تبصرة الفقهاء - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-000-6
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٢٨

يثبت خلافه والمفروض ثبوته قبل طروّ تلك الحالة لو لاقته نجاسة.

وأمّا مع عدم طروّ النجاسة عليه حينئذ و (١) وصوله إلى المقدار المذكور فقضية ما قلناه بقاء تلك الحالة.

واستصحاب قبول الانفعال غير متّجه بل الأمر بالعكس ؛ لقضاء الأصل والعموم بعدمه إلّا فيما دلّ الدليل عليه. وغاية ما دلّ عليه هو ما قبل الإكمال. وأمّا بعده فقضيّة الاستصحاب والعموم المذكور (٢) البقاء على الطهارة.

والحاصل : أن الحكم بأصالة الانفعال بالملاقاة هو عكس ما اقتضاه الدليل من الأصل والعموم من البناء على عدمه.

نعم ، لو تفرّع الانفعال على صفة ثابتة في الأول وأمكن استصحابها تفرّع عليها الحكم بالانفعال ، وهو غير جار في محلّ الكلام ؛ لما عرفت من عدم جريان استصحاب القلّة في المقام ، فتأمّل.

وعن الثاني بأنّ الماء المفروض بعد ورود النجاسة عليه محكوما بطهارته شرعا ، فيكون مطهّرا ؛ إذا المانع من طهوريّة القليل على القول باعتبار الورود فيه انفعاله لملاقاة النجاسة ، فلا يطهر ما يلاقيه ؛ إذ غاية ما يثبت من الأدلّة طهوريّة الوارد دون المورود ، فحينئذ نقول : إنّ عمومات طهوريّة الماء كافية فيه.

وأمّا على القول بعدم الفرق بين الورودين في ذلك فالأمر واضح.

وفيه : أنّ بقاء الطهارة نظرا إلى الأصل لا يقضي بتطهيره لما يلاقيه على أي وجه كان.

نعم ، قضيّة بقاء الطهارة بالأصل تطهيره لما يلاقيه في الجملة لما (٣) هو معلوم من أن تطهير النجس مع وروده على الماء مشروطا ببلوغه حدّ الكرّ ، فكيف يمكن الحكم بحصول الطهارة في المقام مع الشكّ في حصول الشرط ، فغاية الأمر حينئذ هو الحكم ببقاء الطهارة.

__________________

(١) زيادة الواو من ( د ).

(٢) لم يرد في ( ب ) : « المذكور البقاء .. الأصل والعموم ».

(٣) لم ترد في ( ج ) : « لما ».

١٦١

وأمّا طهوريّته على النحو المذكور بعد البناء على الاشتراط المفروض مع الشكّ في حصوله فممّا لا وجه له أصلا.

نعم ، إنّ ورود الماء المفروض بعد ملاقاة النجاسة عليها قضت أصالة البقاء على الطهارة بطهوريّتها حسب ما ذكر ، ولا يعارضه استصحاب النجاسة في الآخر ؛ لما هو معلوم من أن الحكم باستمراره مغيّى بالعلم بالمزيل بحسب الشرع ، وقد علم ذلك من تطهيره بما علمت طهارته بحكم الشرع.

كيف ولو صحّ تعارض الاستصحابين في المقام لما جاز التطهير بشي‌ء من المياه الّتي يثبت فيها الطهارة بالاستصحاب ، وهو خلاف إجماع المسلمين بل الضرورة من الدين.

فظهر بذلك أنّ قضية الأصل في المقام جريان حكم (١) الكرّ في الماء المفروض بالنسبة إلى الاعتصام عن الانفعال وجريان حكم القليل فيه بالنسبة إلى كيفية التطهير ، لكن لا يبعد أن يقال : إنّه بعد الحكم بطهوريّة الماء المفروض لا بدّ من الحكم بتطهيره لما يلاقيه ، ولو على الوجه المفروض ؛ لصدق اسم الغسل بالماء الطاهر ، وإنّما لا (٢) يطهر بالورود عليه بناء على القول المذكور من جهة انفعال القليل بالملاقاة فيتنجّس به الماء من دون أن يقتضي بالتطهير ، ومع عدم انفعاله في ظاهر الشرع لا وجه لعدم الحكم مع القلّة بطهوريته على الوجه المذكور ، فالأظهر قضاء الأصل في المقامين بالطهارة والطهوريّة ، وهو مفاد الكرّية.

الثاني : إن « الأرطال » في الرواية المتقدمة (٣) الّتي هي الأصل في المسألة محمولة على الأرطال العراقية تقديما لعرف الراوي على المرويّ عنه. والرواية وإن كانت مرسلة إلّا أنّ الظاهر كون الراوي عراقيا ؛ إذ غالب الرواة من أهل العراق ، والمرسل هو ابن أبي عمير ، وعمدة مشايخه من العراقيين.

مضافا إلى أنّ المستفاد من غير واحد من الأخبار اشتهار الأرطال العراقيّة في ذلك

__________________

(١) لم يرد في ( ب ) : « حكم الكرّ .. وجريان ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « لا ».

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٦٧ ، ح ١.

١٦٢

العصر ، فربّما ينصرف الإطلاق إليها ، فقد ورد في بعض الأخبار تفسير الأرطال المطلقة بأرطال مكيال العراق وفسّر الصاع في بعض الروايات بتسعة أرطال ، ويراد (١) به العراقي قطعا.

ويؤيّده أيضا فهم معظم الأصحاب منه ذلك واشتهار الحكم به بينهم ، فإنّ القول بإرادة المدني فيها لم يظهر إلّا من المذكورين. والمعروف بين من تأخّر (٢) عنهم هو العراقيّة بلا خلاف يعرف بينهم سوى بعض متأخري المتأخرين كما أشرنا إليه لوجه ضعيف سنشير إليه إن شاء الله تعالى.

الثالث : ما في صحيحة محمّد بن مسلم من أنّ الكرّ ستمائة رطل (٣) بحمل الرطل فيها على المكّي الّذي هو ضعف العراقي لكون الراوي لها من حوالي مكّة ولعدم ظهور القائل به من الأصحاب لو لا حملها عليه وإلا لزم طرحها ، وللجمع بينها وبين الرواية المتقدّمة فيكشف كلّ منهما عمّا هو المراد بالآخر.

وربّما يشهد له أنه قد روى ابن أبي عمير أيضا بطريق فيه إرسال عن الصادق عليه‌السلام إنّ الكرّ ستمائة رطل (٤). فتعيّن الوجه المذكور للجمع بين روايته (٥).

بل احتمل بعضهم اتحاد الروايتين بل يحتمل اتحاد الروايات الثلاث على أن يكون روايته الثانية هو رواية محمّد بن مسلم ويكون ما في روايته الأولى نقلا لذلك بالمعنى على حسب ما هو المتعارف بينهم في الأرطال.

* * *

__________________

(١) في ( ب ) : « ومراد ».

(٢) في ( ألف ) : « متأخّر » ، بدل : « من تأخّر ».

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٦٨ ، ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١ / ١٦٨ ، ح ٢.

(٥) في ( د ) : « روايتيه ».

١٦٣

حجة القول الآخر أمران :

أحدهما : حمل الرطل في الحديث المتقدّم على الرطل المدني ؛ ترجيحا لعرف المروي عنه.

ثانيهما : الاحتياط.

ويظهر من السيد في الانتصار ورود روايات به وقيام إجماع الفرقة عليه حيث قال بعد ذكر تحديده بألف ومأتي رطل : أمّا المدني (١) في مقابلة تحديد (٢) ابن حيّ بثلاثة آلاف رطل ، إن تحديدنا بالأرطال التي ذكرناها أولى من تحديد ابن حيّ (٣) ؛ لأنّا عوّلنا في ذلك على آثار معروفة مرويّة ، وإجماع الفرقة قد دلّ الدليل على أنّ فيهم الحجّة وابن (٤) حي لا يدرى كيف حدّده بثلاثة آلاف رطل وعلى ما ذا اعتمد (٥)؟!

ودفع الأوّل ظاهر ممّا (٦) قرّرنا ، فلا حاجة إلى إعادته. والاحتياط لا يقوم حجّة شرعيّة.

وذكر صاحب الحدائق (٧) : إنّ التحقيق في المقام أن يقال : إنّ الأخبار الواردة في الكرّ القائلة بأنّه « إذا بلغ الماء كرّا لم ينجّسه شي‌ء » دالّة بمنطوقها (٨) على أنّه مع العلم ببلوغ الكرّية لا ينجسه شي‌ء ، وبمفهومها ـ الّذي هو حجّة صريحة صحيحة ـ على أنّه مع العلم بعدم بلوغه كرا ينجس بالملاقاة تعلّق الحكم بنجاسة ذلك الماء على العلم ببلوغه كرا. ومقتضى هذين التعليقين. ومقتضى الاخبار الدالّة على وجوب التوقّف ، التوقّف عن الحكمين والوقوف على جادة الاحتياط في العمل.

__________________

(١) في ( د ) : « بالمدنيّ » ، بدل : « أمّا المدنيّ ».

(٢) في ( ج ) : « تحديده الجاجي » ، بدل : « تحديد ابن حيّ ».

(٣) في ( ج ) : « الحاحى » ، بدل : « ابن حيّ ».

(٤) في ( ج ) : « فهم الحجة والحاحي ».

(٥) الانتصار : ٨٥.

(٦) في غير ( د ) : « ما ».

(٧) الحدائق الناضرة : ١ / ٢٦٠.

(٨) في ( د ) : « أيضا » ، بدل : « بمنطوقها ».

١٦٤

قولهم : الاحتياط ليس بدليل شرعيّ ، على إطلاقه ممنوع ؛ لما عرفت في المقدمة الرابعة من أن الاحتياط في مثل هذه الصورة من الأدلّة الشرعيّة. انتهى.

ويرد عليه ، أمّا أوّلا : فبأنّ ما ذكره من وجوب الاحتياط في المقام فاسد ، بل مقتضى الأصل والعموم هو المتّبع حتى يقوم دليل على تنجسه بملاقاة النجاسة حسبما مرّ الكلام فيه.

وتفصيل الكلام في ذلك في الأصول.

وأمّا ثانياً : فبأنّ أخذ العلم في المنطوق والمفهوم غير متّجه في المقام لإناطة الحكم في الرواية بالواقع دون العلم. وقد ذكر في الحاشية في وجه التّقييد به أنّ مناط الحكم بالطهارة والنجاسة هو علم المكلّف به لا مجرّد كونه كذلك في الواقع. وأحال ذلك إلى ما قرّرنا في مقدّمات الكتاب من بيان ذلك.

ويدفعه أنّ ما أنيط به الحكم المذكور هو العلم الشرعيّ سيّما بالنسبة إلى ما نحن فيه حيث إنّ الكلام في ثبوت الحكم الشرعي دون موضوعه. ومن البيّن أنّ العلم القطعي غير معتبر في المقام وإلّا لما اكتفى في الحكم بتنجّس الماء بملاقاة ما دلّ الدليل الشرعي على نجاسة من النجاسات العينيّة أو المتنجسات إذا لم يفد العلم القطعي بنجاسة الواقعي. وهو فاسد عنده قطعا بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه أصلا فكذا الحال في المقام.

وقد عرفت قضاء الأصل والعمومات بطهارة الماء المفروض بعد ملاقاة النجاسة ، فيكون كرّا ؛ إذ ليس المراد به إلّا ما يقتضي عصمة الماء من الانفعال بالملاقاة.

وأمّا ثالثاً : فبان قضيّة ما ذكره أخذ العلم في مفهوم النجاسة دون الطهارة ، فلا وجه لاعتبار التقييد المذكور في جانب الطهارة أيضا ؛ فإنّ النجس ـ بناء على ما قرّره ـ هو ما علم نجاسته ، والطاهر ما لم (١) يعلم نجاسته. وقضية ذلك الحكم بالطهارة في المقام.

ثمّ إنّ ما يستفاد من كلام السيّد (٢) من دلالة الروايات عليه فممّا لا نقف (٣) عليه في الروايات

__________________

(١) في ( ب ) : « والظاهر ما لم » ، ولا توجد « لم » في ( ألف ).

(٢) الانتصار : ٨٥.

(٣) في ( د ) : « لم يقف » ، بدل : « لا نقف ».

١٦٥

الواصلة إلينا ، ولا أشار إليه أحد من علمائنا. وكأنّه مبني على حمل اللفظ على عرف المتكلّم فيرجع إلى الوجه الأوّل.

وما ادّعاه من الإجماع (١) على فرض صرفه إلى الخصوصيّة المذكورة أيضا دون أصل المقدار في مقابلة ما ذكره ابن حي ، موهون بمصير المعظم على خلافه كما عرفت.

هذا ، واعلم أنّ المشهور في مقدار الرطل أنّه مائة وثلاثون درهما فيكون بالمثاقيل الشرعيّة أحدا وتسعين مثقالا. وذهب العلامة رحمه‌الله في بحث نصاب الغلات من التحرير والمنتهى أنّه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، فيكون تسعين مثقالا شرعيا. وهو محكيّ عن أحمد بن علي ـ وهو من العامة ـ في كتاب الحاوي.

والأظهر هو الأوّل.

ويدلّ عليه الشهرة العظيمة المعلومة من مذهب الأصحاب ، والمنقولة في كلام جماعة بل لا يعرف مخالف فيه سوى العلامة رحمه‌الله في خصوص ما ذكر من كتابيه. وهو موافق للمشهور في غيرهما.

وفي (٢) مثل هذه المسألة يكتفى فيه بمطلق المظنّة (٣) فإنّها من قبيل الموضوعات اللفظيّة.

ويمكن الاحتجاج عليه أيضا بما رواه الشيخان رحمهما‌الله في الكافي والتهذيب عن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام على يدي أبي : جعلت فداك! إنّ أصحابنا اختلفوا في الصّاع ، بعضهم يقولون الفطرة (٤) بصاع المدني وبعضهم يقولون بصاع العراقي ، فكتب إليّ : « إنّ الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي » ، قال : وأخبرني أنّه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة ، فيكون كلّ رطل بالعراقي مائة وثلاثين وزنة (٥).

__________________

(١) في ( ألف ) : « الإجمال ».

(٢) لم ترد في ( د ) : « في ».

(٣) في ( ج ) و ( د ) : « الظنّ ».

(٤) لم يرد في ( ب ) : « الفطرة بصاع المدني وبعضهم يقولون ».

(٥) الكافي ٤ / ١٧٢ ، ح ٩ ؛ تهذيب الأحكام ٤ / ٨٤ ، ح ١٧ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٣٤٠ ، ح ١.

١٦٦

والظاهر أنّه يريد بالوزنة مقدار الدرهم. ونشير إليه أنّه روى الصدوق رحمه‌الله هذا الخبر بعينه في العيون (١) وذكر الدرهم بدل الوزنة.

وهذه التتمة يحتمل أن يكون من المكاتبة (٢) بحمل الإخبار على (٣) الإخبار في الكتابة.

ويحتمل أن يكون من كلام الإمام عليه‌السلام بإخباره إيّاه بلا واسطة أو بإخبار أبيه عنه حيث إنّه الواسطة.

ويحتمل أن يكون من كلام جعفر ، فيكون الإخبار منه لمن روى عنه ، وعلى الأخير (٤) الآخر لا تكون رواية لكنّه في مقام (٥) لا يبعد التعويل عليه.

وفي رواية إبراهيم بن محمد الهمداني أنه قال : اختلفت (٦) الرواية في الفطرة ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام صاحب العسكر أسأله عن ذلك ، فكتب : (٧) « الفطرة صاع من قوت بلدك .. » إلى أن قال : « تدفعه وزنا ستة أرطال رطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما » (٨) فيكون الرطل العراقي مائة وثلاثين لما دلّ من المستفيضة على (٩) كون العراقي ثلثي المدني.

وما في الخبرين المذكورين (١٠) من ضعف في الإسناد مجبور بالشهرة العظيمة ، فالقول المذكور من العلامة رحمه‌الله ضعيف جدا.

ثم إنّ كلّ درهم نصف مثقال وخمساه فكلّ عشرة دراهم سبع مثاقيل شرعية ، وكلّ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٧٦ ، ح ٧٣.

(٢) في ( ألف ) : « الكانية ».

(٣) لم يرد في ( ب ) و ( ج ) : « على الأخبار ».

(٤) في ( ب ) : « من الآخر ».

(٥) في ( د ) : « مثل المقام » ، بدل : « مقام » ، وهو أظهر.

(٦) في غير ( د ) : « اختلف ».

(٧) زيادة في ( د ) : « أنّ ».

(٨) تهذيب الأحكام ٤ / ٧٩ ، ح ١ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٢٤٤ ، ح ٢.

(٩) في ( د ) : « في » ، بدل « على ».

(١٠) في ( د ) : « المزبورين ».

١٦٧

مثقال منها زنة (١) دينار ، والدينار ممّا لم يختلف وزنه عمّا كانت عليه في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير خلاف فيه يعرف.

وقد حكي اتفاق (٢) الخاصة والعامة عليه ، وهو ثلاثة أرباع المثقال الصير في حسب ما نصّوا عليه.

وأمّا الدرهم فقد اختلف الحال (٣) فيه. و (٤) ذكر جماعة أنّ الدرهم في صدر الإسلام كان نوعين : أحدهما كان وزنه ثمانية دوانيق ، وهي البقليّة (٥) ، والآخر نصفه أربع دوانيق ، وهي الطبرية ، فجمعا (٦) في الإسلام واخذ (٧) نصف المجموع ، فاستقر أمر الدرهم على ستّة دوانيق ، وهو المقصود في المقام.

__________________

(١) في ( د ) : « مائة » ، بدل « زنة ».

(٢) في ( ب ) : « عن اتفاق ».

(٣) مفتاح الكرامة ٢ / ١٠٦ ـ ١٠٨.

(٤) زيادة في ( د ) : « قد ».

(٥) في ( د ) : « البغلية ».

(٦) في ( د ) : « مجمعا ».

(٧) في ( د ) : « واحدا لنصف » ، بدل « اخذ نصف ».

١٦٨

تبصرة

[ في تقدير الكر بالمساحة ]

الطريق الثاني : تقديره بالمساحة.

وقد اختلف فيه كلام الأصحاب على أقوال :

أحدها : ما ذهب إليه الأكثر من تحديده بما يبلغ بمكسّره (١) اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر. ذهب إليه جماعة من القدماء والمتأخرين منهم الصدوق (٢) في الهداية ـ وجعله في الأمالي رواية كما سيجي‌ء الإشارة إلى كلامه رحمه‌الله ـ والشيخ في النهاية (٣) والمبسوط (٤) والطوسي والحلي (٥) وابن زهرة (٦) والفاضلين والشهيد (٧) ـ في متونه الأربعة ـ والسيوري والمحقق الكركي (٨) ـ في عدّة من كتبه ـ وصاحب المعالم.

وحكي القول به عن السيد (٩) والقاضي (١٠).

__________________

(١) في ( ج ) : « بكسره ».

(٢) الهداية : ٦٨ ونصه : والكر ثلاثة أشبار طول ، في عرض ثلاثة أشبار ، في عمق ثلاثة أشبار ، لكن في بعض نسخ : ثلاثة أشبار ونصف طول ...

(٣) النهاية : ٥ ، ونصه : حد الكر ثلاثة أشبار ونصف طولا في ثلاثة أشبار ونصف عرضا في ثلاثة أشبار ونصف عمقا.

(٤) المبسوط ١ / ٦.

(٥) المحقق الحلي في شرايع الإسلام ١ / ١٠ ، والعلامة الحلي في مختلف الشيعة ١ / ١٨٤.

(٦) غنية النزوع : ٤٥.

(٧) الدروس ١ / ١١٧ ، والذكرى : ٨ ، والشهيد الثاني في مسالك الإفهام ١ / ١٥.

(٨) جامع المقاصد ١ / ١١٦.

(٩) مدارك الأحكام ١ / ٤٩.

(١٠) المهذب لابن البراج ١ / ٢١.

١٦٩

وفي الغنية (١) حكاية الإجماع عليه.

وقال في المعتبر (٢) : لا تصغ إلى من يدعي الإجماع هنا ؛ فإنّه يدّعي (٣) الإجماع في محلّ الخلاف.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلامهم جدّا حكاها الفاضل (٤) والشهيدان (٥) وأصحاب المدارك (٦) والمعالم والذخيرة (٧) والمشارق (٨) والبحار (٩) والحدائق (١٠) وغيرهم.

وعزاه الطريحي (١١) في مجمع البحرين إلى جمهور متأخري الأصحاب.

والمحقق الأردبيلي (١٢) أنكر الشهرة في المقام (١٣) ، ولا تقلّد فإنّ الشهرة لا أصل لها.

ثانيها : ما يبلغ مكسّره سبعة وعشرين شبرا.

اختاره الصدوق في الفقيه (١٤) والمقنع (١٥) والمحقق في المعتبر (١٦) ميلا إليه والعلّامة رحمه‌الله في

__________________

(١) غنية النزوع : ٤٦.

(٢) المعتبر ١ / ٤٦.

(٣) في ( د ) : « مدّعى ».

(٤) كشف اللثام ١ / ٢٦٦.

(٥) الذكرى : ٨ ؛ شرح اللمعة ١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧.

(٦) مدارك الأحكام ١ / ٤٩.

(٧) ذخيرة المعاد ١ / ١٢٢.

(٨) مشارق الشموس ١ / ١٩٧.

(٩) بحار الأنوار ٧٧ / ١٩.

(١٠) الحدائق الناضرة ١ / ٢٦١.

(١١) مجمع البحرين ٤ / ٣١.

(١٢) مجمع الفائدة ١ / ٢٦٠.

(١٣) زيادة في ( د ) : « قال ».

(١٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٦.

(١٥) المقنع : ٣١.

(١٦) المعتبر ١ / ٤٦.

١٧٠

المختلف (١) إليه (٢) والشهيد الثاني (٣) في الروض والروضة.

واختار (٤) جماعة من المتأخرين (٥) منهم المحقق الأردبيلي وشيخنا البهائي والفاضلان المجلسيّان وشارح الدروس.

وعزاه في كشف الرموز (٦) إلى والد الصدوق ، وفي السرائر (٧) إلى القمّيين.

ثالثها : ما بلغ مكسّره ستّا وثلاثين شبرا. مال إليه في المعتبر ، واختاره صاحب المدارك (٨).

وجزم الفاضل المجلسي (٩) في شرح الفقيه ببلوغه حدّ الكرّ.

رابعها : ما يبلغ أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا (١٠) جمعا. حكاه العلّامة (١١) رحمه‌الله عن القطب الراوندي ، وقد اشتهرت نسبة ذلك إليه بعده. وكأنّها مأخوذ (١٢) منه.

وفي كشف اللثام (١٣) أنه اكتفى القطب الراوندي في حلّ (١٤) المعقود (١٥) من الجمل والعقود بجميع المقادير الثلاثة.

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ / ١٨٤.

(٢) لم ترد في ( د ) : « إليه ».

(٣) شرح اللمعة ١ / ٢٥٧ ؛ روض الجنان : ١٤٠ ـ ١٤١.

(٤) في ( د ) : « اختاره ».

(٥) مجمع الفائدة ١ / ٢٦٠ ؛ وشيخنا البهائي في مشرق الشمسين : ٣٧٥.

(٦) كشف الرموز ١ / ٤٧.

(٧) السرائر ١ / ٦٠.

(٨) مدارك الأحكام ١ / ٤٩.

(٩) من لا يحضره الفقيه ١ / ٦.

(١٠) في ( د ) : « أيضا » ، بدل « ونصفا ».

(١١) مختلف الشيعة ١ / ١٨٤.

(١٢) في ( د ) : « مأخوذة ».

(١٣) كشف اللثام ١ / ٢٦٧.

(١٤) في ( د ) : « جمل ».

(١٥) في ( د ) : « العقود ».

١٧١

وعليه فقد يكون الكرّ ما هو المشهور بين الأصحاب إذا كان كلّ من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصفا ، وقد يكون مقدار كأس من ماء إذا وضع في أنبوبة يكون طوله عشرة أشبار ونصفا إلا عرض إصبع ، ويكون كلّ من عرضه وعمقه نصف إصبع.

وقد أورد عليه بأنّ صدور مثل هذا التحديد العظيم الاختلاف لا يخلو من غرابة.

قلت : وأغرب من ذلك التزام اختلاف حال الماء على الوجه المسطور بحسب اختلاف أشكاله وظروفه.

قال شيخنا البهائي (١) : انّ الّذي يظهر أنّ مراد القطب رحمه‌الله أنّ الكرّ هو الّذي لو تساوت أبعاده الثلاثة لكان مجموعها عشرة أشبار ونصفا. وحينئذ ينطبق كلامه على (٢) المذهب المشهور.

وهذا التوجيه ممّا لا شاهد عليه في كلامه سوى الاستبعاد المذكور ، فحمل كلامه عليه رجم بالغيب.

والصواب أنّ ذلك كلّه مبنيّ على الغفلة في النقل ؛ فإنّه وإن قال في المقام بالجمع بين الأبعاد إلّا أنّه نصّ أيضا على اعتباره (٣) تقارب أجزاء الكر حسب ما مرّت الإشارة إليه ليرجع (٤) ما ذكره إلى المشهور بعد إرادة كون كلّ من أبعاده ثلاثة أشبار ونصفا على ما هو ببالي من كلامه.

خامسها : ما يبلغ مكسّره نحوا من مائة شبر. حكاه (٥) العلّامة وغيره عن الإسكافي.

سادسها : ما حكي عن السيّد علي بن طاوس (٦) رحمه‌الله من الاكتفاء بكلّ ما روي ، واستقر به

__________________

(١) الحبل المتين : ١٠٨.

(٢) لم يرد في ( ب ) : « على المذهب .. ، فحمل كلامه ».

(٣) في ( ب ) و ( ج ) : « اعتبار ».

(٤) في ( د ) : « فمرجع ».

(٥) نسبه الى ابن الجنيد في مختلف الشيعة ١ / ١٨٣ ؛ جامع المقاصد ١ / ١١٧ ؛ مفتاح الكرامة ١ / ٣٠١.

(٦) مدارك الأحكام ١ / ٥٢.

١٧٢

شيخنا الحر في الوسائل (١).

وفي المدارك (٢) أنّه لا بأس به إذا صحّ السند.

وربّما يظهر من جماعة التوقف في المقام حيث لم يرجّحوا شيئا بعد ذكر المسألة كابن فهد في المهذب البارع والصيمري في غاية المرام وصاحب الذخيرة.

ويحكى عن الشلمغاني تقديره بما لا يتحرك جنباه لو ألقي حجر في وسطه. قال الشهيد رحمه‌الله : وهو خلاف الإجماع (٣).

قلت : قد ذكر في كتاب الفقه الرضوي (٤) ما يوافقه ، ففيه : « وكلّ غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات ».

والعلّامة رحمه‌الله في ذلك أن يؤخذ بحجر فيرمى به في وسطه ، فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكر وإن لم يبلغ فهو كرّ لا ينجسه شي‌ء إلّا أن يكون فيه الجيف فيتغيّر لونه وطعمه ورائحته. انتهى.

والفتاوى والنصوص منطبقة (٥) على خلافه ، فلا معوّل عليه مع ما فيه من الضعف ، وقد يكون ذلك من دين الملاحدة لو ثبت صحة ذلك الكتاب في الجملة ، فإنّ الشلمغاني منهم.

والمعوّل عليه من هذه الأقوال هو القولان الأوّلان.

وأمّا باقي الأقوال فموهونة كما سنبيّن الحال فيها ، فلنفصّل القول في أدلّتهما :

أمّا القول الأول فاستدلّ عليه :

بالأصل نظرا إلى أنّ الكريّة شرط في اعتصام الماء ، فمع الشكّ في حصوله يبنى على عدمه حتّى يقوم دليل شرعي على ثبوته.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٦٧.

(٢) مدارك الأحكام ١ / ٥٢.

(٣) الذكرى : ٩.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩١.

(٥) في ( د ) : « مطبقة ».

١٧٣

وبالإجماع المحكيّ عن الغنية المؤيّد بالشهرة المستفيض النقل في كلام جماعة من الأجلة كما عرفت.

وعدّة من الروايات :

منها : موثقة أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكرّ من الماء كم يكون قدره؟

قال : « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء » (١).

وهذه الرواية أوضح أخبار هذا القول سندا.

وعن صاحب العوالي (٢) أن رواية أبي بصير هذا من المشاهير.

ومنها : ما رواه في المهذب البارع (٣) مرسلا عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في طوله ومثله ثلاثة أشبار ونصفا في عرضه ومثله ثلاثة أشبار ونصفا في عمقه في الأرض فذلك الكرّ ».

ويحتمل أن يكون ذلك عين الخبر الأوّل ويكون الاختلاف الحاصل فيه من اختلاف النسخ ، و (٤) دلالته على المدّعى حينئذ (٥) ظاهرة.

ومنها : ما رواه في التهذيب بإسناده عن الحسن بن صالح الثوري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان الماء في الركى كرّا لم ينجسه شي‌ء ». قلت : وكم الكرّ؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها » (٦).

ورواه الشيخ في الاستبصار في حكم الآبار مصرّحا بذكر الأبعاد الثلاثة ، وفيها : قلت : وكم الكر؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣ ، ح ٥ ؛ تهذيب الأحكام ١ / ٤٢ ، ح ٥٥ ؛ وسائل الشيعة ١ / ١٦٦ ، ح ٦.

(٢) في هامش عوالى اللئالي ٣ / ١١.

(٣) المهذب البارع ١ / ٨٢ ، وليس فيه من قوله : « طوله » إلى « ونصفا في عرضه و ».

(٤) في ( ب ) زيادة : « لا ».

(٥) في ( ألف ) : « في حينئذ ».

(٦) تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٨ ، باب المياه واحكامها ح ١.

١٧٤

ونصف عرضها » (١).

ومنها : مرسلة الأمالي (٢) حيث قال : روي أن الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار ونصف في طول وفي عرض وفي عمق. ويمكن أن يكون إشارة إلى أحد الخبرين المذكورين. وينجبر ما فيها من الضعف في الدلالة أو الإسناد بانضمام بعضها إلى البعض ، وباعتضادها بالشّهرة بين الأصحاب والإجماع المنقول بل الأصل في وجه.

ويرد على الأوّل أن قضيّة الأصل طهارة الماء إلى أن يعلم نجاسته ، ولا علم بالنجاسة مع نقصانه عن القدر المذكور بما لا ينقص عن كرّ القميين.

وقد مرّ تفصيل القول في ذلك في التقدير الأوّل.

وعلى الثاني أن الإجماع المذكور موهون بمصير كثير من الأصحاب إلى خلافه سيّما القمّيين المتقاربين (٣) لأعصارهم بل المعاصرين لهم عليهم‌السلام الآخذين بمضامين الروايات الواردة منهم عليهم‌السلام.

وقد أنكر المحقّق رحمه‌الله (٤) دعوى الإجماع في المقام كما مرّت الإشارة إليه ، وقد عرفت مناقشة المحقّق الأردبيلي (٥) في قيام الشهرة عليه فكيف بالإجماع.

وعلى الثالث أمّا على الموثقة فتارة بالمناقشة في إسنادها من جهة اشتمالها على عثمان بن عيسى ، وهو غير مصرّح عليه بالتوثيق ؛ مضافا إلى وقفه وسخط الإمام عليه‌السلام عليه. وحكاية توبته غير ثابتة (٦).

وعلى أبي بصير المشترك بين جماعة ، وفيهم بعض المجاهيل ، وقد طعن على بعضهم

__________________

(١) الإستبصار ١ / ٣٣ ، ح ٩.

(٢) عبارة المرسلة هكذا : روي أن الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا ؛ الأمالي : ٧٤٤.

(٣) في ( د ) : « المقاربين لأعصار الشيخ » بدل « المتقاربين لأعصارهم ».

(٤) المعتبر ١ / ٤٦ و ٤٧.

(٥) مجمع الفائدة ١ / ٢٦١.

(٦) انظر عن عثمان بن عيسى ومدى توثيقه وحكاية توبته : رجال النجاشي : ٣٠٠.

١٧٥

بالوقف.

وأخرى بالمناقشة في دلالتها لعدم اشتمالها على تحديد الأبعاد الثلاثة.

فقد يقال حينئذ بترك ذكر العرض بكون قوله « ثلاثة أشبار ونصف » بدلا عن مثله ، وقوله « في عمقه » متعلّقا بعامل مقدّر يقدّر حالا عن « ثلاثة أشبار ونصف » فلا يكون العرض مذكورا من أصله.

وقد يقال بترك بيان مقدار العمق بأن يكون قوله « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف » بيانا لمقداري الطول والعرض ، ويكون قوله « في عمقه » إشارة إلى ضرب ذلك في عمق الماء من دون بيان لمقداره.

ويمكن دفع الأول إما من جهة عثمان بن عيسى فيما تقرّر في محلّه من توثيقه بوجوه شتّى ، فغاية الأمر أن تكون الرواية (١) موثقة بل يحتمل عدّه من الصحاح إن قيل بثبوت توبته كما يومي إليه بعض الشواهد.

وكيف كان فلا ريب في مقبولية أخباره وربّما يعدّ خبره موثقا كالصحيح.

وإمّا من جهة أبي بصير فيما تقرّر في الرجال من اشتراك أبي بصير بين رجلين ثقتين لا ريب في شأنهما (٢) سيما إذا كان راويا عن الصادق عليه‌السلام ، فالمناقشة فيها من جهة السند في غاية الوهن.

ودفع الثاني بوجهين :

أحدهما : أن ترك البعد الثالث لا يمنع من صحة الاحتجاج إمّا لظهوره بالمقايسة ؛ إذ لو كان أقل أو أكثر لأشار إليه في مقام البيان أو لأنّ المتعارف في مثله التعبير بالبعدين ، ويراد به الأبعاد الثلاث كما إذا قيل إنّ هذا الحوض كم في كم؟ فيقال : ثلاث في ثلاث ، ويراد به أنّ كلّا من أبعاده ثلاث أو لأنّه بعد ثبوت كون كلّ من بعديه ثلاثا ونصفا يتعيّن ذلك في بعده الآخر

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « عنهم عليهم‌السلام ».

(٢) لا حظ عن أبي بصير المشترك كتب الرجال منها : اختيار معرفة الرجال ١ / ٣٩٧ ، سماء المقال في علم الرجال ١ / ٣١٨.

١٧٦

لعدم القول بالفصل.

ثانيهما : تفسير الرواية على وجه يشتمل على بيان الأبعاد الثلاث ، ويقرّر ذلك بوجوه :

منها : ما أشار إليه شيخنا البهائي (١) رحمه‌الله من الحكم بعود الضمير في قوله « في مثله » إلى ما دلّ عليه قوله « ثلاثة أشبار ونصفا » أي في مثل ذلك المقدار ، فيدلّ على بيان مقدار كلّ من الطول والعرض ، ويكون الضمير في قوله « في عمقه » عائدا إلى ذلك المقدار أيضا بقرينة عود ضمير « مثله » إليه. ورجوعه إلى الماء ممّا لا محصّل له مع ما فيه من التفكيك.

ومنها : ما أشار اليه رحمه‌الله (٢) أيضا من جعل قوله « ثلاثة أشبار ونصف في عمقه » منصوبا على أنه خبر ثان لـ « كان » ، لا مجرورا بالبدليّة والحال في بقية الخبر كما في الوجه المتقدّم.

ويرد على الأوّل أن إرجاع ضمير « في عمقه » إلى المقدار المذكور تكلّف ؛ إذ لا يتم ذلك إلّا مع جعل الإضافة بيانية ، وهو في المقام بعيد جدّا إن قلنا بجوازه في الإضافة إلى الضمير ، وقوله « ان عود الضمير إلى الماء ممّا لا محصّل له » إنّما يتمّ إذا جعل قوله « في عمقه » مضروبا فيه من دون بيان مقداره ، وأمّا إن كان متعلّقا بـ « مقدّر » يكون حالا من ثلاثة أشبار ونصف ، فأي مانع من رجوع الضمير إلى الماء؟

وعلى الثاني بأنّه لا يوافق كتابة الحديث ؛ فإن قوله « ونصفا » يكون معطوفا على ثلاثة أشبار ، فمع نصبها يكون منصوبا لا بد من كتابته بالألف.

وقد يذبّ عنه بلزوم الإيراد المذكور في الفقرة الأولى من الرواية لكتابة النصف هناك كما هنا على ما في بعض النسخ فما يلتزم في الجواب عنه هناك يلتزم به هنا أيضا.

وقد يقال حينئذ بكون الثلاثة مرفوعة بالابتدائية ، ويكون « في عمقه » خبرا عنه ويجعل الجمع خبر البيان.

وهذا الوجه مع بعده لا يصحّح (٣) الوجه المذكور بل هو توجيه آخر للرواية.

__________________

(١) مشرق الشمسين : ٣٧٦.

(٢) مشرق الشمسين : ٣٧٦.

(٣) في ( ألف ) : « لا يصح ».

١٧٧

وكيف كان فالوجهان المذكوران لا يصحّحان الاستناد إلى الرواية إلّا مع ظهور الخبر في أحدهما ولا شاهد عليه ، غاية الأمر صحّة حمل الرواية على كلّ منهما (١) ، ومجرّد الاحتمال لا يقضي بصحة الاستدلال.

ومنها : أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا » ما يشمل طول الماء وعرضه.

فالمقصود أن يكون سعة الماء الشاملة لطوله وعرضه بالغة إلى المقدار المذكور ، ويكون ما في الرواية بيانا لمقدار عمقه.

ومنها : أن يكون اسم « كان » ضمير شأن مستتر فيه ، ويكون قوله « الماء ثلاثة أشبار ونصف » مبتدأ وخبرا ، والجملة خبرا لـ ( كان ).

والمراد به أحد (٢) طرفي الطول والعرض ، وبقوله « في مثله » الطرف الآخر ، والمراد به ضرب أحد الطرفين في الآخر.

ويكون قوله « ثلاثة أشبار ونصف في عمقه » مع تقدير المبتدأ خبرا ثانيا لـ ( كان ) ، وقوله « في عقمه » متعلّقا بعامل مقدر يكون حالا عنه يعني كائنا في عمقه.

ولا يخفى بعد التوجيه المذكور ، وعدم مساعدته لنصف النصف كما في النسخة المشهورة ، فما قيل من أنه مع ما فيه من البعد أحسن التوجيهات في هذا الخبر لفظا ومعنى كما ترى.

وأنت خبير بأنّ ما ذكر من الوجوه إنّما يتمّ في مقام التوجيه لا في معرض الاحتجاج ؛ إذ بمجرّد الاحتمال لا يصح الاستدلال.

نعم ، لو انحصر الأمر من حمل الرواية على أحد الوجوه المذكورة فربّما أمكن الاحتجاج بها بل لا حاجة في تصحيح الاستدلال إلى ملاحظة شي‌ء منها ؛ إذ بعد حمل الرواية على المكعّب يتعيّن البعد الثالث بالمقايسة قطعا وإلّا سقط الكلام عن الإفادة ، والأمر في الزيادة

__________________

(١) في ( ج ) : « منها ».

(٢) في ( ألف ) : « أصل ».

١٧٨

سهل (١) لكنّه ليس كذلك لاحتمال حملها على المستدير كما يومي إليه رواية (٢) الثوري حيث فرضه في الركى ظاهر في المستدير.

وحينئذ فلا يفيد المدّعى بل يكون أقرب إلى تحديد القميين (٣) حيث يزيد عليه ستة أشبار ونصف تقريبا ، وينقص من المشهور تسعة ونصف تقريبا والأمر في الزيادة سهل لإمكان مراعاتها لأمور أخر بخلاف النقيصة.

وقد يقال بانجبار ضعفها في الدلالة بالشهرة بين الأصحاب لكن بلوغ الشهرة إلى تلك الدرجة غير ظاهر سيّما مع معارضتها بما هو أصحّ منها سندا وأوضح دلالة كما يأتي.

وأمّا على رواية المهذّب (٤) فبإرسالها. ويحتمل أن يكون نقلا بالمعنى للموثقة المذكورة بناء على فهمه تقدير الأبعاد الثلاثة.

وأمّا على رواية (٥) الثوري فبضعف إسنادها ودلالتها أيضا على ما في غيرها لعدم اشتمالها على تقدير الأفعال الثلاثة وظهورها في المستدير حسبما أشرنا إليه.

ويمكن حمل ما في الاستبصار (٦) أيضا على المستدير بأنّ بعد أحد الامتدادين في المستدير طولا والآخر عرضا نظرا إلى ظهور صدر الرواية في (٧) فرض الكرّ في المستدير على أنّ الظاهر في متن الرواية ما في التهذيب ؛ إذ الأصل في الرواية على حسب ما في الكتابين كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى والظاهر أنّ ما فيه مطابق لما في التهذيب لموافقته لرواية الكافي عنه الّذي هو أضبط الكتب الأربعة.

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « والأمر في الزيادة سهل ».

(٢) في المخطوطة : « ورواية ».

(٣) في ( د ) : « التعيين ».

(٤) المهذب البارع ١ / ٨٢.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٨ ، ح ١.

(٦) الإستبصار ١ / ٣٣ ، ح ٩.

(٧) الزيادة أثبتناها من نسخة ( ج ).

١٧٩

وأمّا على رواية الأمالي (١) فبضعفها بالإرسال ، مضافا إلى قوة احتمال كونها نقلا بالمعنى لإحدى الروايتين المذكورتين ، فلا تكون حجة أخرى.

وأمّا على القول الثاني : فيحتجّ عليه تارة بالأصل ـ وقد عرفت أن الأظهر قضاء الأصل بالقول بالأقل حسبما مرّ تفصيل القول فيه في المسألة المتقدمة ـ وأخرى بما رواه الشيخان في الصحيح على الأصحّ عن اسماعيل بن جابر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي‌ء؟ فقال : « كرّ » ، قلت : وما الكر؟ قال : « ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار » (٢).

وأورد عليه تارة بالمناقشة في إسناده من جهة اشتماله على محمّد بن خالد البرقي.

وقد ضعّفه النجاشي (٣) ولم يوثّق أيضا اسماعيل بن جابر ، بل لم يوثقه غيره أيضا عدا الشيخ رحمه‌الله في الأمالي (٤).

ومحمّد بن سنان حاله معروف في الضعف ، وقد نصّ على تضعيفه جماعة من علماء الرجال (٥).

وقد زعم جماعة صحة الرواية لتوهم كون ابن سنان الوارد في إسنادها عبد الله بن سنان حسبما وقع التصريح به في موضع من التهذيب.

وانتصر لهم شيخنا البهائي بما لا مزيد عليه.

ولكن الخبير الماهر في الرجال مع ملاحظة جميع ما ذكره يكاد يقطع بخلافه ، وأنّه محمّد بن سنان لا غير كما وقع التصريح به في موضع آخر من التهذيب.

وتارة بالمناقشة في دلالته لعدم اشتماله على البعد الثالث.

ويدفع الأوّل ما تقرّر في محلّه من توثيق البرقي واسماعيل بن جابر. وتوهينه بكون

__________________

(١) الأمالي للصدوق : ٧٤٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٣٨ ، ح ٤٠ ؛ الإستبصار ١ / ١٠ ، ح ٢.

(٣) رجال النجاشي : ٣٢ و ٢٣٥.

(٤) الأمالي ، الشيخ المفيد : ١٩١.

(٥) لاحظ عن محمد بن سنان : رجال النجاشي : ٣٢٨ ، رجال ابن داود : ١٧٤.

١٨٠