تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

ونحوه ؛ نظرا إلى أنّ الواجب إزالة العين والأثر ، فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر ، ويسقط ذلك بتعذّر المطهّر؟ قولان اختار أوّلهما الفاضلان والشهيد في الذكرى.

وظاهر التعليل المذكور وجوب ذلك بالنسبة إلى سائر النجاسات أيضا.

وعن بعض المتأخرين أنّه فهم ذلك حصول الطهارة الاضطرارية بذلك من الأصحاب كالتيمّم بالنسبة إلى الأحداث ، ووافقهم عليه.

وقد فهم الفاضل الجزائري أيضا ذلك من كلام الفاضلين ، وذكر أنّه لم يذهب إليه سواهما.

واستفادة ذلك من كلامهم كما ترى ، بل التعليل المذكور صريح في بقاء الأثر أعني النجاسة ، فالقول بالطهارة إن ثبت ضعيف جدا ؛ لما عرفت من الإجماعات والأخبار الدالّة على تعيين (١) تطهيره بالماء ، من غير ظهور دليل على حصول الطهارة الاضطرارية بذلك.

وقد يستدلّ عليه بموثّقة ابن بكير ، ولا دلالة فيها على ذلك.

نعم ، يجري عليه حكم الطاهر بالنسبة إلى الصلاة لسقوط حكم النجاسة إذن حال الضرورة ، وأمّا وجوب التجفيف في النجاسة كما ذكروه فهو لا يساعده الاعتبار المذكور إلّا أنّه لا ينهض حجّة على ثبوت الحكم ، فالبناء على أصالة البراءة أقوى.

__________________

(١) في ( د ) : « تعيّن ».

٤٠١

تبصرة

[ في الاستنجاء من الغائط ]

يتعيّن الماء أيضا في الاستنجاء من الغائط مع التعدية بلا خلاف بين الطائفة ، وحكاية الاجماع عليه مستفيضة في كلامهم.

ففي المعتبر (١) أنّه مذهب أهل العلم. وفي التذكرة (٢) أنّه متعيّن إجماعا.

وفي الروض (٣) أنه إجماعيّ من الكلّ.

وفي كشف اللثام (٤) : يجب الغسل به خاصّة إجماعا.

إلى غير ذلك من الإجماعات المحكيّة عليه.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ الأصل والنبويّ : « يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محلّ العادة » (٥).

قلت : كلام الأصحاب فيما ذكر لا يخلو عن إجمال. ويظهر حقيقة الحال ببيان أمرين :

أحدهما : أن المدار في التعدي على تجاوز بين المحلّ المعتاد بحيث لا يعدّ إزالته عن ذلك استنجاء في العادة كما اختاره في المدارك (٦) ونحوهما فالوجه (٧).

__________________

(١) المعتبر ١ / ١٢٨.

(٢) انظر تذكرة الفقهاء ، ٢ / ٤٩٤.

(٣) روض الجنان : ٢٣.

(٤) كشف اللثام ١ / ١٩.

(٥) عوالي اللئالي ٢ / ١٨١ ، وفيه : روى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محل العادة ».

(٦) مدارك الاحكام ١ / ١٦٦.

(٧) الظاهر أن في العبارة نقصا ، والنسخ كلها كما أدرجنا.

٤٠٢

وفي مجمع الفائدة (١) بعد ما فسّر المتعدّي بالمتفاحش بحيث يخرج عن العادة ويصل إلى الألية كما اعتبروا ذلك في عدم عفو ماء الاستنجاء قال : ولو لا دعوى المصنّف الاجماع في التذكرة (٢) على أنّ المتعدّي هو ما يتعدّى عن المخرج في الجملة لقلت : مراد الأصحاب بالتعدّي هو ما قلناه ؛ لعموم الأدلّة وعدم المخصّص ، ثمّ قال (٣) : والذي يقتضيه النظر في الدليل عدم الالتفات إلى هذه الأمور وحصول التطهير مطلقا إلّا على وجه ؛ لعدم تنجّس غير الموضع المتعارف والمعدى (٤) العرفي.

وظاهر كلامهم (٥) هو اختيار ما قلناه وأمّا اعتبار الوصول إلى الألية كما يظهر من أوّل كلامه فبعيد جدّا ؛ لوضوح صدق التعدي من دونه ، ولذا نصّ جماعة بحصول التعدّي وإن لم يبلغ الأليتين.

وربّما يظهر من بعض العبارات اتفاقهم عليه.

وعلى ما اخترنا فالوجه في عدم الإجزاء ـ مضافا إلى ما عرفت ممّا لا خفاء فيه من الخبر ـ الأصل.

وعن جماعة من الأصحاب أنّ المدار على التجاوز من المخرج وإن لم يتفاحش.

وهو بعيد ؛ إذ لا دليل على تعيّن الماء حينئذ ، وإطلاق المستفيضة الدالّة على جواز الاستجمار (٦) أوضح شاهد على فساده لغلبة التجاوز عن عين المخرج.

ولو لاها فلا أقلّ من عدم الخروج عن النحو المعتاد الذي يصرف إليه الإطلاق.

نعم ، هناك إجماعات محكيّة متكثّرة دالّة على أنّ الغائط إذا تعدّى المخرج يتعيّن غسله بالماء ، فقد يستظهر منه مجرّد التعدي وإن لم يتفاحش ، وقد يجعل ذلك دليلا على التفسير

__________________

(١) مجمع الفائدة ١ / ٩٠.

(٢) التذكرة الفقهاء ١ / ١٤.

(٣) مجمع الفائدة ١ / ٩٠.

(٤) في ( د ) : « التعدّي ».

(٥) في ( د ) : « كلامه ».

(٦) في ( ألف ) : « الاستحجار و ».

٤٠٣

المذكور. ولا يخلو ذلك من خفاء. وحملها على ما ذكرنا غير بعيد.

ثانيهما : لزوم الاقتصار على الماء في محلّ التعدية واضح لا خفاء فيه كما عرفت ، وأمّا في المخرج فمقتضى الإطلاقات جواز الاستجمار أيضا.

نعم ، ربّما دلّت الرواية المذكورة على المنع إلّا أنّها عاميّة ، مع أنّها غير صريحة فيه ؛ إذ غاية ما يقتضيه عدم الاكتفاء بالأحجار.

وقد يحمل عليه إطلاق الأصحاب ، فمقصودهم إذن عدم جواز الاقتصار على الاستجمار ، لا عدم الاكتفاء به في محل النجو (١) وإن استعمل الماء في الباقي.

ويمكن حمل الإجماعات المحكيّة على تعيّن الماء حينئذ عليه ، وإن كان الظاهر منها ومن كلام الأصحاب خلافه.

قال بعض الأفاضل : لم يحصل الاطلاع على نصّ من الأصحاب بشي‌ء ، وإثبات وجوب غسل الجميع لا يخلو من إشكال إن لم يكن إجماع.

وفي الحدائق (٢) : لم أقف على صريح كلامهم في ذلك إلّا أن ظاهر عباراتهم الأوّل.

قلت : وحمل تلك الظواهر على ما قلناه غير بعيد. ويقرب ذلك قطعهم بالمسألة من غير نقل خلاف فيه مع عدم قيام شي‌ء من الأدلّة على الإطلاق ، وما هو معلوم من طريقة المتأخرين في الأحكام الاتفاقيّة عند إعواز النصوص الشرعيّة. قال في المدارك (٣) بعد تفسير التعدي بما اخترناه : وعليه فالأمر واضح.

ونحو منه ما في الذخيرة ، ويرشد عليه أيضا أنّه مع انفصال محلّ التعدية عن المخرج لا ينبغي الريب في الاجتزاء به فيه ؛ إذ لا دخل لتنجس محلّ آخر في ارتفاع حكم المحلّ مع أنّه لو بنى على ظاهر إطلاقهم قضي بالمنع ، وهم لا يقولون به قطعا ، فالأقوى الاكتفاء إذن بالأحجار في محلّ النجو مطلقا. وهو الظاهر من شيخنا البهائي رحمه‌الله.

__________________

(١) في ( ب ) : « التجوّز ».

(٢) الحدائق الناضرة ٢ / ٢٨.

(٣) مدارك الأحكام ١ / ١٦٨.

٤٠٤

تبصرة

[ في الاستنجاء بالماء والأحجار وما قام مقامها ]

يتخيّر في محلّ النجو بين الاستنجاء بالماء والأحجار وما قام مقامها بلا خلاف بين الطائفة بل الامّة إلّا ما حكي عن شذاذ من أهل الباطل حيث ذهبوا إلى تعيّن الماء مع وجدانه. وآخرين منهم حيث نفوا الاستنجاء بالماء.

وكلاهما مدفوعان بالنصّ من صاحب الشرع وإجماع أهل الحق.

والمشهور الاجتزاء بكلّ جسم قالع للعين إلّا ما استثني.

وعن الديلمي اعتبار كونه ممّا أصله الأرض.

وعن السيد (١) : أنه يجوز الاستنجاء بالأحجار أو ما قام مقامها من المدر والخزف (٢).

وعن الإسكافي (٣) : إن لم يحضر الأحجار تمسح بالكرسف أو ما قام مقامه. وذلك يعطي الترتيب بين الأمرين.

والأقوى الأوّل ؛ للصحيح : هل للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتّى ينقي مأثمة » (٤) (٥).

والموثّق : « يغسل ذكره (٦) ويذهب الغائط » (٧) ؛ لتعليق الحكم فيهما على مطلق النقاء

__________________

(١) نقل عنه الحدائق الناضرة ٢ / ٢٩.

(٢) في ( د ) : « الخرق ».

(٣) نقل عنه مصباح المنهاج ٢ / ٨٢.

(٤) في النسخ المخطوطة : « ينفى ما عنه » ، وما أورجناه من الصدر.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ٢٩ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح ١٤.

(٦) الكافي ٣ / ١٨ ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح ١٥ و ١٦.

(٧) تهذيب الأحكام ١ / ٤٧ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح ٧٣.

٤٠٥

والإذهاب المصانعين (١) مع كلّ ما يقلع العين.

مضافا إلى الشهرة المعلومة والمنقولة.

وليس (٢) في الأدلّة ما يقتضي اعتبار خصوصيّة بعض الأعيان. نعم ، ورد ما يفيد الاكتفاء بجملة أمور :

منها : الأحجار والكرسف والمدر (٣) والخزف على بعض النسخ ، ولا إشارة فيها إلى عدم الاجتزاء بغيرها ، بل وربّما استفيد منها ارادة المثل (٤).

والمقصود إزالة العين كيف ما كان ، مضافا إلى النهي عن خصوص الزفت والرمة.

وتعليله في بعض الأخبار بأنّه طعام الجنّ ، فيومي ذلك إلى جواز غيرهما ، فتأمّل بعض الأفاضل في خصوص غير المنصوص للمناقشة في شمول الخبرين ليس في محلّه ، ولم نعثر للديلمي على حجّة بل يدفعه إطلاق ما دلّ على الاجتزاء بالخرق ؛ لصدقها على المنسوجة عن الصوف وليس ممّا أصله الأرض ، وتعميمه لذلك يوجب انطباقه على المشهور.

وقد يستدل لابن الجنيد بالمرسل : « جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار : » (٥) الخبر بحمل (٦) ما دلّ على اجزاء غيره على صورة تعذّره. ولا يخفى ضعفه.

هذا وقد اعتبر فيما استنجي به أمور :

منها : الطهارة من غير خلاف يعرف.

وفي المنتهى (٧) : أنّه قول علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك انصراف الإطلاقات في مقام التطهير إلى الطاهر ، وهو

__________________

(١) في ( د ) : « الصانعين ».

(٢) زيادة « ليس » من ( د ).

(٣) زيادة في ( د ) : « والخرق ».

(٤) في ( د ) : « المثال ».

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ٤٦ ، باب آداب الاحداث الموجبة للطهارات ، ح ٦٩.

(٦) في ( ألف ) : « يحمل ».

(٧) منتهى المطلب ١ / ٤٤.

٤٠٦

المعهود في إزالة النجاسة ، ولا أقل من الشك في شمولها للنجس ، وهو كاف في المقام لقضاء الأصل بالنجاسة ، مضافا إلى أنّه مع نجاسته ينجس به المحلّ مع ملاقاته رطبا كما هو الغالب ، ويتعين إذن تطهيره بالماء (١) فكيف يصحّ إزالتها.

وقد يحتجّ عليه أيضا بالمرسل : « جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار ابكار ويتبع بالماء » (٢).

ومجرّد ذكر الإتباع بالماء لا يقضي بحمل الأول على الاستحباب ، والقول بأنّ البكارة ليست معتبرة اتفاقا لجواز الاستنجاء بها بعد غسلها بلا خلاف ، فيتعيّن حمله على الندب ؛ مدفوع بأنّه لا كراهة أيضا في استعماله بعد الغسل ، فالظاهر اندراج المستعمل بعد تطهيره في البكر.

نعم ، قد يستشكل فيه بأنّ ظاهره المنع من استعمال المستعمل مع عدم (٣) تنجيسه بالاستعمال أو إذا استعمل غيره (٤) وضع النجاسة منه ، ولا مانع فيه عند القائلين بعدم المنع من استعمال المستعمل إلّا أن تقيّد الإطلاق به عند هذا القائل.

وفيه : أنّه ليس بأولى من الحمل على الاستحباب إلّا أن يجعل الشهرة مرجّحة للحمل على الأوّل أو يقال بحجيّة الرواية في مورد الشهرة خاصّة ، فلا تنهض حجّة فيما عداه ، فتأمّل.

ومنها : الجفاف ، وقد ذهب إلى اعتباره جماعة من الأصحاب منهم الفاضل في المنتهى (٥) والشهيد الثاني في الروض (٦) والروضة (٧).

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « فكيف .. بالماء ».

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٤٦ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح ٦٩.

(٣) لم ترد في ( ب ) : « مع عدم .. المستعمل ».

(٤) في ( د ) : « غير ».

(٥) منتهى المطلب ١ / ٤٦.

(٦) روض الجنان ٢٤.

(٧) الروضة البهية ١ / ٣٣٧.

٤٠٧

وعزاه في الحدائق (١) إلى صريح الأكثر.

وظاهر آخرين منهم عدم اشتراطه حيث لم يذكروا ذلك في شرائطه.

ويوجّه اشتراطه بذلك تارة بأنّه مع الرطوبة لا تنشف به المحلّ ، وتارة بأنّ البلل الذي فيه ينجس بالملاقاة ، فيسري منه النجاسة إلى الحجر ، ومع تنجّسه لا يصلح للتطهير.

وأخرى بأنّ الرطب لا يزيل النجاسة بل يزيد التلويث.

ودفع الجميع بأنّ المعتبر هو قلع النجاسة دون تنشيف المحلّ ، ولو من غير رطوبة النجس ، وإلّا لم يمكن التطهير بالماء.

ولو سلّم فهو إنّما يتمّ بالنسبة إلى المسحة الثالثة ، وإنّ تنجّس الحجر بذلك إنّما هو بواسطة نجاسة المحلّ لأجل الاستعمال ، وهو لا يضرّ بالحال ، وإلّا لم يمكن التطهير بالماء عند القائل بالانفعال وإنّ المفروض إزالة النجاسة بها ؛ إذ مع عدمها لا مجال للمقال.

قلت : غاية ما ثبت من الأدلّة انتفاء المانع من جهة تنجس الأحجار عن المحلّ ، وأمّا الرطوبة الحاصلة فيها فلا دليل على خروجها عن القاعدة ، فهي نجسة منجّسة للأحجار ، فلا يجوز استعمالها ؛ لما عرفت من اشتراطها بالطهارة لأنّها مع رطوبتها تسري النجاسة منها إلى المحلّ فينجس بها ، ولا دليل على العفو من الرطوبة النجسة الحاصلة منها ، ولا على الاكتفاء منها (٢) بالاستجمار.

وقياس ذلك على الرطوبة الباقية و (٣) الاستنجاء بالماء فاسد ؛ إذ لا شاهد على التسرية ، فيتعيّن في إزالتها الماء ، فلا فائدة إذن في التجفيف الحاصل بالحجر اللاحق ، فبملاحظة ذلك يتقوّى القول باعتبار الجفاف ، مضافا إلى اعتضاده بالاستصحاب.

نعم ، لو كانت الرطوبة الحاصلة فيه غير مسرية فالظاهر أنّه لا مانع عنها ، وكأنّها خارجة عن محلّ الخلاف.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢ / ٣١.

(٢) في ( د ) : « فيها ».

(٣) في ( د ) : « في ».

٤٠٨

ومنها : أن لا يكون مستعملا ، وإليه ذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية (١) والقاضي (٢) والطوسي (٣) وابنا سعيد. وظاهر ذلك يعمّ ما تنجّس بالاستعمال أو لا سواء استعمل موضع النجاسة أو غيره.

ويدلّ عليه المرسلة المتقدمة الدالّة على اعتبار البكارة في الأحجار ، وهي ضعيفة الإسناد غير قابلة لتقييد الإطلاقات.

ويمكن حملها على إرادة الطهارة كما مرّت الإشارة إليه ، وربّما يحمل عليه كلام الجماعة ، ولذا ذهب آخرون إلى عدم اعتباره حيث لم يذكروا ذلك في الشرائط ، وهو الأقوى.

بل ربّما يظهر من المختلف (٤) أنّ استعمال المحلّ الطاهر منه ثانيا في استنجاء آخر من المسلّمات ، ولو غسله فالظاهر عدم الخلاف في جواز استعماله ، ولو كسر موضع النجاسة ففي جواز استعمال الباقي وجهان.

ومنها : أن يكون قالعا لعين النجاسة فلا يجزي الرخو (٥) ولا الصيقل ونحوهما. واعتبار هذا الشرط واضح بل لا حاجة إلى اشتراطه ؛ إذ المفروض [ ... ] (٦).

__________________

(١) النهاية : ١٠.

(٢) المهذب ١ / ٤٠.

(٣) الوسيلة : ٤٧.

(٤) مختلف الشيعة ١ / ٢٦٧.

(٥) في ( د ) : « الرخو » بدل : « الوضوء ».

(٦) هنا سقط في النسخ المخطوطة ، ولعلّه مما لم يؤلّف.

٤٠٩

تبصرة

[ في مستحبات المتخلّي ]

يستحب للمتخلّي أمور :

منها : ستر البدن كلّا (١) عن الناظر مطلقا ، تأسّيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه لم ير في بول ولا غائط قطّ.

وعن الصادق عليه‌السلام في وصف لقمان عليه‌السلام : « أنّه لم ير واحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدّة تستّرته وتحفّظه في أمره » (٢).

وقوله : « من أتى الغائط فليتستّر » (٣).

ورواية حمّاد ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن لقمان : « إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض » (٤).

والأظهر اعتبار التمييز فيه ، فلا يستحب التستّر عن غير المميّز مطلقا.

والمدار على ستر الشخص لا جسم البدن ، ويحصل بكلّ ما يحصل به خفاء الشخص من الدخول في البيت والولوج في الحفيرة والدخول تحت البناء (٥) وإبعاد المذهب (٦) في الأرض.

وذكر الأخير خاصّة في رواية حمّاد لفرضه ظاهرا في السفر ، والغالب فيه عدم حصول مواراة الشخص بدونه ، وهو الوجه فيما رواه جنيد بن عبد الله من فعل امير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١) في ( د ) : « كملا ».

(٢) وسائل الشيعة ١ / ٣٠٥ ، باب استحباب التباعد عن الناس عند التخلي ، ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ٣٠٦ ، باب استحباب التباعد عن الناس عند التخلي ، ح ٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٩٧ ، باب آداب المسافر ، ح ٢٥٠٥.

(٥) في ( د ) : « الخباء ».

(٦) زيادة : « في » من ( د ).

٤١٠

وهل يكتفي بالظلمة الشديدة أو عن الناظر؟ وجهان ؛ أقواهما ذلك.

ولو علم صاحبه إذن بالحال ففي ثبوت الكراهة مع قرب محله منه احتمال يعضده مراعاة بعض العمومات.

ويعمّ الحكم حال كلّ من البول والغائط ؛ لإطلاق ما عرفت.

نعم ، النبويّة المذكورة خاصّة بالغائط ، وقد يعمّم أيضا للبول.

وقد يستفاد من غير واحد من الأخبار عدم استحباب الاستتار ( حال التبوّل. ويمكن الحمل على عدم تأكّده بالنسبة إليه كما هو ظاهر الاعتبار أو على عدم التمكّن من الاستتار ) (١) أو حصول مشقة فيه. وذهب بعض المتأخرين إلى عدم الكراهة فيه استنادا إلى جملة من النصوص. وقد عرفت الحال فيها.

وفي ثبوت الحكم لحال الاستنجاء أيضا وجه ، وقد يستفاد ذلك من رواية جنيد وقوله عليه‌السلام : « كما يقعد للغائط » (٢).

ولا يخلو عن خفاء. وكأن في رواية عبد الرحمن بن كثير الحاكية للضوء البياني إشارة إلى عدمه.

ومنها : تغطية الرأس على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب ؛ لكونها من سنن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما نصّ عليه المفيد في المقنعة (٣).

وفيه أيضا أنّه يأمن به من خبث الشيطان ، ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه.

وفي الروضة (٤) والمدارك (٥) أيضا أنها من سنن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والظاهر أنّهما أخذاه من المفيد رحمه‌الله ؛ إذ (٦) لم نجده فيه نقلا عن غيره.

__________________

(١) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(٢) الكافي ٣ / ١٨. باب القول عند دخول الخلاء ، ح ١١.

(٣) المقنعة : ٣٨.

(٤) الروضة البهية ١ / ٣٤٠.

(٥) مدارك الأحكام ١ / ١٧٤.

(٦) زيادة : « إذ » من ( د ).

٤١١

وفي المعتبر (١) والذكرى (٢) أنّ عليه اتفاق الأصحاب.

ومنها : التقنّع لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لأبي ذر : « استحي من الله ، فإنّي والذي نفسي بيده لأظلّ حين أذهب إلى الغائط مقنّعا بثوبي استحياء من الملكين اللّذين معي » (٣). وعن الصادق عليه‌السلام : أنه كان « إذا دخل الكنيف تقنّع رأسه » (٤).

ويحصل به تغطية الرأس أو كان مكشوفا ، بل الظاهر من جماعة الأصحاب حيث استدلّوا على الأوّل بحديث التقنيع أنّ مقصودهم من التغطية هو التقنّع كما في المعتبر (٥) وغيره إلّا أنّه ذكر في الروضة (٦) أنّه روى التقنّع مع التغطية.

وكأنّه أشار به إلى ما حكاه في المقنعة ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى التقنّع ؛ إذ هو الوارد في الرواية ، فاستحباب التغطية من دون التقنّع لا يخلو عن تأمّل وإن كان قضيّة إطلاق جماعة منهم ذلك ، بل عدم استحباب التقنّع فوقها حيث لم يذكروه.

قال العلّامة المجلسي (٧) : المشهور بين الأصحاب استحباب تغطية الرأس في الخلاء ، والذي يظهر من الأخبار والتعليلات الواردة فيها وفي كلام بعض الأصحاب أنّه يستحب التقنّع بأن يسدل على رأسه ثوبا يقع على منافذ الرأس ويمنع وصول الرائحة الخبيثة إلى الدماغ وأن كان متعمّما.

قال : وهذا أظهر وأحوط.

أقول : ما ذكره رحمه‌الله غير بعيد ؛ إذ ليس على استحباب التغطية مستقلّا دليل في الأخبار ولا شاهد من الاعتبار غير دعوى منع وصول الرائحة الخبيثة إلى الدماغ ، وبعد تسليمه لا

__________________

(١) المعتبر ١ / ١٣٣.

(٢) الذكرى : ٢٠.

(٣) بحار الأنوار ٧٤ / ٨٣ ، وفيه : « متقنعا ».

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٢٤ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ١.

(٥) المعتبر ١ / ١٣٣.

(٦) الروضة البهية ١ / ٣٤٠.

(٧) بحار الأنوار ٧٧ / ١٨٣.

٤١٢

يفيد الاستحباب إلّا أنّ الوقوف على ظاهر كلام الجماعة أظهر خصوصا بعد ما عرفت من استنادها (١) إلى الرواية للتسامح في أدلّة السنن.

ومنها : ارتياد موضع مناسب للبول بحيث لا يرشّش عليه كالجلوس على مرتفع لقوله عليه‌السلام : « من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله » (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله « كان أشدّ الناس توقّيا للبول » (٣) ( حتّى أنه كان إذا أراد البول عهد إلى مكان مرتفع من الأرض أو مكان تكون فيه التراب كراهية أن ينتضح عليه.

والأظهر تخصيص الحكم بما إذا ترتب فائدة على الاحتراز ، وأما إذا كان نجسا وأراد الدخول في الماء فلا ، إلا أن يقال باستحباب التحرّز عن ترشّش البول مطلقا.

وهو بعيد.

ومنها : تقديم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج عكس المسجد. ذكره الصدوق (٤) والشيخ (٥) وجماعة (٦).

وعزاه في منتهى المطلب (٧) إلى الأصحاب ، ولم نعرف مستنده الا ان في الاعتماد على الجماعة في ذلك كفاية.

مضافا إلى ما هو الظاهر من طريقة الصدوق من عدم التعدية عن مضامين النصوص.

وهل يختص الحكم بالأبنية أو يعمّ غيرها؟ وجهان ، نص العلّامة على الثاني.

وعن ظاهر بعضهم اختيار الأول ؛ لعدم صدق الدخول هناك.

وعلى الأول فالمعتبر موضع جلوسه كما نصّ عليه.

__________________

(١) في ( د ) : « إسنادها ».

(٢) الكافي ٣ / ١٥ ، باب الموضع الذي يكره أن يتغوط فيه ، ح ١.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٢ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٣٦.

(٤) الهداية : ٧٣.

(٥) الرسائل العشر : ١٥٧.

(٦) المهذب ١ / ٣٩ ؛ الوسيلة : ٤٧.

(٧) منتهى المطلب ١ / ٢٥٤.

٤١٣

وهل المعتبر في الدخول في الأمكنة المتّسعة كأفنية الدور ونحوها على الدخول فيها أو موضع الجلوس فيها؟ وجهان.

ويحتمل أيضا إلحاقها بالصحاري ، فيجري فيها الوجهان المذكوران. والمدار في المواضع المبنيّة على الدخول في الفضاء الذي يقعد فيه لا الدخول في موضع المبني في وجه قوي ، وإن كان مراعاة الأمرين في بعض الصور أولى.

ومنها : الوقوف عند باب المتوضأ والالتفات إلى الملكين والقول بالمأثور ، فعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه كان اذا أراد الحاجة وقف عند باب المتوضأ ثم التفت عن يمينه ويساره إلى ملكيه فيقول : « أميطا عني فلكما الله على أن لا أحدث بلساني حتى أخرج إليكما » (١).

ومنها : التسمية عند الدخول للخبر : « إذا دخل الخلا قال : بسم الله » (٢).

ويقوى الاعتبار في الصحاري بمحل الخلاء ، وفي الأماكن المتّسعة الوجهان الماضيان (٣).

ويجزي ذلك في ساير الأحكام المتعلّقة بالدخول ونحوه.

ومنها : الدعاء بالمأثور عند الدخول ، ففي الصحيح : « إذا دخلت المخرج فقل : بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم » (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء : بسم الله وبالله من الرجس النجس الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم » (٥).

وظاهر هذه الرواية اختصاص الدعاء المذكور بصورة قصد الغائط وإطلاق الأخبار ظاهره الأول ، وغيرها يعمّ قصد البول أيضا.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان إذا أراد دخول المتوضّى قال : « اللهم إني أعوذ بك من الرجس

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٣ ، باب استحباب التقنع عند دخول الخلاء ، ح ٣٩.

(٢) الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي : ٢٠٦.

(٣) الكلمة في المخطوطة مشوّشة قد تقرأ « المعاضيان » أو « المعارضيان ».

(٤) الكافي ٣ / ١٦ ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج ... ، ح ١.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٥ باب ارتياد المكان للحدث ، ح ٤٢ ، ولم نجد الفقرة الأخيرة « إنّ الله هو السميع العليم » في المصادر المطبوعة المراجع إليها.

٤١٤

النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم اللهم أمط (١) عنّي الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم » (٢).

وهذه الرواية صريحة في كون الدعاء قبل الدخول في الخلاء أو حاله.

ولعله المراد من الأخبار الأخر أيضا وإن كان ظاهر الشرط قاضيا بكونه بعده.

ويمكن أن يجعل كل منهما مستحبّا برأسه ، اللهم إنّهم لم يبنوا عليه ، مضافا إلى أن تلك العبارة ممّا يقال عرفا عند إرادة الدخول مع اقترانه بالتسمية المؤمية إليه.

ومنها : التسمية عند الكشف البول أو غيره ؛ للصحيح : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا تكشف أحدكم لبول أو غير ذلك فليقل : بسم الله ، فإنّ الشيطان يغضّ بصره » (٣).

وفي القوي عن أمير المؤمنين (٤) نحوه.

وفيه : بغضّ بصره عنه حتى يفرغ. ويحتمل أن يراد بغضّ البصر معناه الحقيقي أو أنه كناية عن عدم التعرض لوسوسته.

ومنها : الدعاء حال الفعل ، فروى الصدوق ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا انزجر قال : اللهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية » (٥).

وروى ابن طاوس ، عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : « فإذا جلس يقضي حاجته قال : اللهم أذهب عني الأذى وهنّئني طعامي » (٦).

__________________

(١) في من لا يحضره الفقيه المطبوع : « أمت ».

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٣ ، باب ارتياد المكان للحدث والسنة في دخوله والآداب ، ح ٣٧ ، وسائل الشيعة ١ / ٣٠٧ ، باب استحباب التسمية والاستعاذة والدعاء بالمأثور عند دخول المخرج ج ٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٣٥٣ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ح ١٠.

(٤) ثواب الأعمال : ١٥.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٣ ، باب الدعاء عند دخول المتوضأ ح ٣٧ وفيه : وإذا تزحر قال : « اللهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية » تزجر بالزاي والحاء المهملة المشددة : التنفس بأنين وشدة.

(٦) فلاح السائل : ٤٩.

٤١٥

وهذه الرواية تعم قبل الفعل أيضا على وجه ، فظاهره ما ذكرناه.

ومنها : الدعاء عند النظر إلى الحدث ، فعن الصادق عليه‌السلام : « ما من عبد إلّا وبه ملك موكّل يلوي حتى ينظر إلى حدثه ثم يقول له الملك : يا بن آدم هذا رزقك فانظر ) (١) من أين أخذته وإلى ما صار ، فعند ذلك ينبغي للعبد أن يقول : اللهم ارزقني الحلال وجنّبني الحرام » (٢).

ومنها : الدعاء بعد الفراغ من الحاجة ، ففي رواية أبي خديجة : « فإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى وهنّأني طعامي » (٣).

وفي رواية أبي أسامة : « فإذا فرغت قلت : الحمد لله على ما أخرج منّي من الأذى في يسر منه وعافية » (٤).

وفي رواية أبي بصير : « فإذا فرغت فقل : الحمد لله الذي عافاني من البلاء وأماط عنّي الأذى » (٥).

وليس في هذه الروايات تصريح بكون هذه الدعوات بعد الفراغ من الغائط ، فيحتمل ثبوت الحكم للبول أيضا.

وكأن الظاهر من سياقها إرادة الأوّل.

وفي رواية أخرى لأبي بصير : « فإذا فرغت ـ أي من الغائط ـ فقل : الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى وأذهب عنّي الغائط وهنّأني وعافاني ، والحمد لله الذي يسّر وسهّل المخرج وأمضى ( وأماط خ ل ) الأذى » (٦).

ومنها : غسل اليد اليمنى ، والدعاء بقوله : « بسم الله وبالله الحمد لله الذي جعل الماء

__________________

(١) ما بين الهلالين من قوله : « حتى أنه كان إذا أراد » إلى هنا لم يرد إلّا في ( د ).

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٣ ، باب الدعاء عند دخول المتوضأ ح ٣٨ ؛ بحار الأنوار ٧٧ / ١٦٤ ، باب علة الغائط ، ح ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٩ ، باب المياه وطهرها ، ونجاستها ، ح ٥٨.

(٤) المحاسن ١ / ٢٧٨.

(٥) الكافي ٣ / ١٦ ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح ١.

(٦) بحار الأنوار ٧٧ / ١٧٩ ، باب آداب الخلاء ، ح ٢٧.

٤١٦

طهورا ولم يجعله نجسا » (١) ؛ لرواية عبد الرحمن بن كثير.

ويحتمل أن يكون التسمية هنا أيضا مستحبا برأسه ، ولا يبعد أن يكون استحباب غسل اليد عند كون الآنية مفتوح الرأس ليحتاج إلى إدخال اليد في الإناء.

ومنها : الدعاء حال الاستنجاء ، فعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه استنجى فقال : « اللهم حصّن فرجي واعفه واستر عورتي وحرّمني على النار » (٢).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه إذا استوى جالسا للوضوء قال : « اللهم أذهب عنّي القذى والأذى واجعلني من المتطهّرين » (٣).

وظاهره يعمّ حال الاستنجاء وقبله.

ومنها : الدعاء بعد الاستنجاء ، ففي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه‌السلام : « فإذا فرغت ـ يعني من الاستنجاء على ما هو الظاهر من العبارة ـ فقل : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين » (٤).

وفي المشارق (٥) : انّ الحكم باستحباب الدعاء بعد الفراغ من الاستنجاء أشهر بين الأصحاب.

ومنها : الدعاء عند القيام من الحاجة ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كان نوح كبير الأنبياء إذا قام من الحاجة قال : الحمد لله الذي أذاقني طعمه وأبقى في جسدي منفعته وأخرج عنّي أذاه ومشقّته » (٦).

ومنها : الدعاء بعد الخروج ومسح البطن ؛ لما حكاه في الغنية عن علي عليه‌السلام : « أنّه إذا

__________________

(١) المحاسن ١ / ٤٥.

(٢) المحاسن ١ / ٤٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٣ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٣٧.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٧٨.

(٥) مشارق الشموس ١ / ٨٠.

(٦) بحار الأنوار ٧٧ / ١٩٠ ، باب آداب الخلاء ، ح ٤٥.

٤١٧

خرج مسح بطنه وقال : الحمد لله الذي أخرج منّي أذاه وأبقى (١) قوّته ، فيا لها من نعمة لا يعذر القادرون قدرها » (٢).

والمستفاد من الرواية كون استحباب المسح منضمّا إلى الدعاء ، فما ذكره بعض الأصحاب من استحباب مسح البطن حينئذ مستقلّا لا وجه له.

وفي الصحيح عنه عليه‌السلام : « أنّه كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي رزقني لذّته وأبقى قوّته في جسدي وأخرج عنّي أذاه ، يا لها من نعمة ـ ثلاثا ـ » (٣).

وفي صحيحة أخرى : « إذا خرجت فقل : بسم الله والحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عنّي الأذى » (٤).

ويحتمل كما مرّ أن يراد به حال الخروج. وحينئذ فيمكن عدّ التسمية للخروج مستحبّا برأسه.

ومنها : الاعتماد على اليسرى حال الجلوس ؛ لأنّه عليه‌السلام علّم أصحابه الاتّكاء على اليسرى كما في النهاية (٥) ، وأسنده في الذكرى (٦) إلى الرواية ، وزاد في الروضة (٧) استحباب فتح اليمنى معه.

ولم نجد مأخذة وكأنّه جعله لازما للأوّل.

ومنها : البدأة بالمقعدة ثمّ بالإحليل ؛ للموثق. وربّما يعلّل بعدم تنجّس اليد عند الاستبراء.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « فيّ ».

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٤ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٤٠.

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٢٩ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ١٦.

(٤) الكافي ٣ / ١٦ ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح ١.

(٥) نهاية الاحكام ١ / ٨١.

(٦) الذكرى ١ / ١٦٧.

(٧) الروضة البهية ١ / ٣٤١.

٤١٨

ومنها : تعجيل الاستنجاء من البول ؛ للصحيح : « إذا انقطعت درة (١) البول فصبّ الماء » (٢).

وفي رواية أخرى : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يبول غير مرّة ويتعاول كوزا صغيرا ويصبّ عليه الماء من ساعته » (٣).

وربّما يعم الحكم للاستنجاء من الغائط أيضا.

ومنها : إيثار الماء في مخرج الغائط مع عدم التعدّي عن المعتاد ؛ للمستفيضة (٤) الواردة في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (٥).

ومنها الصحيح والمعتبرة (٦) وغيرها.

والمراد باستحبابه أفضليّته من الآخر ، فلا ينافي وجوبه تخييرا.

أو يقال : يتعلق الندب عينا بالخصوصيّة ، فلا ينافي وجوب تعيين الازالة من حيث هي.

أو يقال بعدم المنافاة بين وجوب الطبيعية وندبية الفرد.

والأول أظهر على ما هو الظاهر من امتناع اجتماع الأمر والنهي. وأكمل منه الجمع بين المطهّرين في المتعدّي وغيره ، وخصّه الشهيد بالأوّل مقدّما للأحجار ؛ لقوله عليه‌السلام : « جرت السنّة في الاستنجاء بثلاث أحجار أبكار ويتبع بالماء » (٧) ؛ لما فيه من تنزيه اليد عن مباشرة النجاسة.

__________________

(١) في النسخ المخطوطة : « مرة » ، وما أدرجناه من المصدر.

(٢) الكافي ٣ / ١٧ ، باب القول عند دخول الخلاء وعدم الخروج والاستنجاء ومن نسيه والتسمية عند الدخول وعند الوضوء ح ٨.

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٣٥ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ٣٤.

(٤) الخصال : ١٩٢ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « جرت في البراء بن محرور الأنصاري ثلاث من السنن أما أولهن فإن الناس كانوا يستنجون بالأحجار فأكل البراء من محرور الدباء فلان بطنه فاستنجى بالماء فأنزل الله عزوجل فيه : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) فجرت السنة في الاستنجاء بالماء ».

(٥) البقرة : ٢٢٢.

(٦) لم ترد في ( ب ) : « المعتبرة ».

(٧) تهذيب الأحكام ١ / ٤٦ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ٦٩.

٤١٩

وفي حصول السنّة بإزالة عين النجاسة بما لا يوجب طهر المحل كاستعمال النجس أو الاكتفاء بما دون الثلاث إذا نقي المحل به وجه يقضي به التعليل الأخير.

ولذا احتمله (١) في الروضة إلّا أنّ ثبوت الحكم الشرعي بمجرّده لا يخلو من خفاء.

ومنها : الإتيان (٢) في الاستنجاء إذا حصل النقاء بما دونه ؛ لقوله عليه‌السلام : « إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء » (٣).

ومنها : إعداد الأحجار. ذكره بعض الأصحاب لقوله عليه‌السلام : « إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليندب معه بثلاثة أحجار ، فإنّها تجزي » (٤).

ومنها : الصبر هنيئة قبل الاستبراء (٥). ذكره العلّامة والشهيد. ولم نعرف مستند.

وقد يستدل على خلافه بظاهر الخبرين الماضيين.

ولا يخفى ضعفه.

ومنها : الاستبراء على المعروف من المذهب ، بل الظاهر انعقاد الإجماع عليه ؛ إذ لا يعرف خلاف فيه إلّا من الشيخ في الاستبصار (٦) حيث عنون الباب لوجوب الاستبراء.

وحمله على إرادة مطلق الثبوت ليس بالبعيد ، ولذا ناقش بعض المتأخّرين في إسناد الوجوب إليه.

وكيف كان فاحتجّ له بظاهر الطلب الوارد في صحيحتي حفص وابن مسلم ، ودلالتهما على ذلك في غاية الضعف ، بل الظاهر بملاحظة المقام عدمه.

مضافا إلى فهم الأصحاب بل وإطباقهم على خلافه مع تأيّده بالأصل وخلوّ سائر الأخبار عنه ، بل قد يستظهر من جملة من الأخبار وعدمه كالخبرين المتقدمين ، وفي رواية

__________________

(١) في ( ألف ) : « احتمل ».

(٢) في ( د ) : « الايتار ».

(٣) الإستبصار ١ / ٥٢ ، باب وجوب الاستنجاء من الغائط والبول ، ح (١٤٨) ٣.

(٤) السنن الكبرى ١ / ١٠٣ وليس من طريق الخاصة.

(٥) لم ترد في ( ب ) : « ذكره ... الاستبراء ».

(٦) الإستبصار ١ / ٤٨.

٤٢٠