تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

ولا يكره صبّ الماء باليمين.

وفي تعميم الحكم للاستنجاء من البول إذا افتقر إلى المباشرة وجه ؛ لصدق الاستنجاء باليد (١) بالنسبة أيضا.

وفي بعض الأخبار كراهة مسّ الذكر باليمنى بعد البول كما سيجي‌ء إلّا أنّه اعتبار آخر غير الاستنجاء.

ومنها : الاستنجاء باليد الّتي فيها خاتم عليه اسم الله ؛ للمستفيضة الدالّة عليه.

وظاهرها يعطي التحريم كما هو الظاهر من بعض أفاضل المتأخرين إلّا أنّ جمهور الأصحاب حملوها على الكراهة.

وفي رواية وهب بن وهب دلالة عليه : « كان نقش خاتمه : العزّة لله جميعا ، وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه‌السلام : الملك لله ، وكان في يده اليسرى يستنجي بها » (٢).

وسياق هذه الرواية ظاهرة في التقيّة ، وإلّا فظاهرها عدم الكراهة أيضا.

فالاستناد إلى فهم الأصحاب في حمل تلك الأخبار على الكراهة أولى.

وعن جماعة من الأصحاب إلحاق أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام للاشتراك في الاحترام.

قلت : وينبغي إلحاق آي القرآن به أيضا.

وقد يستشكل في الإلحاق بناء على القول بالمنع ؛ لخروجه عن مدلول النصّ.

هذا إذا لم يوجب تنجّس الكتابة ، ومعها فلا تأمّل في الحرمة في الجميع.

ومنها : استصحاب خاتم فيه اسم الله سبحانه أو شي‌ء من القرآن لجملة من الأخبار :

منها : الموثق : « لا يدخل المخرج » (٣).

وفي رواية علي بن جعفر ، عن أخيه المرويّة في قرب الإسناد : « عن الرجل يجامع

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « باليد .. غير الاستنجاء ».

(٢) الإستبصار ١ / ٤٨ ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (١٣٤) ٢.

(٣) الإستبصار ١ / ٤٨ ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (١٣٣) ١.

٤٤١

ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر الله أو شي‌ء من القرآن أيصلح ذلك قال : لا » (١).

وفي القوي : « الرجل يريد الخلا وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى قال : ما أحب ذلك ، قال : فيكون اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : لا بأس » (٢).

وهذا شاهد على حمل غيره على الكراهة.

وفي جواز كونه في غير اليد الّتي يستنجي بها كما هو صريح غير واحد من الروايات صراحة في عدم التحريم ، بل ربّما قضى ظاهرها بعدم الكراهة أيضا.

وفي تسرية الحكم إلى اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الأنبياء صلوات الله عليهم وجهان.

وظاهر الرواية الأخيرة انتفاء الكراهة ، وكذا الكلام في آي القرآن.

وثبوت الكراهة لا يخلو عن قوّة. وفي تسرية الحكم إلى غير الخاتم ممّا يصحبه وجهان. وبه حكم بعض الأصحاب.

ومنها : غسل الحرّة فرج زوجها من غير علّة ، ففي الصحيح : المرأة تغسل فرج زوجها؟ فقال : « ولم من سقم » (٣) قال : « ما احبّ للحرّة أن تفعل ، فأمّا الأمة فلا تضر » (٤).

وهل الكراهة للزوجة أو للزوج أو لهما؟ وجوه ، وظاهر الفقرة الأولى من الجواب هو الأول ، والفقرة ظاهرة في الثاني.

ومنها : الأكل والشرب على ما نصّ عليه جماعة الأصحاب ؛ لمنافاتهما للحياء (٥) المطلوب حال الخلاء.

ويدلّ على الأوّل مرسلة الفقيه المرويّة عن الباقر عليه‌السلام : « أنّه وجد لقمة في القذر فأخذها وغسلها ، ورفعها إلى مملوك معه فقال عليه‌السلام : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلمّا خرج عليه‌السلام قال

__________________

(١) قرب الاسناد : ٢٩٣.

(٢) الاستبصار ١ / ٤٨ ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (١٣٥) ٣.

(٣) زيادة في ( د ) : « قلت لا ».

(٤) تهذيب الأحكام ٣ / ٣٥٦ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح ٣١.

(٥) في ( د ) : « للخباء ».

٤٤٢

للملوك : أين اللقمة؟ قال : أكلتها يا بن رسول الله ، فقال عليه‌السلام : إنّها ما استقرّت في جوف أحد إلّا وجبت له الجنّة » (١) الخبر.

وروي نحو من ذلك عن مولانا الحسين عليه‌السلام (٢).

وفيه دلالة ظاهر [ ة ] على كراهة الأكل ، ويمكن أن يستفاد منه الحكم في الشرب أيضا.

ومنها : التكلّم بغير ما استثني على المعروف بين الأصحاب ؛ للروايات المستفيضة كالصحيح بعد ما سأله « عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي والحمد لله أو آية الحمد لله ربّ العالمين » (٣).

ورواية أبي بصير : « لا تتكلّم على الخلاء فانّ من تكلّم على الخلاء لم يقض له حاجة » (٤).

ورواية صفوان : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلّمه حتّى يفرغ » (٥).

مضافا إلى منافاته الاستحياء المطلق ، وظاهر الصدوق القول بالمنع ؛ لظاهر النهي.

وهو ضعيف.

ولا فرق بين تكلّمه لنفسه أو مع الغير. وفي تكلّمه بغير الموضوع وجهان.

ثمّ إنّه استثنى من ذلك أمور :

أحدها : أن يكون الكلام واجبا فوريّا كردّ السلام أو الدلالة على الوديعة مع طلب صاحبها أو جواب من يجب طاعته إذا تعلّق غرضه بالجواب في الحال.

ولو كان الوجوب تخييريّا ففي ارتفاع الكراهة وجهان أقواهما ذلك.

__________________

(١) عوالى اللئالي ٢ / ١٨٨ ، وفيه : « لقمة خبز في القذر ».

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ / ٤٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٨ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٥٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٨ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٦١ وفيه : « لم يقض له حاجته ».

(٥) علل الشرائع ١ / ٢٨٤.

٤٤٣

وفي ارتفاعها بكون السائل مؤمنا سيّما إذا تعلّق بحاجة ضروريّة أو كان موجبا لكسر قلبه وجه قويّ ، وإن كان قضيّة إطلاق الرواية الأخيرة عدمه.

ثانيها : أن يكون له حاجة بتأخيره. ذكره جماعة من الأصحاب وتركه آخرون.

واستدلّ عليه بأنّ في الامتناع منه ضررا ، وهو منفي بالآية والرواية.

وهو الأظهر.

ولا بدّ أن يكون بحيث لا يمكن أداؤه (١) بغير الكلام كالتصفيق والتسبيح (٢) كما نصّ عليه جماعة منهم.

ونحوه ما إذا لحقه بتأخيره ضرر كفسخ معاملة بنقض خياره بالتاخير.

وكذلك لو كانت الحاجة لمؤمن أو لحقه بتأخيره ضرر في وجه قوي.

ومع إمكان الاستعجال في قضاء الحاجة وأدائها بعد وجهان.

ثالثها : ذكر الله تعالى ؛ لقول الصادق عليه‌السلام في رواية الحلبي : « لا بأس بذكر الله وأنت تقول إنّ ذكر الله حسن على كلّ حال ، ولا تسأم من ذكر الله » (٣).

وقوله في رواية أبي بصير : « لا تدع ذكر الله على تلك الحال ، فإنّ ذكر الله حسن على كلّ حال » (٤).

وفي الصحيح في بيان بعض ما أوحى الله إلى موسى : « لا تدع ذكري على كلّ حال .. » (٥) إلى غير ذلك ، وظاهر هذه الأخبار شمول الذكر باللسان. وربّما يومى بعض الأخبار إلى كونه بالقلب كقوله عليه‌السلام في قويّة مسعدة بن صدقة : « كان أبي يقول : إذا عطس أحدكم وهو على الخلاء فليحمد الله في نفسه » (٦).

__________________

(١) في ( ب ) : « إذائه ».

(٢) في ( د ) : « التنحنح ».

(٣) عدة الداعي : ٢٣٩.

(٤) علل الشرائع ١ / ٢٨٤.

(٥) الكافي ٢ / ٤٩٧ ، باب ما يجب من ذكر الله عزوجل في كل مجلس ح ٧.

(٦) قرب الاسناد : ٧٤.

٤٤٤

وفي الفقيه « كان الصادق عليه‌السلام إذا دخل الخلاء تقنع برأسه ويقول في نفسه : بسم الله وبالله » (١) .. الخبر.

ولعلّه لذا قال الشيخ (٢) في جملة من كتبه : إنّه يذكر فيما بينه وبين نفسه.

ويمكن حمل ذلك كلّه على الإخفات في الذكر.

ويؤيّده استفاضة الدعوات المأثورة حال الخلاء ، وحملها على ذلك في غاية البعد.

نعم ، في الصحيحة المتقدّمة دلالة على كراهة ما عدا التحميد من الذكر إلّا أنّها لا تقاوم الأخبار المذكورة.

رابعها : قراءة آية الكرسي ، للصحيحة المذكورة. وبها يخصّص ما في القوي : « سبعة لا يقرءون القرآن .. » (٣) وعدّ منها الشخص يكون في الكنيف.

وقد يستثنى منه آية ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) للصحيحة المتقدمة إلّا أنّ احتمال الترديد من الراوي يسقط الاستدلال بها.

نعم ، الظاهر دخولها في الذكر ، وبذلك يتّجه القول بنفي الكراهة في سائر الآيات الداخلة في الذكر. ولا يبعد القول باختلاف الحكم لاختلاف القصد ، فيكره بقصد التلاوة دون الذكر.

وحينئذ فاستثناء الآية المزبورة محلّ خفاء.

وفي التهذيب (٤) ذكر الآية مطلقا ، ومعه يبعد الاحتمال المذكور ، فيتمّ الاستدلال بها في مطلق الآية إلّا أنّه يضعّفه وجود التقييد في الفقيه (٥).

خامسها : حكاية الأذان لقول الباقر عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم « لو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول » (٦).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٤ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٤١.

(٢) المبسوط ١ / ١٨ والنهاية : ١١.

(٣) الخصال : ٣٥٧.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٣٥٢ ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ح ٥.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٨.

(٦) علل الشرائع ١ / ٢٨٤ ، ح ٢.

٤٤٥

وقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي بصير : « إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال لأنّ ذكر الله حسن على كلّ حال » (١).

وفي رواية العلل : لأيّ علّة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن وإن كان على البول والغائط؟

فقال : « لأنّ ذلك يزيد في الرزق » (٢).

وفي الروضة (٣) : يجوز حكاية الأذان إذا سمعه على المشهور.

ويومي ذلك إلى تأمّل منه في الحكم ، وكذا الشهيد في الذكرى (٤) والدروس (٥) حيث أسنده فيهما إلى قول.

وفي الروض (٦) أنّه حسن في فصوله الّتي فيها ذكر دون الحيعلات ؛ لعدم نصّ عليه بالخصوص إلّا أن يبدل بالحوقلة كما ذكر في حكايته في الصلاة.

ولا وجه لذلك بعد ما عرفت من النصوص الواردة فيه.

وكأنّهما رحمه‌الله غفلا عن الأخبار المذكورة ، بل المستفاد من الروايتين الأوليين كون الأذان كلّه ذكرا.

سادسها : الصلاة على النبيّ وآله عند سماع اسمه الشريف ؛ للخبر الأكيد عليه حتّى قيل بوجوبه كما ذهب إليه المفيد وجماعة وعليه ، فهو داخل في القسم الأوّل.

وإدخالها في الذكر كما في كشف اللثام لا يخلو عن تأمّل.

سابعها : التحميد عند العطاس ، وقد سمعت الرواية الواردة فيه ، وهو داخل في الذكر فلا فائدة في إفراده بالذكر.

__________________

(١) علل الشرائع ١ / ٢٨٤ ، ح ١.

(٢) علل الشرائع ١ / ٢٨٥ ، ح ٤.

(٣) الروضة البهية ١ / ٣٤٤.

(٤) الذكرى : ١٧٠.

(٥) الدروس ١ / ٨٩.

(٦) روض الجنان : ٢٧.

٤٤٦

ثامنها : التسميت للعاطس. ذكره في المنتهى (١) ونهاية (٢) الإحكام ؛ لكونه من الذكر.

وفيه منع ظاهر.

وفي المدارك (٣) : إنّ تركه أولى.

قلت : لا يذهب عليك أنّ ما دلّ على كراهة الكلام إنّما يدلّ على مرجوحيّة التكلّم على النحو المعتاد ، فشموله لمثل الدعاء والذكر وقراءة القرآن غير معلوم ، بل الظاهر خلافه فيبقى العمومات الدالّة على رجحانها بحالها.

نعم ، الصحيحة الأولى ربّما تدلّ على (٤) كراهة الجميع سوى ما استثني.

ويضعّفه أن السؤال فيها مخصّص بالتسبيح وقراءة القرآن ، والممنوع منه في الجواب غير مذكور صريحا.

فيحمل على إرادة العموم وإرادة خصوص المذكور في السؤال ، ومع حصول الاحتمال يسقط الاستدلال.

فإن قلت : استثناء التحميد في الجواب قاض بإرادة العموم ؛ لعدم ذكره في السؤال.

قلت : إنّما يتمّ ذلك إذا لم يقم احتمال الترديد من الراوي فيه ، ومعه يحتمل أن يكون المذكور في كلام الإمام عليه‌السلام خصوص آية الكرسي وآية الحمد لله ربّ العالمين ، فلا يبعد إذن أن يكون المقصود خصوص المنع من قراءة القرآن سوى المذكورين.

وممّا يقرّبه عدم المنع من الذكر الشامل للتسبيح مطلقا كما هو قضية النصوص المستفيضة ، فلا يتمّ إطلاق المنع.

فبعد البناء على ما ذكر بكون جملة من المستثنيات المذكورة على حكم الأصل ، وبكون الدعاء أيضا كالذكر.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ / ٤١.

(٢) في ( ب ) : « النهاية ».

(٣) مدارك الأحكام ١ / ١٨٣.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « على كراهة .. مذكور ».

٤٤٧

ويختصّ الكراهة بالتكلّم وقراءة القرآن عدا ما استثني منهما.

وحينئذ يتّجه عدم كراهة التسميت ؛ لدخوله في الدعاء مع احتمال اندراجه في الكلام من جهة توجيهه إلى المخاطب ، فتأمل.

٤٤٨

البحث [ الأول ]

في أفعال الوضوء

تبصرة

[ في نية القربة ]

لا بدّ في الوضوء من نية القربة بلا خلاف بين الفرقة ، وكذا غيرها من الطهارات الثلاث.

وقد حكى إجماع الفرقة عليه جماعة من الأجلّة ، وبذلك اندرجت في تلك العبادات وإزالة النجاسات.

ويدلّ بعد ذلك عليه قوله تعالى : ( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ ) (١) ، فإن ظاهره اعتبار الإخلاص في النيّة في جميع التكاليف الدينيّة.

ويومي إليه ما دلّ على وجوب طاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ حقيقة الإطاعة هو موافقة إرادته في أمره ونهيه من حيث إنّه أمر به أو نهى عنه ، وهو معنى القربة.

فلو (٢) خلا عنه لم يحصل الامتثال إلّا أنّ ذلك إنّما يفيد اعتبار قصد الطاعة في الجملة لا عدم جواز الضّميمة.

وكيف كان ، ففيه تأييد لما قلنا.

وفي كلام بعض الأفاضل إشكال في الفرق بين الطهارة من الحدث والخبث ؛ لورود الأخبار فيهما على حدّ سواء ، قال : وما قيل من أنّ النية (٣) إنّما يجب في الأفعال دون التروك

__________________

(١) البينة : ٥ والآية هكذا : ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ).

(٢) لم ترد في ( ب ) : « فلو خلا عنه ».

(٣) في ( ألف ) : « إزالته » بدل « أن النية ».

٤٤٩

منقوض بالصوم والإحرام ، والجواب أنّ الترك فيهما كالفعل تحكّم. ولعلّ ذلك من أقوى الأدلّة على سهولة الخطب في النيّة ، فإنّ المعتبر فيها تخيل المنوي بأدنى توجّه ، وهذا القدر أمر لا ينفكّ عنه (١) أحد من العقلاء كما يشهد به الوجدان.

ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو كلّفنا .. إلى آخره ، قال : وهو كلام متين لمن تدبّر.

وفيه نظر ، أمّا أوّلا : فبأنه يكفي في الفرق بين المقامين قيام الإجماع بل الضرورة على عدم اعتبار النيّة في رفع الخبث ، وقد دلّ عليه الأخبار كقوله : ما أصابه البصر فقد طهر وغيره مع عدم قيام دليل هنا على عدم اعتبار النيّة ، فتبقى تحت الأصل ، وخلو الأخبار.

ومن ذكرها فيه بالخصوص لا يفيد عدم اعتبارها كما هو الشأن في كثير من العبادات.

وأمّا ثانيا : فبأنّ إزالة النجاسة المطلوبة حاصلة بمجرّد الغسل ، فليس للنيّة مدخليّة فيها بخلاف الطهارة من الأحداث ؛ إذ لا يصدق شي‌ء من أساميها من دون قصدها ؛ لصحة وقوع تلك الأفعال على وجوه متعددة ، فالنيّة مقوّمة فيها دون غيرها.

وهذا هو المناط فيما يعتبر فيه النيّة وما لا يعتبر فيها ، وكأنّ ذلك هو مقصود المجيب ؛ إذ الغالب في التروك أنّها من قبيل الأول.

ثمّ إنّ هذا الوجه إنّما يفيد الفرق بين الأمرين في اعتبار النيّة بالمعنى الأعمّ دون نيّة القربة.

وأمّا ثالثا : فبأنّ ما ذكره من الاكتفاء في النيّة يتخيّل (٢) المنوىّ الّذي لا ينفكّ عنه أحد من العقلاء عند شي‌ء من الأفعال ممّا لا وجه له ، إذ النيّة المعتبرة في الوضوء وسائر العبادات ليست مجرّد ذلك بالضرورة ، كيف و (٣) لا ينبغي إذن فرق بين العبادات وغيرها.

وما حكاه من بعض الفضلاء إن حمل على ظاهره فهو بيّن الفساد.

وحكى بعض المحققين عن بعض المحدّثين تحقيقا في المقام واستحسنه ، وهو أنّ المطلوب من العبد إمّا إيجاد أمر في الخارج كالركوع والسجود أو في الذهن كمعرفة أن لا يتعمّد شيئا من

__________________

(١) في ( ألف ) : « من » بدل « عنه ».

(٢) في ( د ) : « تخيّل ».

(٣) لم ترد في ( ب ) : « و ».

٤٥٠

المفطرات أو وجود حاله كطهارة الثوب في الصورة الأولى بين العبادة وغيرها كاللعب بالنية ، وفي الثانية ( العبادة المطلوبة هي نفس العزم المقيّد بقيد فلا حاجة إلى إرادة اخرى وفي الثالثة ليس المقصود إلّا وجود ذلك الشي‌ء سواء ) (١) حصل بإيجاده أو بغيره قارن النية أو لا.

أقول : فيه أوّلا : إنّ ما ذكره في الفرق بين الصورتين الأوليين ممّا لا وجه له بل الظاهر أنّه لا فرق بينهما في شي‌ء ؛ إذ الحاصل في الذهن لا ينحصر في النيّة وعلى فرضه فالفرق فيها بين العبادة وغيرها إنّما هو بقصد القربة وغيره ، وهو المناط في الصورة الأولى أيضا.

وثانيا : إنّ ما ذكره لا يفيد شيئا في المقام ؛ إذ الكلام في الفرق بين الطهارة الحدثيّة والخبثيّة ، وهما مشتركان في كون المراد وجود الحالة ، مع أنّ حصولها في الأوّل موقوف على قصد القربة. ومنه يعرف أنّ ما ذكره من عدم الحاجة إلى النيّة فيما يكون المقصود فيه وجود الحالة ممّا لا وجه له نعم ذلك إنّما يصحّ في الامور العادية.

وأمّا المقاصد الشرعيّة فيتوقّف حصولها على النحو الذي قرّره الشرع فإن أخذ فيه قصد القربة توقف عليه ، وإلّا فلا.

وحيث إنّ البحث عن النيّة من المطالب المهمّة ؛ إذ هي من الامور المقوّمة لجميع العبادات الشرعيّة ، وقد تعلّق بها مسائل عديدة فالأولى أن نفصّل الكلام أوّلا في مطلق النية ، ثمّ نتبعه بالبحث عن خصوص نيّة الوضوء ، فنقول :

لا تأمّل في أنّ الفعل الصادر عن الفاعل المختار يتوقّف على تصوّر ذلك الفعل ( بوجه من الوجوه وإلّا لكان طالبا للمجهول المطلق.

وهو محال ، وعلى تصوّر غاية لذلك الفعل ) (٢) ليكون داعيا إلى الفعل وإلّا لكان توجه النفس إليه عبثا.

وهو أيضا محال كما تقرّر في محلّه.

وهذا المقدار من النيّة مشترك بين جميع الأفعال الاختياريّة ويستحيل خلوها عنه ، فلو

__________________

(١) ما بين الهلالين أثبتناه من ( ب ).

(٢) ما بين الهلالين من ( د ).

٤٥١

كلّفنا الله تعالى بإيقاع الفعل من غير نيّة لكان تكليفا بالمحال ، لكن مجرّد ذلك ليس كافيا في العبادات بالضرورة ، بل المعتبر في كلّ من الأمرين شي‌ء مخصوص ، وفي كلّ من المقامين خلاف معروف كما ستعرف إن شاء الله.

٤٥٢

تبصرة

[ في اعتبار التعيين في النية ]

يعتبر في المقام الأوّل تعيين نوع الفعل ؛ إذ مع عدمه لا يتعيّن الفعل لذلك النوع ؛ لصلاحية الفعل له ولغيره ، وانصرافه إلى المكلّف (١) به فرع قصد الفاعل له فلا ينصرف إليه مع انتفاء قصده ، فلا امتثال.

فلو اندرج الفعل تحت أنواع من التّكليف تعيّن بتعيين أحدها ؛ لما عرفت من عدم انصراف الفعل إليه بدونه.

ولو دار بين تكاليف من نوع واحد فهل يكتفي بمجرّد قصد الامتثال أو لا بدّ أيضا من التعيين؟ وجهان أوجههما الأخير ؛ لتوقّف امتثال كلّ من تلك الأوامر على قصده ، فمع عدم قصده التعيّن لا يكون امتثالا لشي‌ء منها ، إذ (٢) إرجاعها إلى ( أحدها دون الآخر ترجيح من غير مرجّح ، ولا يمكن إرجاعه إلى الجميع فيقع لغوا.

نعم ، لو أمكن إرجاعها إلى الجميع ) (٣) على نحو الإشاعة كما لو تعلّق بذمّته زكاة الأموال ، فدفع مقدار الزكاة من دون قصد شي‌ء منها بالخصوص ، فإنّه ينصرف إلى الجميع على نحو (٤) الإشاعة في وجه قويّ.

ثمّ إنّ تعيين الفعل إمّا أن يكون بنفسه أو بلازم من لوازمه كقصد الأداء أو القضاء أو الوجوب أو الندب أو القصر أو التمام أو المركّب منها ، ولو عيّنه بالامور الطارية عليه فالظاهر

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « به فرع .. من التكليف ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « إذا إرجاعها .. منها ».

(٣) ما بين الهلالين ليس إلّا في ( د ).

(٤) لم ترد في ( ب ) : « نحو ».

٤٥٣

الجواز كما لو فاته إحدى الرباعيّات من اليوميّة فينوي الفائت كما هو المشهور فيه.

وعن الحلبي وجوب التعدّد ، وهو مبنيّ على وجوب نيّة التعيّن.

ويضعفه أنّه لا دليل عليه ، ويكفي في صدق الامتثال قصده على نحو الإجمال.

وقضيّة ما ذكرناه جواز التعيين بفعل الغير كما إذا نوى الصلاة الّتي نواها الإمام أو عيّنه بما يقتضيه فعله السابق مع الجهل به.

ولا يخلو عن قوّة إلّا أنّ الأحوط تركه. أمّا لو عيّنه بما يعيّنه أو غيره بعد ذلك فالأظهر المنع ؛ لعدم الاطمينان باليقين اللّاحق (١) لا لعدم حصول (٢) كما قد يتوهّم.

ثمّ مع تعيين الفعل بما يعيّنه واقعا لا حاجة إلى تعيين نوع الفعل عند الفاعل ولا صفاته الحاصلة فيه كالوجوب والندب والأداء والقضاء والقصر والتمام ، ولا تعيينه حال (٣) الفعل ، فلو دار الصلاة بين كونه (٤) واجبة في نفسها أو بالنذر أو استيجار لم يجب تعيين الخصوصيّة بعد تعيينه في الواقع.

وكذا لو دار الصوم الّذي في ذمّته بين كونه قضاء أو منذورا إلى غير ذلك.

ولو احتمل اشتغال ذمته بالواجب مع اشتغالها بذلك الفعل ندبا أيضا فنوى بالصوم الواجب فنوى ما في ذمّته فيها بين الواجب والمندوب صحّ ، لعدم الابهام في الواقع.

وإن اشتملت النيّة على الترديد ظاهر كما إذا احتمل اشتغال ذمته بالصوم الواجب فنوى ما في ذمّته مرتّبا بين الأمرين.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب في الصلاة إلى اعتبار تعيين نفس الفعل كالظّهر والعصر مثلا وصفاته من الوجوب والندب والأداء والقضاء ، وقضيّة كلامهم اعتبار المعرفة بنوع الفعل وتعيين صفاته المميّزة.

__________________

(١) في ( ب ) : « اللاحق حق ».

(٢) كذا في النسخ المخطوطة.

(٣) لم ترد في ( ب ) : « حال .. بعد تعيينه ».

(٤) في ( د ) : « كونها ».

٤٥٤

وقد يوجّه ذلك بعدم تمييز الفعل من دون تعيين نوعه وكذا صفاته إذا وقع ذلك الفعل على وجوه متعددة كصلاة الظهر مثلا ؛ لجواز وقوعه أداء وقضاء واجبة ومندوبة ، فإنّما يتميّز بالقصد ، وليست العلّة في اختلاف الأوامر إيقاع المكلّف لها على ذلك الوجه ، بل المقصود بيان الحكم. وهو واضح.

وأيضا قد وردت الأوامر على سبيل التنويع تارة بالتهديد والوعيد ، وأخرى بالترغيب وجواز الترك ، وتارة دلّت على الوجوب وأخرى على السنّة والتطوّع ، وما ذاك إلّا ليعلم المكلّف إذا أوقع بذلك التكاليف كيف يوقعها.

وأيضا الواجب إيقاع الفعل على وجهه أي وجهه المأمور به شرعا وإيقاع الفعل كيف ما اتفق ولم يكلّف به ، وقضية التعليلات المذكورة اعتبار ذكر الصفات مع وقوعه على الجهات المختلفة ، وبدونه فلا وجه لوجوبه.

ويضعّفها بأنّ المفروض تعيين الفعل واقعا بما عيّنه وهو كاف في تميز الفعل ، وإن لم يتعيّن هذا العامل ؛ إذ لا دليل على اعتبار التعيين ، وليست العلّة في اختلاف الأوامر إيقاع المكلّف لهما على ذلك الوجه بل المقصود بيان الحكم ، وهو واضح.

والقول بأنّ الواجب إيقاع الفعل على وجهه أوّل الكلام إن أريد به الجهات المذكورة وإلّا فلا ربط له بالمقام.

وما قد يتوهّم من أنّه مع (١) عدم تعيين الفعل ( لا يكون قاصدا لامتثال الأمر المتعلّق به ، فلا يعدّ ممتثلا.

وكذا الحال في الجهات الّتي يختلف الفعل ) (٢). بحسبها. ألا ترى أنّه لو أتى بالواجب على وجه المندوب (٣) أو بالعكس لم يعد ممتثلا بل كان مشرّعا مدفوع بأنّ مجرّد قصد الاشتغال (٤)

__________________

(١) زيادة : « مع » من ( د ).

(٢) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

(٣) في ( د ) : « الندب ».

(٤) في ( د ) : « الامتثال ».

٤٥٥

بالفعل كاف في حصول الامتثال عرفا (١) إن لم يتعيّن خصوص الفعل الممتثل به عنده ، وأنّه فرق بين قصد خلاف الجهة المعتبرة وعدم قصد شي‌ء من الجهات وعدم قصد الجهة المعيّنة على نحو الاجمال.

ولو سلّم عدم حصول الامتثال فإنّما يسلّم في الأول دون الأخرى ، سيّما الأخير بل الحكم لعدم حصول الامتثال في صورة مخالفة الجهة مع عدم (٢) كونها بنوعه محلّ إشكال كما إذا نوى الندب في صلاة الظهر أو الصبح ، فإنّ احتمال الصحة فيه قوي ، فيكون القصد المذكور لغوا.

وقد يفرّق بين (٣) صورة التوصيف المحض وما اذا نوى وقوع الفعل على الجهة المخالفة فانّ ما نوى ايقاعه غير ممكن الوقوع وما يصحّ ( وقوعه غير المنويّ ولو كانت الجهة منوعة تعيّن بتعيين الجهة ، فلا ينصرف إلى الآخر ولو لم يصح ) (٤) وقوعه على الجهة المنويّة كما نوى صوم المنذور في شهر رمضان في وجه قويّ.

والاجتزاء بصوم يوم الشكّ بنيّة شعبان إذا تبيّن أنّه من شهر رمضان خارج بالدليل.

ويحتمل القول بأنّ المطلوب هناك وقوع الصوم في شهر رمضان ، فلو صامه وقع من شهر رمضان ، ولو نوى غيره.

وفيه بعد.

ثمّ الظاهر أنّه يكفي في نيّة الفعل مجرّد المعرفة به إجمالا وتعيينه ببعض خواصّه بحيث يتميّز من بين سائر الأفعال ، ولا يلزمه المعرفة بكنهه وتفاصيل أجزائه وشرائطه ؛ إذ ذاك ممّا لا دليل عليه ، وتعيّن الفعل وقصده ممّا (٥) يتوقف عليه وكذا العلم بالبراءة ؛ لجواز الاتيان بجميع ما شكّ (٦) اعتباره في الصحّة من الأجزاء والشرائط المحتملة.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « و ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « عدم ».

(٣) زيادة : « بين » من ( د ).

(٤) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

(٥) في ( ب ) : « لا ».

(٦) في ( د ) : « يشكّ ».

٤٥٦

هذا إذا لم يحتمل المانعيّة في شي‌ء منها ، وإلّا لم يحصل البراءة إلّا بعد المعرفة بالحال ، ولا يجب حينئذ أيضا المعرفة بالتفاصيل قبل الشروع في الفعل ، بل لو كان هناك معلّم يعلّمه حال الفعل جاز الاقتصار عليه في وجه قويّ.

وما دلّ على توقّف العمل على العلم لا ينافي ما ذكرناه ؛ إذ المفروض العلم بحصول الواجب في ضمنها.

نعم ، لو دار الواجب بين الفعلين وجب العلم بالتعيين ؛ لعدم إمكان قصد القربة بكلتيهما (١) لاحتمال البدعة.

نعم ، لو لم يمكن العلم ارتفعت البدعة لأجل تحصيل اليقين بالفراغ.

والقول بجواز الاكتفاء به في رفعها مع إمكان الاستعلام لم يعلم عليه شاهد قويّ ، مع معارضته بما دلّ على وجوب استعلام الأحكام.

ولو كان الترديد في أجزاء الفعل لم يجب الاستعلام مع الإتيان بالجميع ، والفرق عدم وجوب نيّة الأجزاء بخصوصها.

نعم ، لو كان الترديد في أوّل أجزاء الفعل جرى فيه الكلام المذكور. والأظهر فيه أيضا لزوم الاستعلام.

__________________

(١) في ( د ) : « بكلّ منهما ».

٤٥٧

تبصرة

[ في داعي النية ]

يعتبر في المقام الثاني كون الداعي إلى الفعل هو امتثال أمره تعالى لا غيره من مراءات (١) الناس ؛ لدفع ذمّهم أو جلب نفعهم أو غير ذلك من الأمور المطلوبة منهم أو من سائر الغايات المترتّبة على الفعل وإن خلا عن الرياء كقصد البرد في الغسل والوضوء أو قصد تحصيل المال في الجهاد ونحو ذلك.

وتفصيل الكلام في المقام أنّ كلّا من الداعي الإلهي والريائي وغيرهما من الغايات المطلوبة من الفعل إمّا أن يكون مفردا أو لا ، وعلى الثاني فإمّا أن يكون كلّ منهما مستقلا (٢) في البعث على الفعل لو لو حظ منفردا أو لا.

وعلى الثاني فإمّا إن يكون أحدهما مستقلا والآخر ضميمة بحيث لو خلا عنه لكفى الأوّل في البعث أو أنّهما معا بعثا على الفعل ، فلو انتفى أحدهما لم يستقل الآخر.

[ مسائل ]

فهاهنا مسائل :

أحدها : أن يكون الداعي الإلهيّ (٣) منفردا ، ولا إشكال في صحّة الفعل حينئذ كما أنّه لا إشكال في فساده مع انفراد الرياء أو غيره من الأغراض إلّا أنّه عزي إلى السيد عدم وجوب الصلاة الواقعة على جهة الرياء وإن لم يستحقّ بها الأجر ، فيكون مجزية مسقطة للواجب عن

__________________

(١) في ( ألف ) : « مرات ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « مستقلا ... أحدهما ».

(٣) في ( ألف ) : « إلهي ».

٤٥٨

الذمّة ، وإن لم يكن مقبولة موجبة لاستحقاق الأجر والثواب ، فلا ملازمة عنده بين الإجزاء والقبول.

وكأنّ الوجه فيما ذكره حصول الإتيان بالمأمور به مع عدم رجوع دليل على الفساد ؛ إذ غاية ما تقتضيه الأدلّة حرمة الاشتراك في العبادة وعدم ترتّب ثواب على العبادة المفروضة.

ولا يقتضي شي‌ء منهما فساد العمل ؛ لتعلّق الحرمة بأمر خارج وإن ترتّب الثّواب ليس من مقوّمات العبادة ، ويكفي في رجحانها المعتبر فيها إسقاطها العقاب.

كيف ، وقد دلّ الآثار الصحيحة على عدم قبول صلاة شارب الخمر إذا أسكر أربعين يوما ، وفيها ما يدلّ على عدم قبول سائر الأعمال إذا لم تقبل الصلاة .. إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

مع أنّه لا تأمّل لأحد في صحة العبادة مع ذلك ، فظهر بذلك الفرق بين الأجزاء الموجب لسقوط التكليف والقبول الباعث على استحقاق الأجر.

وأيضا ظاهر الأخبار الدالّة على عدم ترتّب الأجر عدم ترتّب العقاب المعدّ لتارك ذلك الواجب ، وإلّا لاقتضى المقام ذكره ، فالمستفاد منها أنّ أقصى ما يلزم المرائي في فعله حرمانه من الثواب المعدّ للعمل.

ويدفعه أوّلا : أنّه إنّما يصدق الامتثال إذا أتى بالفعل من جهة أمر الآمر كما يدلّ عليه العرف ، فلو كان الحامل له على الفعل مجرّد الرياء لم يكن ممتثلا لأمره تعالى ولا مطيعا له ، فكيف يكون مجزية.

وهذا الوجه لا يجرى فيما إذا جعل الرّياء ضميمة للقربة مع استقلالها.

وثانيا : إنّ ظاهر النواهي حرمة العمل الواقع على جهة الرياء ، بل الظاهر أنّه من الأمور الواضحة الّتي لا يختلف فيها أحد من الأمّة ، وذلك قاض بالفساد.

وثالثا : إنّ في الأدلّة ما هو دالّ على كون المطلوب هو خصوص الواقع على جهة الاخلاص كالآية الشريفة.

٤٥٩

وفي النهج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « اعملوا في غير رياء ولا سمعة » (١) .. إلى غير ذلك ، فلا وجه للقول بإتيانه بالمأمور به الموجب لحصول الامتثال.

ثمّ إنّه لا إشعار في الأخبار الدالّة على عدم ترتّب الأجر على فعل الرياء بصحّة الفعل وعدم ترتّب الإثم.

كيف ، ولو أفاد ذلك لدلّ على عدم حرمة الرياء ، مع أنّ تحريمه من ضروريّات العقل والدين ، فالظاهر أنّ ذلك لمّا كان من المفاسد الشنيعة المترتبة عليه ورد بيانه في تلك الأخبار.

مضافا إلى ما اشتملت عليه من القريب إلى القبول.

على أنّ عدم ترتّب الأجر عليه من أدلّة فساده ؛ إذ لو صحّ وحصل به امتثال الأمر لزمه ترتّب الأجر ؛ إذ الظاهر عدم الفرق بين الإجزاء والقبول في العبادات الصرفة ، وما يوهم بظاهره الفرق محمول على إرادة القبول الكامل.

ويرشد إليه ما ورد من توقّف القبول على بعض المستحبّات كالإقبال في الصلاة ، مع أنّه لا خلاف في قبولها مع عدمه.

نعم ، يتمّ الفرق المذكور في غير العبادات كإنقاذ الغريق وتكفين الأموات ودفنهم ، فإنّ ذلك لو فعل على قصد الرياء أو غيره من الوجوه المحرّمة أجزأ لكن لا يترتّب عليه الثواب لانتفاء الامتثال.

ثانيها : أن يكون جهة الرياء أو غيره مستقلا ، وينضم إليها قصد الامتثال. وهو كسابقه في الفساد.

ثالثها : أن يكون جهة الامتثال منضما إلى جهة الرياء بحيث يكون الفعل ناشئا منهما معا. ولا تأمّل أيضا في الفساد ، وكثير من الأخبار الواردة في الرياء ظاهر فيه.

رابعها : الصورة بحالها إلّا أنّ المفروض فيها أن تكون الضميمة غير الرياء من المقاصد الأخر ، ولا تأمّل أيضا في فساد العبادة ؛ لمنافاته للإخلاص المطلوب في العمل ، ولعدم إسناد

__________________

(١) نهج البلاغة ١ / ٦١ ، الخطبة : ٢٣.

٤٦٠