تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

كتاب الطّهارة

٤١
٤٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

كتاب الطهارة

[ تبصرة ]

[ في معنى الطهارة اللغوي والمصطلح ]

وهي في اللغة : النزاهة والنظافة (١) ، وعند المتشرّعة يطلق على معان عديدة (٢) :

منها : الصفة المقابلة لصفة النجاسة ، ومنه قولهم : الأصل في الأشياء الطهارة.

ومنها : الحالة الحادثة المقابلة لحالة الحدث أو المبيحة (٣) للدخول في الصلاة ، وإن اجتمع

__________________

(١) انظر : العين ٤ / ١٨ ـ ١٩ ( طهر ) ، لسان العرب ٤ / ٥٠٤ ، القاموس المحيط ٢ / ٧٩ ، مجمع البحرين ٣ / ٣٨١ ، ومن الكتب الفقهية : المعتبر : ٧ والسرائر ١ / ٥٦ وغيرهما ، وكثير من المصادر العامية صرّح بالمعنى اللغوي هذا ، مثل الروض المربع للبهوتي ١ / ٧ ، والمغني المحتاج للشربيني ١ / ١٦.

وقد أعرب عن هذا المعنى اللغوي حتى المحدثين من الفقهاء مثل صاحب وسائل الشيعة فيه ٣ / ٢٩١ باب ١ ذيل ح ٣٦٧٨ في معنى « وإن تطهّرت أجزأك » فقال : يحتمل أن يراد الطهارة اللغوية بمعنى النظافة والنزاهة.

وأشار في البحار ٧٧ / ٥ باب ١ ( طهورية الماء ) من كتاب الطهارة إلى أن المعنى اللغوي العرفي للطهارة هو النزاهة والنظافة.

(٢) قال في مفتاح الكرامة ١ / ٣ : صرح جماهير الأصحاب بأنها ـ أي الطهارة ـ حقيقة شرعية ، وفي غاية المراد والمدارك : أن الأصحاب اختلفوا في المعنى المنقول فيه هل أخذ إليه إزالة الخبث أم لا ..

ثم ذكر المعاني المختلفة التي ذكرها الفقهاء وناقش في أكثرها ، فراجع.

(٣) في ( ج ) : « المنجيّة ».

٤٣

معه ، ومنه قولهم : يندب الكون على الطهارة ، ويشترط الصلاة بالطهارة.

ومنها : المعنى الجامع بين المعنيين كما في قولهم : يشترط الصلاة بالطهارة ، إذا أريد به الأعم من الطهارتين ، وربما يعبّر عنه بالحالة التي يصح معها الدخول في الصلاة من غير عفو.

ومنها : إزالة الخبث ، ومنه قوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (١) في وجه (٢) ، ويدور على ألسنتهم أنها إحدى مستعملات الطهارة (٣) ، بل حكوا عن البعض كونها حقيقة فيه.

وفيه : أن لفظة الطهارة من الألفاظ اللازمة سواء كان (٤) مصدرا للمجرد أو المزيد ، ومن البيّن [ أنّ ] (٥) إزالة الخبث من المعاني المصدرية المتعدّية فكيف يمكن جعلها أحد معانيها ولم نجدهم يوما استعملوها متعدّيا. واستعمال التطهير فيها لا يدل على استعمال الطهارة إلّا أن يراد استعمال تلك المادّة (٦) فيها في الجملة.

نعم ، يمكن أن يقال بكونها مستعملة في الفعل المزيل للخبث على نحو ما يقولونه في المزيل للحدث ، ولعله مراد القائل به.

ومنها : استعمال طهور مشروط بالنيّة مطلقا أو على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.

ومنها : المعنى الأعم من ذلك ومن إزالة الخبث ، ولعل المراد به الفعل (٧) المزيل للحدث والخبث. ذكره بعض الأجلّة ، ويمكن إرادته من قولهم : كتاب الطهارة.

__________________

(١) سورة المدثر (٧٤) : ٤.

(٢) والوجه المشهور أنه كانت ثيابه طاهرة وإنّما أمره بالتشمير كما في الكافي ٦ / ٤٥٦ باب تشمير الثياب ح ٤ وغيره.

(٣) صرّح بهذا الوجه ـ أي إزالة الثياب من الخبث والنجاسات ـ المجلسي في البحار ١٦ / ٢١٢ باب ٩ في مكارم أخلاقه ، ونقل في ٦٤ / ٢٧٧ باب ١٤ ذلك عن الطبرسي والزجاج. وانظر الوجهين في مجمع البحرين ٣ / ٣٧٨.

(٤) في ( د ) : « كانت ».

(٥) الزيادة منّا.

(٦) في ( د ) : « الحالة » ، بدلا من : « المادّة ».

(٧) لم ترد في ( د ) : « الفعل ».

٤٤

والدائر (١) على ألسنتهم أنّها حقيقة في المعنى الخامس في الجملة لكن اختلفوا فيه فمنهم من جعله مشتركا لفظيا كما هو ظاهر الشرائع (٢) ، والأكثر على كونه مشتركا معنويّا ، لكن منهم : من عمّمها لجميع أقسام الوضوء وأخويه حتى المجامعة للحدث كوضوء الحائض والجنب ، وهو ظاهر اللمعة (٣).

ومنهم : من خصّصها (٤) بما يكون له مدخل في استباحة الصلاة. ولا يخلو عن قرب وإن كان القول بدخول الأغسال الغير الرافعة والوضوء التجديدي لا يخلو عن وجه ، بل هو أقرب (٥).

وكيف كان ، فالتأمّل في الاستعمالات والنظر في موارد الإطلاقات يعطي كونها حقيقة في الأول والثاني والخامس من المذكورات ، وإن كان خلاف ما هو المذكور في أكثر المصنّفات (٦).

والظاهر أن الخلاف المذكور (٧) في لفظ الطهارة ، وأما مشتقّاته كالطاهر والمطهّر فالظاهر عدم الخلاف في كونها حقيقة في المعنى الأول بل الثاني أيضا.

فيستدل بذلك على كون المبدأ حقيقة فيه أيضا ؛ إذ الظاهر أن المعنى الثابت للمشتقات ثابت لمبدإ الاشتقاق ؛ لكونه الغالب ولأنه الطريق في معرفة معاني المصادر غالبا عند نقلة (٨)

__________________

(١) في ( د ) : « المدار ».

(٢) الشرائع ١ / ٤ قال : الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.

(٣) انظر : شرح اللمعة الدمشقية ( الروضة البهية ) ١ / ١٠ ـ ١١ كتاب الطهارة ، وعبارة اللمعة هكذا : والطهور هو الماء والتراب .. فالماء مطهّر من الحدث والخبث.

(٤) في ( د ) : « خصّها ».

(٥) انظر تفصيل ذلك وبعض المناقشات في مفتاح الكرامة ١ / ٤.

(٦) وقال في البحار ٧٧ / ٤ كتاب الطهارة باب ١ ( طهورية الماء ) : والمراد بقوله ( لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) الطهارة من النجاسات الحكمية أعني الجنابة والحدث الأصغر أو منها ومن العينية أيضا كالمني .. إلى أن قال في ص ٥ : فإن الطهارة إن كان لها شرعا حقيقة فهي رافع الحدث أو المبيح للصلاة.

(٧) لم ترد في ( ب ) : « المذكور ... عدم الخلاف ».

(٨) في ( الف ) : « نقله » بالهاء ، وهو غلط.

٤٥

اللغة (١) على الظاهر كما يعطيه (٢) النظر في كلامهم ، ولأنّ أوضاع المشتقّات باعتبار هيآتها نوعيّة ، وهي تابعة لوضع المادّة المعروضة (٣) لتلك الهيأة الموضعة (٤) بالوضع الشخصي فإذا ثبت معنى للمادّة في ضمنها يثبت (٥) وضعها شخصا لذلك ، فيكون حقيقة فيه مطلقا. إلّا أن يعلم اختصاص المادّة المعروضة (٦) لتلك الهيأة بذلك كما في المشتقّات الّتي لم يستعمل مبادئ اشتقاقها ، فتأمل.

وتفصيل الكلام في ذلك يستدعي بسطا في المقام مع أنه لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة في الأحكام ، فتركه والتعرّض لما هو أهم أنسب بالمرام.

هذا ، وينتظم مباحث الكتاب في أبواب :

__________________

(١) لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « عند نقلة اللغة ».

(٢) في ( د ) : « يقتضيه ».

(٣) في ( د ) : « المفروضة ».

(٤) في ( د ) : « الموضوعة ».

(٥) في ( د ) : « ثبت ».

(٦) في ( د ) : « اختصاص المعروضة ».

٤٦

الباب الأول

في المياه

والكلام فيها ، وفي أقسامها ، وما يعرضها من الطواري التي يخرجها عن الطهارة أو الطهوريّة أو غيرهما (١) ، وما يعود بها إلى حالتها الأولى.

ولنفصّل ذلك في مباحث :

البحث الأول

في بيان أنّه بجميع أقسامه على الطهارة (٢) والطهوريّة

وبيان ما يخرجه عن الطهارة على كل حال

مقدّمة

[ في الماء المطلق والمضاف ]

الماء إما مطلق أو مضاف ، والأوّل حقيقة (٣) معروفة بين الحقائق غنيّة عن التعريف ، غير أنّ الظاهر أنّ مدار التسمية ليس على حصول تلك الحقيقة لا وجودا ولا عدما ؛ إذ قد لا يصدق مع حصول تلك الحقيقة كما في الجمد والثلج (٤) على ما هو المعروف من المذهب ، وإن

__________________

(١) في ( د ) : « غيرها ».

(٢) في ( د ) : « أو » ، بدلا من : « و ».

(٣) في ( د ) : « حقيقته ».

(٤) في ( الف ) : « كما في المجمل والتاج ». أي كتاب المجمل وكتاب التاج. وما أدرجناه من بقية النسخ الثلاثة ، وهو الظاهر بقرينة العبارات التالية ، وإن كان لذكر كتب اللغة أيضا وجه. لاحظ : تاج العروس ١٢ / ٤٤٧ ( طهر ) من الطبعة المحققة.

٤٧

ذهب العلّامة في المنتهى (١) إلى صدق الماء عليه حقيقة ؛ نظرا إلى أن الجمود لا يخرجه عن حقيقته ، بل تأكّدها (٢) لما فيه من غلبة البرودة التي هي من آثار طبيعة المائيّة ، فقوّة آثار الطبيعة إن لم يوجب تقويتها فلا (٣) يصير سببا لضعفها أو رفعها ، ولذا قال بعدم انفعاله بمجرّد الملاقاة إذا كان كثيرا ، لكنه لم يقل بنجاسة جميعه مع القلّة ؛ إذ سراية النجاسة فرع الميعان دون القلّة.

والظاهر أنه لا يقول بجواز التطهير به عن الحدث أو الخبث لكونه فرع الجريان ، ولا يحصل به.

وكيف كان ، فالنظر في الإطلاقات العرفية يدفع ما ذكره ، وغاية (٤) ما ذكره (٥) في التقريب بقاء الحقيقة العقلية (٦) ، وهو لا يقتضي بقاء الحقيقة الاسمية التي هي المناط في الأحكام المذكورة للماء ؛ مضافا إلى إخراجه عن الميعان الذي هو أحد آثار الطبيعة أيضا.

وقد يصدق مع ضمّ غير تلك الحقيقة إليها فيصدق على المركّب منها ومن غيرها كما في المخلوط بغير السالب للاسم ، مع أن قضية الأصل حينئذ عدم صحة الإطلاق إلّا على نحو المجاز والتسامح العرفي الذي ليس مناطا للحكم (٧).

وحينئذ إما أن يقال بكون الاستعمالات المذكورة من قبيل التسامحات العرفية إلّا أنه قام الإجماع على اعتبارها على خلاف الأصل في خصوص المقام أو يقال بكون وضعه على النحو الأعم وضعا أوّليا أو ثانويا من جهة الغلبة.

والنظر في الاستعمالات يدفع الأول ؛ إذ الظاهر عدم التأمل في كون إطلاقه على المختلط

__________________

(١) منتهى المطلب ١ / ٤ من الطبعة الحجرية.

(٢) في ( د ) : « يأكّدها ».

(٣) في ( د ) : « لا » ، بدلا من : « فلا ».

(٤) في ( د ) : « بيانه » ، بدلا من : « غاية ».

(٥) في ( د ) : « ذكر ».

(٦) في ( د ) : « الفعليّة » ، بدلا من : « العقليّة ».

(٧) في ( د ) : « للحكم الشرعي ».

٤٨

بغيره من الحقيقة لعدم خلوّه غالبا عن الخليط. والقول بكون الاستعمال الغالب من المجاز ظاهر الفساد.

والفرق بين الخليط الغالب وغيره كما يظهر من جماعة من العامّة حيث ذهبوا إليه على تفصيل مذكور في كلامهم بيّن الوهم ؛ إذ صريح حكم العرف قاض بعدم الفرق ؛ وتسمية الجميع باسم الماء إلى أن يصل إلى حدّ الإضافة ، وحينئذ فالمدار فيه على التسمية العرفيّة.

ولذا عرّف على (١) المشهور (٢) بأنه : ما يستحق إطلاق الماء عليه من غير قيد وإن استحق إطلاق المقيّد عليه أيضا كماء النهر أو البحر أو ماء السدر أو الكافور ونحوها.

وقولنا « من غير قيد » لإخراج المضاف ، وهو بناء على كون المضاف حقيقة فيه كما يأتي ظاهره (٣). وبناء على التجوّز فقد يتخيّل الاستغناء عن القيد ؛ لعدم استحقاقه إذن (٤) للمقيد أيضا إلّا أن يقال بصدق استحقاق المعنى المجازي للمجاز مع القرينة.

وفيه : أن إطلاق لفظ الماء في الحد يغني عن ذلك ، فالتزام التوضيح في القيد إذن أوضح.

واعتبر العلامة رحمه‌الله في جملة من كتبه (٥) مع ذلك عدم صحة سلب الماء عنه. والظاهر أنه للتوضيح.

وجعله في كشف اللثام (٦) لإخراج إطلاق الماء على المضاف حملا فيقال لماء الورد أو اللحم مثلا (٧) : إنه ماء.

وفيه : أن الاستحقاق منتف فيه أيضا ، ولذا يصح السلب عنه وإلّا لاستحق الحمل

__________________

(١) في ( ج ) : « في ».

(٢) في ( د ) : « عرّف المشهور ».

(٣) في ( د ) : « حقيقة فيه ظاهر ».

(٤) في ( د ) : « أولا » ، بدلا من : « إذن ».

(٥) كالنهاية والقواعد والتحرير كما في مفتاح الكرامة. وقال عند توضيح عبارته ( ويمتنع سلبه عنه ) : لإخراج الدمع والعرق. انظر : مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة ١ / ٥٩ المقصد الثاني في المياه.

(٦) كشف اللثام ١ / ٣٠ من الطبعة الحجرية.

(٧) لم ترد في ( د ) : « مثلا : ».

٤٩

وسلبه معا ، وهما متناقضان. ومجرد استحقاق المعنى المجازي للفظ المجاز مع القرينة ـ لو قيل به ـ لا يقتضي استحقاق الحمل بها (١) هنا مع إطلاق المحمول. مضافا إلى أن حمل الشي‌ء على الشي‌ء ليس إطلاق للفظه عليه.

وعن بعض الأفاضل : إن ذلك لخروج المضاف لعدم خروجه مما مر ؛ إذا استحقاقه لاسم الماء مقيدا قاض باستحقاقه له مطلقا ؛ إذ صدق المقيّد عليه قاض بصدق المطلق ، لكن لا يمتنع سلبه عنه عرفا فخرج به.

ولا يخفى ما فيه ؛ إذ لو صح ما ذكره لقضي بعدم صحة سلب المطلق عنه أيضا ، والحال أن صدق اللفظ على المعنى ليس كصدق الكلّي على الفرد لوضوح المباينة ، وإنما المراد صحة إطلاقه عليه مطلقا ، وهو تبع (٢) الوضع ، فقد يوضع المقيّد لشي‌ء لم يوضع له المطلق ، فلا يستحق إطلاق المطلق عليه ، وهو واضح.

وقد يورد على الحد باشتماله على الدور من جهة أخذ الماء فيه.

ويدفعه : أن المأخوذ في الحد اسم الماء ، وهو غير المحدود ؛ على أن المعرّف خصوص الماء المطلق ، والمأخوذ في التعريف مطلق الماء.

ثم إنه بعد البناء في صدق الماء على الرجوع إلى العرف وإجراء أحكامه على مسمّاه يجري (٣) في الخليط الممازج (٤) معه مع عدم سلبه (٥) الإطلاق أحكام الماء من الطهارة والطهوريّة وإن كان من الأعيان النجسة كالبول والدم والخمر إذا لم يغيّر (٦) أحد أوصافه الثلاثة.

وحينئذ فيثبت لها أيضا حكم الحليّة ، وهذا من خصائص الماء لاختصاص حكم

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) و ( ج ) و ( د ) : « بها ».

(٢) في ( د ) : « يتبع ».

(٣) في ( د ) : « ويجري ».

(٤) في ( د ) : « المخارج ».

(٥) في ( د ) : « سلب ».

(٦) في ( د ) : « لم تغيّر ».

٥٠

الاستهلاك به ، بل الظاهر جريان أحكام المتنجّس عليه مع تغييره (١) النجاسة وبقاء اسمه ، فلا يجري على المخالطة معه مع (٢) الخمر (٣) إذا (٤) حكم الخمر في وجه قوي (٥).

وقد عرف بما (٦) ذكر حدّ المضاف فهو ماء لا يستحق إطلاق الماء عليه من غير قيد ، أو ما يستحق إطلاق الماء عليه (٧) مقيّدا لا مطلقا كماء الورد وماء الرمّان ونحوهما.

وإطلاق الماء عليه مع القيد (٨) إما مجاز والقيد قرينة عليه ، فاستحقاقه لإطلاق الماء عليه حينئذ مبني على ما مرّ ، أو أنه حقيقة فيه حال التقييد والقيد خارج عن (٩) الموضوع ، فيكون للفظ الماء وضعان : وضع في حال الإفراد وآخر مع التقييد ، أو أن المجموع المركب موضوع لذلك.

ويضعّف الأول بأن (١٠) النظر في استعمالاته العرفية يأبى عن التجوز ؛ إذ (١١) لا يلاحظ في شي‌ء منها المناسبة مع المطلق ، بل يطلق عليه ابتداء من دون تبعيّة (١٢) ، وهو من شواهد الوضع.

مضافا إلى شيوع استعماله فيه بحيث يستبعد معه البقاء على التجوز.

واشتهار الاستعمال مع ضمّ القرينة اللفظيّة وإن لم يستلزم الوضع إلّا أنه مع هذه الشهرة

__________________

(١) في ( ج ) : « مع تغيّره بالنجاسة ».

(٢) في ( ب ) : « من ».

(٣) في ( ج ) : « في المخالط معه من الخمر » ، وفي ( د ) : « في المخالط منه من الخمر ».

(٤) في ( د ) : « إذن ».

(٥) في ( د ) : « وجودي ».

(٦) في ( د ) : « عرفت ».

(٧) لم ترد في ( د ) : « من غير قيد أو ما يستحق اطلاق الماء عليه ».

(٨) في ( د ) : « والتقييد ».

(٩) في ( د ) : « من ».

(١٠) في ( د ) : « أن ».

(١١) في ( د ) : « أو ».

(١٢) في ( د ) : « قيد » ، بدلا من : « تبعيّة ».

٥١

مما يتبعّد (١) خلوّه عنه.

والوجه الثالث أيضا في غاية البعد ، بل مقطوع الفساد ؛ لوضوح استعمال المضاف إليه فيما وضع له.

بقي الوجه الثاني ، ولا يخلو عن قرب وإن عزّ (٢) مثله في الأوضاع ، وقد ذكر نحوه في لفظ (٣) الإيمان ، ويحتمله لفظ الصلاة بالنسبة إلى صلاة الميّت.

وبناء عليه فالتزام الوضع الخاص فيه بالنسبة إلى كلّ إضافة بعيد أيضا.

فالظاهر إذا كون الوضع فيه عاما والموضوع له (٤) والموضوع أيضا خاصا بملاحظة كلّ قيد (٥) على نحو الأوضاع الكليّة.

وهل الوضع فيه إذا لغوي أو عرفي؟ وجهان.

__________________

(١) في ( ج ) و ( د ) : « يستبعد ».

(٢) في ( د ) : « عبّر ».

(٣) في ( الف ) : « اللفظ ».

(٤) في ( د ) : « الموضوع » ، بدلا من : « الموضوع له ».

(٥) في ( د ) : « كلّ قيد قيد » ، بتكرار لفظة « قيد ».

٥٢

تبصرة

[ في أن الماء طاهر مطهّر ]

الماء كلّه مع عدم طروّ النجاسة عليه طاهر في نفسه مطهّر لغيره من الأحداث والأخباث ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، جاريا أو واقفا ، نابعا من الأرض أو نازلا من السماء أو ذائبا من الثلج أو منقلبا من الهواء أو غير ذلك ، بالإجماع من المسلمين بل هو في الجملة من ضروريات (١) الدين.

وعن سعيد (٢) بن المسيّب في ماء البحر أنه قال : إذا لجئت (٣) إليه فتوضأ (٤).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (٥) وابن عمر (٦) أنهما قالا : التيمّم أحبّ إلينا منه (٧).

والخلاف المذكور مع عدم (٨) كونه في أصل الطهوريّة قد انعقد الإجماع من العامة والخاصة على خلافه.

ويدل على الحكم المذكور بعد الإجماع ـ محصّلا ومنقولا حدّ الاستفاضة ـ الكتاب والنصوص المستفيضة بل المتواترة.

__________________

(١) في ( الف ) : الضروريات.

(٢) في ( الف ) : سعد ، وما أدرجناه من مفتاح الكرامة ١ / ٥٩ ، والتذكرة ١ / ١١ وغيرهما.

(٣) في ( د ) : « ألجئت ».

(٤) المصنف لابن أبي شيبة ١ / ١٣١.

(٥) في ( الف ) و ( د ) : « عبد الله بن عمرو بن عمر بن العاص » ، وما في المتن من المفتاح والتذكرة وغيرهما.

(٦) لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « وابن عمر ».

(٧) لاحظ : المصنف لابن أبي شيبة ١ / ١٣١ ، سنن الترمذي ١ / ١٠٢ ، المجموع ١ / ٩١ ، تفسير القرطبي ١٣ / ٥٣ ، مفتاح الكرامة ١ / ٥٩.

(٨) لم ترد في ( ب ) : « مع عدم ... الحكم المذكور ».

٥٣

أما الأول : فيدل منه على الحكم المذكور في الجملة عدة آيات :

منها : قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (١) وقد وقع البحث في دلالة الآية (٢) الشريفة على مطهريّة الماء لما وقع من الكلام في معنى الطهور ، وجمهور الأمّة على دلالتها عليها ، وقد خالف فيه شرذمة من الجمهور يعني (٣) أبا حنيفة وبعض أتباعه. ومحصّل القول في ذلك أن جملة ما ذكر في معاني الطهور أمور خمسة :

أحدها : أن يكون مصدرا. حكاه جماعة من الأجلاء (٤) من أهل اللغة وغيرهم ، كالمطرزي في المغرب (٥) والراغب في المفردات والزمخشري في كشّافه وأساسه (٦) (٧) والفيروزآبادي (٨) والطبرسي والطريحي (٩) وصاحب الطراز ، وحكاه الطبرسي ونجم الأئمة والزمخشري وغيرهم عن سيبويه (١٠).

وحكى الأولين عنه أنه جاءت خمس مصادر على « فعول » بالفتح : قبول ووضوء وطهور وولوع ووقود ، وحكي مجيئه مصدرا عن الخليل والأصمعي والأزهري وغيرهم. وهو حينئذ مصدر لـ « تطهّر » فيكون بمعنى « التطهير » (١١) كما نصّ عليه في المغرب والنهاية (١٢) ، وهو ظاهر المفردات والكشاف ومجمع البيان والطراز.

__________________

(١) سورة الفرقان (٣٥) : ٤٨.

(٢) في ( الف ) : « آية ».

(٣) في ( د ) : « أعني ».

(٤) في ( د ) : « أجلاء ».

(٥) نقله عنه في مختار الصحاح مادة ( طهر ).

(٦) في ( د ) : « أسبابه ».

(٧) أساس البلاغة ٢ / ٨٦.

(٨) القاموس المحيط ٢ / ٧٩.

(٩) في مجمع البحرين ٣٧٨ / ٣.

(١٠) وحكاه أيضا في تاج العروس ١٢ / ٤٤٧ ( طهر ) عن سيبويه.

(١١) في ( د ) : « التطهّر ».

(١٢) النهاية ٣ / ١٤٧.

٥٤

[ و ] في الأساس (١) : وقد طهرت طهورا وطهوراً.

فظاهره (٢) جعله مصدرا للمجرد ، ويستفاد ذلك من موضع من الكشاف والطراز حيث فسّراه بالطهارة في قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلّا بطهور » (٣).

وقال السيوري (٤) : لا ريب في وروده بمعنى الطهارة.

وقد يرجع (٥) ذلك إلى الأول بأن الطهارة يجي‌ء أيضا مصدرا للمزيد كما يظهر من الطراز حيث قال : وتطهّر هو طهورا بالضم والفتح ، وطهارة. انتهى.

فلم يبق هناك إلّا عبارة الأساس ، وهي أيضا غير صريحة في ذلك ، فإتيانه بمجرّدها مع كونها خلاف المعروف بينهم لا يخلو عن إشكال ، ولم يذكر وروده مصدرا (٦) في المحيط والمجمل والغريبين وشمس العلوم ومختصره ضياء الحلوم (٧) والصحاح والمصباح المنير ، فظاهرهم عدم إثباتهم له.

وعن أبي عمرو أنه : لا نظير لقبول (٨) بالفتح في المصادر ، والباب كلّه مضموم الفاء. وحكى الجوهري عن غير الأخفش « القبول » و « الولوع » مصدران شاذّان ، وما سواهما من المصادر فمبني على الضم ، فظاهر ذلك إنكار مجيئه مصدرا.

وحكي في الطراز عن الأخفش وابن البراج (٩) أنهما زعما أن فعولا في المصادر صفة

__________________

(١) أساس البلاغة ٢ / ٨٦.

(٢) في ( ألف ) : « فظاهر ».

(٣) الرواية مروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعائم الإسلام ١ / ١٠٠ ، عوالي اللئالي ٢ / ٢٠٩ باب الطهارة ح ١٣١ ، و ٣ / ٨ ح ١ ، وقد روي ذلك عن الإمام الباقر عليه‌السلام في أكثر من طريق. لاحظ : الفقيه ١ / ٣٣ باب وقت وجوب الطهور ح ٦٧ ، التهذيب ١ / ٤٩ باب ٣ ح ٨٣ ، و ١ / ٢٠٩ باب ٩ ح ٨ ، المحاسن ١ / ٧٨ باب ١ ح ١.

(٤) في كنز العرفان ١ / ٣٧ كتاب الطهارة ، المعنى الثالث من معاني الطهور.

(٥) في ( د ) : « رجع ».

(٦) في ( الف ) : « مصدر ».

(٧) في النسخ غير ( د ) : « العلوم » ، وهو غلط. انظر : هدية العارفين ٢ / ١٠٩.

(٨) في ( ألف ) : « لقبوله ».

(٩) في ( د ) : « ابن السراج ».

٥٥

للمصدر المقيس حذفت وأقيمت الصّفة مقامه ، وهو إنكار لمجي‌ء فعول مطلقا مصدرا.

وكيف كان ، فالأظهر ثبوت هذا المعنى ، لنقل أولئك الأجلاء مع ما علم من تقديم قول المثبت وإن المنكر له صريحا ليس إلّا قليل منهم.

ثانيها : أن يكون اسما (١) بمعنى ما يتطهّر به (٢). ومجي‌ء فعول بهذا المعنى مما لا شبهة فيه ؛ لوضوح ثبوته في جملة من الألفاظ كالسحور والفطور والوضوء والوقود وغيرها.

وقد نص عليه في خصوص المقام أكثر أئمة اللغة والتفسير كالجوهري (٣) والهروي وابن الأثير (٤) والزمخشري في كشّافه (٥) وأساسه (٦) والمطرزي والراغب والطبرسي والنيسابوري (٧) والفخري (٨) والبيضاوي وصاحب الطراز وغيرهم (٩).

وقد حكي (١٠) أيضا عن الخليل والأصمعي وسيبويه وابن دريد والسجستاني والأزهري.

وعزا بعضهم مجيئه كذلك (١١) إلى جمهور أهل اللغة.

ثالثها : أن يكون صفة بمعنى المطهّر أو الطاهر المطهّر. وقد ذكر وروده بهذا المعنى أكثر أئمة اللغة وجماعة من علماء التفسير ، ونص عليه الفقهاء ؛ فعن ثعلب (١٢) ـ فيما حكاه عنه

__________________

(١) أي اسم آلة. صرّح بذلك في البحار ٧٧ / ٧ وغيره.

(٢) في ( الف ) : ما يطهر به.

(٣) في الصحاح ٢ / ٧٢٧ مادة ( طهر ).

(٤) في النهاية ٣ / ١٤٧ باب الطاء مع الهاء.

(٥) نقله عنه في البحار ٧٧ / ٧ حيث قال : قال في الكشاف : طهورا بليغا في طهارته.

(٦) أساس البلاغة ٢ / ٨٦.

(٧) في ( د ) : « النيشابوري ».

(٨) في ( ألف ) : « الفحري ».

(٩) كصاحب لسان العرب ٤ / ٥٠٤ ( طهر ) ، وانظر : البحار ٧٧ / ٧ فإنه نقل قولا عن أحمد بن يحيى أيضا.

(١٠) في ( ج ) و ( د ) زيادة : « ذلك ».

(١١) في ( الف ) : « لذلك ».

(١٢) في ( د ) : « تغلب ».

٥٦

جماعة (١) ـ : أنه الطاهر (٢) في نفسه المطهّر بغيره (٣) (٤).

وعن الأزهري (٥) : أنه في اللغة هو الطاهر المطهّر (٦).

وفي ضياء الحلوم : أنه الماء الخالص الطاهر في نفسه المطهّر لغيره (٧).

وعن الترمذي : أنه من الأسماء المتعدّية ، وهو المطهّر غيره. حكاه في المعتبر (٨). ونحوه (٩) عن اليزيدي (١٠) فيما حكاه السيوري. وقد فسّر جماعة من المفسرين (١١) قوله : ( ماء طهورا ) (١٢) في الآية بالطاهر في نفسه والمطهّر لغيره المزيل للأحداث والنجاسات. وعن ابن هبر (١٣) أنه قال أهل اللغة : الطهور هو الفاعل للطهارة في غيره.

ثم قال : وهذا مما لم يخالف فيه إلّا بعض أصحاب أبي حنيفة فقالوا : الطهور هو الطاهر (١٤) على سبيل (١٥) المبالغة. وفي الخلاف عندنا أنّ الطهور هو الطاهر المطهّر المزيل للحدث والنجاسة.

__________________

(١) منهم الطريحي في مجمع البحرين ٣ / ٣٨٠.

(٢) في ( د ) زيادة : « المطهّر ، وفي ضياء الحلوم أنه الماء الخاص الطاهر ».

(٣) في ( د ) : « لغيره ».

(٤) في ( ب ) : « لغير ».

(٥) حكاه عنه في مجمع البحرين ٣ / ٣٨٠.

(٦) لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « وعن الأزهري ... المطهّر ».

(٧) لم ترد في ( د ) : « وفي ضياء الحلوم ... لغيره ».

(٨) المعتبر في شرح المختصر : ٧ من الطبعة الحجرية.

(٩) في ( د ) : « وغيره ».

(١٠) في ( د ) : « اليرندي ».

(١١) انظر : جمهرة اللغة ٢ / ٣٧٦ ، القاموس المحيط ٢ / ٨٢ ، تاج العروس ١٢ / ٤٤٦ ونسب ذلك إلى التهذيب للنووي ، مجمع البحرين ٣ / ٣٨٠.

(١٢) في ( الف ) : طاهرا.

(١٣) في ( د ) : « ابن هبيرة ».

(١٤) في ( د ) : « للطاهر ».

(١٥) في ( الف ) : « سبل ».

٥٧

وفيه أيضا : الطهور هو المطهّر ، وعليه إجماع الفرقة.

وفي السرائر (١) : معنى طهور أنه مع طهارته يزيل الأحداث ويرفع حكمها بغير خلاف.

وفي كنز العرفان (٢) : قالت الشافعيّة وأصحابنا : إنه بمعنى المطهّر.

وفي مشرق الشمسين (٣) والحبل المتين ـ بعد حكاية إنكار أبي حنيفة استعماله بمعنى الطاهر المطهّر ـ : ويردّه نصّ المحقّقين من اللغويين على خلافه.

وعن المعالم (٤) والذخيرة : إنّ كثيرا من العلماء فسّروه بالطاهر في نفسه المطهّر لغيره.

وعزاه في الذخيرة أيضا إلى أهل اللغة.

ونسبه في البحار (٥) إلى كثير من أهل اللغة.

وقال الفاضل الجزائري : اتفق جميع علماء الإسلام على أنّ المراد من الطهور في الآية المطهّر ، وعلى وقوعه في الكتاب والسنة ، ولم يخالف في الموضعين سوى أبي حنيفة.

__________________

(١) السرائر ١ / ٥٩.

(٢) كنز العرفان في فقه القرآن للسيوري ١ / ٣٧ كتاب الطهارة.

(٣) مشرق الشمسين : ٣٤٧ المسلك الثالث في المياه.

(٤) معالم الدين وملاذ المجتهدين ( قسم الفقه ) ١ / ١٢٢ قال : فكثير من العلماء فسروه ـ أي الطهور ـ بالطاهر في نفسه المطهر لغيره ، حتى أن الشيخ في التهذيب أسنده إلى لغة العرب.

(٥) بحار الأنوار ٧٧ / ٦ باب ١ من كتاب الطهارة. قال العلامة المجلسي ذيل الآية الشريفة ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) في البحار ٧٧ / ٥ ـ ٦ الباب الأول من كتاب الطهارة : إنه استدل بها على طهارة مطلق الماء ومطهريته ، وأورد عليه بأنه ليس في الكلام ما يدل على العموم ، وإنما يدل على أن الماء من السماء مطهر وبأن الطهور مبالغة في الطاهر ولا يدل على كونه مطهرا بوجه.

وأجيب عن الأول بأن ذكره تعالى ماء مبهما غير معين ووصفه بالطهورية والامتنان على العباد به لا يناسب حكمته تعالى ولا فائدة في هذا الاخبار ولا امتنان فيه ، فالمراد كل ماء يكون من السماء .. وعن الثاني بأن كثيرا من أهل اللغة فسّر الطهور بالطاهر في نفسه المطهر لغيره. والشيخ في التهذيب أسنده إلى لغة العرب ويؤيده شيوع استعماله في هذا المعنى في كثير من الأخبار الخاصية والعامية كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ». ولو أراد الطاهر لم يثبت المزية.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقد سئل عن الوضوء بماء البحر ـ : « هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته ». ولو لم يرد كونه مطهرا لم يستتم الجواب. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا ».

٥٨

وقال أيضا : إنّ أعاظم أهل اللغة نصّوا عليه.

وبملاحظة جميع ما ذكر لا يبقى ريب في ثبوت المعنى المذكور (١) ، وهل هو من معانيه الأصلية أو أنّه مأخوذ من غيره؟ وجهان.

وقد يرجّح الأول بملاحظة الإطلاقات المذكورة إلّا أنّ ظاهر جماعة منهم أخذه من غيره.

قال في التذكرة (٢) : الطهور هو المطهّر لغيره ، وهو فعول بمعنى ما يفعل به أي يتطهّر به.

انتهى.

وقد يستظهر (٣) منه أن تفسيره بالمطهّر (٤) في كلامه ليس من جهة استعماله فيه ، بل لاستفادته (٥) من جهة الآليّة ، فلا يكون ذلك معنى آخر سواه ، وهو خلاف ظاهر الجماعة.

ويمكن حمله على إرادة إثباته (٦) المطهّرية مع قطع النظر عن ثبوت ذلك المعنى له أو أنه أراد بذلك بيان أخذه من معنى الآلة كما هو ظاهر كنز العرفان (٧) حيث قال ـ بعد ما حكينا عنه أوّلا من كونه بمعنى المطهّر ـ : فيكون مأخوذا من وضعه لما يتطهّر به.

وقد يستفاد من ظواهر كلمات جماعة منهم أخذه من معنى المبالغة ، فانتقل منها إلى إرادة المطهريّة بناء على عدم إمكان المبالغة الحقيقيّة بالنسبة إلى الطهارة الشرعيّة ، فنزّل المطهّرية منزلة المبالغة في الطهارة (٨).

__________________

(١) قال في البحار ٧٧ / ٧ بعد نقل عدة أقوال : والحق أن المناقشة في كون الطهور بمعنى المطهر وإن صحت نظرا إلى قياس اللغة لكن تتبع الروايات واستعمالات البلغاء يورث ظنا قويا بأن الطهور في إطلاقاتهم المراد المطهر إما لكونه صفة بهذا المعنى أو اسما لما يتطهر به وعلى التقديرين يثبت المرام.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ / ٧.

(٣) في ( د ) : « يظهر ».

(٤) زيادة في ( ج ) : « زائد بمعنى ما يفعل به يتطهّر به انتهى وقد ».

(٥) لم ترد في ( ج ) : « استعماله فيه بل لاستفادته ».

(٦) في ( د ) : « إتيانه ».

(٧) كنز العرفان ١ / ٣٧.

(٨) يفهم ذلك من الشيخ فيما حكاه عنه المجلسي رحمه‌الله في البحار ٧٧ / ٦ ـ ٧ ، وسننقل كلامه في الهامش.

٥٩

قال ابن الأثير (١) : الماء الطهور في الفقه هو الذي يرفع الحدث ويزيل الخبث (٢) ؛ لأنّ فعولا من أبنية المبالغة ، فكأنّه تناهى في الطهارة.

وعلّل في الخلاف والمعتبر (٣) والمنتهى (٤) والتذكرة (٥) وكنز العرفان (٦) (٧) وغيرها كونها بمعنى المطهّر بأن فعولا من أبنية المبالغة ، ولا يتحقّق في المقام إلّا مع إفادة التطهير.

وفي الروضة (٨) : أنه مبالغة في الطاهر. والمراد منه الطاهر في نفسه المطهّر لغيره ، جعل بحسب الاستعمال متعديا وإن كان بحسب الوضع لازما كأكول (٩). انتهى.

وقد يتوهّم من هذه العبارات أن إفادته المطهّرية إنما هي من جهة دلالته على المبالغة ، فلا يكون إذن من مستعملات اللفظ ، وإنما يستفاد منه من جهة (١٠) الملازمة.

ويندفع ذلك بأنه يخالف (١١) تصريح (١٢) المذكورين حيث نصّوا على استعماله في معنى المطهّر.

قال في المعتبر (١٣) وكنز العرفان (١٤) :

__________________

(١) النهاية ٣ / ١٤٧.

(٢) في ( ج ) و ( د ) : « النجس ».

(٣) المعتبر : ٧.

(٤) منتهى المطلب ١ / ٤ من الطبعة الحجرية.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ / ٧.

(٦) كنز العرفان ١ / ٣٧.

(٧) زيادة في ( ج ) : « ومشرق الشمسين ».

(٨) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ١ / ١٠ ـ ١١.

(٩) في ( د ) : « كالأكول ».

(١٠) لم ترد في ( ب ) : « دلالته ... من جهة ».

(١١) في ( د ) : « مخالف ».

(١٢) في ( د ) : « لتصريح ».

(١٣) المعتبر : ٧.

(١٤) كنز العرفان ١ / ٣٨.

٦٠