تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

وفي الذخيرة (١) والحدائق (٢) أيضا أنّه المشهور ، وكأنّ المراد به اعتبار الكريّة في الجملة (٣) لا في خصوص المادّة.

وإليه يرجع ما في التحرير من اعتبار (٤) الزيادة على الكر فيها بحمله على اعتبارها لأجل (٥) حصول النقص عنه لولاها لما يجري منها إلى الحوض ، فليس اعتبارها لنفسها بل لإحراز الكريّة المعتبرة فيها.

وقد نبّه في جامع المقاصد (٦) على اعتبار الزيادة معلّلا بذلك.

وفي المعالم : لا نعلم للأصحاب (٧) مخالفا في عدم انفعاله بالملاقاة مع بلوغ المادة كرّا.

الثاني : اعتبار الكريّة في خصوص المادّة مع علوّها ومع تساويها ، فالمعتبر كريّة المجموع.

وبه نصّ المحقّق الكركي (٨) وغيره ، وقد يرجع القول الأوّل إليه حملا لإطلاق كلامهم على الغالب.

وقد نبّه عليه في الذخيرة (٩) قال : وهو المتّجه كما حكموا به في مسألة الغديرين (١٠) ، وهو

__________________

(١) ذخيرة المعاد ١ / ١١٨. كذا نسبه المؤلف إلى ذخيرة المعاد ، ولكن عبارة المصنف هكذا : « وأما الجاري فلا ريب في عدم اشتراط استواء السطوح في عدم الانفعال بالملاقاة على القول بعدم اشتراط الكرية كما هو المشهور ».

(٢) الحدائق الناضرة ١ / ٢٠٤.

(٣) في ( ألف ) : « إلى » زائدة ولا معنى لها.

(٤) في ( د ) : « اعتباره ».

(٥) لم ترد في ( د ) : « لأجل ».

(٦) جامع المقاصد ١ / ١١٣.

(٧) في ( د ) : « من الأصحاب ».

(٨) جامع المقاصد ١ / ١١٢.

(٩) ذخيرة المعاد ١ / ١٢٠.

(١٠) في ( ألف ) : « القدرين ».

١٠١

الظاهر في حقّ من صرّح به في مسألة الغديرين كالعلّامة رحمه‌الله (١) لوضوح أنّ الحكم في الحمّام إن لم يكن أضعف (٢) فليس بأشدّ من غيره.

الثالث : اعتبار الكريّة في المجموع من المادّة وما في المجرى والحوض. وإليه ذهب في الدروس والروض (٣) وجماعة من متأخري المتأخرين. وهو الأقوى.

وقد يرجع القولان الأوّلان إلى ذلك بحملها (٤) على اعتبار الكريّة فيها قبل إجرائها في الحوض ، وأمّا بعده فالمعتبر كريّة المجموع ، وهو بعيد.

فعلى المختار يكتفى في اعتصام ما في الحياض بكريّة المجموع ، ولا يكتفى به في اعتصام ما في المجرى ، فينجس ما فيه وما في الحوض إذا لاقاه النجاسة مع تسميته (٥) على الحوض كما هو الشائع ، وكذا الحال في المادّة ، فينجس الجميع لما سيجي‌ء بيانه من عدم تقوّي الأعلى بالأسفل كذلك.

الرابع : عدم الاعتبار بالكريّة مطلقا وقد يعزى ذلك إلى ظاهر جماعة من الأصحاب كالصدوقين (٦) ـ رحمهما‌الله ـ والطوسي (٧) والحلّي (٨) والعلّامة (٩) ـ رحمه‌الله ـ في بعض رسائله (١٠) وابن فهد في المحرّر حيث أطلقوا القول ولم يشترطوا الكريّة في المادّة إلّا (١١) في

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ / ٤٦ ؛ نهاية الإحكام ١ / ٢٣٢ ؛ منتهى المطلب ١ / ٥٣ ؛ تذكرة الفقهاء ١ / ٢٣.

(٢) في ( د ) : « أخفّ ».

(٣) روض الجنان : ١٣٧.

(٤) في ( د ) : « بحملهما ».

(٥) في ( د ) مشوش ، قد تقرأ : « تسنمه ».

(٦) زيادة في ( د ) : « والشيخ ».

(٧) أنظر : مفتاح الكرامة ١ / ٢٧٧.

(٨) أنظر : مفتاح الكرامة ١ / ٢٧٧.

(٩) أنظر : مفتاح الكرامة ١ / ٢٧٧.

(١٠) في ( د ) : « مسائله ».

(١١) في ( ج ) : « ولا ».

١٠٢

المجمع (١).

ونصّ المحقّق (٢) بعدم اعتبار الكريّة في المادّة مع عدم ذكره لاعتباره الكرّيّة في المجمع (٣).

وقد يرجع كلامه إلى السابق بحمله على عدم اعتبار الكريّة في خصوص المادّة ؛ إذ لو بني على ظاهره لزمه القول بتطهير ما في الحياض بمجرّد اتّصاله بالقليل الّذي في المادّة ، وهو خلاف ما اتّفقوا عليه من عدم تطهير الماء النجس إلّا بالكرّ أو الجاري.

كذا قيل ، وفيه نظر.

ونصّ بعض متأخري المتأخرين على اختيار هذا القول ، وحكي الميل إليه من جماعة من المتأخرين ومتأخريهم.

لنا : ما عرفت من أصالة الطهارة ، وعدم اعتبار استواء السطوح في الكر على ما سيجي‌ء ، فلا أقلّ من إجراء حكم الكرّ فيه.

مضافا إلى إطلاق الروايات ، وعدم شاهد على التقييد في المقام.

وقد ظهر بذلك ضعف ما يحتجّ به للقول باعتبار الكريّة في نفس المادّة من أنّها مع عدم كرّيتها لا يكون (٤) عاصمة لنفسها فكيف تعصم غيرها؟

لما عرفت من أنّ الاعتصام إذن لا تكون بها وحدها بل لمجموع (٥) ما فيها وما في الحوض والمجرى.

ويظهر من ذلك أيضا وجه القول بالتّفصيل وضعفه ؛ لابتنائه على مراعاة استواء السطوح.

حجّة المحقّق (٦) : إطلاق الروايات الدالّة على عدم انفعال ماء الحمّام لشمولها ما إذا كانت

__________________

(١) مجمع الفائدة ١ / ٢٥٤. ، وفي ( د ) : « المجتمع ».

(٢) جامع المقاصد ١ / ١١٣.

(٣) في ( د ) : « المجتمع ».

(٤) في ( د ) : « تكون ».

(٥) في ( د ) : « بمجموع ».

(٦) ذخيرة المعاد ١ / ١١٧.

١٠٣

بمقدار الكرّ أو دونها.

وما يقال : من معارضتها بما دلّ على انفعال القليل مطلقا ؛ مدفوع بأنّ التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع إلى أصالة الطهارة ؛ مضافا إلى أنّ أخبار المسألة من المنطوق وما دلّ بعمومه على نجاسة القليل من المفهوم.

والجواب أنّ إطلاقات ماء الحمّام منصرف إلى الغالب الشائع ، ولا ريب أنّ المتعارف فيها كثرة المادّة وكونها أضعاف الكرّ.

واحتمال عدم كون المادّة في الصدر الأوّل على هذا النحو مع كونه خلاف الظاهر من وضع الحمّامات لعامّة الناس المنافي لقلّة الماء لا ينفع في المقام ؛ إذ مجرّد الاحتمال لا (١) يكفي في صحّة الاستدلال ، فالظاهر أنّ أخبار الحمّام في المقام لا يفيد حكما خاصّا للحمّام ولا يوجد ذلك في غيره.

بل واستفادة الاعتصام من مجرّد تلك الأخبار فيما إذا كانت المادّة بمقدار الكرّ أو ما يقاربه (٢) مع قطع النظر عمّا دلّ على اعتصام الكرّ لا يخلو من (٣) إشكال (٤) ؛ لما عرفت من انصرافها حينئذ إلى الغالب من كون (٥) زيادتها على الكرّ.

هذا ، وعن بعض المتأخرين تفريع الحكم في المقام على مسألة الفرق بين الورودين ، وجعله السرّ في عدم تنجّسه بمجرّد الملاقاة وكذا في ماء الاستنجاء.

وما يتخيّل من صدق ورود النجاسة إذن بالنسبة إلى ماء الحوض ؛ مدفوع بأنّ المفروض ورود الماء من المادّة على ما في الحوض وتسلّطه عليه وعلى ما يصيبه من القذر ، فلم تكن (٦) النجاسة واردة على ما هو ضابط لطهارة ماء الحوض.

__________________

(١) لم ترد في ( ج ) : « لا ».

(٢) في ( د ) : « يقاربها ».

(٣) في ( د ) : « عن ».

(٤) في ( د ) : « الإشكال ».

(٥) لم ترد في ( د ) : « كون ».

(٦) في ( د ) : « يكن ».

١٠٤

قلت : قضيّة الفرق بين الورودين عدم تنجّس (١) خصوص الماء الوارد ، وذلك لا يقتضي اعتصام ما وردت النجاسة عليه به ، فمقتضى ذلك إذن تنجّس الحوض بورود النجاسة عليه ، وإن كان الماء الوارد عليه طاهرا.

على أنّه بعد الامتزاج بالماء النجس يكون موردا (٢) عليه فينجّس أيضا.

إلّا أن يقال : بأنّ وروده من أوّل الأمر عاصم له إلى الآخر. وهو بيّن الضعف.

وقد يقال : بكونه حين الورود مطهّرا لما يلاقيه من الماء ، فيكون الماء الوارد باقيا على طهارته ومطهّرا لما (٣) في الحوض.

وهو أيضا في غاية من (٤) البعد ، بل ظاهر الفساد ؛ للزوم تطهير الكرّ من الماء إذن بعد زوال التغيير عنه بكفّ من الماء (٥) مثلا إذا يلقى فيه ؛ إذ لم تعتبر (٦) الاستيلاء فيه ، ومعه فلا أقلّ من تطهيره لمثله ، فيلزم تطهير ما دون الكرّ بما لا يبلغ معه حدّ الكرّ من الواقف.

والظاهر عدم الخلاف في فساده ، كيف ولو بني على ذلك للزم إجراؤه في غير الحمام فيلزم عدم تنجّس الماء القليل في الآنية عند صبّ الماء فيها من مثلها (٧).

وهو باطل باتفاق القائلين بنجاسة القليل ؛ مضافا إلى أن ظاهر الفتاوى والأخبار في المقام عدم الفرق بين (٨) الورودين في ذلك ، فكيف يمضي الحكم بورود النجاسة ، بل قد يدّعى إطلاقها بالنسبة إلى المادّة المتّصلة على نحو الاستعلاء وغيرها كما إذا كان اتصال الحوض بها من تحت على نحو الفوران مع عدم وروده على النجاسة حينئذ.

__________________

(١) في ( ب ) : زيادة : « الحوض ».

(٢) في ( ج ) و ( د ) : « مورودا ».

(٣) في ( د ) : « يتطهر الماء » ، بدلا من : « مطهرا لما ».

(٤) لم ترد في ( د ) : « من ».

(٥) زيادة في ( د ) : « عليه ».

(٦) في ( د ) : « إن لم نعتبر ».

(٧) في ( ج ) : « أمثلها ».

(٨) في ( د ) : « في » ، بدلا من : « بين ».

١٠٥

ثم على ما اخترناه (١) من اعتبار الكرّية في المجموع لو شكّ فيها بني على أصالة عدمها كما هو الحال في سائر المياه المحقونة.

واختار بعض المتأخرين (٢) إعمال أصالة الطهارة. وهو ضعيف سيأتي الكلام فيه.

[ تطهير ماء الحمام ]

ثانيها : في تطهير ماء الحمّام ، والأقوى الاكتفاء فيه بعد زوال التغيير بمجرّد الاتصال بالمادّة الكثيرة في نفسها أو بضميمة ما في المجرى أو (٣) الحوض من الماء الطاهر المتّصل بالمادّة من غير فرق بين ما إذا كان اتصال المادّة به على نحو العلوّ أو المساواة أو غيرهما كالفوران ونحوه.

وسيأتي الكلام فيه عند بيان تطهير المياه ، ويأتي على قول الشهيد الثاني (٤) من اعتباره العلوّ في المطهّر عدم حصول التطهير بأحد الوجهين الأخيرين إلّا بعد الامتزاج ليحصل (٥) العلوّ المعتبر عنده.

وعلى قول معتبري الامتزاج يجب اعتباره هنا أيضا.

والعلّامة رحمه‌الله مع اكتفائه في جملة من كتبه كالنهاية (٦) والمنتهى (٧) في مسألة الغديرين بطهارة أحدهما عند تنجّسه بمجرّد اتّصاله بالبالغ منهما حد الكرّ صرّح هنا في المنتهى (٨)

__________________

(١) في ( د ) : « اخترنا ».

(٢) منتهى المطلب ١ / ٣٤ و ١٢٨ ؛ روض الجنان : ١٣٤.

(٣) في ( د ) : « و ».

(٤) شرح اللمعة ١ / ٢٥٤ ؛ روض الجنان ١٣٦ و ١٣٨.

(٥) في ( د ) : « لتحصل ».

(٦) نهاية الإحكام ١ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢.

(٧) منتهى المطلب ١ / ٥٣.

(٨) منتهى المطلب ١ / ٥٣.

١٠٦

والنهاية (١) باعتبار الامتزاج.

وربّما يتراءى التدافع بين حكميه أو تغليظ حكم الحمّام بالنسبة إلى غيره ، وقد يجمع بينهما باكتفائه بالاتصال مع تساوي السطوح واعتباره الامتزاج مع العلوّ المطهّر ، فيجري التفصيل عنده إذن في ماء الحمّام أيضا.

وقد قطع بالتفصيل المذكور في الموجز.

ثمّ على قول معتبري الكرّية في نفس المادّة يأتي هنا اعتبار زيادته على الكرّ بمقدار ما يحصل به الامتزاج إن قيل باعتباره أو بمقدار ما يحصل به الاتصال عند المكتفي به ؛ لبقاء المادّة على الكرّية حال التطهير.

وممّن نصّ على اعتبارها المحقّق الكركي (٢) والشهيد الثاني (٣). ويأتي على ظاهر قول المحقّق من عدم اعتبار الكرّية في المادّة حصول التطهير بها مع قلّتها.

وهو ظاهر ما استند إليه من إطلاق الأخبار ، وما (٤) يشهد بذلك أنّه يحكم بطهوريته لما يلاقيه من المتنجّسات ، فيلزمه الحكم بتطهيره لما يمازجه من الماء النجس أيضا.

ويسري الحكم إذن إلى تطهيره لما يتنجّس منه بالتغيير بعد زواله.

كيف ، ولو لا ذلك لزمه القول إمّا بتنجّس ماء الحمّام أو باختلاف حكم الماء الواحد في السطح الواحد ولا يقولون به.

وحكى عنه في الحدائق (٥) عدم تطهيره ما في الحياض بمجرّد جريان المادّة إليه.

وعبارته في المعتبر (٦) غير دالّة عليه.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢.

(٢) جامع المقاصد ١ / ١١٣.

(٣) مسالك الإفهام ١ / ١٣ ؛ روض الجنان : ١٣٧.

(٤) في ( د ) : « مما » ، بدلا من : « ما ».

(٥) الحدائق الناضرة ١ / ٢٠٤.

(٦) المعتبر ١ / ٤٢.

١٠٧

وكأنّه أخذه من قوله : « ولا اعتبار بكثرة المادّة وقلّتها لكن لو (١) تحقّق (٢) نجاستها لم يطهر بالجريان ».

وهو كما ترى يدلّ على عدم طهارة المادّة بعد تنجّسها إلّا (٣) ما في الحياض بعد (٤) طهارتها.

وقد نصّ من المتأخرين المحدّث الأسترآبادى على الاكتفاء بجريان المادّة بقوّة بحيث يستهلك الماء فيه من دون اعتبار الكرّية في المادّة ؛ لعموم الأدلّة.

وقد عرفت الحال في ذلك ممّا مضى.

[ تسرية حكم الحمام إلى غيره ]

ثالثها : في تسرية حكم الحمّام إلى غيره ، والحكم فيه على ما قويناه ظاهر ؛ لما عرفت من بناء الحكم فيه على مقتضى الأصل من غير التزام شي‌ء يوجب الخروج عن القواعد ، فيجري الأحكام المذكورة فيما ضاهاه من سائر المياه.

وعلى قول المحقّق رحمه‌الله ومن يقول بمقالته ، فالذي يقتضيه الأصل الاقتصار عليه ؛ لاختصاص الدليل به.

مضافا إلى تميّزه (٥) من سائر المياه بعموم البلوى به وعسر الاحتراز عنه.

وفي اختصاص الحكم إذن ببلية الجاري (٦) وجهان ؛ أقواهما ذلك لانصراف الاطلاق إليه ، ولأنّه محلّ الحاجة في استعمال الماء من جهة التطهير من الحدث والخبث ، على أنّه يكفي الشكّ في شمول الاطلاق.

__________________

(١) ليس في ( ب ) : « لو ».

(٢) في ( د ) : « لكن تحقق » ، بدلا من : « لكن لو تحقق » ، وفي ( ب ) : « يحقّق ».

(٣) في ( ج ) و ( د ) : « لا » ، بدل : « إلّا ».

(٤) في ( د ) : « مع » ، بدلا من : « بعد ».

(٥) في ( د ) : « تمييزه ».

(٦) في ( د ) : « ببيته الحار ».

١٠٨

ثمّ في تسرية الحكم إلى غير الحياض كالآنية الموضوعة تحت المجرى وجهان.

ويأتي على قول من يعتبر الدفعة في تطهير القليل عدم تسرية الحكم إلى غير الحمّام في تطهير ما في الحياض ؛ لعدم حصول الدفعة هنالك غالبا بمعناها المعروف.

نعم (١) ، لو كانت المادّة زائدة على الكرّ بحيث يبقى فيها بمقدار الكرّ بعد نزول ما يعتبر التطهير إلى ما في الحوض فالظاهر الاكتفاء به في غير الحمّام أيضا بناء على ما هو الأظهر من اختصاص الحكم للدفعة على القول بما إذا كان الماء بمقدار الكرّ لا زائد عليه كذلك نظرا إلى الاتّفاق في اعتصام الماء المتصل بالكرّ كذلك في تطهير ما يلاقيه أو امتزج به.

__________________

(١) الزيادة أثبتناها من ( ج ).

١٠٩

تبصرة

[ في ماء المطر ]

لا خلاف بين الأصحاب في عدم انفعال ماء الغيث في الجملة بمجرّد ملاقاة النجاسة.

والظاهر انعقاد إجماع الامّة عليه كذلك.

ويدلّ عليه بعد ذلك الأصل ، والنصوص المستفيضة المتكثّرة.

وكذا لا خلاف في ثبوت حكم الراكد فيه بعد وقوف التقاطر وانقطاعه.

ويقع الكلام في المقام في بيان (١) [ ماء المطر ، وفي دوران الحكم مدار التسمية من دون اعتبار شي‌ء زائد معها أو اعتباره ] فههنا مقامان :

[ المقام ] الأوّل : في بيان مسمّى المطر.

والظاهر من العرف اعتبار قوّة (٢) في مفهومه ، فالقطرات اليسيرة لا يعدّ (٣) منه ، وكذا الطل وما ينزل من السماء على سبيل الرشح في وجه قويّ. ولو كان بحيث يشكّ في تسميته مطرا ، ففي إجراء حكم القليل عليه نظرا إلى عموم المفهوم في قوله عليه‌السلام : « إذا بلغ الماء .. » (٤) انتهى ، أو إجراء حكم الغيث لأصالة طهارته والشكّ في دخوله في حكم القليل وجهان ؛ أحوطهما في الغالب الأوّل ، وإن كان الثاني لا يخلو عن قوّة.

وفي حصول التطهير به على نحو الغيث إشكال.

__________________

(١) في نسخة ( ج ) : « الموضوع أعني مسمّى المطر وفي بيان الحكم من دوران المعصية مدار التسمية لا غيرها أو اعتبار أمر آخر ».

(٢) زيادة في ( د ) : « ما ».

(٣) في ( د ) : « لا تعد ».

(٤) وسائل الشيعة ١ / ١٥٨ ، ح ١ و ٢ وعبارة الحديث هكذا : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شي‌ء » ، وفي مستدرك الوسائل ١ / ١٩٨ ، ح ٦ عن عوالي اللئالي ١ / ٧٦ ، ح ١٥٦ ، « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا ».

١١٠

وحكى في الروض (١) عن بعض الأفاضل من معاصريه الاكتفاء في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه ، قال : وليس ببعيد وإن كان العمل على خلافه.

وغلط بعض الأفاضل نظرا إلى أن ثبوت الحكم المذكور :

إمّا من جهة عموم الآية (٢) الشريفة الدالّة على طهوريّة الماء ، ولا وجه له ؛ إذ لا عموم فيها.

وإمّا من جهة تنزيلها منزلة الجاري ، وهو أيضا فاسد ؛ إذ ليس الجاري مطهّرا إلّا لمّا يلاقيه لكن الجزء الغير الملاقي لما كان متّصلا بالملاقي مع طهارته واعتصامه بالجاري كان طاهرا أيضا ، وهو لا يجري في المقام. غاية الأمر التزام تطهيره لما يلاقيه فيعود بعد ذلك نجسا لانقطاعه وعدم تقوّيه بشي‌ء.

وفيه : أنّه بعد تسليم طهوريّة القطرة يلزم طهارة جميع الماء في آن واحد بالتّقريب المذكور ، فكيف يتنجّس بعد ذلك! فإن حمل الكلام المنقول على ظاهره من الاكتفاء بوقوع قطرة من السماء عليه ولو لم يكن هناك قوّة في القطرات النازلة ، فهو في غاية البعد ؛ لخروجه من (٣) اسم المطر كما عرفت.

ولو أراد به وقوع قطرة من قطرات المطر عليه فليس بذلك البعيد ، بل هو قويّ في بعض الوجوه.

هذا ؛ ويعتبر في صدقه عدم انقطاع نزوله من السماء قبل ذلك ، فلو وقع على أوراق الشجر ثمّ تقاطر منه على الأرض لم يثبت فيه الحكم ، وكذا لو نزل على السطح فوكف على الأرض.

وما يقع منه على ظاهر الأرض أو غيره ثمّ يسري في أعماقه فهو في حكم المطر مع اتّصاله بالنّازل كالسائل منه على الأرض أو غيره من المياه المتّصلة به.

__________________

(١) روض الجنان : ١٣٩.

(٢) الفرقان (٢٥) : ٤٧.

(٣) في ( د ) : « عن ».

١١١

المقام الثاني

في بيان ( الحكم

والظاهر دوران الحكم المذكور مدار المطر ؛ لصدق ) (١) الاكتفاء في ثبوت الحكم المذكور بحصول مسمّى المطر من غير حاجة إلى ضمّ قيد إليه.

وهو المعروف من مذهب الأصحاب ، وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلام جماعة من المتأخرين كالمشارق (٢) والذخيرة (٣) والحدائق (٤) وغيرها (٥).

وعزاه في الروض (٦) بعد ذكر خلاف الشيخ رحمه‌الله إلى باقي الأصحاب.

وعن ظاهر الشيخ الطوسي رحمه‌الله (٧) وابن سعيد (٨) اعتبار جريانه من الميزاب والمنقول من كلامهم محتوى (٩) لأمور :

أحدها : أن يكون المدار عندهم على خصوص الجاري من الميزاب دون فراغ (١٠) غيره.

ثانيها : أن يكون المدار في عدم الانفعال على الجريان من الميزاب ، فيحكم معه بذلك ولو في غير الجاري منه.

ثالثها : أن يكون المقصود من ذلك قوّة المطر بحيث يكون قابلا للجريان من الميزاب ، وكأنّ هذا هو الأظهر في مذهبهم.

__________________

(١) ما بين الهلالين من ( ج ).

(٢) مشارق الشموس ١ / ٢١٢.

(٣) ذخيرة المعاد ١ / ١٢١.

(٤) الحدائق الناضرة ١ / ٢٢٠.

(٥) كشف اللثام ١ / ٢٥٩.

(٦) روض الجنان : ١٣٨.

(٧) المبسوط ١ / ٦.

(٨) الجامع للشرائع : ٢٠.

(٩) في ( د ) : « محتمل » ، بدلا من : « محتوى » ، والظاهر : محتو.

(١٠) لم ترد في ( د ) : « فراغ ».

١١٢

رابعها : أن يراد حصول مسمّى الجريان ولو نحو جريان الماء على أعضاء الوضوء ، فيكون ذكره للجريان من الميزاب على سبيل المثال. واحتمله بعض المتأخرين في حمل كلامهم.

واختاره أيضا بناء على فهمه من بعض الروايات ومعناه ما في الكفاية حيث نفى البعد عن اعتبار الجريان في الجملة وإن لم يصل إلى حدّ الجريان من الميزاب. ولا يبعد أن يكون ذلك مختار المحقّق الأردبيلي (١) حيث استجود قول الشيخ رحمه‌الله ، إن حمل الميزاب فيه على التمثيل واريد به الجريان مطلقا حقيقة (٢) كان أو حكما ، وادّعى أيضا استفادته من الأخبار.

وذهب صاحب الحدائق (٣) إلى أنّه كالجاري بشرط الجريان أو الكثرة.

ثمّ إنّه على اعتبار الكثرة أو الجريان على هذين القولين ، فهل يعرف (٤) أنّ المعتبر حصول الجريان فيما يرد عليه المطر أو يعتبر كون ذلك المطر كذلك في الخارج وإن يجر عليه ولم يكثر نزوله (٥) عليه ، وكأنّ الأظهر بناءهم على الأوّل.

وكيف كان ، فالأقوى ما هو المشهور ؛ للأصل ، وعدم ظهور شمول أدلّة القليل لمثله ، وخصوص الرواية : « كلّ شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٦) ، ورواية أبي بصير ، عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر على القطرة ، قال : « ليس به بأس » (٧).

ومرسلة محمد بن اسماعيل في طين المطر أنّه « لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام إلّا أن يعلم أنّه نجّسه شي‌ء بعد المطر » (٨) ، فظاهرها يعمّ ما إذا كان المطر بحيث يجري من الميزاب

__________________

(١) مجمع الفائدة ١ / ٢٥٦.

(٢) في ( د ) : « حقيقة » ، بدلا من : « حقيقة ».

(٣) الحدائق الناضرة ١ / ٢٢٠.

(٤) في ( د ) : « لا يعرف » ، بدلا من : « يعرف ».

(٥) في ( د ) : « نزوله به ».

(٦) وسائل الشيعة ١ / ١٤٦ ، ح ٥.

(٧) وسائل الشيعة ١ / ١٤٧ ، ح ٨.

(٨) وسائل الشيعة ١ / ١٤٧ ، ح ٦ و ٣ / ٥٢٢ ، ح ١ ؛ بحار الأنوار ٧٧ / ١٢ ، ح ٣.

١١٣

أولا.

وقريب منها مرسلة الصدوق ، عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول والعذرة والدم ، فقال : « طين المطر لا ينجس » (١).

وهي محمولة على حال نزول المطر مع عدم وجود عين النجاسة في محلّ الإصابة أو على ما إذا زالت النجاسة بإصابة المطر.

وكيف كان ، ففي إطلاقها شهادة على ما قلناه.

وصحيحة علي بن جعفر عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال : « لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلّي فيه ولا بأس » (٢).

وإطلاق العبارة محمول على ما إذا كان حال نزول المطر ، فيعمّ ما إذا بقي المطر على قوّته بحيث يصلح للجريان أو لا ، فبناء على تخصيص الشيخ لتطهيره بحال صلوحه لذلك ـ كما قد يستظهر من كلامه ـ تكون الرواية حجّة عليه.

وربما يؤيّد المشهور بأنّه لو اعتبر الجريان في اعتصام المطر لزم انفعاله قبل حصول الجريان ، فيكون مجرّد الجريان اللّاحق أو القطرات اليسيرة الّتي بها يحصل الجريان مطهرا للسابقة وللمحلّ ، وهو بعيد.

وفيه : أنّ اعتصامه بالجريان من السحاب لكن يشترط (٣) الجريان على الأرض ، فليس مجرّد الجريان ولا نفس القطرات الموجبة لها (٤) عاصما للماء (٥).

وقد يقال : إنّ بلوغ المنازل (٦) تدريجا إلى الحدّ المعتبر كاشف عن اعتصامه من أوّل الأمر ،

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٣ ، ح ٤.

(٢) بحار الأنوار ٧٧ / ٩٦ ، ح ٤ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٤٣ ، ح ٢.

(٣) في ( د ) : « بشرط ».

(٤) لم ترد في ( د ) : « لها ».

(٥) زيادة في ( د ) : « فتأمل ».

(٦) في ( د ) : « النازل ».

١١٤

وإنّما يلزم المحذور لو قيل بنجاسته بالملاقاة ، وطهارته (١) بلوغ الحدّ المذكور ، ولم يقل بذلك أحد. وفيه تأمّل ، فتأمّل.

حجّة الشيخ رحمه‌الله ومن تبعه صحيحة هشام بن الحكم (٢) ، ورواية محمّد بن مروان الواردتان في ميزابين سالا أحدهما ببول والآخر بماء فامتزجا : « أنّه لا بأس به » (٣).

وصحيحة عليّ بن جعفر في البيت يبال على ظهره ويغتسل فيه عن الجنابة ثمّ يصيبه المطر أيؤخذ (٤) من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟

قال : « إذا جرى فلا بأس به » (٥) بحمله (٦) على الجريان من الميزاب بناء على حمل كلامهم على تخصيص الحكم به.

وفيه : أن من الظاهر عدم دلالة الخبرين الأوّلين على التخصيص ، وإنّما المستفاد منهما ثبوت الحكم على التقدير المفروض.

والثالث : يدلّ على الأعمّ من المطلوب ، ولا شاهد لحمله على المعنى المذكور وبإطلاقه يستدلّ على اعتبار مطلق الجريان كما هو مختار جماعة من المتأخرين.

مضافا إلى روايته الأخرى عن الكنيف يكون فوق البيت ، فيصيبه المطر فيكفّ فيصيب الثياب ، أيصلّي فيها قبل أن تغسل؟

قال : « إذا جرى من ماء المطر فلا بأس » (٧).

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « عند ».

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ، باب ٦ ، ح ٤ ، ونص الحديث : في ميزابين سالا ، أحدها بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضرّه ذلك.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٤٤ ، باب ٥ ، ح ٦ ؛ ونص الحديث : قال : « لو أنّ ميزابين سالا ، أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء فاختلطا ثم أصابك ، ما كان به بأس ».

(٤) في ( ألف ) : « أيوجد » ، وما أدرجناه من باقي النسخ ، وهو موافق للحديث المنقول.

(٥) وسائل الشيعة ١ / ١٤٥ ، باب ٦ ، ح ٢ ؛ بحار الأنوار ٧٧ / ١١ ، باب ماء المطر وطينه ، ح ١.

(٦) في ( د ) : « نحمله ».

(٧) وسائل الشيعة ١ / ١٤٥ ، باب ٦ ، ح ٢ ؛ بحار الأنوار ٧٧ / ١١ ، باب ماء المطر وطينه ح ١.

١١٥

وفي رواية أخرى له (١) : عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلّي فيه قبل أن تغسل (٢) قال : « إذا جرى من ماء المطر (٣) فلا بأس » (٤).

ويضعّف دلالتها ـ بعد اشتراك الجميع في الدلالة على ثبوت البأس على تقدير عدم الجريان الذي هو أعمّ من ثبوت النجاسة ـ بأنّ المقصود من الجريان فيه غير معلوم ، فكأنّ المراد من الجريان جريان المطر الوارد على المحلّ النجس ليزال (٥) به ما فيه من القذر ، فيبقى الباقي سليما عن مخالطة النجس.

وكأنّ ما يفهم منه من المنع عن استعماله قبل ذلك من أجل حصول التغيير بالنجاسة أو أنّه محمول على الكراهة لارتضاء الخصم به ؛ إذ لا فرق عنده بين أوّل الجاري وآخر.

أو (٦) المراد به أخذه الماء حين جريان المطر من السماء فيكون متصلا بمادّته السماوية ، ويكون اشتراطه حينئذ بمكان

اتّصاله بعين النجاسة كما قد يستفاد من السؤال ، فينجّس لقلّته بعد الانقطاع.

وقد يقال : إنّ بلوغ النازل تدريجا إلى الحدّ المعتبر كاشف عن اقتضائه (٧) من أوّل الأمر ، وإنّما يلزم المحذور لو قيل بنجاسته بالملاقاة وطهارته عند بلوغ الحدّ المذكور ، ولم يقل بذلك أحد. وفيه تأمّل.

وقد احتمل (٨) الجريان على ذلك في المنتهى (٩) أيضا.

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « له ».

(٢) في ( د ) : « يغسل ».

(٣) في ( د ) : « به المطر ».

(٤) بحار الأنوار ٧٧ / ١٣ ، باب ماء المطر وطينه ح ٤ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٤٨ ، باب ٦ ، ح ٩.

(٥) في ( د ) : « ليزول ».

(٦) في ( د ) : « إذ ».

(٧) في ( د ) : « اعتصامه ».

(٨) زيادة في ( د ) : « حمل ».

(٩) منتهى المطلب ١ / ٢٩ ـ ٣٠.

١١٦

والخبر الثاني بعد الغضّ عن سنده يحتمل أن يراد به كون الماء النازل من المطر لا من النجس.

ويمكن حمله على المعنى السابق أيضا ، بل الحمل المذكور إليه أقرب من السابق ؛ لفرض اشتراط عين النجاسة في السؤال ظاهرا ، ويجري ذلك في الخبر الثالث ، ويحتمل أن يراد بقوله : « إذا جرى [ فلا بأس ] به » إزالة المطر لعين النجاسة (١) وتذكر (٢) الضمير لا مانع منه مع إمكان التأويل بالذكر.

واحتجّ في الحدائق (٣) على اعتبار أحد الأمرين المذكورين بالأخبار المذكورة ، وما دلّ على اعتبار الأكثرية ، فروى هشام في الصحيح (٤) ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء ، فكيف فيصيب الثوب؟ فقال : « لا بأس ما أصابه من الماء أكثر » قال (٥) : لجعله الجريان في تلك الأخبار والكثرة في الخبر المذكور علّة لحصول الطهارة ، وخصوص مورد السؤال لا يصلح لتخصيص الجواب إلّا إذا كان لخصوصه مدخل (٦) في العلّيّة. وشاهد الحال في المقام دالّ على عدمها ، فيجب التعدية إلى كلّ ما يقصد (٧) فيه العلّة (٨).

قلت : أمّا ما دلّ على اعتبار الجريان فقد عرفت الحال فيه.

وأمّا الصحيحة المذكورة فقد تحمل (٩) على أكثرية الماء بالنّسبة إلى ما في السطح من عين البول ، فإن كان مقصوده من اعتبار الأكثريّة (١٠) ذلك أيضا فلا مانع منه لحصول الاستيلاء على

__________________

(١) كما في ( د ) ، وفي ( ج ) و ( ب ) : « المطر تعين النجاسة » ، بدلا من : « إزالة المطر لعين النجاسة ».

(٢) في ( د ) : « تذكير ».

(٣) الحدائق الناضرة ١ / ٢١٤ ـ ٢١٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٧ ح ٤ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٤٤ ـ ١٤٥ باب ٦ ح ١.

(٥) الحدائق الناضرة ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٦) في ( د ) : « لخصوصية مدخلية ».

(٧) في ( ج ) و ( د ) : « يوجد ».

(٨) في ( ج ) : « العليّة ».

(٩) في ( د ) : « يحتمل ».

(١٠) لم ترد في ( ب ) : « ذلك ... به كثرة ».

١١٧

النجاسة ، وإن أراد به كثرة المطر وشموله للأرض فلا دلالة في الخبر عليه ؛ إذ ليس فيه إلّا حكاية الأكثريّة.

نعم ، لو اريد به الأكثريّة بالنّظر إلى ما لاقاه من عين البول ولو مع جفافه وذهاب عينه ، دلّ على حصول الكثرة المطلوبة إلّا أنّ ذلك ممّا لا وجه له ولا يلتزمه أحد.

[ تنبيهات ]

( وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليه :

أحدها : إنّ الظاهر أن الماء القليل المتصل بالمطر حكمه حكم ماء المطر ما دام المطر متقاطرا عليه أو محل ماء متصل به ، فلا ينفعل إذن بمجرد الملاقاة بلا خلاف أعرفه فيه.

ويدلّ عليه بعد الأصل ، اتصاله بالمادة العاصمة ، ولذا لا ينجس الماء الجاري من المطر ما دامت متصلة بالمادة السماوية وإن ما يقع عليه المطر معتصم غير منفعل بالملاقاة ؛ لما عرفت من اعتصامه ما دام المطر نازلا ، فإن انفعل الباقي كان بعض الماء الواحد في السطح الواحد طاهرا والبعض الآخر نجسا من غير ما مرّ ، وهو مع امتزاج المائين باطل بالإجماع مضافا إلى طهر الماء المفروض باتصاله بالمطر لو كان نجسا ، فاعتصامه به أولى لكون الدفع أهون من الرفع.

ثانيها : إنّ ظاهر إطلاق الآية الشريفة وخصوص نقله عليه‌السلام في مرسلة الكاهلي : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » طهر جميع المتنجسات القابلة للتطهير بمجرد إصابة المطر مع زوال العين من غير حاجة إلى التعدد ولا إلى العصر ، بل ولا التعفير فيما يجب فيه ذلك. ويأتي تفصيل الكلام فيه إن شاء الله في محله.

ثالثها : أنّه كما يطهر المطر ساير المتنجسات كذا يطهر ماء المتنجس على نحو غيره من المياه المعتصمة.

ويدل عليه إطلاق الآية والرواية المعتضدتين بظاهر الفتوى حيث نزّلوا الغيث حال تقاطره منزلة الجاري ، فيجري فيه أحكامه.

١١٨

وفي الصحيحة أيضا : لا يمكن الحكم بتنجس ماء المطر مع عدم تغيره بالنجاسة قبل انقطاع التقاطر ؛ إذ قد عرفت اعتصامه حينئذ بالمادة ، وحينئذ فإمّا أن يبقى الماء النجس الممازج به على نجاسته أو أنه يطهر به.

لا سبيل إلى الأقل إذ ليس للماء الواحد في السطح الواحد مع عدم المائز حكمان مختلفان في الطهارة والنجاسة ، فيعيّن الثاني.

وفي عدة من الروايات دلالة عليه أيضا منها رواية الكاهلي المتقدمة ، فانّها تعمّ الماء وغيره ، والمناقشة فيها سندا بالإرسال ودلالته بأنّه ربما يكون في السؤال قرينة على أنّ المراد بـ « كلّ شي‌ء » : كل شي‌ء سأل سائل عنه وشبهه فلا يعم الماء وانّها إنما اشتملت على الحكم بطهارة ما يراه ماء المطر دون غيره ، وهو إنّما يلاقي بعض أجزاء الماء ، ولو بعد الامتزاج ، فغاية الأمر طهره به دون باقي الاجزاء.

ثم إنه لا شبهة في أنّه يعارضه لملاقاة الأجزاء النجسة فيعود نجسا لأنّه قليل لاقى نجاسة.

موهونة ؛ أمّا الأوّل فلاعتضاد الخبر بما ذكرناه.

وأمّا الثاني فبأنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المورد ، ومجرد الاحتمال المذكور لا يقضي بالتخصيص سيما مع كون العموم لغويا مع أنّ السؤال مذكور في الخبر وليس فيه ما يفيد ذلك ، بل انما يفيد العكس ، وأمّا الثالث فبأنّ طهر الأجزاء الملاقية كاف في تطهير الباقي ؛ لكونه ماء طاهرا ملاقيا لملاقيه وهكذا ، فيسري الطهارة إلى الجميع في آن واحد ، ولو بعد الامتزاج بناء على اعتباره في التطهير.

ولا وجه حينئذ لعود النجاسة إليه من تلك الأجزاء ، ومع الغضّ عن ذلك فلا وجه لعود النجاسة إلى الأجزاء الملاقية مع بقاء ملاقاتها للماء المعتصم ، فلا بد إذن من الحكم بطهر الجميع ؛ لما عرفت من اتحاد حكم الماء الواحد في السطح الواحد.

ومنها : صحيحة هشام ورواية محمد بن مروان المقدّمتين الواردتين في الميزابين السائلين ، فإنّ بقاء طهارته مع الامتزاج بالبول وتطهيره له بالاستهلاك قاض ببقاء طهارته مع الامتزاج بالماء النجس وتطهير له بالأولى.

١١٩

والمناقشة فيه بأنّ أقصى ما يفيده الخبران تطهيره لكل ماء متنجس إذا جرى وحصل الامتزاج ، وأمّا تطهيره لكرّ من الماء أو أزيد مثلا بمجرد جريان المطر وإن قلّ فلا ؛ لاحتمال أن يكون التطهير في ذلك لكون ماء المطر أزيد من البول كما هو المعهود عادة أو مساويا له ؛ مدفوعة بأن تسليم تطهيره الماء النجس بالامتزاج على ما يستفاد من الخبرين قاض بتطهيره له كذلك مع القلّة والكثرة من غير فرق ؛ إذ لا فرق بين قليل المطر وكثرته نظرا إلى اعتصامه بالمادة المساوية. غاية الأمر أنه مع اعتبار الامتزاج في التطهير لا بدّ من امتزاج القطرات النازلة المجموع عليه وهكذا.

قال بعض الأفاضل بعد ذكر المناقشات المذكورة : إلّا أن الظاهر إجماع الأصحاب ـ خصوصا المتأخرين ـ فهم على تطهيره إذا تحقق الجريان قولا وفعلا ، فان تحقق فهو الحجة ، ويبقى التردّد بعد أنّ النازل من السماء من القطرات هل يطهر أو ليس المطهر إلّا ما يجري من الميزاب ونحوه.

والظاهر هو الثاني نظرا إلى الانفصال في الأول.

وضعفه ظاهر بعد ما عرفت ، فإنّ انفصال القطرات بعضها عن بعض في معنى الاتصال ؛ إذ لا يكون الاتصال بالمادة السماوية إلا على النحو المذكور.

وقد نبّه عليه الفاضل المذكور حيث نصّ بأنّ اعتصام الماء الجاري من الميزاب إنّما هو بالقطرات النازلة عليه من السماء ، وقد نصّ بعد ذلك أيضا بأنّ تطهير الغيث للبئر مشكل.

إذا العمدة في الحكم بتطهيره بالماء هو الإجماع كما عرفت ، ولا إجماع هنا ، وهو أيضا كما ترى.

والحاصل أن المسألة في غاية الظهور والتشكيكات المذكورة في غاية الوهن كما لا يخفى ) (١).

__________________

(١) من أول التنبيهات « وهاهنا أمور ينبغي .. » إلى هنا ساقطة من نسخة ( ألف ) و ( ب ) و ( د ) ، وأدرجناها من ( ج ) ، فاغتنمها.

١٢٠