥.

١٠٩

من ( الاختصاص ) عن أبي الجارود : ، وعن الحلبيّ : ، كلاهما عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنه قال : من مات وليس عليه إمام حيّ ظاهر مات ميتة جاهليّة » (١) ، أي معلوم بالدليل ، والله العالم بمقاصد أوليائه.

بقي الكلام في قوله عليه‌السلام في حديث الثمالي « لن تخلو الأرض إلّا وفيها منّا رجل » (٢) فلعلّه أراد بهم أهل البيت عليهم‌السلام : ، فإنّ أهل البيت يطلق على جميع نوّاب الله وحججه المعصومين ، كما يدلّ عليه خبر وصيّة آدم عليه‌السلام : ، حيث قال فيه جبرئيل لهبة الله : « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت » (٣).

أو أراد به رجلاً علّمه منّا معصوم ، فإنّ كلّ شي‌ء لم يصدر عنهم فهو باطل كليّة عامّة تامّة ، أو منهم حقيقة فإن أئمتنا سلام الله عليهم هم الحجّة على جميع الخلق ، فلا يخلو منهم عالَم ، ولا زمان ولا من نور هدايتهم ، كما يشير إليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا عليّ ، إنّ الله أيّد بك النبيّين سرّاً » الحديث.

وما رواه المجلسيّ : من ( إكمال الدين وتمام النعمة ) بسنده إلى الفضل بن يسار : قال : سمعت أبا عبد الله : وأبا جعفر عليهما‌السلام : قالا : « إنّ العلم الذي اهبط مع آدم عليه‌السلام : لم يرفع ، والعلم يُتوارث ، وكلّ شي‌ء من العلم وآثار الرسل والأنبياء لم يكن من أهل هذا البيت فهو باطل » (٤) الخبر ، والله العالم.

__________________

(١) الاختصاص ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٢ : ٢٦٩ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٩٢ / ٣٧ ، ٣٨.

(٢) كمال الدين ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ / ١٢ ، وفيه : « رجل منّا » ، البحار ٢٣ : ٣٩ / ٦٩.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٣٧ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٦٢.

(٤) كمال الدين : ٢٢٣ / ١٤ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٢٩ / ٧١.

١١٠

[٣٨]

جمع وكشف : لا تنقطع

الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوماً

لعلّ الجمع بين ما روي عن أهل البيت : سلام الله عليهم بعدّة طرق ، كما في البحار وغيره من أنه : « لا تنقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجّة أُغلق باب التوبة ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة ، أُولئك شرار (١) خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة » (٢). وأمثاله ، وبين ما روي عنهم بطرق أيضاً كما في ( البحار ) : « ولو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة ، ولو ذهب أحدهما بقي الحجّة » (٣). وأمثاله (٤). أن المضمون الأوّل أن الحجّة ترفع بعد رفع التكليف وانقضاء زمنه ، كما يشعر به غلق باب التوبة وعدم قبولها حينئذٍ ، فتكون تلك الأربعون اليوم بالنسبة إلى العالم الكبير كحال بلوغ الروح التراقي ، والمعاينة بالنسبة إلى الإنسان الشخصيّ ، فإنّه يرتفع عنه التكليف الدنيويّ ولا تقبل منه التوبة ، ولا يبقى منه في الدنيا إلّا حثالته.

ويراد بالثاني : في زمن بقاء التكليف الدنيويّ ، فإنّه لا تكليف إلّا بعد البيان ،

__________________

(١) في المخطوط : « شرار من ».

(٢) بحار الأنوار ٢٣ : ٤١ / ٧٨.

(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٤٣ / ٨٥.

(٤) بصائر الدرجات : ٤٨٤ ـ ٤٨٧. الكافي ١ : ١٧٩ ـ ١٨٠ / باب أنّه لو لم يبقَ في الأرض إلّا رجلان لكان أحدهما الحجّة.

١١١

والبيان والمبيّن هو الحجّة ، فلا بدّ من بقائه في الأرض قبل المكلّفين ومعهم وبعدهم. لكن هذا يشعر بأنّ ارتفاع الحجّة قبل القيامة الكبرى ، كما هو ظاهر ، وأن [ الذين (١) ] يقوم عليهم الساعة الكبرى هم شرار الخلق. وهذا يشكل بما دلّ من الأحاديث المتكثّرة على قتل الشيطان وأتباعه في أوائل الرجعة (٢) ، أو زمن القائم عجل الله فرجه فإنّ هذا يشعر بأنّ الساعة التي تقوم على شرار الخلق هي الصغرى ، أعني : قيام القائم ، عجّل الله فرجه.

ولعلّ الجمع بينهما أن الساعتين تقومان على شرار الخلق ، لكنّهم في الصغرى هم الكفّار الذين طبّق الأرض ظلمهم وملأها جورهم ، والكبرى هي حثالة حثالة البشر كالمذبذبين والمستضعفين. وسمّوا أشراراً لفقدان ظهور أشعّة العقل فيهم. فالمعنيان مختلفان ، فالأوّل حقيقيّ ، والثاني إضافيّ ، والله العالم بمراد أوليائه.

__________________

(١) في المخطوط : ( الذي ).

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ٢٧.

١١٢

[٣٩]

جوهرة سنيّة

لا تخلو الأرض من عالم حيّ ظاهر

في ( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (١) بسنده إلى يعقوب السرّاج : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تخلو الأرض من عالم منكم حيّ ظاهر تفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال : « يا أبا يوسف : ، ألا إنّ ذلك لبيّن في كتاب الله تعالى ، قال ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا ) عدوّكم ممّن يخالفكم ( وَرابِطُوا ) إمامكم ( وَاتَّقُوا اللهَ ) (٢) فيما يأمركم وفرض عليكم » (٣).

قلت : لعلّ المراد بقوله : ( ظاهر ) : ظهور صفاته وأدلّة حجّيّته ومعلوميّته باسمه ونسبه وصفته وخواصّه [ التي (٤) ] نصّ عليها آباؤه أجمعون ، ومنها ما اتّفق على روايته الخاصّة والعامّة ، أو : ظهوره في قلوب أوليائه ، فإنّها بشعاع نوره ، وهم ينظرونه ويعرفونه يقيناً بنور الله ، وهو الذي منه خلقت نفوسهم وقلوبهم ، وهو الذي منه بدؤوا وإليه يعودون.

هذا إن أُريد به المعصوم ، ويمكن أن يراد به : العالم بحلالهم وحرامهم ، وهو المجتهد الآخذ أحكامَه وعلمَه بالدليل الشرعي عن أهل العصمة سلام الله عليهم

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٤٨٧ / ١٦.

(٢) آل عمران : ٢٠٠.

(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٥١ / ١٠٥ ، وانظر تفسير العياشي ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧ / ٢٠٠ ـ ٢٠١.

(٤) في المخطوط : ( الذي ).

١١٣

أجمعين فتكون ( من ) في قول السائل : ( منكم ) ابتدائيّة ، أي عالم أخذ علمه منكم ، فيكون من الأدلّة على عدم جواز خلوّ الزمان من المجتهد كما هو الحقّ ، فعلى هذا يستلزم عدم جواز تقليد الميّت ، تأمّل ، والله العالم.

١١٤

[٤٠]

بيان حكم وإظهار كتم

كبّر شيث عليه‌السلام على آدم عليه‌السلام

خمساً وعشرين ، وثلاثين ، وخمساً وسبعين

رُوي في ( البحار ) من أمالي الصدوق بسنده عن الصادق عليه‌السلام : أن آدم عليه‌السلام : غسّله جبرئيل عليه‌السلام : وهبة الله عليه‌السلام : ، وأن جبرئيل عليه‌السلام : قال لهبة الله عليه‌السلام : تقدّم فصلّ على أبيك ، وكبّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة ، فتقدّم وصلّى عليه بالملائكة ، وكبّر خمساً وعشرين تكبيرة » (١).

وفي حديث العيّاشيّ : أن هبة الله عليه‌السلام : هو الذي غسّل آدم عليه‌السلام : ، وأن جبرئيل عليه‌السلام : أراه كيف يغسّله ، وأنه كبّر على أبيه ثلاثين تكبيرة (٢).

وفي ( الوسائل ) من ( قصص الأنبياء ) (٣) لسعد بن هبة الله الراونديّ : ، بسنده إلى أبي حمزة : عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : في حديث وفاة آدم عليه‌السلام : قال : « فخرج هبة الله : وصلّى عليه ، وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة ، سبعين لآدم : ، وخمساً لأولاده » (٤).

وعن ابن بابويه : بسنده إلى الفضل بن يسار : عن أبي جعفر عليه‌السلام : في حديثه قال : « فلمّا جهّزوه يعني : آدم : قال جبرئيل : تقدّم يا هبة الله ، فصلّ على أبيك ، فتقدّم ، فكبّر عليه

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٣ : ٦٤ / ٣.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ : ٣٣٩ / ٧٨.

(٣) قصص الأنبياء : ٦٢ / ٣٤.

(٤) وسائل الشيعة ٣ : ٨٤ ـ ٨٥ ، أبواب صلاة الجنازة ، ب ٦ ، ح ١٤.

١١٥

خمساً وسبعين تكبيرة ، سبعين تفضيلاً لآدم عليه‌السلام ، وخمساً للسنّة » (١).

ولا منافاة بينهما ، لإمكان حمل حديث ( الأمالي ) على أن جبرئيل عليه‌السلام : أراه كيف يغسّله ، فأطلق عليه أنه غسّله معه ، كما هو ظاهر حديث العيّاشيّ ، أو أنه أعانه على غسله بالتقليب ، وهذا يصدق عليه أنه غسّله في الجملة أيضاً ، أو أنه حقيقة لأنّ جبرئيل عليه‌السلام : معصوم ، فلا مانع من تغسيله المعصوم.

وأمّا التكبيرات فلعلّه أراد بالخمس والعشرين في حديث ( الأمالي ) : خمساً وعشرين زائدة على أُصول تكبيرات صلاة الأموات وهي الخمس ؛ تكرمة لصفوة الله آدم عليه‌السلام : وقد كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : على أُناس أكثر من خمس (٢).

وبالثلاثين في حديث العيّاشيّ : الأُصول على الزيادة جميعاً ، وفيه ما يشعر بذلك في الجملة حيث قال فيه : « فأمره جبرئيل برفع خمس وعشرين » ، أي أعلمه أنّها زائدة على أصل صلاة الأموات ، وهي الخمس التي جرت بها السنة.

وقد صرّح بهذا حديثا ( الوسائل ) ، لكن لم أظفر بهما إلّا بعد كتابة هذا المرسوم في الأصل فألحقتهما ، وبهما يظهر وجه آخر ، هو أنه صلّى عليه مرّة بخمس وعشرين ، وأُخرى بثلاثين ، وأُخرى بخمس وسبعين ، أو أنه كبّر خمساً وسبعين مع فوج ، وحضر آخرون فكبّر معهم ثلاثين ، وحضر غيرهم فكبّر خمساً وعشرين ، أو بعكس الترتيب ، وكلّها صلاة واحدة.

وفي حديث العيّاشيّ أن بين نوح : وآدم عليهما‌السلام : عشرة آباء كلّهم أنبياء (٣). وهذا منافٍ لظاهره.

ولعلّ المراد بهم : آباء روحانيّون ، وعلى هذا يمكن أن يراد بآدم فيه : آدم الأوّل عليه‌السلام : ، فلا منافاة بينه وبين غيره من الأخبار والتواريخ ، والله العالم.

__________________

(١) قصص الأنبياء : ٦٨ / ٦٩ / ٤٤ ، وسائل الشيعة ٣ : ٨٥ ، أبواب صلاة الجنازة ، ب ٦ ، ح ١٥.

(٢) بحار الأنوار ٧٨ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ / ١٣.

(٣) تفسير العيّاشيّ ١ : ٣٣٩ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٦٤.

١١٦

[٤١]

دفع إشكال وبيان

إهمال : تكليف الكافر بالفروع

في تفسير عليّ بن إبراهيم : بسنده إلى أبان بن تغلب : قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا أبان : ، إنّ الله لا يطلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به ، حيث يقول ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) (١) قلت له : كيف ذاك جعلت فداك؟ فسّره لي ، فقال ( وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) الذين أشركوا بالإمام الأوّل وهم بالأئمّة الآخرين كافرون. يا أبان : ، إنّما دعا الله العباد إلى الإيمان به فإذا آمنوا بالله ورسوله افترض عليهم الفرائض » (٢).

ورُوي في ( البحار ) (٣) أيضاً مثله عن أبان : عن أبي عبد الله : سلام الله عليه من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (٤) بطريقين ، ولعلّه يأتي ذكرهما.

قلت : هذا غير منافٍ لما ثبت بالنصّ المستفيض من الكتاب (٥) والسنّة ، بل المتواتر مضموناً ، وبالإجماع جيلاً بعد جيل ، وبالبرهان المتضاعف ، من أن الكافر مكلّف بالفروع.

__________________

(١) فصّلت : ٦ ـ ٧.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ٣٠٤ / ١٧.

(٤) تأويل الآيات الظاهرة : ٥٢١

(٥) إشارة إلى قوله تعالى في سورة فصّلت : ٦ ـ ٧ ، والقيامة : ١٣ ، والمدّثر : ٤٢ ـ ٤٦ ، والفرقان : ٦٨. انظر نهج الحقّ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤.

١١٧

وبيان ذلك أنه لمّا كانت الفرائض كالصفات واللوازم للإيمان بالله ورسوله ، فالأيمان بهما عنوان ذات الوجود بل حقيقته ، والفرائض كلّها بعده صفات له ، ولو لزم كان التكليف بالإيمان ، ووجوده سابق على التكليف بالفرائض ، ووجودها واقعاً ذاتاً سبق العلّة والموصوف والأصل والملزوم على المعلول والصفة واللّازم في جميع مراتب وجودهما ، فلا تحقّق في رتبة من رتب الوجود المعلول بلا علّته ، ولا صفة بلا موصوفها ، ولا فرع بلا أصله ، ولا لازم بلا ملزومه ؛ إذ التحقيق أن لا لازم أعمّ بل مساوٍ ، ولا اسم بلا مسمى ، ولا مظهر بلا ظاهر.

فمعنى الحديث أنّهم مكلّفون بالأصل أوّلاً وبالذات ؛ لأنه تكليف الحقيقة والوجود ، وبالفروع ثانياً وبالتبعيّة ؛ لأنّ الأصل صفة الذات ، والفرع صفة صفتها. انظر إلى أحاديث الذرّ (١) ، وإلى ترتيبها ، فإنّ الله تعالى أخذ على العباد العهد بالإقرار له بالربوبيّة ، ولمحمّد : بالرسالة ، ولخلفائه بالإمامة والولاية قبل أن يؤجّج لهم نار التكليف فيأمرهم بالوثوب فيها.

وهذا مطابق لما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : في ترتيب دعوته الخلق بعد البعثة ، فإنْ لم يظهر التكليف بالولاية ؛ لأنّها نتيجة وغاية ، والنهاية عين البداية ، فالعبادة فرع معرفة المعبود ، فإنّها صفتها وفرعها وحكايتها ، كما قال الحسين عليه‌السلام : « إنّ الله عزوجل ما خلق العباد إلّا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه ». فقال له رجل : يا ابن رسول الله ، بأبي أنت وأُمّي فما معرفة الله؟ قال معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته (٢).

ففي الحقيقة التكليف بالإيمان تكليف بجميع الفرائض ، فلا يتوهّم بينهما انفكاك زمانيّ ، بل سبق بالرتبة والشرف والعلّيّة ؛ ولذا ورد في تفسير الأمانة (٣) أنها الولاية (٤)

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٣٦ / ١ ـ ٢ ، و ١ : ٤٤١ / ٦ ، و ٢ : ١٠ / ١ ، و: ١٢ / ١.

(٢) علل الشرائع ١ : ١٩ ـ ٢٠ / ١ ، بحار الأنوار ٥ : ٣١٢ / ١.

(٣) الواردة في قوله تعالى : ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ .. ) الأحزاب : ٧٢.

(٤) تفسير القمّي ٢ : ١٩٨.

١١٨

وأنها جميع التكاليف. وهما طبق ؛ لأنّ التكاليف صفة الولاية كما عرفت.

فمعنى الحديث أن الكفّار مكلّفون بالإيمان أوّلاً وبالذات ، وبالفرائض ثانياً وبالتبعيّة والاستلزام ، فهم مكلّفون بها في ظاهر التكليف جميعاً في زمان واحد ، ومؤاخذون على ترك الفرائض ؛ لأنّهم تاركون ما كلّفوا به. فظهر الحديث وعدم منافاته لما أجمع عليه المسلمون. ولكنّ الإمام عليه‌السلام دلّ على أن المراد بالمشركين في الآية خصوص المنافقين أعني : الذين لم يقرّوا بالولاية وهو بيان لبطن من بطون القرآن ، وهذا غير منافٍ لظاهره ولا لغيره من البطون ، والله العالم.

١١٩
١٢٠