تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

منع (١) الحنفي كون اللغة (٢) والشرع (٣) استعمله في التعدية (٤) وإن لم يكن قياسا فهو غير صحيح ، ونص فيهما أيضا على عدم استعماله في الطاهر غير المطهّر.

وقد سمعت عبارة الخلاف ؛ مضافا إلى ما عرفت من نص أولئك الأجلاء.

فلا بدّ من حمل ذلك على قصد إبداء المناسبة بين المعنيين ، وتقريب المعنى (٥) المذكور من معنى المبالغة التي هي أصل في وضع « فعول » أو أنهم أرادوا بذلك الرد على أبي حنيفة على فرض تسليمهم ما ادعاه من كون الصيغة للمبالغة ، فبيّنوا إفادتها المطهريّة مع ذلك أيضا ، فتأمل.

رابعها : أن يكون صفة بمعنى الطاهر وهو ظاهر الراغب في مفرداته ، قال : ويكون صفة كالرسول ونحو ذلك من الصفات. وعلى هذا ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) (٦) تنبيها على أنه بخلاف ما ذكر في قوله : ( وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ ) (٧). انتهى.

وذكر نحوه الطبرسي في المجمع (٨) قال : وأمّا كونه صفة فهو في قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (٩) فهذا كالرسول والعجوز ونحو ذلك من الصفات التي جاءت على « فعول » ، ولا دلالة فيه على التكرار لما لم يكن متعديا نحو ضروب. انتهى.

وقد يستظهر ذلك من المحيط حيث قال : وكل ماء نظيف طهور.

__________________

(١) في ( د ) : « أن منع ».

(٢) في ( د ) : « في اللغة ».

(٣) في ( د ) : « في الشيوع » ، بدلا من : « والشرع ».

(٤) في ( د ) : « في العتذر ».

(٥) في ( د ) : « النوع ».

(٦) سورة الإنسان (٧٦) : ٢١.

(٧) سورة إبراهيم (١٤) : ١٦.

(٨) قال في مجمع البيان ٦ / ١٥١ ذيل الآية ٢١ من سورة الإنسان : شرابا طهورا أي طاهرا من الأقذار ، إلّا أنه قال في موضع آخر من المجمع ٥ / ١١٣ ذيل الآية ٤٨ سورة الفرقان : ماء طهورا أي طاهرا في نفسه مطهرا لغيره مزيلا للأحداث والنجاسات.

(٩) سورة الفرقان (٢٥) : ٤٨.

٦١

وكأنّ الأولى حمله على المعنى السابق.

وفي مجمع البحرين أنه محكيّ عن سيبويه. ولم نجد أحدا حكاه عنه. وقد يوهمه عبارة الراغب في المقام فكأنه أخذه منه (١).

وهو وهم فاسد كما لا يخفى على من راجعه.

وعزاه جماعة إلى أبي حنيفة (٢).

وزاد في شمس العلوم أصحابه ، ونسبه البغوي (٣) إلى (٤) أصحاب الرأي.

وحكي في كنز العرفان (٥) (٦) عن بعض الحنفية و (٧) العامة (٨) إنكار دلالته على غير الطهارة محتجّا بأنّ فعولا للمبالغة ، ولم ينسبا إلى أبي حنيفة أو غيره شيئا آخر ، وكأنّه الأصحّ في نقل مذهبهم.

وكيف كان ، فثبوت هذا المعنى للطهور غير بيّن الظهور عند الجمهور من نقلة اللغة ، ولا يساعد (٩) شي‌ء من الإطلاقات العرفيّة بل الظاهر من العرف خلافه ، وثبوته بمجرّد ما ذكر غير ظاهر ؛ إذ لا حجّة في قول أبي حنيفة وأصحابه بعد ثبوته (١٠) ، والعبارتان المنقولتان ليستا بتلك المكانة من الظهور ليعارض بهما كلام غيرهما من الأجلاء ، فالأظهر حملهما على إرادة

__________________

(١) وفي تاج العروس ١٢ / ٤٤٧ ( طهر ) : قال سيبويه : والطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا.

(٢) كما في مجمع البحرين ٣ / ٣٨٠.

(٣) تقرأ في ( الف ) : البضوي ، وفي ( د ) : « المغري ».

(٤) كذا ، والظاهر : إلى.

(٥) كنز العرفان ١ / ٣٧.

(٦) زيادة في ( ج ) و ( د ) : « والمعالم ».

(٧) في ( ج ) : « أو ».

(٨) ونسب في تذكرة الفقهاء ١ / ٨٠٧ هذا القول إلى أبي بكر بن داود وبعض الحنفية مستدلين بأن العرب لم تفرق بين الفاعل والفعول في التعدي واللزوم كقاعد وقعود وضارب وضروب. ونقل ذلك عن : أحكام القرآن للجصاص ٣ / ٣٣٨ ، تفسير القرطبي ١٣ / ٣٩ ، نيل الأوطار ١ / ١٩ وغيرها.

(٩) كذا ، والظاهر : لا يساعده.

(١٠) زيادة في ( ج ) و ( د ) : « عنهم ».

٦٢

التشبيه بالرسول (١) في مطلق الوصفيّة دون الخصوصيّة.

خامسها : أن يكون صفة بمعنى المبالغة في الطهارة. ذكره الزمخشري (٢) والمطرزي في المغرب ، وقد تقدم عبارة النهاية والمجمع والمفردات وجملة من الكتب الاستدلاليّة الّتي يظهر منها ذلك (٣).

وهذا المعنى أيضا غير مذكور في كلام أكثر أساطين أهل اللغة كالصاحب وابن نشوان وولده والجوهري والفيروزآبادي وابن فارس وغيرهم ، فالظاهر منهم عدم إثباته لهم (٤) ، بل لا يعرف مصرّح به سوى الزمخشري والمطرزي وعبارة النهاية وغيرها مما أشرنا (٥) إليه غير صريحة في ذلك ، بل الأولى حملها على ما مرّت الاشارة إليه.

وكيف كان فالظاهر أنّهما أيضا تبعا إمامهما الحنفي ، وأرادا بذلك انتصار مذهبه ، ومع ذلك فلم يستندا في ذلك إلى شاهد ظاهر من السماع (٦) ، وإنّما استندا فيه إلى القياس.

وبعد ما تبيّن من لزوم الاقتصار في صيغ المبالغة على المسموع يسقط (٧) هذا الكلام وما يحتجّ به بعد ذلك من قوله تعالى : ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) (٨) وقول الشاعر :

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « بالرسول ».

(٢) زيادة في ( ج ) و ( د ) : « في الكشاف والأساس ».

(٣) ويفهم هذا المعنى من الشيخ رحمه‌الله على ما حكاه عنه في البحار ٧٧ / ٦ ـ ٧ باب ١ بأنه لا خلاف بين أهل النحو في أن اسم « فعول » موضوع للمبالغة وتكرر الصّفة. ألا ترى أنهم يقولون : فلان ضارب ، ثم يقولون ضروب إذا تكرر ذلك منه وكثر. قال : وإذا كان كون الماء طاهرا ليس مما يتكرر ويتزايد ، فينبغي في إطلاق الطهور عليه غير ذلك. وليس بعد ذلك إلّا أنه مطهّر. قال صاحب البحار بعد ذلك : وفيه ما لا يخفى.

(٤) في ( د ) : « له ».

(٥) في ( ج ) : « بلا إشارة » ، بدلا من : « مما أشرنا ».

(٦) زيادة في ( ج ) : « يدلّ عليه ».

(٧) في ( د ) : « لسقط ».

(٨) الإنسان (٧٦) : ٢١.

٦٣

وريقهنّ (١) طهوراً (٢)

إذا المراد بهما (٣) مطلق الطاهر أو المبالغة فيه ؛ إذ لا نجاسة في الآخرة حتى يزيلها ولا معنى لدعوى المطهريّة في ريقها.

وقول بعضهم في ما حكاه في الأساس : اطلب لي ماء طهورا بليغا في الطهارة ؛ لا شبهة فيه.

مدفوع بأنّ إرادة المطهريّة ممكن في الآية ؛ لاحتمال أن يراد به التطهير عن (٤) حسب ما سوى الله كما حكي عن جماعة من المفسرين وروي عن الصادق عليه‌السلام.

أو (٥) المراد : تطهيرهم عن بقايا الأخلاق الخسيسة من البخل (٦) والحسد وغيرهما.

.. إلى غير ذلك ممّا قيل في تفسيرها.

ولا ريب أنّ ما ذكر هو المناسب للمقام ؛ إذ ليست الطهارة أو المبالغة فيها وصفا تميّز سببها (٧) في المقام ؛ لوضوح أن طعام الجنّة وشرابها في أعلى مراتب الطهارة والنظافة ، ولا خصوصية في ذلك للشراب.

ولو سلّم ذلك فلا ريب أن الامتنان (٨) بما ذكر أولى وإن لم يرجّح عليه فلا أقل من الاحتمال الذي يبطل به الاستدلال.

ويمكن أن يكون المقصود من البيت بيان كون (٩) ريقهنّ مزيلا للهموم والغموم.

__________________

(١) قد ثبت في المتن هنا وفي بعض ما يأتي : ربقهنّ بالباء الموحدة.

(٢) في ( د ) : « ريقهن طهور » ، بدلا من : « وريقهنّ طهورا » ، وفي المعتبر ١ / ٣٦ نقل الشطر هكذا : « عذاب الثنايا ريقهنّ طهور ». وانظر : جواهر الكلام ١ / ٦٣.

(٣) في ( د ) : « بها ».

(٤) لم ترد في ( ب » : « عن حسب ... تطهير ».

(٥) في ( د ) : « إذ ».

(٦) في ( د ) : « الغل ».

(٧) في ( د ) : « يمتنّ بها » ، بدلا من : « تميّز سببها ».

(٨) في ( د ) : « الإتيان » ، بدلا من : « الامتنان ».

(٩) لم ترد في ( د ) : « بيان كون ».

٦٤

وقد يحمل (١) أيضا على ادعاء (٢) كون ريقهنّ مطهرا (٣) على سبيل المبالغة ، والشاهد المذكور بعد تسليم (٤) كونه ممن يعتدّ بقوله لا إشارة (٥) فيه على استعمال الطهور في المبالغة ؛ إذ كون قوله بليغا في الطهارة تفسيرا للطهور غير معلوم لجواز كونه صفة أخرى (٦) للماء.

ولو سلّم إطلاق الطهور في الشواهد المذكورة على (٧) المبالغة في الطهارة ، فعدم اطّراده (٨) من أعظم الشواهد على التجوّز ؛ إذ من الظاهر عدم إطلاق الطهور عرفا على غير المطهّر.

وقد نصّ جماعة من الأفاضل على عدم إطلاق الطهور (٩) على الثوب والخشب (١٠) ونحوهما في لسان العرب ، ولو صحّ وضعه (١١) للمبالغة لما كان فرق بينها وبين الماء في ذلك.

وممّا يؤيّد ما قلناه أن صيغ المبالغة إنّما وضعت لإفادة تكرّر الصفة على ما نصّ عليه جماعة منهم (١٢).

وعن الشيخ (١٣) و (١٤) الراوندي (١٥) : أنّه لا خلاف بين أهل النحو في أن « فعولا » للمبالغة

__________________

(١) في ( د ) : « يحتمل » ، بدلا من : « يحمل ».

(٢) لم ترد في ( د ) : « على ادعاء ».

(٣) في ( د ) : « متطهرا ».

(٤) لم ترد في ( د ) : « تسليم ».

(٥) في ( د ) : « شهادة ».

(٦) في ( ألف ) : للأخرى.

(٧) في ( ج ) : « و » ، بدلا من : « على ».

(٨) كذا.

(٩) زيادة في ( ج ) : « عرفا على غير المطهّر ، وقد نصّ جماعة من الأفاضل على عدم إطلاق الطهور ».

(١٠) في ( ج ) : « الخبث ».

(١١) في ( د ) : « وصفه ».

(١٢) زيادة في ( د ) : « كالشيخ الجواد في المسالك والأسفرايني وغيره على ما حكاه في الكتاب المذكور ».

(١٣) تهذيب الأحكام ١ / ٢١٤.

(١٤) لم ترد في ( د ) : « و » ، والصحيح ثبوتها.

(١٥) فقه القرآن ١ / ٥٩.

٦٥

وتكرّر الصفة ؛ لأنّه (١) لا يطلق « ضروب » إلّا على من تكرّر منه الضرب وكثر.

ويؤيّده ظهور ذلك من الاستعمالات العرفيّة فإن ضروبا وأكولا وضحوكا ونحوها إنّما يصدق (٢) على من تكرّرت منه تلك المبادي لا على من حصلت منه مرّة ولو كانت في أعلى مراتب الشدّة.

وحينئذ نقول : لا يتصور حصول المبالغة بهذا المعنى في الطهارة لا بمعناها اللغوي ولا الشرعي.

أما الأوّل : فلعدم تعقّل (٣) التكرار في النظافة الحاصلة ، نعم يتصور حصوله بتكرّر ورود النجاسة وزوالها ، وهو لا يجدي هنا ؛ لظهور عدم إرادة ذلك من الطهور (٤) في المقام مع أنّه ممّا (٥) يجري في جميع الأشياء فلا وجه لاختصاص الماء وشبهه به.

وكذا الحال بالنسبة إلى معناه (٦) الشرعي إن أريد به المبالغة في حصول الصفة كما هو الظاهر.

وإن أريد به المبالغة في إعطائها أمكن فيه ذلك ويعقل فيه التكرار أيضا (٧) ؛ إذ لا مانع فيه (٨) إلّا أن يكون المبالغة (٩) حينئذ في التطهير.

وهو خلاف المفهوم (١٠) منه عرفا ، ومخالف لما ذكره (١١) في قاعدة المبالغة.

__________________

(١) في ( د ) : « وأنه ».

(٢) في ( د ) : « تصدق ».

(٣) في ( ج ) : « تفعل ».

(٤) في ( ألف ) : « الظهور ».

(٥) لم ترد في ( د ) : « ممّا ».

(٦) في ( د ) : « معناها ».

(٧) لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « ويعقل فيه التكرار أيضا ».

(٨) زيادة في ( د ) : « من التكرر ».

(٩) لم ترد في ( د ) : « المبالغة ».

(١٠) في ( د ) : « المعهود ».

(١١) في ( د ) : « ذكروه » ، بدلا من : « ذكره ».

٦٦

ومع ذلك يرجع إلى ما ذكرناه من إفادة المطهريّة (١).

وكأنّ ما ذكر هو السرّ في عدم وضع المبالغة لخصوص (٢) تلك المادّة.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره بعض المتأخّرين من جعله مبالغة في الطاهر ؛ استنادا إلى قبول الطهارة لغة وعرفا للزيادة والنقيصة ، فتأمّل.

فقد تحصّل من جميع ما ذكرناه معان ثلاثة للطهور ، ولوقوعه صفة في ظاهر الآية الشريفة يتعيّن الثالث منها ؛ إذ لا يقع المصدر صفة إلّا (٣) بالتّأويل ، وكذا اسم الآلة ، ولا مقتضى له فما ذكره جماعة من حمله على المعنى الثاني (٤) ليتمّ (٥) به الاستدلال على المطهريّة تكلّف.

وقد يصحّح بجعله بدلا عن الماء ، وهو أيضا خروج عن ظاهر الآية.

ثمّ بناء على ثبوت الحقائق الشرعيّة كما هو الأقوى يرجّح (٦) حمل الطهور على معناه الشرعي الذي هو أعمّ من إزالة الخبث ورفع الحدث على الأظهر ، فتدلّ (٧) بإطلاقه على حصول الأمرين.

ويعضده وقوعه موقع الامتنان.

وبناء على عدم ثبوتها يتقوّى أيضا حمله على المعنى الشرعي أو ما يعمّه بمقتضى المقام بل لا يبعد القول بكون رفع الحدث والخبث تطهيرا لغويا أيضا. غاية الأمر أن يكون خباثة المرتفع ثابتا بالشرع ؛ إذ بعد فرض دناسته يكون ارتفاعه تطهيرا في اللغة.

__________________

(١) في ( د ) : « التطهير به » ، بدلا من : « المطهريّة ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « لخصوص ... جعله مبالغة ».

(٣) لم ترد في ( ب ) : « إلّا ».

(٤) لم يرد في ( د ) : « الثاني ».

(٥) في ( د ) : « فيتمّ ».

(٦) في ( د ) : « يترجح ».

(٧) في ( د ) : « فيدل ».

٦٧

ولأجل ما عرفت نصّ جماعة من المحقّقين باستفادة (١) تعميم المتطهّريّة من الآية الشريفة وفسّره في السرائر بتطهير الحدث ولم يذكر غيره ، فظاهره الاقتصار عليه.

وكأنّه مبنيّ على خروج ما يرفع الخبث (٢) عن الطهارة في الشرع على ما ذكره جماعة واشتهر القول به.

وهذا (٣) خلاف التحقيق كما عرفت.

ثمّ إنّ قضيّة ظاهر الآية طهوريّة المياه النازلة من السماء ، وأما غيرها من مياه الآبار والبحار والنابعة من الأرض فالظاهر خروجها عن مدلول الآية فيتمّ الحكم فيها بعدم القول بالفصل.

نعم ، قد يدّعى كون جميع المياه نازلة من السماء لظواهر بعض الأخبار ، لكنّ الأظهر حملها على ما لا يخالف الظاهر بل المعلوم من الخارج على أنّها لا تجري في مياه البحار الّا أن يقال بنزولها أيضا من السماء.

فإن ثبت ذلك أيضا بدلالة الأخبار ـ إذ دلّ (٤) ما دلّ على الأوّل بذلك ـ كان تعميم الآية لهما (٥) خروجا عن الظاهر ؛ إذ المتبادر عرفا هو النزول على النحو المعروف (٦) ، ولا تشمل (٧) نحو نزول البحر في أوّل الدهر.

وقد يستنبط العموم من توصيف الماء بالطهور بناء على ظهور الآية في تعلّق الأخبار بالإنزال بالماء الموصوف بالطّهوريّة ، فتكون الطهوريّة صفة للجنس تثبت حيث ما ثبت.

وهو أيضا محلّ منع.

__________________

(١) في ( د ) : « باستبعاده ».

(٢) في ( ج ) و ( د ) : « الحدث ».

(٣) في ( د ) : « وهو ».

(٤) في ( د ) : « أو أوّل » ، بدلا من : « إذا دلّ ».

(٥) في ( د ) : « لها » ، بدلا من : « لهما ».

(٦) في ( د ) : « المتعارف » ، بدلا من : « المعروف ».

(٧) في ( د ) : « لا يشمل » ، بدلا من : « لا تشمل ».

٦٨

مع أن إفادة التوصيف قبل الإنزال كونه من صفات أصل الطبيعة غير معلومة. غاية الأمر أن يكون صفة للصنف (١) حاصلة له مع قطع النظر عن النزول ، فتدبّر.

ومنها : قوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) (٢)

والمشهور على ما حكي أنّها نزلت في بدر لمّا استبق الكفّار إلى الماء ، فاضطرّ (٣) المسلمون ونزلوا على تلّ من رمل وباتوا (٤) ليلتهم تلك من غير ماء ، فاحتلم أكثرهم فتمثّل لهم إبليس وقال : تزعمون أنكم على الحق وتصلّون بالجنابة ومن غير وضوء! وقد اشتدّ عطشكم ، وإذا أضعفكم (٥) العطش قتلوكم كيف شاءوا. فأنزل الله عليهم المطر وزالت تلك العلل وقويت قلوبهم ونزّل الله الآية (٦).

فيظهر بملاحظة ذلك دلالتها على الطهارة والطهوريّة من الحدث والخبث. ويجي‌ء تعميم الحكم أيضا بعدم القول بالفصل على ما ذكرنا (٧).

ومنها : قوله تعالى في سورتي النساء والمائدة بعد ذكر الوضوء واغتسال الجنب فإن ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٨) ، فقد دلّ صدر الآيتين على طهوريّة الماء من الحدث الأصغر والأكبر ، ودلّ عجزها على شمول الحكم لجميع المياه حيث علّق جواز العدول إلى التيمّم على فقدان الماء مطلقا.

__________________

(١) في ( ألف ) : « المصنّف ».

(٢) الأنفال (٨) : ١١.

(٣) في ( د ) : « المصطبر ».

(٤) في ( د ) : « فيأتوا ».

(٥) في ( د ) : « أضعتكم ».

(٦) في ( د ) : « ونزلت الآية ».

(٧) في ( د ) : « ما ذكر ».

(٨) النساء (٤) : ٤٣ والمائدة (٥) : ٦.

٦٩

ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) ، فقد ورد في المستفيضة المشتملة على الصحيح أنّها نزلت في الاستنجاء بالماء.

ولعلّ في الدعاء الوارد لمحلّ (٢) الاستنجاء من قوله : « اللهمّ اجعلني من التّوّابين ، واجعلنى من المتطهّرين » (٣) إشارة إليه.

وقد ورد مثل ذلك في الوضوء والغسل فكأنّ فيه إيماء إلى عموم الآية لحكم الحدث أيضا.

وبهذه الآية والآيتين السابقتين يثبت طهورية الماء من الحدث والخبث.

وأمّا السنّة (٤) والروايات الواردة في ذلك فهي مستفيضة بل متواترة ، وقد وردت فيه أخبار لا تحصى في مقامات شتّى ؛ إذ جميع الأوامر الواردة في الوضوء والغسل والغسل من النجاسة أدلّة على الطهورية.

وفي الصحيح : « كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من (٥) بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسّع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون » (٦).

وفي الحديث القدسي المرويّ في إرشاد الديلمي : « كانت الأمم السالفة إذا أصابهم نجس قرضوه من أجسادهم ، وقد جعلت الماء طهورا لأمّتك من جميع أنجاس والصعيد » (٧).

ويستفاد من آخره تعميم الأنجاس للأخباث والأحداث.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٢٢.

(٢) في ( د ) : « في حال ».

(٣) مصباح المتهجد : ١٣٠.

(٤) في ( ج ) : « الحسنة ».

(٥) لم ترد في ( د ) : « من ».

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ / ٩ ح ١٣ ، وعنه في وسائل الشيعة ١ / ١٣٤ ح ٣٢٥.

(٧) إرشاد القلوب ٢ / ٢٢٢ وعنه في بحار الأنوار ٧٧ / ١٥٠ ح ١٢.

٧٠

وفي مصباح الشريعة (١) عن الصادق عليه‌السلام : « فكما أن رحمته تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة تطهّر بالماء لا غير » (٢).

__________________

(١) مصباح الشريعة : ١٢٨.

(٢) في المصدر : « وكما أن رحمة الله تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غير ».

٧١

تبصرة

[ في كيفيّة تنجّس الماء ]

ينجس الماء بجميع أقسامه بتغييره (١) بالنجاسة في اللون أو الطعم أو الرائحة باجماع الاماميّة بل وإجماع الأمّة وحكاية الإجماع عليه مطلق أو إجماعنا خاصّة مستفيضة في كلامهم مطلق (٢) ، وفي خصوص بعض أفراده كالجاري والبئر والغسالة وغيرها.

ويدلّ عليه بعد ذلك الروايات المستفيضة ؛ منها النبوي المشهور : « خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شي‌ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (٣).

ورواه في الذكرى (٤) بدون ذكر اللون ، قال : وفي بعضها : « أو لونه » (٥).

وادّعى الحلي الاتّفاق على رواية الأوّل.

وعدّه العلّامة في المدنيّات من الصحاح ، وخصّه بالكثير وما في حكمه.

وادّعى بعض أفاضل المتأخرين استفاضته وأنّه مرويّ من الطرفين بطرق عدة ، ولم يرمها بالضعف في المعتبر والمنتهى والذكرى عند الاستدلال (٦) لابن أبي عقيل وإنّما راموا (٧) الجمع بينها وبين غيرها مع رمي غيرها من الأخبار الّتي استدلّ له بالضّعف في الأوّلين ، لكن الدائر على ألسنة جماعة من المتأخّرين ضعفها وأنها من الأخبار العاميّة.

__________________

(١) في ( ألف ) : « بتغيير ».

(٢) لم ترد في ( د ) : « مطلق ».

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٣٥ ح ٣٣٠ ، والمعتبر : ٩ ، وعنه في بحار الأنوار ٧٧ / ٩ ح ٤.

(٤) الذكرى : ٨.

(٥) في ( د ) : « أولوية » ، بدلا من « أو لونه ».

(٦) زيادة في ( د ) : « بها ».

(٧) في ( د ) : « رموا » ، بدلا من « راموا ».

٧٢

قال المحقّق في المسائل المصريّة (١) في الردّ على العماني حيث أصحّ (٢) له بالرواية : إنّ الرواية ممنوعة وإنّها مرويّة من طرق العامّة وأكثرهم طعن في سندها ، وهو ادّعى تواترها عن الأئمّة. ونحن ما رأينا لها سندا في كتب الأصحاب آحادا فكيف تواترا.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره الفاضل المذكور.

وكيف كان ، فانجبارها بعمل الأصحاب كاف في حجّيتها في المقام ، مضافا إلى اشتهارها ومطابقة مضمونها للأخبار الخاصّة ، فما يظهر من بعض المتأخّرين من التأمل في تنجّسه بالتغيير (٣) اللوني بضعف (٤) الرواية المذكورة وخلوّ الأخبار الخاصّة عنه ليس في محلّه ؛ لما عرف (٥) من الإجماع المعلوم والمنقول عن جماعة واعتضادها (٦) بالخبر المذكور بعمل الجمهور.

مضافا إلى الأخبار المستفيضة الخاصّة الدالّة عليه بالإطلاق من الروايات الدالّة على تنجّسه بغلبة النجاسة عليه أو تغيّره بها ونحو ذلك ، أو بالخصوص كصحيحة شهاب بن عبد ربّه ، ورواية فضيل (٧) ، والمحكيّة عن قرب الإسناد وفقه الرضا.

هذا ولنتم (٨) الكلام في هذا المرام برسم أمور :

[ المدار في صفات النجاسة ]

الأول : المدار في صفات النجاسة على الصفات الحاصلة لها بنفسها فالصفة الحاصلة فيها

__________________

(١) لاحظ : الرسائل التسع : ٢١٩.

(٢) في ( د ) : « احتج ».

(٣) في ( د ) : « بالتغيّر ».

(٤) في ( ج ) و ( د ) : « لضعف ».

(٥) كذا ، والظاهر و ( د ) : « عرفت ».

(٦) في ( ج ) و ( د ) : « اعتضاد الخبر ».

(٧) لم ترد في ( د ) : « و ».

(٨) في ( د ) : « لنتمم ».

٧٣

بممازجة ذي (١) صفة أو مجاورتها سواء كانت منعه (٢) لطاهر أو نجس لا عبرة بها لعدم إثبات (٣) الصفة عرفا إلى تلك النجاسة والظاهر من الأدلّة اعتبار التغيير بصفاتها لا صفات غيرها.

نعم ، لو وقعت النجاسة في بعض النجاسات المائعة وغيّرتها فغيّرت الماء بتلك الصفة المكتسبة احتمل التنجيس ، ويجي‌ء (٤) الإشارة إليها.

ولو (٥) كان العارض سببا لحصول صفة في (٦) النجاسة في نفسها كالنتن العارض للميتة بسبب الحرّ أو في البول بسبب الشمس أو طول المكث ألحقت بالصّفات الأصليّة ، وهو ظاهر.

[ الكلام في الصفات الطبيعية ]

الثاني : هل المدار في صفات الماء على الصفات الطبيعيّة سواء قلنا بأنّها وجودية أو عدمية أو الخلقيّة أو الموجودية (٧) فيه ، ولو كانت عارضيّة ، وجوه : أقواها الأوّل ، وهو المصرّح به في كلام جماعة من المتأخّرين ؛ إذ هي المتبادر من صفات الماء عند الإطلاق ؛ إذ ليست العارضة (٨) معدودة عرفا من صفات الماء ولو كانت خلقيّة أو لم يجئها بممازجة الغير أو (٩) مجاورته كما إذا تغيّر لطول المكث كما لا يخفى على من تأمّل في العرف.

وممّا يشهد بذلك أنّه لو أزيلت الصفة العارضة ـ خلقية كانت أو غيرها ـ بنجاسة مسلوبة الصفة موافقة للماء في صفاته الأصليّة حتّى عاد بها إلى صفتها الطبيعيّة لزم على (١٠)

__________________

(١) في ( د ) : « أيّ ».

(٢) لم ترد في ( د ) : « منعه ».

(٣) في ( د ) : « انتساب ».

(٤) في ( د ) : « سيجي‌ء ».

(٥) في ( د ) : « نعم لو » ، بدلا من : « ولو ».

(٦) لم ترد في ( د ) : « في ».

(٧) في ( د ) : « الموجودة ».

(٨) في ( د ) : « العارضية ».

(٩) في ( د ) : « و » ، بدلا من « أو ».

(١٠) في ( د ) : « من ».

٧٤

ذلك القول بتنجّسها.

وحينئذ لا بدّ من التزام عدم قبوله الطهارة المتوقّفة على زوال التغيّر إلّا بالاستهلاك (١) في الماء الطاهر إن سلّم استهلاك الشي‌ء في مثله أو بملاقاته للماء المتغيّر.

ومن الواضح فساد الالتزام به.

[ القول في الملوحة ]

ثمّ إنّه لا يبعد القول بكون الملوحة (٢) الحاصلة في بعض المياه (٣) كماء البحر من الصفات الطبيعيّة لظاهر العرف ، والقول بأنّ الأصل فيه العذوبة ، والملوحة إنّما طرأت عليه بالعارض (٤) غير معلوم ، والنظر إلى العرف يعطي أنّهما نوعان مستقلّان ، قال الله تعالى : ( هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ) (٥) وظاهر إطلاق صفات الماء يشملهما ، فلو فرض انقلاب المالح عذبا بالنجاسة توقف على الاستهلاك أو زوال تلك الصفة كما في عكسه على وجه قوي.

وفي الملوحة الحاصلة في الماء الخارجة من الأرض السبخة (٦) وجهان ، ولا يبعد إلحاقها بالأصليّة عملا بظاهر (٧) الأصل.

نعم ، لو علم كونها عارضيّة امتنع (٨) حكمها.

__________________

(١) في ( ب ) : « الاستهلاك ».

(٢) في ( د ) : « الملاحة ».

(٣) في ( د ) : « نفس الماء » ، بدلا من : « بعض المياه ».

(٤) في ( د ) : « لعارض ».

(٥) فاطر (٣٥) : ١٢.

(٦) في ( د ) : « الأراضي النجسة ».

(٧) في ( د ) : « فظاهر » ، بدلا من : « عملا بظاهر ».

(٨) في ( د ) : « اقبع » ، بدلا من : « امتنع ».

٧٥

وقد ظهر بما قلنا أنّه لو زالت الصفات الأصليّة عنه بطاهر أو بطول (١) المكث قدر بقائها على الصفة واعتبر تغييرها بتلك النجاسة ، وذلك وإن كان في الحقيقة نحوا من التقدير لعدم تغيير النجاسة لصفاته (٢) الأصليّة بالفعل إلّا أنّه لا يعدّ تقديرا في العرف بحكمهم (٣) إذن بحصول التغيير واقعا ، وجعلهم ذلك ساترا له على الحس مع عدم ظهوره ، ولذا تراهم لا يحكمون بزوال التغيير قطعا إذا تغيّر بالنجاسة ، ثمّ ورد عليه طاهر فصبغه بلونه وإن كان ذلك في ملاحظة العقل زوالا للصفة السابقة.

والمناط في المسائل المذكورة على متفاهم العرف دون الحقائق العقليّة. كيف ، ويؤتى الحكم على مقتضى حكم الأصل (٤) للعقل (٥) لزم عدم تنجّس الماء في الظلمة الشديدة بما يغيّر لونه من النجاسة بناء (٦) على القول بتبعيّة الألوان للأضواء كما عليه جماعة من المحقّقين ، وهو ضروريّ الفساد.

فليس الحكم بالنجاسة إذن إلّا لحكم (٧) العرف بالتّغيير.

وبذلك يظهر قوّة القول بالنجاسة في الفرع المشهور ، وهو ما إذا وافق الماء صفة النجاسة فامتزجت به بحيث لو لا الموافقة لظهر التغيير كما قطع به جماعة من المتأخّرين.

وكأنّ ذلك مراد من استدلّ له بحصول التغيير في الواقع وإن كان مستورا على الحس ؛ إذ حمله على ظاهره ظاهر الفساد ؛ لعدم انفعال الشي‌ء عن مماثله قطعا وإن كان أضعاف ضعفه (٨).

__________________

(١) في ( د ) : « طول » ، بدلا من : « بطول ».

(٢) في ( د ) : « بصفاته ».

(٣) في ( د ) : « لحكمهم ».

(٤) لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « الأصل ».

(٥) في ( ج ) و ( د ) : « ولو بنى الحكم على مقتضى حكم العقل » ، بدل : « ويؤتى الحكم على مقتضى حكم الأصل للعقل ».

(٦) لم ترد في ( ب ) : « بناء ... بالنجاسة ».

(٧) في ( د ) : « بحكم ».

(٨) في ( د ) : « أضعفه ».

٧٦

ولذلك اعترف في البيان بكونه من التقديري ، وجعله بعض المتأخّرين بحكم التقديري الآتي.

ويضعّف بأنّ هذا التقدير جار مجرى التحقيق بحكم العرف بخلاف ما هناك.

ويتفرّع على ما قلناه الحكم بطهارة الماء إذا كان متغيّرا بطاهر ومازجه بول مسلوب الصفة حتى أعاده إلى حالته الأصليّة لعدّه زوالا للتغيير.

[ التغيير في غير الأوصاف الثلاثة ]

الثالث : لا عبرة بالتغيير في غير الأوصاف الثلاثة كالثقل والخفّة والحرارة والبرودة بلا خلاف يعرف فيه.

وفي الغنية (١) والدلائل وغيرهما الإجماع عليه.

وفي كشف اللثام (٢) : كأنّه لا خلاف فيه للأصل والعمومات.

فظاهر النبوي المذكور وغيره من الأخبار الكثيرة وما ورد في بعض الروايات من إطلاق التغيير أو الغلبة ونحوهما محمول على الغالب من حصول الغلبة في أحدها.

ومع الغضّ عنه ، فالأخبار المذكورة من جهة اختصاصها واعتضادها بالعمل حاكمة عليها.

وعن الجعفي وابن بابويه (٣) اعتبار غلبة (٤) النجاسة ، فقد يوهم إطلاقهم الغلبة على غير الأوصاف الثلاثة إلّا أنّه كالروايات المذكورة محمول على الغالب. قال في الذكرى (٥) بعد حكاية ذلك : وهو موافقة في المعنى.

__________________

(١) الغنية : ٤٧٩.

(٢) كشف اللثام ١ / ٢٥٥.

(٣) كشف اللثام ١ / ٢٥٥ ؛ الذكرى : ٨.

(٤) في ( د ) : « أغلبية ».

(٥) الذكرى : ٨.

٧٧

[ مجاورة النجاسة ]

الرابع : لا ينجس الماء بالتغيير الحاصل بمجاورة النجاسة بلا خلاف فيه ، ويدلّ عليه بعد الإجماع محصّلا ومنقولا على لسان جماعة ، الأصل مع اختصاص معظم ما دلّ على نجاسة المتغيّر بالملاقي للنجاسة ، وعدم انصراف إطلاق البعض في العرف إلى ذلك (١) ، وأنّه مع عدم الملاقاة لا موجب للتنجيس.

ومجرد الصفة أو الريح الحاصل (٢) لها ليس نجسا حتّى ينجّس الماء.

وفي إطلاق ما دلّ على جواز استعمال الأجن تأييد لذلك أيضا ، ولا بدّ من العلم باستناده إلى الملاقاة فلو وجد الماء متغيّرا بالجيفة ، و (٣) احتمل وقوعها فيه بعد تغييره بالمجاورة من دون أن يستند التغيير إلى الملاقاة لم يحكم بالنجاسة ، فلا عبرة بالظّهور (٤) ، وإن استفيد من إطلاق بعض الأخبار الاكتفاء به إلّا أنّ الظاهر حمله على الغالب من حصول العلم ، ولا بدّ من استقلال الملاقاة في حصول التغيير ، فلو حصل من مجموع المجاورة والملاقية لم يؤثّر.

وكذا لو كان التغيير حاصلا عن بعضها الملاقية وبعضها الخارجة كما إذا وقعت جيفة في الماء المنبسط على الأرض وكان أكثر أجزائها خارجا فاستند التغيير إلى مجموع الأجزاء الداخلة والخارجة.

ومع الشك يبنى على الأصل في وجه قويّ إلّا أنّ قضيّة جملة من الإطلاقات هنا البناء على النجاسة ويتقوّى حملها على الغالب.

ولو وقعت جيفة في المضاف المتّصل بالماء فسرى التغيير منه إليه من دون امتزاج المضاف به ، ففي نجاسة الماء وجهان مبنيّان على أصالة الطهارة وكونه من قبيل التغيير

__________________

(١) في ( د ) : « إلى غير ذلك ».

(٢) في ( د ) : « الحامل ».

(٣) لم ترد في ( د ) : « و ».

(٤) في ( ب ) : « بالطهور ».

٧٨

بالمجاورة ، وعلى صدق التغيير (١) بالنجاسة في العرف فيشمله الإطلاقات.

وكونه من قبيل التغيير بالمجاورة الذي قطعوا بعدم اعتبارها (٢) غير معلوم ، فيلزم البناء على حكم الإطلاق.

ويجري الوجهان في غير المضاف من سائر المائعات إلّا أنّ البناء على الطهارة هنا أقوى.

[ اعتبار التغيير حال الملاقاة ]

الخامس : يعتبر في نجاسة الماء حصول التغيير حال ملاقاة النجاسات (٣) ، فلو لم يتغيّر بها حال الملاقاة لحصول مانع في الماء من قبوله ثمّ ارتفع المانع بعد ارتفاع الملاقاة فيحصل التغيير ، لم (٤) يحكم بالنجاسة إن كانت النجاسة غير ممازجة.

وأمّا إن كانت ممازجة واستهلكت فيه من دون حصول التغيير ثمّ حصل بعده بعد ارتفاع المانع ففيه وجهان.

ويتقوّى فيه الحكم بالطّهارة أيضا لتطهّر (٥) الممازج حينئذ ، ولا منجّس (٦) بعده.

هذا إذا كان المانع موجبا لعدم التأثير من النجاسة ، وأمّا إذا منع الظهور على الحسّ كالحرارة والبرودة الشديدتين المانعتين من إدراك الطعم الخفيّ فلا شبهة في حصول النجاسة من أوّل الأمر مع اليقين بحصوله.

ثمّ إنّ المدار في التغيير على تبدّل صفة الماء بالنجاسة سواء كان بتحويله إلى صفة النجاسة أو صفة ثالثة مغايرة لهما ، ولا فرق بين كون الصفة سارية من النجاسة إليه أو حاصلة بسببها وإن لم تكن من صفتها ، كما قد يجي‌ء اختلاف اللون أو الطعم في الماء بسبب الجيف

__________________

(١) في ( د ) : « التغيّر » ، بدلا من : « التغيير ».

(٢) في ( د ) : « اعتباره ».

(٣) في ( د ) : « النجاسة ».

(٤) لم ترد في ( ب ) : « لم يحكم ... حصول التغيير ».

(٥) في ( ج ) و ( د ) : « لطهر ».

(٦) في ( د ) : « يتنجّس ».

٧٩

الواقعة فيه من جهة فساد طبيعة الماء بها من دون أن يكون طعم الجيفة أو لونها حاصلا فيه ، ولا بد من كون الصفة الحاصلة مستندة إلى النجاسة ، فلا يكتفى بمجرّد ظهورها بسبب النجاسة إن كان الظاهر مجموع صفة النجاسة وغيرها ، فلو وضع طاهر أحمر في الماء بحيث لم يتغيّر به ثمّ أكمل بشي‌ء من الدم فغيّره لم ينجس به إذا لم يستقل بالتغيير ، ولو فرض إعداد الأمر الخارج بسرعة (١) الانفعال من النجاسة قوي تنجّس الماء بها وإن لم تغيّره مع عدمه.

ثمّ إنّ المعتبر من التغيير ما يحسّ (٢) به غالب الناس ، فلا عبرة بما يحسّ به الأوحدي منهم ممّن له إحساس خارج عن العادة (٣) ، فهو إذن طاهر (٤) عند من أحسّ به أيضا إذا علم عدم إحساس الغالب به أو شكّ فيه في وجه قوي.

ويحتمل القول بنجاسته بالنسبة إلى من أحسّ به لصدق التغيير عنده على سبيل الحقيقة.

[ مدار التنجّس : التغيّر بالنجاسة ]

السادس : قد عرفت أنّ المدار في تنجيس (٥) الماء على التغيير بالنجاسة ، فلا عبرة بتغييره (٦) بالمتنجّس في ظاهر المذهب ؛ للأصل ، وظواهر جملة من الأخبار ، وإطلاق بعضها وإن عمّ ذلك أيضا إلّا أنّه بظاهره ينصرف (٧) إلى غيره.

مضافا إلى فهم الأصحاب.

__________________

(١) في ( د ) : « لسرعة ».

(٢) في ( ألف ) : « يحسن » ، وكذا فيما بعده.

(٣) في ( د ) : « المعتاد ».

(٤) في ( ألف ) : « ظاهر ».

(٥) في ( د ) : « تنجّس » ، وكلاهما صحيح.

(٦) في ( د ) : « بتغيره » ، وكلاهما متّجه.

(٧) في ( د ) : « منصرف ».

٨٠