تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

نبع (١).

وفي عدم تقيّد (٢) ( كرية ) (٣) ماء الحمّام بكريّة مادّته أو المجموع شهادة عليه أيضا مع إطلاق المادّة الواردة فيه وفي ماء البئر.

وضعف (٤) جمع (٥) ماءين (٦) أوضح من أن يبيّن لما عرفت من إطلاق جملة من أدلّة انفعال القليل ، مع تأيده بالشّهرة العظيمة بين الطائفة القريبة من الإجماع بل الإجماع على الحقيقة.

وما ذكر من المؤيّدات لا يفيد شيئا كما عرفت الحال فيها.

هذا ، ومن العجب أيضا ما (٧) يظهر عن (٨) بعض المتأخّرين (٩) من عدم سراية النجاسة إلى الأسفل ( يظهر ) (١٠) من الجاري لا عن المادّة وإن كان أقلّ من كرّ ؛ استنادا إلى أنّه هارب عن النجاسة ، فيبقى على أصالة الطهارة.

ووهنه واضح.

__________________

(١) في ( د ) : « منبع ».

(٢) في ( د ) : « تقييد ».

(٣) الزيادة من ( د ).

(٤) في ( ب ) : « ضعفه ».

(٥) في ( ج ) : « جميع ».

(٦) في ( د ) : « ما بين » ، بدلا من : « ماءين ».

(٧) أضفنا لفظة ( ما ) من نسخة ( د ).

(٨) في ( د ) : « من ».

(٩) الحدائق الناضرة ١ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ؛ المدارك ١ / ١١٤.

(١٠) لا توجد ( يظهر ) في ( د ).

١٤١

تبصرة

[ في حكم الكثير الراكد ]

الكثير من الراكد وهو ما كان كرّا فصاعدا لا ينجس إلّا باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه الثلاثة على نحو ما مرّ في سائر المياه المعتصمة بإجماعنا المعلوم والمنقول في كلام جماعة من الفحول.

مضافا إلى الأصل والنصوص المستفيضة المتكثّرة بل المتواترة عن العترة الطاهرة ، فأصل المسألة ممّا لا كلام فيه وإنّما الكلام هنا في مواضع :

أحدها : أنّه لا يعتبر فيه تقارب أجزاء الماء ليتقوّى بعضها (١) ببعض ، فيضعف تأثير (٢) النجاسة فيها ؛ للأصل وصدق اتّحاد الماء ولو تباعد أجزاؤه ، فيشمله إطلاق المستفيضة الدالّة على اعتصام الكرّ ، وما دلّ على تحديده بالوزن بل والمساحة على وجه نشير إليه.

وذهب الراوندي إلى اعتبار ذلك فيه ، ولذا (٣) ذكر حكاية الجمع بين الأبعاد. وكأنّهم من ذلك توهّموا ذهابه إلى النظافة (٤) بالجمع بين الأبعاد في تحديد الكرّ من غير (٥) اعتبار الضرب فألزموه باعتصام المياه القليلة إذا كان المجتمع من أبعاده بذلك المقدار.

وعبارته في شرح الجمل صريحة في خلافه ، وعدم خلافه للمشهور في بيان المقدار ، وإنّما خالفهم فيما ذكرناه.

__________________

(١) في ( د ) : « بعضه ».

(٢) في ( ج ) : « بأمر ».

(٣) في ( د ) : « لذلك ».

(٤) في ( د ) : « انتفائه ».

(٥) لم ترد في ( د ) : « غير ».

١٤٢

وربّما يستفاد من المعالم أيضا ميله إلى اعتبار الإجماع.

واستشكل فيه في الحدائق (١) على ظاهر كلامهم. وكأنّ الوجه في اعتبار ذلك لإطلاق (٢) الروايات الدالّة على تحديد (٣) مساحة الكرّ.

وحملها على إرادة بيان المكسّر لا داعي إليه على أنّه مع الاجتماع يتقوّى الماء على النجاسة من جهة انتشارها فيه ، بخلاف ما لو انتشر الماء وتباعدت أجزاؤه.

وأنت خبير بأنّ ظواهر تلك الأخبار (٤) ممّا لم يعرج (٥) عليها أحد من الأصحاب ، فلا بدّ من حملها على إرادة التكثير كما فهموا ـ مضافا إلى ما عرفت من الإطلاقات وظاهر التحديد بالوزن ـ وأنّ المعتبر في الاعتصام هو بلوغ الماء قدر الكرّ ، وهو أعمّ من كونه على ذلك النحو المخصوص الملحوظ في الأبعاد على فرض تسليم ظهور الروايات فيه ، أو كونها بحيث لو جعل (٦) في محلّ قليل (٧) لذلك كان كذلك (٨) ، فإطلاقها يعمّ جميع الوجوه.

هذا ، ثانيها : أنّه (٩) هل يعتبر فيه استواء سطح الماء أو يعمّ صورة الاختلاف فيقوى الأسفل بالأعلى والأعلى بالأسفل بمجرّد اتّصال الماء؟

اختلفت فيه عبارات الأصحاب ، واضطربت فيه أقوالهم ؛ لخفاء مدرك الحكم وخلوّه عن النصّ. فظاهر ما ذهب إليه كثير من الأصحاب من اعتبار الدفعة في التطهير بالكرّ ـ كما سيجي‌ء ـ عدم تقوّي الأعلى بالأسفل وبالعكس إلّا مع اجتماع الماء عرفا واعتضاد بعضه

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ / ٢٧٦ ـ ٢٧٥.

(٢) في ( د ) : « اطلاق ».

(٣) في ( ج ) : « تحديده الكرّ ».

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٤١٥ ، ح ٢٨ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٦٥ ، ح ١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦.

(٥) في ( د ) : « يصرّح ».

(٦) زيادة في ( د ) : « لا ».

(٧) في ( د ) : « قابل ».

(٨) لم ترد في ( ب ) : « كان كذلك ».

(٩) في ( د ) : « هذا وهل » بدل « ثانيها انه ».

١٤٣

ببعض ؛ إذ ذاك هو الوجه في اعتباره ، وهو التعليل المعروف له في كلامهم.

وقال في المعالم : إنّ اعتبار المساواة في الجملة ليس ببعيد ، ثمّ قال في مسألة التطهير بالكرّ : وحيث تقدّم منّا الميل إلى اعتبار المساواة فاعتبار الدفعة متعيّن.

وهو أيضا ظاهر من أطلق اعتبار الكثرة في مادّة الحمّام مع تسريته إلى غيره.

ومنهم المحقّق الكركي (١). وقد نصّ على اعتبار ذلك في غير صورة التساوي.

ومنهم من أطلق الحكم بالاعتصام مع اتّصال الماء فيقوى (٢) كلّ من الأعلى والأسفل بالآخر مطلقا. وإليه ذهب في الروض (٣). وجعله قضيّة إطلاق أكثر الأصحاب حيث لم يقيّدوا الكرّ (٤) المجتمع بكون سطوحه مستوية أولا.

وظاهر إطلاقه عدم الفرق بين صورة التسنيم والانحدار كما حكى عنه صريحا في فوائد القواعد.

وتبعه في ذلك جماعة من المتأخّرين.

وهو قضيّة ما مرّ من تصريح جماعة بطهارة ما دون المتغيّر في الجاري مع (٥) كريّته إذا قطع التغيير عمود الماء ؛ إذ هو بعد قطع العمود ينفصل عن حكم الجاري ، فيجري عليه أحكام الواقف.

ويعم ذلك أيضا صورتي الانحدار والتسنيم.

ويقتضيه أيضا إطلاق الدروس (٦) والبيان (٧) والموجز وغيرها بعدم (٨) انفعال الجاري لا

__________________

(١) جامع المقاصد ١ / ١١٣.

(٢) في ( د ) : « فيتقوّى ».

(٣) روض الجنان : ١٣٥.

(٤) في ( د ) : « بالكرّ ».

(٥) لم ترد في ( ب ) : « مع كرّيته .. حكم الجاري ».

(٦) الدروس ١ / ١١٩.

(٧) البيان : ٤٤.

(٨) في ( د ) : « لعدم ».

١٤٤

عن مادّة بالملاقاة إذا كان بمقدار الكرّ ، ونجاسة الأسفل خاصّة إذا نقص عنه.

وقد يومي إليه إطلاق المعتبر (١) بالاكتفاء بكرية المجموع في الغديرين الموصول بينهما بساقية.

ومنهم من ذهب إلى تقوّي الأسفل بالأعلى أو (٢) العكس. وهو ظاهر التذكرة (٣).

وعليه أو على اعتبار المساواة مطلقا يبنى ما في الدروس (٤) والبيان (٥) والموجز من الحكم باتحاد القليل المتصل بالجاري معه (٦) مع علوّ الجاري أو مساواته.

وذكر نحوه في الذكرى (٧) وغيره في القليل المتصل بالكثير.

ولا يذهب عليك مدافعة ذلك لما حكيناه آنفا عن الدروس والبيان والموجز في الجاري لا عن المادّة.

ومنهم من فصّل بين صورتي التسنيم والانحدار ، فقال بحصول التقوّي من الطرفين في الثاني ، وعدم تقوي الأعلى بالأسفل في الأوّل.

واحتمله بعض المتأخرين. ويحتمله الجمع بين الحكمين المذكورين في الكتب المتقدّمة.

واحتمل بعضهم في الجمع بين عبائر من أطلق القول باعتبار الكرّية في مادّة الحمّام مع إطلاقه القول باتحاد الغديرين الموصول بينهما بساقية حمل الأوّل على صورة التسنيم وتخصيص الثاني بصورة الانحدار ، فيرجع إلى التفصيل المذكور لكن مع عدم تقوّي الأسفل بالأعلى أيضا في الصورة الأولى.

وتوضيح المرام أنّ الّذي يقتضيه الأصل في المقام عدم انفعال الماء بمجرّد بلوغ المتّصل

__________________

(١) المعتبر ١ / ٤٢.

(٢) في ( ج ) و ( د ) : « دون ».

(٣) التذكرة ١ / ٤.

(٤) الدروس ١ / ١١٩.

(٥) البيان : ٤٤.

(٦) لم ترد في ( ب ) : « معه مع علوّ الجاري ».

(٧) الذكرى : ٨ ـ ٩.

١٤٥

منه حدّ الكرّ على جميع صوره ؛ لإطلاق ما دلّ على طهارة الماء وخصوص قوله عليه‌السلام : « الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (١).

مضافا إلى استصحاب الطهارة السابقة.

وما دلّ على انفعال القليل لا يعمّ شيئا من هذه الصور ، ولا أقلّ من الشكّ في شموله ذلك. ولا يعارضه استصحاب حكم القلّة في القليل المتّصل كذلك بما يكمّله كرّا ؛ لمعارضته باستصحاب حكم الكرّ إذا طرا عليه ذلك. ولا قائل بالفصل ، فعلى كلّ من القولين لا بدّ من نقض أحد الاستصحابين.

وما يتخيّل ـ من دلالة أخبار الكرّ على اشتراط عدم انفعال الماء بشرط وجودي ، وهو غير معلوم الحصول في المقام ، فينفى بالأصل ويتفرّعه القول بالانفعال كما هو الوجه عند الشكّ في بلوغ الماء حدّ الكرّ ـ مدفوع بأنّ ذلك إنّما يتمّ عند تحقيق الشرط المفروض ، ثمّ الشكّ في حصوله كما في الفرض المذكور.

وأمّا مع الشكّ في أصل الشرط فلا ، بل العمومات تقضي بنفي الشرط (٢) الزائد.

فمع الشكّ في صدق الكرّ مع الاختلاف في سطوح الماء كما في بعض صوره يبنى على الطهارة ؛ لرجوع ذلك إلى الشكّ في اعتبار ما يزيد على بلوغ الماء المتّصل حدا معلوما ، فيدفع بالأصل ، ويقتصر على اشتراط خصوص ما ثبت اعتباره.

مضافا إلى صدق اسم الكرّ مع صورة (٣) اختلاف السطوح مع التسنيم والانحدار ، فتكون ذلك (٤) الاطلاقات دليلا آخر عليه.

وما قد يقال ـ من أن عدم سريان النجاسة إلى الأعلى قاض بعدم سراية (٥) (٦) الطهارة إليه

__________________

(١) الكافي ٣ / ١ ، ح ٢ و ٣ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٢١٦ ، ح ٢ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٣٤ ، ح ٥.

(٢) في ( د ) : « اشتراط ».

(٣) في ( د ) : « صور » ، وفي ( ألف ) : « صوره ».

(٤) في ( د ) : « تلك ».

(٥) لم ترد في ( ب ) : « سراية الطهارة ... الحكم بعدم ».

(٦) في ( د ) : « اشتراط ».

١٤٦

أيضا لعدم الفرق بينهما وقد صرّح به في الروض (١) مع مبالغته في الحكم بعدم اعتبار الاستواء. وظاهر أنّ عدم سراية الطهارة إلى الأعلى ليس إلّا لعدم اعتصامه بما دونه ، وهو مقتض لانفعاله بالملاقاة ؛ إذ ليس عدم الانفعال إلّا لأجل الاعتصام ـ مدفوع بأنّه اعتبار محض لا دليل عليه.

بل ظاهر إطلاق الأخبار خلافه ؛ لصدق اسم الكرّ قطعا في بعض صورها كما إذا كان مقدار الكرّ من الماء المجتمع نازلا أو منحدرا.

ومع القول به في صورة اجتماع الماء وانضمام بعضه إلى بعض يثبت (٢) في غيره أيضا ؛ لكشفه عن فساد الوجه المذكور ؛ إذ لا مقتضى سواه للتفرقة.

كيف ولو لا ذلك لزم الحكم بنجاسة الأنهار العظيمة المنحدرة بمجرّد قطعها عن المادّة بمجرّد ملاقاة النجاسة لأعلاها ، وهو ضروري الفساد.

وهذا من أقوى الشواهد على ما قلناه ، فلا ضير إذن في القول بحصول الاعتصام عن (٣) الانفعال بمطلق الاتصال ، وإن لم يحصل به التطهير في بعض الوجوه من جهة قيام الإجماع (٤) بالخصوص أو الشكّ في شمول أدلته أو لفهمه من عدم سراية (٥) النجاسة بالفحوى كما سيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

والقول بالفرق بين حكمي الدفع والرفع ليس بمستطرف عندهم ؛ إذ قد اعتبر كثير منهم في تطهير المياه امتزاج المطهّر بها مع أنّه لا يعقل اعتباره في الاعتصام.

نعم ، قد يقال بعدم صدق اتحاد الماء مع اختلاف السطوح ، فلا يصدق معه البلوغ حدّ الكرّ المتفرّع على وحدة الماء. وكأنّ ذلك هو الوجه في القول الأوّل على ما يومي إليه بعض

__________________

(١) روض الجنان : ١٣٦.

(٢) في ( د ) : « ثبت ».

(٣) في ( د ) : « من ».

(٤) في ( د ) زيادة : « عليه ».

(٥) في ( د ) : « سريان ».

١٤٧

كلماتهم.

ويضعّفه أنّ الظاهر اتّحاد المائين بمجرّد الاتّصال بل في كثير من صوره يقطع بالاتّحاد.

ولو شكّ فيه في بعض الصور فلا شكّ في عدم شمول أدلّة القليل لمثله (١). ولو فرض الشكّ فيه أيضا كفى في المقام ؛ لما عرفت من قضاء الأصل والعمومات فيه بالطهارة.

ولا يذهب عليك أنّه لا يصحّ للمفصّل الاستناد إلى الوجه المذكور كما قد يوهمه بعض العبائر ؛ إذ من الظاهر أنّه مع عدم صدق اتّحاد المائين يكون كلّ منهما في حكم المنفصل عن الآخر ، فلا يعقل الحكم بالاتّحاد من جانب دون (٢) آخر.

نعم ، بعد القول بكون اللّاحق بمنزلة المنفصل عن السابق كما نصّ عليه بعضهم يمكن الاستناد في اعتصام السافل بالعالي بكون العالي مادّة له ؛ عملا بإطلاق ما دلّ على كونها عاصمة من التعليل الوارد في البئر ، وتعليق الحكم عليها في الحمّام المشعر بالعلّيّة.

ولذلك زعم بعض المحدّثين (٣) تعميم الحكم ، فذهب إلى عدم انفعال القليل مع جريانه وملاقاة النجاسة لما عدا الأعلى منه ، وحكم بنجاسة الأعلى خاصّة إذا لاقاه النجاسة وإن كان أضعاف الكرّ ؛ لكونه بحكم المنفصل عمّا دونه ، فلا يتقوى به ولا يسري النجاسة منه إليه.

وأنت خبير بأنّ الوجه المذكور إنّما يتمّ مع كريّة السابق خاصّة ؛ لما مرّ في الحمّام من أنّه مع عدم اعتصام المادّة في نفسها لا يعقل اعتصام غيرها بها ، ولأنه المنساق منها في المواد البارزة.

والظاهر إطباقهم على اعتصام السافل به حينئذ ؛ إذ لم نجد مخالفا فيه مع تصريح جماعة قاطعين به.

وظاهر المعالم حكاية اتّفاقهم عليه ، فالوجه المذكور ـ إن تمّ ـ طريق آخر لاعتصام الماء لا دخل له بما هو محلّ الكلام من اعتصام السافل بالعالي في خصوص الكرّ.

على أن في اتفاقهم على ما ذكر تاييدا لما قلناه ؛ إذ مع الغضّ عن اتّحاد الماء وإجراء حكم

__________________

(١) في ( ج ) : « بمثله ».

(٢) في ( ب ) : « أو ».

(٣) روض الجنان : ١٣٥ ؛ الحدائق الناضرة ١ / ٢٤٣.

١٤٨

الكرّ على المجموع لا يظهر وجه للحكم سوى (١) رواية الحمّام وتعليل البئر.

ولا يخلو عن ضعف لعدم العموم في الأوّل. ولذا بنى جماعة هناك على تسرية حكمه بتطبيقه على القاعدة وظهور الثاني في الموارد الأرضية ، فتأمّل.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : الظاهر أنّ موضع البحث في اعتبار استواء السطوح وعدمه فيها (٢) إذا كان الاختلاف بتدافع الماء وجريانه ، و (٣) أمّا مع سكونه واستقراره فلا يبعد خروجه عن محلّ الكلام ؛ لخروجه عن ظاهر كلماتهم في المقام وتصريحهم بطهارة الباقي من المتغيّر الكثير إذا كان كرّا من غير تفصيل بين كون غير المتغيّر منه بتساوي السطوح أو لا مع أنّ التغيّر في الغالب لا يسري على حدّ سواء.

مضافا إلى ما هو ظاهر المذهب من عدم اشتراط الاجتماع في الماء وضمّ بعضه إلى بعض كما عرفت.

وحينئذ فلا تأمّل في تقوّي الأعلى بالأسفل والأسفل بالأعلى ، وإن كان الماء ان متميّزين في الحسن (٤) (٥).

وفي بعض كلمات المتأخّرين ما يفيد تسرية الكلام إلى (٦) ذلك أيضا ، وهو ضعيف.

نعم ، هناك كلام في تطهير الماء العالي كذلك بالسّافل. وسيأتي القول فيه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) لفظة « سوى » من نسخة ( د ).

(٢) في ( د ) : « فيما ».

(٣) في ( د ) لم ترد : « و ».

(٤) في ( ب ) : « الحرّ ».

(٥) في ( د ) : « الحسّ ».

(٦) في ( د ) : « على ».

١٤٩

الثاني : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ حكم القليل المتّصل بالمعتصم من الكرّ أو الجاري أو الغيث حكمه في عدم الانفعال سواء تساوى سطحاهما أو اختلفا ، ويأتي على قول من لا يقول بتقوّي الأعلى بالأسفل عدمه هنا أيضا. ولو كان القليل أسفل ، فالظاهر عدم الخلاف في اعتصامه به كما عرفت من حكمهم.

الثالث (١) : المعروف من المذهب أنّ بلوغ الماء حدّ الكرّ باعث على العصمة من الانفعال بملاقاة النجاسة من غير فرق بين كون الماء في الغدران والقلبان (٢) أو الأواني والحياض وغيرها.

وقد اشتهر حكاية الخلاف فيه عن المفيد رحمه‌الله في المقنعة (٣) والديلمي في المراسم (٤) ويستفاد ذلك أيضا من الشيخ رحمه‌الله في النهاية (٥) في خصوص مياه الأواني حيث أطلق القول بانفعالها وفصّل في مياه الغدران بين الكرّ ودونه. والظاهر حملها على صورة القلّة ؛ إذ هو الغالب فيها بخلاف الغدران.

ولا يبعد أن يحمل عليه عبارة المقنعة والمراسم وإن صرّحا بنجاسته (٦) مع الكثرة حملا للكثرة على العرفيّة دون الكرّية ؛ إذ اشتمال الآنية (٧) على الكرّ في غاية الندرة.

وكذا الحياض المصفوفة (٨) الّتي تسقى منها الدوابّ ونحوها. والحياض المعمولة في هذا الزمان غير معلوم الاشتهار في تلك الأعصار.

__________________

(١) في ( د ) : « ثالثها ».

(٢) في ( ب ) : « القليبان ».

(٣) المقنعة : ٦٤ ـ ٦٦.

(٤) المراسم العلوية : ٣٦.

(٥) النهاية : ٣ ـ ٤.

(٦) في ( ألف ) : « بنجاسية ».

(٧) في ( د ) : « الآية ».

(٨) في ( د ) : « المصنوعة ».

١٥٠

ويؤيّده أنّ الشيخ رحمه‌الله (١) في التهذيب عند شرحه للكلام المذكور حمله على القليل خاصّة ، ولذا استدلّ عليه بما دلّ على انفعال القليل ، وهو أعرف بمقصود شيخه.

وكيف كان ، فيدلّ على المشهور إطلاق روايات الكرّ.

ووقوع خصوص مياه الغدران في السؤال الوارد في بعضها لا يوجب انصراف الجواب إليه بالخصوص مع إطلاقه في نفسه.

ولو سلّم فغاية الأمر عدم دلالة تلك الرواية على العموم ، وهو لا ينافي دلالة غيرها عليه ؛ إذ ليس ذلك واردا في الجميع.

وفي رواية أبي بصير : « لا تشرب (٢) سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه » (٣) مضافا إلى الأصل والاستصحاب والعمومات ، مع عدم قيام دليل على خلافها.

واحتجّ المفيد (٤) ومن تبعه بإطلاق ما دلّ على انفعال مياه الأواني من غير تفصيل بين القولين (٥).

ويضعّفه (٦) أنّه مع أخصّيته عن المدّعى معارض (٧) بالإطلاق المتقدّم.

فغاية الأمر أن يكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع فيه إلى الأصل ، ومقتضاه الطهارة كما أنّها (٨) مقتضى العمومات.

مضافا إلى أنّ الغالب في مياه الأواني القلّة ، فينصرف إليه الإطلاقات ؛ إذ هي مبنيّة على الغالب مع اعتضاده بالشهرة العظيمة بين الطائفة بل اتفاق الكلمة عليه بعد أولئك الأجلّة إن

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٢١٧.

(٢) زيادة في ( د ) : « من ».

(٣) التهذيب ١ / ٢٢٦ ح ٣٣ ؛ الإستبصار ١ / ٢٠ ح ٦٤٤ عن أبي بصير.

(٤) المقنعة : ٦٤. وفي ( د ) : « للمفيد ».

(٥) في ( د ) : « القسمين ».

(٦) ليس في ( د ) : « أنه ».

(٧) في ( د ) : « أنه معارض ».

(٨) في ( د ) : « أنّ ».

١٥١

ثبت خلافهم في المسألة.

الرابع (١) : لو شكّ في بلوغ الماء حدّ الكرّ بني على عدم بلوغه سواء علمت قلّته أو لا ، أو جهل الحال فيه لأصالة عدمه.

وتوضيح المقام أنّ الشكّ في كرّية الماء إمّا أن يكون ابتداء من أوّل الأمر أو بعد العلم بالكرّية بأن يشكّ في حصول النقيصة (٢) أو مع العلم بحصولها في الجملة ، غير أنّه يشكّ في كونه مخرجا له عن الكريّة إمّا للشكّ (٣) في مقدار أصل الماء أو الشكّ في مقدار النقيصة أو الشكّ فيهما أو بعد العلم بنقصانه عن الكرّ بأن يشكّ في تكميله ؛ أو يعلم به في الجملة ويشكّ في إيصاله إلى حدّ الكرّ إمّا للشكّ في مقدار أصل الماء أو في قدر (٤) المكمل أو فيهما ، فهذه وجوه المسألة :

أحدها : أن يكون الشكّ في الكرّية من أوّل الأمر.

والظاهر كما أشرنا إليه البناء على قلّته (٥) وانفعاله بالملاقاة ؛ أخذا بأصالة عدم البلوغ إلى حدّ الكرّية (٦) (٧).

وذهب جماعة من المتأخّرين إلى البناء على أصالة الطهارة ؛ إذ أصالة عدم البلوغ إلى حدّ الكرّ معارضة بأصالة بقاء الطهارة ، فيبقى العمومات سليمة من (٨) المعارض.

ويضعّفه أن أصالة الطهارة مغيّاة بقيام الدليل الشرعي على النجاسة ، وقد قام ثبوت (٩) القلّة بالاستصحاب وقيام أدلّة القليل على انفعاله ، فليس هناك معارضة بين الأصلين.

__________________

(١) في ( د ) : « رابعها ».

(٢) زيادة في ( د ) : « من أصلها ».

(٣) في ( ألف ) : « الشك ».

(٤) في ( د ) : « القدر ».

(٥) في ( د ) : « أقلّيته ».

(٦) لم يرد في : ( ب ) : « الكريّة وذهب .. البلوغ إلى حدّ ».

(٧) في ( د ) : « الكر ».

(٨) في ( د ) : « عن ».

(٩) في ( د ) : « لثبوت ».

١٥٢

وكذا الحال في عموم « كل ماء طاهر » (١) إن جعلناه (٢) مغايرا للاستصحاب لكون الحكم فيه مغيّى بالعلم ، وهو حاصل من جهة قيام الدليل الشرعيّ.

وما يقال من أنّ العلم ظاهر في اليقين وهو غير حاصل بالاستصحاب ونحوه منقوض بحكمهم بالنجاسة قطعا من جهة قيام الدليل الشرعيّ على الحكم كالأدلّة القائمة على انفعال القليل أو نجاسة عرق الجنب من الحرام ونحوهما. والحال أنّ الأدلّة المذكورة لا يفيد اليقين في نفسها.

وأمّا انتهاؤها إلى اليقين للدليل القاطع على حجيّتها فهي قاضية بالعلم القطعي بالحكم ، فيجب البناء على مقتضاها في المقامين.

ولتفصيل الكلام في هذا المرام مقام آخر.

ثانيها : أن يكون الشكّ في طروّ نقص على الماء بعد العلم بكرّيته.

ولا شكّ إذن في البناء على أصالة البقاء على الكرّية مع اعتضادها بأصالة الطهارة والعمومات المذكورة. وهو مما لا كلام فيه.

ثالثها : أن يكون الشكّ في القدر الناقص إذا علم بنقصان شي‌ء منه ودار الأمر بين بلوغه إلى حدّ يوجب نقصه عن الكرّ وعدمه. والحكم فيه كسابقه ؛ لأصالة القلّة في القدر الناقص وأصالة الطهارة في الماء.

رابعها : أن يكون القدر الناقص معلوما ويكون الشكّ من جهة الشكّ في مقدار أصل الماء ، فيحتمل فيه البناء على أصالة القلة فيؤخذ بالقدر المتيقّن. ومعه يلزم الخروج عن الكرّية بالنقص المفروض.

ويشكل بأنّ الماء قد كان محكوما بكرّيّته قبل طروّ النقص ، فالأصل البقاء عليها إلى أن يعلم المخرج.

__________________

(١) في ( ب ) زيادة : « .. إلى آخره ».

(٢) في ( ب ) : « جعلنا مغاير الاستصحاب ».

١٥٣

وفيه : أنّ المحكوم بكرّيته هو مجموع الماء بطروّ (١) النقص تغيّر (٢) الموضوع إذ لم يحكم أولا بكريّة الباقي حتى يستصحب الحال.

ويدفعه أن ذلك ليس من استصحاب الحكم حتّى يتنازع فيه بتغيّر الموضوع بل هو من قبيل استصحاب نفس الموضوع فانّ الكرّ قد كان موجودا قبل النقيصة فالأصل بقاؤه بعدها حتّى يعلم الخلاف.

ومع الغضّ عن ذلك فتأخذ الحكم في المقام العصمة عن الانفعال ، فإنّ القدر الباقي قد كان معصوما من الانفعال قبل النقص ، فالأصل بقاؤه عليه بعده.

ويتوجّه عليه أنّ الأصل عدم الزيادة في مقدار الماء ، فلا يحكم بها إلّا على مقدار اليقين ، وحينئذ بعد العلم بحصول النقص المفروض يثبت القلّة أخذا بالأصل المذكور ، وهو حاكم عى أصالة بقاء الكر وأصالة بقاء العصمة ؛ إذ الحكم بهما مغيّى بحصول العلم بالقلة ، والمفروض أنّ الأصل المذكور دليل شرعي عليها من دون معارض يدفعه سيّما لو كان الماء قليلا في الأوّل فحصلت الزيادة شيئا فشيئا فشكّ في مقدار الماء الزائد ، خصوصا لو كان ذلك لاحتمال حصول الزيادة بعد الزيادة ، بل لا يبقى الشك (٣) في مثله في الحكم بالقلّة.

مضافا إلى أنّه قد يناقش في كونه من استصحاب الأمر فيه إلى الشكّ في بقاء الكرّية مع اختلاف ما لو تعلّق به اليقين الأوّل قطعا ، كيف ولو قيل بكون استصحاب بقاء الكرّ من استصحاب الموضوع لكونه متعلّقا بجملة من الأحكام جرى مثله في كثير من موارد الاستصحاب.

وهو كما ترى.

خامسها : أن يعلم نقصانه من الكر أوّلا وقد زيد عليه ما يشكّ معها في البلوغ إلى حدّ الكرّ إمّا للشكّ في مقدار الزائد أو في مقدار الماء أوّلا أو فيهما.

__________________

(١) في ( د ) : « فيطّرد ».

(٢) في ( د ) : « بغير ».

(٣) في ( ج ) : « لا ينبغي التأمّل ».

١٥٤

وفيه الوجهان السابقان.

والأظهر ما قدّمناه من البناء على أصالة القلّة ، وجعله حاكما على أصالة الطهارة.

سادسها : أن يكون الشك في طروّ الكرّية ابتداء بعد العلم بالقلّة.

والظاهر حينئذ هو الحكم باستصحاب القلّة.

والحكم فيه أوضح من الوجوه المتقدّمة (١).

وقد يقال بمعارضته باستصحاب الطهارة فيرجع إلى أصالة الطهارة ، وهو ضعيف.

__________________

(١) في ( د ) : « السابقة ».

١٥٥

تبصرة

[ في تقدير الكرّ بالوزن ]

للأصحاب في تقدير الكرّ (١) طريقان : أحدهما بالوزن ، والآخر بالمساحة.

والمعروف في الأوّل تحديده بألف ومأتي رطل بلا خلاف يظهر فيه.

وقد حكي الإجماع عليه في الانتصار (٢) والناصريات (٣) والغنية (٤).

وعزاه في المعتبر (٥) إلى الأصحاب مؤذنا بالإجماع عليه.

ونحوه ما في المهذّب البارع (٦) حيث أسنده فيه إلى عمل الأصحاب.

وجعله الصدوق رحمه‌الله (٧) من دين الإمامية (٨).

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك مرسلة ابن أبي عمير (٩) الّتي هي عندهم بمنزلة الصحيح سيّما بعد اعتضادها بالعمل ، بل هي إذن أقوى من كثير من الصحاح. وعدّها في كشف (١٠) الرموز من أصحّ الروايات والأشهر منها في الباب.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١ / ٢٩٣ مقدار الماء الكرّ ، وانظر : كشف الرموز ١ / ٤٧ ؛ الحدائق الناضرة ١ / ٢٥٤ ؛ ذخيرة المعاد : ١٢٢.

(٢) الانتصار : ٨٥.

(٣) الناصريات : ٦٨.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٨٩.

(٥) المعتبر : كتاب الطهارة ١ / ٤٧.

(٦) المهذّب البارع ١ / ٨١.

(٧) الأمالي : ٥١٤.

(٨) في المخطوطة : « الامامة ».

(٩) وسائل الشيعة ١ / ١٦٧ ، ح ١.

(١٠) كشف الرموز : ١ / ٤٧.

١٥٦

فالحكم المذكور ممّا لا ريب فيه.

واختلفوا في المقصود بالأرطال في المقام ، فالمشهور كما حكاه جماعة من الأصحاب (١) منهم الشهيد الثاني في الروض والروضة (٢) وصاحب الذخيرة (٣) والحدائق (٤) وغيرهم ـ أنه الأرطال العراقية.

وحكى في كشف الرموز (٥) عن الشيخ رحمه‌الله حكاية الإجماع عليه. قيل : ولم نعثر عليه في كتبه. وبه قال الشيخان والقاضي (٦) والطوسي (٧) والفاضلان (٨) والشهيدان (٩) وجمهور المتأخرين (١٠).

وعن الصدوقين (١١) والسيد (١٢) أنّها مدنية (١٣).

وجعله في الغنية (١٤) أحوط.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١ / ٢٩٩ ؛ روض الجنان : كتاب الطهارة في المياه : ١٤٠ س ١٤ ؛ الروضة البهية : كتاب الطهارة مقدار الكر ١ / ٢٥٥.

(٢) لم ترد في ( ب ) : « الروضة ».

(٣) ذخيرة المعاد : كتاب الطهارة : ١٢٢ س ١٥.

(٤) الحدائق الناضرة ١ / ٢٥٤.

(٥) كشف الرموز ١ / ٤٨.

(٦) مفتاح الكرامة ١ / ٢٩٤ ، النهاية : كتاب الطهارة في المياه : ٣ ، المقنعة : ٦٤ ، وفي التهذيب للقاضي كتاب الطهارة : ١ / ٢١.

(٧) المبسوط ١ / ٦.

(٨) شرائع الإسلام : ١ / ١٠ ؛ والمختصر النافع : ٢ ؛ مختلف الشيعة : ١ / ١٨٥ ؛ نهاية الاحكام ١ / ٢٣٣.

(٩) الروضة البهية : كتاب الطهارة ١ / ٢٥٥ ؛ روض الجنان : ١٣٩ ؛ البيان : ٤٤.

(١٠) كشف اللثام ١ / ٢٦٥ ؛ رياض المسائل ١ / ١٤٦ ؛ مجمع الفائدة والبرهان ١ / ٢٥٩.

(١١) مفتاح الكرامة ١ / ٢٩٥ ؛ من لا يحضره الفقيه : باب المياه ١ / ٦ ، ونقل عن أبيه في المختلف الشيعة : كتاب الطهارة في حد الكر ١ / ١٨٥.

(١٢) الانتصار : كتاب الطهارة : ٨٥.

(١٣) في ( د ) : « مذهبه ».

(١٤) الغنية : غنية النزوع ( الجوامع الفقهية ) : ٤٨٩.

١٥٧

وحكى السيد (١) عليه الإجماع وقال : إنّه الذي دلّت عليه الآثار المعروفة المرويّة.

وعدّه الصدوق (٢) من دين الإمامية (٣).

والأقوى الأول. ويدلّ عليه أمور :

الأول : الأصل ، وعموم قوله عليه‌السلام : « الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنه قذر » (٤) ؛ إذ غاية الأمر حصول الشكّ في المراد بالأرطال لإجمالها واشتراكها بين الرطلين ، فيشكّ في نجاسة القدر الأقلّ بالملاقاة ، وقضية الأصل والعموم المذكور بقاؤه على الطهارة حتّى يتبيّن المخرج.

وقد يناقش فيهما بأنّ مقتضاهما الحكم بالطهارة مع الشكّ في ملاقاة النجاسة لا مع العلم بها ، والشكّ في الانفعال بالملاقاة أو في حكم الشرع نجاسة الملاقي كعرق الجنب من الحرام ، بل الواجب حينئذ هو الرجوع إلى الأدلّة الشرعيّة. وبعد العجز عن الترجيح مراعاة جانب الاحتياط.

والحاصل أنّ العمل بالعموم والأصل إنّما هو مع الشكّ في عروض القادح (٥) لا في قدح العارض ، بل لا بدّ في النافي (٦) من ملاحظة الدليل والبناء على ما يقتضيه.

ويشهد له أنّ مقتضى الأصل والعموم المذكورين هو البناء على الطهارة إلى أن يتبيّن الخلاف ، ويتّفق له القطع بطروّ النجاسة ، فلا يجب التجسّس والفحص عن حصولها. وهذا إنّما يتمّ في الأوّل دون الثاني ، للزوم التجسّس عن الدليل قطعا.

ويدفعه أنّ قضية إطلاق أدلّة الاستصحاب وظاهر العموم المذكور عدم الفرق بين الصورتين في صحّة الرجوع إلى الأمرين ، وتخصيصه بالأوّل خروج عن الظاهر من غير قيام حجة عليه كما فصّل ذلك في محلّه.

__________________

(١) الانتصار : ٨٥.

(٢) الامالي : ٥١٤.

(٣) في ألف : « الامامة ».

(٤) الكافي ٣ / ١ ح ٣.

(٥) في ( ج ) : « القادع ».

(٦) في ( د ) : « الثاني ».

١٥٨

وما ذكر من الفرق بين الصورتين في صحّة (١) الرجوع إلى الأمرين نظرا إلى عدم جواز البناء عليهما من دون الفحص في اثبات أصل الحكم ، لا يقضي بخروجه عنها ؛ إذ غاية الأمر تقييده لما دلّ على وجوب بذل الوسع على المجتهد بما يعدّ بذل الوسع لا بخروجه عن كلا التقديرين.

ولتحقيق الكلام فيه مقام آخر.

وما يقال : من أنّ قضية أخبار الكرّ كون الكرّية شرطا للاعتصام وعدم الانفعال بالملاقاة ، ومن المعلوم أنّها صفة وجوديّة ، فمع الشكّ في حصولها لا بدّ من نفيها بالأصل ويتبعه القول بالانفعال ، فقضية الأصل فيه على العكس ؛ فاسد إذ ذاك إنّما يتمّ مع العلم بمقدار الكرّ والشكّ في حصوله ؛ إذ الأصل فيه حينئذ عدم وصوله إلى ذلك المقدار.

وأمّا إذا تعلّق الشكّ بأصل مقداره فلا معنى لأصالة عدم كونه كرّا ؛ إذ من الواضح للأصل المذكور لموضوعات الألفاظ ومستعملاتها وتعيين المراد من المجملات (٢). فغاية الأمر هو التوقّف ، ومعه يقدّم (٣) للأصل المتقدّم حجّة على الطهارة.

وما يجاب عن الإيراد المذكور من أنّه كما يقال (٤) بكون الكرّية شرطا للاعتصام بمقتضى منطوق روايات الكرّ كذا نقول بكون القلّة شرطا لانفعاله بمقتضى المفهوم فكما أنّ الشكّ في الشرط يوجب (٥) الشكّ في المشروط في الأوّل فكذا في الثاني.

وحينئذ فالمرجع بعد تعارض الأصلين المذكورين إلى أصالة الطهارة في الماء المستفادة من العمومات وأصالة براءة الذمّة عن وجوب الاجتناب.

ويضعّفه أنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان كلّ من الشرطين المذكورين وجوديّا ، وأمّا (٦) مع كون

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « في صحّة الرجوع إلى الأمرين ».

(٢) في ( د ) : « المحتملات ».

(٣) في ( د ) : « يقوم الأصل » ، بدل : « يقدّم للأصل ».

(٤) في ( ج ) : « يوهم ».

(٥) لم ترد في ( ج ) : « يوجب الشكّ في المشروط ».

(٦) لم يرد في ( ب ) : « وأمّا .. وجوديّا ».

١٥٩

أحدهما وجوديا والآخر عدميّا فلا يتّجه ذلك أصلا ؛ إذ قضية الأصل إذن (١) ثبوت ما يوافقه ، فيتعين العمل بمقتضاه كما هو الشأن في نظائر المقام ، فالصواب في الجواب هو ما قدّمناه.

بقي الإشكال في المقام في أمرين :

أحدهما : أنّ ما ذكر من الأصل وكذا العموم إنّما يتمّ إذا كان الماء المفروض منفصلا من الكثير وما بحكمه ، وأمّا إذا كان محكوما بقلّته أوّلا ثمّ زيد عليه ما جعله ألفا ومأتين بالعراقية ، فلا يجري فيه ذلك ، بل الأمر فيها بالعكس ؛ إذ (٢) كان الماء قبل البلوغ إلى ذلك محكوما بانفعاله فمع الشكّ في زواله يبنى على أصالة بقائه ، ويكون ذلك حاكما على الأصل والعموم المذكور لكونه دليلا شرعيّا على الانفعال.

ثانيهما : أنّ ذلك إنّما يتمّ بالنسبة إلى اعتصام الماء ، وأمّا تطهيره لما يلاقيه على نحو الكرّ بناء على الفرق بين الكرّ وغيره في ذلك فلا ؛ لأصالة بقاء الملاقي الوارد عليه على نجاسته ، فقضية الأصل البناء على كلّ من الأصلين في محلّه.

والحاصل : أنّ تطهير الماء لورود النجاسة عليه مشروط بالكرّية على القول المذكور ، ولا دليل على حصول الكرّية في المقام عليها شرعا ، والشكّ في (٣) الشرط يوجب الشكّ في المشروط فلا يحكم به إلّا بعد قيام الدليل.

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّه لا مقتضى (٤) لاستصحاب الانفعال في المقام مع عدم جريان استصحاب القلّة كما عرفت ، فإنّه إذا لم يقم دليل شرعيّ على القلّة ولو من جهة الأصل لم يتّجه الحكم بالانفعال ؛ إذ هو مخالف للأصل والعموم ، فيقتصر فيه على مورد اليقين وغاية ما يثبت الحكم بانفعاله قبل الإكمال المفروض.

وأمّا بعده فاستصحاب عدم الانفعال قائم فيه ؛ إذ قضية الأصل والعموم عدمه إلّا فيما

__________________

(١) في ( ألف ود ) : « أنّ ».

(٢) في ( د ) : « أو ».

(٣) في ( ب ) : « و ».

(٤) في ( د ) : « معنى ».

١٦٠